في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


آية التطهير، رؤية مبتكرة

تأليف:
المرجع الديني آية اللّه العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني
آية اللّه الشيخ شهاب الدين الإشراقي


(الصفحة5)

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم من الأوّلين والآخرين

فضلاً عن القيمة العلمية والمحتوى الراقي لهذا الكتاب فإنّه يتزيّن بفضيلة أخرى ، هي أنّه بقلم سماحة آية الله العظمى الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله وأدام ظلّه على رؤوس المسلمين . . .
فكون الكاتب أحد مراجع التقليد العظام ، فهذا يعني أننا أمام نظرة تخصّصية ، واستظهارات من القرآن والسنّة والتاريخ خضعت لممارسات علمية لا يعتريها شكّ ولا ينتابها ترديد ، إنّها معالجة خبير متخصّص ثنيت له الوسادة في الفقه والاُصول ومختلف القواعد ، التي تمكِّنه من استظهار أعمق من الأدلّة وانتزاع أصوب وأقرب إلى الواقع ، واستيعاب أكبر للنصوص والمدارك ، وبالتالي وقوف أدق على الأفكار والمفاهيم والمعارف الإسلامية. { . . . فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً . .}(1) ، وفي هذا قيمة أخرى تجعل القارئ يتناول هذه المادّة باطمئنان أكثر لنقائها وسلامتها سواء للتلقّي أو المحاججة ، والأمر ـ في هذا الإطار ـ ممّا شح

(1) الفرقان : 59  .

(الصفحة6)

وقلّ وجوده في عصرنا الحاضر الذي تشعّبت فيه الفروع الفقهيّة ، وتوسّعت أبواب ما يبتلى به الناس من مستحدثات المسائل ، فلم تترك للعلماء متّسعاً في الوقت يتعرّضون فيه لمباحث من قبيل ما انبرى له الشيخ الفاضل حفظه الله وصاحبه الشيخ الإشراقي تغمّده الله بواسع رحمته .
وقد أخذا هذا المنهج ـ تعرُّض الفقهاء المراجع لمباحث خارج إطار الدراسات الحوزوية الطولية ، أي الفقه والأصول ومتعلّقاتهما كالبحث والكتابة في التفسير (غير آيات الأحكام) والحديث والكلام والفلسفة والأخلاق ، بل معالجة عموم المتطلّبات المستجدّة في المجتمع الإسلامي التي تمسّ عقائد المسلمين وحركتهم ـ أخذاه عن اُستاذهما الإمام الخميني قدّس الله نفسه الزكية (وممّا يجدر ذكره أنّ الشيخ شهاب الدين الإشراقي هو صهر الإمام) الذي لا تزال مؤلّفاته في تلك الأبواب تثري المكتبة الشيعية وتسدّ ثلمة كبيرة فيها ، فقد فرّغ الإمام(قدس سره) نفسه في إحدى المرّات لفترة امتدّت أشهراً ، معتزلاً البحث والتدريس الحوزوي ، للردّ على بعض الكتب التي مسّت أهل البيت(عليهم السلام) ونالت من العقيدة الإسلامية الصحيحة(1) .
ونحن في هذا العصر أشدّ ما نكون بحاجة إلى كتابات ينهض بها متخصِّصون من علماء الحوزة ممّن نشأ في أكناف علوم أهل البيت

(1) ألّف الإمام الخميني(قدس سره) كتابه «كشف الأسرار» ردّاً (في نهاية القوّة وغاية الإتقان) على كتاب «أسرار هزار ساله» الذي قذف مؤلِّفه الشيعة بالخرافة والشرك والبدعة ، ونال من عقيدتهم في الشعائر الحسينية والتوسّل بالأئمّة الأطهار وبناء مراقدهم وزيارتها ، وطعن في كثير من علماء الدين وسَخِرَ منهم . . .

(الصفحة7)

وترعرع على مائدة آثارهم وتراثهم ، ينهل من النبع الصافي ويتزوّد من معين لا ينضب ، لتقطع الطريق على الالتقاطيين الذين نُسبوا إلى الوعي والتنوير ، وأخذوا يخوضون في علوم يفتقرون إلى الإحاطة بمبادئها وأوّلياتها فضلاً عن التسلّط على أصولها وناهيك عن الإبداع والاجتهاد فيها ، فيشرّقون ويغرّبون ، ويخلطون الغثَّ بالسمين وتُعرض سمومهم  ـ عن قصد وغير قصد ـ في لفافات من الصيت والصخب الإعلامي ، بطباعة فاخرة وأسماء رنّانة صنعتها الصحف والمجلاّت لا مقاعد التحصيل وكراسي التدريس! . . . فينخدع بها البسطاء ، ويأخذها المستضعفون من أيتام آل محمّد الذين حُجبوا عن لقاء إمامهم(عليه السلام)وحُرموا التزوّد منه والأخذ عنه ، بينما الساحة تتطلّع لنتاج خالص هو الأقرب فالأقرب لما يريده ذاك المغيَّب صلوات الله عليه من فكر وعقيدة وموقف ، وتتحرّق شوقاً لبصيص نور يشير إلى تلك الناحية المقدّسة ، ولعمري ما أراه سينبعث إلاّ من نوّابه وأمنائه على رعيته «أولئك الذين نفروا حتّى بلغوا حقيقة التفقّه وأصبحوا منذرين صادقين لقومهم وشعبهم»(1) ، بعيداً عن كدر المادية الجوفاء والتغريب الأخرق ، والتلفيق الذي لا يُبقي للإسلام فيما يطرحه من الفكرة والمفهوم إلاّ الاسم! فنسأل الله أن يكون هذا العمل طالع خير ويُمن ، ويكون بمثابة قطر يتلوه غيث منهمر . . .
وقد جاء أسلوب الكتاب مُبسَّطاً ، متجنّباً المصطلحات والعبارات المعقّدة ، مستأنساً بآراء علماء آخرين ، مُقتصراً البحث على موضوعه ـ

(1) من بيان الإمام الخميني(قدس سره) للحوزات العلمية ، المعروف بـ «بيان رجب 1409هـ » .

(الصفحة8)

آية التطهير ـ دون إطالة وإسهاب مُمل أو تشعّب يُشتِّت التركيز . . . ليكون سهل التناول على مختلف المستويات ، ومن الواضح أنّ الكاتب تحاشا استعراض مقدرته العلمية ، وعَزَفَ عن التفنّن في استعمال إمكانياته ومَلَكاته في سطحها العالي حيث وضع نصب عينيه مستوى الـمُخاطَب ، واكتفى من المعالجة العلمية بالقدر الأدنى الذي يخدم إثبات الفكرة وتحقيق الهدف من البحث ليس إلاّ ، موفِّراً للقارئ جهداً كان سيهدره فيما لا يعنيه ، وللفكرة نجاة من الضياع في مطاو قد يتيه فيها .
وبعد ، فإنّي أنصح القارئ الكريم بالتأنّي في مطالعة الكتاب وعدم استباق فصوله (حتّى لا يقع فيما وقعت فيه من العجلة في جولتي الاُولى معه قبل أن أعزم على ترجمته ، إذ كانت التساؤلات تترى في ذهني ، وأسجلها مؤاخذات على الكتاب عندما لا أجد المعالجة المطلوبة لها ، ثمّ لا ألبث قليلاً حتّى اُلاقي في الفقرات أو الصفحات التالية بغيتي وأعثر على ضالّتي!) ، إذ سيجد لكلّ تساؤل مكانه من الإجابة والردّ ، وسيرى أنّ البحث قد أحاط بكلّ الحيثيات والزوايا المتعلّقة بالموضوع . . . كما سيلمس العارفون نفحة معنوية ومسحة روحية خاصة صبغت الكتاب ، استمدّها المؤلِّف ـ كما حدّثني بذلك شخصياً ـ من توسّله بمولاتنا فاطمة المعصومة(عليها السلام)(1) من أجل أن يرى هذا الكتاب النور ، لذا فإنّ الكتاب ينفرد بموقع خاص في نفس الكاتب يميّزه عن بقيّة مصنّفاته ومؤلّفاته وإن فاقته محتوىً وجهداً علمياً .


(1) بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) ، التي تتشرّف الحوزة العلمية في قم المقدّسة بمجاورة مرقدها الشريف .

(الصفحة9)

أمّا موضوع الكتاب ، أي البحث في آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) فإلى جانب ما تناوله من دلالة هذه الآية وما تنطوي عليه من معان وتحويه من أسرار تشكّل في مجموعها رسالة تامّة للباحثين عن الحقّ ، والساعين لمعرفة طريق رضا الله ومنهج الوصول إلى سنّة رسوله ، رسالة في الولاية التي ما نودي بشيء كما نُودي بها ، فهي «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأنبياء ورضا الرحمن»(2) . . . فإنّه يعني شيئاً آخر لعلّه خفي على كثيرين ، هو التعارض الموهوم الذي افترضوه بين المناداة بالوحدة الإسلامية والدعوة لها ، والتمسّك بولاء أهل البيت والرسوخ التامّ في العقيدة الإمامية الحقّة . . . فتعرّض الكاتب ـ وهو أحد أبرز تلاميذ الإمام الخميني ، رائد الوحدة الإسلامية وأكبر المنادين بها في عصرنا الحاضر  ـ لهذا الموضوع والدخول فيه على هذا النحو ، يعني فيما يعني عدم التعارض بين المقولتين ، وأنّ الوحدة التي أرادها الإمام الراحل ، والمنهج الصحيح فيها هو الوحدة السياسية ، والتقاء جميع الفرق والمذاهب الإسلامية على جهاد أعداء الدين الإسلامي المبين من الشرق والغرب والأنظمة الظالمة العميلة لهما ، وهكذا عدم إثارة الاختلاف وتكلّف النزاع المنجرّ إلى {فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(3) . . . لا التفريط في المعتقدات الحقّة المنتهي إلى تمييع الأفكار والعقائد ، ولبس الحق

(1) الأحزاب : 33  .
(2) تفسير العياشي 1: 205 ح202 ، بحار الأنوار 23 : 294 ح33  .
(3) الأنفال : 46  .

(الصفحة10)

بالباطل من خلال تدليس قد يطمس معالم الهدى ويساهم ـ والعياذ بالله ـ في إضلال الأمّة ، ولعلّ فيها طالب حقّ يسعى لما يسكّن روعه ، ويلتقي بالفطرة التي زيّنها الله في قلبه من حبّ آل محمّد وولايتهم {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}(1) ، أو مؤمناً موالياً بحاجة لما يربط على قلبه ويثبت عقيدته ويرسخ ولاءه . . . الأمر الذي يدخل في صميم الدور الرسالي لعلماء الدين . من هنا نجد الإمام الخميني قدّس الله سرّه ينهض بهذا الدور ويباشر هذه المسؤولية على امتداد مسيرته ، حتّى ختم حياته وزيّن مطلع وصيّته للاُمّة الإسلامية بحديث الثقلين إذ يقول: «إنّ حديث الثقلين متواتر بين جميع المسلمين وقد نقل في كتب السنّة ـ من الصحاح الستّة إلى الكتب الأخرى ـ بألفاظ مختلفة وموارد متكرّرة ، متواتراً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) . وهذا الحديث حجّة قاطعة على جميع البشر خصوصاً مسلمي المذاهب المختلفة ، ويجب على كلّ المسلمين الذين تمّت الحجّة عليم أن يقدموا الإجابة عن ذلك ، وإذا كان ثمّة عذر للجاهلين غير المطّلعين فلا عذر لعلماء المذاهب» .
ويقول رضوان الله عليه في مقطع آخر من الوصية: «نحن فخورون بأنّ مذهبنا جعفري وأنّ فقهنا ، هذا البحر الزاخر ، هو أحد آثاره ، ونحن فخورون بكلّ الأئمّة المعصومين عليهم صلوات الله ، ونحن ملتزمون باتّباعهم» .
ولمّا كان الكتاب قد اُلّف قبل فترة بعيدة ، فقد طلبت من سماحة

(1) الحجرات : 7  .

(الصفحة11)

الشيخ مدّ ظلّه ملاحظة صياغة بعض العبارات وإدخال شيء من التعديلات ، كما اقترحت عليه تغيير اسم الكتاب ، فقد نُشر في طبعته السابقة باسم «أهل البيت أو الشخصيات اللامعة في آية التطهير» فتفضّل واستجاب مشكوراً . . .
وإلى جانب الترجمة ، قمت بتخريج بعض الروايات والنصوص المنقولة وإرجاعها إلى مصادرها ، وتعديل مصادر أخرى ـ مذكورة في الأصل ـ إلى طبعاتها الجديدة المتداولة ، ولما كانت أغلب التخريجات مُجملة مكتفية باسم الكتاب أو الجزء دون ذكر رقم الصفحة فقد قمت بتفصيلها ، بالإضافة إلى توضيح بعض ما احتملت غموضه على القارئ ، وحيث إنّي قمت بإدراج تعليقات المؤلّف في المتن نفسه ونقلتها من الحاشية وضمّنتها الأصل; لذا فإن كلّ ما في الهامش يرجع إلى الترجمة لا التأليف ، واكتفيت بذكر الأمر هنا على التوقيع في ذيل كلّ تعليق . . .
نسأل الله لسماحة الشيخ الصحّة والعافية ودوام التوفيق; ليرفد الأمّة بالمزيد من النتاجات العقائدية والفكرية إلى جانب ما يضطلع به من أعباء ومسؤوليات الإفتاء والمرجعية ، إنّه سميع مجيب .


(الصفحة12)



(الصفحة13)

بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ  تَطْهِيراً}   الأحزاب (33)
تُعدّ هذه الآية الشريفة ـ وفقاً لروايات العامّة والخاصّة ـ من أشهر ما نزل في واقعة معيّنة تخصّ ثلّة خاصّة من أقرباء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ولا ريب في دلالة هذه الآية على أفضلية أهل البيت(عليهم السلام) وطهارتهم ومنزلتهم .
إنّ خلاصة مدلول هذه الآية درر مرصعة بالفضيلة والطهارة والكفاءة ، واستحقاق مرتبة الخلافة العظمى ، إنّ آية التطهير تخصّ بالذكر اُناساً يَسمّون فوق اُفق الإنسانية حتّى الكاملة منها ، ويسبحون في فضاء لا يرقى إليه أحد ، لا ملكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل ولا صدِّيق ولا شهيد . . .
وإن قلنا: إنّ هذه الصفوة من عباد الله تمسّكوا بهذه الآية ، وأثبتوا على أساسها في عشرات الموارد تفوّقهم وأفضليتهم على غيرهم ، لما كان قولنا جزافاً . . .


(الصفحة14)

لقد سمّرت هذه الآية الشريفة أعين ذوي البصائر صوب قمم العصمة والطهارة ، وكبَحَت المتعصّبين بلجام عصبيتهم ، وأعيتهم عن التنكّر لأفضلية أهل البيت(عليهم السلام) وأحقّيتهم وكمالهم ، ومن هناك حيث يطلع طلاّب الحقّ الذين تخلّصوا من جمود التعصّب ، تتجلّى أحقّيتهم صلوات الله عليهم .
والوقوف على دلالة هذه الآية الكريمة والإحاطة بمفادها العميق يتطلّب المزيد من الدراسة والتحرّي والتحقيق ، وللوهلة الأولى ـ إذا ما صرفنا النظر عن الروايات ـ نرى أنّ البحث ينبغي أن ينصبّ على نكات خمس رئيسية جديرة بالاهتمام:
النكتة الأولى: كون الآية الكريمة قد ذُكرت خلال آيات خاطبت زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وعند التدقيق يتّضح أن لا علاقة لها بهاتيك النسوة .
النكتة الثانية: المفارقة التي تسجّل حول الآية بلحاظ شأن نزولها من جهة ، وقد نزلت بصورة مستقلّة في مورد خاصّ ، وكان محلّ نزولها بيتاً من بيوت نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ومن جهة أُخرى ترتيبها في طريق التدوين ، الذي تخلّل آيات تتحدّث عن نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) بحيث جاءت مقحمة في سياق: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) .
النكتة الثالثة: البحث في المقصود من «الإرادة» في قوله تعالى:

(1) الأحزاب : 33  .

(الصفحة15)

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ . . .} .
النكتة الرابعة: ما هو «الرجس» في النظرة القرآنية؟ ليكون مبيّناً لنفي الرجس بصورة مطلقة في الآية الشريفة .
النكتة الخامسة: البحث في عبارة «أهل البيت» هل هي اصطلاح خاصّ أم أنّ لها مفهوماً عامّاً يشمل جميع أقرباء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أم أنّها من العناوين المشيرة(1) التي لا يلحظ فيها المفهوم؟ وبعبارة أُخرى: هل عبارة «أهل البيت» ملحوظة بالمعنى الوصفي في الآية الشريفة أم أنّها مشيرة إلى جماعة معيّنة؟


(1) العنوان المشير: عنوان لا موضوعية له ، يشير إلى موضوع ما . مثاله إذا قيل: احترم الشخص الذي يرتدي العباءة في المجلس ، فإنّ واجب احترامه يبقى قائماً وإن نزع العباءة . . . وهنا يكون لبس العباءة عنواناً مشيراً . ويكاد هذا الأمر أن يكون أبرز ما تناوله هذا الكتاب بالبحث ، وصلب الابتكار الذي لجأ إليه المؤلّفان في معالجة الآية وتفسيرها . . . وستجد تفصيله في الصفحة 125 ـ 131 من هذا الكتاب .

(الصفحة16)



(الصفحة17)

النكتة الاُولى:

علاقة الآية بزوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)

لا ريب في أنّ هذه الآيات نزلت في المدينة; لأنّ جميع آيات سورة الأحزاب مدنية ، خصوصاً الآيات التي كانت نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)هنّ المخاطب فيها; لأنّهنّ إنّما دخلن في عصمة النبيّ(صلى الله عليه وآله)وأصبحن أزواجه في المدينة .
إذن ثمّة ظنّ قويّ هنا بأنّ الآية نزلت في أواخر حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله)حين كان(صلى الله عليه وآله) ذا أزواج عديدة ، الأمر الذي اتّفق للنبيّ(صلى الله عليه وآله) في أواخر أيّامه ، وعلى القاعدة فإنّ جميعهنّ أو أكثرهنّ بقين في عصمته ، ثمّ حظيت وتشرّفت كلّ واحدة منهنّ بعد وفاته بلقب «أمّ المؤمنين» .
من الواضح أنّ هذه الآيات التي تخاطب الزوجات لقضية هامّة وتوجّه إليهنّ نصائح قيّمة ، وتذكّرهنّ باُمور مفيدة ، تريد رسم منهج تربوي خاصّ لهذه النسوة يحصّنهنّ من الإضرار بالإسلام والمسلمين ، لما يمكن أن يؤدّينه من دور في مستقبل الإسلام بعد رحيل النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ولما يحتمل أن يؤثّر فيهنّ من عناصر التخريب في ظلّ الاعتداد والتمتّع بلقب «أمّ المؤمنين» ، فيُضللن الاُمّة التي لم تواكب وقائع عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله)عن قرب ، وظلّت تعاني الجهل بحقائق تلك الفترة . إذ إنّ التوجّه إلى هذه الآيات والعمل بالنصائح والإرشادات التي تحويها سيحدِّد

(الصفحة18)

تكليفهنّ الصحيح ، ويحُول دون ارتكابهنّ ما يعرقل المسيرة ويعيق دور الزعماء الواقعيين للإسلام ، فلا يكنّ سبباً لانفصام عرى الدين واُسسه .
تبدأ الآية الاُولى بمخاطبة نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) بتذكرهنّ أنّ حبّ الدنيا ، والافتتان بالحياة المادّية وزينتها لا يتناسب ومقام الزوجية لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وتدعوهنّ لعدم التشبّث بالافتخار بهذا المقام ، واتخاذ موقف عملي وواقعي بالانفصال عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالحسنى . {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا}(1) .
وتذكّرهنّ الآية الثانية إن كنّ على استعداد لمجاراة رسول الله(صلى الله عليه وآله)في حياته المنقطعة إلى الله والتي أوقفها للآخرة ، وأردن مواصلة الحياة الزوجية معه(صلى الله عليه وآله) على هذا الأساس ، فإنّ هذا مدعاة فخر واعتزاز لهنّ وباعث لبلوغ أعظم الأجر . {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الاْخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}(2) .
ثمّ تستعرض الآية الثالثة حساسية وخطورة أفعالهنّ ، والموقع المتميّز الذي اختصّت به أعمالهنّ ، فليس شأنهنّ وحسابهنّ مثل غيرهنّ من النساء إن أتين بالمعصية أو الفاحشة المبيّنة ، بل إنّ موقعهنّ من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجعل الحساسية مضاعفة ، وبالتالي فالعقاب مضاعف أيضاً . {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا

(1) الأحزاب : 28  .
(2) الأحزاب : 29  .

(الصفحة19)

الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً}(1) .
وتبيّن الآية الرابعة الجانب المقابل لما جاءت به الآية الثالثة ، فالتزام التقوى وخلوص العبودية لله سبحانه والامتثال المطلق لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وعمل الصالحات يوجب الأجر والثواب المضاعف أيضاً ، كما أوجب اجتراح الفواحش والانصراف إلى الدنيا وزينتها العقاب المضاعف . {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً}(2) .
أمّا الآية الخامسة فإنّها تصرّح بالتحذير والتذكرة ، فلا ينبغي لهنّ أن يقسن أنفسهنّ بغيرهنّ من النساء في أمر الحياة المعيشية ، فإن اتّقين الله وتجنّبن معصيته ولم يلجأن إلى الحيل والأساليب الملتوية فإنّ الله هو المثيب والمجازي . ولا ينبغي لهنّ بحال أن يقارن أنفسهنّ بغيرهنّ ، ويجب أن يسلكن الغاية في الاحتياط حتّى في أُسلوب وطريقة الكلام التي يجب أن تتنزّه عن الخضوع في القول ، وما قد يبعث على طمع مَنْ في قلبه مرض ، فالحرمة مضاعفة والحظر والتقييد ينبغي أن يكون مضاعفاً {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفاً}(3) .
وفي الخاتمة يحدِّد مطلع الآية السادسة دورهنّ الاجتماعي وواجبهنّ تجاه المجتمع الإسلامي ، فليس من دورهنّ الظهور في المحافل

(1) الأحزاب : 30  .
(2) الأحزاب : 31  .
(3) الأحزاب : 32  .

(الصفحة20)

العامّة ، ولا التدخّل في القضايا السياسية للمسلمين ، بل عليهنّ التزام بيوتهنّ وإطاعة الله ورسوله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}(1) .
إذن فالآيات الموجّهة إلى نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) لا تثبت لهنّ أيّة فضيلة بل تحرّضهنّ على كسب الفضائل ، وتقوم بتعريفهنّ بما يجب على امرأة مسلمة تريد أن تكون زوجة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) وتتمتّع إلى يوم القيامة بهذا الشرف ، وقد جاءت هذه الإرشادات لتقطع الطريق على تماديهنّ وتدخّلهنّ في القضايا الإسلامية العامّة والحسّاسة ممّا أوكله الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) إلى رجال الإسلام في مستقبله ، فلا تذهب بهنّ الظنون وتسوِّل لهنّ أنفسهنّ أنّهنّ ورثن الملك وحقّ سياسة الدولة الإسلامية لكونهنّ أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله)  .
وهذه الآيات لا تعني بأيّ حال تعلّق الإرادة التكوينية(2) للباري عزّوجلّ بطهارة نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو عصمتهنّ أو نزاهتهنّ واستقامتهنّ ، حيث دفعت كلمة «تُردن» في الآية أي احتمال للإرادة الإلهية التكوينية بهذا الصدد ، وألقت عبء اكتساب الكمالات التي وعدت بها الآيات على عواتقهنّ وسعيهنّ ، إذ عرضت عليهنّ: إن كنّ يردن عَرَض الدنيا المهلك فعليهنّ الانفصال عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فإنّهنّ لا يلقن بشرف الاقتران به ، وإن كنّ يردن الله ورسوله فإنّ لهنّ أجراً عظيماً ، فالذات

(1) الأحزاب : 33  .
(2) سيأتي البحث مفصّلاً في معنى الإرادة التكوينية في ص91 .
<<التالي الفهرس السابق>>