في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة301)



ثبوت الحقّ للأولياء المتعدّدين بنحو الشركة ، وقد خرجنا عن مقتضى قاعدتها بالإضافة إلى عفو البعض ، فإنّه من الواضح أنّ عفو البعض لا يوجب سقوط حق القصاص بالنسبة إلى غيره ، وأمّا مع عدم إحراز العفو فلا مجال للخروج عن مقتضاها بالإضافة إلى لزوم إحراز إذن الشريك ورضاه لعدم الدليل عليه ، وما أفاده من الوجوه والمؤيّدات لا يصلح لذلك ، فإنّ جواز القصاص مع عفو الباقين لا يقتضي بنحو الأولوية للجواز مع السكوت وعدم الإحراز ، خصوصاً مع أنّ حقّ القصاص يترتّب عليه التشفّي بالنسبة إلى الأولياء  ، ومع العفو لا يبقى مجال للتشفّي ، فلا يستلزم ذلك الجواز في صورة عدم الإحراز أصلاً فضلاً عن الأولوية .
والآية الكريمة(1) مفادها ثبوت السلطان بالإضافة إلى وليّ المقتول ظلماً ، وأمّا أنّ هذه السلطنة ثابتة بنحو الإطلاق حتّى مع عدم إحراز موافقة الآخر ، فلا دلالة لها عليها .
ومن الممكن لأجل حصول التشفّي له أن يكون لاستناد القتل وقصاص المقتول  ـ إمّا إذناً وإمّا توكيلاً ـ مدخلاً في ذلك كما لا يخفى ، فإنّه مع حصول القتل بمجرّده ولو كان من الأجنبي لا يتحقّق التشفّي بوجه .
والظاهر كون الاشتراك في المقام إنّما هو على حسب الاشتراك في الأموال ، غاية الأمر قد عرفت الخروج عن مقتضى قاعدة الشركة في مورد عفو البعض فقط ، ولا وجه للخروج عنه بالإضافة إلى هذه الجهة أيضاً .
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ محل النزاع بين القولين ما إذا أراد بعض الأولياء المبادرة إلى إعمال حقّ القصاص واستيفائه ، مع عدم إحراز مراد الباقين من جهة القصاص
(1) الإسراء 17 : 33  .

(الصفحة302)



أو الدية أو العفو مجاناً ، أو مع إحراز أنّ مرادهم أيضاً القصاص . وأمّا مع إحراز مراد الباقين وأنه هي الدية أو العفو فلا شبهة في جواز استيفاء الأوّل القصاص . وقد عرفت أنّ من جملة الوجوه المذكورة في الجواهر بعنوان التأييد هو الحكم بأولوية المقام من صورة الإحراز المذكورة ، وإن ناقشنا في الأولوية بل المساواة كما مرّ .
وعلى ما ذكر من بيان محلّ النزاع لا يبقى مجال للاستدلال ببعض الروايات ، كما صنعه بعض الأعلام(1) ، حيث استدلّ لما اختاره من القول الثاني مضافاً إلى جملة من الوجوه المذكورة في الجواهر بصحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل وله أُمّ وأب وابن؟ فقال الابن: أنا أُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب: أنا أُريد أن أعفو ، وقالت الأُمّ: أنا أُريد أن آخذ الدية . قال: فقال: فليعط الابن اُمَّ المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا ، وليقتله(2) لأنّ مورد هذه الرواية صورة إحراز مراد الجميع وعدم تعلّق إرادة غير الابن بالقصاص ، وهو متسالم عليه بين القولين ، فلا دلالة للرواية على حكم المقام إلاّ بالنحو المذكور في الجواهر ، وقد عرفت عدم تماميته .
ثمَّ إنّه تظهر ثمرة القولين في التعزير ، فعلى القول بجواز المبادرة لا مجال للتعزير ، وعلى القول بالعدم كما في المتن يعزّر المبادر لارتكاب الخلاف وفعل غير المشروع ، بناء على ثبوت التعزير في كلّ معصية ، وقد مرّ البحث فيه في

(1) مباني تكملة المنهاج: 2 / 129 ـ 130 مسألة 135  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 83  ، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح1  .

(الصفحة303)

مسألة 8 ـ لو تشاحّ الأولياء في مباشرة القتل وتحصيل الإذن يقرع بينهم ، ولو


كتاب  الحدود(1) .
وهل يكون هنا ثمرة أُخرى أم لا؟ حكي عن الفاضل(2) ومن تبعه(3) احتمال ترتّب القصاص على القول بعدم جواز المبادرة ، لأنّه استوفى أكثر من حقّه ، فهو عاد في الزائد على حقّه ، فيترتّب عليه القصاص ، بل قد يقال ـ على هذا القول ـ : إنّه يكون مثل قتل الأجنبي للقاتل الذي لا ريب في ترتّب القصاص عليه .
ولكنّ الظاهر كما في المتن عدم ترتّب القصاص بناء على هذا القول أيضاً ; لأنّ مجرّد عدم جواز المبادرة قبل وضوح مراد الباقين لا يوجب صيرورة القاتل معصوماً ومحترماً بالإضافة إلى من يريد القصاص ، بل هو مهدور الدم بالنسبة إليه ، غاية الأمر ثبوت تكليف في البين ، وهو المراجعة إلى الباقين والاستئذان ، وعليه فلا مجال لاحتمال ثبوت القصاص بوجه .
ثم إنّه على تقدير القول بجواز المبادرة هل يكون ضمان حصص من لم يأذن مترتّباً على إعمال القصاص ومتفرّعاً عليه ، فلا يجب عليه إعطاء شيء من قبل القصاص ، أو أنّ الضمان ثابت قبل الإعمال ، فيجب عليه الإعطاء في هذا الحال؟ ظاهر الجواهر(4) هو الأوّل ، ويمكن استفادة الثاني من صحيحة أبي ولاّد المتقدّمة ، حيث أنّ ظاهرها جواز القتل بعد إعطاء السدسين ، والظاهر أنّه لا فرق بين موردها وبين المقام من هذه الجهة ، فتدبّر .


(1) تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود : 330 ـ 331 .
(2) قواعد الأحكام: 2 / 299  .
(3) التنقيح الرائع: 4 / 445 ، مسالك الأفهام: 15 / 230  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 291  .

(الصفحة304)

كان بينهم من لا يقدر على المباشرة لكن أراد الدخول في القرعة ليوكّل قادراًفي الاستيفاء يجب إدخاله فيها1.

مسألة 9 ـ ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عدلين فطنين عارفين بمواقعه وشرائطه احتياطاً ، ولإقامة الشهادة إن حصلت منازعة بين المقتصّ وأولياء المقتصّ منه ، وأن يعتبر الآلة لئلاّ تكون مسمومة موجبة لفساد البدن وتقطّعه وهتكه عند الغسل أو الدفن ، فلو علم مسموميّتها بما


1 ـ هذه المسألة إنّما هو على تقدير القول الأوّل في المسألة السابقة ، ضرورة أنّه على تقدير القول الآخر لا يبقى مجال للتشاح ، بل يجوز لكلّ واحد منهم المبادرة والرجوع إلى القرعة ، إمّا لأجل أنّ موردها صورة تزاحم الحقوق وعدم الترجيح ، كما عليه سيّدنا الأستاذ الأعظم الماتن ـ دام ظلّه العالي ـ في رسالته في «القرعة»(1) ، وإمّا لأجل أنّ المراد بالمشكل والمشتبه ومثلهما في دليل القرعة هو المشكل الذي لا يستفاد حكمه من شيء من الأدلّة والأمارات والأصول الشرعية والعقلية أصلاً  ـ لا ما اشتبه حكمه الواقعي فقط ـ كما لعلّه الظاهر ، وعلى كلا المبنيين يرجع إلى القرعة .
هذا على تقدير عدم تعلّق إرادتهم بالتوكيل وإلاّ يوكّلوا واحداً مع الاتفاق ، ومع الاختلاف أيضاً يقرع  . ومنه يظهر أنّه لو كان بينهم من لا يقدر على المباشرة لضعف أو مرض أو كونه امرأة ، وأراد الدخول في القرعة ، لا للمباشرة بل لتوكيل القادر ، لا مجال لإخراجه عنها ، بل يجب إدخاله فيها ، كما لا يخفى .


(1) الرسائل : 1 / 346  .

(الصفحة305)

يوجب الهتك لا يجوز استعمالها في قصاص المؤمن  ، ويعزّر فاعله1.


1 ـ أمّا الحكم الأوّل فالدليل عليه كما في المتن ، أوّلاً رعاية الاحتياط في الدماء لئلاّ يقتل غير المستحقّ ويقتصّ منه ، وثانياً إقامة الشهادة إن حصلت منازعة بعداً ، ولكن لابدّ من التنبيه على أمرين:
أحدهما: إنّ رعاية الاحتياط ورفع المنازعة لا ينحصر طريقهما في زماننا بإحضار شاهدين مع الأوصاف المذكورة ، لأنّهما يتحقّقان بسبب ضبط حكم الحاكم وكتابته وحفظ المكتوب والثبت في الدفتر مع جميع الخصوصيات ، ولعلّ الانحصار كان في الأزمنة السابقة التي لم تتعارف كتابة في المحاكم ولم يكن الحكم مكتوباً ولا مضبوطاً في دفتر أصلاً .
ثانيهما: إنّ التعبير بكلمة «ينبغي» هل المراد به الاستحباب أو مجرّد الإرشاد ، ولا مجال لاستفادة الأوّل من طريق التسامح في أمر الندب; للزوم ثبوت الأمر ولو بطريق ضعيف حتّى يجبر بقاعدة التسامح ، لكنّه يمكن الاستفادة من طريق الأمر بالاحتياط الثابت في الشرع خصوصاً في الدماء ، وعليه فلا يبعد الاستحباب .
وأمّا الحكم الثاني وهو أنّه ينبغي للوالي أو نائبه اعتبار الآلة واختبارها لئلاّ تكون مسمومة ، فالوجه فيه هو ترتّب فساد البدن وتقطّع الأعضاء عليه ، وهو يوجب الهتك وتعسّر الغسل والدفن ، ولا سبيل إلى استفادة الاستحباب في هذا الحكم ، بل الظاهر أنّه لمجرّد الإرشاد  ، كما لا يخفى .
وأمّا الحكم الثالث المتعلّق بالمباشر للقصاص ، وهو عدم جواز استعمال الآلة المسمومة مع العلم بكونها كذلك ، فالوجه فيه هو ترتّب فساد البدن والتقطّع عليه نوعاً ، وهو يوجب الهتك  ، ولا شبهة في أنّ هتك المؤمن حرام ولو في حال الموت . وذكر في المبسوط أنّه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص ، فهو كما لو قتله ثم

(الصفحة306)

مسألة 10 ـ لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة التي توجب السراية ، فإن استعملها الولي المباشر ضمن ، فلو علم بذلك ويكون السمّ ممّا يقتل به غالباً أو أراد القتل ولو لم يكن قاتلاً غالباً يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته إن مات بهما ، فلو كان القتل لا عن عمد يردّ نصف دية المقتول ، ولو سرى السمّ إلى عضو آخر ولم يؤدّ إلى الموت فإنّه يضمن ما جنى دية وقصاصاً مع الشرائط1.


عاد فقطّعه أو حرّقه(1) . نعم لو كان التقطّع حاصلاً بعد الدفن لا يوجب ذلك الهتك بوجه .
وأمّا مسألة تعسّر الغسل فلا تقتضي الحرمة بوجه ، لتقدّم غسله على القصاص أوّلاً ، لأنّه لا يغسل بعد موته ، وعدم كون تعسّره موجباً للحرمة ثانياً .
ثمّ إنّ حرمة استعمال الآلة المسمومة ثابتة فيما لو كانت الجناية واقعة بمثل هذه الآلة أيضاً ، لأنّ وقوعها بمثلها لا يوجب جواز القصاص بمثله ، كما سيأتي في المسائل الآتية . ثمّ إنّ مقتضى ثبوت الحرمة استحقاق العامل للتعزير ، كما في سائر موارد ثبوت التعزير .

1 ـ عدم جواز استعمال الآلة المسمومة في قصاص النفس إنّما هو مجرّد تكليف ، ولا يكون معه حكم وضعيّ ـ وهو الضمان ـ أصلاً . وأمّا في قصاص الطرف فالاستعمال ـ مضافاً إلى كونه محرَّماً لفرض اقتضائها للسراية ـ يكون موجباً للضمان قصاصاً أو دية . فإن كان معه أحد الأمرين المعتبرين في قتل العمد ، وهو كون الآلة ممّا تقتل غالباً ، أو كون الفاعل مريداً للقتل ولو لم يكن مؤثِّراً في القتل

(1) المبسوط: 7 / 108  .

(الصفحة307)

مسألة 11 ـ لايجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكالّة وما يوجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه ، ولو فعل أثم وعزّر لكن لا شيء عليه ، ولا يقتصّ إلاّ بالسيف ونحوه ، ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخ ، بل وبالاتّصال بالقوّة الكهربائية ، ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ، ولو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة ، ولا يجوز التمثيل به1.


غالباً يتحقّق موجب القصاص ، وإن لم يكن معه شيء من الأمرين تثبت الدية .
غاية الأمر أنّه حيث يكون القتل مسبّباً عن قطع العضو بالآلة المسمومة ، وهو أمر واحد اجتمع فيه حيثيّتان : حيثية الاستحقاق من جهة أصل القطع ، وحيثية عدم الاستحقاق من جهة كون القطع بالآلة الكذائية ، فلا محالة يتحقّق المناصفة . ففي صورة القصاص لابدّ من ردّ نصف الدية إليه أو إلى وارثه ، وفي صورة إعطاء الدية لا يلزم إلاّ أداء نصف الدية ، لما عرفت من اجتماع جهتين في سبب واحد وفعل فارد . وقد عرفت في مسألة الشركة أنّ مجرّد تحقّقها يوجب التنصيف ، ولا يلاحظ عمل الشريكين من جهة الكمّية والكيفية أصلاً ، بل الموجب مجرّد انتساب العمل إلى كليهما ، وممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو سرى السمّ إلى عضو آخر من دون أن يؤدّي إلى الموت ، فإنّه يتحقّق بالإضافة إليه الضمان قصاصاً أو دية .

1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأُولى: عدم جواز الاستيفاء مطلقاً نفساً أو طرفاً بالآلة الكالة التي توجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل القطع بالمنشار المذكور في المتن . وقد استدلّ له في الجواهر ـ مضافاً إلى نفي الخلاف فيه ـ بالنبوي: إذا قتلتم فأحسنوا

(الصفحة308)



القتلة(1) ، وبالأمر بإراحة الذبيحة وتحديد الشفرة للذبح ، ففي الآدميّين أولى(2) .
والأولى الاستدلال له بأنّ غاية ما ثبت في الشريعة بمقتضى الكتاب والسنّة هو القصاص بمعنى النفس بالنفس والعين بالعين وهكذا ، وأمّا التعذيب الزائد الذي يستلزمه استعمال الآلة الكالّة فلم يثبت جوازه فيها ، فكما أنّه لا يجوز عقوبة زائدة على أصل القتل بمثل الضرب ونحوه ، كذلك لا يجوز استعمال الآلة المذكورة لعين ذلك ، ولا فرق في هذه الجهة بين ما لو كانت الجناية الأصلية واقعة بالكالّ أم لا ، لما سيأتي من عدم جواز رعاية المماثلة في هذه الجهات . نعم لو خالف واستعمل الآلة المذكورة لا يترتّب عليه ضمان ، بل يعزَّر للمخالفة .
الجهة الثانية: هل تجوز المماثلة في مقام الاستيفاء ورعاية الجناية الواقعة ـ فلو كانت بالغرق مثلاً حكم بجوازه بالإضافة إلى المقتصّ منه ـ أم لا تجوز ذلك؟ حكي الأول عن أبي علي(3) وابن أبي عقيل(4) وعن الجامع حيث قال: إنّه يقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها(5) ، ولعلّه يستفاد من كلامه لزوم المماثلة فضلاً عن جوازها  . ولكن الأكثر(6) ، بل المشهور(7) ، بل ادّعي نفي الخلاف فيه(8) ، بل الإجماع(9) ، بل إجماع

(1) سنن البيهقي: 12 / 98 ح16509 .
(2) جواهر الكلام: 42 / 296  .
(3) مختلف الشيعة: 9 / 453 مسألة 132  .
(4) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 113  .
(5) الجامع للشرائع: 599  .
(6) مسالك الأفهام: 15 / 235  .
(7) رياض المسائل: 10 / 337  .
(8) غنية النزوع: 408  .
(9) التنقيح الرائع: 4 / 446 ، الروضة البهية: 10 / 92  .

(الصفحة309)



الفرقة وأخبارهم على الثاني(1) .
واستدلّ للأوّل ـ مضافاً إلى قوله تعالى: {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيْكُم فَاعتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيْكُم}(2) الظاهر في مماثلة الاعتداء الواقع المقابل مع الاعتداء أوّلاً من جميع الجهات ـ بالنبوي: من حرّق حرّقناه ومن غرّق غرّقناه(3) . وبالنبوي الآخر: إنّ يهودياً رضخ رأس جارية بالحجارة ، فأمر(صلى الله عليه وآله)فرضخ رأسه بالحجارة(4) . والرضخ بمعنى الضرب .
وفي محكي المختلف بعد الاستدلال بالآية قال: وهو وجه قريب(5) . وفي المسالك: لا بأس به(6) . وفي مجمع البرهان: الظاهر الجواز إن لم يكن إجماع(7) . والظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع(8) . وفي الروضة: هو متّجه لولا الاتفاق على خلافه(9) .
والظاهر أنّه لا دلالة للآية على ذلك ، لأنّها في مقام بيان أصل مشروعية المماثلة بمعنى وقوع النفس بالنفس والعين بالعين ومثلهما الذي وقع التصريح به في بعض آيات القصاص على ما عرفت ، وأمّا المماثلة في الكيفية فلا تكون الآية بصدد بيانها

(1) الخلاف: 5 / 189 ـ 190 مسألة 55  .
(2) البقرة 2 : 194  .
(3) سنن البيهقي: 12 / 65 ملحق ح16424 .
(4) سنن البيهقي: 12 / 62 ح16416 و 16417 .
(5) مختلف الشيعة: 9 / 454 مسألة 132  .
(6) مسالك الأفهام: 15 / 236  .
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 425  .
(8) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 11/113 .
(9) الروضة البهية: 10 / 92  .

(الصفحة310)



وإفادتها بوجه ، مع وضوح ضعف العموم في الآية ، لعدم جواز المماثلة في أصل الاعتداء أيضاً في جميع الموارد ، ضرورة عدم جواز الاعتداء بالسبّ والفحش مثلاً في مقابل الاعتداء بهذا النحو ، مع أنّ الروايات الآتية التي هي مستند المشهور مقيّدة لإطلاق الآية بناء على ثبوته .
وأمّا النبويّان فمضافاً إلى عدم ثبوتهما وعدم ظهورهما في تحقّق الموت بالاُمور المذكورة فيهما ، لا ينهضان للمقابلة مع الروايات الصحيحة الظاهرة الدلالة الآتية ، خصوصاً مع استناد المشهور إليها والفتوى على طبقها ، وهي:
صحيحة الحلبي وأبي الصباح الكناني جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات  ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف(1) .
ورواية موسى بن بكر ، عن عبد صالح (عليه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع العصا حتى مات ، قال: يدفع إلى أولياء المقتول ولكن لا يترك يتلذّذ به ، ولكن يجاز عليه بالسيف(2) .
وصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع عنه حتّى قتل ، أيدفع إلى أولياء المقتول؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجاز عليه(3) . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في هذه الجهة . ومع ملاحظتها لا يبقى ارتياب في أنّ الحقّ ما عليه المشهور .
الجهة الثالثة: في أنّه بعد عدم جواز المماثلة المطلقة هل يتعيّن الاقتصاص

(1) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح2  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح10  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح12  .

(الصفحة311)



بالسيف أو يجوز بمطلق الحديد أو يجوز بالوسائل الموجودة في هذا الزمان ، التي هي أسهل من السيف كالأمرين المذكورين في المتن؟ ظاهر أكثر العبارات الأوّل(1) ، وأضيف إلى السيف في بعض الكتب: وما جرى مجراه(2) . وقد وقع التعبير بالحديد في بعض آخر(3) ، ونفى في المتن البعد عن الثالث .
والحقّ أن يقال: إنّه قد وقع في الروايتين من الروايات المتقدّمة التعبير بأنّه يجاز أو يجيز عليه بالسيف . يقال: أجاز عليه: أي أجهزه وأسرع في قتله . وقد وقع في رواية منها التعبير بأنّه يجاز عليه ، وحينئذ يحتمل أن يقال: بأنّ إطلاق الرواية الأخيرة مقيّد بالروايتين الآخرتين ، ويحتمل أن يقال : ببقاء الرواية على إطلاقها وحمل التقييد بالسيف على كونه لأجل تأثيره في تحقّق السرعة في الموت ، فلا خصوصية له بوجه .
فعلى الأوّل يتعيّن الاقتصاص بالسيف إلاّ أن يقال بشمول الجواز لما هو أسهل بتنقيح المناط أو بالأولويّة  ، وعليه يمكن منع هذا القول ، فتدبّر .
وعلى الثاني يكون الجواز في السيف وما هو أسهل بنحو واحد ، لفرض إطلاق الدليل واقتضائه مجرّد الإسراع في القتل بأيّة آلة تحقّق ، كما لا يخفى . وعليه فما في المتن يبتنى على الأوّل .
الجهة الرابعة: في أنّه إذا أُريد الاقتصاص بالسيف تعييناً أو تخييراً فلا إشكال في عدم جواز التمثيل به وقطع الأعضاء متعاقباً ، وذلك للنّهي في أخبار كثيرة عن

(1) كالمقنعة: 736 والمراسم العلوية: 237 وشرائع الإسلام: 4 / 1002 واللمعة الدمشقية: 179 وإرشاد الأذهان: 2 / 198 وقواعد الأحكام: 2 / 301  .
(2) كالمبسوط : 7 / 72 والمختصر النافع: 316  .
(3) كالنهاية: 734 والخلاف: 5 / 189 مسألة 55 والغنية: 408 وإصباح الشيعة: 494 .

(الصفحة312)



المثلة به وأنّه لا تجوز ولو في الكلب العقور(1) ، وقد وقع تفسير قوله تعالى: {فَلاَيُسرِف فِي القَتلِ}(2) به مع ظهوره فيه في نفسه أيضاً ، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالإسراف هو الإسراف في الكيفية أو الأعم منها ومن الكمّية ، وعلى التقديرين يدلّ على عدم جواز المثلة كما هو ظاهر .
والظاهر أنّ الاقتصاص بالسيف لا يجوز بمثل قطع العنق وقطع الأوداج كما في مقام الذبح ، بل يتعيّن بمثل الضرب بالعنق ، كما هو الموجود في عبارات الأصحاب من المقنعة إلى الرياض(3) كما في الجواهر(4) ، ولعلّ الوجه فيه ـ مضافاً إلى كونه مسرعاً في قتله نوعاً وعدم تحقّق الإسراع بدونه ـ تعارف هذا النحو من القتل في الجناياتوقصاصها، فالأدلّة تنصرف إلى ما هو المتعارف من قطع العنق كانصرافها إلى عدم إيقاع السيف على المخّ أو البطن أو نحوهما . فالظاهر ـ ولو بملاحظة ما ذكرنا من عدم الاستفادة من أدلّة القصاص إلاّ مجرّد مشروعيته ـ عدم التعدّي عمّا هو المتعارف من ضرب السيف بالعنق إذا تحقّق بالسيف كما في المتن، فتدبّر.
ثمّ إنّه استثنى في الجواهر على القول بجواز المماثلة المطلقة مثل القتل بالسحر والقتل بالجماع قبلا ودبراً والقتل بإيجار الخمر ونحوه ممّا هو مذكور في الجواهر(5) .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 95 ، أبواب القصاص في النفس ب 62 .
(2) الإسراء 17 : 33  .
(3) المقنعة: 737 ، الكافي في الفقه: 390 ، الجامع للشرائع: 572 ، شرائع الإسلام: 4 /1002 ، إرشاد الأذهان: 2 / 198 ، مسالك الأفهام: 15 / 235 ، رياض المسائل: 10 / 337  .
(4) جواهر الكلام: 42 / 298  .
(5) جواهر الكلام: 42 / 299  .

(الصفحة313)

مسألة 12 ـ اُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال ، واُجرة المقتصّ على ولي الدم لو كان الاقتصاص في النفس ، وعلى المجنيّ عليه لو كان في الطرف ، ومع إعسارهما استدين عليهما ، ومع عدم الإمكان فمن بيت المال ، ويحتمل أن تكون ابتداء على بيت المال ، ومع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الولي أو المجنيّ عليه ، وقيل: هي على الجاني1.



1 ـ وقع الخلاف ـ بعد أنّه لا شبهة في أنّ أُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال المعدّ للمصالح الراجعة إلى الإسلام والمسلمين ـ في أجرة من يستوفي القصاص على أقوال ثلاثة:
أحدها: ما في المتن من ثبوتها أوّلاً على من يكون له القصاص من الوليّ أو المجنيّ عليه ، وثانياً على بيت المال . والوجه فيه أنّ الحق إنّما يكون ثابتاً له ، وتوقّف استيفاؤه على الأجرة لا يلزم ثبوتها على بيت المال ، أو على الجاني ، كما في سائر موارد توقّف استيفاء الحقّ على مؤونة . فإذا توقّف استيفاء الدّين مثلاً على بذل مؤونة لا يستلزم ذلك ثبوت تلك المؤونة على بيت المال أو على المديون ، مع عدم مخالفته لما وجب عليه في هذا الأمر ، فالقصاص مثله ، لكن يمكن الإيراد عليه بأنّ الحكم بالثبوت على بيت المال ثانياً لا يستقيم على إطلاقه ، فإنّه يمكن القول بالاستدانة من بيت المال عليهما والأداء بعد ذلك إذا حصل اليسار ، فتدبّر .
ثانيها: عكس القول الأوّلوهوالثبوت ابتداءعلى بيت المال ، ومع الفقد أو وجود ما هو أهم كالجهاد مثلاً يثبت على من له القصاص ، وهو ظاهر المحقّق في الشرائع حيث قال: وأُجرة من يقيم الحدود من بيت المال ، فإن لم يكن بيت المال أو كان هناك

(الصفحة314)

مسألة 13 ـ لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص إلاّ مع التعدّي في اقتصاصه ، فلو كان متعمّداً اقتصّ منه في الزائد إن أمكن ، ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش ، ولو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ وأنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه ، بل لو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه فالظاهر أنّ القول قول


ماهو أهمّ كانت الأُجرة على المجني عليه(1).والتعبيرعن القصاص بالحدود ـ كالتعبير عن من له القصاص بخصوص المجنيّ عليه ، مع أنّه يكون تارة هو الولي ـ لا يخلو عن المسامحة . والدليل على هذا القول دعوى اتّحاد حكم المقام مع سائر الموارد التي يرجع إلى بيت المال ، لكونه أيضاً من المصالح التي أعدّ لها بيت المال.
ولكنّه يندفع بأنّ استيفاء الحقّ الشخصي إذا كان متوقّفاً على مؤونة لا مجال لأخذ تلك المؤونة من بيت المال ، كاستيفاء الدين في المثال المتقدّم .
ثالثها: ثبوت الأُجرة على الجاني ، والوجه فيه دعوى اتحاد حكم المقام مع اُجرة الكيال الواجبة على البائع ، ولكنّها مندفعة بأنّ ثبوت الأُجرة على البائع إنّما هو فيما إذا توقّف القبض الواجب عليه على التعيين بالكيل الذي يتوقّف على الاُجرة ، وأمّا لو كان البيع موجباً لتحقّق شركة المشتري مع البائع في المبيع مثلاً فلا يكون هناك شيء على البائع ، وفي المقام الواجب على الجاني هو التمكين ، وجعل نفسه باختيار من له القصاص ، ولا ترتبط الأُجرة به بوجه .
ثمّ الظاهر أنّه على هذا القول لو أراد الوليّ مثلاً المباشرة وأخذ الأُجرة من الجاني كان له ذلك ، لعدم الفرق ، بل الظاهر أنّه على القول الثاني أيضاً يجوز له الأخذ من بيت المال .


(1) شرائع الإسلام: 4 / 1002  .

(الصفحة315)

المقتصّ بيمينه على وجه ، ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشيء من جهته فالقول قول المقتصّ منه1.


1 ـ قد استدلّ في الجواهر(1) على عدم ضمان السراية في قصاص الطرف مع عدم التعدّي في الاقتصاص ـ بعد نفي الخلاف والإشكال فيه ـ بالأصل وجملة من الروايات التي احتمل دعوى تواترها أو القطع بمضمونها ، ولكنّ الظاهر أنّ عمدتها واردة في قصاص النفس ، مثل صحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد . وقال: من قتله الحدّ فلا دية له(2) .
فإنّ الظاهر أنّ المراد بقتل القصاص للرجل ليس هو قتله بالسراية بالقصاص في الطرف بل قتله بالقصاص الموجب للقتل ، والشاهد عليه الجواب ، فإنّه لو كان المراد منه هو الأوّل لا يستلزم ذلك سدّ باب الاقتصاص ، خصوصاً مع ندرة تحقّق السراية في قصاص الطرف . وهذا بخلاف ما لو كان المراد منه هو المعنى الثاني ، فإنّ اقتضاء قصاص النفس للدية يوجب سدّ باب الاقتصاص ، كما لا يخفى .
ورواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن(3). وظهورها فيما ذكرنا واضح ، والتعبير بقتيل القرآن إنّما هو في مقابل قتيل العدوان مثلاً.
نعم في خصوص رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله

(1) جواهر الكلام: 42 / 246  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح1  .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح2  .

(الصفحة316)

مسألة 14 ـ كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف ، ومن لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف ، فلا يقطع يد والد لقطع يد


القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة(1) . ولكنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى الاستدلال بمثل هذه الروايات ، بعد كون ضمان السراية مفتقراً إلى قيام الدليل ، ولولا الإجماع عليه في صورة الجناية المحرّمة والتعدّي غير المشروع لم نقل به . وقد ظهر بما ذكرنا ثبوت الضمان مع التعدّي في الاقتصاص ، فإن كان متعمّداً وكان القصاص ممكناً كما إذا قطع إصبعاً زائدة مثلاً يقتصّ منه ، ومع عدم التعمّد أو عدم إمكان القصاص كما إذا قطع من المنكب مع كون الحق بالإضافة إلى القطع من المرفق يكون ضامناً للدية أو الأرش .
ثم إنّه لو وقع الاختلاف بين المقتصّ والمقتصّ منه في العمد والخطأ ، فتارة يقع الادّعاء من ناحية المقتصّ منه ، والإنكار من ناحية المقتصّ ، كما إذا ادّعى الأوّل التعمّد وأنكره الثاني ، فلا شبهة في أنّ القول قول المنكر بيمينه; لأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، واُخرى يكون بالعكس كما إذا ادّعى المقتصّ الخطأ وأنكره الآخر ، فظاهر المحقّق في الشرائع(2) أنّ القول قول المقتصّ أيضاً ، نظراً إلى أنّه أعرف بنيّته وكون قوله موافقاً للظاهر أو الأصل .
وأمّا الفرع الأخير فهو ما لو ادّعى المقتصّ حصول الزيادة لشيء من ناحية المقتصّ منه وأنكره الآخر ، فالظاهر أنّ القول فيه قول المنكر ، خلافاً لكاشف اللثام(3) .


(1) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح8  .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 1002  .
(3) كشف اللثام: 2 / 469  .

(الصفحة317)

ولده ، ولا يد مسلم لقطع يد كافر1.

مسألة 15 ـ إذا كان له أولياء شركاء في القصاص ، فإن حضر بعض وغاب بعض فعن الشيخ (قدس سره) للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، والأشبه أن يقال: لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار ، ولو كان غير (غيبته ـ ظ) منقطعة أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي ، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب ، ولو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى وليّه ، ولو كان صغيراً ففي رواية: انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا2.


1 ـ الوجه في مساواة القصاص في الطرف مع القصاص في النفس في الشرائط المذكورة المتقدّمة مضافاً إلى الفتاوى ، إطلاق جملة من النصوص وصراحة بعضها في التعميم ، مثل صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم(1) .
وصحيحة أبي أيوب الخزاز ، عن حمران ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً(2) . وذكر القتل في الذيل لا دلالة فيه على اختصاص الصدر به ، كما لا يخفى ، وغير ذلك من الروايات .

2 ـ في هذه المسألة فرعان ، والظاهر وقوع الخلط بينهما في المتن:


(1) وسائل الشيعة: 19 / 80  ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح5  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 56  ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1  .

(الصفحة318)



الأوّل: ما إذا كان بعض الأولياء حاضراً كاملاً بالبلوغ والعقل ، والبعض الآخر غائباً أو فاقداً للكمال للصغر أو الجنون ، والمحكيّ عن الشيخ في الخلاف(1)والمبسوط(2) أنّه للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، والظاهر عمومية كلامه للصغير والمجنون أيضاً .
والظاهر إنّ جواز استيفاء الحاضر الكامل لا يتوقّف على شيء إن قلنا في المسألة السابعة المتقدّمة بجواز المبادرة ، والاستبداد لكلّ واحد من الأولياء ، وعدم توقّف الاستيفاء على إذن الجميع ، لأنّه إذا جاز الاستيفاء من دون مراجعة مع اشتراك الجميع في الحضور والكمال ، فالجواز مع العدم ثابت بطريق أولى .
وأمّا إن قلنا في تلك المسألة بعدم جواز المبادرة ولزوم الاستئذان فيمكن أن يقال بما في المتن من أنّه إذا كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، ولا مانع من حبس الجاني مع خوف الفرار ، وإذا كانت منقطعة أو طويلة فأمره بيد الوالي ، ولا مجال للمناقشة في ثبوت الولاية في هذا الفرض بعد كون الاستيفاء بيد الحاضر الكامل ، خصوصاً مع ملاحظة أنّه لو اختار الوالي الدية لأجل المصلحة يجوز للحاضر أيضاً الاستيفاء ، وهكذا الحكم في المجنون والصغير . والرواية المنقولة في المتن واردة في الفرع الثاني الآتي ، وعليه فالحكم في الصغير في هذا الفرع أيضاً كالمجنون يكون أمره بيد وليّه ، ولا يلزم منه عمومية دائرة الولاية للقصاص حتّى يناقش فيها ، كما يأتي .
الثاني: ما إذا كان الولي المنحصر صغيراً مثلاً ، أو كان الوليّ المتعدّد كذلك . وقد

(1) الخلاف: 5 / 179 مسألة 42 و 43  .
(2) المبسوط : 7 / 54  .

(الصفحة319)



أفتى الشيخ (قدس سره) في هذا الفرع في الكتابين المذكورين بأنّه لا يكون لأحد أن يستوفي القصاص حتّى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا ، سواء كان القصاص في الطرف أو النفس ، بل عن الكتابين الإجماع عليه(1) ، ويمكن الاستدلال عليه ـ مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم ثبوت الولاية على مثل القصاص ـ بالرواية المشار إليها في المتن ، وهي رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه : إن عليّاً (عليهم السلام)قال: انتظروا بالصغار الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا(2) .
ولازم هذا القول جواز حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، وقد يكون عشر سنين أو أزيد ، وعليه فربّما يستشكل فيه بأنّه تعذيب شديد وعقوبة كثيرة زائدة على القصاص ، خصوصاً مع استلزامه لصرف مؤونة كثيرة ، ولعلّه لذا حكي عن جماعة الأخذ بعموم الولاية وشمولها للقصاص ، كالعلاّمة في بعض كتبه(3) وولده في الإيضاح(4) والشهيدين في الحواشي(5) والروضة(6) والمسالك(7)والمحقّق الكركي في جامع المقاصد(8) والفيض الكاشاني في المفاتيح(9) ، وقال في

(1) الخلاف: 5 / 179 ـ 181 مسألة 43 ، المبسوط: 7 / 54 ـ 55  .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 85 ، أبواب القصاص في النفس ب 53 ح2  .
(3) إرشاد الأذهان: 2 / 199 ، قواعد الأحكام: 1 / 168  .
(4) إيضاح الفوائد: 4 / 623 ـ 624  .
(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 91  .
(6) الروضة البهية: 10 / 96  .
(7) مسالك الأفهام: 15 / 239  .
(8) جامع المقاصد: 5 / 187  .
(9) مفاتيح الشرائع: 2 / 140  .

(الصفحة320)

مسألة 16 ـ لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك ، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية ، من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر ، ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبه ، فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث ، ولو دفع الجاني أقلّ أو أكثر ، ولو عفا أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البذل جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه ، نعم لو اقتصر على مطالبة الدية وامتنع الجاني لا يجوز الاقتصاص إلاّ بإذن الجميع ، ولو عفا بعض مجّاناً لم يسقط القصاص ، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني1.


الجواهر أنّه هو الأقوى في النظر(1) .
والانصاف أنّ المسألة مشكلة من جهة عدم وضوح شمول أدلّة الولاية لمثل القصاص ، وكون لازم القول المزبور الحبس المستلزم للاُمور المذكورة ، ومن جهة أنّه لا وجه لرفع اليد عن مقتضى الرواية الظاهرة في وجوب الإنتظار حتى يكبروا ، وكأن الاستناد في المتن إلى الرواية يشعر بالتردّد . والذي يؤيّد الإشكال أنّه لم يقع في كلام صاحب الجواهر الإشارة إلى الرواية بوجه .

1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود وتسلّمها من القاتل ، ففي الشرائع: المشهور أنّه لا يسقط ـ أي القصاص ـ وللآخرين القصاص بعد أن يردّوا

(1) جواهر الكلام: 42 / 304  .
<<التالي الفهرس السابق>>