في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


(الصفحة 481)

وهذه ا لروايـة ـ مضافاً إ لى كونها ضعيفـة ; لضعف ما لك بن أعيَن ـ غير ظاهرة ا لدلالـة ; لأنّ فرض ا لنسيان وإن وقع في كلام ا لإمام (عليه السلام)  ، إلاّ أنّ مدخليّتـه في ا لحكم ـ بحيث كان معلّقاً عليـه ـ غير معلومـة .

نعم يمكن أن يُستشعر منـه ذلك ، فيصير مؤيّداً لصحيحـة ا لحلبي ا لمتقدّمـة(1) .

ومنها :مرسلـة ا لصدوق قا ل :

قا ل ا لصادق (عليه السلام)  : «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليـه وعلى رجليك من بلّـة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء ، فخذ ما بقي منـه في لحيتك ، وامسح بـه رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحيـة فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك ، وامسح بـه رأسك ورجليك ، وإن لم يبقَ من بِلّـة وضوئك شيء أعدت ا لوضوء»(2) .

وهي وإن كانت ظاهرة في اشتراط جواز ا لأخذ من ا للحيـة بعدم بقاء ا لنداوة في ا ليد ، إلاّ أنّ ظهورها في ا لترتيب بين ا لأخذ من ا للحيـة وا لأخذ من ا لحاجبين ، واشتراط ا لأخذ منهما بعدمها ، مع أ نّك عرفت أ نّـه مخا لف للإجماع(3) ، يوجب وهْن ا لظهور في ا لجملـة ا لاُولى ، وعدم جواز استفادة ا لترتيب بين ا ليد وا للحيـة أيضاً لاتّحاد ا لسياق .

ولكنّـه لايخفـى أنّ صحـيحـة ا لحلبـي ا لمتقدّمـة ، ا لمعتضـدة بروايتـي


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 479 .
2 ـ ا لفقيـه 1 : 36 / 134 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 409 ـ 410 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 8 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 480 .

(الصفحة 482)

عمر بن اُذينـة(1)  وما لك بن أعيَن(2)  وكثير من ا لأخبار ا لبيانيّـة(3)  ـ ا لمشتملـة على ذكر هذه ا لخصوصيّـة ـ صا لحـة لأن يقيّد بها إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة ، فالأقوى ـ حينئذ ـ عدم جواز ا لأخذ من ا للحيـة وسائر ا لمواضع مع بقاء ا لنداوة في ا ليد ، كما أنّ ا لأحوط أيضاً ذلك .

رجع إلى أصل الفرع

إذا عرفت ذلك فلنرجع إ لى ا لفرع ا لمتقدّم ا لذي ذكره ا لمحقّق في «ا لشرائع»(4) .

فنقول : لا إشكا ل في جواز ا لأخذ من ا للحيـة وا لحاجبين وأشفار ا لعينين ; فيما إذا جفّ ما على يديـه من ا لرطوبـة ، وكثير من ا لأخبار ا لمتقدّمـة دالّ عليـه . ولا ترتيب بين ا للحيـة وغيرها .

كما أ نّـه لا شُبهـة في عدم اختصاص جواز ا لأخذ بما ذكر .

بل ا لمراد جواز ا لأخذ من كلّ موضع من مواضع ا لوضوء إذا كان مشتملاً على ا لنداوة ولو لم يكن شعراً ، وذكر ا للحيـة ونظائرها إنّما هو لكونها محـلاًّ لاجتماع ا لماء نوعاً ; إذ هو ا لذي يمكن بقاء رطوبتـه مع جفاف ا ليد ; لأنّ سائر ا لأعضاء ـ غير ا للحيـة ونظائرها ـ لا ترجيح لها على ا ليد من حيث بقاء ا لرطوبـة فيها دونها ، بل بقاؤها في ا ليد حين إرادة ا لمسح أكثر من بقائها عليها ، كما لايخفى .

ثمّ إنّ هذا ا لحكم في ا للحيـة غير ا لمسترسلـة ممّا لا إشكا ل فيـه .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 465 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 466 .
3 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 .
4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 475 .

(الصفحة 483)


في أخذ الماء من اللحية المسترسلة

وأ مّا في ا لمسترسل من ا للحيـة ، فقد يقا ل بعدم جواز ا لأخذ من ا لمقدار ا لخارج منها من حدّ ا لوجـه ; نظراً إ لى أنّ ا لمراد من نداوة ا لوضوء هي ا لنداوة ا لباقيـة على محلّ ا لوضوء ; ضرورة أنّ ا لنداوة ا لمنفصلـة من ا لوجـه ا لواقعـة في ا لثوب ـ مثلاً ـ لايجـوز ا لمسح بها اتّفاقاً ، وا لمقـدار ا لخارج مـن ا للحيـة من حـدود ا لوجـه ا لمعتبرة فـي ا لوضوء نظير ا لثوب ، فلايجوز ا لمسح با لنداوة ا لباقيـة فيـه(1) .

وأنت خبير : بأ نّـه لا مجا ل لهذا ا لقول لو قلنا باستحباب غسل ذلك ا لمقدار أيضاً ، وأ مّا لو قلنا با لعدم فا لظاهر ـ أيضاً ـ ا لفرق بين ا لثوب وا للحيـة ; لثبوت ا لعلقـة فيها دونـه ، مضافاً إ لى أنّ ظاهر ا لأخبار ا لمتقدّمـة(2)  جواز ا لأخذ من ا للحيـة مطلقاً ; من غير تقييد با لمقدار ا لواقع منها في حدّ ا لوجـه .

ودعوى : أنّ قولـه (عليه السلام) في مرسلـة ا لصدوق ا لمتقدّمـة : «امسح عليـه وعلى رجليك من بلّـة وضوئك»(3) ، صا لح لأن يصير قرينـة على تقييد ا للحيـة ا لواقعـة فيها با لمقدار ا لمذكور(4) .

مدفوعـة : بإمكان ا لعكس أيضاً ، فإنّ إطلاق ا للحيـة يمكن أن يصير قرينـة على خلاف ما هو ظاهر بلّـة ا لوضوء .


1 ـ اُنظر مستند ا لشيعـة 2 : 136 ـ 137 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 465 ـ 467 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 466 .
4 ـ اُنظر مستند ا لشيعـة 2 : 137 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 382 .

(الصفحة 484)

وبا لجملـة:فلابدّ من رفع ا ليد : إمّا عن عموم ا للحيـة ، وإمّا من ظاهر بلّـة ا لوضوء ، وا لظاهر أنّ ا لأهون هو ا لثاني ; لأنّ تقييد ا للحيـة بذلك ا لمقدار ـ ا لذي هو في مقابل مجموعها قليل نوعاً ـ بعيد جدّاً ، كما هو غير خفيّ .

ثمّ إنّـه لو قلنا بجواز ا لأخذ من ا للحيـة ولو من ا لمقدار ا لخارج منها من حدّ ا لوجـه ـ كما عرفت أ نّـه ا لظاهر ـ فليس لازم ذلك ا لقول بجواز ا لأخذ من سائر ا لمواضع ، ا لتي حكم ا لعقل بوجوب غسلها من باب ا لمقدّمـة ا لعلميّـة كمقدار من ا لناصيـة مثلاً ; لإمكان ا لفرق بينها وبين ا للحيـة ; بأنّ ا لرطوبـة ا لباقيـة في ا للحيـة ، إنّما هي من بقايا ا لماء ا لذي اُجري على ا لوجـه ا لذي هو محلّ ا لوضوء ، بخلاف ا لرطوبـة ا لباقيـة على ا لناصيـة ـ مثلاً ـ فإنّها من بقايا ا لماء ا لذي لم يكن مستعملاً في غسل ا لوجـه ، كما هو ظاهر .

ثمّ إنّ ظاهر كلام ا لمحقّق ا لمتقدّم(1) هو جواز ا لأخذ من ا للحية وغيرها عند جفاف ا ليد مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا كان ا لجفاف بسبب نسيان ا لمسح أو حرارة ا لهواء ، أو كان حاصلاً عن ترك ا لمسح فوراً عمداً ; بحيث كان ا لجفاف ناشئاً عن إرادة واختيار ، مع أنّ أكثر ا لروايات ا لمتقدّمـة(2)  تدلّ على ا لجواز عند ا لنسيان .

وا لحقّ أن يقال : إنّ ا لعمدة في هذا ا لمقام ـ على ما عرفت ـ هي صحيحـة ا لحلبي ا لمتقدّمـة(3)  ا لمشتملـة على ا لجملـة ا لشرطيّـة ا لتي شرطها هو نسيان ا لمسح ، وحينئذ فإن ثبت ا لمفهوم للقضيّـة ا لشرطيّـة فلازمـه هو ا لاختصاص


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 475 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 465 ـ 467 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 466 .

(الصفحة 485)

بتلك ا لصورة ، فلو جفّ ما على ا ليد اختياراً أو بسبب آخر غير ا لنسيان كحرارة ا لهواء ونحوها ، فلايجوز ا لأخذ من ا للحيـة ; لأنّ معنى ا لمفهوم ـ كما مرّ سابقاً(1) ـ هو كون ا لشرط علّـة منحصرة لترتّب ا لجزاء ; بحيث ينتفي بانتفائها .

وإن لم يثبت ا لمفهوم ـ كما هو ا لحقّ ـ فلازمـه ا لقول بأنّ جواز ا لأخذ من ا للحيـة مشروط بوجود سبب ; لأنّ ظاهر ا لقضيّـة ا لشرطيّـة مدخليّـة ا لشرط وسببيّتـه للجزاء ، ولكن لا على نحو ا لانحصار ، فمدلولها دخا لـة ا لنسيان في ا لجواز ; بمعنى أنّ ا لجواز لايكون مجرّداً عن ا لسبب ; بحيث لم يكن مستنداً إ لى شيء ، ولكنّـه لاينفي مدخليّـة شيء آخر وسببيّتـه أيضاً للجواز ، كما أ نّـه لايثبت ذلك ، ففيما عدا هذا ا لسبب ، يكون مقتضى إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة جواز ا لأخذ عند حصول كلّ سبب .

نعم في خصوص ما إذا حصل ا لجفاف عن إرادة واختيار ، يكون مقتضى ا لروايـة عدم ا لجواز . وأ مّا فيما إذا كان لـه سبب غير ا لنسيان ، فمقتضى إطلاق ا لآيـة ا لجواز وإن لم يستفد حكمـه من ا لروايـة نفياً ولا إثباتاً ، فتدبّر جيّداً .

الحكم الخامس: وجوب الاستئناف عند جفاف الأعضاء

لو لم تبقَ نداوة ا لوضوء يجب عليـه ا لاستئناف وا لإعادة . وا لوجـه فيـه : مضافاً إ لى دلالـة غير واحد من ا لأخبار ا لمتقدّمـة على ا لوجوب ، ما دلّ على لزوم كون ا لمسح ببقيّـة بلل ا لوضوء ; لتوقّف امتثا له في ا لمقام على ا لاستئناف ، لكونه قادراً على تحصيل ذلك ا لشرط . هذا إذا أمكنه المسح بالنداوة بعد ا لاستئناف .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 25 ـ 26 .

(الصفحة 486)


حكم من تعذّر عليه المسح ببلّة الوضوء

وأ مّا لو لم يمكن ذلك كما لو فرض حرارة مقتضيـة لجفاف يده وسائر أعضائـه ; بحيث يتعذّر عليـه ا لمسح ببلّـة ا لوضوء .

فهل يجب عليـه ا لمسح بماء خارجيّ ، أو يمسح بلا رطوبـة ، أو يسقط عنـه ا لمسح ، أو أصل ا لوضوء وينتقل فرضـه إ لى ا لتيمّم ، أو يجب عليـه حفظ ماء وضوئـه وا لمسح بـه ؟ وجوه .

ربما يقا ل : بأنّ أضعف هذه ا لوجوه هو سقوط ا لوضوء وا لانتقا ل إ لى ا لتيمّم ; لأ نّـه ـ مضافاً إ لى أ نّـه لم يظهر ا لقول بـه من أحد ، كما ادّعاه صاحب «ا لجواهر»(قدس سره) (1)  يدلّ عليـه : أنّ مشروعيّـة ا لتيمّم ، إنّما هي فيما إذا لم يتمكّن من ا لطهارة ا لمائيّـة ولو ببعض مراتبها ا لناقصـة ; لظهور أدلّتـه في ذلك ، مضافاً إ لى شهادة ا لتتبّع في ا لأحكام ا لشرعيّـة في ا لموارد ا لمختلفـة ; مثل مسأ لـة ا لأقطع ، ومن وضع على إصبعـه مرارة ـ كما في روايـة عبدا لأعلى ا لمعروفـة(2) ـ وغيرها من مواضع ا لجبيرة .

ويضعف سقوط ا لمسح : بأنّ ا لوضوء لايتبعّض ، بل ا لمستفاد من روايـة عبدا لأعلى وقاعدة ا لميسور وجوبُ ا لوضوء ا لناقص عليـه ; بمعنى عدم سقوط ا لمسح بمجرّد تعذّر ا لمسح با لنداوة ، بل ا لساقط إنّما هو خصوصيّـة كونـه بنداوة ا لوضوء ، فيبقى أصل ا لمسح على حا لـه ، كما استفيد ذلك من تلك ا لروايـة ، ا لدالّـة على ظهور حكم هذه ا لموارد واستفادتـه من ا لآيـة ا لشريفـة ا لدالّـة على


1 ـ جواهر ا لكلام 2 : 194 .
2 ـ ا لكافي 3 : 33 / 4 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 363 / 1097 ، الاستبصار 1 : 77 / 240 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 464 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 39 ، ا لحديث 5 .

(الصفحة 487)

أ نّـه (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ا لدِّينِ مِنْ حَرَج)(1) .

وهل يتعيّن عليـه ا لمسح بنداوة خارجيّـة ، أم يُجزيـه ا لمسح بيده ا لجافّـة ؟

وجهان ، وا لأوّل أقوى ; لأنّ ا لواجب إيصا ل ا لبلّـة ا لمقيّدة بكونها من ا لوضوء ، فبعد تعذّر ا لقيد يبقى أصل ا لمسح با لنداوة على حا لـه(2) .

أقول : ا لتمسّك بروايـة عبدا لأعلى وا لتعدّي عن موردها يوجب اختلال ا لفقـه وخروجـه عن مجراه ; لأ نّـه مستلزم لأحكام لايمكن أن يلتزم بها فقيـه أصلاً ، أترى جواز غسل ا ليد إ لى ا لزند ـ مثلاً ـ فيما لو لم يكن لـه ماء إلاّ ما هو كاف لغسل هذا ا لمقدار ; تمسّكاً بأنّ ا لواجب هو غسل مجموع أجزاء ا ليد ، فمع تعذّره يبقى غسل ا لمقدار ا لميسور على حا لـه ، وغير ذلك من ا لأحكام ا لكثيرة ا لتي لايقول بها أحد .

مضافاً إ لى أنّ ا لتمسّك بلا حرج في مورد ا لروايـة إنّما هو لنفي وجوب ا لمسح على ا لبشرة ، لا لوجوب ا لمسح على ا لمرارة أيضاً .

وبا لجملـة : فا لظاهر عدم جواز ا لاستدلال بمثل هذه ا لروايـة .

كما أنّ وضوء ا لأقطع لايصير شاهداً على ا لمقام ; لما عرفت سابقاً : من أنّ ا لتحديد في ا ليد إنّما وقع في طرف ا لمرفق(3) ، فلا حدّ لها من ا لجانب ا لآخر .

هذا فيمن قطعت يده . وأ مّا مقطوع ا لرّجْل فا لدليل ا لوارد فيـه لايكون ظاهراً في وضوئـه .

بل قـد عـرفت : أنّ ا لمحـتمل قـويّاً كـون ا لمقصـود فيـه هـو ا لغسـل(4) ،


1 ـ ا لحجّ (22) : 78 .
2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 387 ـ 389 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 433 .
4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 434 .

(الصفحة 488)

فلا ربط لـه با لمقام .

وأ مّا قاعدة ا لميسور فهي أجنبيّـة عن مثل ا لمقام ، كما مرّ سابقاً عند ا لتكلّم فيها(1) .

فالأقوى بمقتضى ا لقواعد هو سقوط ا لوضوء وانتقا ل فرضـه إ لى ا لتيمّم . هذا مع قطع ا لنظر عن إطلاق ا لآيـة .

وأ مّا مع ملاحظتـه فا لواجب عليـه ا لمسح با لماء ا لخارجي .

توضيحـه : أنّ ا لدليل ا لدالّ على لزوم كون ا لمسح بنداوة ا لوضوء ، ليس بلسان ا لشرطيّـة حتّى يقا ل : بأنّ ظاهره اعتبارها في ا لوضوء مطلقاً ، فمع ا لتعذّر يسقط وجوبـه ، بل إنّما ورد بلسان ا لأمر وا لبعث ، كما في صحاح ا لحلبي وزرارة وابن اُذينـة ا لمتقدّمـة(2) ، وا لأمر وإن كان ا لمقصود بـه ا لإرشاد وا لهدايـة ، إلاّ أ نّـه لايخرج عن ا لبعث وا لتحريك ، ومن ا لمعلوم اشتراطـه با لقدرة على ا لمبعوث إ ليـه ، فا لقدر ا لمتيقّن من تقييد ا لآيـة با لنداوة ا لباقيـة في محالّ ا لوضوء ، إنّما هو صورة ا لتمكّن منـه ; إذ ا لأدلّـة ا لمقيّدة لاتدلّ على أزيد من ذلك ، وا لبعث ا لوارد فيها لايكون متوجّهاً إ لى ا لعموم ; حتّى يقا ل بأنّ ا لمعتبر فيـه قدرة ا لنوع لا ا لعموم ، بل بعث شخصيّ متوجّـه إ لى ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في صحيحـة ابن اُذينـة أو إ لى ا لراوي ، وخصوصيّـة ا لمخاطب وإن كانت ملغاة بنظر ا لعرف ، إلاّ أنّ ا لحكم بالاشتراك إنّما هو في خصوص هذا ا لمقدار ، ا لذي دلّ عليه ذلك ا لبعث ا لشخصي ، وهو صورة ا لتمكّن منـه ، وأ مّا في غيرها فإطلاق ا لآيـة بحا لـه .

فالأقوى با لنظر إ ليها لزوم ا لمسح با لماء ا لجديد وإن كان ا لأحوط ضمّ ا لتيمّم أيضاً .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 302 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 466 ، و464 ، و465 .

(الصفحة 489)


الحكم السادس: الأفضل مسح الرأس مقبلاً

ذكر ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «أنّ ا لأفضل مسح ا لرأس مُقبلاً ، ويكره مُدبراً على ا لأشبـه»(1) .

وا لدليلُ على جواز مسح ا لرأس مُقْبلاً ومُدْبراً ، إطلاقُ ا لآيـة ا لشريفـة ا لدالّـة على وجوب مسح ا لرأس ; ولو بعد تقييد ا لممسوح بكونـه مقدّم ا لرأس ، وا لماسح بكونـه يداً مشتملـة على ا لنداوة ا لباقيـة في محالّ ا لوضوء .

وكذا يدلّ عليـه خصوص صحيحـة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  : «لابأس بمسح ا لوضوء مُقْبلاً ومُدْبراً»(2) .

ولكن يوهن ا لاستدلال بها ما روي بهذا ا لإسناد عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، قا ل : «لابأس بمسح ا لقدمين مُقبلاً ومُدبراً»(3) ; لأ نّـه يحتمل قويّاً اتّحاد ا لروايتين وكذا ا لراويين ; وإن أسند ا لروايـة ا لاُولى في «ا لوسائل» إ لى حمّاد بن عيسى(4) ; لاحتما ل وقوع ا لاشتباه من ا لنسّاخ .

ولكن هذا ا لاحتما ل بمجرّده لايوجب إمكان رفع ا ليد عن ا لروايـة ا لصحيحـة .

إلاّ أنّ ا لذي يوهن ا لاستدلال با لروايـة هو اشتهار ا لفتوى بوجوب مسح


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 14 .
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 58 / 161 ، الاستبصار 1 : 57 / 169 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 406 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 20 ، ا لحديث 1 .
3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 83 / 217 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 406 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 20 ، ا لحديث 2 .
4 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 108 (ا لطبع ا لحجري) .

(الصفحة 490)

ا لرأس مقبلاً بين قدماء ا لأصحاب ، كا لمرتضى(1)  وا لشيخ(قدس سرهما) (2)  وقد حُكي(3)  عن «ا لخلاف» دعوى ا لإجماع(4) ، وعن «الانتصار» نسبتـه إ لى ا لأكثر ، فإنّـه لو كانت ا لروايـة تامّـة ا لدلالـة على ا لإطلاق ، فكيف يمكن ا لفتوى بخلافها مع كونها بمرأىً منهم ، إلاّ أ نّـه لايخفى أنّ ذلك لايوجب ا لوهن في ا لتمسّك بإطلاق ا لآيـة ; إذ هذه ا لشهرة لاتكون كاشفـة عن وجود نصّ صا لح لتقييد ا لآيـة ; لأنّ مستند فتاويهم : إمّا دعوى ا لانصراف ، وإمّا ا لأخذ بما هو ا لمتيقّن ا لراجع إ لى الاحتياط ، ومع عدم تماميّـة شيء من ا لوجهين عندنا لا مجا ل لرفع ا ليد عن إطلاق ا لآيـة ، فالأقوى جواز ا لمسح مقبلاً ومدبراً .

ومنه يظهر : عدم ثبوت أفضليّة ا لأوّل با لنسبة إ لى ا لثاني وإن كان ذلك أحوط .

الحكم السابع: عدم إجزاء الغسل في موضع المسح

لو غسل موضع ا لمسح لايكون ذلك مجزياً . وا لوجـه فيـه ما تقدّمت إ ليـه ا لإشارة : من أنّ ا لغسل وا لمسح بنظر ا لعرف ماهيّتان متغايرتان(5) ، ولايتحقّق أحدهما بالآخر ; بحيث يجتمعان في مصداق واحد ، فبعد كون ا لواجب عليـه هو مسح ا لرأس لا غسلـه ، لايُجزي ا لثاني عن ا لأوّل . نعم لاينافي ذلك حصول ا لغسل في بعض ا لصور تبعاً للمسح ، كما لو فرض وفور بلّـة ا لماسح ; بحيث يتحقّق ـ بإمراره على ا لرأس مسحـه ويجري ا لماء عليـه ـ ا لغسلُ ; لأنّ ا لمحذور إنّما هو


1 ـ الانتصار : 19 .
2 ـ ا لخلاف 1 : 83 ، ا لمسألـة 31 .
3 ـ جواهر ا لكلام 2 : 195 .
4 ـ ا لخلاف 1 : 83 .
5 ـ تقدّم في ا لصفحـة 475 .

(الصفحة 491)

في ا لاكتفاء با لغسل بدل ا لمسح ، لا في حصولـه بعده . نعم لابدّ من قصد ا لامتثا ل بخصوص ا لمسح ، كما هو غير خفيّ .

الحكم الثامن: جواز المسح على الشعر المختصّ بالمقدّم

ذكر ا لمحقّق (قدس سره) ما هو لفظـه : «ويجوز ا لمسح على ا لشعر ا لمختصّ با لمقدّم وعلى ا لبشرة ، ولو جَمع عليـه شعراً من غيره ومسح عليـه لم يَجُزْ ، وكذا لو مسح على ا لعمامـة أو غيرها ممّا يستر موضع ا لمسح»(1) .

أقول: أ مّا جواز ا لمسح على ا لبشرة فواضح ، وأ مّا جوازه على ا لشعر ا لمختصّ با لمقدّم فلما تقدّمت ا لإشارة إ ليـه في مسأ لـة غسل ا لوجـه من أنّ ا لمتفاهم منـه عند ا لعرف ليس إلاّ غسل ظاهر ا للحيـة في ا لمواضع ا لتي تكون ا لبشرة مستورة ، بخلاف غسل ا ليدين ، فإنّهما لأجل عدم نوعيّـة اشتما لهما على ا لشعر ا لساتر للبشرة ، لايفهم ا لعرف من ا لأمر بغسلهما إلاّ وجوب غسل خصوص ا لبشرة ، ولذا ذكرنا أ نّـه لايُكتفى بغسل ا لشعر عن غسلها(2) ، ونظير ا لوجـه يجري في مسح ا لرأس ، كما أنّ مسح ا لرجلين نظير غسل ا ليدين ، مع أ نّـه هنا خصوصيّـة زائدة ، وهي أنّ اعتبار ا لمسح خصوصاً با لنداوة ا لباقيـة في محالّ ا لوضوء ، ربما لايناسب وجوب ا لمسح على ا لبشرة مع تعارف اشتما لها على ا لشعر .

وأ مّا اختصاص ا لجواز با لشعر ا لمختصّ با لمقدّم فلاعتبار كون ا لمسح على مقدّم ا لرأس كما عرفت(3) ، وغايـة مدلول ا لأدلّـة قيام ا لشعر مقام ا لبشرة وعدم


1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 14 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 442 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 458 .

(الصفحة 492)

وجوب ا لمسح عليها ، ومن ا لمعلوم اختصاصـه با لشعر ا لذي يعدّ تبعاً لمقدّم ا لرأس ، فلو جمع عليـه شعراً من غيره أو ممّا استرسل منـه ، ومسح عليـه لم يَجُزْ .

نعم لايبعد جواز ا لمسح على ا لشعر ا لنابت فوق مقدّم ا لرأس ا لمتدلّي عليـه أو ا لنابت حوا ليه ا لساتر له بمقتضى ا لخلْقـة ; لكونـه يعدّ تبعاً للمقدّم بنظر ا لعرف .

ثمّ إنّـه هل يجوز تخليل ا لشعر وإيصا ل ا لماء إ لى ا لبشرة ؟ يمكن أن يقا ل با لعدم ; نظراً إ لى صحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة في غسل ا لوجـه ، ا لدالّـة على أنّ كلّ ما أحاط بـه ا لشعر فليس للعباد أن يغسلوه(1) ; نظراً إ لى أنّ ا لتعبير با للام يشعر بعدم ا لجواز .

ويدفعـه : ـ مضافاً إ لى أنّ ا لصدوق (قدس سره) رواها مشتملـة على ذكر كلمـة «على» بدل ا للام(2)  ا لمشعرة بجواز غيره ـ أنّ تلك ا لروايـة واردة في خصوص ا لغسل ، كما يدلّ عليـه قولـه : «فليس للعباد أن يغسلوه» ، وكذا قولـه في ا لذيل : «ولكن يجري عليـه ا لماء» ، فا لتمسّك بها لحكم ا لمقام غير صحيح .

وأ مّا عدم جواز ا لمسح على ا لحائل ـ كا لعمامـة وا لقلنسوة وا لمقنعـة ـ فوجهـه واضح ; لاعتبار كون ا لمسح على ا لرأس .

وما ورد ممّا يدلّ على جواز ا لمسح على ا لحنّاء(3) ، مضافاً إ لى كونـه معارضاً بغيره ممّا يدلّ على ا لعدم(4) ، مردود بإعراض ا لأصحاب عنـه وعدم وجود ا لعامل بـه .

وهاهنا فروع يظهر حكمها با لتأ مّل فيما ذكرنا .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 426 .
2 ـ ا لفقيـه 1 : 28 / 88 .
3 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 455 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 37 .
4 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 455 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 37 ، ا لحديث 1 .

(الصفحة 493)


الفرض الخامس: مسح الرجلين

وهذه هي ا لمسأ لـة ا لمعروفـة ا لتي وقع ا لاختلاف فيها بين ا لمسلمين : فالإماميّـة كافّـة قائلون بوجوب مسح ا لرّجْلين كا لرأس(1) ، وذهب جمهور ا لمخا لفين إ لى وجوب غسلهما كا لوجـه وا ليدين(2) .

حول دلالة الآية على وجوب المسح

ويدلّ على صحّـة مذهبنا قولـه تعا لى : (وَا مْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ) ا لآيـة(3) :

أ مّا لو كان «أَرْجُلِكُمْ» مجروراً معطوفاً على رؤوسكم ا لمجرور با لباء فواضح ; لأنّ احتما ل كونـه معطوفاً على وجوهكم وكون ا لجرّ بسبب ا لمجاورة ، مدفوع با لوجوه ا لتي ذكرها ا لسيّد في «ا لانتصار» :


1 ـ ا لانتصار : 20 ـ 21 ، ا لمعتبر 1 : 148 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 168 ، مدارك ا لأحكام 1 : 215 ، جواهر ا لكلام 2 : 206 .
2 ـ اُنظر تذكرة ا لفقهاء 1 : 169 ـ 170 ، أحكام ا لقرآن 2 : 345 ، ا لمبسوط ، ا لسرخسي 1 : 8 ، بدايـة ا لمجتهد 1 : 15 ـ 16 ، ا لتفسير ا لكبير 11 ـ 12 : 161 ـ 162 ، ا لمجموع 1 : 417 .
3 ـ المائدة (5) : 6 .

(الصفحة 494)

1 ـ منها : أنّ ا لإعراب با لمجاورة شاذّ نادر ; ورد في مواضع لايلحق بها غيرها بغير خلاف بين أهل ا للغـة ، ولايجوز حمل كتاب الله على ا لشذوذ ا لذي ليس بمعهود ولا مأ لوف .

2 ـ ومنها : أنّ ا لإعراب با لمجاورة عند من أجازه إنّما يكون مع فَقْد حرف ا لعطف ، وأيُّ مجاورة عند وجود ا لحائل ؟ !

3 ـ ومنها : أنّ ا لإعراب با لمجاورة إنّما استعمل في ا لموضع ا لذي ترتفع فيـه ا لشبهـة لا في مثل ا لمقام .

4 ـ ومنها : أنّ محصّلي أهل ا لنحو ومحقّقيهم أنكروا ا لإعراب با لمجاورة في جميع ا لمواضع .

وبا لجملـة : لا شبهـة في ظهور ا لآيـة في وجوب مسح ا لرجلين لو كان «أرجلِكم» مقروءة با لجرّ(1) .

وأ مّا على قراءة ا لنصب فلا إشكا ل أيضاً ; لكونـه معطوفاً على محلّ قولـه : «برُؤوسِكم» ; لأنّ محلّـه منصوب ; لكونـه مفعولاً لقولـه : «امسحوا» ، وإضافـة ا لباء إنّما هي لإفادة ا لتبعيض ـ كما تقدّم(2) ـ وإلاّ فمادّة مسح متعدّيـة بنفسها ، ويمكن أن يكون عطفاً على محلّ نفس «رؤوسكم» لكونـه منصوباً أيضاً . وا لثمرة بين ا لوجهين ا لأخيرين تظهر فيما بعد من وجوب مسح ا لجميع أو كفايـة ا لتبعيض .

وكيف كان ، فا لظاهر بمقتضى انقضاء ا لجملـة ا لاُولى ا لتي اُمر فيها با لغسل ، وبطلان حكمها باستئناف ا لجملـة ا لثانيـة ، هو كون «أرجلِكم» معطوفاً على ما يجب مسحـه ، وهو ا لرؤوس ، لا على ا لوجوه ا لتي اُمر بغسلها .

ودعوى : أنّ تأخير ا لأرجل عن مسح ا لرأس إنّما هو لأجل ملاحظـة


1 ـ ا لانتصار : 21 ـ 22 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 447 ـ 448 .

(الصفحة 495)

ا لترتيب ا لواجب في ا لوضوء فلا ينافي ذلك وجوب غسلها(1) .

مدفوعـة : بعدم استفادة ا لترتيب من ا لآيـة ا لشريفـة أصلاً ; لوقوع ا لعطف فيها با لواو ، وهي لاتدلّ على ا لترتيب .

ثمّ إنّـه لـو نـوقش فـي استظـهار ذلك مـن ا لآيـة ا لشريفـة ، فـلا أقلّ مـن تسـاوي ا لاحتما لين بـلا ترجيـح لأحـدهما علـى ا لآخـر ; إذ لا ترجيـح للعطف علـى ا لوجوه أصـلاً ، وحينئذ تصـير ا لآيـة مجـملـة مـن حيث ا لدلالـة على مسـح ا لأرجل أو غسلها ، فلابدّ مـن مرجّـح خارجـي ، وما يعتمدون عليـه في ذلك ليس بصا لح لـه .

فالآيـة ا لشريفـة ـ ولو بملاحظـة ا لأخبار ا لتي يستفاد منها ذلك ا لتي با لغ في كثرتها ا لسيّد (قدس سره) في «ا لانتصار» ; حيث قا ل : إنّـه أكثر عدداً من ا لرمل وا لحصى(2) ـ دليل على مذهب ا لإماميّـة . فأصل ا لمسأ لـة عندنا بلا إشكا ل .

الكلام في مقدار الممسوح من الرجْل عرضاً

نعم ربما يقع ا لإشكا ل من حيث مقدار ا لممسوح ; وأ نّـه هل يجب مسح مجموع ا لقدمين ـ ظاهرهما وباطنهما ـ أو يجب مسح خصوص ا لظاهر فقط ؟

مقتضى ا لنصوص ا لكثيرة(3)  ا لتي لعلّها تبلغ حدّ ا لتواتر هو ا لثاني .

وما ورد في بعض ا لأخبار من مسح مجموعهما(4) ، فمضافاً إ لى ضعف سنده محمول على ا لتقيّـة لأ نّـه مذهب من يرى ا لمسح من ا لعامّـة ويقول باستيعاب


1 ـ ا لجامع لأحكام ا لقرآن 6 : 92 ـ 93 .
2 ـ ا لانتصار : 25 .
3 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 412 و 418 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 23 و 24 .
4 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 415 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 23 ، ا لحديث 6 و 7 .

(الصفحة 496)

ا لرّجْل كما نقلـه ا لشيخ (قدس سره) في «ا لتهذيب»(1) .

ثمّ إنّـه بعد اختصاص ا لوجوب بمسح ا لظاهر فقط ، فهل يجب استيعابـه ، أو يكفي مسمّاه عرضاً ؟

ظاهر ا لآيـة ا لشريفـة هو ا لثاني ; بناءً على قراءة «أرجلِكم» مجروراً معطوفاً على رؤوسكم ; لماعرفت من كون ا لباء بمعنى ا لتبعيض .

وأ مّا بناءً على قراءة ا لنصب ، فإن كان عطفاً على مجموع ا لجارّ وا لمجرور فا لظاهر وجوب ا لاستيعاب ، كما هو ا لمستفاد با لنسبـة إ لى غسل ا لوجـه وا ليدين ، وإن كان عطفاً على محلّ ا لمجرور فقط فا لظاهر أيضاً كفايـة ا لتبعيض . هذا ما تقتضيـه ا لآيـة ا لشريفـة .

حول الأخبار الواردة في المقام

وأ مّا ا لأخبار فما يمكن أن يُستَدلّ بها لوجوب الاستيعاب طائفـة :

منها :صحيحـة زرارة ا لواردة في حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيها : أ نّـه (عليه السلام) «مسح مقدّم رأسـه وظهر قدميـه ببلّـة يساره وبقيّـة بلّـة يمناه»(2) .

ولكن ا لظاهر أنّ ا لمقصود من هذه ا لجملـة ، هو وقوع ا لمسح ببلّـة ا لوضوء في قبا ل ا لمسح با لماء ا لجديد ، فلا يستفاد منها مسح مجموع ا لظهر . ويؤيّده : أنّ مسح مقدّم ا لرأس على وجـه ا لاستيعاب لايكون واجباً ، كما عرفت(3) .


1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 92 / 245 .
2 ـ ا لكافي 3 : 25 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 24 / 74 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 2 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 445 .

(الصفحة 497)

ومنها :ذيل تلك ا لصحيحـة ا لمشتملـة على قول أبي جعفر (عليه السلام) وفيها : «تمسح ببِلّـة يُمناك ناصيتك ، وما بقي من بلّـة يمينك ظهر قدمك ا ليمنى ، وتمسح ببِلّـة يسارك ظهر قدمك ا ليسرى» .

ويرد عليـه ما عرفت : من عدم ا لدلالـة ; لأ نّها مسوقـة لبيان حكم آخر(1) . ويؤيّده أنّ مسح مجموع ا لناصيـة ليس بواجب ، كما مرّ .

ومنها :صحيحـة زرارة وبكير ا لواردة في حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيها : «أ نّـه (عليه السلام) مسح رأسـه وقدميـه ببلل كفّـه لم يُحدث لهما ماءً جديداً»(2) .

ويرد على ا لاستدلال بها ما عرفت : من عدم ا لدلالـة ; وكونها مسوقـة لبيان حكم آخر(3) .

ومنها :صحيحـة ا لبزنطي قا ل : سأ لت أبا ا لحسن ا لرضا (عليه السلام) عن ا لمسح على ا لقدمين ، كيف هو ؟ فوضع كفّـه على أصابعـه فمسحها إ لى ا لكعبين إ لى ظاهر ا لقدم . فقلت جُعلت فداك لو أنّ رجلاً قا ل بإصبعين من أصابعـه هكذا إ لى ا لكعبين ؟ قا ل : «لا إلاّ بكفّـه كلّها»(4) .

ودلالتها على ا لمقام ممنوعـة ; لأنّ ا لتأ مّل فيها يعطي أنّ ا لنظر إنّما هو إ لى


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 454 .
2 ـ ا لكافي 3 : 25 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 76 / 191 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 389 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 3 .
3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 449 .
4 ـ قرب ا لإسناد : 368 / 1318 ، ا لكافي 3 : 30 / 6 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 64 / 179 ، و91 / 243 ، ا لاستبصار 1 : 62 / 184 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 417 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 24 ، ا لحديث 4 .

(الصفحة 498)

آلـة ا لمسح ، لا مقدار ا لممسوح ا لذي هو مورد ا لنزاع هنا ، وحينئذ فا لواجب طرح ا لروايـة ; لعدم وجود قائل بوجوب كون ا لآلـة هو مجموع ا لكفّ ; حتّى ا لصدوق ا لقائل بوجوب مسح مقدار ا لكفّ(1) ، فإنّ ظاهره وجوب مسح هذا ا لمقدار ولو حصل بإصبع واحدة فتدبّر .

ومنها :روايـة عبدا لأعلى(2)  قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : عثرت فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع با لوضوء ؟ قا ل : «يُعرف هذا وأشباهـه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قا ل الله تعا لى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ا لدِّينِ مِنْ حَرَج)(3)  امسح عليـه»(4) .

وتقريب دلالتها : أنّه لولا وجوب مسح مجموع ظهر القدم ، لما كان للأمربالمسح على ما وضع عليه المرارة ـ مستشهداً بآيـة نفي ا لحرج ـ وجـه ، كما هو غير خفيّ .

ولكن ذلك مبني على أن يكون ا لظفر ا لمنقطع عن إصبعـه هو ظفر إصبع ا لرجل ; إذ لو كان ا لمراد بـه هو ظفر أصابع ا ليد لكانت ا لروايـة أجنبيّـة عن


1 ـ ا لفقيـه 1 : 28 / ذيل ا لحديث 88 ، اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 213 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 399 .
2 ـ وقد صرّح ا لكليني في موضع أنّ هذا ا لرجل هو عبدا لأعلى بن أعين(أ) ووثّقـه ا لمفيد(قدس سره) (ب) بهذا ا لعنوان ، [المقرر دام ظلّه].
3 ـ ا لحجّ (22) : 78 .
4 ـ ا لكافي 3 : 33 / 4 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 363 / 1097 ، الاستبصار 1 : 77 / 240 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 464 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 39 ، ا لحديث 5 .
ــــــــــــــــــــــــــ
   أ ـ ا لكافي 5 : 334 / 1 .
   ب ـ جوابات أهل ا لموصل ، ضمن مصنّفات ا لشيخ ا لمفيد 9 : 39 ، تنقيح ا لمقا ل 2 : 132 / ا لسطر7 .

(الصفحة 499)

ا لمقام ، وحينئذ نمنع دلالـة ا لروايـة على ا لأوّل ; إذ من ا لمحتمل هو ا لثاني ، وجملـة «عثرت» لاتنافيـه ; لأ نّـه بمعنى ا لسقوط على ا لوجـه ، وهو قد يوجب انقطاع ظفر ا ليد أيضاً ،كما هو غير خفيّ(1) .

ونظيرها موثّقـة عمّار ، قا ل : سُئل أبوعبدالله (عليه السلام) عن ا لرجل ينقطع ظفره ، هل يجوز لـه أن يجعل عليـه علكاً ؟ قا ل : «لا ، ولايجعل إلاّ ما يقدر على أخذه عنـه عند ا لوضوء ، ولايجعل عليـه إلاّ ما يصل إ ليـه ا لماء»(2) .

فإنّها أيضاً محتملـة لما ذكرنا سابقاً ، ويؤيّده هنا قولـه : «ولايجعل عليـه . . .» إ لى آخره ، فإنّ وصول ا لماء إنّما يعتبر في ا لغسل دون ا لمسح .

ومن جميع ما ذكرنا ظهر : أ نّـه ليس هنا شيء يمكن ا لاستدلال بـه لوجوب ا لاستيعاب .

وأ مّا ما يدلّ على أنّ ا لواجب إنّما هو ا لمسح ببعض ا لقدمين كا لرأس فجملـة من ا لأخبار :

منها :ما ورد في ا لأخبار ا لكثيرة : من أنّ ا لإمام (عليه السلام) لم يدخل يده تحت ا لشراك(3) ، أو لم يستبطن ا لشراكين(4) .


1 ـ لا ينبغي ا لارتياب في ظهور عبارة ا لسؤال في كون ا لمراد با لظفر هو ظفر اصبع ا لرجل وعلى تقدير عدم ا لظهور يكفي في صلاحيـة ا لروايـة للاستدلال مجرّد ترك ا لاستفصا ل من ا لإمام (عليه السلام)  ، كما هو غير خفيّ ، [المقرر دام ظلّه].
2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 425 / 1352 ، الاستبصار 1 : 78 / 241 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 464 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 39 ، ا لحديث 6 .
3 ـ ا لكافي 3 : 31 / 11 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 90 / 237 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 414 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 23 ، ا لحديث 3 و 4 .
4 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 415 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 23 ، ا لحديث 8 ، و418 ، ا لباب 24 ، ا لحديث6 ، و460 ، ا لباب 38 ، ا لحديث 11 .

(الصفحة 500)

ودلالتها على عدم وجوب ا لاستيعاب من جانب ا لعرض ، مبنيّـة على أن يكون وضعـه بحيث يستر بعض ا لأصابع ، وأ مّا لو كان ساتراً لما هو خارج عن حدّ ا لمسح طولاً ، كما إذا كان ساتراً للمفصل ، فهي لاتدلّ على نفي وجوب ا لاستيعاب ، كما أ نّـه لو كان ساتراً لظهر ا لقدم ممّا هو داخل في ا لحدّ طولاً ، تصير هذه ا لأخبار دليلاً على عدم وجوب استيعاب ذلك ا لحدّ من طرف ا لطول أيضاً .

ومنها :صحيحـة زرارة وبكير ا لمتقدّمـة(1)  في مسح ا لرأس ، ا لمشتملـة على أ نّـه إذا مسح بشيء من رأسـه ، أو بشيء من قدميـه ما بين ا لكعبين إ لى أطراف ا لأصابع ، فقد أجزأه ، ودلالتها على كفايـة ا لمسح ببعض ا لقدمين ظاهرة .

ومنها :صحيحـة اُخرى لزرارة ا لمتقدّمـة(2)  ا لواردة في كيفيّـة استفادة مسح بعض ا لرأس وا لرجلين من ا لكتاب .

ودلالتها على كفايـة ا لمسح ببعض ا لأرجل واضحـة أيضاً .

ولو نوقش فيها : بعدم كونها مسوقـة لبيان هذه ا لجهـة ; لأنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر .

فنقول : هذه ا لروايـة ـ من حيث ورودها تفسيراً للآيـة ا لشريفـة ـ يستفاد منها أنّ كلمـة ا لباء ا لمفيدة للتبعيض لاتنحصر با لرؤوس ، بل ا لأرجل أيضاً كذلك ، فهي إمّا أن تكون مجرورة معطوفـة على ا لرؤوس ، أو منصوبـة معطوفـة على محلّ نفس ا لمجرور .

وعلى ا لتقديرين يستفاد ا لاكتفاء با لبعض ، لا من نفس ا لروايـة ليناقش فيها بما ذكر ، بل من ا لآيـة بضميمـة ا لروايـة ا لواردة في تفسيرها .


1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 449 .
2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 448 .

<<التالي الفهرس السابق>>