في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة441)

جريان الاستصحاب ؟ !
وما قرع سمعك من أنّ الاستصحاب يكون حاكماً على القاعدة المضروبـة لحال الشكّ فإنّما هو فيما إذا كان ما يثبتـه الاستصحاب مغايراً لما تثبتـه القاعدة(1) ، انتهى ملخّصاً .
أقول: والتحقيق أن يقال: إنّـه قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا أنّ هنا عناوين ثلاثـة ، قد وقع الخلط بينها في الكلمات التي نقلناها عن الأعلام :
أحدها: القول بغير علم الذي يدلّ على حرمتـه الآيـة والروايـة والعقل ، ومن الواضح أنّ الموضوع فيـه إنّما هو نفس الشكّ وعدم العلم .
ثانيها: البدعـة والتشريع ، بمعنى إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وإظهار أنّـه منـه ، وهذا أمر واقعي لا ربط لـه بعلم المكلّف وجهلـه ، فإنّ المكلّف قد يدخل في الدين ما لايكون باعتقاده منـه ، مع أنّـه كان في الواقع من الدين ، فهذا لايكون تشريعاً ، ولايعاقب عليـه حينئذ . نعم ، لو قلنا باستحقاق المتجرّي للعقاب يترتّب عليـه عقوبتـه ، وقد يدخل في الدين ما يكون باعتقاده منـه ، مع أنّـه ليس في الواقع منـه ، فهذا تشريع واقعاً ، ولكنّ المكلّف معذور في ارتكاب هذا الحرام ; لجهلـه بـه .
ثالثها: عنوان الكذب الذي هو أعمّ من البدعـة ; إذ تختصّ هي بما إذا اُدخل في الدين والشريعـة أو نقّص منـه ، والأوّل أعمّ منها ومن الكذب في غير الأحكام الشرعيـة . ولايخفى أنّ الكذب أيضاً عنوان واقعي ; لأنّـه ليس إلاّ مخا لفـة القول للواقع ، لا للاعتقاد ، فقد يتحقّق مع اعتقاد خلافـه ، وقد لايتحقّق مع اعتقاد ثبوتـه .


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 127 ـ 131.

(الصفحة442)

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه مع الشكّ في حجّيـة أصل أو أمارة يجري استصحاب عدم الحجّيـة الراجع إلى عدم كونـه من الدين ، فيترتّب عليـه أنّـه لو أدخل في الدين يكون تشريعاً وبدعـة ، فيخرج عن موضوع القول بغير علم ; لأنّ المراد با لعلم المأخوذ أعمّ من العلم الوجداني والظنّ الذي قام الدليل على اعتباره ، فإذا ثبت بالاستصحاب عدم كونـه من الدين ، فيصير من جملـة ما علم أنّـه ليس منـه ، فلو ارتكبـه بأن أدخلـه في الدين يعاقب على البدعـة والتشريع والكذب مع المصادفـة ، ولايعاقب على أنّـه قال بغير علم .
نعم ، لو أسند إلى الشارع مضمون الأمارة التي شكّ في حجّيتها ، مع قطع النظر عن استصحاب عدم الحجّيـة يعاقب على القول بغير العلم ، ولايعاقب على البدعـة ; لأنّـه كانت الشبهـة شبهـة مصداقيـة لها ، ولايكون الحكم حجّـة في الشبهات المصداقيـة لموضوعاتها ، كما لايخفى .
فانقدح : أنّ الشكّ في الحجّيـة كما أنّـه موضوع لحرمـة التعبّد والنسبـة إلى الشارع ، كذلك موضوع لاستصحاب عدم الحجّيـة لما يترتّب على عدمها من الأثر ، وهوحرمـة إدخا لـه في الدين بعنوان أنّـه منـه ، كما عرفت .


(الصفحة443)





المقام الثالث




فيما قيل أو يمكن أن يقال




بخروجـه عن الأصل




وهو يشتمل على اُمور:




(الصفحة444)




(الصفحة445)






الأمرالأوّل

ظواهر كلمات الشارع

لايخفى أنّ حجّيـة كلام المتكلّم ، والاحتجاج بـه عليـه يتوقّف على طيّ مراحل أربعـة :
أحدها : إثبات صدور الكلام منـه ، والمتكفّل لذلك في الشرعيات هو بحث حجّيـة خبر الواحد الذي سيجيء فيما بعد .
ثانيها : كون الكلام الصادر من المتكلّم لـه ظهور ، وهذا يتوقّف إثباتـه على التبادر وصحّـة السلب وقول اللغويين .
ثا لثها : هو كون هذا الظاهر مراداً لـه بالإرادة الاستعما ليـة .
رابعها : كون تلك الإرادة مطابقـة للإرادة الجدّيـة .
ولاشبهـة في أنّ الأصل العقلائي يحكم في المرحلـة الثا لثـة بكون الظاهر مراداً لـه بالإرادة الاستعما ليـة ; لأنّ احتمال عدم كونـه مراداً منشأه احتمال الغلط والخطأ ، وهو منفي عندهم ، ولايعتنون با لشكّ فيـه ، كما هو بناؤهم في سائر أفعال الفاعلين ، فإنّهم يحملونها على كونها صادرة من فاعلها على نحو العمد والاختيار ، لا الخطأ والاشتباه . فإذا صدر من المتكلّم «أكرم زيداً» مثلاً ، وشكّ في أنّ مقصوده

(الصفحة446)

هل هو زيد أو كان مقصوده عمراً ، غايـة الأمر أنّـه تكلّم بكلمـة زيد اشتباهاً وخطأً فلاشبهـة في عدم اعتنائهم بهذا الشكّ أصلاً .
وممّا ذكرنا ظهر: أنّـه ليس في هذه المرحلـة إلاّ أصا لـة عدم الخطأ والاشتباه ، وأمّا أصا لـة الحقيقـة أو أصا لـة عدم التخصيص أو التقييد فلايجدي شيء منها في هذه المرحلـة ; لما حقّقناه سابقاً من أنّ المجاز ليس عبارة عن استعمال اللفظ في غير الموضوع لـه ، كيف وإلاّ لايكون فيـه حسن أصلاً ، بل هو عبارة عن استعمال اللفظ في الموضوع لـه ، غايـة الأمر أنّـه قد ادّعى كون المعنى المجازي من مصاديق المعنى الحقيقي نظير ما ذكره السكّاكي في خصوص الاستعارة(1) ، على تفاوت بينـه وبين ما ذكرنا .
فا للفظ في الاستعمال المجازي لايكون مستعملاً إلاّ في المعنى الحقيقي ، ولا فرق بينــه وبين استعما لـه في معناه الحقيقي ، وإرادتـه منـه من هذه الجهـة أصلاً ، فأصا لـة الحقيقـة غير مجديـة في تعيين المراد الاستعما لي .
وأمّا أصا لـة العموم والإطلاق فقد عرفت في مبحثهما أنّ العامّ المخصّص لايكون مجازاً ، ولم يكن لفظـه مستعملاً في ما عدا مورد التخصيص ، بل كان المراد بالإرادة الاستعما ليـة في العامّ المخصّص وغيره واحداً ، بلا تفاوت من حيثية الاستعمال أصلاً ، وكذا أصا لة الإطلاق ، فهما أيضاً لايرتبطان بهذه المرحلة .
وا لعجب من المحقّق العراقي(قدس سره) أنّـه مع اعترافـه بكون المراد الاستعما لي في العامّ المخصّص والمطلق المقيّد هو العموم والإطلاق(2) ذكر على ما في تقريرات بحثـه : أنّ الذي يرفع الشكّ في مطابقـة الإرادة الاستعما ليـة لظهور

1 ـ مفتاح العلوم: 157 ـ 158.
2 ـ نهايـة الأفكار 2: 512.

(الصفحة447)

ا لكلام هي الاُصول العدميـة ، من أصا لـة عدم القرينـة وأصا لـة عدم التخصيص والتقييد(1) .
هذا ، وأمّا المرحلـة الرابعـة : فالأصل فيها هو أصا لـة تطابق الإرادتين الاستعما ليـة والجدّيـة . وبهذا الأصل يرفع الشكّ عن احتمال المجازيـة والتخصيص والتقييد ، وأمّا أصا لـة الحقيقـة وأصا لـة العموم وأصا لـة الإطلاق فليست اُصولاً مستقلّـة ، بل مرجعها إلى أصا لـة التطابق .
وأمّا أصا لـة عدم القرينـة فليست أصلاً مستقلاّ أيضاً ; لأنّ منشأ احتمال وجود القرينـة وعدمها فعلاً إمّا عدم ذكر المتكلّم لها عمداً ، وإمّا عدم ذكره سهواً واشتباهاً . فعلى الثاني يكون الأصل هو أصا لـة عدم الخطأ والاشتباه ، وعلى الأوّل يكون الأصل هو إفادة المتكلّم جميع مرامـه .
هذا ، ولو كان المنشأ هو احتمال إسقاط الواسطـة القرينـة فاحتمال إسقاطـه سهواً منفي أيضاً بأصا لـة عدم الخطأ والاشتباه ، واحتمال إسقاطـه عمداً منفي باعتبار الوثاقـة فيـه ، فلم يوجد مورد يحتاج فيـه إلى أصا لـة عدم القرينـة .
وأمّا أصا لـة الظهور التي تمسّك بها كثير من المحقّقين فلايخفى أنّ إسناد الأصل إلى الظهور مجرّداً لا معنى لـه ، وحينئذ فلابدّ إمّا أن يقال : إنّ الأصل هو كون هذا المعنى ظاهراً للّفظ ، وإمّا أن يقال : بأنّ الأصل هو كون الظهور مراداً للمتكلّم بالإرادة الجدّيـة ، ومن المعلوم أنّ الأوّل لا ارتباط لـه بمسألـة حجّيـة الظواهر ، والثاني مرجعـه إلى أصا لـة تطابق الإرادتين المتقدّمـة ، ولايكون أصلاً برأسـه .
فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ الأصل الجاري في تعيين المراد الاستعما لي

1 ـ نفس المصدر 3: 85 ـ 86.

(الصفحة448)

هو أصا لـة عدم الغلط والخطأ والاشتباه ، والجاري في تعيين المراد الجدّي هو أصا لـة التطابق بين الإرادتين ، ولا إشكال في أنّها أصل معتمد عند العقلاء ، ولا فرق في حجّيـة الظهورات عندهم بين صورتي حصول الظنّ الشخصي با لوفاق وعدمـه ، كما أنّـه لا فرق بين صورتي حصول الظنّ الشخصي با لخلاف وعدمـه ، ولابين من قصد إفهامـه وغيره .
ومن هنا يظهر: ضعف ما حكي عن المحقّق القمي من التفصيل بين من قصد إفهامـه وغيره(1) ; لأنّ دعواه ممنوعـة صغرى وكبرى ; لأنّ بناء العقلاء على العمل با لظواهر مطلقاً إلاّ فيما إذا اُحرز أن يكون بين المتكلّم والمخاطب طريقـة خاصّـة من ا لمحاورة على خلاف المتعارف ، فإنّه لايجوزا لأخذ بظاهركلامه لغيرا لمخاطب .
هذا ، مضافاً إلى أنّ دعوى اختصاص الخطابات الصادرة عن الأئمّـة (عليهم السلام)بخصوص المخاطبين بتلك الخطابات ، وأنّهم هم المقصودون بالإفهام ، ممنوعـة جدّاً ; ضرورة أنّ كلامهم لايكون إلاّ مثل الكتب المؤلّفـة التي لايكون المقصود منها إلاّ نفي بيان المعاني ، من غير مدخليـة لمخاطب خاصّ ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه لا فرق أيضاً في حجّيـة الظواهر بين ظهور الكتاب وغيره . وما حكي من الأخباريين من عدم حجّيـة ظواهر الكتاب ففساده أظهر من أن يخفى . وقد استدلّوا على ذلك بوجوه ضعيفـة ، منها : مسألـة التحريف الذي قام الإجماع ، بل الضرورة من ا لشيعـة على خلافـه ، ويدلّ على بطلانـه الأخبارا لكثيرة ، ويساعده الوجوه العقليـة أيضاً ، ومنها غير ذلك ممّا ذكر مع جوابها في «ا لرسا لـة» و«ا لكفايـة»(2) ، فراجع .


1 ـ قوانين الاُصول 1: 398 / السطر 22.
2 ـ فرائد الاُصول 1: 56 ـ 64، كفايـة الاُصول: 323 ـ 329.

(الصفحة449)






الأمر الثاني

قول اللّغوي

واستدلّ على حجّيتـه بأنّ اللغوي من أهل الخبرة والصناعـة ، وبناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة من كلّ صنعـة فيما اختصّ بها ، فإنّ رجوع الجاهل إلى العا لم من الارتكازيات التي لاريب فيها عند العقلاء ، ولم يثبت من الشارع ردع عن هذا البناء ، فمن ذلك يستكشف رضاه با لمراجعـة إلى اللغـة ، وتشخيص موضوعات الأحكام منها ، كما لايخفى .
هذا ، وقد اُجيب عن ذلك بمنع كون اللغوي من أهل الخبرة ; ضرورة أنّ همّـه تشخيص موارد الاستعمال ، وأنّ اللّفظ الفلاني قد استعمل في معنى واحد أو متعدّد ، وأمّا تعيين الحقائق من المجازات والمشتركات من غيرها فلايستفاد من كتب اللغـة أصلاً ، بل ولايدعيـه لغوي أيضاً(1) .
هذا، ولكن لايخفى: أنّـه لو سلّمنا الصغرى ، وأنّ اللغوي من أهل الخبرة والصناعـة فإثبات الكبرى في غايـة الإشكال ; لما هو واضح من أنّ حجّيـة بناء

1 ـ كفايـة الاُصول: 330.

(الصفحة450)

ا لعقلاء في الاُمور الشرعيـة إنّما يتوقّف على إحراز رضا الشارع بتبعيـة ذلك البناء ، ولو كان ذلك مستكشفاً من عدم الردع عنـه ، مع كونـه بمرئى ومسمع منـه .
ومن المعلوم أنّ كاشفيـة عدم الردع عن الرضا إنّما هو فيما لو كان بناء العقلاء على أمر متصلاً بزمان الشارع ، وثابتاً فيـه ، وإثبات ذلك في المقام مشكل ; لعدم إحراز أنّـه كان في زمن الشارع علم مدوّن مورد لمراجعـة الناس ، وكان ذلك بمنظر منهم ، فإنّ الظاهر أنّ علم اللغـة من العلوم المستحدثـة في القرون المتأخّرة عن زمن الشارع ، فليس ذلك كا لبناء على العمل بخبر الواحد واليد وأصا لـة الصحّـة ، بل والتقليد ، فإنّ الظاهر ثبوتـه في زمان الأئمّـة (عليهم السلام) ، كما يظهر من الروايات .
وبالجملـة: فلم يثبت مراجعـة الناس إلى أهل اللغـة في زمانهم (عليهم السلام) ، حتّى يستكشف من عدم الردع الرضا والإمضاء ، كما لايخفى .


(الصفحة451)






الأمر الثالث

الإجماع المنقول

ولابدّ قبل الخوض في المقصود من البحث في جهات :

الجهـة الأولى: في تعريف الإجماع

إنّ الإجماع عند العامّـة حجّـة بنفسـه في مقابل سائر الأدلّـة ، وقد عرّفوه بتعاريف :
منها: ما عن الغزا لي : «أنّـه عبارة عن اتفاق اُمّـة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمر من الاُمور الدينيـة»(1) .
منها: ما عن الرازي من تفسيره «بأنّـه اتفاق أهل الحلّ والعقد من اُمّـة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمر من الاُمور»(2) .
منها: ما عن الحاجبي من تعريفـه «بأنّـه اتفاق المجتهدين من هذه الاُمّـة

1 ـ المستصفى 1: 173.
2 ـ المحصول في علم الاُصول 2: 3.

(الصفحة452)

على أمر من الاُمور»(1) .
والظاهر: أنّ استنادهم في حجّيـة الإجماع إلى ما رووه عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّـه قال : «لا تجتمع اُمّتي على الضلالـة أو الخطأ»(2) هذا ، ولايخفى : أنّ ظاهر هذه الروايـة مطابق لتعريف الغزا لي ، ولكن الغزا لي وغيره لمّا رأوا أنّ ذلك ينافي مع ثبوت الخلافـة لأبي بكر ومن بعده من مشايخهم أعرضوا عن هذا التعريف ، مع أنّ تعريفهم أيضاً لايثبت مقصودهم ; ضرورة عدم تحقّق الاتفاق من جميع أهل الحلّ والعقد ، وكذا من جميع المجتهدين ، كما هو واضح .
هذا ، وأمّا الإجماع عند الإماميـة فليس دليلاً مستقلاّ برأسـه ، بل حجّيتـه إنّما هو لكشف ذلك عن رأي المعصوم(عليه السلام) فهو الحجّـة ، والإجماع كاشف عنها ، إمّا من باب اللطف أو الحدس أو غيرهما من الوجوه التي ستجيء ، ولايكون لمجرّد الاتفاق في نظرهم استقلال با لدليليـة ، كما لايخفى .

الجهـة الثانيـة: في عدم شمول أدلّـة حجّيـة الخبر للإجماع

لايخفى أنّ العمدة في باب أدلّـة حجّيـة خبر الواحد هو بناء العقلاء على العمل بـه في اُمورهم وسياسياتهم ، كما سيجيء تحقيقـه ، ومن الواضح أنّ ذلك من الأدلّـة اللّبيـة التي لا إطلاق لها ، وحينئذ فنقول : لا إشكال في ثبوت بنائهم على العمل بخبر الواحد فيما إذا كان المخبر بـه من الاُمور المحسوسـة بإحدى الحواسّ الخمسـة الغير الغريبـة ، ولايبعد أن يقال بثبوت ذلك أيضاً فيما إذا لم يكن المخبر بـه من الاُمور المحسوسـة ، ولكن يعدّ عند العرف كا لمحسوسات ;

1 ـ شرح العضدي 1: 122.
2 ـ بحار الأنوار 2: 225 / 3 و 28: 104 / 3.

(الصفحة453)

لقربـه إلى الحسّ ، كا لشجاعـة والسخاوة ونحوهما من الاُمور القريبـة إلى الحسّ .
وأمّا لو كان المخبر بـه من المحسوسات الغريبـة الغير العاديـة ، أو كان بعيداً عن الحسّ ، بل كان محتاجاً إلى الاجتهاد ونحوه ممّا يتطرّق إليـه الخطأ والاشتباه فلم يثبت بناء العقلاء على العمل بقول شخص واحد فيها ; إمّا لكون العمل بـه مشروطاً بإحراز كون المخبر ثقـة ـ وهذا المعنى يبعد تحقّقـه مع الإخبار بالاُمور الغريبـة ـ أو لكون المخبر وإن كان ثقـة إلاّ أنّ أصا لـة عدم الخطأ والاشتباه لا تجري عندهم في مثل تلك الاُمور .

الجهـة الثالثـة: في وجـه حجّيـة الإجماع

قد عرفت أنّ وجـه اعتبـار الإجماع هو القطع برأي الإمام(عليه السلام) ، ومستند القطع بـه :
إمّا العلم بدخولـه(عليه السلام) في المجمعين شخصاً .
وإمّا لزوم أن يكون رأيـه في جملـة رأيهم من باب قاعدة اللطف التي مرجعها في المقام إلى وجوب إلقاء الخلاف على الإمام(عليه السلام) لو رأى اجتماع الاُمّـة على أمر غير واقعي .
وإمّا الملازمـة العاديـة بين رأي العلماء ورأيـه(عليه السلام) وحدسـه من اتفاقهم .
وإمّا الملازمـة بين ذلك وبين وجود دليل معتبر عندهم وإن لم يصل إلينا .
هذا ، والوجـه الأوّل لايكاد يتفق في زمان الغيبـة ; لعدم العلم بدخولـه(عليه السلام)في جملـة المجمعين ، إلاّ نادراً ، كما لايخفى .
وا لوجـه الثاني لايتمّ ; لعدم الدليل على وجوب ذلك على الإمام(عليه السلام) . والوجـه الرابع أيضاً مخدوش ; لأنّـه لو كان اتفاقهم على أمر مستنداً إلى دليل

(الصفحة454)

معتبر لكان اللازم نقل ذلك الدليل في كتبهم ; خصوصاً مع ما نرى منهم من حرصهم على جمع الأخبار المأثورة عن الأئمّـة (عليهم السلام) .
والحقّ هو الوجـه الثالث، الذي مرجعـه إلى الملازمـة العاديـة بين اتفاق المرؤوسين ورضا الرئيس ، كما هو كذلك في الاُمور الدنيويـة ، فإنّ من ورد في بلد مثلاً ، ورأى أمراً رائجاً بين أهل ذلك البلد يحدس حدساً قطعياً بأنّ هذا قانون ذلك البلد ، كما لايخفى .
هذا ، ولكن ذلك الحدس إنّما هو فيما إذا لم يكن في مورد الإجماع أصل أو قاعدة أو دليل موافق لما اتفقوا عليـه ، فإنّـه مع وجود ذلك يحتمل أن يكون مستند الاتفاق أحد هذه الاُمور ، فلايكشف اتفاقهم عن رضا الرئيس بذلك واقعاً ، كما لايخفى .
هذا ، ويرد على الوجـه الرابع أيضاً : أنّ الكشف عن دليل معتبر ـ على فرض تماميتـه ـ لايفيد با لنسبـة إلينا ; لاحتمال أنّـه لو كان واصلاً إلينا لفهمنا منـه غير ما فهموا ; لاختلاف الأنظار في فهم الظهورات .
إذا عرفت هذه المقدّمات تظهر لك: أنّ نقل الإجماع لايكون حجّـة ومشمولاً لأدلّـة حجّيـة خبر الواحد ; من حيث المسبّب ; لما عرفت من انحصار أدلّـة حجّيتـه بما إذا كان المخبر بـه من الاُمور المحسوسـة القريبـة ، وهنا ليس كذلك ; لأنّـه على تقدير كون مستند الناقل هو القطع بدخولـه(عليه السلام) في جملـة المجمعين فا لمسبّب وإن كان أمراً محسوساً ، إلاّ أنّـه من المحسوسات الغريبـة الغير العاديـة التي لايكتفى فيها بإخبار واحد .
وعلى تقدير كون مستنده هو الملازمـة العاديـة الراجعـة إلى حدس رأي الإمام(عليه السلام) من آراء المرؤوسين فا لمسبّب لايكون حينئذ من الاُمور المحسوسـة ; لأنّـه وصل إليـه من طريق الحدس والاجتهاد ، والذي لاتجري فيـه أصا لـة عدم

(الصفحة455)

ا لخطأ والاشتباه ، كما عرفت .
فنقل الإجماع ; من حيث تضمّنـه لنقل المسبّب لايكون حجّـة أصلاً ، وأمّا من حيث نقل السبب فيكون حجّـة بلاريب ; لكونـه من الاُمور المحسوسـة الغير الغريبـة . وحينئذ فإن كان السبب تامّاً ; من حيث السببيـة بنظر المنقول إليـه أيضاً يستفيد من ذلك رأي المعصوم(عليه السلام) ، وإلاّ فيضمّ إليـه مقداراً يوجب تمام السبب ، فيستكشف منـه رأيـه(عليه السلام) ، وإلاّ فلايترتّب على نقلـه أثر ; من حيث استكشاف رأي المعصوم(عليه السلام) .


(الصفحة456)






الأمر الرابع

الشهرة في الفتوى

وا لظاهر حجّيتها إذا كانت متحقّقـة بين قدماء الأصحاب إلى زمن الشيخ أبي جعفر الطوسي(قدس سره) ; لملاك حجّيـة الإجماع فيها ، فإنّـه إذا كان الفتوى على حكم مشهوراً بين الفقهاء الذين هم حَملـة علوم أهل البيت ، والأخبار المأثورة عنهم بحيث كان خلافـه شاذّاً نادراً يستكشف من ذلك أنّ رأي المعصوم(عليه السلام) إنّما هو مطابق لـه ; إذ لايعتبر في هذا الكشف اتفاق الكلّ ، بل يكفي فتوى المعظم منهم .
ولكن ذلك إنّما هو إذا كان الفتوى مشتهراً بين القدماء ; لأنّ بنائهم في التأليف والتصنيف على ضبط الاُصول المتلقّاة من الأئمّـة (عليهم السلام) ، من دون التعرّض للتفريعيات ، كما هو ديدن المتأخّرين منهم ، فا لشهرة بين القدماء كإجماعهم حجّـة ; لوجود ملاك حجّيتـه فيها ، كما عرفت .
هذا ، ويمكن أن يستدلّ لـه بما في مقبولـة عمر بن حنظلـة ، بعد فرض الراوي كون الحاكمين عدلين مرضيين ، لايفضل واحد منهما على الآخر من قولـه(عليه السلام) : «ينظر إلى من كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما بـه المجمع

(الصفحة457)

عليـه بين أصحابك، فيؤخذ بـه من حكمهما، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليـه لاريب فيـه، وإنّما الاُمور ثلاثـة: أمرٌ بيّن رشده فيتبع، وأمر بيّن غيّـه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمـه إلى اللّـه تعالى».
إ لى أن قال قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم . قال : «ينظر...» ا لحديث(1) ، فإنّ وجوب الأخذ با لخبر المجمع عليـه بين ا لأصحاب ; معلّلاً بأنّ المجمع عليـه لاريب فيـه إنّما يتمّ فيما لو كان الخبر مشهوراً بين الأصحاب ; من حيث الفتوى على طبق مضمونـه ، وإلاّ فمجرّد اشتهاره روايـة ، بأن نقلـه الأكثر في كتب حديثهم ، ولو مع إطراحـه ، وعدم الفتوى على طبق مضمونـه لايوجب أن يكون ممّا لاريب فيـه ، فيجب الأخذ بـه من هذه الجهـة .
ويؤيّده الاستشهاد بحديث التثليث ، فإنّ مجرّد الاشتهار ; من حيث الروايـة لايوجب أن يكون الخبر من أفراد بيّن الرشد . نعم ، ينافي ذلك قولـه في الذيل : «فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم» فإنّ الشهرة الفتوائيـة ممّا لايعقل أن تكون في طرفي المسألـة ، مضافاً إلى أنّ التعبير بقولـه : «قد رواهما الثقات عنكم» يؤيّد أنّ النظر إنّما هو في حيثيـة صحّـة الروايـة ، واشتهاره بين الثقات ، وكذا ينافي ذلك التعبير عن الشهرة بـ «ا لمجمع عليـه» ، فإنّ ذلك يتمّ لو كان المراد بها هي الشهرة في الروايـة الحاصلـة بتدوين الكلّ ، واتفاقهم على روايتـه ، ولاينافيـه تدوين بعضهم للروايـة الغير المشهورة أيضاً ، وأمّا لو كان المراد بها هي الشهرة في الفتوى فلايتمّ هذا التعبير .


1 ـ الكافي 1: 67 / 10، وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 1.

(الصفحة458)

هذا ، ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ المقصود بالإجماع في الروايـة ليس اتفاق الكلّ ، فإنّ جلّ الأصحاب لو ذهبوا إلى أمر ، وأفتوا على طبق روايـة يصحّ عرفاً أن يقال : إنّ هذه الروايـة تكون مجمعاً عليها . وأمّا قولـه : «فإن كان الخبران عنكم مشهورين» فيمكن أن يقال بعدول السائل عن السؤال عن ترجيح أحد الحكمين أو مستندهما على الآخر إلى السؤال عن حكم تعارض الخبرين اللذين رواهما الثقات ، فتأمّل .
هذا ، ولو سلّمنا كون المراد با لشهرة في المقبولـة هي الشهرة ; من حيث الروايـة فلا إشكال في أنّ المراد بقولـه : «فإنّ المجمع عليـه لاريب فيـه» هي مطلق ما يكون مجمعاً عليـه ، فيكون بمنزلـة كبرى كلّيـة يمكن التمسّك بها في جميع صغرياتـه التي منها الشهرة في الفتوى .
وأمّا ما أفاده في «التقريرات» ممّا ملخّصـه: أنّ التعليل ليس من العلّـة المنصوصـة ليكون من الكبرى الكلّيـة التي يتعدّى عن موردها ، فإنّ المراد با لمجمع عليـه إن كان هو الإجماع المصطلح فلايعمّ الشهرة الفتوائيـة ، وإن كان المراد منـه المشهور فلايصحّ حمل قولـه : «ممّا لاريب فيـه» عليـه بقول مطلق ، بل لابدّ أن يكون المراد منـه عدم الريب بالإضافـة إلى ما يقابلـه ، وهذا يوجب خروج التعليل عن كونـه كبرى كلّيـة ; لأنّـه يعتبر فيها صحّـة التكليف بها ابتداءً ، بلا ضمّ المورد إليها ، والمقام ليس كذلك ; لأنّـه لايصحّ أن يقال : يجب الأخذ بكلّ ما لاريب فيـه بالإضافـة إلى ما يقابلـه ، وإلاّ لزم الأخذ بكلّ راجح با لنسبـة إلى غيره ، وبأقوى الشهرتين ، وبا لظنّ المطلق ، وغير ذلك من التوا لي الفاسدة ، فا لتعليل أجنبي عن أن يكون كبرى كلّيـة عامّـة(1) .


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 154 ـ 155.

(الصفحة459)

ففيـه: أنّ عدم الريب المحمول في الروايـة على المجمع عليـه ليس عدم الريب بالإضافـة إلى ما يقابلـه ، بل هو من المعاني النفسيـة التي لاتقبل الإضافـة ، فا لمراد : أنّ كلّ ما يكون عند العرف ممّا لاريب فيـه يجب الأخذ بـه ، وعدم الاعتناء باحتمال خلافـه ، ولايلزم شيء من التوا لي الفاسدة ، كما هو واضح .


(الصفحة460)






الأمر الخامس

خبـر الواحـد

ممّا خرج عن أصا لـة حرمـة التعبّد با لظنّ ، وقام الدليل على حجّيتـه با لخصوص ، خبر الواحد واختلفت أقوال العلماء في حجّيتـه وعدمها .

أدلّـة عدم حجّيـة خبر الواحد

وقد حكي عن السيّد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجّيـة خبر الواحد(1) ، واستدلّ لهم بالآيات الناهيـة عن اتباع غير العلم . وا لتحقيق في الجواب عن هذا الاستدلال : أنّ الآيات الناهيـة بعضها ظاهر في الاُصول الاعتقاديـة ، مثل قولـه تعا لى : (إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(2) ،

1 ـ الذريعـة إلى اُصول الشريعـة 2: 528، المهذّب 2: 598، غنيـة النزوع 2: 356، مجمع البيان 9: 199، السرائر 1: 50.
2 ـ النجم (53): 28.
<<التالي الفهرس السابق>>