في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة261)




الشبهة الاُولى

ما جعله المحدّث المعاصر في كتابه الموضوع في هذا الباب أوّل الأدلّة ، واعتمد عليه غاية الاعتماد ، وفصّل القول فيه .
وملخّصه : وقوع التحريف في التوراة والإنجيل ، وقيام الدليل على أنّ كلّ ما وقع في الاُمم السالفة يقع في هذه الاُمّة مثله :
امّا وقوع التحريف في الكتابين فمن الاُمور المسلّمة التي لا ينبغي الارتياب فيه أصلاً ، وتعدّد الأناجيل مع وجود الاختلاف فيها والتناقض ، حتّى في صفات المسيح ، وأيّام دعوته ونسبه ووقت صلبه ـ بزعمهم ـ كاف في إثبات وقوع التغيير والتحريف فيه ، وان جعل كلّها في مصحف واحد يعرف بالأناجيل الأربعة .
وامّا الدليل على أنّ كلّ ما وقع في الاُمم السالفة يقع في هذه الاُمّة مثله ـ مضافاً إلى دلالة بعض الآيات عليه ـ كقوله تعالى : {لتركبن طبقاً عن طبق} حيث صرّح جمع من المفسّرين بأنّ المراد : لتتبعنّ سنن من كان قبلكم من الأوّلين وأحوالهم ، ونقله في مجمع البيان عن الصادق (عليه السلام) قال : والمعنى انّه يكون فيكم ما

(الصفحة262)

كان فيهم ويجري عليكم ما جرى عليهم حذو القذّة بالقذّة .
وقد وردت الروايات الكثيرة من طرق الفريقين الدالّة على ذلك :
1 ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم ، في تفسيره في قوله تعالى : {لتركبن طبقاً عن طبق}يقول : لتركبن سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، لا تخطئون طريقهم ، ولا تخطى شبر بشبر ، وذراع بذراع ، وباع بباع ، حتّى ان لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا : اليهود والنصارى تعني يارسول الله؟ قال : فمن أعني لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة ، فيكون أوّل ما تنقضون من دينكم الأمانة ، وآخره الصلاة .
2 ـ ولعلّها أظهرها ـ ما رواه الصدوق في «كمال الدين» عن علي بن أحمد الدقّاق ، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كلّ ما كان في الاُمم السالفة فإنّه يكون في هذه الاُمّة مثله ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة» .
3 ـ غير ذلك من الروايات الواردة بمثل هذا المضمون .
قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) في «البحار» : قد ثبت بالأخبار المتظافرة انّ ما وقع في الاُمم السالفة يقع نظيره في هذه الاُمّة ، فكلّما ذكر سبحانه في القرآن الكريم من القصص فإنّما هو زجر هذه الاُمّة عن أشباه أعمالهم ، وتحذيرهم عن أمثال ما نزل بهم من العقوبات ، حيث علم وقوع نظيرها منهم وعليهم .
وقد أفرد له بالتصنيف الصدوق (رحمه الله) وسمّاه «كتاب حذو النعل بالنعل» وقال المحدِّث الحرّ العاملي (رحمه الله) في «إيقاظ الهجعة في إثبات الرجعة» انّه يمكن أن يستدلّ

(الصفحة263)

عليه بإجماع المسلمين في الجملة ، فإنّ الأحاديث بذلك كثيرة من طريق العامّة والخاصّة .
ومن طريق العامّة : روى البخاري في صحيحه ، عن أبي سعيد الخدري انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتّى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم ، قلنا يارسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اليهود والنصارى؟ قال : فمن!» .
ورواه غير أبي سعيد كأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وحذيفة ، وابن مسعود ، وسهل بن سعد ، وعمر بن عوف ، وشداد بن أوس ، ومستورد بن شداد ، وعمرو بن العاص بألفاظ متقاربة ، وعبارات متشابهة .
والجواب :
أوّلاً : فلأنّ بلوغ هذه الروايات إلى مرحلة التواتر غير معلوم ، بل الظاهر انّها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، ولذا لم يذكر شيء من هذه الروايات في الكتب الأربعة ، ولا ادّعى أحد من المحدّثين تواترها ، بل غايته دعوى الصحّة ، قال الصدوق في «كمال الدين» : صحّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال : كلّما كان في الاُمم السالفة يكون في هذه الاُمّة مثله ، حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة .
ثانياً : فلأنّ مفاد هذه الروايات ان كان الوقوع في هذه الاُمّة ولو بعد هذه الأعصار إلى يوم القيامة ، أي إن كان مفادها الاخبار عن الوقوع ولو فيما بعد ، فلا دلالة فيها على وقوع التحريف فعلاً كما هو المدّعى ، ولا مطابقة ـ حينئذ ـ بين الدليل والمدّعى ، فإنّ المدّعى : وقوعه في صدر الإسلام في زمن الخلفاء الثلاثة ، والدليل يدلّ على وقوعه في زمان آخره يوم القيامة . وإن كان مفادها الوقوع في

(الصفحة264)

الصدر الأوّل فلازمه الدلالة على وقوع التحريف بالزيادة في القرآن ، كما وقع في التوراة والإنجيل ، مع أنّ القائل بالتحريف ينفيه في جانب الزيادة كما عرفت .
ثالثاً ـ وهو العمدة في الجواب ـ : فلأنّ هذه الكلّية المذكورة في رواية الصدوق التي هي العمدة في الاستدلال ، إن كانت بنحو تقبل التخصيص ، ولا تكون آبية عنه كسائر العمومات الواردة في سائر الموارد ، القابلة للتخصيص وعروض الاستثناء بالإضافة إلى بعض أفرادها ، فلا مانع ـ حينئذ ـ من أن يكون ما قدّمناه من الأدلّة السبعة القاطعة على عدم التحريف في القرآن المجيد بمنزلة الدليل المخصّص للعامّ ، ويكون مقتضى الرواية بعد التخصيص وقوع جميع ما وقع في الاُمم السالفة في هذه الاُمّة ، إلاّ التحريف الذي قام الدليل على عدمه فيها .
وإن كانت بنحو يكون سياقها آبياً عن التخصيص ـ ويؤيّده قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض تلك الروايات : «حتّى ان لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه ، وحتّى ان لو جامع أحد امرأته في الطريق لفعلتموه» .
فيردّه ـ مضافاً إلى مخالفته لصريح القرآن الكريم ـ قال الله تعالى : {وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم} دلّ على عدم وقوع التعذيب ، مع كون النبيّ في المسلمين ووجوده بينهم ، والضرورة قاضية بوقوع التعذيب في بعض الاُمم السالفة مع كون نبيّهم فيهم ـ انّ كثيراً من الوقائع التي حدثت في الاُمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الاُمّة ، كعبادة العجل ، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة ، وغرق فرعون وأصحابه ، وملك سليمان للإنس والجنّ ، ورفع عيسى إلى السماء ، وموت هارون ـ وهو وصيّ موسى ـ قبل موت موسى نفسه ، وإتيان موسى بتسع آيات بيّنات ، وولادة عيسى من غير أب ، ومسخ كثير من السابقين قردة وخنازير ، وغير ذلك

(الصفحة265)

من الوقائع التي لم يصدر مثلها في هذه الاُمّة وبعضها غير قابل للصدور فيما بعد من الأزمنة أيضاً ، كما هو واضح لا يخفى .
وممّا ذكرنا انّه لو كان المراد ممّن كان من قبلكم خصوص اليهود والنصارى أيضاً ـ كما يؤيّده بعض الروايات المتقدّمة على تأمّل ـ فالجواب أيضاً باق على قوّته ، لأنّ كثيراً من الموارد التي ذكرناها قد وقع في خصوص الاُمّتين اليهود والنصارى ، ولم يقع أو لن يقع فينا أصلاً .
وعلى ما ذكر : فلابدّ من ارتكاب خلاف الظاهر فيها ، والحمل على إرادة المشابهة في بعض الوجوه ، وعلى ذلك فيكفي في وقوع التحريف في هذه الاُمّة عدم اتباعهم لحدود القرآن ، وعدم رعايتهم لأحكامه وحدوده ، وقوانينه وشرائعه ، وهذا أيضاً نوع من التحريف كما أنّ الاختلاف والتفرّق بين الاُمّة وانشعابها إلى مذاهب مختلفة ، وافتراقها إلى ثلاث وسبعين فرقة ـ كما افترقت النصارى إلى اثنين وسبعين ، واليهود إلى واحد وسبعين على ما هو مقتضى الروايات الكثيرة ، بل المتواترة الدالّة على هذا المعنى ـ تحريف أيضاً لأجل استناد كلّ منهم إلى القرآن الذي فسّروه على طبق الرأي والاعتقاد ، والاستنباط والاجتهاد ، ويؤيّده انّ العلاّمة المجلسي (قدس سره) أورد رواية الصدوق المتقدّمة في باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على ثلاث وسبعين فرقة .
ويؤيّد كون المراد هو التشابه : ما رواه ابن الأثير في محي «جامع الاُصول» عن كتاب الترمذي ، عن عمرو بن العاص انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا خرج إلى غزوة حنين مرّ بشجرة للمشركين كانوا يعلّقون عليها أسلحتهم ، يقال لها : ذات أنواط ، فقالوا : يارسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

(الصفحة266)

سبحان الله هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم .
وما رواه في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله : {لتركبنّ طبقاً عن طبق} قال : يا زرارة أولم تركب هذه الاُمّة بعد نبيّها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان؟! قال بعض المحقّقين : أي كانت ضلالتهم بعد نبيّهم مطابقة لما صدر من الاُمم السابقة من ترك الخليفة واتّباع العجل والسامريّ وأشباه ذلك .


(الصفحة267)




الشبهة الثانية

إنّ كيفيّة جمع القرآن وتأليفه مستلزمة ـ عادةً ـ لوقوع التغيير والتحريف فيه ، وقد أشار إلى ذلك العلاّمة المجلسي (قدس سره) في محكيّ «مرآة العقول» حيث قال : والعقل يحكم بأنّه إذا كان القرآن متفرّقاً منتشراً عند الناس ، وتصدّى غير المعصوم لجمعه يمتنع عادةً أن يكون جمعه كاملاً موافقاً للواقع .
وهذه الشبهة تتوقّف :
أوّلاً : على عدم كون القرآن مجموعاً مرتّباً في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّما كان منتشراً متشتّتاً عند الأصحاب في الألواح والصدور ، مع احتمال انّه لم يكن بعضه عند أحد منهم ، كما اُشير إليه في بعض الأخبار ، نعم جمعت عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نسخة متفرّقة في الصحف والحرير والقراطيس ، ورثها عليّ (عليه السلام) ولمّا جمعها بعده بأمره ووصيّته ، وألّفه كما أنزل الله تعالى ، ثمّ عرضها عليهم فأعرضوا عنه وعمّا جاء به لدواع كانت ملازمة لدعوى الخلافة ، وطلب الرئاسة .
ثانياً : على امتناع كون الجمع الصادر من غير المعصوم كاملاً موافقاً للواقع من دون تغيير .
فهنا دعويان :
الاُولى : عدم كون القرآن مجموعاً في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وزمانه ، والدليل على

(الصفحة268)

إثباتها الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب سيجيء نقلها والجواب عنها .
الثانية : امتناع كون الجمع والتأليف الواقع موافقاً للواقع ، وقد ذكر في إثباتها انّ الذين باشروا هذا الأمر الجسيم ، وضادّوا النبأ العظيم هم أصحاب الصحيفة : أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية ، واستعانوا بزيد بن ثابت ، ومن الواضح انّ مضامين القرآن ، ومطالبه ، ومعانيه ، وكيفيّة ترتيب آياته وكلماته ، وسوره لا تشبه كتاب مصنّف ، وتأليف مؤلّف ، وديوان شاعر ، ممّا يسهل جمعه ، وتأليفه وترتيبه لمن بلغ أدنى مرتبة من مراتب العلم ، وأخذ حظّاً قليلاً منه ، ويعلم نقصانه وتحريفه بأدنى ملاحظة ، ولا يمكن معرفة ترتيب القرآن وتمامية جمعه من نفسه ، إذ هو موقوف على معرفة مراد الله تعالى ، وحكمة وضع ترتيب السور والآيات بالترتيب المخزون ، وكيفيّة ارتباط الآيات بعضها ببعض ، وهذا من العلوم التي قصرت أيدي المذكورين عن تناول أدنى مراتبه ، بل هم بمعزل عن تصوّر موضوعه ، وعن تصديق المتوقّف على تصديق أصله المفقود فيهم ، بل كانوا قاصرين عن معرفة نفس الآيات ، وانّها ممّا جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ممّا دسّها المدلّسون ، واختلقها الكذّابون ، فاحتاجوا إلى إقامة الشهود ، فضلاً عن معرفة ارتباط بعضها بالبعض الموقوف .
وكان أعرف هؤلاء بالقرآن : زيد بن ثابت الذي قال عمر في حقّه : زيد أفرضكم ، مع أنّه روى الشيخ (رحمه الله) في «التهذيب» ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام)أشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهليّة . وامّا كتابته الوحي فهو على ما ذكره أرباب السّير إذا لم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) أو عثمان حاضراً ، وقد طعن عليه اُبيّ بن كعب ، وعبدالله بن مسعود .


(الصفحة269)

روى الشيخ الطوسي في «تلخيص الشافي» عن شريك ، عن الأعمش ، قال : قال ابن مسعود : لقد أخذت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين سورة وانّ زيد بن ثابت لغلام يهودي في الكتاب له ذؤابة .
وامّا الخلفاء فمقامهم في العلم غير خفيّ ، حتّى انّ الأوّل كان جاهلاً بمعنى الكلالة ، وقال السيوطي في «الاتقان» : ولا أحفظ عن أبي بكر في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جدّاً ، لا تكاد تجاوز العشرة .
وامّا عمر فذكر الشيخ زين الدين البياضي في «الصراط المستقيم» انّه اجتهد في جفظ سورة البقرة تسعة عشر سنة ، وقيل اثنتي عشر ونحر جزوراً وليمة عند فراغه ، وفيه : ورووا انّه لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء ، وقد صحّ انّه أنكر موت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لجهله بالكتاب حتّى قرىء عليه : {انّك ميّت وانّهم ميّتون} وقد جمع الأصحاب أشياء كثيرة ممّا يتعلّق بهذا الباب .
وامّا عثمان فهو وإن كان من كتّاب الوحي إلاّ انّه لم يكتب منه إلاّ قليلاً ، فعن مناقب ابن شهرآشوب في ذكر كتّابه (صلى الله عليه وآله وسلم) : كان عليّ (عليه السلام) يكتب أكثر الوحي ، ويكتب أيضاً غير الوحي ، وكان اُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت يكتبان الوحي ، وكان زيد وعبدالله بن الأرقم يكتبان إلى الملوك ، وعلاء بن عقبة وعبدالله ابن الأرقم يكتبان القبالات ، وزبير بن العوّام وجهم بن الصلت يكتبان الصدقات ، وحذيفة يكتب صدقات التمر ، وقد كتب له عثمان وخالد وابان ـ ابنا سعيد بن العاص ـ والمغيرة بن شعبة ، والحصين بن نمير ، والعلاء بن الحضرمي ، وشرحبيل بن حسنة الطائي ، وحنظلة بن ربيع الأسدي ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح وهو الخائن في الكتابة فلعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ارتدّ .


(الصفحة270)

وروى عكرمة ، ومجاهد ، والسّدي ، والفرّاء ، والزجاج ، والجبائي ، وأبو جعفر الباقر (عليه السلام) انّ عثمان كان يكتب الوحي فيغيّره فيكتب موضع «غفور رحيم» «سميع عليم» وموضع «سميع عليم» «عزيز حكيم» ونحو ذلك فأنزل الله تعالى فيه : {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} .
قال السيِّد في الطرائف : «ومن طريف ما ذكروه عن عثمان بن عفّان من سوء إقدامه على القول في ربّهم ورسولهم : ما ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالى : {انّ هذان لساحران} : وروى عن عثمان انّه قال : إنّ في الصحف لحناً وستقيمة العرب بألسنتهم وقيل له : ألا تغيّره؟ فقال : دعوه فإنّه لا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً . وذكر نحو هذا الحديث ابن قتيبة في كتاب «المشكل» قال (رحمه الله) : فليت شعري هذا اللحن في القرآن ممّن هو ، إن كان عثمان يذكر انّه من الله فهو كفر جديد ، وإن كان من غير الله فكيف ترك كتاب الله مبدّلاً مغيّراً لقد ارتكب بذلك بهتاناً عظيماً ومنكراً .
وامّا معاوية فعدّه جماعة من مخالفينا من كتّاب الوحي مع أنّ جمهور الجمهور نقلوا انّه أسلم بعد فتح مكّة ، وقبل وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بستّة أشهر تخميناً .
قال في الطرائف : «فكيف تقبل العقول أن يوثق في كتابة الوحي بمعاوية مع قرب عهده بالكفر ، وقصوره في الإسلام حيث دخل فيه» .
وقال ابن أبي الحديد : واختلف في كتابته كيف كانت فالّذي عليه المحقّقون من أهل السيرة انّ الوحي كان يكتبه عليّ (عليه السلام) وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم ، وانّ حنظلة بن الربيع ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك ، وإلى رؤوساء القبائل ويكتبان حوائجه بين يديه ، ويكتبان ما يجيء من أموال الصدقات ما يقسّم له في أربابها .


(الصفحة271)

والجواب عن هذه الشبهة :
مضافاً إلى إمكان الدعوى الثانية ـ منع الدعوى الاُولى جدّاً ، وعليه فلا تصل النوبة إلى الثانية أصلاً .
ولتوضيح ذلك : لابدّ لنا من إيراد الروايات التي يظهر منها انّ جمع القرآن لم تحقّق إلاّ بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والجواب عنها .
فنقول : قد أوردت هذه الروايات في الجزء الثاني من كتاب «كنز العمّال في سنن الأفعال والأقوال» في باب جمع القرآن ص361 وهي كثيرة :
1 ـ «مسند الصدِّيق» عن زيد بن ثابت قال : أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عنده عمر بن الخطّاب فقال : إنّ هذا أتاني فأخبرني انّ القتل قد استحرّ بقرّاء القرآن في هذا الموطن ـ يعني يوم اليمامة ـ وانّي أخاف أن يستحرّ القتل بقرّاء القرآن في سائر المواطن ، فيذهب القرآن ، وقد رأيت أن نجمعه فقلت له ـ يعني لعمرـ كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي عمر : هو والله خير ، فلم يزل بي عمر حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدره ، ورأيت فيه مثل الذي رأى عمر ، قال زيد : وعمر عنده جالس لا يتكلّم فقال أبو بكر : إنّك شاب عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاجمعه ، قال زيد : فوالله لئن كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ ممّا أمري به من جمع القرآن ، فقلت : وكيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، ورأيت فيه الذي رأيا فتتبّعت القرآن أجمعه من الرقاع واللخاف(1) والأكتاف والعسب(2)

(1) جمع لخفة وهي حجارة بيض رقاق .
(2) بالضمّ والسكون جمع عسيب وهو جريد من النخل.

(الصفحة272)

وصدور الرجال حتّى وجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه . . .} حتّى خاتمة براءة فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حياته حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند عمر حياته حتّى توفّاه ، ثمّ عند حفصة بنت عمر .
2 ـ عن صعصعة قال : أوّل من جمع القرآن وورث الكلالة أبو بكر .
3 ـ عن عليّ (عليه السلام) قال : أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر ، انّ أبا بكر أوّل من جمع بين اللّوحين . وفي لفظ : أوّل من جمع كتاب الله .
4 ـ عن هشام بن عروة قال : لمّا استحرّ القتل بالقرّاء فرق ـ أي فزع ـ أبو بكر على القرآن أن يضيع ، فقال لعمر بن الخطّاب ولزيد بن ثابت : اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .
5 ـ عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبدالله ، وضارجة انّ أبا بكر الصدِّيق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ، ففعل فكانت الكتب عند أبي بكر حتّى توفي ، ثمّ عند عمر حتّى توفي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسل إليها عثمان ، فأبت أن تدفعها حتّى عاهدها ليردنّها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها .
قال الزهري : أخبرني سالم بن عبدالله انّ مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها المصحف التي كتب فيها القرآن ، فتأبى حفصة أن تعطيه إيّاها ، فلمّا توفّيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبدالله بن عمر ، ليرسل إليه بتلك

(الصفحة273)

الصحف ، فأرسل بها إليه عبدالله بن عمر ، فأمر بها مروان فشقّقت ، وقال مروان : إنّما فعلت هذا لأنّ ما فيها قد كتب وحفظ بالصحف (المصحف خ ل) فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذا المصحف مرتاب ، أو يقول إنّه قد كان فيها شيء لم تنكرانه .
6 ـ عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لمّا قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر الصدِّيق عمر بن الخطّاب ، وزيد بن ثابت ، فقال : اجلسا على باب المسجد فلا يأتينّكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه ، يشهد عليه رجلان إلاّ أثبتماه ، وذلك لأنّه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمعوا القرآن .
7 ـ «مسند عمر» عن محمّد بن سيرين ، قال : قتل عمر ولم يجمع القرآن .
8 ـ عن الحسن : انّ عمر بن الخطّاب سئل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان ، وقتل يوم اليمامة ، فقال : انّا لله ، وأمر بالقرآن فجمع ، فكان أوّل من جمعه في المصحف .
9 ـ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : أراد عمر بن الخطّاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال : من كان تلقّى من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتّى يشهد شاهدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيء حتّى يشهد عليه شاهدان ، فجاء خزيمة بن ثابت فقال : إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما ، قالوا : ما هما؟ قال : تلقّيت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنّتم . . .} إلى آخر السورة ، فقال عثمان : وأنا أشهد انّهما من عند الله

(الصفحة274)

فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختم بهما براءة .
10 ـ عن عبدالله بن فضالة قال : لمّا أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفراً من أصحابه ، فقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر ، فإنّ القرآن نزل على رجل من مضر .
11 ـ عن جابر بن سمرة قال : سمعت عمر بن الخطّاب يقول : لا يملين في مصاحفنا هذه إلاّ غلمان قريش ، أو غلمان ثقيف .
12 ـ عن سليمان بن أرقم ، عن الحسن ، وابن سيرين ، وابن شهاب الزهري ـ وكان الزهري أشبعهم حديثاً ـ قالوا : لمّا أسرع القتل في قرّاء القرآن يوم اليمامة قتل منهم يومئذ أربعمائة رجل ، لقى زيد بن ثابت عمر بن الخطّاب فقال : إنّ هذا القرآن هو الجامع لديننا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت أن أجمع القرآن في كتاب ، فقال له : انتظر حتّى أسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر ، فأخبراه بذلك فقال : لا تعجلا حتّى أشاور المسلمين ، ثمّ قام خطيباً في الناس فأخبرهم بذلك فقالوا : أصبت فجمعوا القرآن ، وأمر أبو بكر منادياً فنادى في الناس : من كان عنده شيء من القرن فليجيء به فقالت حفصة : إذا انتهيتم إلى هذه الآية فأخبروني : {حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى} فلمّا بلغوها قالت اكتبوا : «والصلوة الوسطى وهي صلاة العصر» فقال لها عمر : ألك بهذا بيّنة؟ قالت : لا ، قال : فوالله لا يدخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بيّنة . وقال عبدالله بن مسعود : اكتبوا : «والعصر انّ الإنسان لبخسر (ليخسر خ ل) وانّه فيه إلى آخر الدهر» فقال عمر : نحّوا عنّا هذه الاعرابيّة .
13 ـ عن خزيمة بن ثابت قال : جئت بهذه الآية : «لقد جاءكم رسول من

(الصفحة275)

أنفسكم» إلى عمر بن الخطّاب ، وإلى زيد بن ثابت فقال زيد : من يشهد معك؟ قلت : لا والله ما أدري ، فقال : كان عمر لا يقبل آية من كتاب الله حتّى يشهد عليها شاهدان ، فجاء رجل من الأنصار بآيتين فقال عمر : لا أسألك عليها شاهداً غيرك «لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم» إلى آخر السّورة .
15 ـ عن أبي إسحاق ، عن بعض أصحابه قال : لمّا جمع عمر بن الخطّاب المصحف سأل عمر : من أعرب الناس؟ قيل : سعيد بن العاص ، فقال : من أكتب الناس؟ فقيل : زيد بن ثابت ، قال : فليمل سعيد وليكتب زيد ، فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفاً منها إلى الكوفة ومصحفاً إلى البصرة ، ومصحفاً إلى الشام ، ومصحفاً إلى الحجاز .
16 ـ إسماعيل بن عيّاش ، عن عمر بن محمّد بن زيد عن أبيه : انّ الأنصار جاءوا إلى عمر بن الخطّاب فقالوا : يا أمير المؤمنين نجمع القرآن في مصحف واحد ، فقال : إنّكم أقوام في ألسنتكم لحن ، وأنا أكره أن تحدثوا في القرآن لحناً ، وأبى عليهم .
17 ـ عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، عن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فرج (فتح في ل) ارمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن ، فقال لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الاُمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب ، كما اختلف اليهود والنصارى ، فأرسل إلى حفصة أن اُرسلي إليّ بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها عليك ، فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحفو فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبدالله بن زبير أن انسخوا الصحف في المصاحف ، وقال

(الصفحة276)

للرهط القرشيّين الثلاثة : ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّما نزل بلسانها ، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان إلى كلّ اُفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوا ، وأمر بسوى ذلك في صحيفة أو مصحف أن يحرق .
قال الزهري : وحدّثني خارجة بن زيد أنّ زيد بن ثابت قال : فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرؤها : {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت ، أو ابن خزيمة فألحقتها في سورتها .
وقال الزهري : فاختلفوا يومئذ في «التابوت» و«التابوه» فقال النفر القرشيّون : التابوت ، وقال زيد بن ثابت : التابوه فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوه «التابوت» فإنّه بلسان قريش نزل .
18 ـ عن أبي قلابة قال : لمّا كان في خلافة عثمان جعل المعلّم يعلِّم قراءة الرجل والمعلِّم يعلِّم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون (يتلقّون في ل) فيختلفون حتّى ارتفع ذلك إلى المعلّمين ، حتّى كفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان ، فقام خطيباً فقال : «أنتم عندي تختلفون وتلحِّنون ، فمن نأى عنّي من الأمصار أشدّ لحناً ، فاجتمعوا يا أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فاكتبوا للناس إماما» .
قال أبو قلابة : فحدّثني مالك بن أنس «قال أبو بكر بن أبي داود هذا مالك بن أنس جدّ مالك بن أنس» قال : كنت فيمن أملى عليهم ، فربما اختلفوا في الآية ، فيذكرون الرجل قد تلقّاها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعلّه أن يكون غائباً ، أو في بعض البوادي فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها حتّى يجيء أو يرسل إليه ،

(الصفحة277)

فلمّا فرغ من المصحف كتب إلى أهل الأمصار انّي قد صنعت كذا ، وصنعت كذا ومحوت ما عندي ، فامحوا ما عندكم .
19 ـ عن ابن شهاب قال : بلغنا انّه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب ، فلمّا جمع أبو بكر وعمر وعثمان القرآن ، ولم يوجد مع أحد بعدهم ، وذلك فيما بلغنا حملهم على أن تتبّعوا القرآن ، فجمعوه في الصحف في خلافة أبي بكر ، خشية أن يقتل رجال من المسلمين في المواطن معهم كثير من القرآن ، فيذهبوا بما معهم من القرآن ، فلا يوجد عند أحد بعدهم ، فوفّق الله عثمان ، فنسخ ذلك المصحف في المصاحف ، فبعث بها إلى الأمصار ، وبثّها في المسلمين .
20 ـ عن مصعب بن سعد قال : سمع عثمان قراءة اُبيّ ، وعبدالله ، ومعاذ ، فخطب الناس ، ثمّ قال : «إنّما قبض نبيّكم (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ خمس عشرة سنة ، وقد اختلفتم في القرآن عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لما أتاني به ، فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعسيب فيه الكتاب ، فمن أتاه بشيء قال : أنت سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ قال : أيّ الناس أفصح؟ قالوا : سعيد بن العاص ، ثمّ قال : أيّ الناس أكتب؟ قالوا : زيد بن ثابت ، قال : فليكتب زيد وليمل سعيد» فكتب مصاحف فقسّمها في الأمصار فما رأيت أحداً عاب ذلك عليه .
21 ـ عن أبي المليح ، قال : قال «عثمان بن عفّان» حين أراد أن يكتب المصحف : تملي هذيل ، وتكتب ثقيف .
22 ـ عن عبد الأعلى بن عبدالله بن عامر القرشي قال : لمّا فرغ من المصحف اُتي به عثمان فنظر فيه فقال : «قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستقيّمه

(الصفحة278)

العرب بألسنتها» .
23 ـ عن عكرمة قال : لمّا اُتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئاً من لحن فقال : «لو كان المملي من هذيل ، والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا» .
24 ـ عن عطاء : انّ عثمان بن عفّان لمّا نسخ القرآن في المصاحف أرسل إلى اُبيّ بن كعب ، فكان يملي على زيد بن ثابت وزيد يكتب ومعه سعيد بن العاص يعرّبه ، فهذا المصحف على قراءة اُبيّ وزيد .
25 ـ عن مجاهد أنّ عثمان أمر اُبيّ بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ويعرّبه سعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث .
26 ـ عن زيد بن ثابت : لمّا كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدتها عند خزيمة بن ثابت : {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى تبديلاً ، وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين أجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهاده بشهادة رجلين .
وهنا بعض الروايات الاُخر ، مثل ما في المحكي عن الإتقان قال : أخرج ابن اشته ، عن الليث بن سعد قال : أوّل من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلاّ بشهادة عدلين ، وانّ آخر سورة براءة لم توجد إلاّ مع أبي خزيمة بن ثابت فقال : اكتبوها فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب ، وانّ عمر أتى بآية الرجم فلم نكتبها لأنّه كان وحده .
وأصرح من الجميع ما حكاه في الاتقان عن «فوائد الديرعاقولي» قال : حدّثنا إبراهيم بن بشّار ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد ، عن زيد

(الصفحة279)

بن ثابت ، قال : قبض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن القرآن جمع في شيء .
هذه هي أهمّ الروايات الواردة في باب جمع القرآن ، والظاهرة في أنّه لم يتحقّق في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المتوافقة على هذه الجهة .


(الصفحة280)




نقد روايات القرآن

وهذه الروايات مخدوشة من جهات مختلفة :
الجهة الاُولى ـ تناقضها في نفسها:
إنّها متناقضة في أنفسها فلا تصلح للاعتماد عليها والركون إليها ، والتناقض فيها في اُمور متعدّدة متكثِّرة ، عمدتها ترجع إلى الاُمور التالية :
الأوّل : ظاهر جملة من الروايات المتقدّمة ، كالرواية الاُولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة : انّ الجمع كان في زمن أبي بكر ، وانّه فرق على القرآن يضيع ، وظاهر البعض الآخر كالرواية الثامنة المصرّحة بأنّ عمر أمر بالقرآن فجمع ، وانّه أوّل من جمعه في المصحف ، وكذا الرواية الخامسة عشر أنّ الجامع للقرآن هو عمر ، وصريح البعض الآخر الجمع كان في زمن عثمان ، وفي الرواية السابعة تصريح بأنّه قتل عمر ولم يجمع القرآن ، وهنا رواية اُخرى تدلّ على أنّ الجامع سالم مولى أبي حذيفة : أخرج ابن اشته في محكي كتاب «المصاحف» من طريق كهمس ، عن ابن بريدة قال : أوّل من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة ، أقسم لا يرتدي برداء حتّى يجمعه ، فجمعه ثمّ إئتمروا ما يسمّونه فقال بعضهم سمّوه «السفر» قال : ذلك تسمية اليهود فكرهوه فقال : رأيت مثله بالحبشة يسمّى «المصحف» فاجتمع رأيهم على أن يسمّوه المصحف . ولكن الرواية غريبة
<<التالي الفهرس السابق>>