جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج1 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة441)

وأمّا إذا لم يتمكّن إلاّ من الصلاة في أحدهما لضيق الوقت ، فالظاهر أنّ المسألة مبتنية على المسألة السابقة ، وهي ما لو انحصر ثوبه في النجس ، فإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة في الثوب النجس كما اختاره كاشف اللثام(1) ، وتبعه جمع من مقاربي عصرنا ، منهم: السيّد(قدس سره) في العروة(2) ، فيجب عليه هنا الصلاة في أحد الثوبين الذي لا يعلم بنجاسته بطريق أولى كما لا يخفى .
وإن قلنا بأنّه يجب عليه في تلك المسألة الصلاة عارياً ، كما قوّيناه تبعاً للشيخ أبي جعفر الطوسي (رحمه الله)(3)، فالظاهر أنّ الواجب عليه في مسألتنا هذه أيضاً ذلك .
وتوهّم(4) ثبوت الفرق بين المقامين بأنّ الأمر هناك دائر بين الصلاة فاقداً للستر وللمانع ، وبين الصلاة واجداً لهما معاً قطعاً ،  ، للعلم بنجاسة الثوب المنحصر ، وهنا دائر بين الصلاة فاقداً للشرط قطعاً ، وبينها واجداً للمانع احتمالا .
وبعبارة اُخرى ، الأمر في المسألة السابقة كان دائراً بين المخالفة القطعية للأمر المنجز المعلوم بترك ما هو شرط للمأمور به يقيناً ، وبين المخالفة القطعية له بإتيانه واجداً للمانع كذلك ، وهنا دائر بين المخالفة القطعية له بترك ما هو شرط له ، وبين المخالفة الاحتماليّة بإيقاع الصلاة في الثوب الذي شكّ في طهارته ، ولا ريب أنّ الترجيح مع الثاني ، كما يحكم به العقل قطعاً .
مندفع بأنّ الكلام إنّما هو في مقام تعلّق الأمر ، وأنّه هل تعلّق أمر المولى فيما إذا لم يمكن مراعاة الشرط والمانع معاً بالصلاة مع رعاية الشرط ، أو بها مع خلوّها عن المانع ، وإن كانت فاقدة للشرط؟ وقد دلّت الأخبار المتقدّمة في المسألة السابقة على

(1) كشف اللثام 1 : 455 .
(2) العروة الوثقى 1 : 76 مسألة 4 .
(3) المبسوط 1 : 90 ـ 91 ; الخلاف 1 : 474; النهاية: 55 .
(4) الظاهر هو الحاج آقا رضا الهمداني(رحمه الله) في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص625 .

(الصفحة442)

ترجيح مانعية النجاسة ، لقوّتها على شرطيّة الستر .
وحينئذ فلو قلنا بوجوب الصلاة في الثوب فيما نحن فيه ، فمرجعه إلى اكتفاء المولى بمحتمل الصلاتيّة ، إذ على تقدير نجاسة الثوب واقعاً لا تتحقّق الصلاة أصلا ، فاللازم أن يقال بكفاية الشك في تحقّق الامتثال ، مع عدم وجود ما يحرزه كما هو المفروض ، وهو ممّا يحكم ببداهة خلافه العقل ، إذ مرجعه إلى عدم كون الصلاة مطلوبة للمولى، ومأموراً بها بالأمر المنجز كما هو واضح .
وبالجملة : فالصلاة في الثوب الذي شكّ في طهارته مع عدم احرازها بالأصل ، لفرض كونه من أطراف العلم الاجمالي كالصلاة ، فيما علم نجاسته من حيث عدم تحقّق الامتثال المعتبر في سقوط الأمر ، وحيث إنّه قد علم من الأخبار المتقدّمة ترجيح جانب المانع على جانب الشرط ، فالواجب عليه هنا أيضاً الصلاة عارياً فتدبّر .

(الصفحة443)






المقدّمة الخامسة في مكان المصلّي


إعلم أنّه لا يعتبر في مكان المصلّي شيء وجودي أو عدمي ، مثل ما يعتبر في لباسه من الأوصاف الوجودية والعدمية ، على ما عرفت تفصيله ، نعم يعتبر فيه أن يكون التصرف فيه مباحاً للمصلّي ، ولكنّه لم يرد فيه نصّ بخصوصه ، بل الوجه في اعتباره هو ما دل على حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، بضميمة استحالة اجتماع الأمر والنهي .
ونحن وإن حقّقنا جوازه فيما هو محلّ النزاع في المسألة الاُصولية إلاّ انّك عرفت أنّ ذلك لا ينافي القول ببطلان العبادة فيما إذا اتحدت مع عنوان محرّم في الخارج ، لعدم صلاحية ما يكون مبغوضاً للمولى بالفعل للتقرب به إليه .
نعم يختص ذلك بما إذا كانت الحرمة منجزة على المكلّف ، وأمّا في غير هذه الصورة فلا مانع من وقوع العبادة على وجهها ، لعدم كونها مبغوضة فعلا . ثم إنّ التعبير بأنّه يعتبر أن لا يكون مكان المصلّي مغصوباً كما في بعض الكلمات(1) ، لا

(1) كتاب الصلاة للمحقق الحائري  : 81 .

(الصفحة444)

يشمل جميع صور المسألة ، لما عرفت من أنّ الغصب يعتبر فيه الاستيلاء ، ولو لم يتحقق تصرّف أصلا ، والملاك هو التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، ولو لم يكن هنا استيلاء ، إذ هو الذي يتّحد مع أكوان الصلاة كما هو واضح .
ثمّ إنّه جرت عادتهم في هذا المقام على التعرض لمسألتين ، وإن لم يكن لهما ربط به بكثير ، ونحن أيضاً نتعرّض لهما في هذا الباب تبعاً لهم فنقول :

المسألة الاُولى : حكم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة

المشهور بين قدماء الأصحاب إنّه لا يجوز تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة ، ولا صلاتها بحذائه ، بأن تكون عن يمينه أو يساره ، وهم بين مصرّح بأنّه لا يجوز ذلك(1) الذي يظهر منه البطلان ، لكون النواهي الواردة في بيان كيفيات العبادات والمعاملات إرشادات إلى فساد العبادة والمعاملة ، وبين من صرّح بالبطلان(2) ، والمشهور بين المتأخرين هو القول بالكراهة(3) .
ولا يخفى أنّ الأخبار الواردة في هذه المسألة كثيرة ، والرواة من أصحاب الأئمة(عليهم السلام)الذين سألوهم عن حكمها أيضاً كثيرون ، بحيث ربما يبلغ عددهم إلى ثلاثة عشر أو أربعة عشر ، وهم بين من يروى عنه أزيد من رواية واحدة ، وبين من له رواية واحدة فقط .
أمّا الطائفة الاُولى فمنهم: جميل بن درّاج ، وقد روي عنه ثلاث روايات :

(1) الكافي في الفقه: 120; الغنية: 82 ; المهذّب 1: 98.
(2) المقنعة: 152; النهاية: 100 ـ 101; الوسيلة: 89 .
(3) السرائر 1 : 267; شرائع الاسلام 1 : 71; المعتبر 2 : 110; نهاية الاحكام 1 : 349; القواعد 1 : 28; التحرير 1 : 33; الذكرى 3: 82 ; البيان : 130; جامع المقاصد 2 : 120; الدروس 1 : 153; مدارك الاحكام 3 : 221 .

(الصفحة445)

منها : ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عمّن أخبره، عن جميل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه قال : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن يعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عمّن أخبره، عن جميل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه قال : «لا بأس»(2) .
والظاهر أنّهما رواية واحدة ، بمعنى أنّ الراوي وهو جميل سأل الإمام(عليه السلام)عن حكم المسألة مرّة واحدة ، وأجابه(عليه السلام) بجواب واحد ، وهل الحكم بعدم البأس مطلقاً ، أو يكون مقيداً بما إذا كان سجودها مع ركوعه؟، الظاهر هو الثاني ، لأنّه إذا دار الأمر بين الزيادة السهوية ، والنقيصة السهوية ، يكون الترجيح مع الثاني ، على ما يحكم به العرف .
ويؤيّد ذلك ـ أي كون الصادر من الإمام(عليه السلام) هو الثاني ـ ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عمّن(3) رواه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه أو إلى جانبه فقال : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»(4) .
ثمّ لو فرض كونهما روايتين ، فالواجب تقييد الرواية الثانية بالاُولى ، وحملها على ما إذا كان سجودها مع ركوعه ، ولا وجه لحمل الرواية الاُولى على استحباب تأخّر المرأة عن الرجل في الصلاة بذلك المقدار . وبالجملة فلا يصح جعل الرواية الثانية حجّة على جواز صلاتها بحذاه أو إلى أحد جانبيه بنحو الإطلاق .

(1) التهذيب 2 : 379 ح1581 ; الاستبصار 1 : 399 ح1524; الوسائل 5 : 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح3.
(2) التهذيب 2: 232 ح912، الوسائل 5: 125. أبواب مكان المصلّي ب5 ح6.
(3) يحتمل قويّاً أن يكون المراد بمن روى عنه ابن بكير هو جميل ، إذ لو كان المراد به هو زرارة الذي هو عمّه لما أبهم اسمه، وعليه فيكون المرادبمن أخبرعنه ابن فضال في الروايتين المتقدّمتين هو ابن بكير، كما لا يخفى (منه).
(4) الكافي 3 : 299 ح7; الوسائل 5 : 128 . أبواب مكان المصلّي ب6 ح5 .

(الصفحة446)

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن جميل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي، فإنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان(صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد»(1) .
وهذه الرواية وإن كان ظاهرها جواز صلاة المرأة بحذاء الرجل ، ولا يمكن حملها على ما إذا كان سجودها مع ركوعه ، كما في الرواية الاُولى ، لمنافاتها معها ، إذ هذه الرواية تدلّ على عدم البأس فيما إذا صلّت المرأة بحذاء الرجل أي في مقابله وأمامه ، وهي تدلّ على ثبوت البأس فيما إذا لم تكن متأخّرة عنه بذلك المقدار المذكور فيها ، إلاّ أنّ ذيل الرواية المشتمل على التعليل المذكور ، ربما يدل على صدورها تقية ، لغرابته في نفسه كما لا يخفى .
مضافاً إلى عدم صلاحيته للعلية للحكم المذكور في الصدر ، لأنّ مورد الحكم صلاة المرأة بحذاء الرجل ، وهو يصلّي، وبعبارة اُخرى مورده هو ما إذا صلّى كلاهما معاً ، ومقتضى التعليل جواز صلاة الرجل والمرأة بين يديه وهي لا تصلّي، مع أنّ الحكم بعدم البأس إنّما جعل في الصدر محمولا لصلاة المرأة بحذاء الرجل ، والتعليل يدل على جواز صلاة الرجل ولو كانت بحذائه امرأة . هذا ، مضافاً إلى أنّ طريق الصدوق إلى الجميل وحده ممّا لا يعلم صحته .
فيظهر من ذلك أنّ المستفاد من مجموع ما رواه الجميل عن أبي عبدالله(عليه السلام)هو عدم البأس فيما إذا كان سجودها مع ركوعه ، والمراد به يحتمل أن يكون ما إذا كان رأس المرأة في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع ، أي كانت متأخرة عنه بهذا المقدار ، ويحتمل أن يكون المراد وقوع رأسها في حال السجود

(1) الفقيه 1 : 159 ح749; الوسائل 5 : 122 . أبواب مكان المصلّي ب4 ح4 .

(الصفحة447)

محاذياً لأوّل جزء من بدن الرجل ، أي يجب التأخر بهذا المقدار .
ومن تلك الرواة محمّد بن مسلم ، وله أيضاً ثلاث روايات :
منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن الحجال، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) في المرأة تصلّي عند الرجل قال : «إذا كان بينهما حاجز فلا بأس»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى؟ قال: «لا ينبغي له ذلك فإن كان بينهما شبر أجزأه . يعني إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر»(2) .
والظاهر أنّ المراد بـ «لا ينبغي» البطلان لا الكراهة ، كما أنّ الظاهر أنّ لفظ شبر بالشين المعجمة والباء الموحّدة تصحيف الستر بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق ، إذ من البعيد أن تكون الحجرة بالغة في الضيق إلى حدّ يكون الفاصل بين الشخصين الواقعين في زاويتيهما مقدار شبر واحد .
وبناءً على ما ذكرنا يكون مضمون الروايتين أمراً واحداً ، وهو اعتبار الستر بينهما في صحة صلاتهما ، ويؤيد ذلك ـ وهو كون الشبر تصحيف ـ ما رواه في السرائر نقلا عن نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن المفضل، عن محمد الحلبي قال : سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى؟ قال: «لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر فإن كان بينهما ستر أجزأه»(3) .


(1) التهذيب 2 : 379 ح1580; الوسائل 5 : 129 . أبواب مكان المصلّي ب8 ح2 .
(2) الكافي 3: 298 ح4; التهذيب 2 : 230 ح905; الوسائل 5 : 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1.
(3) السرائر 3 : 555; الوسائل 5 : 130. أبواب مكان المصلّي ب8 ح3 .

(الصفحة448)

ثمّ إنّ قوله «يعني إذا كان الرجل . . .» يحتمل أن يكون تفسيراً من الشيخ(رحمه الله)ويحتمل أن يكون من الرواة .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان وفضالة، عن العلاء، عن محمد، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعاً؟ فقال : «لا ولكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة»(1) ورواهما أي الأخيرتين منضمّة في الكافي عن عليّ بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن العلاء، عن محمد بن مسلم(2) .
ومن تلك الرواة علي بن جعفر ، وله أربع روايات :
منها: ما رواه في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي الضحى وأمامه إمرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع؟ قال : «لا بأس ليمض في صلاته»(3) .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم وأبي قتادة جميعاً، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) في حديث قال : سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى (كواء خ ل) كله قبلته وجانباه وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال(عليه السلام)  : «لا بأس»(4) .
قال في الوافي : الكواء ممدوداً ومقصوراً جمع الكوة بالتشديد وهي الروزنة(5) .
أقول : الظاهر أنّ مورد السؤال هو أن يصلّي الرجل في مسجد حيطانه كذا

(1) التهذيب 2: 231 ح907; الاستبصار 1: 399 ح1522; الوسائل 5: 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح2.
(2) الكافي 3: 298 ح4 .
(3) قرب الإسناد  : 174 ح774 ; الوسائل 5: 128. أبواب مكان المصلّي ب7 ح2.
(4) التهذيب 2 : 373 ح1553 ; مسائل عليّ بن جعفر : 140 ح 159 ; الوسائل 5 : 129 . أبواب مكان المصلّي ب8  ح1.
(5) الوافي 5: 478 ح6395.

(الصفحة449)

والمرأة تصلّي في خارج المسجد وإلاّ لا يكون لذكر كيفية الحيطان وجه كما لايخفى .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن محمد بن مسعود العيّاشي، عن جعفر بن محمد، عن العمركي، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي وهي تحسب أنّها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال : «لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها»(1) .
أقول : الوجه في وجوب الإعادة على المرأة يحتمل أن يكون هو تقدّمها على الرجل ومحاذاتها الإمام ، ويحتمل أن يكون لأجل اقتدائها في صلاة عصرها إلى الإمام ، وهي تحسب أنّه يصلّي العصر مع أنّه كان في صلاة الظهر ، ويحتمل أن يكون لأجل مخالفتها لسنّة الموقف في الجماعة .
ومنها : ما رواه في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: «إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلابأس»(2) .
والمستفاد من مجموع ما رواه علي بن جعفر اعتبار وجود الحائط بينهما ، سواء كان طويلا أو قصيراً ، وسواء كان ذا روزنة أو غيره ، فيما إذا رأى الرجل المرأة أو رأى كلٌّ منهما صاحبه كما في الرواية الثانية والأخيرة .
ومن تلك الرواة زرارة وله ثلاث روايات :
منها: ما رواه محمّد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قلت له : المرأة والرجل يصلّي كل واحد منهما قبالة

(1) التهذيب 2 : 232 ح913; وص379 ح1583; الوسائل 5 : 130 . أبواب مكان المصلّي ب9 ح1.
(2) قرب الاسناد : 176 ح791; الوسائل 5: 130 . أبواب مكان المصلّي ب8 ح4.

(الصفحة450)

صاحبه؟ قال : نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل»(1) . قال في الوافي : أراد بالرحل رحل البعير وهو الذي يكون له كالسرج للفرس(2) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن كتاب حريز، عن زرارة قال : قلت له : المرأة تصلّي بحيال زوجها؟ فقال : «تصلّي بإزاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً»(3) . ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)(4) من دون ذكر السؤال مع حذف قوله : «تصلّي بإزاء الرجل» من الجواب وإضافة كلمة «لا بأس» إلى آخره .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل؟ فقال : «لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره»(5) .
ومن تلك الرواة أبو بصير ، وله أيضاً ثلاث روايات :
منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم، عن علي، عن درست، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان معاً في المحمل؟ قال : «لا ولكن يصلّي الرجل وتصلّي المرأة بعده»(6) . ومضمونها من حيث السؤال والجواب موافق لإحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة  .

(1) السرائر 3 : 586 ; الوسائل 5 : 126. أبواب مكان المصلّي ب5 ح12.
(2) الوافي 5: 473 ح6380 .
(3) السرائر 3 : 587 ; الوسائل 5 : 126. أبواب مكان المصلّي ب5 ح13 .
(4) الفقيه 1: 159 ح748 وفيه: «قدر ما يتخطّى».
(5) التهذيب 2 : 379 ح1582; الاستبصار 1 : 399 ح1525; الوسائل 5 : 127 . أبواب مكان المصلّي ب6 ح2.
(6) التهذيب 5 : 403 ح1404; الوسائل 5 : 132  . أبواب مكان المصلّي ب10 ح2 .

(الصفحة451)

ومنها : ما رواه أيضاً عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن الحسن الصيقل، عن ابن مسكان، عن أبي بصير هو ليث المرادي قال : سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال : «لا إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع» ثمّ قال : «كان طول رحل رسول الله(صلى الله عليه وآله)ذراعاً، وكان يضعه بين يديه إذا صلّى يستره ممّن يمرّ بين يديه»(1) .
قال في الوافي : أريد بالرحل رحل البعير، وأريد بطوله ارتفاعه من الأرض(2) ، أعني السُمك ، ويحتمل قريباً بقرينة الذيل أن يكون المراد بقوله : «إلاّ أن يكون  . . .» وجود حائل بينهما كان طوله شبراً أو ذراعاً ، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد تقدّم الرجل على المرأة بهذا المقدار . وهذا الاحتمال يجري في الرواية الاُولى ، وكذا الثانية ممّا رواه زرارة .
ومنها : ما رواه أيضاً عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال : «لا حتّى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه»(3) والظاهر اتحادها مع الرواية الثانية كما لا يخفى .
وأمّا الطائفة الثانية من الرواة الذين رووا رواية واحدة :
فمنهم : عمّار ، فقد روى الشيخ عن محمّد أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق، عن عمّار، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سُئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : «لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك

(1) التهذيب 2 : 230 ح906; الوسائل 5 : 124 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح3 .
(2) الوافي 5 : 481 .
(3) التهذيب 2 : 231 ح908; الكافي 3: 298 ح3; الوسائل 5 : 124 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح4 .

(الصفحة452)

فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت»(1) .
ومنهم : إدريس بن عبدالله القمّي، فروى في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن إدريس بن عبدالله القمّي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنبته؟ فقال : «إن كانت قاعدة فلا يضرّك وإن كانت تصلّي فلا»(2) . وليس المراد بقوله  : «قاعدة» الجلوس في مقابل القيام ، بل المراد عدم الاشتغال بالصلاة والقعود عنها ، بقرينة قوله : «وإن كانت تصلّي» .
ومنهم : عبدالرحمن بن أبي عبدالله، فروى في الكافي عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره؟ فقال : «لابأس به إذا كانت لا تصلّي»(3) .
ومنهم : عبدالله بن أبي يعفور، فروى الشيخ بإسناده عن سعد، عن سندي بن محمّد البزّاز، عن أبان بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال : «لا إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة»(4) .
ومنهم : معاوية بن وهب، فروى الصدوق عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سأله

(1) التهذيب 2 : 231 ح911; الاستبصار 1 : 399 ح1526; الوسائل 5 : 128 . أبواب مكان المصلّي ب7 ح1 .
(2) الكافي 3 : 298 ح5; التهذيب 2: 231 ح910; الوسائل 5 : 121 . أبواب مكان المصلّي ب4 ح1; وفيه: «جنبه» .
(3) الكافي 3 : 298 ح2; الوسائل 5 : 121 . أبواب مكان المصلّي ب4 ح2 .
(4) التهذيب 2 : 231 ح909; الوسائل 5 : 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح5 .

(الصفحة453)

عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال : «إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها وهو وحده لا بأس»(1) .
ومنهم : هشام بن سالم; فروى الصدوق عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ  قال : «الرجل إذا أمَّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه»(2) .
ومنهم : ابن بكير، وقد تقدّم نقل روايته في ضمن الروايات المتقدّمة التي رواها جميل .
ومنهم : محمّد الحلبي ، وقد تقدّم نقل روايته أيضاً في ضمن ما رواه محمّد بن مسلم .
ومنهم : حريز بن عبدالله، فروى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال : «إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس»(3) .
ومنهم : الفضيل، فروى الصدوق في العلل عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك، إنّما يكره في سائر البلدان»(4) .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ عمدة أدلّة الجواز هي إحدى روايات جميل المتقدّمة وهي ما تدلّ على جواز صلاة الرجل والمرأة تصلّي بحذاه على الاطلاق ، ويؤيّدها

(1) الفقيه 1 : 159 ح747 ; الوسائل 5 : 125 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح7.
(2) الفقيه 1: 259 ح1178; الوسائل 5: 125. أبواب مكان المصلّي ب5 ح9.
(3) الكافي 3 : 298 ح1; الوسائل 5 : 126 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح11 .
(4) علل الشرائع: 397 ب137 ح4، الوسائل 5: 126. أبواب مكان المصلّي ب5 ح10.

(الصفحة454)

خبر عيسى بن عبدالله القمي حيث إنّه سأل الصادق(عليه السلام) عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف؟ قال(عليه السلام)  : «مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد» .
هذا ، ولكنّك عرفت فيما تقدّم أنّه ليس للجميل روايات متعدّدة ، بل الظاهر أنّ هذا الخبر الذي يدل على الجواز بنحو الإطلاق هو ما يدل على الجواز ، مقيداً بأن يكون سجودها مع ركوعه ، لترجيح احتمال النقيصة السهوية على احتمال الزيادة السهوية عند العرف ، فالواجب الأخذ بما يدل على الجواز مقيداً بذلك القيد المذكور ، وقد عرفت أيضاً إنّه لو قلنا بتعدّدهما فالواجب أيضاً تقييد اطلاقها بالصورة المذكورة ، ولا وجه لحمل الآخر على الاستحباب .
وأمّا خبر عيسى بن عبدالله ، فليس بمنقول في الكتب المعدّة لجمع الأخبار الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) ، إذ كل ما تتبعنا في مظانه لم نظفر به ، نعم هو مذكور في بعض الكتب الفقهية(1) ، فلا يصلح شيء من هاتين الروايتين للاستناد إليه للقول بالجواز .
والرواية الأخيرة من روايات جميل وإن كان ظاهرها الجواز بنحو الاطلاق ، إلاّ أنّك عرفت الإشكال فيها من حيث اشتمالها على التعليل المذكور ، وحينئذ فلم تبق في المسألة إلاّ طائفتان من الأخبار ، فطائفة تدلّ على المنع مطلقاً ، مثل رواية إدريس بن عبدالله ، ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدمتين ، وغيرهما ممّا تقدّم . وطائفة تدلّ على التفصيل على اختلافها كأكثر الروايات المتقدمة .
ثمّ لا يخفى أنّ ما يدل منها على اعتبار الحاجز بينهما كأكثر ما رواه محمّد بن مسلم ، وبعض روايات عليّ بن جعفر ، ورواية الحلبي ، لا يصادم الإطلاقات

(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 179; جواهر الكلام 8 : 306; كشف اللثام 3 : 280; رياض المسائل 3 : 259 .

(الصفحة455)

المانعة ، لأنّها مفروضة فيما إذا لم يكن بينهما حاجز ، أو ستر ، أو جدار ، فمدلولها من حيث إطلاق المنع واحد، وحينئذ فيدور الأمر بين حمل النهي في الطائفة الاُولى على الكراهة ، لصراحة الطائفة الثانية في الحكم بالجواز وعدم التحريم مقيداً بالقيود المذكورة فيها ، وظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الاطلاق ، فتحمل على الكراهة ، ويقال: بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر ، أو ذراع ، أو موضع رحل ، أو أكثر من عشرة أذرع .
ويحمل اختلاف القيود على اختلاف مراتب الكراهة ، ففيما إذا كان بينهما أكثر من عشرة أذرع، تكون الصلاة واجدة لمنقصة ضعيفة، وحزازة قليلة بخلاف ما إذا كان بينهما موضع رحل ، أو ذراع ، فالكراهة فيها أشدّ ، والمنقصة والحزازة أزيد ، وتشتدّ وتزيد إلى أن تبلغ إلى مقدار شبر ، وبين إبقائها على حالها من اطلاق النهي .
والحكم بأنّ المراد ممّا ورد من التفاصيل في الطائفة الثانية هو أن يكون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها ، لا أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين ، هو ذلك المقدار ، إمّا بحمل السؤال عن صلاة الرجل بحذاء المرأة ، أو يمينها ، أو يسارها على الحذاء العرفي ، واليمين واليسار العرفيين ، وإمّا بحمل الاستثناء في الجواب على الاستثناء المنقطع .
وبالجملة: الأمر دائر بين ترجيح أحد الظهورين على الآخر ، إمّا ترجيح ظهور الطائفة الثانية في أنّ المراد من التفاصيل هو أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين ذلك المقدار ، وإمّا ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في اطلاق النهي ، ومع عدم الدليل على الترجيح بنحو الجمع العرفي ، بحيث يخرج عن كونهما متعارضين .
فالظاهر وجوب الأخذ بالاطلاقات المانعة ، والقول بتقدمها على أدلة الجواز ، لتأييدها بالشهرة الفتوائية المحققة بين قدماء الأصحاب ، كالمفيد ، والشيخ ،

(الصفحة456)

ومن تبعهما(1) ، مضافاً إلى كونها أشهر من حيث الرواية أيضاً ، وإلى كونها مخالفة للعامة ، حيث إنّ ظاهرهم الجواز كما يشهد به عدم تعرضهم للمسألة ، وإن تعرضوا لحكم ما إذا خالف سنة الموقف في الجماعة .
هذا ويؤيّد ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في إطلاق المنع روايتا محمّد بن مسلم(2) وأبي بصير(3) الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين ، وأنّه يجب أن يصلّي الرجل أولا فإذا فرغ صلّت المرأة ، فإنّ هذا لا يناسب القول بالكراهة ، مع أنّ في السفر يرخص ما لا يرخص في غيره ، كقصر الصلاة وترك الأذان والإقامة ، بناءً على القول بوجوبهما في غير السفر .
كما أنّه ربما يؤيّد ترجيح ظهور الطائفة الثانية والحكم بالكراهة ، بعض الروايات المتقدمة الذي يدل بالصراحة على الجواز ، وعدم البأس فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع(4) ، كما هو المتحقّق غالباً بين الرجل والمرأة المتزاملين ، فإنّ الظاهر ثبوت هذا المقدار بين طرفي المحمل ، خصوصاً في الأزمنة السابقة .
وبعبارة اُخرى ، مدلول بعض الروايات المتقدمة هو الجواز في مورد الروايتين الواردتين في حكم تزامل الرجل والمرأة ، فيجب حمل النهي فيهما على الكراهة ، لصراحته في الجواز .
وربما يؤيّد الأوّل أيضاً ما تقدم من إحدى روايات زرارة ، المشتملة على استثناء ما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره(5) ، فإنّ الظاهر أنّ

(1) راجع ص444.
(2) التهذيب 2 : 231 ح907; الاستبصار 1 : 399 ح1522; الوسائل 5 : 124 . أبواب مكان المصلّي ب5 ح2 .
(3) التهذيب 5 : 403 ح1404; الوسائل 5 : 132 . أبواب مكان المصلّي ب10 ح2 .
(4) الوسائل 5: 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح3 و 4 .
(5) الوسائل 5: 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح2.

(الصفحة457)

الاستثناء متصل ، وعليه فيصدق على المستثنى عنوان المستثنى منه ، وهي صلاة المرأة بحيال الرجال ، فيدلّ ذلك على أنّ المراد بالمحاذاة الواردة في سائر الأخبار هي المحاذاة العرفية الشاملة لما إذا تأخرت المرأة عن الرجل .
وحينئذ فيرتفع البعد عن تفسير قوله(عليه السلام)  : «لا إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع» بما إذا كانت المرأة متأخرة عن الرجل بهذا المقدار ، كما تقدّم هذا التفسير في ذيل بعض الروايات المتقدمة(1) ، إذ لا ينافي ذلك مع صدق المحاذاة .
ثمّ لا يخفى أنّ رواية فضيل المتقدمة المروية في كتاب العلل ، الدالة على التفصيل بين مكّة وسائر البلدان ساقطة عن درجة الاعتبار ، لعدم كونها واجدة لشرائط الحجية ، لإعراض الأصحاب عنها .
ثمّ إنّه لو قلنا بالتحريم الوضعي الراجع إلى البطلان ، دون الكراهة الوضعية ، فلا إشكال في بطلان صلاتهما مع الاقتران ، لأنّه إمّا أن تكون صلاة كل واحد منهما صحيحة فهو خلاف مقتضى الأدلة المتقدمة الدالة على اعتبار عدم المحاذاة ، أو تقدّم المرأة على الرجل كما هو المفروض ، وإمّا أن تكون باطلة فهو المطلوب ، وإمّا أن تكون إحداهما صحيحة دون الاُخرى .
فالصحيحة وكذا الفاسدة إن كانت إحداهما لا على التعيين فهو غير معقول ، وإن كانت إحداهما معينة ، فالمفروض عدم ما يدل على التعيين ، فيلزم القول ببطلان صلاة كل منهما في مقام الاثبات ، ويكشف ذلك عن تزاحم العلتين في مقام الثبوت ، لأنّ الظاهر أنّ مورد تلك الأخبار المتقدمة هي الصلاة الصحيحة من غير جهة المحاذاة ، فلا يكون هنا وجه لبطلان صلاة كل منهما إلاّ محاذاته مع الآخر في حال الصلاة ، وهما متزاحمان بلا ترجيح لأحدهما على الآخر .

(1) الوسائل 5: 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح3 .

(الصفحة458)

وأمّا مع عدم الاقتران وتقدّم أحدهما على الآخر في الشروع في الصلاة ، كما إذا شرع الرجل مثلا في الصلاة ، ثم صلّت المرأة بحذاه ، أو إلى أحد جانبيه ، فلا إشكال أيضاً في بطلان صلاة المتأخر منهما ، لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها .
وهل تبطل صلاة المتقدم بذلك أيضاً؟ الظاهر العدم ، لأنّ المفروض انعقادها صحيحة ، والمانع الطارئ في بعض أجزائها لا يصلح للمانعية ، بعد فرض عدم كونها مانعة مع البطلان ، ألا ترى أنّه لو صلّت المرأة بدون الطهارة عن الحدث مثلا بحذاء الرجل المصلّي لا يوجب ذلك بطلان صلاته.
هذا ، مضافاً إلى أنّ الالتزام ببطلان صلاة المتقدّم خصوصاً مع عدم علمه حين الشروع بوقوع التحاذي بعده بعيد جدّاً ، بحيث يعدّ من المنكر عند العرف ، ويؤيد ذلك رواية عليّ بن جعفر المتقدمة الواردة في إمام يصلّي صلاة العصر فقامت امرأة بحياله تصلّي، المشتملة على بطلان صلاة المرأة دون الإمام والقوم(1) .
وممّا ذكرنا ينقدح فساد ما استند إليه في الجواهر ، لبطلان صلاة المتقدّم أيضاً ، من معلومية قاعدة : مانع صحة الجميع مانع للبعض .
ثمّ إنّه استظهر ذلك أيضاً من ذيل صحيحتي ابن مسلم وابن أبي يعفور وخبر أبي بصير ، بل بالغ في ذلك فقال : لعلّه يظهر من باقي النصوص أيضاً(2) .
أقول : أمّا صحيحة محمد بن مسلم ، فالظاهر أنّ السؤال فيها عن صحة صلاة الرجل في زاوية الحجرة ، والحال أنّ امرأته تصلّي في زاويتها الاُخرى ، وظاهر الجواب بطلان صلاته فيما إذا لم يكن بينهما شبر ، أو ستر ، كما يدل عليه قوله : «لا ينبغي له ذلك» وكذلك قوله : «فإن كان بينهما شبر أجزأه» .

(1) الوسائل 5 : 130 . أبواب مكان المصلّي ب9 ح1 .
(2) جواهر الكلام 8 : 318 .

(الصفحة459)

فهذه الرواية ربما تؤكد ما ذكرنا ، لا أنّها تنافيه ، لأنّ المراد خبره الآخر الوارد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين الذي جعله في الكافي(1) ذيلا للخبر الأوّل ، فكذلك أيضاً لا ينافي ما ذكرنا ، لأنّ السؤال فيه عن صحة صلاتهما معاً وأنّه هل يتحقق الفراغ عن التكليف إذا صلّيا معاً مقارناً ، أو مع التقدّم والتأخر؟
وظاهر الجواب عدم إمكان صحة صلاتهما ، فلا ينافي ذلك صحة صلاة المتقدّم فقط ، لأنّك عرفت أنّ بطلان صلاة المتأخر ممّا لا إشكال فيه . ومن هنا يظهر ما في استظهار ذلك من خبر أبي بصير المماثل مع هذا الخبر سؤالا وجواباً من الضعف كما عرفت ، وأمّا خبر ابن أبي يعفور فلا دلالة فيه أصلا بل ولا إشعار كما لايخفى .
ثمّ إنّه حكى في الجواهر عن جامع المقاصد(2) أنّه احتمل أن لا يكون المدار في الكراهة أو المنع هي صحة الصلاتين لولا المحاذاة ، بل كان المدار على صدق اسم الصلاة عليهما ، سواء كانتا فاسدتين من غير جهة المحاذاة أيضاً أو صحيحتين من غير تلك الجهة .
لأنّ الصلاة تطلق على الصور غالباً ، ولامتناع تحقّق الشرط على ما هو المفروض ، ولا ينفع التخصيص بقيد لولاه ، إذ المراد بالصلاة الواردة في تلك الأخبار إمّا الصلاة الصحيحة ، وإمّا الفاسدة ، والأوّل قد عرفت امتناع تحققها لفقد شرطها ، والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة ، أو من غيرها .
وعليه فلو صلّى الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، وكانت صلاة أحدهما فاسدة لفقد الطهارة مثلا ، تبطل صلاة الآخر ، بناءً على القول بالمنع ، وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان الصلاة فقط من دون أخذ قيد الصحة حتّى يقال

(1) الكافي 3 : 298 ح4 ; التهذيب 2: 230 ح905; الوسائل 5: 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1 .
(2) جامع المقاصد 2 : 123 .

(الصفحة460)

الصحة المطلقة ممتنعة ، فوجب تقييدها بقيد لولا المحاذاة ، وعنوان الصلاة إمّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمة ، وقد عرفت امتناع تحققها في المقام ، فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعم ، وهي صورة الصلاة سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة ، أو فاسدة كذلك أيضاً .
ومن هنا قد يخدش في الحكم بالتحريم في أصل المسألة ، لأنّه بعد فرض امتناع أن يكون المراد هي الصلاة الصحيحة ، فلابدّ أن يكون هي الفاسدة ، ومن البعيد جعل الشارع إيّاها موجبة لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها كما لا يخفى .
وتنظر في الجواهر في هذا الكلام الذي حكاه عن جامع المقاصد، بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة ، ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كل من الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، أو تقدّمها عليه بعد انعقادهما صحيحة ، ومن المعلوم أنّ هذا يختصّ بما إذا وقعتا صحيحتين من غير جهة المحاذاة ، لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة(1) .
أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره صاحب الجواهر من الانعقاد ثم البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر الأخبار ، لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، ومعناه أنّهما لا تنعقدان معاً ، فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي ، وكذا العكس ، فهذه الأدلة نظير سائر الأدلة الدالة على اعتبار وجود الشروط أو عدم الموانع في الصلاة ، لأنّ مقتضى كل منهما عدم انطباق عنوان الصلاة على الصلاة الفاقدة لبعض الشروط ، أو الواجدة لبعض الموانع ، ومنه يظهر الجواب عن كلام جامع المقاصد فتدبّر .
ثمّ إنّه لو وجدت الصلاة منهما مقارنة لوجودها من الآخر ، فالواجب كما عرفت الحكم ببطلانهما ، لأنّه بعد فرض عدم إمكان اجتماعهما يحصل التزاحم بين

(1) جواهر الكلام 8 : 313 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>