في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة181)



رواية معتبرة ، كما هو المحكيّ عن الشيخ (قدس سره) في العدة(1) ، ومنشأ الاستفادة ما ذكرنا من الحكم بثبوت الدية على المجروحين .
أو أنّ منشأه وجود المعارضة بين الروايتين وتساقطهما لأجل عدم ثبوت مزيّة في البين ، فاللاّزم الرجوع إلى القاعدة ، وهي تقتضي عدم ثبوت القصاص .
فإن كان المنشأ هو الأوّل فقد عرفت عدم تمامية الاستفادة المزبورة ، وإن كان المنشأ هو الثاني كما هو الظاهر من المتن فقد عرفت أنّه لا تعارض بين الروايتين أوّلاً ، وعدم كون القاعدة مقتضية لعدم القصاص ثانياً ، بل مقتضاها التفصيل ، كما مرّ في المقام الأوّل .
الفرع الثاني: السكران غير الآثم مع خروجه عن العمد والاختيار في حال صدور القتل ، والظاهر لزوم الرجوع فيه إلى القاعدة التي قد عرفت أنّ مقتضاها التفصيل بين صورة الجهل بترتّب القتل على شربه فلا يتحقّق موجب القصاص ، وبين صورة العلم به ، فاللاّزم الحكم به مع اتصاف الشرب بالإباحة ، وملاحظة الأهمّ والمهمّ مع الاتصاف بالوجوب .
ومن الواضح أنّه لا يستفاد حكم هذا الفرع من النصّ ، بعد كون مورده الشرب المحرَّم بقرينة إجراء حدّ الشرب عليه ، كما في الصحيحة المتقدّمة ، وعدم وضوح إلغاء الخصوصية بدعوى أنّ الحكم المذكور فيه هو حكم السكران القاتل ، من دون فرق بين كون الشرب محرّماً أو غيره ، كما لا يخفى .
الفرع الثالث: استعمال ما يسلب العمد والاختيار كالبنج والمرقد وغيرهما ،

(1) عُدّة الأصول: 1 / 380 .

(الصفحة182)



والمحكيّ عن الشيخ (قدس سره)(1) أنّه ألحقه بالسكران الذي هو مورد الرواية ، وحكم فيه بثبوت القصاص مطلقاً . وظاهر المتن عدم ثبوت القصاص كذلك لاقتضاء القاعدة  له .
والحقّ ـ بعد عدم جواز التعدّي عن مورد الرواية ، خصوصاً بعد كون الحكم المذكور فيه مخالفاً للقاعدة ، ولا يكون العرف موافقاً لإلغاء الخصوصية ـ الرجوع إلى القاعدة الّتي قد عرفت اقتضاؤها التفصيل المتقدّم .
ثمّ إنّه في جميع هذه الفروض ، لو شكّ في زوال العمد والاختيار في حال صدور القتل ، يكون مقتضى استصحاب عدم الزوال وبقاء الاختيار في تلك الحال تحقّق موجب القصاص ، وهو قتل العمد فيترتّب عليه .
الفرع الرابع: القتل الصادر من النائم أو المغمى عليه ، وفي الجواهر: لا إشكال نصّاً وفتوى في أنّه لا قود على النائم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعدم القصد الذي يدرجه في اسم العمد ، وكونه معذوراً في سببه(2) .
والظاهر أنّه لم يرد في خصوص المسألة نصّ ، بل مراده بالنصّ هو النصوص العامّة الواردة في النائم الدالّة على معذوريته ، وعدم ترتّب حكم العمد على عمله ، وقد وقع الاختلاف بعد عدم ثبوت القصاص عليه في أنّ الدية هل يكون في ماله كما في قتل شبه العمد ، أو يكون على عاقلته كما في قتل الخطأ؟ والتحقيق موكول إلى كتاب الديّات .
الفرع الأخير: القتل الصادر من الأعمى ، وتردّد في ثبوت القصاص فيه في المتن .

(1) المبسوط : 7 / 50  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 188 .

(الصفحة183)



والمنشأ أنّ المسألة خلافيّة ، فالمحقّق في الشرائع استظهر ثبوت القصاص(1) ، ونسب صاحب الجواهر ذلك إلى أكثر المتأخّرين(2) ، والمحكيّ عن أبي علي(3)والشيخ(4) والصهرشتي والطبرسي(5) وابن حمزة(6) وابن البراج(7) ، بل وعن ظاهر الصدوق عدم ثبوت القصاص عليه(8) ، وعن غاية المراد نسبة هذا القول إلى المشهور بين الأصحاب(9) ، ومنشأ الاختلاف وجود روايتين في المسألة في مقابل عمومات أدلّة القصاص ، لابدّ من ملاحظتهما من جهة تمامية السند والدلالة وعدمها ، ومن جهة وجود الاختلاف بينهما وعدمه ، فنقول:
الأولى: رواية محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول ، فسالت عيناه على خدّيه ، فوثب المضروب على ضاربه فقتله ، قال: فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : هذان متعدّيان جميعاً ، فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً ، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى ، والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته ، يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً ، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في

(1) شرائع الإسلام: 4 / 991  .
(2) جواهر الكلام: 42 / 188 .
(3) مختلف الشيعة: 9 / 359 مسألة 47  .
(4) النهاية: 760  .
(5) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11 / 32  .
(6) الوسيلة: 455  .
(7) المهذّب : 2 / 495 ـ 496  .
(8) الفقيه: 4 / 93 ح271  .
(9) غاية المراد: 367 .

(الصفحة184)



ماله ، يؤخذ بها في ثلاث سنين ، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه(1) .
وتضعيف سند الرواية ـ كما في المسالك(2) ـ إنّما هو على طريق الشّيخ الذي فيه محمد بن عبدالله بن هلال الذي لم يرد فيه توثيق ، بل ولا مدح ، وأمّا على طريق الصدوق الذي رواه بإسناده عن العلاء فالرواية صحيحة لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند .
وأمّا من جهة الدّلالة ، فالظاهر أنّ محطّ النظر في السؤال إلى وقوع القتل عقيب الضرب الموجب لسيلان العينين على الخدّين ، وتحقّق العمى لا بعنوان الدفاع الذي مرجعه إلى كون غرض الضارب قتل المضروب وعدم الاكتفاء بالضرب الكذائي ، بل بعنوان العقوبة على عمله والجزاء على فعله ، بحيث لو لم يتحقّق منه ذلك لم يكن هناك أمر آخر ، فما عن المختلف(3) من حمل الرواية على قصد الدفع مخالف لظاهر السؤال ، مضافاً إلى أنّه مخالف لكثير من الأحكام المذكورة في الجواب ، مثل الحكم بكونه متعدّياً أيضاً ، وبثبوت الدّية على العاقلة أو على نفسه .
وأمّا الجواب: فالظاهر أن قوله (عليه السلام) : «والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته» يكون الخبر فيه هو «خطأ» بالرفع ، والمقصود إعلام كون جناية الأعمى الصادرة في حال العمد خطأً وموضوعاً للديّة المترتّبة على قتل الخطأ ، كما في التعبيرات الواردة في الصبي والمجنون المشابهة لهذا التعبير . وأمّا احتمال كون «خطأ» منصوباً للحالية ، وجعل الخبر هي الجملة الفعلية التي بعده ، كما في المسالك(4) ، فيدفعه ـ مضافاً إلى

(1) وسائل الشيعة: 19 / 306 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 10 ح1  .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 167 ـ 168  .
(3) مختلف الشيعة: 9 / 360 مسألة 47  .
(4) مسالك الأفهام: 15 / 168  .

(الصفحة185)



عدم اختصاص هذا الحكم بالأعمى ، بل المبصر أيضاً تكون جنايته الصادرة في حال الخطأ على العاقلة ـ أنّ الرواية صريحة في الاستدلال على نفي القود الذي موضوعه القتل العمدي الصادر من الأعمى ، ولا معنى لجعل الكبرى هو كون جناية الأعمى الصادرة في حال الخطأ على عهدة العاقلة . وحمل قوله في السؤال: «فوثب» على صورة الخطأ خطأ واضح ، فلا ينبغي الارتياب في ظهور جملة «الأعمى جنايته خطأ» بل صراحتها في أنّ عمد الأعمى خطأ ، ويترتّب عليه لزوم الدية على العاقلة ، وأنّه لا قصاص فيه بوجه .
الثانية: رواية أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أعمى فقأ عين صحيح ، فقال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ ، هذا فيه الدية في ماله ، فان لم يكن له مال فالدية على الإمام ، ولا يبطل حقّ امرئ مسلم(1) .
ورمي الرواية بضعف السند ـ كما في المسالك(2) ـ أيضاً لا يكون له منشأ إلاّ وجود عمّار الساباطي في السند ، مع أنّه ثقة ، بل من أجلّ الثقات ، فلا مجال لهذا أصلاً .
وأمّا الدلالة فلو كان الجواب مشتملاً على الحكم بثبوت الدية في مورد الرواية لما كان يستفاد منه العدم في جميع موارد جناية الأعمى عمداً; لعدم إمكان القصاص في مورد الرواية كما هو الظّاهر ، وأمّا الجواب بمثل ما ذكر في الرواية ، فهو يدلّ على عدم القصاص في الأعمى مطلقاً ، لإفادته قاعدة كلية ، وهو أنّ عمد الأعمى خطأ ، فإنّ ظاهره شمول الحكم لجميع موارد عمده ، فتدلّ على عدم ثبوت

(1) وسائل الشيعة: 19 / 65 ، أبواب القصاص في النفس ب 35 ح1  .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 167 ـ 168  .

(الصفحة186)

الشرط السادس: أن يكون المقتول محقون الدم ، فلو قتل من كان مهدور الدم كالساب للنبي(صلى الله عليه وآله) فليس عليه القود ، وكذا لا قود على من قتله بحقّ كالقصاص والقتل دفاعاً ، وفي القود على قتل من وجب قتله حدّاً كاللاّئط


القصاص فيه .
وقد انقدح ممّا ذكرنا تمامية الروايتين من جهة إفادة عدم القصاص في الأعمى ، ولكن يبقى في البين أمران:
أحدهما: ما ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) في محكي المسالك(1) من ثبوت الاختلاف بين الرّوايتين ، نظراً إلى اشتمال الأُولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة ، ومع عدمها تجب على الجاني; واشتمال الثانية على كون الدية تجب على الجاني دون العاقلة ، ومع عدم مال له تثبت على الامام .
ويدفعه أنّ الاختلاف بينهما إنّما هو بنحو الإطلاق والتقييد الذي لا يكون في الحقيقة اختلافاً ، لوجود الجمع الدلالي عرفاً بينهما ، فيقيّد الحكم بالثبوت على الجاني في الثانية بما إذا لم يكن للأعمى عاقلة ، بشهادة الرّواية الأُولى التي وقع فيها هذا القيد ، كما أنه يستفاد من الثانية ثبوت الدية على الإمام إذا لم يكن للجاني مال ، فيقيّد به إطلاق الأولى لو كان لها إطلاق ، من دون أن يكون بينهما اختلاف بوجه .
ثانيهما: أنّه على تقدير عدم الاختلاف وثبوت الجمع بالنحو المذكور ، يصير حاصل مفاد الروايتين ثبوت الدية على العاقلة أوّلاً ، وعلى الجاني ثانياً ، وعلى الإمام ثالثاً; مع أنّ الشهرة على خلافه ، لعدم كون حكم الخطأ الثبوت على الجاني بعد عدم العاقلة ، فتصير الروايتان معرَضاً عنهما ، فكيف يجوز الاعتماد عليهما .


(1) مسالك الأفهام: 15 / 168  .

(الصفحة187)

والزاني والمرتدّ فطرة بعد التوبة تأمّل وإشكال ، ولا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحدّ1.


ويمكن دفعه أيضاً بأنّ إعراض المشهور عن هذه الجهة لا يقدح فيما هو محلّ البحث في المقام ، وهو ثبوت القصاص وعدمه ، وقد عرفت دلالتهما على العدم ، ولم يتحقّق إعراض المشهور عن هذه الجهة ، بل ربّما تكون الشهرة موافقة لهما ، كما عرفت في نقل القولين(1) ، ولعلّ ما ذكر هو وجه تردّد المتن ، ولكنّ الظّاهر أنّه لا مساغ لرفع اليد عن مقتضى الروايتين مع اعتبارهما من حيث الدلالة ، خصوصاً مع كون مقتضى الاحتياط ذلك أيضاً .

1 ـ قد مرّ في أوّل الكتاب الإشكال على المتن ، ومثله في تعريف موجب القصاص بأنّ الجمع بين توصيف النفس بالمعصومة ، مع جعل أحد الشرائط كون المقتول محقون الدم ممّا لا وجه له ، لكون المراد منهما أمراً واحداً ، كما هو ظاهر .
وكيف كان فلا إشكال في أنّه لو كان المقتول مهدور الدم مطلقاً ولكلّ أحد ، كالسابّ للنبيّ(صلى الله عليه وآله) لا يترتّب على قتله قصاص ولو كان قتله عمداً ، كما أنّه لا إشكال في عدم ثبوت القود بالإضافة إلى ورثة المقتول إذا اختاروا القصاص وقتلوا القاتل . ففي صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد . وقال: من قتله الحدّ فلا دية له(2) .
فإنّ السؤال وإن كان عن ثبوت الدية لمن قتله القصاص ، إلاّ أنّ الاستدلال في

(1) تقدّم في ص183 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح1  .

(الصفحة188)



الجواب ظاهر في عدم ثبوت القصاص لَه أيضاً ، والروايات الدالّة على نفي الدية لمن قتله القصاص ، الظاهرة في عدم ثبوت القصاص له أيضاً ، بل بطريق أولى ، بل ربّما يستشعر منه مفروغية عدم القصاص كثيرة .
ولا إشكال أيضاً في عدم ثبوت القود لمن قتله الحدّ ، كما يدلّ عليه الصحيحة المزبورة والروايات الكثيرة الدالّة على أنّه أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له . وفي رواية أبي العبّاس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عمّن أُقيم عليه الحدّ ، أيقاد منه أو تؤدّى ديته؟ قال: لا إلاّ أن يزاد على القود(1) . ويستفاد من هذه الرواية عدم ثبوت القصاص ولا الدية لمن قتله الحدّ أو القصاص ، فتدبّر .
وكذا لا إشكال في أنّ الدافع القاتل للمهاجم الذي أراده لا يترتّب على قتله شيء من القصاص ولا الدية ، لدلالة الرّوايات الواردة فيه على أنّه لا شيء عليه ، وفي بعضها التعبير بأنّ دمه هدر(2) .
وكذا لا إشكال في عدم ثبوت القصاص لمن هلك بسراية القصاص أو الحدّ ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى إطلاق مثل قوله (عليه السلام) : أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له(3) ، لأنّه أعمّ ممّا إذا كان الحدّ أو القصاص موجباً للقتل ، أو كان القتل بالسراية ـ رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة(4) .
فإنّ قوله (عليه السلام) : «في قتل ولا جراحة» قرينة على عموم قوله : «من قتله

(1) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح7 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 42 ـ 44 ، أبواب القصاص في النفس ب 22 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح9  .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح8  .

(الصفحة189)



القصاص» ، كما لايخفى .
هذه هي الموارد التي لا إشكال في عدم ثبوت القصاص فيها ، وهنا موارد لاينبغي الإشكال في ثبوت القصاص فيها . مثل ما إذا تعرّض لقتل القاتل الذي عليه القصاص غير ورثة المقتول من دون إذن ولا وكالة ، فإنّ الظاهر ثبوت القصاص بالإضافة إلى القاتل الأجنبي ، وإن كان المقتول مستحقّاً للقصاص بالنسبة إلى ورثة المقتول أوّلاً .
ومثل ما إذا تعرّض لقتل المهاجم في مسألة الدفع غير الدافع الذي وقع مورداً للتهاجم ، فإنّ المهاجم بالإضافة إلى غير الدافع لا يكون مهدور الدم بوجه ، ولا يشرع قتله كذلك ، وعليه فقتله موجب للقصاص .
إنّما الإشكال والكلام فيمن وجب قتله حدّاً كالزاني المحصن واللائط وغيرهما ، وأنّه هل يكون قتله من دون مراجعة الحاكم والإستئذان منه موجباً للقصاص أم  لا؟ وفي الجواهر: ليس في شيء ممّا وصل إلينا من النصوص تعرّض لذلك ، فضلاً عن تواترها ، نعم ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك بالنسبة للمسلم(1) . وقد أشار بذلك إلى الإشكال على صاحب الرياض ، حيث إنّه بعد الاستدلال بالإجماع الظاهر المصرَّح به في كثير من العبائر كالغنية(2) والسرائر(3) استدلّ بالاعتبار والمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر(4) ، وأورد منها رواية أبي الصباح الكناني المتقدّمة ، مع وضوح عدم تعرّضها لهذه المسألة .


(1) جواهر الكلام: 42 / 192  .
(2) غنية النزوع: 403   .
(3) السرائر: 3 / 324 .
(4) رياض المسائل: 10 / 301 ـ 302  .

(الصفحة190)



وكيف كان فالعمدة في المسألة دعوى الإجماع من جماعة من الفقهاء العظام ، وفتوى مثل المحقِّق في الشرائع بأنّ المسلم لو قتله ـ يعني المرتد ـ لم يثبت القود(1) . ومقتضى إطلاق كلامه الشمول للمرتدّ الفطري ولو بعد التوبة وقبولها ، لأنّه مع عدم القبول يكون عدم القصاص لفقدان شرط التساوي في الدين المتقدّم ذكره ، فإنّ تحقّق إطمئنان من نقل هؤلاء ومن فتوى مثل المحقّق ، فاللاّزم الحكم بعدم ثبوت القصاص ، وإلاّ فلا دليل على نفيه . ومجرّد كون الحدّ هو القتل لا يستلزم نفي القصاص . وممّا ذكرنا ظهر وجه التأمّل والإشكال في المسألة كما في المتن .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 991  .

(الصفحة191)






القول
في
ما يثبت به القود

وهو أُمور:
الأوّل: الإقرار بالقتل

ويكفي فيه مرّة واحدة ، ومنهم من يشترط مرّتين ، وهو غير وجيه1.


1 ـ أمّا أصل الثبوت بالإقرار ، فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه أصلاً عموم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(1) ، وخصوص الروايات الواردة في المقام الدالّة على مفروغية ذلك .
وأمّا كفاية المرّة فعليه الأكثر(2)، والمحكي عن الشيخ(3) وابن إدريس(4) وابن

(1) وسائل الشيعة : 19/111 ، كتاب الإقرار ب3 ح2 ، مستدرك الوسائل : 16/31 ، كتاب الإقرار ب2 ح1 .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 174  .
(3) النهاية: 742  .
(4) السرائر: 3 / 341 .

(الصفحة192)

مسألة 1 ـ يعتبر في المقِرّ: البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، والحرية . فلا عبرة بإقرار الصبي وإن كان مراهقاً  ، ولا المجنون ولا المكرَه ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الذي ذهب عقله واختياره1.



البراج(1) وابن سعيد(2) وبعض آخر(3) اشتراط مرّتين ، ويدلّ على الأوّل مضافاً إلى العموم المذكور خصوص بعض الروايات ، كالمرفوعة الآتية في المسألة الرابعة وغيرها.
وأمّا اعتبار التعدّد فلا وجه له سوى مسألة الاحتياط في الدماء التي لا يبقى لها مجال مع وجود الدليل على خلافها ، مضافاً إلى أنّها معارضة بمثلها ، لاحتمال تحقّق القتل العمدي من المقرّ .
نعم يمكن الاستدلال عليه بالأولوية ، بالإضافة إلى السرقة التي لا يثبتها الإقرار إلاّ مع التعدّد ، حيث إنّها مع عدم ترتّب الأثر عليها نوعاً إلاّ القطع يعتبر فيها التعدّد ، ففي المقام الذي يراد ترتيب أثر القصاص على الإقرار يكون اعتبار التعدّد بطريق أولى .
ويدفعه أنّ اعتبار التعدّد في السرقة إنّما هو بالإضافة إلى القطع الذي هو حقّ الله ، وأمّا بالإضافة إلى المال فيكفي فيه المرّة ، والمقام أيضاً من حقوق الناس ، فلا مجال للأولوية .

1 ـ قد مرّ البحث في اعتبار هذه الأُمور غير الحرية في الإقرار مراراً ، وأمّا

(1) المهذّب: 2 / 502  .
(2) الجامع للشرائع: 577  .
(3) كالطبرسي ، حكى عنه في التنقيح الرائع: 4 / 432  .

(الصفحة193)

مسألة 2 ـ يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي ، فيؤخذبإقراره ، ويقتصّ منه في الحال من غير انتظار لفكّ حجره1.

مسألة 3 ـ لو أقرّ شخص بقتله عمداً وآخر بقتله خطأً ، كان للولي الأخذ بقول صاحب العمد فيقتصّ منه ، والأخذ بقول صاحب الخطأ فيلزمه بالدية ، وليس له الأخذ بقولهما2.


اعتبار الحرّية فلأنّ إقرار العبد إنّما هو على المولى ، فلا يقبل ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه .

1 ـ الوجه فيه أنّ الحجر المالي للسفه أو الفلس لا يستلزم الحجر بالإضافة إلى مثل المقام ، فيؤثِّر إقراره في ثبوت القتل العمدي ، ويقتصّ منه من دون انتظار لزوال حجره ، ولا يبعد القول بجواز المصالحة مع وليّ المقتول على الدية ، غاية الأمر أنه لا يشترك مع الغرماء في المال ، بل يثبت في ذمّته ، كما إذا أقرّ بقتل غير العمد ، فتدبّر .

2 ـ الظاهرأنّ مقتضى القاعدة ـ فيماإذاكان هناك أزيدمن إقرارواحد متعلق بالقتل، سواء كان هو القتل عمداً أوالقتل خطأ أو على الاختلاف ـ هو التخيير ، أي تخيير وليّ المقتول في الرجوع ، ولا مجال للرجوع إلى الجميع بعد العلم الإجمالي بعدم ثبوت هذا الحقّ له، لأنّ المقرّ به هو القتل على سبيل الانفراد دون الاشتراك ، فالحقّ الثابت للوليّ إنّما هو بالإضافة إلى واحد دون أزيد ، فلا يجوز له الرجوع إلى الجميع.
كما أنّ الظاهر أنّه لا مجال في المقام لدعوى التساقط الذي هو الأصل الأولي في تعارض الأمارتين أو الأصلين ، لثبوت بناء العقلاء على التخيير ، دون رفع اليد عن

(الصفحة194)

مسألة 4 ـ لو اتّهم رجل بقتل وأقرّ المتّهم بقتله عمداً ، فجاء آخر وأقرّ أنّه هو الذي قتله ورجع المقِرّ الأوّل عن إقراره ، درأ عنهما القصاص والدية ، وتؤدّى


الجميع . وكيف كان فإن كان مقتضى القاعدة في المقام هو التخيير ، فلا حاجة في مقام الاستدلال إلى أزيد منها ، وإن لم يكن كذلك فربّما يستدلّ على التخيير بدعوى الإجماع عليه ـ كما في محكيّ الانتصار(1) ـ وبما رواه الحسن بن محبوب ، عن الحسن ابن صالح قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وجد متقولاً فجاء رجلان إلى وليّه ، فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً ، وقال الآخر: أنا قتلته خطأً؟ فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل (شيء) . ورواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن حيّ(2) .
والظاهر أنّه هو الحسن بن صالح ، وأنّ حيّاً هو جدّه . ولكنّه على ما ذكره الشيخ (قدس سره)متروك العمل بما يختصّ بروايته ويتفرّد بها(3) ، كما في المقام . وابن محبوب وإن كان من أصحاب الإجماع إلاّ أنّه قد تقدّم في كتاب الحدود ، أنّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يوجب أزيد من تسلّم وثاقته والإعتماد عليه ، ولا يقتضي بالنسبة إلى من يروي عنه شيئاً . فالرواية غير قابلة للاعتماد ، كما أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد لا حجّية فيه .
وعليه فلو فرض كون التخيير على خلاف القاعدة لا مجال للاستدلال عليه بالرواية والاجماع المذكورين ، خصوصاً بعد عدم موافقة شهرة محقّقة للرواية ،

(1) الإنتصار: 543 مسألة 303  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 106 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 3 ح1  .
(3) التهذيب: 1 / 408  .

(الصفحة195)

دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب ، ولا بأس به ، لكن يقتصر على موردها ، والمتيقّن من مورد فتوى الأصحاب ، فلو لم يرجع الأوّل عن إقراره عمل على القواعد ، ولو لم يكن بيت مال للمسلمين فلايبعد إلزامهما أو إلزام أحدهما بالدية ، ولو لم يكن لهما مال ففي القود إشكال1.


لأنّه حكي عن الغنية(1) والإصباح(2) تخيّر الولي بين قتل المقرّ بالعمد وأخذ الدية منهما نصفين .
ثمّ إنّ إلزام الدية على المقرّ بالقتل خطأ إنّما هو لعدم تأثير إقراره بالإضافة إلى العاقلة ، لكونه إقراراً عليهم ، وثبوت الدية على العاقلة يحتاج إلى إحراز الخطأ ، كما أنّ القصاص يحتاج إلى إحراز العمد ، وأمّا ثبوت الدية على القاتل فلا يحتاج إلى إحراز شيء سوى القتل وعدم إحراز العمد أو الخطأ ، فتدبّر .

1 ـ الرواية هي ما رواه الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن بعض أصحابنا ، رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل وجد في خربة وبيده سكّين ملطَّخ بالدم ، وإذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما تقول؟ قال: أنا قتلته ، قال: اذهبوا به فأقيدوه به ، فلمّا ذهبوا به أقبل رجل مسرع  ـ إلى أن قال: ـ فقال: أنا قتلته ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأوّل: ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: وما كنت أستطيع أن أقول ، وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال ، وأخذوني وبيدي سكين ملطَّخ بالدَّم ، والرّجل يتشحّط في دمه وأنا قائم عليه خفت الضرب فأقررت ، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة ،

(1) غنية النزوع: 407  .
(2) إصباح الشيعة: 494 ، وكذا في الكافي في الفقه: 386 ـ 387 .

(الصفحة196)



وأخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرجل متشحّطاً في دمه ، فقمت متعجِّباً! فدخل عليَّ هؤلاء فأخذوني ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن ، وقولوا له: ما الحكم فيهما؟ قال: فذهبوا إلى الحسن وقصّوا عليه قصّتهما ، فقال الحسن (عليه السلام) : قولوا لأمير المؤمنين (عليه السلام) : إن كان هذا ذبح ذاك فقد أحيى هذا ، وقد قال الله عزّوجلّ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعَاً}(1) . يخلّى عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال .
ورواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم نحوه ، ورواه أيضاً مرسلاً نحوه ، ورواه الصدوق باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) نحوه(2) ، ولكنّه ربّما يقال: بأنّ ما في الوسائل من أنّ الصدوق رواه بالإسناد المذكور إنّما هو سهو من قلم صاحب الوسائل(3) .
وكيف كان فالظاهر أنّ الحكم الأوّل بإجراء القصاص عليه لابدّ وأن يحمل على وجود شرائطه ، ومنها اختيار الولي ذلك ، أو كون المورد ممّن لا وليّ له غير الإمام ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من شهود جماعة هو شهودهم لكون الرجل مذبوحاً ، وكون الآخر قائماً عليه وبيده سكين كذائي لا شهادتهم على القتل . كما أنّ خوفه من الضرب الموجب للإقرار لا يستلزم كون إقراره لا عن اختيار ، لعدم تحقّق توعيد وتهديد من ناحية الجماعة المذكورين بوجه ، والخوف الباطني من دون اقتران بالتوعيد لا يوجب تحقّق الإكراه ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الإقرار وقع عند أمير المؤمنين (عليه السلام)  ، وفي ذلك الوقت لا يحتمل الضرب أصلاً .


(1) المائدة 5 : 32  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 107 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 4 ح1  .
(3) انظر مباني تكملة المنهاج: 2 / 95 مسألة 97  .

(الصفحة197)



ثمّ إنّ الرواية مضافاً إلى كونها ضعيفة السند مخالفة للقاعدة ، لأنّ مقتضاها فيما إذا كان هناك إقراران تخيير وليّ المقتول في الرجوع إلى أحد المقرّين والاقتصاص منه ، ورجوع المقرّ الأوّل عن إقراره بعد الإقرار الثاني لا يستلزم عدم جواز رجوع الولي إليه ، لأنّه لا أثر للرجوع بعد الإقرار ، كما قد تحقّق في كتاب الإقرار ، فمقتضى القاعدة في مورد الرواية أيضاً المشتمل على الرجوع تخيير الوليّ في الاقتصاص ، فالرواية مخالفة للقاعدة .
كما أنّ استدلال الإمام الحسن (عليه السلام) لسقوط القصاص عنهما بأنّ المقرّ الثاني إن كان ذبح المقتول فقد أحيى المقرّ الأوّل المحكوم بالقصاص ، مستشهداً بقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعَاً} ممّا لا يكون مبيَّناً لنا ، ولا يبتنى الفقه عليه على الضوابط الموجودة والقواعد المحقَّقة ، فإنّه إذا أقرّ شخص بقتل زيد مثلاً وصار محكوماً بالقصاص فهل يرتفع قصاصه إذا منع عمراً من قتل بكر ، بحيث لو لم يتحقّق المنع لكان القتل متحقّقاً قطعاً مع أنّ الدليل المذكور يجري فيه .
وعليه فالاستدلال المذكور غير مبيَّن لنا ، ولكنّه لا يقدح في ظهور الرواية من حيث الدلالة على سقوط القصاص عنهما ، فلو فرض انجبار ضعف السند بعمل الأصحاب واستناد المشهور إليه لابدّ من الحكم على طبق الرواية ، كما نفى البأس عنه في المتن . والظاهر ثبوت الاستناد ، فعن التنقيح(1) وغاية المرام(2): عليها عمل الأصحاب ، وعن السرائر نسبته إلى رواية أصحابنا(3) .


(1) التنقيح الرائع: 4 / 434  .
(2) غاية المرام: 4 / 393  .
(3) السرائر: 3 / 343  .

(الصفحة198)



وأمّا ما عن المسالك(1) وأبي العباس(2) من المخالفة ـ نظراً إلى إرسال الرواية وإلى اقتضاء ذلك إسقاط حق المسلم ، لجواز التواطؤ من المقرّين على قتله وإسقاط القصاص والدية ـ فيدفعه أنّ الإرسال لا يقدح مع الانجبار ، والاعتبار المذكور لا ينهض في مقابل الرواية المنجبرة . مضافاً إلى بطلانه في نفسه ، لأنّ المفروض أنّه لا طريق إلى إحراز القتل غير الإقرار ، وعليه فلا ملزم للتواطؤ المذكور بعد إمكان عدم الإقرار من واحد منهما من رأس ، كما لا يخفى .
ثم إنّ الرواية حيث تكون مخالفة للقاعدة يقتصر في الحكم على طبقها على خصوص موردها ، وعليه فلو لم يرجع المقرّ الأوّل عن إقراره بعد الإقرار الثاني بل بقى على إقراره يرجع فيه إلى القاعدة التي عرفت أنّ مقتضاها تخيير الولي في الرجوع والاقتصاص ، وإن كان مقتضى الاستدلال المذكور في الرواية عدمه .
وأمّا لو لم يكن بيت مال للمسلمين مع ثبوت المال للمقرّين فلايبعد ـ كما في المتن  ـ عدم تغيّر الحكم ، لأنّ التأدية من بيت المال إنّما هو لئلاّ يبطل دم مسلم ، فإذا فرض إمكان التأدية من مال المقرِّين بالاشتراك أو بالتخيير لا يوجب تحقّق البطلان ، وعليه فسقوط القصاص عنهما بحاله ، فتدبّر .
وهذا بخلاف ما إذا لم يكن مال لهما أيضاً ، فإنّه يشكل الحكم حينئذ من جهة أنّ سقوط القصاص مستلزم للبطلان المذكور ، ومن جهة أنّ سقوط القصاص ولزوم أداء المال أمران ، فإذا لم يمكن الثاني كما هو المفروض يبقى الأوّل بحاله ، ولأجله استشكل في المتن في القود ، ومقتضى الاحتياط العدم ، كما هو ظاهر .


(1) مسالك الأفهام: 15 / 177 ، الروضة البهية: 10 / 70  .
(2) المهذّب البارع: 5 / 202  .

(الصفحة199)

الثاني: البيّنة

لا يثبت ما يوجب القصاص سواء كان في النفس أو الطرف إلاّ بشاهدين عدلين ، ولا اعتبار بشهادة النساء فيه منفردات ولا منضمّات إلى الرجل ، ولا توجب (لايجب ـ ظ) بشهادتهنّ الدية فيما يوجب القصاص ، نعم تجوز شهادتهنّ فيما يوجب الدية كالقتل خطأ أو شبه عمد ، وفي الجراحات التي لا توجب القصاص كالهاشمة وما فوقها ، ولا يثبت ما يوجب القصاص بشهادة شاهد ويمين المدّعي على قول مشهور1.


1 ـ لا إشكال ولا خلاف في ثبوت القتل الموجب للقصاص وكذا الجناية على العضو الموجبة له بشاهدين عادلين ، كما أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في عدم ثبوته بشهادة النساء منفردات ، وأمّا مع الانضمام فالمحكيّ عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط(1)والعلاّمة(2) وبعض آخر(3) الثبوت به ، وعن جماعة منهم الشيخ في النهاية(4) ثبوت الدية بدلاً عن القصاص ، وحكم المحقِّق في الشرائع بشذوذه(5) ، وصريح المتن عدم ثبوت القصاص ولا الدية .
نعم تجوز شهادتهنّ ولو منفردات في الأمور المالية; كالقتل خطأً أو شبه عمد ، وكالجراحات التي حكم الشارع في موردها بالدية ، كالهاشمة المؤثّرة في كسر العظم

(1) حكاه عن مبسوطه العلاّمة في المختلف: 8 / 483 مسألة 74 ، وكذا الشهيد في المسالك:15 / 178 ، ولكن في المبسوط: 8 / 172 قوّى الثبوت واستثنى القصاص .
(2) مختلف الشيعة : 8 / 483 مسألة 74  .
(3) كابن أبي عقيل ، حكى عنه في المختلف: 8 / 474 و 483 مسألة 74 والمحقّق في الشرائع: 4/921 .
(4) النهاية: 333  .
(5) شرائع الإسلام: 4 / 993  .

(الصفحة200)

مسألة 1 ـ يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة أوكالصريحة نحو قوله: «قتله بالسيف» أو «ضربه به فمات» أو «أراق دمه فمات منه» . ولو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل ، نعم الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقلية التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفاً ، مثل أن يقال في
قوله: «ضربه بالسيف فمات» ، يحتمل أن يكون الموت بغير الضرب ، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي ، ولا يلزم التصريح بما لا يتخلّل فيه الاحتمال عقلاً1.


التي تكون ديتها عشرة أبعرة ظاهراً ، والتحقيق في هذا الباب موكول إلى كتاب الشهادات . كالبحث في الاكتفاء بشاهد ويمين فيما يوجب القصاص ، كما هو المنسوب إلى المشهور .

1 ـ الظاهر أنّ القتل ليس له خصوصية موجبة لاعتبار كون شهادته بنحو الصراحة التي لا يجري فيها احتمال الخلاف ولو عقلاً ، بل هو كسائر الموضوعات التي يكفي في ثبوتها دلالة الشهادة عليه ، ولو بنحو الظهور العرفي الذي مرجعه إلى عدم وجود احتمال عقلائي معتدّ به على خلافه ، وإن كان هناك احتمال الخلاف عقلاً .
وشبهة ثبوت الإجماع في خصوص المقام ، كما تشعر بها عبارة الجواهر(1)مندفعة بظهور عدم تحقّق الإجماع في المقام ، بل ولم يتحقّق دعوى الإجماع أيضاً . والتعبير بلزوم كون الشهادة صافية عن الاحتمال كما في الشرائع(2) يكون المراد به

(1) جواهر الكلام: 42 / 210 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 993  .
<<التالي الفهرس السابق>>