جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج1 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة381)

ثمّ لو فرض عدم إمكان الجمع بينهما بوجه ، فاللاّزم الرجوع إلى المرجّحات والذي يظهر من كلماتهم أنّ المرجّح الموجود في المقام هو مخالفة إحدى الروايتين للعامّة، وإن اختلفوا في تعيين الرواية المخالفة ، فعن بعضهم كصاحب الحدائق وجماعة أنّها هي المكاتبتان(1) ، وعن بعض آخر كصاحبي الجواهر والمصباح أنّها هي رواية الحلبي(2) وهو الأقوى، كما يظهر بملاحظة فتاوى العامة في مسألة اللبس والصلاة وملاحظة مداركها ، لأنّ الحكم فيها وهو عدم البأس ثابت بالنسبة إلى خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً، وهو يدلّ على ثبوت البأس في غيره .
والتفصيل بينهما مخالف لفتاوى العامة على اختلافها ، لأنّك عرفت سابقاً أنّ المسلّم بينهم هو حرمة لبس الحرير مطلقاً ، وأمّا بطلان الصلاة فيه فالمعروف بينهم العدم . نعم ذهب إليه بعضهم(3) استناداً إلى اقتضاء النهي عن اللبس له عقلا من غير فرق بين ما تتمّ وغيره، فالقول بالجواز في الثاني الدالّ على الحرمة في الأوّل مناف لكلا القولين ، فالرواية مخالفة للعامّة .
وأمّا المكاتبتان فالجواب فيهما ـ وهو عدم حلية الصلاة في الحرير المحض ـ لا ينافي فتاواهم ، لأنّهم أيضاً يقولون بذلك ، غاية الأمر أنّ النهي لا يقتضي الفساد عند كثير منهم ، فهما موافقتان لمذهبهم من دون المخالفة لمذهبنا أيضاً .
ثمّ لا يخفى أنّ الرجوع إلى مخالفة العامة إنّما هو لو لم نقل بتحقّق الشهرة على الجواز ، وأمّا لو قلنا بتحقّقها فلا تصل النوبة إليها بناءً على ما حققناه في محلّه ، من أنّ أول المرجّحات الخبريّة هي الشهرة في الفتوى ، وانقدح ممّا ذكرنا أنّ الحق في المسألة هو القول بالجواز والتفصيل بين ما تتمّ وغيره كما عرفت .

(1) مجمع الفائدة والبرهان 2: 14; مدارك الأحكام 3: 179; الحدائق 7: 97.
(2) جواهر الكلام 8 : 125. مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 137; مستند الشيعة 4: 347.
(3) وهو أحمد في رواية; المغني لابن قدامة 1: 661; الشرح الكبير 1: 505; المجموع 3: 180; تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124.

(الصفحة382)






الأمر الرابع : عدم كون لباس الرجل المصلّي من الذهب

من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن لا يكون ذهباً ، إن كان المصلّي رجلا ، في هذا الأمر جهتان من الكلام ، جهة في الحكم التكليفي المتعلّق بلبسه للرجال مطلقاً ، واُخرى في الحكم الوضعي الراجع إلى بطلان صلاتهم فيه .
ولا يخفى أنّ هذه المسألة لم تكن مذكورة في الكتب الفقهيّة الاُصوليّة الموضوعة لنقل فتاوى الأئمة(عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، بل لم يتعرّض لها قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم إلاّ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتاب المبسوط ـ المعدّ لبيان أحكام الفروع الخارجة عن موارد النصوص اجتهاداً فيها واستنباطاً منها كما أفاده في مقدّمة الكتاب ـ وكذا لم يتعرّض لها المتأخّرون عنه إلى زمان المحقّق والعلاّمة إلاّ نادراً منهم .
وكيف كان فظاهر المبسوط بل صريحه أنّه يحرم لبس الذهب على الرجال ، حيث قال في أواخر كتاب الصلاة : لبس الذهب محرّم على الرجال سواء كان خاتماً

(الصفحة383)

أو طرازاً على كل حال ، وإن كان مموّهاً أو مجرى فيه ويكون قد اندرس وبقى أثره لم يكن به بأس(1) . انتهى .
وظاهره باعتبار عدم التعرّض له في ضمن ما لا تجوز الصلاة فيه عدم بطلان الصلاة فيه . وقال العلاّمة في التذكرة في الفرع الأوّل من فروع مسألة حرمة لبس الحرير للرجال : الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال وكذا الخاتم المموّه به ، للنهي عن لبسه . وقال في الفرع الأخير منها : لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموّه به بطلت صلاته للنهي عن الكون فيه ، ولقول الصادق(عليه السلام) : «جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه»(2) ،(3)انتهى .
وكيف كان فالظاهر أنّ حرمة لبس الذهب على الرجال محلّ وفاق بين من تعرّض من الخاصة(4) للمسألة وبين العامة(5) ، نعم ذهب بعضهم إلى الجواز(6) ، استناداً إلى رواية لا تقاوم الشهرة المحقّقة، بل الاجماع المحقّق ، مضافاً إلى عدم دلالتها على الجواز كما يظهر لمن راجعها .
هذا ، ومورد الفتاوى غالباً هو خاتم الذهب ، ولكنّ الظاهر أنّ حرمته من حيث كونه لباساً لمن يتختّم به لا لخصوصيّة فيه ، فلا اختصاص للتحريم به بل يعمّ مطلق اللباس ، مضافاً إلى دلالة بعض الأخبار على التعميم ، مثل ما رواه العامة

(1) المبسوط 1: 168 .
(2) التهذيب 2: 227 ح894 ; الوسائل 4: 414. أبواب لباس المصلّي ب30 ح5.
(3) تذكرة الفقهاء 2: 471 و 476.
(4) الخلاف 1 : 507; المعتبر 2: 92; تذكرة الفقهاء 2: 471; الذكرى 3: 47; مستند الشيعة 4: 356; جواهر الكلام 8 : 109; الحدائق 7 : 101 .
(5) المجموع 4: 441 .
(6) المعتبر 2 : 92 .

(الصفحة384)

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1) ، ومن طريق الخاصة ما قد تقدّم في كلام العلاّمة وغيره ، فلا ينبغي الإشكال في عموم التحريم لمطلق اللباس ، هذا في التكليف النفسي المتعلّق بلبسه مطلقاً .
وأمّا الحرمة الوضعية الراجعة إلى بطلان الصلاة فيه، ففيها إشكال، وقد تقدّم من العلاّمة البطلان ، وقد يستدلّ له بلزوم اجتماع الأمر والنهي(2) وهو غير جائز ، لأنّ المفروض أنّ النهي تعلّق بلبسه ، والأمر تعلّق بالصلاة ، وهما أي اللبس والصلاة متّحدان ، فيلزم أن يكون مورد الاجتماع متعلّقاً للأمر والنهي معاً وهو غير جائز ، فالصلاة فيه باطلة نظير الصلاة في الدار المغصوبة .
أقول : قد حقّقنا في الأصول جواز اجتماع الأمر والنهي المتعلّقين بالعنوانين المتصادقين على مصداق واحد ، ولكن قلنا ببطلان العبادة فيما إذا اتّحدت مع عنوان محرّم، لأنّ المبغوض لا يمكن أن يصير مقرّباً ، نعم في الواجبات التوصليّة التي لا يكون قصد التقرّب معتبراً في صحّتها ، يتحقّق الموافقة ولو اجتمعت مع المحرم .
هذا ، ولكن بطلان العبادة إنّما هو فيما إذا كانت متّحدة مع شيء من العناوين المحرمة ، كما في مثل الصلاة في الدار المغصوبة ، وليس المقام من هذا القبيل ، لأنّ اللبس عبارة عن كون شيء محيطاً بالإنسان وهو محاط له ، ولا شكّ أنّ هذا لا يتّحد مع شيء من أجزاء الصلاة أصلا ، ولذا ذكرنا أنّ الصلاة في الدار المغصوبة أيضاً لا تكون كذلك من جهة الغصب ، لأنّ الغصب عبارة عن استيلاء الإنسان على مال الغير، ولو لم يكن متصرّفاً فيه أصلا .
ومن الواضح عدم اتحاد الاستيلاء مع أجزاء الصلاة ، وإنّما المتّحد معها هو التصرّف المحرم لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه ، فالنهي المتعلّق بالتصرّف في

(1) سنن أبي داوود 4: 47 ح4044 وص49 ح4051; سنن ابن ماجة 2: 1187 ب16 ح3590.
(2) جواهر الكلام 8 : 110 .

(الصفحة385)

ماله إنّما اجتمع مع الأمر المتعلّق بأجزاء الصلاة لا النهي عن الغصب . فظهر أنّ مورد النزاع في المقام خارج عن موضوع تلك المسألة ، نظير ما إذا نظر المصلّي في أثناء صلاته إلى الأجنبيّة .
هذا فيما إذا لم يكن الثوب المنسوج من الذهب ساتراً للمصلّي بالفعل من حيث عدم اتحاده مع الصلاة ، وهذا في غاية الوضوح . وأمّا فيما إذا كان ساتراً له بالفعل فكذلك لا يكون اللبس متّحداً مع أجزاء الصلاة أيضاً ، إذ المستوريّة وإن كانت متّحدة مع اللبس المنهيّ عنه ، إلاّ أنّها لا تكون من أجزاء الصلاة التي ينبسط عليها الأمر الوجوبي بل من شرائطها .
وقد حقّق في الاُصول عدم وجوب المقدّمة، فلم يجتمع الوجوب والحرمة في مورد واحد ، وعلى تقدير الوجوب الغيري الذي مرجعه إلى عدم الوجوب لعدم وجود الموافقة والمخالفة بالنسبة إليه ، فاجتماع الوجوب والحرمة في مورد واحد وإن كان متحقّقاً إلاّ أنّه لا يضرّ بصحّة الصلاة أصلا كما هو أوضح من أن يخفى .
وقد يستدلّ للبطلان أيضاً بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ(1) ، والمقام من صغرياته ، لأنّ النهي عن اللبس عين الأمر بعدمه ، والصلاة تكون ضدّاً لما تعلّق به الأمر الجائي من قبل النهي عن اللبس ، إذ نزع الثوب يستلزم تحقق الفعل الكثير المبطل للصلاة ، فهي مع عدم تحقّق ذلك فيها تضادّ عدم اللبس والنزع المتعلّق للأمر وهو يقتضي النهي عنها ، فالصلاة باطلة لتعلّق النهي  بها .
وفيه مضافاً إلى أنّ نزع الثوب قد لا يكون مستلزماً لتحقق الفعل الكثير فلا تتحقّق المضادّة بينهما في هذه الصورة أنّ الأمر لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ كما حقّقناه في الأصول .

(1) جواهر الكلام 8 : 110 .

(الصفحة386)

فالأولى ـ كما في الجواهر(1)ـ الاستدلال للبطلان بالأخبار الواردة في الباب ، مثل ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنّة»(2) .
وما رواه أيضاً عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن رجل، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن علي بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الحديد: إنّه حلية أهل النار، والذهب إنّه حلية أهل الجنّة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه»(3) . فإنّ ظاهرهما تعلّق النهي بالصلاة في الذهب بعنوانها لا بما هي مشتملة على لبسه .
وحينئذ فإن قلنا: بأنّ النهي عنها للإرشاد إلى فسادها فيه كما هو الظاهر ، لأنّ الغرض نوعاً بيان عدم حصول ما يأتي به المكلّف بداعي الامتثال والموافقة ، والتقدير إنّه لا يأت بذلك لأنّه لا يحصل مطلوبه الذي هو الامتثال ، فلا إشكال في دلالته على الفساد في المقام ، وإن لم نقل بذلك بل قلنا بأنّ النهي ظاهر في التحريم المولوي فيدلّ على الفساد أيضاً ، لأنّ المبغوض لا يكاد يكون مقرّباً فلا تصحّ العبادة، لأنّ صلاحيّتها للتقرّب معتبرة في صحّتها .
إن قلت : إنّ الأمر قد تعلّق بطبيعة الصلاة مجرّدة عن ملاحظة تحيّثها بحيثيّات مختلفة ، وتخصّصها بخصوصيّات متشتّتة ، والنهي تعلّق بإيجادها في الذهب وإيقاعها فيه، وحينئذ فيتحقّق التغاير بين متعلّقيهما، فلا وجه للحكم بالفساد .
قلت : قد حقّقنا في الاُصول أنّ مثل هذا أيضاً داخل في مورد النزاع في مسألة

(1) جواهر الكلام 8  : 111 .
(2) التهذيب 2 : 372 ح1548 ; الوسائل 4 : 413 . أبواب لباس المصلّي ب30 ح4 .
(3) التهذيب 2: 227 ح894 ; الوسائل 4: 414 . أبواب لباس المصلّي ب30 ح5.

(الصفحة387)

اجتماع الأمر والنهي ، ونحن وإن اخترنا الجواز في تلك المسألة; إلاّ أنّه قلنا ببطلان العبادة فيما إذا اجتمع الأمر والنهي فيهما، كما تقدّمت إليه الإشارة ، وبالجملة فيستفاد من الروايتين بطلان الصلاة في الذهب سواء كان النهي إرشاديّاً أو مولويّاً .
هذا ، ويدلّ على البطلان أيضاً خبر جابر الجعفي المرويّ في الخصال عن أبي جعفر(عليه السلام) حيث قال : «يجوز للمرأة لبس الديباج ـ إلى أن قال ـ  : ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه، وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد»(1) . هذا ، ولا يخفى أنّ احتمال كون النهي فيه للارشاد في غاية البعد كما يظهر وجهه بالتأمّل .

تنبيه : وجه حرمة التختّم بالذهب

قد عرفت في صدر المسألة أنّ حرمة التختّم بالذهب للرجال ممّا اتفق عليها المسلمون ، وأخبار الفريقين تدلّ على ذلك ، ولعلّه لذلك ـ أي لكونه مجمعاً عليه بحيث لم يخالف فيه أحد ـ لم يتعرّض له كثير من فقهاء الإماميّة في كتبهم ، وقد عرفت أيضاً عدم اختصاص الحرمة بخصوص الخاتم ، بل يعمّ لباس الذهب مطلقاً .
ولكن يقع الكلام هنا في أنّ حرمة التختّم بالذهب هل هي لكون الخاتم من أفراد الألبسة ، فيحرم لبس الذهب ولو مع عدم التزيّن به ، أو أنّ حرمته إنّما هي لتحقّق التزيّن به، فيعمّ التحريم للتزين بغير الخاتم ولو لم يكن لباساً؟ فيه وجهان .
والأخبار الواردة في هذا الباب ليس لها ظهور في خصوص أحد الوجهين،

(1) الخصال  : 558 ح12; الوسائل 4 : 380 . أبواب لباس المصلّي ب16 ح6 .

(الصفحة388)

وإن كان يمكن أن يقال بأنّ في رواية النميري المتقدّمة إشعاراً بالوجه الثاني حيث قال فيها : «وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرّم على الرجال لبسه . . .» ، فإنّ ذكر الزينة يشعر بأنّ المراد باللبس أيضاً ذلك ، لكنّه مندفع مضافاً إلى احتمال العكس بما ورد في تفسير قوله تعالى : {خذوا زينتكم عند كل مسجد(1)} من أنّ المراد بالزينة هي اللباس(2) .
وحينئذ فإن قلنا: بأنّ الحرمة راجعة إلى لبس الذهب فاختيار الجواز وعدم المنع في الأسنان المشدودة بالذهب يكون على وفق القاعدة من دون أن يحتاج في إثباته إلى دليل مخصّص لعموم التحريم ، ولو قلنا بأنّ الحرمة متعلّقة بالتزين بالذهب ولو من غير لبس فالخروج عن عموم الدليل يحتاج إلى مخصّص ، وقد قام في ا لأسنان المشدودة بالذهب أو المشبكّة به لدلالة بعض الأخبار عليه(3) .
ويمكن أن يقال بترجيح الوجه الأوّل ، لأنّ المأخوذ في الأخبار العامة كالروايتين المتقدّمتين(4) هو اللبس لا ا لتزيّن . وحينئذ فيحمل الأخبار الكثيرة الواردة في حرمة التختّم بالذهب على أنّ ذلك لأجل كون الخاتم لباساً لا لحصول التزيّن به .
فرع : الظاهر ثبوت التحريم مطلقاً وضعاً وتكليفاً فيما إذا كان مذهَّباً أو مموّهاً بالذهب ، لصدق لبس الذهب والصلاة فيه عرفاً ، فالخاتم الذي باطنه من الحديد وظاهره من الذهب يكون محرّماً ، وقد تقدّم ذلك من العلاّمة في التذكرة(5) خلافاً لما يظهر من بعضهم .

(1) الأعراف : 31 .
(2) مجمع البيان 2: 412; الوسائل 4: 455. أبواب لباس المصلّي ب54 ح5.
(3) الكافي 6: 482 ح3; مكارم الأخلاق: 95; الوسائل 4 : 416. أبواب لباس المصلي ب31 ح1 و2 .
(4) وهما روايتا عمار والنميري .
(5) تذكرة الفقهاء 2 : 476 .

(الصفحة389)
تتمّة :
قد ظهر لك أنّ حرمة لبس الذهب وكذا بطلان الصلاة فيه عند من يقول به إنّما هو بالنسبة إلى الرجال ، وهكذا الحرير على ما هو المشهور بين الأصحاب خلافاً للصدوق ، حيث يظهر منه أنّه لا يختصّ بطلان الصلاة في الحرير بالرجال ، بل يعمّ النساء استناداً إلى رواية(1) لابدّ من التصرّف فيها بالتأويل .
وحينئذ فيشكل الأمر في الخنثى المشكل بناءً على عدم كونه طبيعة ثالثة في أنّه هل يحرم عليه لبس الذهب والحرير وكذا الصلاة فيهما أم لا؟ ظاهر المحكي عن الشهيد في الألفية هو وجوب الاحتياط عليه(2) ، وظاهر المصباح خلافه(3) وإنّه تجري البراءة في حقّه ، والأقوى الأوّل ، لأنّه عالم إجمالا بثبوت واحد من التكاليف المختصّة بالرجال أو النساء في حقّه .
وحينئذ فيعلم إجمالا إنّه إمّا يجب عليه الستر وضعاً وتكليفاً وإمّا يحرم عليه الحرير والذهب مطلقاً، فيجب الاحتياط بحكم العقل ، لأنّه من موارد العلم الاجمالي ، إذ لا ينحصر مورده بما إذا كان الترديد من حيث المكلّف به ، وكذا لا يختصّ بما إذا كان الحكم الخاصّ مردّداً بين شيئين أو أشياء ، فالمقام نظير ما إذا علم إجمالا بغصبيّة هذا الماء أو بنجاسة ذلك الماء الواقع في إناء آخر .
وتوهّم خروج أحد الطرفين فيما نحن فيه عن مورد الابتلاء يدفعه أنّ مناط الخروج عن مورده هو قبح التكليف بالنسبة إليه ، ومن الواضح عدم تحققه في المقام أصلا . هذا ، مضافاً إلى ما عرفت من عدم جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية مطلقاً، كما تقدّم في حكم الصلاة في اللباس المشكوك .

(1) الفقيه 1: 171 ذ ح 807 .
(2) الألفيّة : 41 .
(3) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 139 .

(الصفحة390)




الأمر الخامس : شرطيّة الإباحة في لباس المصلّي


من الأمور المعتبرة في لباس المصلّي سواء كان ساتراً أم لم يكن كذلك أن يكون مملوكاً للمصلّي عيناً أو منفعة، أو كان مأذوناً من قبل المالك في التصرّف فيه ، فالصلاة في الثوب المغصوب وكذا في الثوب الذي يحرم على المصلّي التصرّف فيه، لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه، ولو لم يكن مغصوباً فاسدة .
ولا يخفى أنّ عباراتهم في مقام بيان هذا الأمر لا تشمل الصورة الثانية لأنّهم ذكروا أنّه يعتبر في لباسه أن لا يكون مغصوباً(1) ، ومن الواضح أنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً ولو لم يكن متصرّفاً فيه ، وأنّ التصرّف في مال الغير بدون إذنه حرام، ولو لم يكن غصباً لأجل عدم التسلّط عليه ، ووجه الشمول الاشتراك في الدليل الدالّ على البطلان كما سيظهر إن شاء الله تعالى .

(1) المسائل الناصريّات: 205; الغنية: 66; المعتبر 2: 92; المنتهى 1: 229; تذكرة الفقهاء 2: 476; التحرير 1: 30; نهاية الأحكام 1: 378; جامع المقاصد 2: 87 ; الذكرى 3: 48; روض الجنان: 204; جواهر الكلام 8 : 141; مستند الشيعة 4: 360; كشف اللثام 3: 223.

(الصفحة391)

ثمّ إنّ هذه المسألة كالمسألة السابقة عليها لم تكن مذكورة في الجوامع المعدّة لنقل فتاوى الأئمة(عليهم السلام)  ، حتّى يكون ذكرها فيها كاشفاً عن صدور نصّ منهم(عليهم السلام)فيها ، كما أنّ ظاهر الشيخ في الخلاف حيث استدلّ لمذهبه بغير الاجماع والأخبار ذلك أيضاً .
قال فيه : لا تجوز الصلاة في الدار المغصوبة ولا في الثوب المغصوب مع الاختيار، وأجاز الفقهاء بأجمعهم ذلك ولم يوجبوا إعادتها مع قولهم إنّ ذلك منهيّ عنه . . . إلى أن قال : دليلنا إنّ الصلاة تحتاج إلى نيّة بلا خلاف ، ولا خلاف أنّ التصرّف في الدار المغصوبة والثوب المغصوب قبيح ، ولا يصح نيّة القربة فيما هو قبيح ، وأيضاً طريقة براءة الذمة تقتضي وجوب إعادتها ، لأنّ الصلاة في ذمّته واجبة بيقين، ولا يجوز أن يبرئها إلاّ بيقين، ولا دليل على برائتها إذا صلّى في الدار والثوب المغصوبين(1) . انتهى .
وحاصل الاستدلال بالدليل الأوّل أنّ صحة العبادة متوقّفة على صلاحيتها للتقرّب بها مع قصده أيضاً ، وإذا اتحدت مع عنوان محرّم لا تكون صالحة لذلك ، ولا يتمشّى قصده من الملتفت إلى حرمته ، لأنّ الفعل الصادر عن المكلّف عصياناً للمولى وطغياناً عليه لا يعقل أن يكون مقرّباً له إليه .
وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بجواز اجتماع الأمر والنهي ، أو نقول بامتناعه ، ولذا اخترنا الجواز(2) مع اختيار بطلان العبادة فيما إذا اتحدت مع عنوان محرّم ، فمجرّد الحكم بالبطلان لا يكون كاشفاً عن القول بالامتناع، كما يظهر من جماعة من الاُصوليين ، حيث نسبوا القول بعدم الجواز إلى المشهور(3) ، لما رأوا من أنّهم

(1) الخلاف 1: 509 مسألة 253 .
(2) نهاية الاُصول (تقريرات بحث السيّد البروجردي) 1: 259.
(3) كفاية الاُصول 1 : 248 ـ 249 .

(الصفحة392)

يحكمون بالبطلان ، لما عرفت من عدم الملازمة بينهما ، فالأقوى في المقام هو البطلان، وإن كان الحق في تلك المسألة الجواز .
هذا ، ولكنّ البطلان إنّما هو فيما إذا كانت الحرمة منجّزة ، وأمّا في غير ذلك من موارد عدم تنجّزها ، كما إذا كان جاهلا بالموضوع أو الحكم ، أو ناسياً ، أو كان مقتضى الأصل خلافها ، كما إذا كان مأذوناً من المالك في التصرّف في ماله سابقاً وشكّ في بقائه ، ففي جميع تلك الموارد تكون العبادة صحيحة ، لعدم كونها مبغوضة ، وعدم صدورها من المكلّف على وجه العصيان والطغيان حتّى ينافي ذلك مع كونها مقربة ، وهذا هو الفارق بين الموارد التي يكون فساد الصلاة فيها، لأجل اتحادها مع عنوان محرم ، وبين ما يكون فسادها لأجل عدم رعاية بعض الموانع الاُخر ، كما إذا صلّى في غير المأكول جاهلا أو ناسياً ، حيث إنّ مانعية الأوّل منحصرة بما إذا كانت الحرمة المتعلّقة بالعنوان المتّحد مع الصلاة خارجاً منجّزة على المكلّف بخلاف الثاني .
ولا يخفى أنّ ما ذكرنا في وجه بطلان الصلاة في الثوب المغصوب يجري بعينه في الصلاة في المكان المغصوب ، بلا فرق بينهما أصلا كما هو واضح .
ثمّ إنّه حيث جرى في الكلام ذكر مسألة جواز الاجتماع وعدمه ، فلا بأس أن نشير إلى بيان المختار فيها على سبيل الاجمال ، وإن كان خارجاً عن محلّ البحث والمقال ، فنقول وعلى الله الاتكال :
اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي المتعلّقين بعنوانين بينهما عموم من وجه ، يمكن أن يتصادقا في وجود واحد بحسب سوء اختيارالمكلّف ، على قولين نسب إلى المشهور القول بالامتناع وقد عرفت ما في هذه النسبة .
والحقّ هو القول بالجواز ، وأقوى ما استدلّ به للقول بالامتناع ما أفاده المحقّق

(الصفحة393)

الخراساني في الكفاية .
وملخّصه : إنّه لا ريب في ثبوت التضادّ بين الأحكام الخمسة التكليفية في مرتبة الفعليّة ، لضرورة المنافاة بين البعث نحو شيء والزجر عنه ، وكذا بين البعث على وجه أكيد ، وبينه على وجه غير أكيد ، وكذا بين مرتبتي الزجر عن شيء .
وكذا لا شكّ في أنّ متعلّق التكاليف فعل المكلّف وما هو في الخارج صادر عنه ، وذلك لأنّ البعث والزجر إنّما يتعلّق كلٌّ منهما بالوجود الخارجي ، وما يصدر من المكلّف في الخارج ، وحينئذ فلو جاز اجتماع الأمر والنهي في واحد شخصيّ كما هو محلّ الكلام ، يلزم اجتماع الضدّين وكون شيء واحد معروضاً بتمامه لعرضين متنافيين ، لأنّه بعد فرض كون متعلّق الأحكام هو ما يصدر في الخارج من المكلّف ، يلزم كون الغسل بماء مغصوب أو الصلاة في الدار المغصوبة مثلا متعلّقاً لحكمين ، وقد عرفت ثبوت التضادّ بين الأحكام ، فلا يمكن عروض إثنين منها لمعروض واحد ووجود فارد ، وهل هو إلاّ ككون جسم معروضاً بتمامه للسواد، وفي ذلك الحال معروضاً بتمامه للبياض ، ومن الواضح استحالته(1) .
أقول : ويرد عليه أنّ كون الأحكام من قبيل الأعراض لفعل المكلّف محلّ نظر بل منع ، وذلك لأنّه لو كانت عرضاً يلزم عدم إمكان تحقّقها قبل وجود معروضها ، كما هو الشأن في سائر الأعراض من السواد والبياض وأشباههما ، ومن المعلوم ثبوت التكليف قبل أن يوجد المكلّف متعلّقه ، إذ هو الداعي والباعث على الايجاد فلا يمكن تقدّم المتعلّق عليه .
مضافاً إلى أنّ المكلّف قد لا يوجد متعلّقه أصلا إمّا لعصيان منه كما في التكاليف الوجوبيّة ، أو لغيره كما في التكاليف التحريميّة ، فإنّ متعلّقها أيضاً هو

(1) كفاية الاُصول 1 : 248 ـ 249 .

(الصفحة394)

الوجود كما حقّقناه في الاُصول ، وأشرنا إليه في بعض المباحث السابقة ، فلو كانت عارضة للوجودات يلزم عدم إمكان تحقّق العصيان في التكاليف الوجوبيّة ، وعدم إمكان تحقّق الإطاعة في التكاليف التحريميّة أبداً ، وهذا بمكان من البطلان .
وأيضاً من الواضح سقوط التكاليف الوجوبيّة مثلا بمجرّد إتيان متعلقها ، فلو كانت أعراضاً يلزم أن يكون ثبوت معروضها سبباً لانتفائها ، ونحن لا نتصوّر عرضاً كذلك ، وبالجملة فهذا المعنى ممّا لا يمكن الالتزام به بوجه .
والحقّ أن يقال : إنّ الأحكام متنزعة من فعل المولى عارضة له قائمة به على نحو القيام الصدوري ، غاية الأمر إنّ لها تعلّقاً وإضافةً إلى فعل المكلّف الصادر منه في الخارج، لكونها من الاُمور ذات الإضافة ، كما أنّ لها إضافة إلى المكلّف . ومن المعلوم أنّ تحقّق الإضافة لا يتوقف على ثبوت المضاف بها .
فكما أنّا نعلم الاُمور التي ستوجد في الاستقبال ، كذلك نحن مكلّفون فعلا بالأمر الذي نوجده بعد تحقّق التكليف ، وحينئذ نقول إن كان المراد بثبوت التضادّ بين الأحكام كونها متضادة بحيث لا يمكن اجتماعها في آن واحد ولو كانت متعلّقاتها متبائنة ، فبطلانه أظهر من أن يخفى . وإن كان المراد بها كونها متضادّة بحيث لا يمكن اجتماعها في آن واحد مع اتّحاد متعلّقها فهو مسلّم ، ولكن لا من حيث لزوم كون الفعل معروضاً لعرضين ، بل من حيث امتناع قيامها كذلك بنفس المولى .
ولكن لا يخفى أنّ ذلك غير مفيد فيما هو بصدده ، وإن كان المراد ذلك مع إمكان تصادق متعلّقها في وجود واحد فنحن لا نتصوّر فيه الاستحالة بوجه ، بل لو قيّد المولى أمره مثلا بالوجودات غير المتّحدة مع عنوان محرّم ، تلزم اللغويّة بعد وجود المصلحة الموجودة في سائر الأفراد في الفرد المحرم أيضاً ، وعدم الاستحالة يكشف عن عدم المضادّة بينها في هذه الصورة .
فالوجود الواحد بتمامه متعلّق للأمر لحيثيّة الصلاتيّة التي هي تمام المأمور به ،

(الصفحة395)

وكذلك متعلّق للنهي لحيثيّة كونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه ، لا أن يكون معروضاً لعرضين ، بل محمولا عليه الوجوب والتحريم على نحو الحمل الاشتقاقي .
وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين ما قلناه في مقام الجواب وبين ما يظهر من القائلين بالجواز من مقاربي عصرنا(1) ، حيث إنّ ظاهرهم تسلّم كون الأحكام من قبيل الأعراض وثبوت التضادّ بينها لذلك ، غاية الأمر يتكلّفون في مقام الجواب لإثبات المغايرة والتنافي بين المتعلّقين ، ولا يخفى أنّ اثباته في غاية الاشكال .
ثمّ إنّ ما ذكرنا لا ينافي القول ببطلان العبادة ، فيما إذا اتحدت مع عنوان محرّم كالوضوء بماء الغير ، والصلاة في المكان المغصوب ، أو في الثوب كذلك ، لأنّه وإن كان الأمر متعلّقاً بالوجود الخارجي المنطبق عليه عنوان محرّم ، إلاّ أنّ صحة العبادة مشروطة بكون الفعل صالحاً لأن يتقرّب به مع قصد التقرّب به أيضاً .
ومن الواضح أنّه لا يكاد يكون ما يصدر من المكلّف على وجه العصيان والطغيان صالحاً لذلك أصلا ، مع عدم إمكان قصد التقرب به مع الالتفات إلى الحرمة الموجب لتنجّزها عليه ، ودعوى إنّه مستلزم لعدم كون ذلك الوجود مأموراً به مدفوعة بناءً على ما يظهر من جماعة من عدم كون قصد التقرّب مأخوذاً في متعلّق الأمر ، لا شطراً ولا شرطاً ، بمنع استلزامه لذلك ، إذ لا منافاة بين عدم إمكان قصد التقرّب وكونه مأموراً به ، وأمّا بناءً على ما اخترناه في الاُصول من إمكان أخذه في متعلّق الأمر(2) ، فصحّة تعلّقه به إنّما هي فيما إذا كانت الحرمة غير منجّزة للجهل بالموضوع أو الحكم أو للنسيان ، وأمّا مع تنجّزها فلا يكون مأموراً به ، ويخرج حينئذ عن مورد النزاع فتدبّر جيّداً .

(1) فوائد الاصول 1 ، 2 : 396 .
(2) نهاية الاُصول (تقريرات بحث السيّد البروجردي (رحمه الله) 1: 123.

(الصفحة396)



حكم الصلاة في الشمشك والنعل السندي . . .

قال الشيخ(رحمه الله) في كتاب النهاية: لا يصلّي الرجل في الشمشكّ (بضمّ الشين الأوّل وكسر الميم أو ضمّها وسكون الشين الثاني) ، ولا النعل السندي ، ويستحب الصلاة في النعل العربي، ولا بأس بالصلاة في الخفّين والجرموقين إذا كان لهما ساق(1). انتهى .
ويظهر عدم جواز الصلاة في الأوّلين من المحكيّ عن المفيد في المقنعة(2) ، ويظهر من المحقق في الشرائع عدم اختصاص المنع بهما بل يعمّ كل ما يستر ظهر القدم حيث قال : لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشكّ ، ويجوز فيما له ساق كالجورب والخف ، ويستحب في النعل العربي(3) .
أقول : الظاهر عدم ورود نصّ بهذا المعنى واصل إلينا مذكور في الجوامع الأربعة المتأخّرة التي بأيدينا ، كما اعترف به المحقّق في المعتبر(4) ، بل إنّما ذكره بعض الأصحاب في الكتب الموضوعة لايراد الفتاوى المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام)بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، كالمقنعة ، والنهاية ، وهذا إنّما يكشف عن صدور نصّ منهم مذكور في الجوامع الأوّلية .
غاية الأمر إنّه لم يضبط في الجوامع الثانويّة ، وحينئذ فالدليل لا يدلّ على أزيد من عدم جواز الصلاة في الشمشكّ والنعل السندي ، فالحكم بعدم الجواز في كل ما يستر ظهر القدم مبنيّ على استظهار أنّ مناط النهي عنهما كونهما ساترين لظهر

(1) النهاية: 98 .
(2) المقنعة : 153 .
(3) شرائع الاسلام 1 : 59 .
(4) المعتبر 2 : 93 .

(الصفحة397)

القدم ، مع عدم سترهما للساق ، إذ ما كان ساتراً للظهر والساق معاً كالخفّ ، يكون مقتضى الدليل جواز الصلاة فيه ، وكذلك ما لا يكون ساتراً لظهر القدم كالنعل العربيّة ، فإنّه قد ورد النصّ على جواز الصلاة فيه بل على استحبابها(1) .
فيستظهر من ذلك أنّ الوجه في بطلان الصلاة فيهما ، هو كونهما ساترين لظهر القدم دون الساق .
ولا يخفى ما فيه ، لعدم الدليل على ذلك ، إذ كما يحتمل أن يكون المنع عن الصلاة فيهما لأجل ما ذكر ، يحتمل أيضاً أن يكون لأجل أنّهما مانعان عن وصول الابهام ، أو سائر الأصابع إلى الأرض في حال السجود ، مع أنّه معتبر فيه بلا ريب ، ويحتمل غير ذلك من الوجوه ، وحينئذ فالتعدّي عنهما إلى كل ما يستر ظهر القدم فقط يحتاج إلى دليل معيّن للاحتمال الأوّل، ومن المعلوم عدمه .
ثمّ إنّ الظاهر باعتبار عدم ورود لفظ الشمشكّ في كتب لغة العرب على ما تتبّعنا أنّه معرّب چمشكّ ، أو چمش ، وهما على ما حكاه بعض نوع من الأحذية له رأس مانع عن وصول الأصابع إلى الأرض ، بل إلى رأسه ، ويستر أكثر ظهر القدم ، ثمّ إنّه بناءً على التعميم هل يكون المنع مختصّاً بما يستر جميع ظهر القدم أو يعمّ ما يستر أكثره أو ولو بعضه؟
الظاهر هو الثاني كما لا يخفى ، وأيضاً الظاهر اختصاص الحكم بما يكون معدّاً لأن يمشى به، فلا يعمّ مثل الجورب المنسوج من القطن أو الصوف إذا لم يكن ساتراً للساق . نعم الأقوى الحكم بمنع الصلاة فيهما فيما إذا لزم من الصلاة فيها الاخلال ببعض ما يعتبر فيها  ، كوصول الأصابع إلى الأرض أو إلى ما يتّصل بها ، وفي غير هذه الصورة الأحوط ذلك .

(1) الغيبة للطوسي: 381 ـ 382; الإحتجاج ج2: 305; الوسائل 3: 490. أبواب النجاسات ب50 وج4 : 427. أبواب لباس المصلّي ب38 ح4 .

(الصفحة398)







الأمر السادس : طهارة لباس المصلّي


من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن يكون طاهراً من الخبائث كالبول ، والدم ، وغيرهما ، فالصلاة في اللباس النجس في الجملة فاسدة(1) ، ولا يخفى أنّ أكثر النصوص الواردة في هذا الباب إنّما تدلّ على بطلان الصلاة في بعض أفراد النجاسات ، وأمّا الروايات الدالة على حكم الصلاة في الثوب النجس وأمثاله من العناوين العامة الشاملة لجميع النجاسات فقليلة بالاضافة إلى الاُولى .
ولا بأس بالتيمّن بإيراد بعضها مثل ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا صلاة إلاّ بطهور، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأمّا البول فإنّه لابدَّ من غسله»(2) فإنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّه لا تختص الطهارة المعتبرة في

(1) الخلاف 1 : 472 مسألة 217; السرائر 1: 183; المعتبر 1: 441; المنتهى 1: 182; تذكرة الفقهاء 2: 477 مسألة 126; الذكرى 3: 49; روض الجنان: 168; مستند الشيعة 4: 252 .
(2) التهذيب 1 : 49 ح144 وص209 ح605; الاستبصار 1 : 55 ح160; الوسائل 1 : 315. أبواب أحكام الخلوة ب9 ح1 .

(الصفحة399)

الصلاة بالطهارة من الأحداث ، بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث كما لا يخفى .
وما رواه الشيخ بالسند المذكور عن زرارة قال : قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه، فلمّا أن صلّيت وجدته. قال : «تغسله وتعيد». قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً، ثم صلّيت فرأيت فيه . قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» . قلت : لِمَ ذاك؟ قال : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً . . .»(1) .
فإنّ السؤال وإن كان عن الصلاة في الثوب الذي شكّ في إصابة الدم والمني إيّاه ، إلاّ أنّ الجواب باعتبار اشتماله على ذكر الطهارة من دون التقييد بشيء يدلّ على اعتبار الطهارة مطلقاً في صحة الصلاة .
وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال : «سأل أبي أبا عبدالله(عليه السلام) وأنا حاضر : إنّي اُعير الذميّ ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام)  : «صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه»(2) ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة .
ومثلها ما رواه أيضاً عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن

(1) التهذيب 1 : 421 ح1335; الاستبصار 1 : 183 ح641; علل الشرائع: 361; الوسائل 3 : 477 . أبواب النجاسات ب41 ح1 .
(2) التهذيب 2 : 361 ح1459; الاستبصار 1 : 392 ح1497; الوسائل 3 : 521. أبواب النجاسات ب74 ح1 .

(الصفحة400)

الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثم يذكر أنّه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال : «لا يعيد، قد مضت الصلاة وكُتبت له»(1) ، فإنّ الحكم المذكور في الجواب وإن كان مخالفاً لما هو المشهور من وجوب الإعادة في هذه الصورة ، إلاّ أنّه يعلم من السؤال والجواب مفروغيّة اعتبار الطهارة من كل قذر في صحة الصلاة .
ومنها : ما رواه أيضاً عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى وعن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حمّاد بن عثمان، عمّن رواه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه القذر، فقال : «إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس»(2) . فإنّ مفهومها يدلّ على مانعية القذارة وشرطيّة عدمها مطلقاً .
ومنها : ما رواه أيضاً عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن حدّثهم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لاتجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة والتكّة والجورب»(3) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن المفيد، عن محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف أو غيره، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عبدالله بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «كل ما كان على الانسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه، وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكّة والكمرة

(1) التهذيب 1 : 423 ح1345; وج2: 360 ح1492; الاستبصار 1 : 183 ح642; الوسائل 3 : 480. أبواب النجاسات ب42 ح3.
(2) التهذيب 2 : 357 ح1479 ; وج1 : 274 ح807 باسناد آخر عن أيّوب بن نوح; الوسائل 3 : 456. أبواب النجاسات ب31 ح2 .
(3) التهذيب 2: 358 ح1481; الوسائل 3: 456. أبواب النجاسات ب1 ح4.

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>