في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 421)

منـه حكايـة لوضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعرّضهم لهذه ا لخصوصيّـة ، إنّما هو لكونها ملحوظـة لهم ، وكان مقصودهم بيانها في مقابل ا لعامّـة ا لمعروفين با لخلاف ، كما أنّ تعرّضهم للخصوصيّات ا لاُخر إنّما هو لغرض إفادة هذه ا لجهـة .

وأنت خبير : بأنّ ا لتمسّك بها إنّما يتمّ لو علم كون هذه ا لخصوصيّـة ملحوظـة لديهم ، وأ مّا مع احتما ل ا لعدم ـ لو لم نقل با لظهور فيـه ; نظراً إ لى أ نّـه لم يقع ا لتعرّض لها في بعض ا لروايات مع اتّحاد ا لراوي(1) ـ فلا ; لأنّ هنا خصوصيّات اُخر يمكن أن يكون ا لملحوظ هي تلك ا لخصوصيّات ، كعدم ا لاحتياج إ لى غسل ا ليدين قبل غسل ا لوجـه ، ولزوم غسل ا ليدين من ا لمرفقين إ لى ا لأصابع وعدم جواز ردّ ا لماء إ لى ا لمرفق ـ كما وقع ا لتصريح بـه في بعضها(2) ـ وأنّ ا لوضوء مرّة


1 ـ عن زرارة قا ل : قا ل أبو جعفر (عليه السلام)  : «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقلنا : بلى ، فدعا بقعب فيـه شيء من ماء ، فوضعـه بين يديـه ، ثمّ حسر عن ذراعيـه ، ثمّ غمس فيـه كفّـه ا ليمنى ، ثمّ قا ل : هكذا ، إذا كانت ا لكفّ طاهرة ، ثمّ غرف مِلأها ماء ، فوضعها على جبينـه ، ثمّ قا ل : بسم الله ، وسدلـه على أطراف لحيتـه ، ثمّ أمرّ يده على وجهـه ، وظاهر جبينـه ، مرّة واحدة ، ثمّ غمس يده ا ليسرى ، فغرف بها مِلأها ، ثمّ وضعـه على مرفقـه ا ليمنى ، فأمرّ كفّـه على ساعده حتّى جرى ا لماء على أطراف أصابعـه ، ثمّ غرف بيمينـه مِلأها ، فوضعـه على مرفقـه ا ليسرى ، فأمرّ كفّـه على ساعده حتّى جرى ا لماء على أطراف أصابعـه ، ومسح مقدّم رأسـه وظهر قدميـه ، ببلّـة يساره ، وبقيّـة بلّـة يمناه .
   قا ل : وقا ل أبو جعفر (عليه السلام)  : إنّ الله وتر ، يحبّ ا لوتر ، فقد يجزيك من ا لوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجـه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّـة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلّـة يمينك ظهر قدمك ا ليمنى ، وتمسح ببلّـة يسارك ظهر قدمك ا ليسرى .
   وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 2 ، وأيضاً راجع ا لأحاديث 3 و 6 و 10 و 11 .
2 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 392 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 11 .

(الصفحة 422)

مرّة لا مرّتين(1) ، وغير ذلك من ا لخصوصيّات ، ا لتي يحتمل قويّاً كونها هي ا لملحوظـة لدى ا لرواة ، ومجرّد كون ا لحكايـة لبيان ا لحكم وتعليم كيفيّـة ا لوضوء ، لا دلالـة فيـه على وجوب مراعاة جميع ا لخصوصيّات ، كما هو واضح .

وما عن(2)  ا لعلاّمـة في «ا لمنتهى»(3)  وا لشهيد في «ا لذكرى»(4) : من أ نّهما ذكرا ـ بعد حكايـة بعض تلك ا لروايات ونقلها ـ ما هذا لفظهما : روي عنـه أ نّـه قا ل بعدما توضّأ : «أنّ هذا وضوء لاتقبل ا لصلاة إلاّ بـه» ، فمضافاً إ لى أ نّها روايـة مرسلـة ، ودلالتها على ا لمدّعى غير ظاهرة ، يرد على ا لاستدلال بذلك : أنّ ا لصدوق (قدس سره) في «ا لفقيـه» إنّما ذكرها هكذا : قا ل ا لصادق (عليه السلام)  : «إنّـه ما كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ مرّة مرّة ، وتوضّأ ا لنبيّ مرّة مرّة فقا ل : هذا وضوء لايقبل الله ا لصلاة إلاّ بـه»(5) ، وحينئذ فا لمشار إ ليـه بكلمـة «هذا» هو ا لوضوء مرّة مرّة ، فلا ربط لهذه ا لعبارة با لمقام .

وأ مّا ا لتمسّك بقاعـدة ا لشغل(6) ، فمضافاً إ لـى أ نّـه لا مجا ل لـه ، بعـد دلالـة إطـلاق ا لآيـة وبعـض ا لـروايات علـى وجـوب غسل ا لوجـه مطلقاً ـ كما عرفت(7) ـ يرد عليـه : أنّ ا لقاعدة تقتضي ا لبراءة ، كما هو كذلك فـي جميع مـوارد


1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 437 ـ 438 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 31 ، ا لحديث 6 و 7 و 10 و 11 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 149 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 171 .
3 ـ منتهى ا لمطلب 1 : 58 / ا لسطر 16 ـ 17 .
4 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 121 .
5 ـ ا لفقيـه 1 : 25 / 76 .
6 ـ اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 2 : 233 ـ 234 ، مستند ا لشيعـة 2 : 96 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2  : 303 .
7 ـ تقدّم في ا لصفحـة 418 ـ 419 .

(الصفحة 423)

ا لأقلّ وا لأكثر ا لارتباطيّين .

وتوهّم : كون ا لمقام من قبيل ا لشكّ في ا لمحصّل(1) ; نظراً إ لى أنّ ا لواجب هو تحصيل ا لطهور ، كما يدلّ عليـه قولـه (عليه السلام)  : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) .

مدفوع : بأنّ ا لظاهر كون ا لطَهور بمعنى ا لوضوء ، وهو عبارة عن نفس ا لغسلتين وا لمسحتين ، لا عنوان حاصل منهما ومتحقّق بهما ، واعتبار بعض ا لأشياء ناقضاً لـه ، ا لدالّ على أ نّـه أمر مستمرّ باق مع عدم ذلك ا لشيء ، لا دلالـة فيـه على أنّ هنا شيئاً يؤثّر أفعا ل ا لوضوء في حصولـه ، فإنّـه لا إشكا ل في اعتبار ا لبقاء لنفس ا لوضوء ، نظير اعتبار بقاء ا لعقد في ا لفضولي ليلحق بـه ا لإجازة أو ا لردّ .

ودعوى : عدم ا لفرق بين ا لمقام وبين غسل ا ليدين ا لذي يجب من ا لمرفق إ لى ا لأصابع ، ولايجزي ا لنكس(3) .

مدفوعـة : بوجود ا لفصل وا لقول بـه من ا لقائلين بعدم اعتبار ذلك في غسل ا لوجـه .

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ ا لأقوى كفايـة ا لغسل من ا لأسفل إ لى الأعلى .

ثمّ إنّـه لو قلنا باعتبار ا لغسل من ا لأعلى إ لى ا لأسفل ، فا لمراد منـه ما يصدق عليـه عرفاً : أ نّـه غسل من أعلى وجهـه إ لى أسفلـه ، وأ مّا اعتبار أن لايغسل ا لجزء ا لسافل إلاّ بعد غسل ما فوقـه حقيقـة ; ممّا في سمتـه ، أو جميع ما فوقـه من ا لأجزاء ، فلا دليل عليـه أصلاً .


1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 173 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 305 .
2 ـ ا لفقيـه 1 : 35 / 129 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 49 / 144 و 209 / 605 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 365 ـ 366 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 1 ، ا لحديث 1 و 6 .
3 ـ مستند ا لشيعـة 2 : 96 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 303 .

(الصفحة 424)

فرعان :

الأوّل: في عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحية

وا لمراد با لمسترسل ما خرج عن حدود ا لوجـه ، وا لوجـه في عدم وجوب غسله واضح ، بعد صراحـة صحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة في انحصار ما يجب غسلـه من ا لوجـه ; بما دارت عليـه ا لإبهام وا لوُسطى من قصاص ا لشعر إ لى ا لذقن(1) .

نعم قد يقال ـ كما عن ا لإسكافي ـ : باستحباب غسل ذلك(2) . ويردّه : أ نّـه لم يدلّ دليل عليـه . وما في بعض ا لأخبار ا لحاكيـة لفعل ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)  : من أ نّـه «غرف ملأ كفّـه ا ليُمنى ماء ، فوضعها على جبهتـه ، ثم قا ل : بسم الله ، وسدّلـه على أطراف لحيتـه ، ثم أمرّ يده على وجهـه وظاهر جبينـه مرّة واحدة»(3) ، لايدلّ على ذلك ; لأنّ جريان ا لماء على أطراف ا للحيـة لاينافي عدم استحباب غسلها .

مضافاً إ لى أنّ مجرّد وضع ا لماء على ا لجبهـة وتسديلـه عليها ، لايوجب غسلها ما لم تمرّ يده عليها ، وا لروايـة تدلّ على أنّ إمرار ا ليد على ا لوجـه ، إنّما هو بعد ا لتسديل ، فهي أجنبيّـة عن ا لمقام .

وكذا لايدلّ على ا لاستحباب ما ورد من ا لروايـة(4)  ا لدالّـة على جواز ا لأخذ من مائها للمسح عند ا لجفاف ; وذلك لأنّ ماءها يمكن أن يعدّ من بقيّـة بلل ا لوجـه لأجل ا لعُلقـة بينهما ، مضافاً إ لى أنّ ا لحكم تعبّديّ .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 415 .
2 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 127 ، جواهر ا لكلام 2 : 155 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 177 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 307 .
3 ـ ا لكافي 3 : 25 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 24 / 74 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 2 .
4 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 407 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 .

(الصفحة 425)


الثاني: في عدم وجوب تخليل اللحية

وا لمراد با لتخليل هو إيصا ل ا لماء في خلال ا للحيـة لغسل ما استتر بها من ا لبشرة وا لشعر ، كما أنّ ا لمراد با لتبطين هو إيصا ل ا لماء إ لى باطن ا لشعر ا لذي لايقع عليـه حسّ ا لبصر .

هذا ما يتعلّق با لموضوع . وأ مّا ا لحكم فلايخفى أ نّـه لو لم يكن في ا لبين إلاّ ما يدلّ ـ من ا لآيـة ا لشريفـة(1)  وا لروايـة(2) ـ على وجوب غسل ا لوجـه ، فا لظاهر أ نّـه لا دلالـة لهما بنظر ا لعرف ، إلاّ على وجوب غسل ا لبشرة فيما إذا لم تكن مستورة با لشعر ، ووجوب غسل ا لشعر في ا لمقدار ا لمستور منها بـه ، لا لأنّ عنوان ا لوجـه ـ ا لظاهر بحسب وضعـه ا للغوي في خصوص ا لبشرة ـ ينتقل في ذي ا للحيـة إ لى ما يشمل ا لشعر أيضاً . بل لما ذكر : من أنّ ا لمتفاهم عند ا لعقلاء ، هو غسل ظاهر ا لشعر من دون ارتكاب تكلّف إيصا ل ا لماء إ لى ا لبشرة ا لمحاط بـه .

فالإنصاف : أنّ ا لحكم مع قطع ا لنظر عن ا لأخبار ا لدالّـة عليـه ـ ممّا لاينبغي ا لإشكا ل فيه . ومن هنا تعرف : أنّ نسبـة صحيحـة زرارة ا لآتية وأمثا لها إ لى ا لأدلّة ا لآمرة بغسل ا لوجـه ، ليست نسبة ا لحاكم إ لى ا لمحكوم كما في «ا لمصباح»(3)  فإنّك عرفت أ نّـه لا تعارض بينهما ، بل كلٌّ منهما يدلّ على عدم وجوب غسل ا لمقدار ا لذي أحاط بـه ا لشعر كما مرّ ، هذا با لنسبـة إ لى من لـه شعر كثيف محيط با لبشرة ; بحيث لايقع عليها حسّ ا لبصر .

وأ مّا با لنسبـة إ لى ذي ا لشعر ا لخفيف فيمكن أن يقا ل فيـه أيضاً : بأ نّـه


1 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
2 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 .
3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 311 .

(الصفحة 426)

لايستفاد من ا لأدلّـة ا لواردة في غسل ا لوجـه أزيد من غسل ا لبشرة ا لواقعـة عليها ا لباصرة وا لشعر ا لمحيط ببعضها من دون أن يجب عليـه ا لتخليل ، مضافاً إ لى صحيحـة زرارة قا ل : قلت : أرأيت ما كان تحت ا لشعر ؟ قا ل : «كلّ ما أحاط بـه ا لشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولايبحثوا عنـه ، ولكن يجري عليـه ا لماء»(1) .

هذا ما رواه ا لشيخ (قدس سره) بإسناده عنـه(2) ، ورواه ا لصدوق بإسناده عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) هكذا : قلت لـه : أرأيت ما أحاط بـه ا لشعر ؟ فقا ل : «كلّ ما أحاط بـه من ا لشعر فليس للعباد أن يطلبوه ولايبحثوا عنـه . . .»(3)  إ لى آخره .

وكيف كان ، فقولـه (عليه السلام)  : «كلّ ما أحاط بـه ا لشعر» يعمّ ا لمقدار ا لذي أحاطـه ا لشعر ا لخفيف أيضاً . ويمكن استفادتـه أيضاً من ا لروايـة ا لمذكورة في ا لمسأ لـة ا لسابقـة ا لحاكيـة لفعل ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (4)  فإنّـه لا خفاء في أنّ ابتداء منبت شعر ا للحيـة في ا لوجـه ، كان محاطاً با لشعر ا لخفيف ، مع أنّ ا لإمام (عليه السلام) اكتفى في غسلـه بمجرّد إمرار ا ليد على ا لوجـه مرّة من دون أن يخلّل . ويدلّ على عدم وجوب ا لتبطين أيضاً صحيحـة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام)  ، قا ل : سأ لتـه عن ا لرجل يتوضّأ أيبطّن لحيتـه ؟ قا ل : «لا»(5) .

وقد ظهر مما ذكرنا : أ نّـه لايجب ا لتخليل ولا ا لتبطين مطلقاً ـ لا في ا لشعر ا لكثيف ، ولا في ا لشعر ا لخفيف ـ فتدبّر .


1 ـ ا لفقيـه 1 : 28 / 88 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 364 / 1106 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 476 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 46 ، ا لحديث 2 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 364 / 1106 .
3 ـ ا لفقيـه 1 : 28 / 88 .
4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 424 .
5 ـ ا لكافي 3 : 28 / 2 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 360 / 1084 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 476 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 46 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 427)


الفرض الثالث: غسل اليدين

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «وا لواجب فيـه ـ يعني غسل ا ليدين ـ غسل ا لذراعين وا لمرفقين»(1) .

أقول: ينبغي ا لتكلّم هنا في مقامات :

الأوّل: في المراد من المرفق

وا لمحكيّ(2)  عن صاحب «ا لحدائق» أ نّـه قا ل فيها : «ا لمرفق ـ كمنبر ومجلس ـ ا لمفصل ، وهو رأس عظمي ا لذراع وا لعضد ـ كما هو ا لمشهور ـ أو مجمع عظمي ا لذراع وا لعضد ، فعلى هذا شيء منـه داخل في ا لذراع وشيء منـه داخل في ا لعضد»(3) ، وا لمحكيّ(4)  عن أكثر ا للغويين هو ا لمعنى ا لأوّل(5) ; حيث فسّروه با لمفصل أو ا لموصل على اختلاف ا لتعابير ، ولكن ا لظاهر رجوعـه إ لى ا لمعنى


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 13 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 162 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 195 ـ 196 .
3 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 240 .
4 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 195 ـ 196 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 319 .
5 ـ ا لصحاح 4 : 1482 ، ا لقاموس ا لمحيط 3 : 244 ، مجمع ا لبحرين 5 : 170 .

(الصفحة 428)

ا لثاني ، فإنّ ا لمراد با لمفصل ليس ما فسّره بـه في محكيّ عبارة «ا لحدائق» ، وهو رأس ا لعظمين ; حتّى يورد عليـه ـ كما في «ا لمصباح» ـ : بأ نّـه يبعد أن يكون نزاعهم في دخولـه في ا لمحدود وخروجـه عنـه في هذا ا لمعنى(1) ; لأنّ رأسهما ا لذي هو انتهاؤهما أمر انتزاعيّ غير قابل لأن ينازع فيـه ; لأ نّـه لايكون ذا أجزاء أصلاً ; حتّى يقع ا لنزاع في دخولها وخروجها ، بل ا لمراد بـه هو ا لجزء ا لذي يتقوّم بـه ا لمفصل ، ا لذي يكون أمراً ذا أجزاء ، وعليـه فيرجع إ لى ا لمعنى ا لثاني ، كما هو غير خفيّ .

الثاني: في وجوب غسل المرفق وعدمه

قد يقا ل با لعدم(2) ; نظراً إ لى أنّ ظاهر ا لآيـة ا لشريفـة(3)  ـ ا لتي عُبّر فيها بكلمـة «إ لى» يقتضي ا لعدم ; لخروج ا لغايـة ومدخول «إ لى» عن ا لمحدود ا لمغيّى ، كما صرّح بـه جمع كثير(4) ، بخلاف ا لتحديد بكلمـة «حتّى» . هذا بناءً على كونها في ا لآيـة غايـة للمغسول .

وأ مّا بناءً على كونها غايـة للغَسْل فهي أجنبيّـة عن ا لمقام .

ولكن قد يُتمسّك للوجوب ببعض ا لأخبار :

منها :روايـة هيثم بن عروة ا لتميمي ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن قولـه تعا لى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى ا لْمَرافِقِ) ، فقلت : هكذا ، ومسحت من ظهر كفّي إ لى ا لمرفق ؟ فقا ل : «ليس هكذا تنزيلها ، إنّما هي : فاغسلوا وجوهكم


1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 319 .
2 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 320 .
3 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
4 ـ ا لفصول ا لغرويّـة : 153 / ا لسطر 22 ، اُنظر نهايـة ا لأفكار 1 ـ 2 : 498 .

(الصفحة 429)

وأيديكم من ا لمرافق ، ثمّ أمرّ يده من مرفقـه إ لى أصابعـه»(1) .

بتقريب : أنّ ظاهـر ا لروايـة كـون ا لآيـة فـي ا لأصل نازلـة مـع كلمـة «مـن» ، على تقـدير كـون ا لروايـة هكـذا ، ومـن ا لمعلـوم أنّ مدخـولها داخـل فـي ا لمحدود(2) .

وأنت خبير : بأ نّـه ليس ا لمـراد بقولـه : «هكذا تنزيلها» كـون ا لآيـة نازلـة مـع كلمـة «مـن» ، كيف وهـذا ممّا يقطع بخـلافـه فـي جميع آيات ا لقرآن عمـوماً ، وفـي هـذه ا لآيـة خصـوصاً ؟ ! نظراً إ لـى ا لتمسّك بها مـع كلمـة «إ لى» فـي كثير من ا لأخبار ا لصحيحـة ا لمرويّـة عنهم(عليهم السلام) (3) .

بل ا لمراد إنّما هو لزوم ا لغسل من ا لأعلى إ لى ا لأسفل ، خلافاً لما توهّمـه ا لسائل ، فا لروايـة إنّما تكون مسوقـة لبيان هذه ا لجهـة ، وا لتعبير بكلمـة «من» لإفادة هذا ا لمعنى ،لا لكون «إ لى» بمعنى «من» حتّى يترتّب عليـه جميع أحكامها ، ا لتي منها كون مدخولها داخلاً في ا لمحدود .

هذا ، مضافاً إ لى أ نّـه لانسلّم دخول مدخول كلمـة «من» في ا لمحدود ; فيما إذا كان أمراً ممتدّاً ذا أجزاء قابلاً للنزاع في دخولـه وخروجـه ، وا لدليل على ذلك مراجعـة ا لاستعمالات ا لعرفيّـة ، فإنّ قولـه : سرت من ا لبصرة إ لى ا لكوفـة ، لايدلّ على أنّ ابتداء ا لسير كان من آخر بلد ا لبصرة .

وبا لجملـة : فا لروايـة أجنبيّـة عن ا لدلالـة على وجوب غسل ا لمرفق أيضاً .


1 ـ ا لكافي 3 : 28 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 57 / 159 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 405 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 19 ، ا لحديث 1 .
2 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 241 .
3 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 388 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 3 و 23 ، و412  ، ا لباب 23 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 430)

ومنها :بعض ا لأخبار ا لحاكيـة لوضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ا لدالّ على أ نّـه (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع ا لماء على مرفقـه ، فأمرّ كفّـه على ساعده(1) ، وفي آخر : «فغرف بها غرفـة فأفرغ على ذراعـه ا ليمنى ، فغسل بها ذراعـه من ا لمرفق إ لى ا لكفّ لايردّها إ لى ا لمرفق(2)» .

ولايخفى أنّ وضع ا لماء عليـه لايدلّ على غسلـه بأجمعـه ، كما أنّ ا لغسل من ا لمرفق لايدلّ على دخولـه في ا لمغسول ـ كما عرفت ـ بل ا لتأ مّل في جميع ا لروايات ا لبيانيّـة يقضي بعدم دلالـة شيء منها على ذلك ، بل في بعضها إشعار أو دلالـة على ا لخلاف ، فراجعها .

ولكن ا لذي يسهّل ا لخطب ، دعوى إجماع ا لاُمّـة على وجوب غسل ا لمرفق من كثير من ا لأصحاب(3) ; بحيث بلغ حدّ الاستفاضـة ، بل ا لتواتر ، بل لم ينقل ا لخلاف فيـه من أحد من ا لمسلمين ، إلاّ عن بعض ا لعامّـة(4)  ا لذي لا عبرة بخلافـه ، وا لظاهر كون ا لوجوب وجوباً أصليّاً ، لا تبعيّاً من باب حكم ا لعقل بوجوب تحصيل ا ليقين بتحقّق ا لمأمور بـه .


1 ـ ا لكافي 3 : 25 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 24 / 74 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 2 .
2 ـ ا لكافي 3 : 25 / 6 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 81 / 211 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 388 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 3 .
3 ـ ا لخلاف 1 : 78 ، ا لمعتبر 1 : 143 ، منتهى ا لمطلب 1 : 58 / ا لسطر 25 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 243 / ا لسطر 14 ـ 20 ، جواهر ا لكلام 2 : 159 ـ 160 .
4 ـ أحكام ا لقرآن ، ا لجصّاص 2 : 341 ، المبسوط ، السرخسي 1 : 6 ، التفسيرالكبير 11 : 159 .

(الصفحة 431)


الثالث: في وجوب الغسل من الأعلى إلى الأسفل أو العكس أو التخيير

وا لذي صرّح بـه ا لمحقّق في «ا لشرائع»(1)  هو ا لأوّل ، ومنشأ توهّم ا لخلاف ا لتعبير بكلمـة «إ لى» في ا لآيـة ا لشريفـة .

بتقريب : أنّ ا لمرفق غايـة للغسل ، وا لآيـة متعرّضـة لبيان كيفيّـة ا لغسل ; وأ نّـه يجب ا لابتداء من ا لأصابع إ لى ا لمرفق .

ولكنّـه لايخفى ظهورها في كون ا لمرفق غايـة للمغسول ، كما يظهر بملاحظـة أمثا ل ا لآيـة من الاستعمالات ، فإنّ ا لتتبّع فيها يقضي بكون استعما ل «إ لى» إنّما هو لمجرّد ا لتحديد ، فإنّـه لو قا ل ا لمولى لعبده : اغسل من هذا ا لمكان إ لى ا لمكان ا لفلاني ، فلايفهم ا لعبد منـه إلاّ مجرّد كون ا لواجب عليـه هو غسل ذلك ا لمقدار ا لمحدود ، وأ مّا ا لكيفيّـة ووجوب ا لابتداء من ا لمكان ا لأوّل والانتهاء إ لى ا لمكان ا لثاني ، فلايخطر ببا لـه أصلاً .

وبا لجملـة:فا لظاهر كون ا لمرفق غايـة للمغسول ; وأ نّـه لايجب غسل ا لمقدار ا لباقي من ا ليد ، ا لذي لو لم يكن ا لتحديد با لمرفق لشملتـه كلمـة «ا ليد» ; إذ ا لظاهر ـ حينئذ ـ وجوب غسل جميع أجزائها ، فهي تدلّ على تحديد ا لمقدار ا لمغسول ، وأ مّا با لنسبـة إ لى كيفيّـة ا لغسل فهي مطلقـة لاتدلّ على تعيين أحد ا لأمرين ; بحيث لو لم يكن في ا لبين ما يدلّ على لزوم ا لغسل من ا لمرفق إ لى أطراف ا لأصابع على سبيل ا لتعيين ، لقلنا با لتخيير بينهما .

ولكن ورد في ا لمقام أخبار تدلّ على تعيّنـه ، وبها يقيّد إطلاق ا لآيـة وسائر ا لروايات ا لمطلقـة :


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 13 .

(الصفحة 432)

منها :روايـة ا لتميمي ا لمتقدّمـة(1)  وا لأصحّ أ نّها صحيحـة ، وقد عرفت ا لمراد بقولـه : «ليس هكذا تنزيلها»(2) ، فهي صحيحـة من حيث ا لسند تامّـة من حيث ا لدلالـة ، فلا إشكا ل في صلاحيّتها للتقييد .

ومنها :بعض ا لأخبار ا لحاكيـة لوضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ا لمشتملـة على ذكر هذه ا لخصوصيّـة ا لظاهرة في كونها ملحوظـة للرواة بخصوصها ،

ومنها :غير ذلك من ا لأخبار(3)  ا لتي لاتتمّ من حيث ا لسند .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 428 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 429 .
3 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 .

(الصفحة 433)


فروع

الأوّل: في حكم المقطوع بعض يديه

من قُطع بعض يديـه ممّا دون ا لمرفق لا إشكا ل في وجوب غسل ا ليد عليـه لصدقها على ما بقي ، وهو قادر على غسلـه إ لى ا لمرفق ، ولم يقع في دليل ا لتحديدُ في ا لطرف ا لآخر برؤوس ا لأصابع مثلاً ; حتّى يقا ل بأ نّـه لايقدر على غسل ذلك ا لمقدار  بل ا لتحديد إنّما هو في ناحية ا لمرفق كما هو ظاهر ا لآية ا لشريفة فوجوب غسل ا لباقي عليـه ممّا يدلّ عليـه نفس ا لآيـة ; من دون حاجـة إ لى دليل آخر .

ومع ذلك تدلّ عليـه روايـة رفاعـة ، عن ا لصادق (عليه السلام)  ،قا ل : سأ لتـه عن ا لأقطع فقا ل : «يغسل ما قُطع منـه»(1) .

ودلالتها على ا لمقام مبنيّـة على أن يكون مورد ا لسؤال هو وضوء ا لأقطع ، وا لمراد با لجواب هو ا لموضع ا لذي قطع منـه .

كما يظهر من روايتـه ا لاُخرى عن ا لصادق (عليه السلام)  ، ا لتي يحتمل قويّاً اتّحادها مع ا لروايـة ا لاُخرى ، لا كونهما روايتين ; حيث قا ل : سأ لتـه عن ا لأقطع ا ليد وا لرجل كيف يتوضّأ ؟ قا ل : «يغسل ذلك ا لمكان ا لذي قُطع منـه»(2) ، فإنّ ا لمستفاد من ا لجواب كون وجوب غسل ما بقي من يده إ لى ا لمرفق ، مسلّماً في نظر ا لسائل ومفروغاً عنـه عنده ، وإنّما كان مورد شكّـه وجوب غسل ا لمكان ا لذي


1 ـ ا لكافي 3 : 29 / 8 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 479 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 49 ، ا لحديث 1 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 359 / 1078 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 480 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 49 ، ا لحديث 4 .

(الصفحة 434)

قُطع منـه ، ا لذي كان مستوراً سابقاً ومكشوفاً فعلاً ، فأجاب (عليه السلام) بوجوب غسلـه أيضاً .

وتوهّم : كون ظاهر ا لجواب وجوب غسل ذلك ا لمكان فقط(1)  ممّا لايتخيّلـه عاقل ، فضلاً عن فاضل ، وا لحكم بوجوب ا لغسل مطلقاً في ا ليد وا لرجل ، مع أنّ ا لواجب في ا لثاني ا لمسح دون ا لغسل ، لايضرّ بعد عدم كونـه بصدد بيان هذا ا لمعنى ، بل ا لمقصود وجوب ا لتعامل مع موضع ا لقطع معاملـة ا لعضو ا لمقطوع لو كان متّصلاً ; من وجوب غسلـه أو مسحـه ، وحينئذ فلا وجـه لحمل ا لروايـة على ا لتقيّـة(2)  أصلاً .

ويدلّ على ا لحكم أيضاً : روايـة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام)  ، قا ل : سأ لتـه عن ا لأقطع ا ليد وا لرجْل ؟ قا ل : «يغسلهما»(3) .

ودلالتها على ا لمقام مبنيّـة على كون مورد ا لسؤال هو وضوء ا لأقطع ، مع أ نّـه يحتمل قويّاً أن يكون مورد ا لسؤال هو غسلـه ، كما يدلّ عليـه قولـه (عليه السلام)  : «يغسلهما» كما لايخفى .

وكيف كان ، ا لظاهر أنّ ا لآيـة ا لشريفـة(4)  وروايـة رفاعـة ا لمتقدّمـة(5) ، تدلاّن على وجوب غسل ما بقي من يد ا لأقطع ، ا لذي قطع يده ممّا دون مرفقـه .


1 ـ مشارق ا لشموس : 110 / ا لسطر 10 ، ا لحدائق ا لناضرة 2 : 244 .
2 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 480 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 49 ، ذيل ا لحديث3 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 200 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 330 .
3 ـ ا لكافي 3 : 29 / 7 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 360 / 1085 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 480 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 49 ، ا لحديث 3 .
4 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
5 ـ تقدّم تخريجها في ا لصفحـة 433 .

(الصفحة 435)


حول الاستدلال بالاستصحاب للمقام

وقد يتمسّك لـه أيضاً بالاستصحاب(1) ، وتقريره بوجوه :

ا لأوّل : استصحاب وجوب غسل ذلك ا لمقدار ا لباقي ا لذي كان في ا لسابق متيقّناً ; لأ نّـه كان واجباً من باب ا لمقدّمـة لحصول غسل مجموع ا ليد ، ا لمتوقّف على غسلـه وغسل ا لعضو ا لمقطوع ، فوجوبـه ا لمقدّمي كان متيقّناً ، وارتفاع ذلك ا لوجوب وإن كان معلوماً ; لأ نّـه لايبقى وجوب للمقدّمـة بعد ارتفاعـه عن ذيها ، إلاّ أنّ ا لمستصحب هو ا لوجوب ا لكلّي ا لمتحقّق في ضمنـه ، ا لمشكوك ارتفاعـه بارتفاعـه ، فهو من قبيل ا لقسم ا لثا لث من أقسام استصحاب ا لكلّي .

ويرد على هذا ا لتقرير : أ نّـه لابدّ في جريان ا لاستصحاب من أن يكون ا لمستصحب : إمّا حكماً مجعولاً ، أو موضوعاً ذا حكم مجعول ، وهذا ا لشرط مفقود في ا لمقام ; لأنّ ا لمستصحب فيـه لايكون حكماً مجعولاً ، ولا موضوعاً كذلك :

أ مّا ا لثاني فواضح . وأ مّا ا لأوّل : فلأنّ ا لمجعول هو ا لوجوب ا لمتعلّق بموضوع خاصّ ، وأ مّا ا لوجوب ا لكلّي فهو أمر انتزاعيّ لايجوز استصحابـه ; لعدم تعلّق ا لجعل بـه . هذا كلّـه على تقدير ا لقول بوجوب ا لمقدّمـة وثبوت ا لملازمـة بينـه وبين وجوب ذيها .

وأ مّا بناءً على عدمـه ـ كما هو ا لتحقيق(2) ، وقد عرفت سابقاً(3) ـ فلا مجا ل للاستصحاب أصلاً ، كما هو ظاهر .


1 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 205 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 199 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 352 .
2 ـ مناهج ا لوصول 1 : 410 ـ 415 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 278 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 360 .

(الصفحة 436)

ا لثاني : استصحاب ا لوجوب ا لضمني ا لمتعلّق في ا لسابق بذلك ا لمقدار ا لباقي من ا ليد ; لإثبات ا لوجوب ا لاستقلالي فعلاً ، نظير ا لتقرير ا لأوّل ، فإنّـه أيضاً من قبيل ا لقسم ا لثا لث من أقسام استصحاب ا لكلّي ; إذ ا لوجوب ا لضمني يرتفع قطعاً بارتفاع ا لوجوب عن ا لكلّ ا لمعلوم في ا لمقام ، فا لمشكوك بقاء نفس ا لوجوب في ضمن فرد آخر .

ويرد عليـه : ـ مضافاً إ لى عدم تصوير ا لوجوب ا لضمني ، كما ذكرنا في محلّـه(1) ـ ما أوردناه على ا لتقرير ا لأوّل .

ا لثا لث : استصحاب ا لوجوب ا لمتعلّق بغسل مجموع ا ليد ـ من رؤوس ا لأصابع إ لى ا لمرفق ـ با لبناء على ا لمسامحـة ا لعرفيّـة في موضوعـه .

ويظهر هذا ا لتقرير من ا لمحقّق ا لهمداني (قدس سره) في «ا لمصباح»(2) .

ويرد عليـه : أنّ جريان ا لاستصحاب مبنيّاً على ا لمسامحـة ا لعرفيّـة ، إنّما هو فيما إذا كان ا لشيء ا لحادث أو ا لزائل ، مورداً للشكّ في أ نّـه هل يكون واسطـة في ا لعروض أو في ا لثبوت ، كا لتغيّر با لنسبـة إ لى ا لماء ، فإنّ ا لشكّ في أ نّـه هل يكون من قبيل ا لأوّل أو ا لثاني ، صار سبباً للشكّ في بقاء ا لنجاسـة للماء بعد زوا لـه بنفسـه . وأ مّا لو فرض كونـه دخيلاً في ا لموضوع على فرض وجوده قطعاً ـ كما في ا لمقام ـ ضرورة أنّ ا لأصابع ا لمقطوعـة قبل قطعها يجب غسلها قطعاً ، ولم يكن مورداً للشكّ أصلاً ، فلا مجا ل للاستصحاب بعد كون ا ليد ا لمقطوعـة وغيرها موضوعين بنظر ا لعرف .

ويرد على ا لتقريرات ا لثلاثـة : ـ مضافاً إ لى ما ذكر ـ أنّ ا لتمسّك بالاستصحاب ـ على تقدير تماميّتـه ـ لايجري في جميع صور ا لمسأ لـة ، بل مجراه


1 ـ تهذيب ا لاُصول 1 : 154 و 253 ، و 2 : 326 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 330 .

(الصفحة 437)

خصوص ما إذا قطع يده بعد ا لبلوغ وصيرورتـه مكلّفاً ، كما هو واضح .

وأ مّا قاعدة ا لميسور فقد عرفت ا لكلام فيها مفصّلاً(1) ، فراجع .

هذا كلّـه فيمن قطعت يده ممّا دون ا لمرفق .

وأ مّا ا لأقطع ا لذي قطعت يده من ا لمرفق ; بحيث بقي من أجزاء يده ـ ا لتي يجب غسلها ـ عظم ا لعضد ا لمتداخل في عظم ا لذراع ، فا لظاهر وجوب غسلـه ; لا للآيـة ا لشريفـة ، فإنّ ظاهرها ـ كما عرفت ـ خروج ا لمرفق عن ا لمقدار ا لذي يجب غسلـه من ا ليد(2) ; لوقوعـه غايـة لها بكلمـة «إ لى» ا لظاهرة في خروجـه عن ا لمغيّى . نعم لو كانت كلمـة «إ لى» بمعنى «مع» ـ كما حُكي(3)  عن ا لشيخ دعوى إجماع ا لاُمّـة عليـه(4) ـ فلا تبعد استفادة ا لوجوب منها .

بل لروايـة عليّ بن جعفر ، عن أخيـه (عليه السلام)  : عن ا لرجل قطعت يده من ا لمرفق ، كيف يتوضّأ ؟ قا ل : «يغسل ما بقي من عضده»(5) .

فإنّ ا لظاهر كون ا لمراد بها وجوب غسل ما بقي من أجزاء يده ـ ا لتي يجب غسلها في ا لوضوء ـ ا لذي هو عبارة عن بعض ا لعضد .

وأ مّا احتما ل أن تكون «من» بياناً لكلمـة «ما» ; بحيث يكون مدلولها : وجوب غسل ا لعضد بأجمعـه نيابـة عن ا لمقدار ا لمقطوع ، فبعيد .

وكذا احتما ل كون «من» متعلّقـة بقولـه : «يغسل» ; بحيث كان مرجعـه إ لى


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 302 ـ 303 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 428 .
3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 190 .
4 ـ ا لخلاف 1 : 78 .
5 ـ ا لكافي 3 : 29 / 9 ، ا لفقيـه 1 : 30 / 99 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 360 / 1086 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 479 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 49 ، ا لحديث 2 .

(الصفحة 438)

وجوب ا لغسل مبتدَأً من ا لعضد ; أي ا لمقدار ا لواجب غسلـه منـه في ا لوضوء(1) ، وإن كان هذا ا لاحتما ل لايُنافي دلالتها على أصل وجوب غسل ذلك ا لمقدار ، فتدبّر .

وأ مّا ا لأقطع ا لذي قطعت يده من ا لمرفق ; بحيث لم يبقَ من ا لأجزاء ا لتي يجب غسلها بعنوان ا ليد شيء ، فا لظاهر سقوط غسل ا ليد با لنسبـة إ ليـه ; لفوات محلّـه ، وقد نقل عن جماعـة حكايـة ا لإجماع عليـه(2) .

وروايـة رفاعـة ا لمتقدّمـة(3)  لاتشمل هذا ا لفرض ، فإنّ موردها ما إذا قطع لا من ا لمرفق ، ولذا سأل عن حكم موضع ا لقطع ، فإنّ سؤا لـه عنـه ، يدلّ على مفروغيّـة وجوب غسل ا لمقدار ا لباقي من أجزاء ا ليد ا لواجب غسلها ، وإلاّ فكان ا لأولى ا لسؤال عن أصل وجوب غسل ا ليد وعدمـه ، كما هو غير خفيّ .

الفرع الثاني: حكم من له زيادة دون المرفق

قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «لو كان لـه ذراعان دون ا لمرفق ، أو أصابع زائدة ، أو لحم نابت ، وجب غسل ا لجميع»(4) .

أقول: ا لحقّ هو ا لتفصيل ـ بمقتضى ا لقواعد ـ بين ما كان منها بنظر ا لعرف تعدّ جزءاً لليد كا لذراعين أو ا لأصابع ا لزائدة ، فإنّ مثلهما لايكون خارجاً من ا ليد زائداً عليها ، بل هي لأجل اشتما لها عليـه تعدّ مخا لفـة لمقتضى ا لعادة وا لخِلْقـة


1 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 245 .
2 ـ منتهى ا لمطلب 1 : 59 / ا لسطر 12 ، كشف ا للثام 1 : 535 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 245 ، جواهر ا لكلام 2 : 165 ـ 166 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 330 .
3 ـ تقدّم تخريجها في ا لصفحـة 433 .
4 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 13 .

(الصفحة 439)

ا لأصليّـة ، وبين ما كان خارجاً عن ا ليد زائداً عليها ، كا للحم ا لكثير ا لنابت ، فيجب غسلها في ا لأوّل بمقتضى ا لآيـة ا لشريفـة ، ا لدالّـة على وجوب غسل ا لأيدي إ لى ا لمرافق ، دون ا لثاني ; لعدم ا لدليل على وجوب غسل ما هو خارج عن ا ليد .

وما ورد في بعض ا لروايات ا لواردة في غسل ا ليدين : من أ نّـه «ليس لـه أن يدع من ذلك شيئاً إلاّ وغسلـه»(1) ، لايدلّ إلاّ على وجوب غسل ما هو جزء لليد ، لا ما هو خارج عنها .

ودعوى : عدم ا لخلاف(2) ، أو ا لإجماع(3) ، أو نفي ا لريب(4) ، لاتُجدي بعد كون ا لمسأ لـة من ا لمسائل ا لتفريعيّـة ا لمستحدثـة بين ا لمتأخّرين ، ولايكشف ا لإجماع في مثلها عن وجود دليل معتبر ، كما قرّر في محلّـه(5) .

ولو كان شيء من تلك ا لاُمور فوق ا لمرفق لم يجب غسلـه ; لخروجـه عن حدّ ا لواجب ولو انسلخ وتدلّى إ لى داخل ا لحدّ ، كما أنّ ما يجب غسلـه في ا لمسأ لـة ا لسابقـة ، لايخرج عن ا لوجوب با لتدلّي إ لى خارج ا لحدّ .

الفرع الثالث: فيمن كانت له يد زائدة

من كان لـه يد زائدة : إمّا أن تكون تلك ا ليد نابتـة من فوق ا لمرفق ، وإمّا أن تكون فيما دون ا لمرفق ، وعلى ا لتقديرين :

إمّا أن تكون متميّزة عن ا ليد ا لأصليّـة ; بحيث لاتكون مشتبهـة بنظر العرف


1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 388 ـ 389 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 3 .
2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 166 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 332 .
3 ـ مشارق ا لشموس : 109 / ا لسطر 25 .
4 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 206 .
5 ـ اُنظر فرائد ا لاُصول 1 : 102 .

(الصفحة 440)

وإمّا أن تكون مشتبهـة مع ا ليد ا لأصليّـة ; بحيث لايمكن ا لتمييز بينهما .

أ مّا ا لفرض ا لأوّل : وهو ما إذا كانت متميّزة عنها : سواء كانت نابتـة ممّا دون ا لمرفق ، أو ممّا فوقـه .

فا لظاهر عدم وجوب غسلها ; وإن كان مثل هذا ا لمكلّف مشمولاً للخطاب في قولـه تعا لى : (يا أَيُّهَا ا لَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى ا لصَّلاةِ . . .)(1)  ا لآيـة ، وتلك ا ليد ا لزائدة غير خارجـة عن صدق عنوان ا ليد ، إلاّ أنّ ا لظاهر انصراف ا لأيدي ـ في ا لآيـة ا لشريفـة ـ إ لى ا لأيدي ا لمتعارفـة ، كما يظهر بمراجعـة ا لاستعمالات ا لعرفيّـة ، فإنّ ا لمولى إذا أمر عبده ـ ا لموصوف بهذا ا لوصف ـ بغسل يده ، لاينصرف إ لى ذهنـه إلاّ مجرّد وجوب غسل ا ليد ا لأصليّـة ، وكذلك سائر ا لأحكام ا لمترتّبـة على ا ليد ، وكأنّ هذا ممّا لاينبغي ا لخدشـة فيـه .

وأ مّا ا لفرض ا لثاني : وهو ما إذا كانت لـه يد زائدة غير متميّزة عن ا ليد ا لأصليّـة بوجـه .

فقد يقا ل فيـه بوجوب غسلها أيضاً ; نظراً إ لى إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة ا لآمرة بغسل ا لأيدي بصيغـة ا لجمع ، لا ا ليدين(2) .

ولكن مع ذلك لايبعد دعوى ا لانصراف ; وكون ا لمقصود وجوب غسل ا ليدين فقط ; لظهور أنّ ا لتعبير بصيغـة ا لجمع إنّما هو لملاحظـة ا لمضاف إ ليـه ، ا لذي هو جميع ا لمؤمنين ، نظير ا لوجـه ا لمعبّر عنـه في ا لآيـة بصيغـة ا لجمع .

ويؤيّد ذلك ـ بل يدلّ عليـه ـ ما ورد في بعض ا لأخبار : من تفسير ا لآيـة ا لشريفـة بوجوب غسل ا ليدين ، فإنّـه لو كان ا لواجب هو غسل ا لأيدي ولو زادت عن اثنين ، لما كان وجـه لتفسيرها بـه ، بعد كون مثل هذا ا لشخص مشمولاً


1 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
2 ـ تذكرة ا لفقهاء 1 : 160 .

<<التالي الفهرس السابق>>