جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج1 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة361)

ثانيها : إنّه هل الأدلة المانعة عن الصلاة في جلد الميتة منصرفة عن الميتة الطاهرة وهي ميتة غير ذي النفس ، أو باقية على ظاهرها من العموم والشمول؟
ثالثها : انّه على فرض الانصراف هل تكون الحيوانات المائية لها نفس سائلة أم لا؟
رابعها : إنّه هل تكون التذكية ثابتة فيما عدى السمك من الحيوانات المائيّة أو تختصّ به؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لو قيل بحلية أكل لحم الخزّ أو بحرمته ، ولكن ادّعي انصراف الأدلة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائية ، فلازمه القول بصحّة الصلاة في وبر الخزّ ، وكذا في جلده من حيث مانعية غير المأكول .
وأمّا من حيث مانعية الميتة فجواز الصلاة فيه مبنيّ على القول بخروج الخزّ عن تحت الأدلة المانعة عن الصلاة في الميتة، إمّا موضوعاً بدعوى وقوع التذكية عليه ، وإمّا حكماً بدعوى انصرافها عن الميتة الطاهرة واختصاص المانعية بالميتة النجسة مع ادّعاء كون الحيوانات المائيّة أو خصوص الخزّ منها ليس لها نفس سائلة حتّى تكون ميتتها طاهرة ، فلا تدخل في تلك الأدلة ، وحينئذ ينتهي القول بجواز الصلاة في جلد الخزّ على وفق القاعدة ، ولا حاجة في إثباته إلى دليل كما هو واضح .
وأمّا لو قلنا بحرمة أكل لحم الخزّ ، كما عرفت أنّه معقد اجماع الأصحاب ، ولم نقل بانصراف الأدلة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائية ، فلازمه القول ببطلان الصلاة في جلد الخزّ وكذا في وبره ، إلاّ أن يدلّ دليل على خلاف ذلك ، وقد عرفت في صدر المسألة إنّه قام الدليل على الجواز في الوبر والاشكال إنّما هو في الجلد خاصّة .
والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّه لو كان وجه المانعية وبطلان الصلاة في جلد

(الصفحة362)

الخزّ منحصراً في كونه من أجزاء غير المأكول ، فلا يبعد أن يقال باستثناء جلد الخزّ وصحة الصلاة فيه كالوبر ، لأنّه بعد نهوض الدليل من النصّ والاجماع على استثناء الوبر ، تكون خصوصية الوبرية ملغاة بنظر العرف ، لأنّ الظاهر أنّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ ، وصحة الصلاة في أجزائه وبراً كان أو غيره كما لا يخفى .
وأمّا مع احتمال كون الخزّ ميتة لاحتمال عدم كونه كالسمك ، في أنّ خروجه من الماء كان علّة لموته ، كما يظهر من بعض الروايات ، حيث إنّ الإمام(عليه السلام)أجاب فيه عن السؤال عن الخزّ بأنّه سبع يرعى في البرّ ويأوي الماء(1) ، فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال ، إذ لو كان إخراجه من الماء مستلزماً لقتله لعدم تعيّشه في خارج الماء لأمكن أن يقال بحصول التذكية له بذلك كالسمك .
وأمّا مع تعيّشه في خارج الماء أيضاً بمعنى عدم كون إخراجه من الماء إماتة له لبقاء حياته بعد الخروج ولو ساعة ، فلا يمكن القول بثبوت التذكية له ، كما يظهر ذلك من فتاوى الأصحاب في نظائر المسألة ، حيث إنّهم يقولون: بأنّ حصول التذكية للحيوان الذي أصابه سهم ، أوجرحه كلب معلّم ، ومات بسببه قبل بلوغ الصيّاد إليه ، إنّما هو بذلك ـ أي بإصابة السهم أو جرح كلب معلّم ـ وأمّا إذا كانت حياته باقية بعد بلوغه إليه  ، فتحقّق التذكية إنّما هو بفري الأوداج ، ولا تكفي الإصابة أو الجرح .
هذا ، ولا يجوز أن يتمسّك للجواز باطلاق رواية معمر بن خلاّد عن الرضا(عليه السلام)المتقدّمة(2) ، لأنّ النسبة بينها وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة

(1) التهذيب 9: 49 ذ ح205 ; الوسائل 24: 191. أبواب الأطعمة المحرمة ب39 ح2.
(2) الوسائل 4 : 360 . أبواب لباس المصلّي ب8 ح5 .

(الصفحة363)

عموم من وجه . ولا دليل على ترجيح الاُولى في مورد الاجتماع ، وهي الصلاة في جلد الخزّ .
وأمّا رواية ابن أبي يعفور(1) ، فهي وإن كان موردها الصلاة في جلد الخزّ كما عرفت; إلاّ أنّ الاعتماد على مثلها مع وضوح حال سندها لا ينبغي من الفقيه ، وما ذكرنا من اتحادها مع رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة(2) ، فإنّما هو مبنيّ على الحدس ولا يجوز الاستناد إليه في مقام الفتوى . هذا ، والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل والاحتياط ممّا لا يخفى .

(1) الوسائل 4 : 359 . أبواب لباس المصلّي ب8 ح4 .
(2) الوسائل 4: 362. أبواب لباس المصلّي ب10 ح1 .

(الصفحة364)





حكم الصلاة في جلد السنجاب

من جملة ما قيل باستثنائه من عموم الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول ، الصلاة في جلد السنجاب(1) ، ويدلّ عليه أخبار كثيرة :
منها : ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العباس، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال : «لا بأس بالصلاة فيه»(2) والفراء جمع فرو ، والمراد به إمّا ما يظهر من بعض اللغويين من أنّه الحمار الوحشي ، وامّا ما يقال له بالفارسية: (پوستين) .
وعلى الأوّل لا يكون من أفراد غير المأكول  ، وعلى الثاني يمكن أن يكون

(1) المقنع : 24; النهاية: 97; المبسوط 1: 83 ; المعتبر 2: 86 ; شرائع الاسلام 1: 69; ارشاد الاذهان 1: 246; المنتهى 1: 228 .
(2) التهذيب 2 : 210 ح825 ; الإستبصار 1 : 384 ح1459; الوسائل 4 : 350 . أبواب لباس المصلّي ب4 ح 2 .

(الصفحة365)

المراد به الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء ، ويمكن أن يراد به مطلق الفراء ، وعليه فتكون الأدلة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له والمراد بأشباهه إمّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل ، وإمّا ما يكون مشابهاً لها من حيث أنّه يؤخذ الثوب من وبره .
وبالجملة: فدلالتها على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيها .
ومنها : ما رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق، عمّن ذكره، عن مقاتل بن مقاتل قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب؟ فقال : «لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن علي بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن علي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن(عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال : «لا تصلّ فيها إلاّ في ما كان ذكيّاً. قال: قلت: أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال : «بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه» قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ فقال : «لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب»(2) .
قوله(عليه السلام) : «إذا كان ممّا يؤكل لحمه» إنّما يكون قيداً لجواز الصلاة في الذكي لا لقوله: «نعم» كما لا يخفى .
والتعليل الوارد في هذه الرواية والتي قبلها لجواز الصلاة في السنجاب بأنّه دابّة لا تأكل اللحم يشعر بثبوت الحكم في ما يكون كذلك ، أي غير سبع ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، اللّهم إلاّ أن يقال: إنّه ليس علّة للحكم بل حكمة له .

(1) الكافي 3: 401 ح16; الإستبصار 1: 384 ح1456; الوسائل 4: 348. أبواب لباس المصلّي ب3 ح2.
(2) الكافي 3 : 397 ح3; التهذيب 2 : 203 ح797 ; الوسائل 4 : 348 . أبواب لباس المصلّي ب3 ح3 .

(الصفحة366)

ومنها : ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن داود الصرمي، عن بشير بن بشار قال : سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أُصلّي فيه لغير تقية؟ قال : فقال : «صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية، ولا تصلِّ في الثعالب ولا السمور»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن عليّ بن مهزيار، عن أبي عليّ بن راشد قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما تقول في الفراء أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال : «أيّ الفراء؟» قلت : الفنك والسنجاب والسمور . قال : «فصلّ في الفنك والسنجاب ، فأمّا السمور فلا تصلّ فيه»(2) الحديث .
ومنها : ما رواه الصدوق عن يحيى بن أبي عمران أنّه قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام): في السنجاب والفنك والخزّ وقلت : جعلت فداك أُحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك . فكتب بخطّه إليّ : صلّ فيها»(3) . وغير ذلك ممّا يدلّ على جواز الصلاة في السنجاب .
وقد يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في السنجاب بالخصوص ، كرواية ابن أبي حمزة لا يخلو من ضعف بعض رواته وجهالة بعض الآخر ، مضافاً إلى الإرسال في بعضها .
وما يدلّ منها على جواز الصلاة في السنجاب وفي غيره من الحواصل أو الفنك والخزّ أو السمور والثعالب يجب حمله على التقية ، لتطابق الفتاوى على عدم

(1) التهذيب 2: 210 ح823 ; الإستبصار 1: 384 ح1458; وفيه: بشير بن يسار; الوسائل 4: 348. أبواب لباس المصلّي ب3 ح4.
(2) الكافي 3 : 400 ح14; التهذيب 2 : 210 ح822 ; الاستبصار 1 : 384 ح1457; الوسائل 4 : 349 . أبواب لباس المصلّي ب3 ح5 .
(3) الفقيه 1: 170 ح804 ; الوسائل 4: 349. أبواب لباس المصلّي ب3 ح6.

(الصفحة367)

جوازها في غير السنجاب(1) . هذا ، مضافاً إلى أنّ العموم الوارد في مقام المنع عن الصلاة في غير المأكول قد ورد في مورده خصوص السنجاب وغيره كما في موثقة ابن بكير المتقدّمة(2) .
فإنّ الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في غير المأكول كما في كتاب زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأراد بعد سؤال الراوي ـ وهو زرارة ـ عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فتخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن كما لا يخفى ، مضافاً إلى وجود المعارض لها وهي الروايات الدالة بالصراحة على المنع في السنجاب وأمثاله .
وقد يجاب عن الإشكال الثاني بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصة الواردة في موردها العموم عن تحته ، كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العام ، أو أزيد من واحد وأريد إخراج الجميع ، وأمّا إذا أريد إخراج بعضه كما في مثل المقام ، فلا نسلّم استهجان التخصيص . هذا، وفيه تأمّل .
والإنصاف أن يقال: إنّه لو قلنا بكون ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون العام شاملا له ودالاًّ عليه بالنصوصية ، سواء كان الفرد واحداً أو أزيد ، أريد إخراج البعض أو الجميع كما يظهر من صاحب الجواهر(رحمه الله)(3) ، فاللاّزم

(1) المقنعة: 150; المعتبر 2: 85 ـ 86 ; تذكرة الفقهاء 2: 467 مسألة 120; وص470 مسألة 123; الدروس 1: 150; البيان: 120; مدارك الأحكام 3: 173; مستند الشيعة 4: 331 ـ 333; كشف اللثام 3: 199; جواهر الكلام 8 : 103 ـ 107.
(2) الوسائل 4 : 345 . أبواب لباس المصلّي ب2 ح1 .
(3) جواهر الكلام 8 : 100 .

(الصفحة368)

أن يعامل معه ومع الدليل الدالّ على التخصيص معاملة المتعارضين .
وأمّا لو سلّمنا ذلك في خصوص ما إذا كان الفرد واحداً أو أزيد ، وأُريد إخراج الجميع وقلنا بأنّه لا فرق بينه وبين سائر الموارد في أنّ الإرادة الاستعمالية تعلّقت بجميع أفراد العام ، والدليل على التخصيص يدل على تعلق الإرادة الجدّية بما عدى الفرد المخصّص ، فاللازم أن يعامل معهما معاملة العموم والخصوص وتخصيص منع الصلاة في أجزاء غير المأكول فيما نحن فيه بما عدى السنجاب .
فمقتضى هذا الوجه جواز الصلاة فيه ، ولا يعارضه بعض الروايات الدالة على المنع في خصوص السنجاب وأشباهه ، لأنّها مردودة بالارسال وغيره .
وأمّا بناءً على الوجه الأوّل الذي يجب الرجوع معه إلى المرجحات فجواز الصلاة في السنجاب غير خال عن الإشكال ، لأنّ أوّل المرجحات هي الشهرة في الفتوى على ما هو مقتضى التحقيق ، ومن المعلوم عدم تحققها هنا، كما يظهر لمن راجع فتاواهم . وثانيها : هي مخالفة العامة ، وهي إن كانت متحققة في موثقة ابن بكير وأمثالها ممّا يدل على عموم المنع للسنجاب وغيره، إلاّ أنّ في الروايات الدالة على الجواز جهة لا يمكن حملها معها على التقية، وهي اشتمال كثير منها على المنع عن الصلاة في الثعالب وغيرها ممّا يجوز الصلاة فيها عندهم، فيجب الرجوع إلى سائر المرجحات .
والحقّ أن يقال: بأنّ ورود العام في مورد بعض الأفراد لا يوجب شموله له بالنصوصية في مثل المقام ، لأنّ غرض الإمام(عليه السلام) في مقام الجواب عن سؤال الراوي إنّما هو بيان أصل الحكم ، والفرق بين الحيوانات التي يحلّ أكلها وغيرها في مقابل العامة القائلين بصحّة الصلاة في أجزاء جميع الحيوانات ، ولذا أخرج لبيانه كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) للاستشهاد عليه .
مضافاً إلى أنّ غرض السائل أيضاً لم يكن السؤال عن حكم الأفراد الخاصة ،

(الصفحة369)

بل مقصوده هو السؤال عن حكم الحيوانات التي لم يكن أخذ الثوب منها متعارفاً ومعمولا ، كالغنم والإبل وغيرهما ممّا تعارف أخذ اللباس منه ، ولأجله كان حكمها معلوماً لكلّ أحد من زمان النبي(صلى الله عليه وآله)  .
وبالجملة: لمّا كان التفصيل بين الحيوانات في جواز الصلاة في أجزائها وعدمه والحكم بالفرق بينها غير معلوم للناس قبل ذلك ، أراد الإمام(عليه السلام) في مقام الجواب أن يبينه بقانون كلّي ، وهو لا ينافي خروج بعض الأفراد الوارد في مورد ذلك الحكم الكلّي عن تحته ، كما لا ينافي خروج بعض الأفراد غير الوارد في مورد العام .
فظهر أنّ التعارض بين موثّقة ابن بكير وبين الروايات الدالة على جواز الصلاة في السنجاب ليس تعارض الدليلين المتبائنين ، بل تعارض العموم والخصوص ، فيجب تخصيصها بها والحكم بجوازها فيه ، واشتمال كثير من الأخبار الدالة على الجواز على غير السنجاب من الفنك أو غيره ، مع أنّه خلاف ما هو المفتى به عند الأصحاب لا يوجب طرحها بالنسبة إلى السنجاب أيضاً ، كما أنّه لا وجه لطرحها من حيث السند مع كثرتها وتأيّد بعضها ببعض، مضافاً إلى عدم كون جميعها كذلك ، فلا يبعد القول بالجواز . هذا ، والمسألة بعد غير خالية عن الإشكال فتدبّر .

(الصفحة370)





الأمر الثالث : أن لا يكون لباس المصلّي حريراً


ويقع الكلام فيه في مقامين :
الأوّل : في التكليف النفسي المتعلّق به مطلقاً .
الثاني : في مانعيته للصلاة .
أمّا الكلام في المقام الأوّل فنقول : لا إشكال ولا خلاف بين العامة(1)والخاصة(2) نصّاً وفتوى في حرمة لبس الحرير على الرجال مطلقاً إلاّ في بعض الموارد كالحرب وغيره ، ولا يحرم ذلك على النساء ، وحيث أنّ المقصود في هذا المقام هو البحث عن الجهة الثانية ، فتفصيل الكلام في الجهة الاُولى موكول إلى محلّه فنقول :

(1) الاُمّ 1: 91; المجموع 3: 180; بداية المجتهد 1: 169; سنن النسائي 8: 212 ح5318 و 5319; سنن ابن ماجة 2: 1187 ح3588 ـ 3590 وص1189 ح3595; سنن الترمذي 3: 278 ح1726.
(2) الخلاف 1 : 504 مسألة 245; المقنعة: 150; الإنتصار: 37; المعتبر 2: 87 ; المنتهى 1: 228; تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124; مدارك الأحكام 3: 173; بحار الأنوار 80: 239; كشف اللثام 3 : 215; الوسائل 4: 367. أبواب لباس المصلّي ب11 .

(الصفحة371)

لا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في مانعية الحرير ، وبطلان الصلاة فيه بالنسبة إلى الرجال ، كما يظهر لمن راجع فتاواهم  . وأمّا النساء فيظهر من الصدوق أنّها كالرجال(1) ، إستناداً إلى أنّ الأخبار الدالة على الجواز إنّما هي متضمنة للحكم النفسي المتعلق بلبسه ، لا لجواز الصلاة فيه أيضاً . وأمّا الأكثر فقد ذهبوا إلى اختصاص ذلك بالرجال ، والمسألة خلافية بين العامة أيضاً ، فبعضهم ذهب إلى الجواز وبعض آخر إلى المنع(2) ، والظاهر أنّه لا مستند لهم من النصوص ، حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم فساد الصلاة الواقعة فيه أم لا؟
وكيف كان فالأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الخاصة كثيرة :
منها : ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن سعد الأحوص ـ في حديث ـ قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال(عليه السلام)  : «لا»(3) .
ومنها : ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحارث قال : سألت الرضا(عليه السلام)هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال(عليه السلام)  : «لا»(4) . ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة باعتبار عدم اختلاف مضمونهما، وأن يكون أبو الحارث كنية لإسماعيل بن سعد .

(1) الفقيه 1 : 171 ح807 .
(2) المغني لابن قدامة 1: 661; المجموع 3: 18; بداية المجتهد 1: 169.
(3) الكافي 3 : 400 ح 12; التهذيب 2 : 205 ح801 وص207 ح813 ; الإستبصار 1 : 385 ح1463; الوسائل 4 : 367 . أبواب لباس المصلّي ب11 ح1 .
(4) التهذيب 2: 208 ح814 ; الإستبصار 1: 386 ح1464; الوسائل 4: 369. أبواب لباس المصلّي ب11 ح7.

(الصفحة372)

ومنها : ما رواه الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبدالجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب(عليه السلام)  : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض»(1) .
ومنها : ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبدالجبّار، قال : كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب(عليه السلام)  : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى»(2) . والظاهر اتحادهما أيضاً .
ومنها : ما رواه أيضاً عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : وعن الثوب يكون علمه ديباجاً قال : «لا يصلّي فيه»(3) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكّة الأبريسم والقلنسوة والخفّ والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه»(4) .
ومنها : ما رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان(عليه السلام) أنّه كتبت إليه(عليه السلام) يتّخذ باصفهان ثياب فيها عتابية على عمل

(1) الكافي 3: 399 ح10; التهذيب 2: 207 ح810 و 812; الإستبصار 1: 383 ح1453 وص385 ح1462; الوسائل 4: 368. أبواب لباس المصلّي ب11 ح2.
(2) التهذيب 2: 207 ح810 ; الإستبصار 1: 383 ح 1453; الوسائل 4: 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح4.
(3) التهذيب 2 : 372 ح1548; الوسائل 4 : 369 . أبواب لباس المصلّي ب11 ح8 .
(4) التهذيب 2 : 357 ح1478; الوسائل 4 : 376 . أبواب لباس المصلّي ب14 ح2 .

(الصفحة373)

الوشى من قزّ وابريسم، هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب(عليه السلام)  : «لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان»(1) .
ومنها : ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سأل الحسين بن قياما أبا الحسن(عليه السلام) عن الثوب الملحم بالقزّ والقطن، والقزّ أكثر من النصف أيصلّى فيه؟ قال : «لا بأس، قد كان لأبي الحسن(عليه السلام) منه جبّات»(2) .
هذا ، ولا يخفى أنّ أكثر الأخبار الواردة في حكم الحرير متضمنة لبيان الحرمة التكليفية النفسية المتعلقة به ، وأنّه لا يجوز لبسه مطلقاً في الصلاة وغيرها .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا إشكال في بطلان الصلاة في الثوب المنسوج بأجمعه من الأبريسم بأن يكون سداه ولحمته كلاهما من الأبريسم ، كما أنّه لا إشكال في حرمة لبسه .
وأمّا مجرّد استصحاب الأبريسم من دون أن يكون منسوجاً ، فالظاهر أنّه لا يحرم مطلقاً وضعاً وتكليفاً ، لعدم صدق الحرير عليه، ولو كان الثوب منسوجاً من الأبريسم وغيره ، بأن يكون سداه منه ولحمته من غيره أو بالعكس ، ففي حرمته إشكال ، وكذا الإشكال فيما إذا كان الثوب محشوّاً بالأبريسم، أو كان بعضه بسداه ولحمته منه وبعضه الآخر من غيره، أو كان مكفوفاً به، أو كانت ظهارته منه وبطانته من غيره أو بالعكس .
وجه الاشكال في الجميع ، إنّه يمكن أن يقال بعدم صدق الصلاة في الحرير ، وكذا لبسه على ما إذا لم يكن الثوب بأجمعه من الابريسم ، بل يختص بما إذا كان الثوب بسداه ولحمته وظهارته وبطانته وحشوه منه، وعلى فرض الشمول فيمكن

(1) الاحتجاج 2 : 315; الوسائل 4 : 375  . أبواب لباس المصلّي ب13 ح8 .
(2) الكافي 6: 455 ح11; الوسائل 4: 373. أبواب لباس المصلّي ب13 ح1 .

(الصفحة374)

القول بخروج الجميع لتوصيف الحرير في بعض الروايات بكونه محضاً أو مبهماً(1)أو نظائرهما بناءً على أن لا يكون الوصف مقابلا لخصوص ما إذا كان منسوجاً من الأبريسم مخلوطاً بغيره كالقطن مثلا ، بأن كان سداه منه ولحمته من غيره أو بالعكس .
وأمّا بناءً على أن يكون مقابلا لخصوص الصورة المذكورة وشمول النهي عن الصلاة في الحرير المحض، أو عن لبسه لما إذا كانت ظهارته بسداه ولحمته منه وبطانته من غيره أو بالعكس ، ولما إذا كان بعض الثوب بأجمعه من الأبريسم وبعضه الآخر من غيره، ولغيرهما من الصور ، فالخروج عن عموم النهي يحتاج إلى مخصّص .
فالذي يبتني عليه الحكم في الصور المذكورة بعد صدق الصلاة في الحرير على كل واحد منها ، هو أنّ التقييد بالمحضية والمبهمية ونظائرهما على اختلاف ألسنة الروايات هل يوجب خروج الجميع واختصاص مورد النهي بما إذا كان الثوب بجميع أجزائه بسداه ولحمته من الأبريسم ـ نعم لا إعتبار بما إذا كان ما يعدّ خارجاً من الثوب وزائداً عليه من غيره ، كما إذا كان علمه أو كفّه من غير الأبريسم ـ أو يوجب خروج ما إذا كان نسج الثوب من الأبريسم مخلوطاً بغيره ، ويبقى بقية الصور تحته؟
ظاهر الجواهر والمصباح(2) أنّ الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض الثوب سداه ولحمته من الأبريسم ، وبعضه من غيره كالمنسوج على الطرائق ، وإذا لم تكن هذه الصورة مشمولة للنهي ، فعدم شموله لما إذا كان علمه أو كفه من الأبريسم

(1) التهذيب 2: 367 و208 ح1524 و817 ; الاستبصار 1: 386 ح1467 و1468; الوسائل 4: 374 ـ 375. أبواب لباس المصلّي ب13 ح5 و6.
(2) جواهر الكلام 8 : 137 ; مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 143 .

(الصفحة375)

بطريق أولى .
نعم لو كان بعضه المنسوج من الأبريسم بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب ، كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الأبريسم ، فيشكل الحكم بعدم التحريم . واستندا ـ أي صاحبي الجواهر والمصباح ـ في ذلك إلى أنّ بعض الثوب لا يكون ثوباً بل جزء منه ، وهو يشعر بعدم صدق الصلاة في الحرير مع قطع النظر عن قيده على ما إذا كان بعض الثوب من الأبريسم .
ولا يخفى منعه ، لما عرفت في الأمر الثاني من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي ، من صدق الظرفية في الشعرات الملقاه على المصلّي من غير المأكول  . هذا ، مضافاً إلى عدم صحة الاستدلال من رأس ، لأنّ بعض الثوب يصدق عليه الثوب كما يظهر من ملاحظة موارد اطلاقاته .
هذا ، ويظهر من الفقهاء الوجه الثاني(1) ، حيث إنّهم اختلفوا فيما إذا كان علم الثوب أو كفه من الأبريسم ، ومنشأ الاختلاف وجود رواية تدلّ على الجواز في هذه الصورة(2) ، فبعضهم استند إليها مع كونها عامية وبعضهم أعرض عنها لذلك ، فإنّ هذا يدلّ على أنّ شمول النهي وعمومه لهذه الصوره كان مسلّماً بينهم ، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في وجود المخصّص الذي يمكن التمسّك به وعدمه .
ومن هنا ينقدح أنّ الظاهر هو هذا الوجه تبعاً للأكثر ، لأنّ الشمول كان متسالماً بين الأصحاب ، بل بين العامة أيضاً(3) بالنسبة إلى الحرمة التكليفية ، ومن الواضح أنّه لا يجوز التعدي عمّا يكون متبادراً عندهم بعد كونهم أعرف بمفاهيم

(1) المقنعة: 150; الخلاف 1: 505 مسألة 246; الغنية: 66; تذكرة الفقهاء 2: 474; الكافي في الفقه: 140; مدارك الأحكام 3: 180; مستند الشيعة 4: 350; المهذّب 1: 75.
(2) سنن النسائي 8: 213 ـ 214 ح5322 و5323; صحيح البخاري 7: 56 ح5828 و5829; سنن أبي داود 4: 49 ح4055.
(3) المجموع 4: 436; تذكرة الفقهاء 2: 474 .

(الصفحة376)

ألفاظ العرب .
والاستدلال على عدم الشمول بأنّ المتبادر من لفظ الثوب هو جميعه وبعض الثوب لا يكون ثوباً كما تقدّم ، يدفعه مضافاً إلى انّه لم يرد لفظ الثوب في متعلّق النهي ، لما عرفت من أنّ الثوب في لغة العرب عبارة عن الشيء المنسوج وليس مساوقاً للقميص وأمثاله من الألبسة ، ويدلّ عليه ملاحظة موارد إطلاقه ، كما يقال في كفن الميت: إنّه عبارة عن ثلاثة أثواب، وغيره من الموارد .
هذا ، ولو قلنا بذلك كما عرفت من الجواهر والمصباح ، فلا وجه للحكم بحرمة ما إذا كانت ظهارة الثوب أو بطانته أو حشوه من الأبريسم ، وكذا ما إذا كان بعض الثوب المنسوج منه بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب ، كما تقدّم منهما ، إذ المفروض كونه بالفعل بعض الثوب وجزء منه ، وصلاحيته لأن يصير تمام الثوب لا يوجب خروجه عن الحكم الثابت له بالفعل باعتبار كونه جزء منه .
ويؤيّد ما ذكرنا من شمول النهي لغير صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الثوب سداه من الأبريسم ولحمته من غيره أو بالعكس ما يظهر منهم من استثناء لبس الحرير في حال الحرب والحكم بجوازه لكونه موجباً لتقوية القلب وتسكينه(1) ، فإنّه لولا شمول النهي لما إذا كان بعض الثوب حريراً ممتازاً عن بعضه الآخر لما احتاجوا إلى الاستثناء ، إذ يكفي في تقوية القلب كون ما يحاذيه من الثوب حريراً فتأمّل .
ثمّ إنّ الجواز بقسميه : التكليفي والوضعي في الصورة المتقدّمة ، وهي ما إذا كان الثوب منسوجاً من الأبريسم وغيره على وجه لا يتميّز ، لا ينحصر بما إذا كان مقدار الأبريسم مساوياً لمقدار غيره أو أنقص ، بل يشمل ما إذا كان أزيد منه .

(1) النهاية : 96; الوسيلة: 89 ; المراسم: 64; المعتبر 2: 88 ; المنتهى 1: 228; تذكرة الفقهاء 2 : 471; مستند الشيعة 4 : 339; كشف اللثام 3 : 219 ; الذكرى 3: 40; روض الجنان: 207 .

(الصفحة377)

نعم فيما إذا كان غيره مستهلكاً بحيث يصدق أنّه صلّى في الحرير المحض ، لا يبعد القول بالمنع .
فانقدح من جميع ما ذكرنا ثبوت التحريم مطلقاً إلاّ في صورة واحدة ، ويشمل ما إذا كان علم الثوب أو كفه أو لبنته من الأبريسم ، لما عرفت من أنّ الدليل على الجواز في خصوص هذه الصورة رواية ضعيفة غير قابلة للاعتماد والاستناد .


حكم ما لا تتمّ الصلاة فيه ، إن كان حريراً خالصاً

قد عرفت(1) أنّ بطلان الصلاة في الحرير المحض مورد لاتّفاق الإماميّة في الجملة ، وذلك في الثوب الذي يجوز فيه الصلاة منفرداً ، وأمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده ففي بطلان الصلاة فيه إذا كان حريراً محضاً وعدمه ، نظير ما إذا كان متنجّساً ، فإنّ الظاهر أنّ جواز الصلاة فيه محلّ وفاق بين الأصحاب . وجهان بل قولان ، فالمحكيّ عن جماعة منهم: المفيد والشيخ(قدس سرهما) هو الجواز(2) وظاهر بعضهم المنع كما هو المشهور بين المتأخّرين(3) .
ثمّ إنّ القائلين بالصحة بين من يظهر منه الكراهة(4) وبين من لا يظهر منه إلاّ الجواز بالمعنى الأعمّ(5) ، ويظهر من بعض التوقف والتردّد في أصل المسألة(6) ،

(1) تقدّم في الأمر الثالث ص370 .
(2) المقنعة: 150; النهاية: 96 و98; الكافي في الفقه: 140; المعتبر 2: 89 ; إرشاد الأذهان 1: 246; الدروس 1: 150; الروضة البهيّة 1: 206; التنقيح الرائع 1: 180.
(3) الفقيه 1: 172; المراسم: 63 ـ 64; الوسيلة: 88 ; المنتهى 1: 229; البيان: 120; مجمع الفائدة والبرهان 2: 84 ; الذخيرة: 227; بحار الأنوار 80 : 241; مدارك الأحكام 3: 179.
(4) النهاية: 98; المبسوط 1 : 84 ; السرائر 1 : 269 .
(5) مستند الشيعة 4 : 346; المختصر النافع : 24 .
(6) مسالك الافهام 1 : 164; مدارك الاحكام 3 : 178 .

(الصفحة378)

ومنشأ الخلاف اختلاف ما يظهر من الأخبار الواردة في هذا الباب ، فمقتضى قول الإمام(عليه السلام) في رواية الحلبي المتقدّمة(1) هو الجواز ، ومقتضى مكاتبتي محمد بن عبدالجبار المتقدّمتين هو المنع(2) .
فإنّ الجواب فيهما وإن كان عامّاً شاملا لحكم الصلاة فيما تتمّ وغيره ، فتكون رواية الحلبي مخصّصة لهما ، إلاّ أنّه باعتبار كونه وارداً في مقام الجواب عن خصوص ما لا تتمّ يكون نصّاً في الشمول لمورده ، فيتحقّق التعارض بينهما .
والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله على أحمد بن هلال الذي ورد في مذمّته التوقيع عن العسكري(عليه السلام) المتضمّن لقوله(عليه السلام)  : «احذروا الصوفي المتصنّع» على ما رواه الكشي(3) ، مندفعة بما حكي عن ابن الغضائري ـ مع كونه مسارعاً في التضعيف ـ من أنّه لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث واعتمدوا فيها(4) .
هذا ، ولا يخفى أنّ ما حكي عن ابن الغضائري لا يفيد ـ بالنسبة إلينا ، حيث لم يحضرنا كتاباهما ، فالمناقشة لا تندفع بهذا الوجه ، بل انّما هي مندفعة مضافاً إلى عدم حجّية ما نقله الكشي في مذمّته بعد كونه ذا روايات كثيرة في أبواب الفقه ، خصوصاً بعد نقل الأجلاّء من أصحاب الحديث عنه ، كموسى بن الحسن الذي نقل عنه في هذه الرواية ـ باعتماد الطرفين عليها ، لأنّ القائل بالمنع إنّما يرجّح دليله عليها ، لا أن يقول بعدم حجّيتها ، وبعبارة اُخرى لا تكون حجّة عنده في مقام

(1) الوسائل 4 : 376. أبواب لباس المصلّي ب14 ح2 .
(2) الوسائل 4: 376 و 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح1 و4.
(3) اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي) : 535 ، ح1020 .
(4) خلاصة الأقوال: 320 رقم 1256; جواهر الكلام 8  : 123 .

(الصفحة379)

المعارضة لا بدونها .
هذا ، مضافاً إلى انجبار ضعفها على تقديره بشهرة القول بالجواز بين القدماء كالمفيد والشيخ وغيرهما ، فالمناقشة في الرواية من حيث السند غير مقبولة ، وقد عرفت ثبوت التعارض بينها وبين المكاتبتين .
وقد يجمع بينهما بأنّ رواية الحلبي تدلّ على الجواز بالصراحة ، وهاتان الروايتان تدلاّن على الحرمة بالظهور ، ومقتضى الجمع بينهما حملهما على الكراهة ، وفيه أنّ لازمه القول بثبوت الكراهة فيما تتمّ فيه الصلاة أيضاً ، وقد عرفت أنّ البطلان فيه مورد وفاق بين أصحابنا الإماميّة .
والذي يمكن أن يقال في مقام الجمع ، إنّك عرفت أنّ رواية الحلبي لا تعارض الجواب الوارد في المكاتبتين مع قطع النظر عن وروده في مقام الجواب عن السؤال عمّا لا تتمّ فيه الصلاة ، بل تكون حاكمة عليهما مفسّرة لموضوع الحكم المذكور فيهما ، فالتعارض بينهما إنّما هو باعتبار ورود ذلك الجواب العام في مورد فرد خاصّ ، وهو يقتضي شموله له والدلالة على حكمه بالنصوصيّة .
وحينئذ فنقول إمّا أن يقال: بأنّ الحكم المذكور في الجواب انّما يتعلّق بلبس الحرير المحض فقط ، وبعبارة اُخرى المستفاد منه هو الحكم التكليفي الثابت بالنسبة إلى الحرير الخالص ، أو يقال: بأنّ مفاده الحكم الوضعي الذي يرجع إلى بطلان الصلاة في الحرير ، فعلى الأوّل لا تكون بينهما معارضة أصلا كما هو واضح .
وعلى الثاني فإمّا أن يقال بأنّ مقصود السائل إنّما هو استفهام حكم الصلاة في الحرير مطلقاً ، سواء كان ممّا تتمّ أو من غيره ، غاية الأمر إنّ ذكر الثاني إنّما هو باعتبار تعارف استعماله في بلده مثلا ، ولازم ذلك أن يكون جاهلا بأصل الحكم الوضعي بالنسبة إلى الحرير .
أو يقال : بأن أصل ذلك الحكم كان معلوماً عنده ، وإنّما المجهول عنده هو

(الصفحة380)

عموميّة الحكم أو اختصاصه بخصوص الصلاة فيما تتمّ فيه الصلاة منفرداً كما هو الظاهر من السؤال  ، فعلى الأوّل تكون رواية الحلبي حاكمة عليهما كما عرفت . وعلى الثاني الذي يكون ظاهر الرواية ـ ويؤيّده أخذ التقييد بالمحضيّة في السؤال في إحداهما ، إذ لا يجتمع مع الجهل بأصل الحكم ، وإن كان يمكن أن يجاب عنه بأنّ التقييد بها إنّما هو باعتبار أنّ الحرمة التكليفية كانت مقيدة به كما هو المعروف بين الفريقين ـ يقع التعارض بينهما .
ويمكن الجمع بينهما بأن يقال إنّه لمّا كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامة ، وإنّما ذهب إليه بعضهم استناداً إلى أنّ حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه ، وإنّما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقاً ، ومن المعلوم عدم الفرق عندهم بين ما لا تتمّ وغيره أصلا كما أنّهم لا يفرّقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما كالنجاسة وغيرها .
وحينئذ فيمكن أن يقال بأنّ الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتمّ حيث يشعر ببطلان الصلاة في غيره لم يذكر فيهما ، لأنّه مناف للتقية ، فعدل الإمام(عليه السلام)عنه إلى بيان حرمة الصلاة في الحرير المحض المسلّمة عندهم، وإن كانت لا تقتضي الفساد بنظرهم.
هذا  ، مضافاً إلى أنّ السؤال باعتبار كونه سؤالا عن حكم خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة كما هو المفروض ، وهو يشعر باعتقاده بطلان الصلاة في غيره لعلّه كان سبباً لالتجائه(عليه السلام) إلى ذلك ، وحينئذ فلا يستفاد من الرواية المذكورة أزيد من حكم كلّي غير مناف لحكومة دليل آخر عليه مبيّن لموضوعه من حيث السعة والضيق .
ثمّ إنّ ما ذكرنا يكفي في مقام دفع المعارضة بينهما من دون افتقار إلى ادّعاء أنّ الحريرعلى ما يظهر من اللّغة هو الثوب المنسوج من الأبريسم ، وهو لا يصدق على القلنسوةوالتكّة وغيرهما ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، كما يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)(1).

(1) جواهر الكلام 8  : 124 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>