في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 201)

توضيحـه : أنّ ا لموضوع في ا لمفهوم وا لمنطوق ، إنّما هي نفس طبيعـة ا لماء بلا مدخليّـة شيء آخر فيـه أصلاً ، غايـة ا لأمر أ نّـه لاينفعل إذا بلغ ا لحدّ ا لمخصوص ، ويرتفع ذلك عند ارتفاع ذلك ا لحدّ ، فا لموضوع للانفعا ل هو ا لماء غير ا لبا لغ ذلك ا لحدّ ; بلا مدخليّـة شيء آخر من ا لظرف أو ا لمكان أو ا لمقدار أو ا لحا لـة ا لمخصوصـة ، فيكون ثابتاً عند تحقّق موضوعـه ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لموضوع يتحقّق على جميع ا لتقادير ; سواء كان ا لماء وارداً على ا لنجاسـة أو ا لعكس ، وعلى ا لأوّل لا فرق بين استقراره معها أو تجاوزه عنها ; لأنّ ا لمفروض خروج خصوصيّـة هذه ا لحالات عمّا جُعل موضوعاً للحكم ، فيترتّب على جميع تلك ا لحالات .

ثمّ لايخفى أنّ معنى ا لإطلاق ، هو عدم مدخليّـة ا لقيود في موضوع ا لحكم وترتّب ا لأثر عليـه ، وليس راجعاً إ لى ا لعموم ـ كما تُوهّم(1) ـ وإلاّ لاُشكل ا لتمسّك بالإطلاق في جانب ا لمفهوم ; لأ نّـه يصير ـ حينئذ ـ نظير ا لعموم ا لثابت بالإضافـة إ لى أنواع ا لنجاسات ; في أنّ نقيضـه هو ارتفاع ا لحكم في بعض ا لأحوال ، كما هو ا لشأن في نقيض ا لسا لبـة ا لكلّيّـة .

هذا ، ولو لم نقل بثبوت ا لمفهوم للقضيّـة ا لشرطيّـة ـ كما هو ا لحقّ ا لمحقّق في محلّـه(2) ـ فا لحكم أيضاً كذلك ; لأنّ ا لموضوع للحكم بعدم ا لانفعا ل ، هو ا لماء ا لبا لغ ذلك ا لحدّ ، فبارتفاع قيد ا لموضوع يرتفع ا لحكم ، وا لمفروض عدم ثبوت دليل آخر ، يدلّ على قيام بعض ا لقيود مقام ذلك ا لقيد ، فبمجرّد ارتفاعـه يرتفع ا لحكم مطلقاً ، ويكون ا لماء منفعلاً بأيّ وجـه تحقّق وأيّـة خصوصيّـة تخصّص .


1 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 1 و2 : 511 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 1 : 210 .
2 ـ مناهج ا لوصول 2 : 182 ـ 183 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 427 .

(الصفحة 202)

ثمّ إنّـه لا فرق ـ فيما ذكرنا ـ بين ا لغسلـة ا لمزيلـة لعين ا لنجاسـة ، وا لغسلـة ا لمطهّرة ـ بناءً على اعتبار ا لتعدّد ـ وذلك لأنّ ا لكلام بعد فرض تنجّس ا لماء ا لقليل بملاقاة ا لأعيان ا لنجسـة ، وكذا بملاقاة ا لمتنجّسات ، وقد عرفت ا لأوّل سابقاً(1) ، وسيأتي ا لكلام في ا لثاني في أحكام ا لنجاسات(2)  إن شاء الله تعا لى .

ثمّ إنّـه يمكن أن يقا ل بعدم جواز ا لتمسّك با لمفهوم ولو لم نقل بكون ا لإطلاق راجعاً إ لى ا لعموم ; لأنّ نقيض قولـه : «لم ينجّسـه شيء» إنّما هو تأثير بعض ا لأشياء ولو في بعض ا لحالات ; لعدم خروجـه عن عنوان ا لشيئيّـة في ذلك ا لحا ل ; إذ يصدق أ نّـه نجّسـه شيء ; ألا ترى أ نّـه لو قيل بأ نّـه لايقدر أحد على رفع هذه ا لصخرة ـ مثلاً ـ فمع قدرة بعض ا لأشخاص ولو في بعض ا لأحوال ، تكون ا لقضيّـة كاذبـة ، كما يظهر بمراجعـة ا لعرف ، فلايمكن إثبات ا لإطلاق ا لأحوا لي في ناحيـة ا لمفهوم ، بعد صدق ا لنقيض وتحقّقـه بتنجيس بعض ا لأشياء في بعض ا لحالات ، وعليـه فيمكن أن تكون تلك ا لحا لـة هي حا لـة ورود ا لنجاسـة على ا لماء ، لا ا لعكس .

ويمكن أن يستشكل أيضاً : بأ نّـه لو سُلّم ا لإطلاق ا لأحوا لي في ناحيـة ا لمفهوم ; بمعنى أنّ ا لمناقضـة إنّما هي بين عدم تأثّره بشيء ، وبين تأثّره بشيء في جميع ا لأحوال لا بعضها ، ولكن لانسلّم تماميّـة مقدّماتـه ، ا لتي من جملتها أن يكون ا لمولى في مقام بيان جميع ما لـه دَخْل في ا لحكم ، فإنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد من تلك ا لأخبار ا لمستفيضـة ، إنّما هو بيان اعتصام ا لماء إذا بلغ حدّ ا لكُرّ وعدم انفعا لـه ، فالإطلاق ا لحا لي ثابت في ناحيـة ا لمنطوق فقط ، دون ا لمفهوم ; لعدم كون ا لمولى في مقام بيان انفعا ل ا لماء ا لقليل ا لمستفاد من ا لمفهوم ; حتّى يتحقّق


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 57 .
2 ـ ا لطهارة ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره)  4 : 21 .

(الصفحة 203)

ا لإطلاق با لنسبـة إ لى ا لأحوال .

وما ذكره ا لشيخ (قدس سره) من ثبوت ا لعموم ا لأفرادي في ا لمفهوم با لنسبـة إ لى جميع أنواع ا لنجاسات ; لأنّ ا لمستفاد من ا لروايـة : أنّ ا لبلوغ إ لى مقدار ا لكُرّ علّـة منحصرة لعدم تنجّسـه بكلّ واحد واحد من أنواع ا لنجاسات ، فبارتفاعـه يرتفع ا لمعلول في جميعها ، فلايلزم ثبوت ا لإطلاق ا لأحوا لي فيـه(1) .

أيضاً مخدوش ; لأ نّـه ـ مضافاً إ لى عدم صحّتـه ; لأنّ ا لعلّيّـة ا لمنحصرة إنّما تستفاد من ا لتعليق ، وا لمفروض أ نّـه لايكون متعدّداً ; لأنّ ا لمعلَّق متعدّد ، لا أنّ ا لتعليق كذلك ـ لايجيء في ا لإطلاق ا لأحوا لي بعد عدم انحلالـه إ لى خصوصيّات ا لأحوال ، كما في ا لأنواع ـ لو سُلّم فيها ـ .

وبا لجملـة : فا لتمسّك با لمفهوم في غايـة ا لإشكا ل ، كما عرفت .

فا للازم ا لاستدلال بالأخبار ا لواردة في ا لموارد ا لجزئيّـة با لتقريب ا لمتقدّم(2) ، ا لذي يرجع إ لى إ لغاء ا لخصوصيّات وا لكيفيّات ا لحاصلـة للملاقاة بنظر ا لعرف ، فإنّـه يفهم منها : أنّ ا لمؤثّر في ا لانفعا ل إنّما هي نفس ا لملاقاة ; من دون مدخليّـة أمر زائد عليها .

الاستدلال ببعض القواعد لطهارة الغسالة

ثمّ إنّـه قد يُتمسّك للقول بطهارة ا لغُسا لـة ببعض ا لقواعد :

منها :أ نّـه يشترط في ا لمطهِّر أن يكون طاهراً ; لأنّ فاقد ا لشيء لايعقل أن يكون معطياً لـه ، وحينئذ فلو قلنا بنجاسـة ا لماء بمجرّد ملاقاتـه مع ا لمحلّ


1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 318 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 199 .

(الصفحة 204)

ا لنجس ، فكيف يمكن أن يكون مطهّراً لـه(1) ؟ !

وفيـه :أنّ ا لمراد باعتبار طهارة ا لمطهّر إن كان هو اعتبار طهارتـه ولو بعد ا لفراغ عن ا لتطهير ، فهو أوّل ا لكلام ; لأ نّـه مورد ا لنزاع في ا لمقام .

وإن كان ا لمراد اعتبار طهارتـه قبل استعما لـه للتطهير ، فنحن لاننكره ، ولكن لايثبت بـه ا لمدّعى .

ومنها :أ نّـه لا إشكا ل في أنّ ا لمتنجّس منجِّس ، فلايمكن أن يكون مطهِّراً(2) ; لاستحا لـة أن يكون ا لشيء علّـة لشيء ولضدّه أو نقيضـه أيضاً ، وحينئذ فلو قلنا بنجاسـة ا لماء بمجرّد ملاقاتـه مع ا لخبث ، فا للازم سرايـة ا لنجاسـة منـه إ لى ا لمحلّ ; لكونـه نجساً ، وا لنجس منجِّس ، فكيف يمكن أن يكون مع ذلك مطهِّراً للمحلّ ؟ !

وفيـه :أنّ ا لأمر هنا دائر بين ا لتخصيصين :

إمّا ا لتخصيص في أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل ; بإخراج هذا ا لماء عن تحتها ، كما تقولون بـه .

وإمّا ا لتخصيص في قاعدة «أنّ ا لمتنجّس منجِّس» ; لأ نّـه إمّا أن يقا ل بطهارة ا لماء ا لوارد على ا لنجس ا لملاقي لـه ، فيلزم ا لتخصيص في أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل ، وإمّا أن يقا ل بنجاستـه فيلزم ا لتخصيص في ا لقاعدة ، وا لأوّل ليس بأولى من ا لثاني لو لم نقُلْ بأولويّتـه منـه ; لأنّ ا لتخصيص ا لثاني لايعدّ تخصيصاً بنظر ا لعقلاء ، فإنّـه لايتوهّم أحد سرايـة ا لنجاسـة وتأثّرها من ا لماء ا لمتأثّر با لمحلّ ا لنجس إ ليـه ، فخروج مثل هذا ا لقسم إنّما هو على نحو ا لتخصّص ، كما لايخفى .


1 ـ ا لناصريات ، ضمن ا لجوامع ا لفقهيّـة : 215 / ا لسطر 12 ، جامع ا لمقاصد 1 : 128 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 326 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 313 .
2 ـ اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 326 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 313 .

(الصفحة 205)

ومنها :أنّ ا لماء ا لواحد لـه حكـم واحد إجماعاً(1) ، ومـن ا لمعلوم أ نّـه لا  إشكا ل في طهارة ا لأجزاء ا لباقيـة من ا لماء في ا لثوب بعد عصره بما هو ا لمتعارف ، وحينئذ فلو قلنا بنجاسـة ا لأجزاء ا لخارجـة عنـه با لعصر ، يلزم اختلاف حكم ا لماء ا لواحد ، وا لمفروض انعقاد ا لإجماع على خلافـه .

وهكذا لا إشكا ل في طهارة ا لقطرات ا لباقيـة على ا لبدن بعد ا لتطهير ، كما هو ا لمسلّم عند ا لمتشرّعـة ، وحينئذ فلو قلنا بنجاسـة ا لماء ا لمنفصل عنـه ، يلزم أيضاً ما ذكر من اختلاف حكم ا لماء ا لواحد .

وفيـه :أ نّا نمنع ا لوحدة با لنسبـة إ لى ا لأجزاء ا لباقيـة في ا لثوب وا لأجزاء ا لخارجـة عنـه با لعصر ، فإنّ هذه ا لأجزاء تكون أجزاء ا لثوب واسطـة بينها ، وا لأجزاء ا لمنفصلـة إنّما تجتمع با لعصر ، لا أ نّها مجتمعـة ولو قبلـه ، وحينئذ فثبوت ا لطهارة با لنسبـة إ لى ا لأجزاء ا لباقيـة ، لايستلزم ثبوتها با لنسبـة إ لى ا لأجزاء ا لمنفصلـة ، بعد عدم اجتماعهما قبل ا لعصر ، فضلاً عنـه بعده . هذا با لنسبـة إ لى ا لثوب .

وأ مّا ا لقطرات ا لباقيـة على ا لبدن ، فلاريب في أ نّها زائدة على ما يتحقّق بـه مسمّى ا لغسل ، فإنّ ا لتطهير بمسمّى ا لغسل ممّا لايتّفق عادة أصلاً ، بل إنّما تكون ا لغسلات زائدة غا لباً على ما يتحقّق بـه مسمّاها ، وحينئذ فطهارتها إنّما هي لعدم كونها ملاقيـة للنجس ولا للمتنجّس ; لفرض طهارة ا لمحلّ بمجرّد تحقّق ا لمسمّى ، وكون بناء ا لمتشرّعـة على عدم ا لتجنّب عن ا لأجزاء ا لباقيـة إنّما هو لذلك .

وبا لجملـة:فهذه ا لقواعد لاتنهض للتخصيص با لنسبـة إ لى أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل ، فا لواجب ا لأخذ بإطلاقها ا لشامل لماء ا لغُسا لـة .


1 ـ جواهر ا لكلام 1 : 345 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 321 ، اُنظر مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 233 .

(الصفحة 206)


الاستدلال لنجاسة الغسالة بالروايات الواردة في غسالة الحمّام

بل نقول : إنّ ا لمستفاد من بعض ا لروايات ا لواردة في غُسا لـة ا لحمّام : أنّ نجاسـة ا لغسا لـة كانت أمراً مرتكزاً في أذهان ا لناس ، مفروغاً عنـه بين ا لمتكلّم وا لمخاطب :

مثل روايـة حمزة بن أحمد ، عن أبي ا لحسن ا لأوّل (عليه السلام)  ، قا ل : سأ لتـه أو سأ لـه غيري عن ا لحمّام قا ل : ادخلـه بمئزر ، وغضّ بصرك ، ولاتغتسل من ا لبئر ا لتي تجتمع فيها ماء ا لحمّام ، فإنّـه يسيل فيها ما يغتسل بـه ا لجنب وولد ا لزنا وا لناصب لنا أهل ا لبيت ، وهو شرّهم»(1) .

وموثّقـة عبدالله بن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قا ل : «وإيّاك أن تغتسل من غُسا لـة ا لحمّام ، ففيها تجتمع غُسا لـة ا ليهودي وا لنصراني وا لمجوسي وا لناصب لنا أهل ا لبيت ، وهو شرّهم ، فإنّ الله تبارك وتعا لى لم يخلق خلقاً أنجس من ا لكلب ، وإنّ ا لناصب لنا أهل ا لبيت لأنجس منـه» ا لحديث(2) .

فإنّ ا لظاهر ، بل ا لمصرّح بـه ـ كما في ا لروايـة ا لثانيـة ـ أنّ ا لنهي عن ا لاغتسا ل من غُسا لـة ا لحمّام إنّما هو لاجتماع غُسا لـة ا ليهودي ونظائره فيها ، فلو لم تكن غُسا لـة ا لنجس نجسـة لم يكن وجـه للتعليل بنجاستهم ، فهذا ا لتعليل يدلّ على أنّ نجاسـة ا لغسا لـة كانت معهودة عند ا لمخاطب ، وا لدليل عليـه اكتفاؤه (عليه السلام) بمجرّد اجتماع غُسا لـة ا لنجس فيها .


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 373 / 1143 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 218 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 11 ، ا لحديث 1 .
2 ـ علل ا لشرائع : 292 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 220 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 11 ، ا لحديث 5 .

(الصفحة 207)

وا لإشكا ل في الاستدلال با لروايـة : بأنّ موردها هي غُسا لـة نجس ا لعين ا لخارجـة عن مورد ا لنزاع ; لأ نّـه إنّما هو في ا لماء ا لمستعمل في ا لتطهير ا لمنفصل عن ا لمحلّ ا لنجس(1) .

يدفعـه : أنّ مناط ا لاستدلال إنّما هو ا لتعليل ا لوارد فيها ، ا لدالّ على أنّ ا لوجـه في ا لنهي ، إنّما هو اجتماع غُسا لـة ا لنجس فيها ، ومن ا لمعلوم صدق ا لنجس في مورد ا لنزاع ; من دون فرق بين ا لغسلـة ا لمزيلـة وا لمطهّرة ; لأنّ ا لمراد با لنجس في لسان ا لأخبار هو مايجب ا لتحرّز والاجتناب عنـه ، لا خصوص ا لأعيان ا لنجسـة وإطلاق ا لمتنجّس على غيرها اصطلاح من ا لفقهاء ، كما لايخفى .

الاستدلال للمقام بروايات اُخر

ثمّ إنّ هنا بعض ا لروايات ا لاُخر ا لتي يمكن الاستدلال بها للمقام :

مثل روايـة عمّار ا لساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : سئل عن ا لكوز وا لإناء يكون قذراً ، كيف يغسل ؟ وكم مرّة يغسل ؟ قا ل : «يغسل ثلاث مرّات ; يصبّ فيـه ا لماء ، فيحرّك فيـه ، ثمّ يفرغ منـه ، ثمّ يصبّ فيـه ماء آخر ، فيحرّك فيـه ، ثمّ يفرغ ذلك ا لماء ، ثمّ يصبّ فيـه ماء آخر ، فيحرّك فيـه ، ثمّ يفرغ منـه ، وقد طهر» ا لحديث(2) .

فإنّ ظاهرها أنّ ا لطهارة متفرّعـة على إفراغ ا لماء ا لثا لث منـه ، فلو كانت غُسا لـة ا لنجس طاهرة ، لما احتاج في حصول ا لطهارة إ لى إفراغـه بل تحصل ا لطهارة للكوز وا لإناء بمجرّد صبّ ا لماء ا لثا لث فيهما وتحريكـه .


1 ـ جواهر ا لكلام 1 : 348 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 332 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 284 / 832 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 496 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 53 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 208)

ومثل ما رواه سماعـة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «إذا أصاب ا لرجل جنابـة فأراد ا لغسل ، فليفرغ على كفّيـه وليغسلهما دون ا لمرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائـه ، ثمّ يغسل فرجـه ، ثمّ ليصبّ على رأسـه ثلاث مرّات ملء كفّيـه ، ثمّ يضرب بكفٍّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيـه ، ثمّ يفيض ا لماء على جسده كلّـه ، فما انتضح من مائـه في إنائـه بعدما صنع ما وصفت ، فلابأس»(1) .

فإنّ ظاهره أنّ ا لانتفاع لو كان قبل صنعـه ما وصفـه (عليه السلام)  ، فبا لماء ا لموجود في ا لإناء بأس ، ومن ا لمعلوم أنّ صبّ ا لماء على ا لرأس وضربـه على ا لصدر وا لكتفين ، لا مدخليّـة لها في رفع ا لبأس عن ا لماء ، بل ا لمؤثّر إنّما هو غسل ا لفرج ; بمعنى أنّ ا لانتضاح لو كان بعد غسلـه فلايوجب نجاسـة ا لماء ، بخلاف ما لو كان في حا ل غسلـه وهذا ظاهر في نجاستـه في هذه ا لصورة ; لأ نّها ا لمراد با لبأس في أمثا ل ا لمقام ، كما هو واضح .

ومثل روايـة ا لعِيص بن ا لقاسم ، ا لتي رواها ا لشهيد في محكيّ «ا لذكرى»(2)  وا لمحقّق في «ا لمعتبر»(3) ، قا ل : سأ لتـه عن رجل أصابتـه قطرة من طشت فيـه وضوء ؟ فقا ل : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابـه»(4) .

فإنّ مقتضى إطلاقها ، عدم ا لفرق بين أن يكون في ا لطشت عين ا لبول وا لقذر ، وبين أن لايكون .

مضافاً إ لى أنّ إطلاق ا لبول ، يقتضي أن لايكون هناك فرق بين ما إذا كانت


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 132 / 364 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 231 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لجنابـة ، ا لباب 26 ، ا لحديث 8 .
2 ـ ذكرى ا لشيعـة 1 : 84 ، جواهر ا لكلام 1 : 341 .
3 ـ ا لمعتبر 1 : 90 .
4 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 215 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 9 ، ا لحديث 14 .

(الصفحة 209)

عينـه موجودة في ا لمحلّ ، وبين ما إذا لم تكن با لفعل موجودة ، ولكن كانت نجاستـه مستندة إ ليـه .

وا لطعن في ا لسند من جهـة ا لإرسا ل(1) ، مندفع : بأنّ ا لشيخ (قدس سره) رواها في محكيّ «ا لخلاف» مع نسبـة ا لروايـة إ لى ا لعيص بقولـه : «روى ا لعيص»(2) ، وهذا ظاهر في وجدان ا لروايـة في كتابـه ، وطريق ا لشيخ إ ليـه حسن ، بل صحيح ، كما يظهر من «ا لفهرست»(3) ، فا لروايـة تامّـة من حيث ا لدلالـة ، خا ليـة عن ا لضعف وا لإرسا ل وغيرهما من علل ا لحديث .

فانقدح من جميع ما ذكرنا : أنّ ا لأقوى هو ا لقول بنجاسـة ا لغُسا لـة مطلقاً ; من دون فرق بين ا لغسلـة ا لمزيلـة وا لمطهّرة أصلاً ، كما ظهر لك ممّا عرفت .

الاستدلال على طهارة الغسالة بأخبار ماء الاستنجاء

ثمّ إنّـه قـد يستدلّ(4)  على ا لقول با لطهـارة  بالأخبار ا لواردة فـي طهـارة ماء ا لاستنجاء(5) ; بتقريب : أ نّـه لا خصوصيّـة لـه بنظر ا لعرف ، فلا فرق عندهم بين أن يكـون ا لماء مستعمـلاً في غسـل محلّ ا لنجو ، وبين أن يكـون مستعمـلاً في تطهير غيره ، بل ا لثاني أولى من حيث عدم عروض ا لنجاسـة لـه من ماء ا لاستنجاء .

وأنت خبير : بأ نّـه لايجوز إ لغاء ا لخصوصيّـة بعد ملاحظـة أنّ ا لشارع وسّع


1 ـ ا لمعتبر 1 : 90 ، ذكرى ا لشيعـة 1 : 84 ، جواهر ا لكلام 1 : 347 .
2 ـ ا لخلاف 1 : 179 .
3 ـ ا لفهرست : 121 / 536 .
4 ـ جواهر ا لكلام 1 : 345 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 317 .
5 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 221 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 .

(الصفحة 210)

في ا لاستنجاء ; حتّى جوّزه بالأحجار وبغيرها ، فيمكن أن تكون طهارة مائـه أيضاً حكماً مختصّاً بـه ، فلايجوز قياس ا لغير بـه .

وأيضاً فلا إشكا ل في أنّ ا لثوب إذا تنجّس با لبول يجب صبّ ا لماء عليـه مرّتين ، كما هو ا لمشهور ، بل كاد أن يكون إجماعيّاً ، مع أ نّـه أفتى بعض ا لمحقّقين من ا لفقهاء كا لمحقّق (قدس سره) بأ نّـه يكفي في غسل محلّ ا لبول إذا خرج منـه ، صبُّ مِثْلَي ما على ا لحشفـة مرّة واحدة(1) ، فمن هذا ونظائره يحصل ا لاطمئنان بأنّ غا لب أحكامهما إنّما هو للتوسعـة ; لكثرة ا لابتلاء بهما ، ومعـه لا مجا ل لإلغاء ا لخصوصيّـة .

نعم قد يتمسّك با لتعليل ا لوارد في بعض أخبار ماء ا لاستنجاء(2) ، وهو ما رواه ا لصدوق في «ا لعلل» عن أبيـه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن ا لحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن يونس بن عبدا لرحمن ، عن رجل عن ا لعيزار عن ا لأحول ، أ نّـه قا ل لأبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : ا لرجل يستنجي ، فيقع ثوبـه في ا لماء ا لذي استنجى بـه ؟ فقا ل : «لابأس» ، فسكت .

فقا ل :«أوتدري لمَ صار لابأس بـه ؟» قا ل : قلت : لا والله . فقا ل : «إنّ ا لماء أكثر من ا لقذر»(3) .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى جها لـة بعض رواتـه  ـ أنّ ا لأخذ بعموم ا لتعليل ، ا لظاهر في أ نّـه كلّما كان ا لماء أكثر من ا لقذر فهو طاهر ، ممّا لم يقل بـه أحد ; حتّى ا لعماني


1 ـ ا لمعتبر 1 : 126 ـ 127 .
2 ـ جواهر ا لكلام 1 : 345 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 329 ـ 330 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 317 .
3 ـ علل ا لشرائع : 287 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 222 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 211)

فإنّ ا لظاهر أ نّـه يقول با لطهارة في خصوص ما إذا كان ا لماء ـ ا لذي هو أكثر من ا لقذر ـ باقياً على حقيقتـه ، لا منقلباً عنها إ لى حقيقـة اُخرى(1) ، وحينئذ فيدور ا لأمر بين رفع ا ليد عن ا لعموم وا لأخذ بقول ا لعمّاني ، وبين تخصيصـه بمطلق ماء ا لغُسا لـة ، وبين ا لتخصيص بخصوص ماء ا لاستنجاء ، وا لأوّل لايقول بـه ا لمستدلّ ، ولا ترجيح للثاني على ا لثا لث ، كما هو واضح .

وقد يتمسّك(2)  أيضاً بروايـة محمّد بن ا لنعمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : قلت لـه : أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيـه وأنا جنب ؟ فقا ل : «لابأس بـه»(3) .

بتقريب : أنّ ا لمراد بقوله : «وأنا جنب» هو وجود شيء من ا لمنيّ على ا لفرج ا لمغسول في حا ل ا لاستنجاء ، فيكون ا لماء ا لواقع فيـه ا لثوب غُسا لـة للجنابـة أيضاً ، مع أ نّـه قد حكم ا لإمام (عليه السلام) بنفي ا لبأس ا لذي مرجعـه إ لى طهارة ا لماء .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى أنّ ظاهر عبارة ا لسؤال ، أنّ ا لجنابـة إنّما هي في حا ل وقوع ا لثوب في ا لماء ، وهو متأخّر عن ا لاستنجاء كما يظهر من ا لتعبير بكلمـة «ثمّ» ، وحينئذ فيكون مضمون ا لسؤال مشوّشاً ، ولايجوز ا لاستناد إ ليـه ـ أ نّـه ولو سلّمنا أنّ ا لمراد هو ا لاستنجاء في حا لـة ا لجنابـة ، لكن لا دليل على كونها كنايـة عن وجود شيء من ا لمنيّ على ا لفرج ; إذ لا ملازمـة بينها وبينـه ; لإمكان طهارة بدن ا لجنب ، وحينئذ فا لتقييد بـه في ا لسؤال ، لعلّـه لأ نّـه يحتمل ا لسائل أن تكون ا لجنابـة موجبـة لرفع ما كان معلوماً عنده ; من طهارة ماء ا لاستنجاء ; لاحتما لـه أن يكون ذلك مختصّاً بما إذا لم يكن ا لمستنجي جُنُباً .


1 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 13 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 :320 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 235 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 86 / 227 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 221 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 4 .

(الصفحة 212)

وقد يُتمسّك(1)  أيضاً بمرسلـة ا لواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي ا لحسن ا لماضي (عليه السلام)  ، قا ل : سئل عن مجتمع ا لماء في ا لحمّام من غُسا لـة ا لناس يُصيبُ ا لثوب ؟ قا ل : «لابأس»(2) .

بتقريب : أ نّ غُسا لـة ا لحمّام لاتنفكّ غا لباً عن ا لماء ا لمستعمل في إزا لـة ا لنجاسـة .

وفيـه :ـ مضافاً إ لى ا لإرسا ل ـ أنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد با لناس هو ا لعامّـة ، فغرض ا لسائل أنّ غُسا لـة ا لعامّـة ـ من حيث إنّهم كذلك ـ هل تكون نجسـة أم لا ؟ فا لجواب بنفي ا لبأس عنـه لايرتبط با لمقام بوجـه .

وقد يتمسّك (3)  أيضاً ببعض ا لروايات ا لاُخر ، مثل روايـة محمّد بن مسلم ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لثوب يصيبـه ا لبول ؟ قا ل : «اغسلـه في ا لمركن مرّتين ، فإنْ غسلتـه في ماء جار فمرّة واحدة»(4) .

ومثل ا لروايات ا لواردة في كيفيّـة غسل ا لفراش ونحوه ; ممّا فيـه ا لحشو إذا أصابـه ا لبول ـ وقد جمعها في ا لوسائل في ا لباب ا لخامس من أبواب ا لنجاسات(5) ، فراجع .

ولكن لا دلالـة ـ بل ولا إشعار ـ في شيء منها على طهارة ا لغُسا لـة ، مضافاً


1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 317 .
2 ـ ا لكافي 3 : 15 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 10 / 17 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 379 / 1176 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 213 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 9 ، ا لحديث 9 .
3 ـ جواهر ا لكلام 1 : 345 ـ 346 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 331 .
4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 250 / 717 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 397 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 2 ، ا لحديث 1 .
5 ـ وسائل ا لشيعـة 3 : 400 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 5 .

(الصفحة 213)

إ لى ما في بعضها من ضعف ا لسند ، وقد عرفت أ نّـه لا دلالـة في شيء من ا لأخبار ا لمتقدّمـة أيضاً ، فلا محيص عن ا لقول با لنجاسـة ، كما هو ا لمرتكز في أذهان ا لرواة وا لسائلين ; من دون فرق بين ا لغسلتين أصلاً .

نعم قد يتمسّك(1)  أيضاً على طهارة ا لغُسا لـة : تارة بلزوم ا لحرج وا لعسر ا لشديد على تقدير كونها محكومـة با لنجاسـة ، وأدلّـة نفي ا لحرج ترفعها .

واُخرى بعدم تعرّض ا لقدماء من ا لأصحاب ـ رضوان الله تعا لى عليهم أجمعين ـ لمسأ لـة ا لغُسا لـة(2) ، مع كونها من ا لمسائل ا لتي تعمّ بها ا لبلوى ، فمن ذلك يستكشف عدم كونها محكومـة با لنجاسـة ، وإلاّ لكان ا لواجب ا لتعرّض لها مع شدّة ا لابتلاء بها ، كما لايخفى .

ويرد على ا لأوّل : ـ مضافاً إ لى منع ا لصغرى ، فإنّـه لايلزم حرج أصلاً ، كيف وا لمشهور بين ا لفقهاء هو ا لقول با لنجاسـة(3) ـ أ نّـه لو سلّمنا لزوم ا لحرج وا لعسر فا للازم ا لاقتصار على خصوص مورد لزومـه ، فكلّ من كان ا لاجتناب عن ا لغُسا لـة حرجيّاً عليـه ، لابأس لـه بترك ا لاجتناب ، كما في سائر ا لنجاسات ، فلايختصّ با لغُسا لـة ، وا لحرج ا لنوعي لا دليل على نفيـه أصلاً .

وأ مّا عدم تعرّض ا لأصحاب ، فمضافاً إ لى أ نّـه لايصير حجّـة على ا لطهارة ; لعدم تعرّضهم لكثير من ا لمسائل مع كونها ممّا يعمّ بـه ا لبلوى ، أ نّا نمنع عدم ا لتعرّض ، فإنّ ا لمقام من فروع مسأ لـة ا لماء ا لقليل ، ا لذي حكموا فيـه با لنجاسـة ، فاكتُفي بها عن ذكر خصوصيّات ا لمصاديق ، كما هو واضح .


1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 321 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 325 .
3 ـ جامع ا لمقاصد 1 : 128 ، روض ا لجنان : 158 / ا لسطر 19 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 90 / ا لسطر 4 ، جواهر ا لكلام 1 : 337 .

(الصفحة 214)


حول التفصيل بين الماء الوارد والمورود

ثمّ إنّـه لو قلنا بطهارة ا لغُسا لـة ـ على خلاف ا لتحقيق ـ فهل تكون هذه مختصّـة با لماء ا لوارد على ا لنجاسـة ا لمستعمل في ا لتطهير ، أو يعمّ كلّ ما استعمل في ا لتطهير ; سواء كان ا لماء وارداً على ا لنجاسـة ، أم لم يكن ؟

ا لحقّ أن يقا ل : إنّـه لو كان مستند ا لقول با لطهارة ، هو قصور أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل عمّا إذا كان ا لماء وارداً على ا لنجاسـة مطلقاً ، أو عن خصوص ا لماء ا لوارد ا لمستعمل في ا لتطهير ، فا لواجب ا لتفصيل بين ا لماء ا لوارد وا لمورود ، وا لقول باختصاص ا لطهارة بالأوّل ، وعدم ا لشمول للثاني وإن كان مستعملاً في ا لتطهير ، وإن كان ا لمستند في ذلك هي ا لقواعد ا لثلاثـة ا لمتقدّمـة(1) ، فا لواجب تعميم ا لحكم ; لعدم اختصاص مقتضاها بخصوص ا لماء ا لوارد ا لمستعمل في ا لتطهير ، بل يعمّ جميع ا لمياه ا لمستعملـة في ا لتطهير ولو لم تكن واردة على ا لنجاسـة ، كما أ نّـه لو كان ا لمستند في ا لطهارة هي ا لأخبار ا لخاصّـة ا لواردة في ا لموارد ا لجزئيّـة ـ ا لتي عرفتها وا لخدشـة في ا لاستدلال بها(2) ـ فا لتعميم أو ا لتخصيص يدور مدار ملاحظـة كلّ واحد منها .

وحيث إنّ ا لأقوى عندنا هو ا لقول با لنجاسـة ـ كما عرفت(3) ـ فلا طائل لنا في ا لنظر إ لى كلّ واحد منها حتّى يظهر حا لـه ; من حيث ا لتعميم أو ا لتخصيص ، بعد ما عرفت من عدم دلالـة شيء منها على ا لقول با لطهارة بوجـه .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 203 ـ 205  .
2 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 209 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 206 .

(الصفحة 215)


في حكم ملاقي الغُسالة

ثمّ إنّـه بناءً على ا لقول بنجاسـة ا لغُسا لـة ـ كما هو مقتضى ا لتحقيق ـ وقلنا بنجاسـة ما يلاقي ملاقي ا لنجس ـ كما سيأتي تحقيقـه في باب ا لنجاسات(1) ـ فهل يعتبر في غسل ملاقيها ، ما يُعتبر في غسل ا لمحلّ ا لمنفصل عنـه هذه ا لغسا لـة من ا لوحدة أو ا لاثنين أو أزيد ،؟ مثلاً : لو كانت ا لغُسا لـة غُسا لـة للبول ، وقلنا باعتبار ا لتعدّد فيـه ، فهل يعتبر في غسل ملاقيها ـ أي ا لغُسا لـة ـ ا لتعدّد بلا فرق بين ا لغسلـة ا لاُولى وا لثانيـة ، أم لايعتبر فيـه ذلك ، أم يقا ل با لتفصيل بين ما لو كانت ا لغُسا لـة للغسلـة ا لاُولى ، وبين ما لو كانت للثانيـة باعتبار ا لتعدّد في ا لاُولى دون ا لثانيـة ؟ وجوه .

لايخفى أ نّـه ليس في ا لأدلّـة ما يمكن أن يستفاد منـه حكم ملاقي ا لغسا لـة ; من حيث اعتبار ا لتعدّد في غسلها وعدمـه ، وا لاعتبار وإن كان ربما يساعد على ا لتفصيل ; لعدم مزيد حكم ا لفرع على ا لأصل ، فا لغُسا لـة للغسلـة ا لاُولى لايزيد حكمها على ا لنجاسـة ا لموجودة في ا لمحلّ قبل ا لغسلتين ، وللغسلـة ا لثانيـة لايزيد حكمها على ا لمحلّ ، ا لذي لايحتاج إلاّ إ لى غسلـة واحدة في تلك ا لحا ل ، إلاّ أ نّـه لايمكن إثبات ا لحكم ا لشرعي بمقتضى ا لعقل وا لاعتبار ; لأنّ هذا هو ا لقياس ا لذي تجتنب ا لإماميّـة عنـه ، فا لواجب ا لغسل إ لى أن يقوم ا لإجماع على عدم اعتبار أزيد منـه .

نعم يمكن أن يُستفاد من روايـة ا لعيص بن ا لقاسم ا لمتقدّمـة ـ ا لدالّـة على


1 ـ ا لطهارة ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره) 4 : 9 .

(الصفحة 216)

وجوب غسل ا لثوب إذا أصابتـه قطرة من طشت كان من بول أو قذر(1) ـ عدم اعتبار ا لتعدّد وا لاكتفاء با لغسل ا لواحد ; بتقريب أن يقا ل : إنّ ا لظاهر من ا لجواب ـ ا لمشتمل على وجوب ا لغسل من دون ا لتعرّض لكيفيّتـه ـ اعتبارُ ما يصدق عليـه ا لغَسْل بنظر ا لعرف ، وإلاّ فلو كان لغسلـه كيفيّـة مخصوصـة ، كا لبول وولوغ ا لكلب ونظائرهما ، لكان ا للازم ا لبيان كما هناك .

ودعوى : عدم كونـه في مقام ا لبيان من هذه ا لجهـة ، بل من جهـة أصل ا لنجاسـة أو ا لطهارة ، عاريةٌ عن ا لشاهد ، كما ترى ، فإنّـه أيُّ فرق بين ا لسؤال في هذه ا لروايـة ، وبين ا لسؤال في روايات ا لبول(2)  ونظائره(3) ؟ ! حيث أجاب فيها ا لإمام (عليه السلام) بنحو يزيل ا لشكّ عن كيفيّـة ا لتطهير ، ولم يجب هنا ، وليس ذلك إلاّ لاعتبار كيفيّـة مخصوصـة وطريق خاصّ في تطهير ا لبول ونظائره ، دون ا لغُسا لـة ، وهذا يجري في كلّ مقام اكتُفي في ا لجواب بالأمر با لغسل ; من دون بيان كيفيّتـه .

ولكنّـه لايخفى أنّ هذا ا لظهور ، ليس بحيث يصير مانعاً عن جريان استصحاب ا لنجاسـة إ لى أن يعلم ا لمزيل ، خصوصاً بعدما عرفت من ا لطعن في سنده ; وإن استظهرنا سابقاً : أنّ نسبـة ا لروايـة إ لى ا لعيص تدلّ على وجدانها في كتابـه ، مع كون طريق ا لشيخ إ ليـه صحيحاً ، كما يظهر من «ا لفهرست»(4) ، ولكن لايبقى وثوق واطمئنان ، فا لظاهر وجوب ا لغسل إ لى أن يعلم ا لمزيل .


1 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 208 .
2 ـ وسائل ا لشيعـة 3 : 395 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 1 و 2 و 3 و 4 و 5 .
3 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 3 : 415 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 12 ، ا لحديث2 ، و : 496 ، ا لباب 53 ، ا لحديث 1 .
4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 209 .

(الصفحة 217)


تنبيه

في استعمال الغسالة في رفع الحدث والخبث

لو قلنا بطهارة ا لغسا لـة فهل يجوز استعما لها في رفع ا لحدث وا لخبث ، أو في رفع ا لثاني دون ا لأوّل ، أو لايجوز استعما لها في رفع شيء منهما ؟ وجوه .

لايخفى أنّ مقتضى ا لقاعدة جواز استعما لها في رفعهما ، بعد أ نّـه لايعتبر في رفع ا لحدث إلاّ كون ا لرافع ماءً ، وفي رفع ا لخبث إلاّ ا لغسل با لماء ، ومن ا لمعلوم عدم خروجها عن عنوان ا لمائيّـة ، ودعوى ا لانصراف ممنوعـة .

حول ما يدلّ على التفصيل بين الحدث والخبث

نعم مقتضى بعض ا لروايات ا لتفصيل ، وهو ما رواه ا لشيخ بالإسناد عن سعد ، عن ا لحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن ا لحسن بن محبوب ، عن عبدالله ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل :

«لابأس بأن يتوضّأ با لماء ا لمستعمل . فقا ل : ا لماء ا لذي يغسل بـه ا لثوب أو يغتسل بـه ا لرجل من ا لجنابـة ، لايجوز أن يتوضّأ منـه وأشباهـه ، وأ مّا ا لذي يتوضّأ ا لرجل بـه ، فيغسل بـه وجهـه ويده في شيء نظيف ، فلابأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ بـه»(1) .


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 221 / 630 ، الاستبصار 1 : 27 / 71 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 215 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 9 ، ا لحديث 13 .

(الصفحة 218)


كلام حول أحمد بن هلال

وفي ا لسند أحمد بن هلال ـ كما عرفت ـ وهو مرميّ با لغُلوّ(1)  تارة ، وبا لنصب(2)  اُخرى ، وقد ورد فيـه ذموم من ا لناحيـة ا لمقدّسـة(3)  وطعن فيـه كثير من أصحاب ا لرجا ل(4) ، إلاّ أ نّـه ذكر ا لشيخ (قدس سره) في «كتاب ا لطهارة» : أنّ هنا قرائن تكاد تلحق ا لروايـة با لصحاح :

1 ـ منها : أنّ ا لراوي عنـه ا لحسن بن فضّا ل ، وبنو فضّا ل ممّن ورد في شأنهم ـ في ا لحسن كا لصحيح ـ عن ا لعسكري (عليه السلام)  : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»(5)  مع أنّ هذه ا لحسنـة ، ممّا يمكن أن يستدلّ بها على جواز ا لعمل بروايات مثل ابن هلال ; ممّا روى حا ل ا لاستقامـة ، ولذا استدلّ بها ا لشيخ ا لجليل أبو ا لقاسم بن روح (قدس سره) حيث أفتى أصحابـه بجواز ا لعمل بكتب ا لشلمغاني ، فقا ل بعد ا لسؤال عن كتبـه : أقول فيها ما قا لـه ا لعسكري (عليه السلام) ـ لمّا سئل عن كتب بني فضّا ل ـ : «خذوا ما رووا . . .»(6)  إ لى آخره .


1 ـ رجا ل ا لطوسي : 410 / 20 ، ا لفهرست : 36 / 97 ، رجا ل ابن داود : 230 ، رجا ل ا لعلاّمـة ا لحلّي : 202 ، ا لرواشح ا لسماويـة : 109 .
2 ـ كما ل ا لدين : 76 .
3 ـ اختيار معرفـة ا لرجا ل : 535 و 536 .
4 ـ رجا ل ا لنجاشي : 83 / 199 ، اختيار معرفـة ا لرجا ل : 535 و 536 ، رجا ل ا لطوسي : 410 /20 ، رجا ل ابن داود : 230 ، رجا ل ا لعلاّمـة ا لحلّي : 220 ، ا لتحرير ا لطاووسي : 65ـ 66 ، تنقيح ا لمقا ل 1 : 99 و 100 .
5 ـ كتاب ا لغيبـة ، ا لطوسي : 390 / 355 ، وسائل ا لشيعـة 27 : 142 ، كتاب ا لقضاء ، أبواب صفات ا لقاضي ، ا لباب 11 ، ا لحديث 13 .
6 ـ كتاب ا لغيبـة ، ا لطوسي : 390 / 355 .

(الصفحة 219)

2 ـ ومنها : أنّ ا لراوي عن ابن فضّا ل هنا سعد بن عبدالله ا لأشعري ، وهو ممّن طعن على ابن هلال ; حتّى قا ل : «ما سمعنا بمتشيّع يرجع من تشيّع إ لى ا لنصب إلاّ أحمد بن هلال»(1) ، وهو في شدّة اهتمامـه بترك روايات ا لمخا لفين ; بحيث حُكي عنـه أ نّـه قا ل : «لقي إبراهيم بن عبدا لحميد أبا ا لحسن ا لرضا (عليه السلام)  ، فلم يروِ عنـه ، فتركت روايتـه لأجل ذلك»(2) ، فكيف يجوز أن يسمع من ابن فضّا ل ا لفطحي ما يرويـه عن ابن هلال ا لناصبي ، إلاّ أن تكون ا لروايـة في كتاب معتبر مقطوع ا لانتساب إ لى مصنّفـه ; بحيث لايحتاج إ لى ملاحظـة حا ل ا لواسطـة ، أو محفوفـة بقرائن موجبـة للوثوق بها .

3 ـ ومنها : أنّ ابن هلال روى هذه ا لروايـة عن ابن محبوب ، وا لظاهر قراءتـه عليـه في كتاب ابن محبوب ـ ا لمسمّى با لمشيخـة ـ ا لذي هو أحد ا لاُصول ا لموصوفـة ـ في أوّل ا لفقـه ـ با لصحّـة واعتماد ا لطائفـة عليها .

وحُكي عن ابن ا لغضائرى ـ ا لطاعن كثيراً فيمن لايطعن فيـه غيره ـ : أنّ ا لأصحاب لم يعتمدوا على روايات ابن هلال إلاّ ما يرويه عن مشيخة ابن محبوب ونوادر ابن أبي عُمير(3) .

وحُكي عن ا لسيّد ا لداماد إ لحاق ما يرويـه ابن هلال عن ا لكتابين با لصحاح(4) .

4 ـ ومنها : اعتماد ا لقمّيّين على ا لروايـة ـ كا لصدوقين وابن ا لوليد وسعيد بن عبدالله ـ وقد عدّوا ذلك من أمارات صحّـة ا لروايـة باصطلاح ا لقدماء .


1 ـ كما ل ا لدين : 76 .
2 ـ رجا ل ا لعلاّمـة ا لحلّي : 197 .
3 ـ رجا ل ا لعلاّمـة ا لحلّي : 220 ، ا لرواشح ا لسماويّـة : 109 .
4 ـ ا لرواشح ا لسماويّـة : 108 ـ 109 .

(الصفحة 220)

فالإنصاف : أنّ ا لوثوق ا لحاصل من تزكيـة ا لراوي ـ خصوصاً من واحد ـ ليس بأزيد ممّا تفيده هذه ا لقرائن ، فا لطعن فيها بضعف ا لسند ـ كما في «ا لمعتبر»(1)  و«ا لمنتهى»(2) ـ مع عدم دورانهم مدار تزكيـة ا لراوي محلّ نظر(3) . انتهى كلامـه رفع مقامـه .

وأنت خبير : بأ نّـه لايفيد هذه ا لقرائن شيئاً بعد عدم تماميّـة قرينيّتها ـ كما يظهر با لتأ مّل فيها ـ ولو كان تمسّكـه في ذلك بما ذكره ا لنجاشي في ترجمتـه : من كون ا لرجل صا لح ا لروايـة(4) ، لكان أولى ، مع أ نّـه لايحصل ا لاطمئنان بمجرّده أيضاً ، خصوصاً مع ملاحظـة ورود ذمائم كثيرة بالإضافـة إ ليـه ، وطعن كثير من علماء ا لرجا ل فيـه .

فالإنصاف : أنّ ا لروايـة مخدوشـة من حيث ا لسند ، ولايجوز ا لاعتماد عليها ، مضافاً إ لى أنّ دلالتها أيضاً لاتخلو عن قصور .

ثمّإنّ ا لاستناد في عدم جواز استعما ل ماء ا لغُسا لـة ـ في رفع ا لحدث وا لخبث ـ إ لى ا لإجماع(5)  غير صحيح ، بعد وضوح أنّ أكثر ا لمجمعين غير قائلين بطهارة ا لغُسا لـة ، بل بنجاستها(6) ، وا لكلام إنّما هو بعد فرض ا لطهارة ، كما هو غير خفيّ .


1 ـ ا لمعتبر 1 : 90 .
2 ـ منتهى ا لمطلب 1 : 23 / ا لسطر 8 .
3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 354 ـ 356 .
4 ـ رجا ل ا لنجاشي : 83 / 199 .
5 ـ ا لمعتبر 1 : 90 ، منتهى ا لمطلب 1 : 24 / ا لسطر 21 .
6 ـ اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 316 .

<<التالي الفهرس السابق>>