في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة6)


مقدّمـة التحقيق


بسم اللّـه الرحمن الرحيم

الحمد للّـه ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آلـه الطيّبين الطاهرين، واللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

لم يعد خافياً على أحد ما لعلم الفقـه من أهمّيـة عظمى ودخا لـة مباشرة في الحياة العمليـة للفرد المسلم ، وفي برمجـة مواقفـه الفرديـة والاجتماعيـة ، فـ «ما من واقعـة إلاّ وللّـه سبحانـه فيها حكم» «ولم يدع شيئاً تحتاج إليـه الاُمّـة إلاّ أنزلـه في كتابـه وبيّنـه لرسولـه» .
فلا غرو إن توسّع هذا العلم ، وكثرت مطا لبـه ، وتطوّرت أبحاثـه بنحو تنسجم ومعطيات الواقع المعاصر ; ذلك أنّ الاجتهاد لم يؤصد بابـه عند معاشر الإماميـة ـ كثّرهم اللّـه ـ ولم يبقَ حِكراً على طائفـة من الفقهاء المتقدّمين ، فكم ترك الأوائل للأواخر ! ولهذا بلغ الفقـه الإمامي الذروة من حيث الدقّـة والتحقيق والسعـة والشموليـة .
ويبدو هذا واضحاً جلياً بمقايسـة علم الفقـه بسائر العلوم الإسلاميـة التي


(الصفحة6)

ولدت معـه ، كا لنحو والصرف وغيرهما ، فبينما لزمت أمثال هذه العلوم سمـة الجمود والتحجّر ، نجد علم الفقـه بديعاً في مسا لكـه ، قشيباً في أدلّتـه ، وما من يوم يمضي إلاّويزداد حداثـة وغضارة ، وذلك بفتح باب الاجتهاد والاستنباط عندنا .
هذا ، وترتكز عمليـة الاستنباط من الكتاب والسنّـة على مقدّمات عديدة وكثيرة ، كعلم الاُصول والرجال والمنطق واللغـة . . . حيث يقوم كلّ منها بدوره في الاستنباط ، إلاّ أنّ لعلم الاُصول عنصر الصدارة من بينها ، بل لولاه لما تمكّن الفقيـه من الاستدلال ، ولهذا أولاه علماؤنا عنايـة فائقـة من بين سائر المقدّمات الدخيلـة في الاستنباط ، باذلين في تحقيقـه جهوداً خلاّقـة وأوقات شريفـة .
وقد تمخّضت هذه الجهود عن علم يفوق جميع العلوم العقليـة والنقليـة في شموليتـه واستيعابـه ، وصلابتـه واستحكامـه ، وعذوبتـه واسترسا لـه ، وتوسّع توسّعاً كبيراً على يد المبتكرين والمفكّرين من علمائـه الذين أفردوا لـه دوائر عديدة وموسوعات كبيرة .
ومن جانب آخر فقد بعدت أفكاره عن المنال ، وعزّت عرائس أفكاره على عقول الرجال ; نتيجةً لممارسة العباقرة لهذا العلم ومدارستهم لـه ، فكان من الطبيعي أن يظهر على الجانب المعاكس تيّاران :
أحدهما: يهدف إلى تقليص هذا العلم وتلخيصـه ، وحذف زوائده وفضولـه ، ويعدّ المحقّق صاحب «ا لكفايـة» (رحمه الله) المؤسّس لهذا التيّار . إلاّ أنّـه ـ وللأسف ـ راح الوضوح والبيان ضحيةَ التلخيص ، وتعقدّت «ا لكفاية» وصعب فهمها ، ونشأ عن هذا الكثير من الشروح والحواشي التي لاتعبّر إلاّ عن رأي مؤلّفيها في غا لب الأحيان ، والتي يقرنها أربابها بقولهم : «لعلّ مراده(قدس سره) كذا» أو «يحتمل كذا» ولو علم المحقّق الخراساني (رحمه الله) با لسلسلـة الطويلـة من الشروح التي أحدثتها

(الصفحة7)

وتحدثها «كفايتـه» وعلم بما سيعانيـه دارسوها ومدرّسوها، لما اختصرها ولا اختزلها ، ولكتبها موسّعـة مسهبـة ، كاشفاً عن قناعها ; فإنّ طلسمـة كتاب دراسي أمر مرغوب عنـه عند مربّي الأجيال .
وثانيهما: التيّار الداعي إلى الحدّ من وضع المصطلحات الجديدة ، وإ لى بيان جميع المقدّمات الدخيلـة في فهم المطا لب الاُصوليـة . وهذا لايعني الدعوة إلى الإطناب المملّ ولا الإيجاز المخلّ ، كما هو واضح . وتعدّ مدرسـة المحقّق النائيني (رحمه الله) خير مثال لهذا التيّار البليغ ; حيث تظهر روح مطا لبها مجسّدة بقا لب من الألفاظ الفصيحـة البليغـة .
ومع كلّ المزايا التي تجلّت في مدرستي العلاّمتين الخراساني والنائيني(رحمهما الله)فقد انطوتا في بعض مواضعهما على الخلط بين التكوين والتشريع ، والوحدة الحقيقيـة والوحدة الاعتباريـة ، وعلى عدم الوصول إلى مغزى بعض المسائل الفلسفيـة التي جعلت أساساً للمسألـة الاُصوليـة ، فجاء الدور لمدرسـة السيّد الإمام الخميني ـ أعلى اللّـه مقامـه الشريف ـ ليضع حدّاً فاصلا بين الحقيقـة والاعتبار في المسائل الاُصوليـة ، ففيها ما يحكّم فيـه العرف الساذج وإن خا لف الدقّـة العقليـة والبراهين الفلسفيـة ، وفيها ما يرجع فيـه إلى المباني الفلسفيـة والحكمـة المتعا ليـة ، فالإفراط والتفريط في الاتكاء على علم المعقول ، كلاهما على جانب كبير من الخطأ .
ونظراً لرسوخ الإمام العلاّمـة في الحكمـة وإحاطتـه ببواطن اُمورها وخفيّات مسائلها ، لذا أبان الكثير منها عند مساس الحاجـة إليها ، ففي مبحث تعلّق الأوامر با لطبائع أو الأفراد لم يوافق المحقّق الخراساني على التمسّك بقاعدة «ا لماهيـة من حيث هي ليست إلاّ هي» مشيراً إلى أنّ منظور الحكماء بهذه

(الصفحة8)

ا لقضيـة هو الحمل الأوّلي الذاتي ، لا الشائع الصناعي الذي هو مقصود الاُصولي .
كما لم يسلّم ما هو المعروف بين الفلاسفـة والاُصوليّين من اعتباريـة تقسيم الماهيـة والأجناس والفصول ، ذاهباً إلى أنّ تقسيم الماهيـة إلى أقسامها الثلاثـة إنّما يكون بلحاظ الواقع ونفس الأمر ; إذ مجرّد اعتبار شيء لابشرط ، لايوجب انقلاب الواقع وصيرورة الشيء قابلا للاتحاد والحمل ، كما أنّ اعتباره بشرط لا ، لايحدث المغايرة ولايمنع الحمل ، وإلاّ لاختلف الواقع بحسب الاعتبار ، ولصارت ماهيـة واحدة متحدة مع شيء وغير متحدة معـه بعينـه ، وهو واضح البطلان ، وعلى ضوء هذه الدقـة بحث عن المراد من المادّة والصورة والفرق بينهما وبين الجنس والفصل وأبدى الخلط الواقع في كلام الحكماء في المسألـة .
ومن المسائل التي برع في تحقيقها تحقيقاً حكمياً المسأ لـة المعروفـة التي شغلت بال الفلاسفـة والاُصوليين ; أعني مسألـة الطلب والإرادة ، حيث أفرد لها رسا لـة مستقلّـة ، وأفرغ فيها من ذوقـه المتألّـه ما يعجز عن نيلـه أكابر الفلاسفـة والحكماء و(ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) وقد قامت المؤسّسـة بتحقيقها ، وسيتمّ طبعها في القريب العاجل إن شاء اللّـه تعا لى .
وهناك شواهد اُخرى كثيرة لم يسعنا استقصاؤها في هذه العجا لـة ، يظهر منها أنّ الإمام الخا لد (رحمه الله) قد أرسى قواعد مدرستـه الاُصوليـة على ركائز من الحكمـة المتعا ليـة ، فلئن عبثت يد الطاغوت بتراث الإمام الفلسفي ، ولم ينجُ منها إلاّ النزر اليسير ، ففي أبحاثـه الاُصوليـة معا لم لمدرستـه الفلسفيـة ، وفيها ضالّـة الفيلسوف وبغيـة العارف .
هذا ، والمدرسـة الخمينيـة شجرة طيّبـة ; آتت اُكلها كلّ حين بإذن ربّها ، وتخرّج منها الكثير من العلماء والمحقّقين ومراجع الدين العاملين ـ أيّدهم اللّـه

(الصفحة9)

تعا لى ـ نخصّ منهم با لذكر هنا : آيـة اللّـه العظمى المحقّق المجاهد الشيخ الفاضل اللنكراني ـ أدام اللّـه أيّام عوائده ـ حيث لازم الإمام الراحل ـ طاب ثراه ـ سنوات عديدة ، ونهل من معينـه العذب فقهاً واُصولا ، وكتب الكثير من الأبحاث الراقيـة التي أفاضها الإمام العظيم (رحمه الله) أثناء إقامتـه بمدينـة قم المشرّفـة ، فجاءت تقريراتـه آيـة في وضوحها وسلاستها ، ومثالا في تجرّدها من الزوائد والفضول ، لذا آثرت مؤسّسـة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني(قدس سره) نشر ما التقطـه دام ظلّـه من لآلئ بحث اُستاذه (رحمه الله) في الاُصول ، رغم عدم تماميتـه أوّلا وآخراً ; لما رأتـه من المزيـة التي تفرّد بها سماحـة العلاّمـة الحجّـة الفاضل حفظـه اللّـه سائلةً لجنابـه دوام الصحّة والعمر المديد ; إنّـه سميع مجيب .

مؤسّسـة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني(قدس سره)

فرع قم المقدّسـة

(الصفحة10)




(الصفحة11)




بسم اللّـه الرحمن الرحيم
الحمد للّـه ربّ العالمين،
والصلاة والسّلام على خير خلقـه محمّد وعلى آلـه الطيّبين الطاهرين،
ولعنـة اللّـه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين






(الصفحة12)




(الصفحة13)






المقصد الأوّل




في الأوامر



وفيـه فصول:






(الصفحة14)




(الصفحة15)






الفصل الرابع



في مقدّمـة الواجب

وا لبحث حول هذه المسأ لـة يستدعي تقديم اُمور :

الأمر الأوّل

في تحرير محل النزاع

وقبل الخوض في تحرير محلّ النزاع وإقامـة الدليل نمهِّد مقدّمةً ، وهي : أ نّـه لا إشكال في أ نّـه إذا أراد الإنسان شيئاً لـه مقدّمـة أو مقدّمات فلا محا لـة تتعلّق إرادة اُخرى بإتيان المقدّمات ، وهذه الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات ليست مترشّحةً من الإرادة المتعلّقـة بإتيان ذي المقدّمـة بمعنى أ نّـه كما تكون الإرادة علّةً فاعليّة لتحقّق المراد في الخارج كذلك تكون موجدةً لإرادة اُخرى مثلها متعلّقـة بمقدّمات المراد الأوّلي ، بل كما أنّ الإرادة المتعلّقـة با لغرض الأقصى والمطلوب الأوّلي ـ كلقاء الصديق مثلاً ـ مخلوقـة للنفس ومتحقّقـة بفعّا ليتها كذلك الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات ـ كا لذهاب إلى داره مثلاً ـ موجدة بفاعليـة النفس ، غايـة الأمر أنّ الاشتياق الحاصل با لمراد إنّما هو متعلّق بنفس المراد فيما

(الصفحة16)

لو كان هو الغرض الأقصى والمطلوب الأصلي ومتعلّق بما يكون المراد من شرائط وجود شيء آخر فيما لم يكن المراد هو المنظور إليـه با لذات .
وبا لجملـة فا لفائدة المترتّبـة على المراد ، التي هي من شرائط تحقّق الإرادة إنّما هي مترتّبـة على نفس المراد في الصورة الاُولى ، ومترتّبـة على شيء آخر يكون المراد دخيلاً في تحقّقـه في الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات .
هذا فيما لو كان الغرض الإتيان با لفعل بنفسـه ، وأمّا لو كان المقصود إتيان العبد بـه بتوسيط الأمر فهنا شيئان : البعث والتحريك الصادر من المولى بسبب الأمر والإرادة المتعلّقـة بهذا البعث .
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: لايخفى أنّ ما ذكره المحقّقين من الاُصوليّين من أنّ النزاع في باب المقدّمـة إنّما هو في الملازمـة لا في وجوبها لتكون المسأ لـة فقهيّةً(1) يحتمل أن يكون المراد بها الملازمة بين البعث الفعلي المتعلّق بذي ا لمقدّمـة وبين البعث الفعلي نحو المقدّمـة ، وأن يكون المراد الملازمـة بينـه وبين البعث التقديري نحو المقدّمـة بمعنى أنّ المقدّمـة يتعلّق بها البعث في الاستقبال لامحا لـة وإن لم يتعلّق بها فعلاً ، وأن يكون المراد الملازمـة بين الإرادة الحتميّـة الفعليّـة المتعلّقـة با لبعث إلى ذي المقدّمـة وبين الإرادة الفعليّـة المتعلّقـة با لبعث إلى المقدّمـة ، وأن يكون المراد الملازمـة بينها وبين الإرادة التقديريـة المتعلّقـة با لبعث إلى المقدّمـة .
وكلٌّ من هذه الاحتمالات المتصوّرة ممّا لايمكن أن يكون محلاّ للنزاع ومورداً للنقض والإبرام .


1 ـ مطارح الأنظار: 37 / السطر 6، كفاية الاُصول: 114، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 216، نهاية الأفكار 1: 259.

(الصفحة17)

أمّا الأوّل: فلأنّـه من الواضح عدم كون كثير من المقدّمات بل جميعها مبعوثاً إليها بمجرّد البعث إلى ذي المقدّمـة .
وأمّا الثاني: فلأنّـه لامعنى ـ بناءً عليـه ـ للقول با لملازمـة ; إذ لايعقل تحقّق الملازمـة الفعليّـة بين المتلازمين اللّذين أحدهما موجود با لفعل والآخر موجود با لتقدير بمعنى أ نّـه لم يوجد بعدُ وسيوجد في الاستقبال ; إذ الملازمـة من قبيل الاُبوّة والبنوّة ، فكما أ نّـه لايعقل تحقّق الاُبوّة للشخص الذي يصير ذا ولد في الاستقبال للتضايف الحاصل بينها وبين البنوّة ، ومن شأن المتضايفين عدم إمكان الانفكاك بينهما في الوجود الخارجي بل الوجود الذهني ، كذلك تحقّق الملازمـة الفعليـة وثبوتها بين الشيئين متوقّف على تحقّقهما في الخارج وثبوتهما با لفعل ، وهذا واضح جدّاً .
وأمّا الثالث: فلأنّـه كثيراً ما يكون جميع المقدّمات أو بعضها مغفولاً عنها ، وحينئذ فلايمكن تعلّق الإرادة با لبعث إليها ; إذْ لايعقل أن يكون المراد مغفولاً عنـه .
وقد عرفت بما مهّدناه لك: أنّ الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات إنّما تتحقّق بفعّا ليـة النفس ، وليست مترشّحةً وموجدةً بالإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة ، فراجع ، وحينئذ فلايعقل أن يكون الشيء متّصفاً بأ نّـه مراد مع كونـه مغفولاً عنـه با لنسبـة إلى المريد ، كيف ومن مقدّمات الإرادة تصوّر الشيء والتصديق بفائدتـه والاشتياق إليـه ، ولايمكن اجتماع هذه مع الغفلـة أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
وأمّا الرابع: فلما ذكر في الاحتمال الثاني من أ نّـه يستحيل تحقّق الملازمـة بين الموجود با لفعل والموجود با لتقدير .
فانقدح بما ذكرنا: أنّ جعل النزاع في الملازمـة با لوجوه المذكورة ممّا لاوجـه لـه ; إذ لايمكن أن يكون ذلك محلّ النزاع ، كما عرفت .


(الصفحة18)

والتحقيق أن يقال: إنّ محلّ الكلام ومورد النقض والإبرام هي الملازمـة بين الإرادة الفعليـة المتعلّقـة بذي المقدّمـة وبين الإرادة الفعليـة المتعلّقـة بما يراه المريد مقدّمـة .
توضيح ذلك : أ نّـه لاشبهـة في أنّ الإرادة قد تتعلّق بما لايترتّب عليـه فائدة بل ربّما يرجع بسببـه ضرر إلى الفاعل المريد ، وليس ذلك إلاّ لكون المريد معتقداً بترتّب فائدة عليـه ، كما أ نّـه قد يأبى عن الإتيان بفعل بتخيّل أن المترتّب عليـه ضرر راجع إليـه مع كونـه في الواقع ذا نفع عائد إليـه .
وبا لجملـة فالإنسان ربّما يشتاق إلى فعل ; لتخيّلـه أ نّـه ذو نفع فيريده ، وربّما ينزجر عن فعل آخر ; لتوهّمـه أ نّـه بلا نفع ، فينصرف عنـه ، مع أنّ الأمر في الواقع با لعكس ، فليس تحقّق الإرادة متوقّفاً على النفع الواقعي ، وعدمها على عدمـه .
هذا في الإرادة المتعلّقـة بنفس الفعل ، وأمّا الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات فهي أيضاً كذلك بمعنى أ نّـه قد يتخيّل المريد بأنّ مراده متوقّف على شيء فيريده مع أ نّـه لم يكن من شرائط وجوده في الواقع ، كما أ نّـه ربّما لايريد المقدّمات الواقعيـة ; لتوهّمـه أ نّها لاتكون مقدّمات .
هذا في إرادة الفاعل ، وأمّا الآمر : فإذا أمر بشيء لـه مقدّمات ، فا لنزاع واقع في تحقّق الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة بما يراه مقدّمـة لا المقدّمات الواقعيـة .
نعم لو أخطأ في تشخيص المقدّمات ، فيجب على العبد تحصيل المقدّمات الواقعيـة مع علمـه بخطأ المولى لا من باب تعلّق إرادة المولى با لمقدّمات الواقعيـة ، كيف وهي غير متوجهـة إليها ، فلايمكن أن تصير مرادةً ، بل من باب وجوب تحصيل غرض المولى مع الاطّلاع عليـه وإن لم يتعلّق بـه أمر أصلاً .


(الصفحة19)

هذا ، وحيث إنّ العمدة في مورد البحث هي المقدّمات الشرعيـة ، ومن المعلوم أنّ ما يراه الشارع مقدّمـة ليس متخلّفاً عن الواقع ، فيصحّ النزاع في الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات الواقعيـة .
هذا غايـة ما يمكن أن يقال في تحرير محلّ النزاع .

الأمر الثاني

هل مسألـة مقدّمـة الواجب من المسائل الاُصوليّـة؟

ثمّ إنّـه يقع الكلام بعد ذلك في أنّ المسأ لـة اُصوليـة أو من المبادئ الأحكاميـة أو فقهيّـة .
ولايخفى أ نّـه إن قلنا بأنّ المسائل الاُصوليـة هي ما يبحث فيها عن عوارض الحجّـة في الفقـه بناءً على أنّ الموضوع لعلم الاُصول هي الحجّـة في الفقـه(1) ، فلايكون النزاع في باب المقدّمـة الراجع إلى النزاع في ثبوت الملازمـة وعدمها نزاعاً في المسأ لـة الاُصوليـة ; إذ لايبحث فيها عمّا يعرض الحجّـة في الفقـه ، وهذا واضح .
وإن قلنا بأنّ مسائل علم الاُصول عبارة عن القواعد التي يمكن أن تقع كبرى لقياس الاستنباط أو التي ينتهي إليها في مقام العمل بعد عدم الدليل ـ كما هو المختار المحقَّق في موضعـه(2) ـ فمن الواضح أنّ المقام من المسائل الاُصوليـة ، كما لايخفى .


1 ـ نهايـة الاُصول: 15.
2 ـ مناهج الوصول 1: 51 ـ 54.

(الصفحة20)

هل المسألـة عقليـة أو لفظيـة؟

ثمّ إنّـه بعـد الفراغ عن كونها مسأ لـة اُصوليـة يقع الكلام في أ نّها اُصوليـة عقليـة أو لفظيـة ؟
وا لتحقيق أن يقال بابتناء ذلك على كون الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة ، نظير المطابقـة والتضمّن ، وعدمـه ، كما هو الحقّ ، فإن قلنا بالأوّل ، تكون مسأ لةً اُصولية لفظية ، ولعلّـه الوجـه في ذكر المسأ لة في مباحث الألفاظ .
وإن قلنا با لثاني ، تكون عقليةً ويمكن أن يقال بكون المقام مسأ لة اُصولية عقليـة وإن قلنا بكون الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة .
توضيحـه : أنّ عدّ الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة إنّما هو فيما إذا كان الملزوم هو المدلول المطابقي للّفظ ، فهو يدلّ أوّلاً عليـه ، وبتوسيطـه يدلّ على المعنى اللازم لمدلولـه المطابقي ، وهنا ليس كذلك ; لأنّ النزاع في ثبوت الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة با لبعث إلى ذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة با لبعث إلى المقدّمـة ، فا لتلازم على فرض ثبوتـه إنّما هو بين الإرادتين ، ومن المعلوم أ نّـه لاتكون إحداهما مدلولاً مطابقيّاً للّفظ حتى يدلّ اللّفظ بتوسيطـه على الآخر ، بل مفاد اللّفظ هو البعث المتعلّق بذي المقدّمـة ، وهو وإن كان كاشفاً عن ثبوت الإرادة القبليـة إلاّ أنّ ذلك ليس من باب الدلالـة اللفظيـة عليـه ، بل من باب أنّ الفعل الاختياري كاشف عن ثبوت الإرادة المتعلّقـة بـه قبلـه .
وبالجملـة: فلم يكن أحد المتلازمين مدلولاً مطابقياً للّفظ أصلاً ، بل كلاهما خارجان عن معناه الموضوع لـه ، وحينئذ فليس إلى ادّعاء الدلالـة اللفظيـة في المقام سبيل أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
<<التالي الفهرس السابق>>