في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة121)

ولا تتيسّر مجابهة العدو دون توفير العدة والاستعداد للمنازلة ، ويتمثّل هذا الاستعداد والتجهيز من خلال إعداد الجنود المضحّين والمسلّحين وتفعيل هذا الاستعداد حيال العدو .
الشرط الثالث: ويعدّ أساس الشروط ، بل لا معنى للشرطين المذكورين دونه ، ويتمثّل بالقائد المقتدر والآمر الكفوء الذي يقود القتال بكلّ بسالة مستنداً إلى العلم والبصيرة والمعرفة التامّة بأساليب القتال ، بغية تحقيق النصر الخاطف على العدو بأقلّ التضحيات .

الآيات الثلاث:
أمّا الآيات الثلاث فقد وردت في سورة البقرة ، وهي:ـ
{أَلَمْ تَرَ ِلَى الَّذِينَ خَرَجُوامِن دِيَارِهِمْوَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَالْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}(1) .
فالآية تضمّنت ثلاثة أُمور مهمّة ، وهي:
الأوّل: إنّ الفرار خشية من الموت لا يمنع من حلول الأجل .
الثاني: إنّ الحياة والموت بيد الله لا بيد أيّ أحد سواه .
الثالث: إنّه لاينبغي أن يضعف الإنسان مخافة الموت ; لأنّ الحياة والموت بيد الله ، وليس للفكر من دور إزاء التقدير ، وفضل الله وإحسانه هو الفاعل في حياة الإنسان وموته ، فان كان الموت إحساناً فلا مناص منه والعكس صحيح .
وعليه : ففي الآية الكريمة براعة استهلالية تهدف إلى إعداد المسلمين للجهاد والقتال في سبيل الله ، ومن هنا أردفت هذه الآية بقوله سبحانه: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2) .


(1) سورة البقرة: الآية 243 .
(2) سورة البقرة: الآية 244 .

(الصفحة122)

{مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(1) .
فالآية تتابع الحثّ على القتال «في سبيل الله» وقد تصدّرت بـ «مَن» الاستفهامية ، وكأنّها تتحرّى الرجل الذي ينهض بهذه المسؤوليّة الخطيرة ليمارسها بنجاح بعد أن يعدّ متطلّباتها . وعليه : فالآية ليست في مقام الحثّ على الإقراض فحسب ، فهي تهدف أمراً آخر إلى جانب ذلك ، وهو أنّ المقرض هو الإنسان والمقترض هو الله سبحانه ، وكأنّ الله مدّ يده إلى الإنسان سائله شيئاً .
ومن هنا فالذي يخلص من ذكر هذا الأمر في آية القتال أنّ الغرض الأصلي من هذا القرض هو أنّ بذل المال والنفس ينشد تحقيق هدف التوحيد ، ولذلك كان المقترض الله ، لأنّ بذل المال والنفس كان في سبيل الله ، ونتيجة ذلك كلمة التوحيد ، فلو جعل الإنسان كلّ ما يملك وقفاً في سبيل الله فإنّ ثواب ذلك سيكون عوضاً مطلقاً لا متناهياً .
وبناءً على ماتقدّم فإنّ الآية الشريفة بسياق الطلب تمثّل أعظم حثّ لإثرة المال والنفس في سبيل الله ، وهو الحثّ والترغيب الذي يغلق على الإنسان كافّة طرق التعذير من قبيل المرض والتمارض والخوف وما شابه ذلك .
والذي يؤيّد هذا الاستنباط بل دليله هو أنّ أغلب الآيات التي تحدّثت عن القرضة الحسنة في السور القرآنية كالمائدة والتغابن والحديد والمزمّل وغيرها من السور إنّما وردت كامتداد لآيات القتال في سبيل الله .
3ـ آيات قصة طالوت التي شرعت بالآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَِ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ . . .}(2) ومرّ علينا تفصيلها ، ولاحظنا الشرائط التي تضمّنتها الآيات بشأن زعامة طالوت .


(1).(2) سورة البقرة: الآيتان 245 ـ 246 .

(الصفحة123)

هذه الآيات الثلاث وهدفها:
قلنا: إنّ هذه الآيات تلفت انتباه المسلمين للقتال «في سبيل الله» ، وقلنا: إنّ هذه الآيات التي تختزن النصر في هذا القتال ، وترشد المسلمين إلى أنّ النصر يتقوّم بثلاثة عناصر:
1ـ ضرورة عدم خشية الموت ووجوب الإيمان بأنّ الحياة والموت بيد الله ، وعليه : فينبغي القتال وعدم الخوف .
2ـ يتطلّب القتال في سبيل الله إعداد القوى والتجهّز والتعاون على مستوى المال والنفس .
3ـ أنّ الشرط الأساسي للنصر هو وجود القائد الكفوء ، الذي يستطيع توظيف القوى الإنسانية وتعبئتها على الوجه الحسن ، وعليه : فقصّة طالوت تكشف النقاب للمسلمين عن حقيقة وواقع ، وترى ضرورة وجود القائد الجدير الذي يحقّق النصر للمسلمين ، الأمر الذي أفادته قصة طالوت في إنشاد الإسلام لهذا الزعيم الرشيد ، القادر ، العالم والماهر ليستبسل المسلمين تحت رايته ويحقّقوا العزّة والافتخار ، ولا تفيد الآية كون الزعيم الإسرائيلي لابدّ أن يكون زعيماً كفوءاً قط ، بل رسمّت هذه القصة صورة هذا القائد الكفوء لتلفت نظر المسلمين إلى الشرائط التي تكهّن بها القرآن في القيادة ، ولا نرى أنفسنا بعد هذا الإيضاح بحاجة للقول: إنّ الدين الإسلامي لاينسخ الأُصول المسلَّمة لسائر الأديان ، وحيث لم يكن ناسخاً فإنّ شرائط القيادة والإمامة وإمرة الجيش في سائر الأديان قد روعيت في الإسلام .
وأمّا الإجابة على السؤال الثاني: أنّ إمرة الجيش سنخ من الشرائط . . .
فلابدّ أن نرى هل المراد بالملك في الآية الشريفة إمارة الجيش فقط ، أم أُريد بها معنى أوسع ولابدّ من التعبير عنه بالزعيم؟ فسّرنا ذلك في المباحث السابقة

(الصفحة124)

بأمير الجيش أحياناً والزعيم أحياناً اُخرى ، وذلك أنّهم سألوا ملكاً ، وكان هدفهم في ذلك السؤال زعامة الجيش والقتال في سبيل الله ، ومن هنا عبّرنا أحياناً بأمير الجيش ، وبناءً على ما تقدّم فإنّ هذا الملك هو الزعيم .
ولذلك سوف لن يعود هنالك من مجال للسؤال في أنّ آمر الجيش طبق الموازين الطبيعية يجب أن يكون مقتدراً عالماً بفنون الحرب والقتال ، فهل هذه الشرائط معتبرة في الإمام؟ لأنّ الفرض كان يقوم على أساس أنّ الملك هو الزعيم والإمام ، فالآية الكريمة قد بيّنت شرط الزعامة والإمامة بصورة شاملة مطلقة وبمعنى أوسع من إمارة الجيش .

دليلنا:
دليلنا على أنّ المُراد بكلمة «الملك» ذلك المعنى الواسع ـ أي الإمام ـ هو اعتقاد الطبقة الاقطاعية من بني إسرائيل والنُبلاء ، بأنّهم أحقّ بالملك من غيرهم ، وذلك لأنّهم كانوا يرون أنّ الزعامة قضية وراثية ، ولا ينبغي أن ينهض طالوت بهذه الزعامة ; لأنّه ينتمي إلى طبقة فقيرة معدمة في المجتمع لم تكن ذات سابقة في الزعامة . ولذلك أوردنا برهانين أقامهما هؤلاء المعترضون على نبيّهم:
1 ـ الملك حقّ من حقوقنا ومنحصر في سلالتنا .
2 ـ طالوت لا ينتمي إلى طبقة ثرية ليصبح زعيماً .
القرآن بدوره فنّد هذه النظرية ليعلن أنّ الزعامة ليست قضية وراثية ولا ترتبط من قريب أو بعيد بالغنى والثراء ، بل هي منصب إلهي ، ينهض به من تتوفّر فيه شرائطه من قبيل القدرة والعلم والبسطة في الجسم والبصيرة بأوضاع المجتمع .
أضف إلى ما تقدّم أنّ الإسلام لا يرى الزعامة منصباً شكليّاً ، بل هو مقام رسمي مهمّ تكون بموجبه كافّة مقدّرات المسلمين بيد الزعيم ، أي لابدّ أن يكون

(الصفحة125)

قائداً عالماً متفكّراً ، محيطاً بالحلال والحرام وأحكام القرآن وتعاليم الإسلام ، وسائقاً الأُمّة إلى عبادة الله والتمسّك بكتابه وسنّة رسوله ، كما ينبغي أن يُعالج مشاكل الأُمّة ، وإذا اقتضت المصلحة أن يخوض الحرب ، كان هو القائد العام للقوّات المسلحة ، الذي يمارس حضوره الشخصي في جبهة القتال .
وخلاصة القول: إنّ الإمام في الوقت الذي يعتبر فيه الزعيم الديني والعلمي للاُمّة ، فهو قائد للبلاد وآمر للجيش في الحرب وقاضي في المحكمة .
والآية صريحة في أنّ الملك والزعيم قد يكون أمرآ للجيش وقائداً عاماً للقوات المسلّحة أحياناً . وعليه : فليس هنالك ما يدعو لطرح السؤال الثاني لنجيب عليه .
ولنفترض أنّ الآية اقتصرت على شرائط آمر الجيش وكان هذا هو المراد من الملك ، وقد ذكرنا بأنّ الموازين الطبيعية تقتضي أن يكون الآمر فرداً عالماً بفنون الحرب والقتال ومؤهّلا لقيادة الجيش وقوياً ومقتدراً ، ومع ذلك فينبغي لنا أن نلتزم بهذه الشرائط بالنسبة للإمام أيضاً ; لأنّنا قلنا سابقاً: إنّ ولاة الأمر هم أئمّة لابدّ من اتّباعهم وطاعتهم في جميع الأُمور السياسية والاجتماعيّة والعسكرية .
وبعبارة أُخرى : فالأولى أن نقول بأنّ الإمام لابدّ أن يشتمل على هذه الشرائط ; لأنّه لا يمكن أن يكون مطاعاً مطلقاً ، وليست فيه مثل هذه الشرائط ، بينما إذا اشترك في القتال كان هو القائد العام للقوّات ، وعلى الأُمراء اتّباعه وطاعة أوامره .

أمير المؤمنين (عليه السلام) وآيات قصّة طالوت :
ما أوردناه سابقاً تفصيلا لما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في رواية نقلها صاحب تفسير نور الثقلين عن كتاب «الاحتجاج» للطبرسي . فقد قال (عليه السلام) : «اسمعوا ما أتلو

(الصفحة126)

عليكم من كتاب الله المُنزل على نبيّه المرسل لتتّعظوا ; فإنّه والله أبلغ عظة لكم ، فانتفعوا بمواعظ الله وازدجروا عن معاصي الله ، فقد وعظكم بغيركم ، فقال لنبيّه (صلى الله عليه وآله) : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَِ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ . . .} ، أيّها الناس إنّ لكم في هذه الآيات عبرة ; لتعلموا أنّ الله جعل الخلافة والإمرة من بعد الأنبياء في أعقابهم ، وأنّه فضّل طالوت وقدّمه على الجماعة باصطفائه إيّاه وزيادة بسطة في العلم والجسم ، فهل تجدون الله اصطفى بني أُميّة على بني هاشم . وزاد معاوية علَيَّ بسطة في العلم والجسم»(1) .
لقد وردت الآية بشأن قوم من بعد موسى (عليه السلام) قالوا لرسولهم: ابعث لنا ملكاً نُقاتل في سبيل الله ، فأجابهم نبيّهم: هل عسيتم إن كُتب عليكم القتال ألاّ تُقاتلوا؟ فقالوا بصوت واحد: وما لنا ألاّ نُقاتل في سبيل الله وقد أُخرجنا من ديارنا وأبنائنا! ولكن ما إن كُتب عليهم القتال حتّى تراجعت هذه الجماعة التي أعربت عن استعدادها للقتال ، ولم تصمد منهم إلاّ فئة قليلة {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(2) .
أمّا ما نخلص إليه من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أنّ الخلافة وإدارة شؤون البلاد قد جعلها الله في الأنبياء ومن بعدهم في أعقابهم من الخلفاء الذين يمثّلون الامتداد الطبيعي لخطّ الرسالة ، وأنّ قصّة طالوت عبرة للاُمّة الإسلاميّة في معرفة الإمام ، وأنّها قد وضّحت وظيفة المسلمين تجاه الإمام ، وأنّ الله قد اختار طالوت من بين القوم لعبوديته الخالصة وحيازته لشرائط الإمامة . وأنّها قد أماطت اللثام عن كيفية النهوض بالإمامة وزعامة الأُمّة ، وأ نّ بني هاشم أولى بهذه الزعامة من بني أُميّة ، وأن ليس هناك من بني هاشم من هو أجدر بالإمامة من علي (عليه السلام)  ، وليس


(1) تفسير نور الثقلين: 244 ح 970 عن الاحتجاج 1: 407 ـ 408 .
(2) سورة البقرة: الآية 246 .

(الصفحة127)

لمعاوية الذي يفتقر لشرائط الإمامة أن ينهض بهذه المسؤولية ، وأخيراً نفهم من قول علي (عليه السلام) أنّ قضية طالوت ليست قصّة روائية ، بل هي حادثة تهدف إلى تعريف المسلمين بشرائط الإمامة ، وأنّ قصة طالوت موعظة للمسلمين في أنّ الإمام هو الفرد الصالح ، الكفوء ، العليم ، القدير الذي لا يُضاهيه أحد في هذه الصفات ، كما أنّ القرآن لا يرى من جدير بإمامة المسلمين سوى علي (عليه السلام) وأولاده; لأنّهم يمثّلون مصداقها التام ، وقد جمعت فيهم شرائط ومقوّمات الإمامة .


(الصفحة128)






(الصفحة129)



{ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (سورة آل عمران، الآيتان 33 ـ 34)



(الصفحة130)






(الصفحة131)






عود إلى شرائط الإمامة المستفادة من القرآن

آية الاصطفاء

نتابع دراسة الآيات القرآنية في إطار التعرّف على شرائط الإمامة:
فقد ورد في سورة آل عمران قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
يقوم الاستدلال بهاتين الآيتين على اُمور هي:

الأمر الأوّل :
لقد استعملت كلمة «الاصطفاء» على أربعة أنحاء ، حيث يختلف معناها في كلّ قسم من هذه الأقسام ، فأحياناً تستعمل دون حرف ، واُخرى مع «من ، على واللام» والاصطفاء كما ذكرنا سابقاً على وزن الافتعال ، وأصلها من «صفو» بمعنى الخالص ، فالاصطفاء هو الانتخاب والاختيار الخالص .
فإن استعملت بدون حرف كان معناها الخالص ، وهكذا وردت في سورة

(الصفحة132)

آل عمران: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَيكِ وَطَهَّرَكِ}(1) والدليل هو وحدة السياق في الآية الشريفة ، وإذا جاء معها الحرف «من» فهي تعني الانتخاب من بين جماعة ، وهذا ما نلمسه في سورة فاطر: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(2) . أمّا إذا استعملت مع «على» فإنّها تفيد ترجيح المنتخب . فهي وإن اشتركت مع المعنى المُراد في القسم الثاني ; أي الانتخاب الخالص ، إلاّ أنّها تفرق عنه بأنّها تتضمن ترجيح المنتخب ، وهذا ما ورد في قصّة طالوت التي أشرنا إليها آنفاً {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَيهُ عَلَيْكُمْ} (3). ولذلك وردت استفهامية في سورة الصافّات {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ}(4) أي ليس هنالك من ترجيح وانتخاب في هذا الأمر .

رفع إشكال :
لقد تضمّن معنى «الاصطفاء» رفع إشكال من شأنه تشويش أذهان العوامّ ، فقد صرّح القرآن بشأن مريم قائلا: {وَاصْطَفَيكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}(5) . يعتقد البعض أ نّ مريم مصطفاة على كافّة نساء العالم ، والحال أنّ الآية لا تفيد أيّ اصطفاء بالنسبة لعامّة نساء العالم ولا امتياز عليهنّ «أنت مصطفاة وممتازة من بين نساء العالم» . فهي ليست منتخبة على جميع النساء وليس لها من امتياز على الجميع ، بل هي مصطفاة من بين نخبة النساء ، ونعلم أنّ مريم من المصاديق العُليا للنساء الجليلات: مريم عابدة ومطهّرة ، وهذا لا يتنافى ووجود سائر النساء الجليلات الاُخريات في هذا الجنس البشري ، والكلام يختصّ بكونها


(1) سورة آل عمران: الآية 42 .
(2) سورة فاطر: الآية 32 .
(3) سورة البقرة: الآية 247.
(4) سورة الصافّات: الآية 153.
(5) سورة آل عمران: الآية 42 .

(الصفحة133)

منتخبة ، ولاسيّما أنّ هذا الانتخاب والترجيح يتعلّق بأمر غير طبيعي ، وهو الحمل دون وجود الزوج ، فقد خلق الله مريم على درجة من الطهر والعفاف بحيث إنّ الأذهان لا تتصوّر أيّ طعن في طهرها وعفافها من جرّاء هذا النوع من الحمل ، وهناك رواية تؤيّد ما ذهبنا إليه(1) .
الأمر الثاني : هل أنّ اصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين إلى الأبد على ضوء الآية {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}؟

الجواب :
ذكرنا سابقاً أنّ كلمة «الاصطفاء» إذا استعملت مع حرف الجرّ «على» أفادت معنى الترجيح في انتخاب فرد أو أكثر على الآخرين ، فمعنى الآية أنّ الله انتخب آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ـ الذين يمثّلون الصفوة ـ من بين سائر أفراد العالم .
إذن ، فالانتخاب من بين العالمين ، وأنّ المنتخبين من أصفياء العالم ، لا أنّ الانتخاب على جميع العالم وأنّ للمنتخبين امتياز على العالم ، والله أعلم .
ويؤيّد ذلك المعنى الآيات من سورة الأنعام: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}(2) .


(1) راجع مجمع البيان 2: 289 ذيل الآية الشريفة «وَاصْطَفَيكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»  .
(2) سورة الأنعام الآيات 84 ـ 86  .

(الصفحة134)

ونعلم أنّ هؤلاء الأنبياء ليسوا مصطفين على العالم ، وقد انتخبوا بالتفضيل الإلهي من بين العموم ، ومن أراد المزيد فليراجع تفسير أحد الكاتِبَيْن(1) .

جواب آخر :
قد يُقال بأنّ آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران قد اصطفوا على العالمين ، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ نوحاً مثلا قد اصطُفِي على جميع العالمين . نعم ، آدم ونوح و . . . مصطفون على العالمين بمعنى عدم خروج آل الرسالة المصطفين من هؤلاء .
المصطفى الأوّل هوآدم (عليه السلام) الذي اصطفاه الله على عالمه آنذاك ، ثمّ نوح وهكذا آل إبراهيم وآل عمران ، حيث إنّ كلّ واحد في هذه الآل مصطفى على عالم زمانه . و محمّد (صلى الله عليه وآله) النبي العربيوهو من آل إبراهيم مصطفى منذ زمان بعثته المُباركة حتّى الأبد .
وبعبارة أوضح: فإنّ المصطَفين على عالم البشرية منذ بدء الخليقة يبتدئون بآدم (عليه السلام) ويختتمون بآل إبراهيم (عليه السلام) بحيث إنّ كلّ واحد منهم مصطفى الله على أهل زمانه ، حتّى ظهور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي يُعتبر مصطفى من قبل الله منذ انطلاقة البعثة إلى الأبد ما دام عالم البشرية قائماً ، فليس هنالك من نبوّة لكافّة العالمين وفي كافّة أدوار التأريخ من غير هؤلاء وإن اختصّ كلّ واحد منهم بزمانه ، أمّا من حيث المجموع فهم المصطَفون على العالمين على مدى التأريخ ، والله اعلم .
أمّا مريم فهي تشتمل على مزية تميّزها على سائر النساء ، وهي مزية الحمل من دون الزوج ، وهو الحمل الذي لا ينطوي على أيّ مساس بعفّة مريم وطهرها .
الأمر الثالث : من هم آل إبراهيم وآل عمران؟
جاء في المنجد: «أنّ آل الرجل أهله ، ولا يستعمل إلاّ في ما فيه شرف»(2) لا


(1) تفسير كلام الحقّ للشيخ شهاب الدين الإشراقي .
(2) المنجد في اللغة: 21 ، مادّة «آل» .

(الصفحة135)

كلّ أهل وأينما كانت كلمة «أهل» لتقيّد صفة المضاف إلى المضاف إليه ، فيُقال مثلا: «أهل العلم» أي الأفراد الذين يتّصفون بصفة العلم ، وأهل قم ، وحيث إنّ الآل هي صفوة الأهل فإنّ آل إبراهيم تعني الخواصّ والصفوة من أهل إبراهيم (عليه السلام)  .
لإبراهيم (عليه السلام) ولدان هما إسماعيل وإسحاق ، والمُراد بآل إبراهيم خلفه وولده المصطَفون من قِبل الله ، فهل هم الأنبياء والمصطَفون من ذريّة إسماعيل والأنبياء من ذريّة إسحاق أيضاً؟
ولعمران ولدان هما عمران والد موسى (عليه السلام) وعمران والد مريم (عليهما السلام)  ، وربّما كان المُراد بعمران التي أضيفت إلى الآل في الآية الكريمة والد مريم ، فآل عمران في هذه الحالة هم المصطفون من هذه الطائفة ، ويؤيّد ذلك الآيات اللاحقة من هذه السورة المُباركة التي ذكرت مريم مشيرة إلى أصالتها . كما يمكن أن تكون آل عمران شاملة للطائفتين ; لأنّ كلمة عمران رغم أنّها إسم علم لكنّها تنطبق على مسمّيين أيضاً ، إلاّ أنّ هذا الاحتمال ليس معتبراً علميّاً .

مَنْ هُم آل إبراهيم ؟
آل عمران كلّ واحد من الطائفتين أو الطائفة الخاصّة من والد مريم ، أمّا آل إبراهيم فتقتصر على ذريّة إسماعيل ، لأنّ العطف دليل على المغايرة ، ويؤيّد كون آل إبراهيم هم ذريّة إسماعيل قوله عزّوجل في الآية 58 من سورة مريم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} فقد فصّل ذريّة إبراهيم عن ذريّة إسرائيل ، في حين أنّ إسرائيل هو يعقوب وهو من أولاد إسحاق بن إبراهيم .
ومن هنا يعلم بأنّ القرآن لم يرد بذرّية إبراهيم سوى أولاد إسماعيل ، والدليل الأوضح على ذلك ما نحن بصدده من الآية {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض} لأنّ الذريّة

(الصفحة136)

وردت بدل من آل إبراهيم وآل عمران ، أي أ نّ آل إبراهيم وآل عمران ذرّية واحدة ; لأنّ والد الآلين هو إبراهيم . أمّا {بَعْضُهَا مِنْ بَعْض} فمعناه انفصال وتفرّع البعض من ذريّة والبعض الآخر من ذريّة أُخرى .
وبعبارة أيسر: أنّ معنى العبارة رغم أنّ آل إبراهيم وآل عمران ذرّية واحدة ، غير أنّ آل عمران من ولد وآل إبراهيم من ولد آخر ، وعليه فآل عمران من يعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل ، وآل إبراهيم من إسماعيل بن إبراهيم .

هدف سام :
لِمَ عبّر القرآن الكريم عن ذريّة إسماعيل بآل إبراهيم ، وعن أولاد إسحاق بآل عمران؟
لعلّ المغزى في هذا التعبير رغم أنّ الاثنين هما آل إبراهيم ، هو هدف سام وبقصد إفادة مطلب أساسي . فآل إسحاق قد انقطعوا عن مقام النبوّة السامي وسيحلّ اليوم الذي يزول فيه دين إسحاق ، وبالتالي فإنّ الدين الإسلامي العالمي سيستوعب جميع القوانين السماوية .
إذن ، فالذرّية الحقيقية لإبراهيم الحافظة لهدفه السامي القائم على أساس التوحيد والتسليم لله إنّما تنحصر في ولد إسماعيل ، وبالنهاية فإنّ النبي العربي محمّداً (صلى الله عليه وآله) هو الحافظ لدعوة إبراهيم (عليه السلام)  ، وقد لفت القرآن الأنظار لهذه الحقيقة ، حيث قال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ}(1) .
وبناءً على هذا يمكن القول بأنّ آل إبراهيم منحصرون في الصفوة من ولد إسماعيل ، إضافة إلى أنّ أتباع سائر الأديان كالنصرانية واليهودية قد أحدثوا من


(1) سورة آل عمران : الآية 68  .

(الصفحة137)

الخرافات والخزعبلات والتحريفات في الدين الأصيل لموسى وعيسى ، بحيث زالت معالم الدين بالمرّة ولم يبق منه سوى الأوهام والخرافات ، وذهبت الجهود المضنية لإبراهيم (عليه السلام) والتوحيد الخالص لله أدراج الرياح .
ولذلك فصل الحقّ سبحانه عنواني النصرانية واليهودية عن أتباع عيسى وموسى (عليهما السلام)  ، وسلخ إبراهيم (عليه السلام) عنهما ، فقال عزّوجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(1) . ونوكل الخوض في التفاصيل إلى محلّ آخر .
الأمر الرابع : الأمر المهمّ الذي يمثّل الهدف الأساسي في الآية هو كيفيّة تعبير القرآن الكريم ، فقد نسب الاصطفاء لشخصين وطائفتين {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} . فقد ذكر الله إسم هؤلاء المنتخبين من بين عباده ، فالفرد المخلص الأوّل هو آدم ، والفرد المخلص الثاني هو نوح ، والطائفة الخالصة الأُولى هي آل إبراهيم ، والثانية آل عمران .
فنرى إسم نوح قد ذكر بعد آدم رغم قدوم عدّة أنبياء ، كما اقتصر الحديث على آل عمران من بين آل إسحاق ، فآدم أوّل أنبياء الله ، وقد ركّز القرآن عليه حتّى أسهب في الحديث عنه في سورة البقرة ، كما أنّ لنوح عدّة مزايا ، ربّما منها كونه يمثّل آدم الثاني بالنسبة للبشرية إثر انقراض البشرية في زمانه وتجديد الحياة ثانية .
أمّا السؤال المهمّ هنا هو لِمَ هذا الاهتمام بآل عمران؟ ولعلّ سبب ذلك يعود إلى ظهور أنبياء عظام في هذه الآل ، بحيث ما زال أغلب الناس ينسب نفسه إليهم ، فمنهم موسى وعيسى (عليهما السلام)  ، وقد راعى القرآن جانب الاختصار في تعبيره بآل عمران عن نبوّات ولد إسحاق ، الأمر الذي يطول شرحه .
والسؤال الأهمّ: ما السبب في التعبير بآل إبراهيم؟


(1) سورة آل عمران : الآية 67  .

(الصفحة138)

وكأنّ التعبير بآل إبراهيم الذي يسلّط الضوء على نبوّة إبراهيم ـ وبالالتفات لما ذكرنا من أنّ آل إبراهيم مختصّة بذريّة إسماعيل ـ يشير إلى زعماء الإسلام وعلى رأسهم زعامة محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) وخلفه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)  ، فهم من آل إبراهيم ، وأنّهم حقّاً جديرون بهذا الانتساب ، أي الانتساب بصفتهم آل إبراهيم إلى هذه الطائفة من زعماء الدين للعالم .
وبناءً على ما تقدّم فإنّ القرآن قد طرح أساس الزعامة العالمية للبشرية منذ بدء الخليقة على الأرض حتّى انتهائها ، فقد تزعّم آدم (عليه السلام) العالم في بدايته ، ثمّ تجدّد هذا الأساس من قبل نوح بعد انقراض البشرية في الطوفان ، كما أنّ الزعماء الأصليين لعالم الأمس واليوم والغد هم آل عمران وآل إبراهيم . وأنّ زعيم طائفة آل إبراهيم في العالم منذ ألف وثلاثمائة وبضع سنوات قبل إلى القيامة هو محمّد (صلى الله عليه وآله) ومن بعده زعماء الإسلام من آل محمّد وآل إبراهيم; وذلك لأنّه كما ذكرنا سابقاً أنّ آل إبراهيم الذين ينتمون إلى ذريّة إسماعيل ، وآل محمّد الذين ينتمون إلى آل إبراهيم ليسوا إلاّ الصفوة من بني هاشم .

هدف الآية :
تهدف هذه الآية إلى تثبيت أصالة الإسلام وأئمّة المسلمين ، فقد أوضح القرآن بإعجازه في آية قصيرة زعامة العالم منذ نشوء الخليقة إلى القيامة . فكما انتخب الله آدم ونوحاً ، فإنّه انتخب واصطفى آل عمران وآل إبراهيم ، وقد جمع الزعامة العالمية في ذانك النبيّين العظيمين وهاتين الطائفتين .
وعليه : فإنّ عالم المسيحية واليهودية وإن نظر إلى آدم ونوح وآل عمران على أنّهم مصطَفون من قبل الله ، لابدّ أن ينظر أيضاً إلى أنّ آل إبراهيم وأئمّة الإسلام ـ الذين ينسبون إلى محمّد ـ على رأس هذه السلسلة من الزعماء ، ومع هذا

(الصفحة139)

الفارق وهو أ نّ إبراهيم يمثّل منشأ التوحيد الخالص ، وأنّ استمرار هذا الهدف السامي سينتهي إلى ولد إسماعيل .
وبناءً على هذا فإنّ ذريّة إسماعيل هي الحافظة لمركز التوحيد الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، وأنّ صفوة هذه الذريّة هم محمّد وآل محمّد .

نتيجة هذه الأبحاث :
كنّا نروم من هذه الأبحاث الدلالة التامّة للآية على الزعامة المطلقة لأئمة بني هاشم ، فالآية تدلّ على أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) هم الزعماء بلا منازع ، كما دلّت ضمنياً على أنّ زعماء الإسلام وأئمّة الهدى مصطَفون من قِبل الله ، وأنّ البشرية تحتاج إلى أولياء الله من زعماء آل إبراهيم والأئمّة الأطهار في عرض النبوّة وكونهم يمثّلون الإمتداد الحقيقي لهذه النبوّات .
وفي الآية دلالة ضمنية في أنّ هؤلاء الأئمّة إنّما يواصلون تحقيق هدف إبراهيم في إشاعة التوحيد والعبودية الخالصة لله ، وأنّهم صفوة مصطفاة على غرار مصطفي الوحي من الأنبياء ، وأنّ الله قد رجّحهم على ما سواهم ; لاشتمالهم على الكمالات التي تميّزهم عن غيرهم .
إذن ، فهؤلاء ممّن جمعت فيهم شرائط الإمامة من قبيل الطهارة والبصيرة بالأوضاع الاجتماعيّة والعلم بأسرار القرآن والوحي وخفايا عالم الخليقة ، وبُعدهم عن الظلم والشرك والخرافات والجهل ، بل هم على درجة من الاقتدار والعلم والإحاطة بعالم الآخرة ، بحيث اتّصفوا بجدارتهم وصلاحيتهم لزعامة وحفظ دعوة إبراهيم ، وبالتالي فقد جمعوا ما يؤهّلهم لاصطفائهم من قِبل الله على الناس ، فقد كانوا الصفوة الطاهرة التي اصطفاها الله لزعامة الأُمّة .


(الصفحة140)

الحسين (عليه السلام) والآية الكريمة:
لقد تلا الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الآية المباركة: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً . . .}(1) لمّا برز ولده علي الأكبر للقتال . لقد سمعنا مقالة الإمام أو قرأناها في المقاتل(2) ، إلاّ أنّنا لم نلتفت لسبب استشهاد الإمام (عليه السلام) بها ، فقد طرح الإمام حقّانيته في زعامة الأُمّة والهدف من نهضته تجاه حكومة وزعامة يزيد الفاجر ، ليعلم الناس بأنّ حركة الإمام ودعوته في إمامة المسلمين إنّما تستند لمنطق القرآن الكريم . وليدرك العرب بأنّ القرآن الكريم هو الذي صرّح ونصّ على زعامته ، فإذا تعرّض إلى ما تعرّض له من جور يزيد وظلمه فليس له من ذنب سوى ذلك! وليعلم سلطة اليزيدية الحاكمة وجلاوزتها بأنّ الحقّ مع الإمام ، وأنّ الفرد المصطفى من آل إبراهيم لزعامة الأُمّة هو الإمام المظلوم سيّد الشهداء (عليه السلام)  ، وليعلم الباحثون والمحقّقون الضالعون في القرآن الكريم أ نّ إمامة المسلمين إنّما تعيّن من قِبل الله لا الشورى والانتخابات . وليعلم العالم بأنّ الحسين (عليه السلام) صفوة المخلصين لله الحائز على شرائط إمامة المسلمين والجدير بهذا المنصب . هذه هي الحقائق التي رام الإمام إيصالها إلى الآخرين بتلاوته للآية الشريفة .

الآية المُباركة وأحاديث الإمامية:
لقدجمع الفيض الكاشاني ـ العالم والمحقق الجليل ـ عدّة روايات مُعتبرة وأطلق عليها إسم «نوادر الأخبار في ما يتعلّق باُصول الدين» . ومن بينها رواية مفصّلة هي عبارة عن حديث دار بين ابن عباس وأمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن وصيّة النبي (صلى الله عليه وآله) بعلي (عليه السلام)  ، جاء فيها : إنّ علياً (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ثمّ أنت يا عليّ من أئمّة


(1) سورة آل عمران: الآية 33 .
(2) لواعج الأشجان  ، للعلاّمة العاملي ص 136 .
<<التالي الفهرس السابق>>