في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)

مسألة 6 ـ لو قتل الكافر كافراً وأسلم لم يقتل به ، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية1.


في مقام البيان(1) ، ولكنّه يتمّ بناء على نقل صاحب الجواهر للرواية بالنحو الذي عرفت ، وأمّا بناء على نقل صاحب الوسائل فلا يتمّ ، لعدم كون الرواية بهذا النقل في مقام البيان ، ولو لم يقع السؤال عن حكم المال لم يكن في الرواية تعرّض لحكمه أيضاً ، بل غاية ما كانت الرواية بصدد بيانه هو حكم نفس القاتل من جهة القتل والاسترقاق والعفو .
ولكن ذلك لا يقدح في أصل الحكم بعد كون جواز الاسترقاق مفتقراً إلى الدّليل ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليه ، فمقتضى الأصل العدم .
الثاني: لو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله ، فلا يجوز استرقاقه ولا تملّك أمواله  ، للاقتصار في الرواية المتقدّمة في الجواب عن سؤال هذا الفرض بقوله (عليه السلام) : «اقتله به» الظاهر في انحصار حكمه فيما إذا لم يرد العفو بالقتل .

1 ـ الوجه في عدم قتله به أنّ الملاك في ذلك حال الاقتصاص ، فإنّ مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : «لا يقاد مسلم بذمّي»(2) ظاهر في المسلم حال إرادة القصاص ، وإن لم يكن متّصفاً بذلك حال الجناية . وعليه فاللاّزم عليه الدية ، وقد قيّده في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(3) بما إذا كان المقتول ذا دية ، مع أنّه إذا لم يكن

(1) جواهر الكلام: 42 / 158 .
(2) تقدّم في ص128 .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 987  .

(الصفحة142)

مسألة 7 ـ يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميزه ولو لم يبلغ ، وأمّا في حال صغره قبل التميز أو بعده وقبل إسلامه ففي قتله به وعدمه تأمّل وإشكال1.


كذلك لا يبقى موضوع للقصاص من الأوّل . وبعبارة أخرى محلّ الكلام ما إذا كان هناك قصاص ، مع قطع النظر عن إسلامه الجديد ، وهو يتحقّق فيما إذا كان المقتول محقون الدّم ، ولا يشمل مهدور الدّم ، وعليه فالتقييد المذكور بلا فائدة .

1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في فرعين:
الأوّل: ما إذا أظهر ولد الزنا الإسلام بعد التميز ، سواء بلغ أو لم يبلغ . ومنشأ توهّم عدم اقتصاص ولد الحلال بقتله أحد أمرين:
الأوّل: كونه محكوماً بالكفر ، كما عليه بعض الأصحاب كالسيّد المرتضى (قدس سره)(1) ، وقد مرّ أنّه لا يقتل المسلم بالكافر .
الثاني: كون ديته بمقدار الذمّي وهو ثمانمائة درهم ، فيستكشف من ذلك إجراء حكم الذمّي عليه ، ومن أحكامه عدم قتل المسلم به .
والجواب منع كونه في هذا الحال وهو حال إظهار الإسلام ووصفه محكوماً بالكفر ، وقد مرّ في بحث نجاسة الكافر عدم كون ولد الحرام بمجرّده كافراً ، ومنع كون التساوي في الدية موجباً للتساوي في القصاص بعد كون الملاك هنا عدم قتل المسلم بالكافر ، وهو لا ينطبق عليه ، وعليه فالظاهر ثبوت القصاص في هذا الفرع .
الثاني: ولد الحرام قبل تميّزه أو بعده مع عدم إظهار الإسلام ووصفه . والظاهر

(1) الإنتصار: 544 مسألة 503  .

(الصفحة143)

ومن لواحق هذا الباب فروع:
منها: لو قطع مسلم يد ذمّي عمداً فأسلم وسرت إلى نفسه ، فلا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعليه دية النفس كاملة . وكذا لو قطع صبيّ يد بالغ فبلغ ثم سرت جنايته لا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعلى عاقلته دية النفس1.


أنّه في هذه الصورة لا يكون محكوماً بالكفر ولا بالإسلام ، لأنّ المفروض عدم إظهاره للإسلام  ، وليس في البين تبعية للأبوين كما في الكفر ، أو لأحدهما كما في الإسلام ، بعد انتفاء النسب شرعاً وسلب الأبوّة والأمومة ، وجريان بعض أحكامهما لا يلازم ثبوتهما ، وعليه فهو ليس بمسلم ولا كافر ولو حكماً .
وحينئذ إن كان الملاك في المقام اعتبار التساوي في الدين كما ادّعى عليه الإجماع صاحب الجواهر(1) ـ وإن كان فيه نظر بل منع ، لوضوح كون مستند المسألة هي الروايات الواردة فيها ـ فلا يكون للإجماع أصالة ، فاللاّزم عدم ثبوت القصاص لعدم تحقّق التساوي في الدين المعتبر فيه . وإن كان الملاك هو أنّه لا يقاد مسلم بكافر كما وقع التعبير به في الرواية ، فاللاّزم ثبوت القصاص ، لأنّ المقدار الخارج عن عموم أدلّة القصاص وإطلاقها هو ما إذا كان المسلم قاتلاً للكافر ، والمفروض عدم تحقّقه في المقام ، لعدم كون المقتول محكوماً بالكفر ، والظاهر هو هذا الوجه ، لدلالة الرواية التي هي مستند المسألة على هذا الأمر ، كما لا يخفى .

1 ـ بعد الفراغ عن عدم ثبوت القصاص في الجناية على الأطراف ، إذا كان الجاني مسلماً والمجنيّ عليه كافراً ذمّياً ، لورود بعض الروايات المتقدّمة في قصاص

(1) جواهر الكلام: 42 / 159 .

(الصفحة144)



النفس في قطع المسلم يد الذمّي(1) ، وبعد الفراغ عن ضمان السراية كما مرّ البحث فيه في أوائل كتاب القصاص(2) ، يقع الكلام هنا في أنّه لو قطع المسلم يد الذمّي عمداً ، فأسلم وسرت إلى نفسه في حال إسلامه ، فهل يكون هناك قصاص في النفس بلحاظ وقوع السراية المضمونة في حال الإسلام ، أو أنّه لا مجال للقصاص؟ لأنّ الملاك حال الجناية ، والمفروض عدم تحقّق التساوي في الدين حالها ، وهو معتبر في القصاص كما عرفت . الظاهر هو الوجه الثاني لعدم صدق موجب القصاص وهو قتل النفس المسلمة ظلماً وعدواناً ، فإنّ مجرّد قطع يد الذّمي ولو انجرّ إلى النفس بعد صيرورته مسلماً ، لا يوجب إضافة قتل المسلم ظلماً إليه ، فلا معنى للقصاص .
ولكنّه حيث تكون السراية مضمونة كما هو المفروض ، تثبت دية النفس تامّة على المسلم ، والظاهر ثبوت دية المسلم لا دية الذّمي ، لأنّ ضمان السراية إنّما كان في حال الإسلام ، والفرق بين الدية والقصاص ما عرفت من عدم صدق موجب القصاص هنا . وأمّا الدية فموجبها الاستناد إليه ولو بالسراية ، وهذا متحقِّق في المقام ، وبعبارة أُخرى معنى ضمان السراية يرجع إلى انضمام ما تحقّق بالسراية إلى الجناية الواقعة ابتداءً ، وحيث إنّ الواقع أوّلاً مضمون بالدية فلابدّ أن تكون السراية مضمونة بها أيضاً . غاية الأمر أنّه حيث كان وقوعها في حال الإسلام فاللاّزم الالتزام بثبوت دية المسلم .
ومن هذا الفرع ظهر حكم الفرع الثاني ، فإنّه حيث كانت الجناية واقعة في حال

(1) وهو صحيحة محمد بن قيس ، وسائل الشيعة: 19 / 80  ، أبواب القصاص في النفس ب47 ح5 .
(2) في ص46 ـ 47 .

(الصفحة145)

ومنها: لو قطع يد حربي أو مرتدّ فأسلم ، ثم سرت فلا قود ولا دية على الأقوى ، وقيل بالدية اعتباراً بحال الاستقرار والأوّل أقوى ، ولو رماه فأصابه بعد إسلامه فلا قود ولكن عليه الدية ، وربّما يحتمل العدم اعتباراً بحال الرمي وهو ضعيف ، وكذا الحال لو رمى ذمّياً فأسلم ثم أصابه فلا قود وعليه الدية 1.

ومنها: لو قتل مرتدّ ذمّياً يقتل به ، وإن قتله ورجع إلى الإسلام فلا قود


عدم البلوغ ، وهي لا توجب القصاص ، فاللاّزم ثبوت الدية . وحيث كانت السراية مضمونة ، فاللاّزم ثبوت دية النفس . غاية الأمر أنّها على عهدة العاقلة ، لوقوع الجناية في حال الصغر ، وعمد الصبي خطأ تحمله العاقلة . ولا تكون السراية في حال البلوغ موجبة لتبدّل الدية إلى القصاص ، أو لانتقال عهدة العاقلة إلى عهدة الجاني ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا عدم ثبوت القود بالإضافة إلى النفس ، والقصاص بالنسبة إلى الطرف ، فلما عرفت في الفرض المتقدّم ، لأنّه بعد عدم الثبوت في الذمّي يكون عدم الثبوت في الحربي والمرتدّ بطريق أولى .
وأمّا عدم ثبوت الدية ، فقد استدلّ له بأنّ الجناية لم تكن مضمونة بقصاص ولا دية ، فلا توجب السراية ضمانها ، كما إذا تحقّق القطع لأجل السرقة أو القصاص ، ثم سرى إلى النّفس ، حيث لا تكون الدية أيضاً ثابتة كالقصاص .
ولكنه ناقش فيه صاحب الجواهر بما يرجع إلى تحقّق عنوانها بنسبة القتل إليه ولو بالسراية المتولّدة من فعله ، وأنّه لا فرق بين هذا الفرض والفرض الثاني الذي حكم فيه بثبوت الدية ، لاتّحاد السراية مع الاصابة في التوليد من فعله . قال: وعدم الدية بسراية السرقة والقصاص لدليله ، وإلاّ فلا منافاة بين الإذن في الجناية مع

(الصفحة146)

وعليه دية الذمّي ، ولو قتل ذمّي مرتدّاً ولو عن فطرة قتل به ، ولو قتله مسلم فلا قود ، والظاهر عدم الدية عليه وللإمام(عليه السلام)تعزيره1.


الضمان بالسّراية(1) .
ويؤيّده أنّه يمكن الحكم بعدم كون الجناية في المقام مأذوناً فيه ، لأنّ مهدورية دم الحربي أو المرتد بناء على ثبوتها إمّا مطلقاً أو بالنسبة إلى خصوص المسلمين ـ كما سيأتي الكلام فيه ـ لا تقتضي مشروعية قطع يده ، خصوصاً بالإضافة إلى المرتدّ الذي يكون قتله بعنوان الحدّ لا بعنوان سلب الاحترام عنه ، كما ربّما يحتمل ، وعليه فبعد عدم مشروعية الجناية وثبوت السراية المضمونة تثبت الدّية .
ولكنّه يدفعه ـ مضافاً إلى ثبوت الفرق بين الفرضين لتوقّف القتل على الرمي والإصابة وهي الجزء الأخير منه ، فإذا كانت الإصابة في حال الإسلام يصدق عنوان قتل المسلم الموجب لثبوت الدية ، وهذا بخلاف المقام الذي كانت السّراية في حال الإسلام ـ أنّه قد عرفت أنّ مرجع ضمان السراية إلى انضمامها إلى أصل الجناية ، فإذا لم يكن أصل الجناية مضموناً فكيف يتحقّق ضمان السراية . وإن شئت قلت: إنّ القدر المتيقّن من معقد الإجماع على ضمان السراية هي السراية في غير المقام ، وهو ما كان أصل الجناية مضموناً ، وعدم مشروعية الجناية أمر ، والضمان أمر آخر ، كما هو ظاهر .
وممّا ذكرنا ظهر الحكم بثبوت الدية في الفرضين الأخيرين ، كما أنّه ظهر أنّ احتمال عدم ثبوت الدية في الفرض الثاني اعتباراً بحال الرمي في كمال الضعف .

1 ـ لابدّ في الوصول إلى أحكام هذه الفروض الثلاثة من ملاحظة أمرين:


(1) جواهر الكلام: 42 / 160 .

(الصفحة147)



الأوّل: إنّه لا إشكال في تحرّم المرتد بالإسلام الموجب للمنع من نكاحه للذمّية ومن إرث الكافر له ومن استرقاقه ، ولوجوب قضاء الصلاة عليه بعد إسلامه وتوبته وقبولها ، كما أنّه لا إشكال في ترتّب بعض الأحكام عليه الموجب لكونه أسوء حالاً من الذمّي ، كوجوب قتله مع عدم التوبة أو عدم قبولها ، وعدم حلّ ذبيحته إجماعاً ، بخلاف الذمّي الذي هو محلّ الخلاف وعدم إقراره بالجزية ونحو ذلك . ولأجل ذلك يشكل حكم المرتد في أمثال المقام .
الثاني:أنّ المرتدّ هل يكون مهدور الدّم مطلقاً وبالإضافة إلى كل أحد كالكافر الحربي ، وإن كان جواز قتله متوقّفاً على إذن الامام ، ويتحقّق الإثم بعدم الاستئذان بحيث يترتّب عليه التعزير المترتّب على جميع المعاصي ، أو أنّه غير محترم بالإضافة إلى خصوص المسلمين وبالنسبة إليهم فقط ، فيكون محترماً بالإضافة إلى الكفّار ولو الذمّي منهم ، وعليه فيتحقّق الفرق بين المسلم وغيره في قتله . أو أنّه غير محترم بالإضافة إلى خصوص الإمام والحاكم ، ولا يتعدّى عنه إلى آحاد المسلمين ، فلا فرق حينئذ بين المسلم وغيره في مقام القتل ، وجوه واحتمالات .
يظهر الأوّل من الشافعية(1) ، حيث صرّحوا بأنّه مباح الدم ، فلا يجب القصاص بقتله كالحربي . والثاني من المحقّق في الشرائع(2) حيث حكم بثبوت القصاص للذمّي القاتل له معلّلاً بأنّه محقون الدم بالنسبة إلى الذمّي .
إذا عرفت هذين الأمرين يظهر لك أنّ الحكم بثبوت القصاص في الفرع الأوّل

(1) الأم: 6 / 163 ، الحاوي الكبير: 16 / 424 ـ 425 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 988  .

(الصفحة148)



من الفرض الأوّل ، إنّما هو لكون الدليل المخصِّص أو المقيِّد في مقابل عمومات أدلّة القصاص وإطلاقاتها هو قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : «لا يقاد مسلم بذمّي»(1) ، ومن المعلوم عدم انطباقه على المقام ، فيبقى تحت العموم أو الإطلاق . ولو جعل المناط هو التساوي في الدين يمكن القول بثبوته في المقام ، كما صرّح به المحقّق في الشرائع(2) حيث علّل الحكم بثبوت القصاص بثبوت التساوي في الكفر ، كما يقتل النصراني باليهودي لأنّ الكفر ملّة واحدة ، مضافاً إلى منع كون المناط ذلك ، كما عرفت .
كما أنّه ظهر عدم ثبوت القصاص في الفرع الثاني من هذا الفرض ، لأنّ الملاك هو الإسلام حال الاقتصاص ، والمفروض تحقّقه فلا يقاد به ، بل عليه دية الذمّي . وأمّا ثبوت القصاص في الفرض الثاني ، فمضافاً إلى نفي وجدان الخلاف ـ بل الإشكال فيه في الجواهر(3) ـ يدلّ عليه أنّه لم يقم دليل في مقابل أدلّة القصاص على إثبات كون المرتدّ مهدور الدم بالإضافة إلى كلّ واحد ، ومجرّد وجوب قتله وعدم قبول توبته ـ كما في المرتدّ الفطري بناء على عدم القبول ـ لا يلازم المهدوريّة بوجه ، كما سيأتي في من وجب قتله بالزّنا أو اللّواط ، حيث لا يكون وجوب القتل فيه ملازماً للمهدورية بوجه بعد كونه مسلماً مرتكباً للذنب فقط ، ولعلّه تاب عنه .
غاية الأمر عدم تأثير توبته في رفع الحكم بالقتل ، كالتوبة بعد إقامة البيّنة وصدور الحكم من الحاكم ، فإنّه حينئذ يكون مسلماً تائباً عن الذّنب ، غاية الأمر وجوب قتله ، فمجرّد الوجوب لا يلازم المهدورية المطلقة ، فمقتضى عموم أدلّة

(1) تقدّم في ص128 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 988  .
(3) جواهر الكلام: 42 / 165 .

(الصفحة149)

ومنها: لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي ، كان عليه القود . ولو وجب قتله بالزنا أو اللّواط فقتله غير الإمام(عليه السلام) قيل: لا قود عليه ولا دية ، وفيه تردّد1.


القصاص ثبوته في المقام .
وأمّا الفرض الثالث ، فقد قطع المحقّق في الشرائع(1) بعدم ثبوت القود فيه ، ويستفاد منه عدم كونه أقرب من الذمّي إلى الإسلام ، لوضوح أنّه حينئذ يتحقّق القصاص فيه ، لعدم شمول قوله (عليه السلام) : «لا يقاد مسلم بذمّي» له ، لاختصاصه بالذمّي ومن هو في رتبته أو في الرّتبة المتأخّرة عنه ، فالمستفاد من الحكم بعدم القصاص فيه كونه مثل الذمّي أو دونه .
وأمّا الحكم بعدم ثبوت الدّية فيه أيضاً كما استظهره في المتن تبعاً للفاضلين(2)وبعض آخر(3) فيبتنى على ثبوت كونه مهدور الدّم بالإضافة إلى المسلم حتّى يتحقّق الفرق بينه وبين الذمّي ، الذي يجب على قاتله المسلم الدية ولم يثبت ذلك ، وقد مرّ أنّ وجوب قتله لا يلازم المهدورية ، خصوصاً بعد ترتّب جملة من أحكام الإسلام عليه ، نعم لو ثبت عدم الدية فيمن وجب قتله بالزنا أو اللّواط يكون عدم الثبوت في المقام بطريق أولى ، لكنّه ممنوع كما سيأتي .

1 ـ أمّا ثبوت القصاص في الفرع الأوّل ، فلكون نفس من عليه القصاص محترمة ومعصومة بالإضافة إلى القاتل غير الولي ، فمقتضى عموم أدلّة القصاص

(1) شرائع الإسلام: 4 / 988  .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 988 ، قواعد الأحكام: 2 / 290 ، إرشاد الأذهان: 2 / 204 .
(3) كالشهيد الثاني في المسالك: 15 / 154 والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 14/39 .

(الصفحة150)

الشرط الثالث: انتفاء الأبوّة ، فلا يقتل أب بقتل ابنه ، والظاهر أن لا يقتل


ثبوته بالنسبة إليه ، ولا يمنعها جواز القتل لخصوص الوليّ ، لعدم اقتضائه خروجه عن العصمة والاحترام مطلقاً ، كما لا يخفى .
وأمّا الحكم بعدم ثبوت القصاص والدية في الفرع الثاني فقد استدلّ عليه المحقّق في الشرائع بأنّ عليّاً (عليه السلام) قال لرجل قتل رجلاً وادّعى أنّه وجده مع امرأته: عليك القود إلاّ أن تأتي ببيّنة(1) .
ومراده من الرواية ما رواه سعيد بن المسيب قال: إنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : إنّ ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امرأته فقتله ، فاسأل لي عليّاً عن هذا ، قال أبو موسى: فلقيت عليّاً (عليه السلام) فسألته . قال: فقال علي (عليه السلام) : والله ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة ولا هذا بحضرتي ، فمن أين جائك هذا؟ قلت: كتب إليّ معاوية لعنه الله إنّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلاً فقتله ، وقد اُشكل عليه القضاء فيه فرأيك في هذا . قال: فقال: أنا أبو الحسن ، إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد ، وإلاّ دفع برمّته(2) .
فإنّ المستفاد منها أنّه مع الإتيان بأربعة يشهدون لا يترتّب على القتل شيء من القصاص أو الدية ، ولكنّ الرواية مضافاً إلى ضعفها من حيث السند غير قابلة للاستدلال بها من جهة الدلالة ، لاحتمال اختصاص الحكم المذكور فيها بالزوج ، كما سيأتي البحث فيه . وعليه فلا دلالة لها على العدم مطلقاً ، كما لا يخفى . وممّا ذكر ظهر وجه الترديد ، كما في المتن .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 988  .
(2) التهذيب: 10 / 314 ح1168 ، الفقيه : 4 / 150 ح447 ، وسائل الشيعة: 19 / 102 ، أبواب القصاص في النفس ب 69 ح2  .

(الصفحة151)

أب الأب ، وهكذا1.


1 ـ يدلّ على اعتبار هذا الشرط ـ مضافاً إلى ما في الجواهر(1) من نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليهـ الروايات المستفيضة بل المتواترة من حيث المعنى ، كصحيحة حمران ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً(2) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به؟ قال: لا(3) .
ومرسلة فضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقتل الرجل بولده إذا قتله ، ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده . الحديث(4) .
ورواية العلاء بن الفضيل قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لايقتل الوالد بولده ، ويقتل الولد بوالده ، ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأ(5) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقتل الأب بابنه إذا قتله ، ويقتل الابن بأبيه إذا قتل أباه(6) .
وموثقة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا يقتلوالد بولده إذا قتله ، ويقتل الولد بالوالد إذا قتله ، ولا يحدّ الوالد للولد إذا قذفه ،

(1) جواهر الكلام: 42 / 169 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح2 . ورواه في الباب ح7 بعنوان رواية أخرى ، ولكن الظاهر عدم التعدّد ، كما أشرنا إليه مراراً (المؤلّف) .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح3  .
(5) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح4  .
(6) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح6  .

(الصفحة152)

مسألة 1 ـ لا تسقط الكفارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية ، فيؤدّي الدية إلى غيره من الورّاث ، ولا يرث هو منها1.


ويحدّ الولد للوالد إذا قذفه(1) .
وصحيحة ظريف ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه ، فأصابه عيب من قطع وغيره ، ويكون له الدية ولا يقاد(2) . ويظهر من هذه الرواية كون هذا الشرط أيضاً معتبراً في قصاص الطرف أيضاً ، ولا يختصّ بقصاص النفس ، وعليه فتفريع عدم القتل على هذا الشرط كما في المتن إنّما هو تفريع على البعض لا الكلّ .
ثمّ إنّ المشهور شهرة عظيمة(3) شمول الحكم لأب الأب وهكذا ، وحكي عن المحقّق في النافع الترديد فيه(4) ، ولكن مقتضى إطلاق كثير من الروايات وترك الاستفصال في بعضها كرواية الحلبي المتقدّمة الشمول لصدق الوالد لغة وعرفاً عليه ، كصدق الولد على ولد الولد ، والأظهر من ذلك ما عبّر فيه بالأب والإبن كرواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً .

1 ـ أمّا عدم سقوط الكفارة فلترتّبها على قتل العمد المحرّم ، والمفروض تحقّقه ، وسقوط القصاص لا يستلزم سقوطها أيضاً ، كما أنّ الظاهر ثبوت الدية لاحترام

(1) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح8  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح10  .
(3) المبسوط: 7 / 9 ، الخلاف: 10 / 152 مسألة 10 ، الوسيلة: 431 ، شرائع الإسلام: 4 / 988 ، كشف الرموز: 2 / 610 ، قواعد الأحكام: 2 / 291 ، تحرير الأحكام: 2 / 248 ـ 249 ، إرشاد الأذهان: 2 /203 ، اللمعة الدمشقية: 176 ، الروضة البهية: 10 / 64 ، رياض المسائل: 10 / 291 .
(4) المختصر النافع: 314  .

(الصفحة153)

مسألة 2 ـ لا يقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئاً ، فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم1.

مسألة 3 ـ يقتل الولد بقتل أبيه ، وكذا الأمّ وإن علت بقتل ولدها ، والولد يقتل بأُمّه ، وكذا الأقارب كالأجداد والجدّات من قبل الأم ، والإخوة من الطرفين ، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات2.


دم الولد ، ولم يدلّ دليل على كونه هدراً ولو بالإضافة إلى خصوص الوالد ، وسقوط القصاص لا يوجبه ، هذا مضافاً إلى التصريح به في صحيحة ظريف ، نعم لا يرث الأب المؤدّي للدية عنها ، لكون القتل المحرّم مانعاً عن ثبوت الإرث . والظاهر ثبوت التعزير أيضاً ، وإن كان عدم التعرّض له في المتن يشعر بعدم ثبوته  ، والوجه في الثبوت ـ مضافاً إلى ثبوته في المعصية مطلقاً أو في خصوص الكبيرة ، وسقوط القصاص لا ينافيه ـ رواية جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يقتل ابنه أو عبده قال: لايقتل به ، ولكن يضرب ضرباً شديداً وينفى عن مسقط رأسه(1) ، بناء على حملها على كونه من مصاديق التعزير بما يراه الحاكم .

1 ـ الوجه فيه إطلاق الأدلّة والروايات الشامل لصورة عدم التكافؤ في الإسلام أو في الحرية .

2 ـ أمّا قتل الولد بقتل أبيه ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص ـ صريح كثير من الروايات المتقدّمة الواردة في هذا الشرط ، والظاهر كون المسألة إجماعيّة أيضاً . وأمّا قتل الأمّ وإن علَتْ بقتل ولدها ، فقد خالف فيه من علمائنا

(1) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح9  .

(الصفحة154)



الإسكافي(1) الذي وافق العامّة على ذلك(2) ، ولا دليل على الالتحاق بالأب إلاّ القياس والاستحسان ، وأدلّة احترامها حتّى زائدة على الأب لا تقتضي مساواتها له في هذه الجهة أيضاً ، بعد عدم شمول دليل المخصِّص في مقابل عمومات أدلّة القصاص لها ، وبعد الاختلاف بينها وبين الأب في بعض الأحكام كالولاية ونحوها .
وأمّا قتل الولد بقتل أُمّه فيدلّ عليه مضافاً إلى العمومات ، خصوص صحيحة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل أُمّه ؟ قال: يقتل بها صاغراً ، ولا أظنّ قتله بها كفّارة له ، ولا يرثها(3) .
وقد احتمل المجلسي الأوّل في شرح «من لا يحضره الفقيه» في معنى قوله (عليه السلام) : «صاغراً» احتمالين:
أحدهما: كونه بمعنى عدم ردّ فاضل الدية ، وهو النصف عليه ، مع ثبوته في سائر موارد قتل الرجل المرأة .
وثانيهما: كونه بمعنى الضّرب الشديد قبل القتل ، ومعنى قوله (عليه السلام) : «لا أظنّ» هو عدم كون القصاص بمجرّده كفارة لذنب القتل المحرَّم الصّادر منه ، فلا ينافي كون التوبة مؤثِّرة في التكفير(4) .
وكيف كان فإن كان معنى قوله (عليه السلام) : «صاغراً» هو الاحتمال الأوّل ، فالرواية ناطقة بعدم رد فاضل الدية; وإن كان معناه هو الاحتمال الثاني فعدم الردّ يستفاد من

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 451 مسألة 129  .
(2) المغني لابن قدامة: 9 / 360 ، الحاوي الكبير: 15 / 163  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح5  .
(4) روضة المتقين: 10 / 329 ـ 330 .

(الصفحة155)

مسألة 4 ـ لو ادّعى اثنان ولداً مجهولاً ، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود ، ولو قتلاه معاً فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما أو يرجع إلى القرعة؟ الأقوى هو الثاني ، ولو ادّعياه ثمّ رجع أحدهما وقتلاه توجّه القصاص على الراجع بعد ردّ ما يفضل عن جنايته ، وعلى الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه ، ولو قتله الراجع خاصّة اختصّ بالقصاص ، ولو قتله الآخر لا يقتصّ منه ، ولو رجعا معاً فللوارث أن يقتصّ منهما بعد ردّ دية نفس عليهما ، وكذا الحال لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل ، بل الظاهر أنّه لو رجع من أخرجته القرعة كان الأمر كذلك ، بقي الآخر على الدعوى أم لا1.


عدم التعرّض في الرواية له ، مع كون ظاهر السؤال أنّ محطّه هو جميع الأحكام الثابتة في هذا الفرض ، والجواب متعرِّضاً لمسألة الإرث والكفّارة أيضاً ، ولعلّه لذلك قال في الجواهر: ظاهر النّص عدم ردّ فاضل ديته عليه(1) .
وأمّا سائر الأقارب فالحكم فيهم على طبق القاعدة المقتضية للقصاص ، وصدق الوالد على أب الأُمّ أيضاً لا يقتضي اللّحوق بأب الأب ، بعد عدم الفتوى بذلك أصلاً ، كما لا يخفى .

1 ـ لو ادّعى اثنان ولداً مجهولاً فقد ذكر له في هذه المسألة المرتبطة بالقصاص فروع:
الأوّل: ما لو قتله أحدهما قبل القرعة ، وفي المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع أنّه لا قود فيه ولا قصاص عليه ، واستدلّ عليه في الشرائع بتحقّق الاحتمال في طرف

(1) جواهر الكلام: 42 / 171 .

(الصفحة156)



القاتل(1) . وأضاف عليه صاحب الجواهر قوله: فلم يثبت شرط القصاص الذي هو انتفاء الأبوّة في الواقع ، مضافاً إلى إشكال التهجّم على الدماء مع الشبهة(2) .
وصريح بعض الأعلام(3) ثبوت القصاص فيه ، نظراً إلى أنّه لا مانع من إحراز موضوع جواز القتل بالأصل ، لجواز التمسّك به لإثبات كون الفرد المشكوك فيه من الأفراد الباقية تحت العام ، فلا مانع في المقام من الرجوع إلى استصحاب عدم كون القاتل والداً للمقتول ، وبه يحرز الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل .
ويرد عليه ما حقّقناه في الأصول من عدم جريان مثل هذا الاستصحاب ممّا كانت القضيّة المتيقّنة قضية سالبة بانتفاء الموضوع ، وكانت القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول ، لتغاير القضيتين وعدم تحقّق الوحدة في البين ، والمقام كذلك كما هو ظاهر .
والحقّ في المقام عدم ثبوت القصاص، لالعدم إحرازالشرط كماعرفت من الجواهر لعدم ثبوت الشرط الاصطلاحي في المقام، وجعل انتفاءالأبوّة شرطاًفي الكتب الفقهية كما في المتن لا يوجب الثبوت ، بعد كون الدليل عبارة عن عمومات أدلّة القصاص والروايات الدالّة على أنّه لا يقاد والد بولده التي هي مخصصة لتلك العمومات، والتخصيص لا يرجع إلى شرطية ما عدى عنوانه أو مانعية عنوانه ، كما لا يخفى .
وحينئذ فالدليل على عدم ثبوت القود في المقام ، عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وبعبارة أخرى الدليل عليه هو عدم الدليل على ثبوت القصاص ، بعد قصور العامّ عن التمسّك به .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 989  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 171 .
(3) مباني تكملة المنهاج: 2 / 73 مسألة 81  .

(الصفحة157)



هذا ، ولو قيل بالرجوع إلى القرعة في هذا الفرع أيضاً نظراً إلى شمول أدلّة القرعة له أيضاً كما سيأتي البحث فيه في الفرع الثاني فهو ليس ببعيد ، فانتظر .
الثاني: ما لو قتلاه معاً بالشركة قبل القرعة ، قال المحقّق في الشرائع: ولو قتلاه [معاً] فالاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد منهما باق . وربما حُظِرَ الاستناد إلى القرعة ، وهو تهجّم على الدم ، فالأقرب الأوّل(1) .
والظاهر أنّ محلّ الكلام في هذا الفرع صورة العلم الإجمالي بصدق أحد المدعيين وعدم خروج الأب الواقعي عنهما ، لأنّه في صورة عدم العلم الإجمالي واحتمال كون الأب شخصاً ثالثاً يكون الحكم هو الحكم في الفرع الأوّل ، لعدم شمول أدلّة القرعة لهذه الصورة ، وعليه فكلّ منهما شبهة مصداقية لا مجال للتمسّك بالعام فيها .
وأمّا في صورة العلم الإجمالي التي هي محل البحث ، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في الاستناد إلى القرعة ، بعد وضوح لزوم الاستناد إليها في صورة عدم القتل ، لعمومات أدلّة القرعة وخصوص الروايات الصحيحة الواردة في هذه المسألة ، لأنّ القتل لا يوجب الخروج عن أدلّتها بعد ترتّب الأثر على التشخيص بها من جهة القصاص وغيره من الأحكام المترتّبة على الولد ، فهل يتوهّم أحد قصور أدلّة القرعة عن الشمول لما إذا عرض لهذا الولد الذي يدّعيه اثنان الموت الطبيعي؟ الظاهر أنّه لا مجال للتوهّم في المقام أيضاً ، ومعه ليس ذلك تهجّماً على الدم كما في عبارة الشرائع ، مضافاً إلى أنّ نفي القصاص عمّن ليس بأب واقعاً ، مع أنّ لجامعة المسلمين في القصاص حياة ممّا لا وجه له ، وربّما يصير مثل ذلك موجباً للتهجّم على الدم ، كما لا يخفى .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 989  .

(الصفحة158)



الثالث: ما لو رجع أحدهما بعدما ادّعيا وقتلاه معاً ، فإنّه يتوجّه القصاص على الراجع ـ بناء على انتفائه عنه بمجرّد الرجوع فيما إذا كان مستند اللحوق مجرّد الدعوى ، كما في المقام ولو بملاحظة رجوع الراجع ـ الى ثبوت القصاص في حقّه وإقراره على نفسه باستحقاق القصاص في صورة القتل ، فإنّه حينئذ يتوجّه القصاص عليه ، لكن يجب عليه ردّ نصف الدية إليه ، لفرض الاشتراك في الجناية ، كما أنّه يجب على المدّعي غير الراجع المنتفى عنه القصاص ، لما ذكرنا في الفرع الأوّل ردّ نصف الدية إلى ورثة الطفل المجهول ، ولا ارتباط بين الردين ، فإذا امتنع غير الراجع عن الردّ لا ينتفي الوجوب عن الورثة ، بل يجب عليهم ردّ النصف ، بل لا يشرع القصاص بدونه ، كما مرّ .
الرابع: هذا الفرض مع تحقّق القتل من الراجع فقط ، وقد ظهر ممّا ذكرنا في الفرع الثالث ثبوت القصاص بالنسبة إليه فقط، من غير ردّ عليه ولا ردّ الآخر على الورثة.
الخامس: هذا الفرض أيضاً مع تحقّق القتل من المدعي غير الراجع خاصّة ، والحكم فيه عدم القصاص وثبوت الدية كما في الفرع الأوّل .
السادس: تحقّق الرجوع من كلّ منهما ثمّ الاشتراك في القتل ، والحكم فيه جواز الاقتصاص من كلّ منهما ، مع ردّ تمام الدية إليهما بالتنصيف ، كما هو ظاهر .
السابع: ما لو كان الرجوع في الفروع المتقدّمة واقعاً بعد القتل ، والحكم فيه ما تقدّم فيها ، وقبول الرجوع هنا أوضح لترتّب أثر القصاص عليه ، بخلاف الرجوع قبل القتل ، فإنّه ليس بهذا الوضوح .
الثامن: ما لو كان الرجوع بعد القرعة ، وكان الراجع من أخرجته القرعة ، والحكم فيه أنّه حيث لا تكون القرعة مؤثّرة في حصول القطع ، واعتبارها لا ينافي

(الصفحة159)

مسألة 5 ـ لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ ، وقيل: لا يملك أن يقتصّ من والده ، وهو غير وجيه1.


اعتبار الإقرار على خلافها ، فعليه يكون الرجوع مؤثِّراً في ثبوت القصاص ، وإن كانت القرعة معيِّنة له للأبوّة النافية للقصاص ، ولا دليل على اشتراط قبول الرجوع حينئذ بما إذا كان الآخر باقياً على ادّعائه غير راجع عنه ، كما حكي عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط(1) ، بل الظاهر أنّه لا فرق بين بقائه على دعواه وعدمه .

1 ـ حكي القول بعدم ثبوت القصاص على الزوج حينئذ عن الشيخ(2)والفاضل(3) ، بل عن المسالك(4) نسبته إلى المشهور ، ولكن في المتن تبعاً لصاحب الجواهر(5) الثبوت .
ويدلّ على عدم الثبوت أُمور:
أحدها: الأولويّة ، نظراً إلى أنّه إذا لم يملك الولد أن يقتصّ من والده فيما إذا قتله الوالد عمداً ، ففيما إذا كان المقتول غيره كأمّه لا يملك بطريق أولى ; لعدم تحقّق القتل بالنسبة إليه ، فكيف يملك الاقتصاص من الأب .
ويدفعه منع الأولوية جدّاً ، فإنّ عدم ملك الاقتصاص فيما إذا كان الولد مقتولاً إنّما هو لأجل اقتضاء الأبوّة والبنوّة له ، بحيث لو فرض كون الولد المقتول ممكناً له مطالبة القصاص لم يكن له ذلك للاقتضاء المزبور ، وهذا بخلاف المقام الذي يكون

(1) المبسوط : 7 / 9 ـ 10  .
(2) المبسوط : 7 / 10 .
(3) قواعد الأحكام: 2 / 291 ، تحرير الأحكام: 2 / 249 ، إرشاد الأذهان: 2 / 203 .
(4) مسالك الأفهام: 15 / 159  .
(5) جواهر الكلام: 42 / 175 ـ 176  .

(الصفحة160)



المطالبة للقصاص بعنوان الأُمّ التي لا تقدر على المطالبة بنفسها . ولو فرض ثبوت القدرة لها كانت هي المطالبة ، ولم يكن في البين ما يقتضي عدمها لأجل عدم اقتضاء مجرّد الزوجية له ، فدعوى مساواة المقام لتلك الصورة ممنوعة فضلاً عن الأولويّة .
ثانيها: قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المعتبرة المتقدّمة: «لا يقاد والد بولده»(1) ، بناء على ما في محكي المسالك(2) من أنّ استيفاء القصاص موقوف على مطالبة المستحقّ ، وإذا كان هو الولد وطالب به كان هو السبب في القود ، فيتناوله عموم النصّ أو إطلاقه .
ويدفعه أنّ المتفاهم العرفي من مثل هذا القول خصوصاً مع التصريح بالقتل عقيبه بقوله (عليه السلام) : «ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً»(3) ، ومع التعبير به في كثير من الروايات المتقدّمة في أصل هذا الشرط هو كون المراد عدم قتل الوالد ، كما أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «لايقاد مسلم بذمّي»(4) هو عدم اقتصاص المسلم بسبب قتل الذمّي ، فالظاهر اختصاص مثل هذه التعبيرات بالقتل أو شبهه كالجناية على العضو مثلاً ، ولا يعمّ السببية بمعنى مجرّد المطالبة أصلاً .
ثالثها: صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في كتاب الحدود المشتملة على قوله: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا ؟ قال: لو قتله ما قتل به ، وإن قذفه لم يجلد له . إلى أن قال (عليه السلام) : وإن كان قال لإبنه: يابن الزانية ، وأُمّه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلاّ ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ ، لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده

(1) تقدّمت في ص151 .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 160  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1  .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 80  ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح5  .
<<التالي الفهرس السابق>>