في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة101)



الظاهر هو الثاني; لأنّ قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلبَاب}(1) إنّما كان مسوقاً لبيان مشروعية القصاص وترتّب الحياة الاجتماعية عليه ، وأمّا ثبوته في مورد الشركة بالنسبة إلى أزيد من واحد فلا دلالة له عليه ، كما أنّ قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّه كَانَ مَنصُوراً}(2) ربّما يدلّ على العدم على تقدير كون المراد بالإسراف المنهيّ عنه هو قتل أزيد من واحد ، كما ورد تفسيره به في رواية أبي العبّاس الآتية ، وعلى تقدير كون المراد به هو عدم قتل غير القاتل وعدم المثلة بالقاتل ، كما في بعض الروايات التي أُشير إليها في المسألة المتقدّمة ، فلا دلالة للآية على شيء من طرفي النفي والإثبات ، كما لايخفى .
وكذا قوله تعالى: {وَكَتَبْنا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ}(3) إلى آخر الآية ، لا دلالة له على وقوع نفوس متعدّدة في مقابل نفس واحدة . وهكذا حديث نفي الضرر ، بناء على ارتباطه بالأحكام الكلّية الفقهيّة الإلهيّة ، كما لايخفى .
نعم ، يستفاد ذلك من الروايات الخاصّة الواردة في المقام:
منها: رواية الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في عشرة قتلوا رجلاً ، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً وغرموا تسع ديات ، وإن شاؤوا تخيّروا رجلاً ، وأدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية كلّ رجل منهم . قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم(4) .


(1) البقرة 2 : 179  .
(2) الإسراء 17: 33  .
(3) المائدة 5 : 45  .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 30  ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح6  .

(الصفحة102)



ومنها: رواية عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً ، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما ، وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول ، وإن لم يؤدّ دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قبل الدية صاحبه من كليهما ، وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما(1) .
وفي مقابلهما رواية أبي العبّاس وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاؤا ، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله عزّوجل يقول: {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلطاناً فَلاَ يُسرِف فِي القَتلِ}(2) .
ولكن حيث إنّ الشهرة بل الإجماع كما عرفت على خلافها ، فلا يبقى مجال للأخذ بها .
الثانية: إذا أراد الوليّ قتل الجميع فهل الواجب عليه أن يردّ الدية إليهم ، ثم يتصدّى للقصاص بحيث كان الأداء مقدَّماً على القصاص ، أو لا يجب عليه ذلك؟ مقتضى الروايتين المتقدّمتين العدم ، لوقوع العطف بالواو ، ولكن يدلّ على خلافه صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثم يقعطهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد . قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية(3) .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 30  ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح4  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 30 ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح7  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 140 ـ 141 ، أبواب قصاص الطرف ب 25 ح1 .

(الصفحة103)



إلاّ أن يقال: بأنّه لا دليل على تساوي قصاص النفس وقصاص الطرف في هذه الجهة ، فمن المحتمل ثبوت الفرق مضافاً إلى عدم وجود الجملة المشتملة على كلمة «ثم» في بعض نسخ نقل الرواية ، وسيأتي البحث في هذه الجهة في مسألة خمسين الآتية إن شاء الله تعالى .
الثالثة: ظاهر الروايتين المتقدّمتين في الجهة الأولى أنّه في صورة اختيار قتل البعض يثبت على المتروك الباقي الدية بقدر جنايته ، ولا عهدة على الوليّ في ذلك المقدار ، فإذا أراد قتل واحد من الإثنين القاتلين لا يجب على الوليّ ردّ نصف الدية إلى من أراد قتله ، بل العهدة في ذلك على المتروك الباقي ، فإذا لم يؤدّ الدية بمقدار جنايته لا يستحق على الوليّ شيئاً .
ويدلّ عليه أيضاً صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في عشرة اشتركوا في قتل رجل ، قال: يخيّر أهل المقتول فأيّهم شاؤوا قتلوا ، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدّية(1) .
الرابعة: ظاهر رواية الفضيل المتقدّمة وإن كان هو التخيير بين قصاص الجميع وبين قصاص الواحد ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي منه جواز اختيار أزيد من واحد ، ولو لم يكن هو الجميع ، فيجوز في مورد الرواية اختيار قصاص خمسة رجال . ودعوى عدم استفادة ذلك من الرواية لا ينبغي الإصغاء إليها .
كما أنّ المستفاد من الجمع بين ثبوت الدية على المتروك بقدر جنايته وبين ثبوت الزائد على الجناية على الوليّ إذا أراد قتل الجميع أنّه في صورة اختيار قصاص البعض ربّما يلزم على كليهما الأداء بالنسبة ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فأراد

(1) وسائل الشيعة: 19 / 29  ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح3  .

(الصفحة104)

مسألة 45 ـ تتحقّق الشركة في القتل بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد ، كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق ، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت ، وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، فلو اجتمع عليه عدّة فجرحه كلّ واحد بما لا يقتل منفرداً ، لكن سرت الجميع فمات فعليهم القود بنحو ما مرّ . ولا يعتبر التساوي في عدد الجناية ، فلو ضربه أحدهم ضربة والآخر ضربات والثالث أكثر وهكذا ، فمات بالجميع فالقصاص عليهم بالسواء والدية عليهم سواء . وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية ، فلو جرحه أحدهما جائفة والآخر موضحة مثلاً ، أو جرحه


اقتصاص الإثنين ، فإنّه يجب على المتروك أداء ثلث الدية ، وعلى الوليّ دية كاملة ، لاستحقاق كلّ منهما ثلثي الدية بعد كون الجناية بمقدار الثلث . فما عن كشف اللِّثام(1) في هذا الفرض من أنّه يؤدي الثالث ثلث الدية والوليّ ثلثي الدية ، فلعلّه لاشتباه في المحاسبة ، وإلاّ فقد عرفت استحقاق كلّ واحد ثلثي الدية ، فيصير المجموع دية كاملة وثلث ، وبعد استحقاق الثلث على المتروك يبقى على الولي دية كاملة ، كما لا يخفى .
ولا يخفى عليك أنّه لا يتصوّر هذا الفرض فيما لو كان المقتول قصاصاً واحداً ، فإنّه في هذه الصورة يكتفي بما أدّاه المتروك ، ولا يجب على الوليّ شيء في شيء من الموارد ، بل مورد هذا الفرض ما إذا كان المقتول كذلك أزيد من واحد ، كما في مثال شركة الثلاثة ، وعليه فما في المتن من قوله: لو فضل للمقتول أو المقتولين  . . . مخدوش من هذه الجهة ، فتدبّر .


(1) كشف اللثام: 2 / 447  .

(الصفحة105)

أحدهما وضربه الآخر يقتصّ منهما سواء ، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما1.


1 ـ ظاهر المسألة ثبوت كيفيتين لتحقّق الشركة في القتل:
إحداهما: أن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد كالأمثلة المذكورة في المتن ، وكما لو اشتركوا في تقديم الطعام المسموم ، وهذه الكيفية هي الكيفية الواضحة للشركة .
ثانيتهما: ما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، ومرجعه إلى عدم تأثير فعل كلّ واحد منهم مع الانفراد والاستقلال ، وأنّ التأثير مستند إلى المجموع ، وحينئذ يقع الكلام في المرد من قصد الجناية الذي وقع التقييد به في المتن تبعاً للشرائع(1) ، وإن كان ظاهر الجواهر(2) بل صريحه إرجاعه إلى كلتا الكيفيتين على خلاف ظاهر العبارة .
وكيف كان فالظّاهر أنّ المراد من قصد الجناية هو قصد القتل ، والمراد من التقييد به أنّه حيث لا يكون عمل كل واحد منهم مؤثِّراً في القتل بنحو الاستقلال ، فاللاّزم أن ينضمّ إليه قصد القتل حتّى تتحقّق الضابطة الثانية لقتل العمد ، وهي قصد القتل فيما إذا لم يكن العمل مؤثِّراً فيه غالباً .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، فإنّ استناد القتل إلى مجموع الأعمال يكفي في تحقّق قتل العمد من جهة الضابطة الأولى ، ولا يلزم الاقتران بقصد القتل ، ويؤيّده التفريع المذكور في المتن ، الخالي عن وجود القصد .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 978  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 69  .

(الصفحة106)

مسألة 46 ـ لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس ، فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل ، فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد ، وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية ، وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة1.


ويحتمل على بُعد أن يكون المراد من قصد الجناية هو قصد العمل غيرالمشروع ، وبعبارة أُخرى قصد تحقّق العدوان في مقابل ما إذا لم يكن المقصود هي الجناية ، بل شيئاً آخر غير محرَّم . ولعلّه منشأ ما عرفت من الجواهر من الإرجاع إلى كلتا الكيفيتين ، ولكنّه خلاف ظاهر الشرائع وصريح المتن .

1 ـ لا إشكال في أنّه كما يقتصّ من جميع الشركاء في القتل ، كذلك يقتصّ من الشركاء في الجناية على الأطراف . ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأولويّة ـ صحيحة أبي مريم الأنصاري المتقدّمة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد . قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية(1) . والرواية تدلّ على حكم الفروض الثلاثة المذكورة في المتن ، والمراد بربع الدّية هو ربع الدّية الكاملة الذي هو نصف دية يد واحدة .
ثمَّ إنّ ظاهر الرواية كما مرّ سابقاً ترتّب القطع على أدائه إليهما دية يد واحدة ، وقد مرّ أنّه لا ملازمة بين هذه الجهة في المقام ، وبينها في الشركة في القتل(2) ، فراجع .


(1  ، 2) تقدّمتا في ص102 ـ 103 .

(الصفحة107)

مسألة 47 ـ الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع ، بأن يكرهوا شخصاً على قطع اليد أو يضعوا خنجراً على يده واعتمدوا عليه أجمع حتى تقطع ، وأمّا لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما ، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها فقطع كل جزء منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد فلا شركة ولا قطع ، بل كلّ جنى جناية منفردة ، وعليه القصاص أو الدية في جنايته الخاصّة1.


1 ـ لا إشكال في تحقّق الشركة في الجناية على الطرف فيما لو اشتركوا في الفعل الواحد المقتضي للقطع ، كالمثالين المذكورين في المتن ، وكما لو شهدوا عليه بما يوجب القطع ثم يرجعوا ويكذِّبوا أنفسهم ، والظاهر تحقّقها بالكيفية الثانية المتقدّمة في الشركة في القتل ، كما لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة ، والثاني في موضع آخر كذلك ، والثّالث في موضع ثالث ، وسرى الجميع حتى سقطت اليد لعدم الفرق بين المقامين .
والملاك استناد القتل أو القطع إلى عمل المجموع وتأثيره فيه ، كما إذا لم يكن في البين إلاّ عمل واحد ، ومنه يظهر أنّه لا يكون من قبيل الشركة ما لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده ، كما إذا قطع أحدهما يده من الزند ، والآخر من المرفق أو المنكب، فإنّه يكون حينئذ جنايتان مستقلّتان من دون أن تتحقّق الشركة ، ولكلّ جناية حكمها من القصاص أو الدّية ، وكذا لو وضع أحدهما آلته فوق اليد والآخر تحتها ، فقطع كلّ جزءاً منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد ، فانّه حينئذ أيضاً يكون عمل كل واحد جناية مستقلّة من دون تحقّق الشركة في شيء منه ، حتّى الجزء الأخير الذي تحصّل به الإبانة التي هي من جملة القطع ، لا شيء خارج عنه كالموت.
وبالجملة: فالملاك في حصول الشركة وعدمها وحدة الجناية المتحقّقة من أزيد

(الصفحة108)

مسألة 48 ـ لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شيء ، ولو كنّ أكثر فللوليّ قتلهنّ وردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسوية ، فإن كنّ ثلاثاً وأراد قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة وهي بينهنّ بالسوية ، وإن كنّ أربعاً فدية امرأتين كذلك ، وهكذا ، وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكة ثلث ديّته على المقتولين (المقتولتين ـ ظ) بالسوية ، ولو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل1.


من واحد وتعدّدها ، فمع الوحدة تتحقّق الشركة لا محالة ، ومع التعدّد لا مجال لحصولها ، كما لايخفى .

1 ـ لا خلاف في أنّه لو اشترك في قتله امرأتان تقتلان به ولا ردّ ، إذ لا فضل لهما عن ديته . وفي صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أباجعفر (عليه السلام) عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً؟ قال: تقتلان به ، ما يختلف في هذا أحد(1) .
وعلى ما ذكر ، فلو كنّ أكثر من اثنتين يجوز للوليّ قتلهنّ أجمع ، وردّ فاضل ديته المساوية لاثنتين عليهنّ ، فإن كنّ ثلاثاً يردّ عليهنّ دية امرأة ، وإن كنّ أربعاً دية رجل ، وهكذا . وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض غير المقتولة ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت الباقية غير المقتولة ثلث دية الرجل على المقتولتين بالسوية ، وإن اختار في الفرض قتل واحدة تردّ الباقيتان اللّتان على عهدة كلّ منهما ثلث دية الرجل على المقتولة ثلث دية المرأة ، وعلى الوليّ تمام ديتها التي هي نصف دية الرجل .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 62  ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 15 .

(الصفحة109)

مسألة 49 ـ لو اشترك في قتل رجل رجلٌ وامرأةٌ فعلى كلّ منهما نصف الدية ، فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرّجل ، ولا ردّ على المرأة ، ولو قتل المرأة فلا ردّ ، وعلى الرّجل نصف الدية ، ولو قتل الرّجل ردّت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها1.


1 ـ ظاهر العبارة إنّ وليّ المقتول يتخيّر في مفروض المسألة بين أُمور أربعة:
أحدها: أخذ الدية من كلّ منهما بدلاً عن القصاص ، ومن الواضح أنّه لا يجوز أخذ الزائد من دية كاملة ، لعدم تحقّق قتل أزيد من واحد ، والدية بينهما على نحو التنصيف ، لاشتراك الجناية بينهما وإضافتها إليهما من دون ترجيح ، وكون دية المرأة نصف دية الرجل لا يقتضي عدم التنصيف بعد كون الدية في مقابل الجناية ، وهي مشتركة بينهما ، كما لا يخفى .
هذا ، مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً ، ويدلّ عليه بعض النصوص الآتية .
ثانيها: قتل كلّ من الرجل والمرأة ، ولا شبهة بملاحظة ما تقدّم في مشروعيّته وجوازه ، وعليه يجب على وليّ المقتول ردّ نصف الدية على الرجل فقط ، ولا يشترك فيه المرأة وفاقاً للأكثر ، بل المشهور(1) ، وخلافاً للمحكيّ عن مقنعة المفيد (قدس سره)(2): من أنّه يقسّم النصف بينهما أثلاثاً . والقاعدة موافقة لما هو المشهور ، لما عرفت من اشتراكهما في الجناية بنحو يكون النصف بحسابه والنصف بحسابها ، ولذا يجب على كلّ منهما نصف الدية كما عرفت في الأمر الأوّل ، فإذا كان النصف بحساب الرّجل فاللاّزم ردّ نصف الدية إليه فقط جبراً للنصف ، والمرأة لا تستحقّ شيئاً بعد

(1) النهاية: 745 ، المهذّب: 2 / 468 ، السرائر: 3 / 345 ، مسالك الأفهام: 15 / 104 .
(2) المقنعة: 752  .

(الصفحة110)



كون ديتها بقدر الجناية المتحقّقة منه من دون نقص وزيادة ، ولا مجال للتثليث  أصلاً .
ويؤيّده صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً خطأ ، فقال: إنّ خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ، ويردّوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم ، وإن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وتردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية ، وإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها ويردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية . قال: وإن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية ، وعلى المرأة نصف الدية(1) .
ولكن اشتمال الرواية على أنّ خطأ المرأة والغلام عمد ، مع كونه مخالفاً للمشهور بل الاجماع ، كما عن المجلسي (قدس سره) في المرآة(2) ، وللرّوايات الدالّة على أنّ عمد الصبيّ خطأ تحمله العاقلة يوجب الوهن فيها ، مع ثبوت الخلل فيها من بعض الجهات الاُخر أيضاً ، كما تأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى .
ثالثها: قتل المرأة فقط ، ولا ريب في جوازه بعد جواز قتلها مع الرجل معاً ، ولا ردّ عليها بعد كون جنايتها بمقدار ديتها . نعم يجب على الرجل الجاني غير المقتول نصف الدية وردّه إلى أولياء المقتول لإضافة نصف الجناية إليه ، واللاّزم تداركه بالدية التي هي نصف الدية الكاملة  . نعم في رواية أبي بصير المتقدّمة لزوم ردّ ربع الدية إلى أولياء المرأة ، وهي مخالفة للقاعدة ، والمشهور من جهتين ولا يمكن

(1) وسائل الشيعة: 19 / 64  ، أبواب القصاص في النفس ب 34 ح1  .
(2) مرآة العقول: 24 / 64  .

(الصفحة111)

مسألة 50 ـ قالوا: كلّ موضع يوجب الردّ يجب أولاً الردّ ثم يستوفى ، وله وجه . ثمّ إنّ المفروض في المسائل المتقدّمة هو الرّجل المسلم الحرّ والمرأة كذلك1.


الالتزام به .
رابعها: قتل الرجل فقط ، واللاّزم بمقتضى ما ذكرنا من إضافة الجناية إليه وإلى المرأة بالنصف لزوم ردّ نصف الدية إليه من جانب المرأة ، لإضافة النصف إليها ، واللاّزم تداركه وردّه إلى الرجل . والمحكيّ عن النهاية(1) والمهذَّب(2) لزوم ردّ ربع الدية الذي هو نصف دية المرأة من جانبها ، فلو كان المستند فيه هي رواية أبي بصير المتقدّمة فالظّاهر أنّه لا يمكن الإلتزام به بعد وجود الخلل فيها من جهات متعدّدة ، وإن كان المستند فيه هي القاعدة ، فمقتضاها النصف ، كما  عرفت .

1 ـ وقع التصريح بالتقديم في الشرائع(3) والقواعد(4) . ولابدّ أوّلاً من بيان أنّ العموم يشمل ما إذا كان من يجب عليه الرّد هو وليّ المقتول المتصدّي للقصاص ، وما إذا كان من يجب عليه الرّد هو الشريك في الجناية الذي لم يقصد قصاصه ، كما إذا اشترك رجلان في قتل رجل ، فإن أراد الوليّ قتلهما يكون الرّد واجباً عليه ، وإن أراد قتل أحدهما يكون الرّد واجباً على الشريك الباقي ، كما أنّ الظاهر شمول العموم

(1) النهاية: 745  .
(2) المهذّب : 2 / 468  .
(3) شرائع الإسلام : 4/979  .
(4) قواعد الأحكام : 2 / 285  .

(الصفحة112)



لما إذا كان قصاصاً في الطرف دون النّفس .
والظاهر أيضاً أنّ مراد القائلين بلزوم الرّد أوّلاً ليس مجرّد ثبوت حكم تكليفي نفسي ، بل مرادهم شرطية الرّد لثبوت حق القصاص ، بحيث إذا لم يتحقّق الرّد لم يكن له حقّ في القصاص ، لتوقّفه عليه واشتراطه به .
ثمّ إنّ البحث في المسألة تارة بلحاظ ما هو مقتضى القاعدة في الباب ، واُخرى بلحاظ الروايات الواردة فيها ، فنقول:
أمّا من جهة القاعدة: فالظاهر أنّ مقتضاها ـ فيما إذا كان من يجب عليه الرّد هو وليّ المقتول ـ هو عدم لزوم الرّد أوّلاً ، لأنّه بعد قيام الدليل على جواز قصاص أزيد من نفس واحدة في صورة تحقّق الجناية بنحو الاشتراك ، ودلالة الدليل أيضاً على لزوم ردّ الزائد على ما يقابل نفساً واحدة ، يفهم العرف ثبوت حقّين في المقام ووقوع التعارض بينهما ، ومن المعلوم أنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخر مع عدم قيام الدليل عليه .
وأمّا إذا كان من يجب عليه الردّ هو الشريك في الجناية ، فعدم لزوم الردّ أوّلاً أوضح ، لعدم الارتباط بين الحقّين: حقّ القصاص الثابت للوليّ وحقّ الردّ الثابت لأحد الشريكين على الآخر .
وأمّا من جهة الروايات: فأظهر الروايات الواردة في المقام صحيحة أبي مريم الأنصاري المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد فاقتسماها ثم يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد. قال: وإن قطع يدأحدهماردّالذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية(1) .


(1) تقدّمت في ص102 .

(الصفحة113)



حيث إنّ صدرها صريح بناء على بعض النسخ ، وظاهر بناءً على البعض الآخر ، في ترتّب القصاص على أداء دية يد أحد إليهما فيما إذا كان من يجب عليه الأداء هو المقطوع عدواناً ، وذيلها ظاهر في عدم لزوم الرّد أوّلاً فيما إذا كان من يجب عليه الأداء هو الشريك في القطع ، فالرواية ظاهرة في التفصيل ، وحمل قوله (عليه السلام) في الذيل: «وإن قطع يد أحدهما» على كون المراد إرادة القطع وحبّه ـ كما وقع التعبير به في الصدر ـ خلاف الظاهر جدّاً  ، وقد عرفت أنّ موضع القصاص في الطرف أيضاً من مصاديق المسألة .
نعم يبقى احتمال اختصاص الحكم بذلك وعدم شموله لما إذا كان هناك قصاص في النفس ، ويدفعه مضافاً إلى بعده في نفسه عدم القول بالفصل ظاهراً .
ومن الروايات صحيحة عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً ، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول . الحديث(1) . فإن اختلاف التعبير في الموردين ظاهر في التفصيل المذكور ، وإن لم يكن ظهورها بالغاً مرتبة الظهور في الرواية الاُولى .
ومنها: جملة من الروايات الواردة فيما إذا قتل رجل امرأة ، الظاهرة في ترتّب حقّ القصاص لأوليائها على أداء نصف الدية إليه ، التي منها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في الرجل يقتل المرأة متعمّداً ، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه ، قال: ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية ، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ، وإن

(1) وسائل الشيعة: 19 / 30  ، أبواب القصاص في النفس ب 12 ح 4 .

(الصفحة114)



قتلت المرأة الرجل قتلت به ليس لهم إلاّ نفسها الحديث(1) .
نعم رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة السابقة ظاهرة في خلاف التفصيل واشتراك الفرضين في عدم لزوم التقديم ، لكن قد عرفت ثبوت الاختلال فيها من  وجوه .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 59  ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح3  .

(الصفحة115)






القول
في
الشرائط المعتبرة في القصاص

وهي أُمور:
الأوّل : التساوي في الحرّية والرِّقيّة ، فيقتل الحرّ بالحرّ وبالحرّة لكن مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، وكذا تقتل الحرّة بالحرّة وبالحرّ لكن لا يؤخذ من وليّها أو تركتها فاضل دية الرجل1.


1 ـ المراد من التساوي المذكور عدم قتل الحرّ بالعبد لا العكس ، فإنّه لا إشكال في قتل العبد بالحرّ ، وقد فرّع عليه في المتن فروعاً أربعة:
الأوّل: قتل الحرّ بالحرّ ، ولا شبهة فيه ، بل هو المصداق الظاهر والفرد المتيقّن من القصاص ، وقد قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى} الآية(1) . والرّوايات من هذه الجهة متواترة .
الثاني: قتل الحرّ بالحرّة  ، ولا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه كما في

(1) البقرة 2 : 178 .

(الصفحة116)



الجواهر(1) .
ويدلّ عليه روايات متعدّدة مفادها الجواز مع ردّ فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحرّ ، ولا ينافيه قوله تعالى في الآية المتقدّمة : {وَالأُنْثَى بِالأنثَى} ، فإنّ المراد منه مجرّد ثبوت القصاص في الأنثى بالأنثى لا الاختصاص ، وإلاّ لا يجوز قتل العبد بالحرّ لقوله تعالى: {العَبدُ بِالعَبدِ} .
ومنها: رواية أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله)برجل قد ضرب امرأة حاملاً بعمود الفسطاط فقتلها ، فخيّر رسول الله(صلى الله عليه وآله)أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم ، وغرّة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها ، أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف ويقتلوه(2) . والمراد من الوصيف والوصيفة هو العبد والأمة ، والمراد من الغرة إمّا نفس العبد والأمة مطلقاً كما يظهر من نهاية ابن الأثير(3) ، وعليه فتكون الإضافة بيانيّة ، وإمّا خصوص الأبيض منهما كما يظهر من بعض اللغويين ، ويحتمل أن يكون المراد بها في المقام العبد والأمة في أوائل ولادتهما .
ومنها: رواية أبي بصير ـ التي جعلها في الوسائل روايتين ، والظّاهر وحدتهما ـ عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف الدية إلى أهل الرجل(4) .
ومنها: صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة السابقة .


(1) جواهر الكلام: 42 / 82  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 60 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 5 .
(3) النهاية لابن الأثير: 5 / 191  .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 60 ، أبواب القصاص في النفس ب33 ح6 و7  .

(الصفحة117)



ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وفي مقابلها رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) أنّ رجلاً قتل امرأة فلم يجعل عليّ (عليه السلام) بينهما قصاصاً ، وألزمه الدية(1) ولكنّه ذكر الشيخ (قدس سره) أنّه يجوز أن يكون القتل خطأً لا عمداً ، فلا قصاص ، ويجوز أن يكون لم يجعل بينهما قصاصاً لا يحتاج معه إلى ردّ فضل الدية(2) .
وقال صاحب الوسائل: يمكن حمله على امتناع الوليّ من ردّ فضل الدية .
وعلى تقدير عدم إمكان الحمل يكون الترجيح مع الروايات المتقدّمة الموافقة لفتوى المشهور بل الاجماع ، كما عرفت من الجواهر .
الثالث: قتل الحرّة بالحرّة ، وهو مثل الفرع الأوّل لا شبهة فيه ، ويدلّ عليه صريح الكتاب والسنّة المتواترة .
الرابع: قتل الحرّة بالحرّ ، ولا شبهة في أصل ثبوت القصاص فيه ، وأنّه تقتل الحرّة بالحرّ . إنّما الكلام في أنّه هل يؤخذ من تركتها أو من الوليّ فاضل دية الرجل وهو النصف أم لا؟ نسب الثاني في الشرائع إلى الأشهر(3) ، مشعراً بوجود الخلاف فيه ، بل بعدم خلوّ القول الآخر عن الشهرة ، لكن ذكر في الجواهر أنّه لا نجد فيه خلافاً(4) ، ويدلّ عليه روايات صحيحة:
مثل: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن قتلت

(1) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 16 .
(2) الاستبصار: 4 / 266  .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 980  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 83  .

(الصفحة118)



المرأة الرجل قتلت به ، ليس لهم إلاّ نفسها(1) .
وصحيحة عبدالله بن سنان المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة قتلت زوجها متعمّدة  ، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها ، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه(2) .
وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه(3) .
وفي مقابلها صحيحة أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في امرأة قتلت رجلاً ، قال: تقتل ويؤدّي وليّها بقيّة المال(4) .
ولكنّها رماها غير واحد بالشذوذ وموافقة العامة(5) ، وقد احتمل الحمل على الإنكار وعلى الاستحباب . وفي الوسائل يحتمل أن يكون أصله في امرأة قتلها رجل ، قال: يقتل ، ويكون غلطاً من الرّاوي أو الناسخ . مضافاً إلى عدم ظهورها في نفسها في أداء نصف الدّية; لعدم ظهور «بقيّة المال» فيه .
وحكي عن الراوندي(6) حملها على يسار المرأة ، وحمل الروايات الصحيحة المتقدّمة على إعسارها . ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ التعليل الواقع في الروايات المتقدّمة «وأنّه لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» لا يلائم الحمل على الإعسار ،

(1) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 59 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 10 .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 17 .
(5) الإستبصار: 4 / 268 ، مسالك الأفهام: 15 / 109 ـ 110  .
(6) راجع رياض المسائل: 10 / 256 ـ 257  .

(الصفحة119)



كما أنّ الحكم في هذه الرواية بلزوم أداء الوليّ ، لا الأداء من تركتها لا يلائم الحمل على اليسار ـ أنّه لا شاهد على هذا الجمع بوجه .
ولو وصلت النوبة إلى ملاحظة الترجيح بعد فرض ثبوت المعارضة ، يكون الترجيح من تلك الروايات ، لموافقتها للشهرة الفتوائية(1) بل المجمع عليه ، فتدبّر .
ثمَّ إنّه يوجد في بعض الروايات أنّ قوله تعالى: {الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى}(2) ناسخ لقوله تعالى: {النَّفسُ بِالنَّفسِ}(3) كما ورد في تفسير علي ابن إبراهيم(4) .
وفي رسالة المحكم والمتشابه لعلي بن الحسين المرتضى نقلاً من تفسير النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: ومن الناسخ ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص ، وهو قوله تعالى: {وَكَتَبْنا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ} إلى آخر الآية ، فكان الذكر والأنثى والحرّ والعبد شرعاً ، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبدُ بِالعَبدِ والأُنثَى بِالأُنثَى} فنسخت هذه الآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفْسِ}(5) .
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرواية أنّ النسخ هنا بمعنى التخصيص ، فلا ينافي ما مرّ من أنّها محكمة لبقاء العمل بها بعده .


(1) مسالك الأفهام: 15 / 108  .
(2) البقرة 2 : 178  .
(3) المائدة 5 : 45  .
(4) تفسير القمي: 1 / 64 ـ 65 ، مستدرك الوسائل: 18 / 240 ، أبواب القصاص في النفس ب 30 ح4 .
(5) وسائل الشيعة: 19 / 63 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 19 .

(الصفحة120)

مسألة 1 ـ لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية أو كان فقيراً ولم


ولكنّ الظاهر أنّ الالتزام بالنسخ أو التخصيص يتوقّف على ثبوت المنافاة بين الآيتين ، ولو بنحو العموم والخصوص أو المطلق والمقيّد ، وثبوت المنافاة يتوقّف على أن يكون المراد من قوله تعالى : {أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} هو العموم أو الإطلاق ، بحيث يرجع إلى أن يكون المراد هو وقوع كلّ نفس في مقابل كلّ نفس ، وعلى أن يكون المراد من قوله تعالى: {الحُرُّ بِالحُرِّ} إلى الآخر هو الانحصار ، وحينئذ تتحقّق المغايرة ولو بنحو العموم والخصوص ، مع أنّ كليهما ممنوعان ، لعدم اشتمال الأوّل على أداة العموم وعدم ثبوت الإطلاق فيه ، لعدم كونه في مقام البيان ، إلاّ من جهة وقوع النفس في مقابل النفس ، لا وقوعها في مقابل مثل الأنف والعين .
وأمّا أنّ كلّ نفس واقعة في مقابل كل نفس فلا تكون الآية بصدد بيانها ، كما أنّ الآية الثانية لا دلالة لها على الإنحصار ، بحيث كان مرجعها إلى انحصار وقوع الحرّ في مقابل الحرّ ، والعبد في مقابل العبد ، والأنثى في مقابل الأنثى ، بعد صراحة الروايات والفتاوى في جواز قتل الحرّ بالحرّة ، والعبد بالحرّ ، والأنثى بالذكر .
فهل هذه الروايات مخالفة لظاهر الآية باعتبار دلالتها على الانحصار؟ الظاهر العدم ، وعليه فلا تنافي بين الآيتين أصلاً ، حتّى يكون مجال للنسخ أو التخصيص .
مضافاً إلى دلالة رواية موثقة على عدم ثبوت النسخ ، وهي رواية زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عزّوجلّ: {النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ}الآية ، قال: هي محكمة(1) .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 61 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 11 .
<<التالي الفهرس السابق>>