جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
نهاية التقرير في مباحث الصلاة، ج1 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة461)

علتيهما ، لأنّ المفروض إنّه لا يكون في البين ما يدل على التعيين ، فلا يؤثّر واحد منهما في حصول معلوله .
وأمّا لو وجدت الصلاة من أحدهما واجدة لشرطها ، وهو عدم المحاذاة مع الآخر ، ثم شرع الآخر في الصلاة ، فالظاهر بطلان صلاة المتأخر فقط ، لأنّه بعد وقوع الاُولى وتحققها يمتنع تحقّق الاُخرى ، إذ هما متضادّتان ، والاُخرى لا تصلح لأن تقاوم الاُولى ، لأنّها بوجودها توجب بطلانها ، وقد عرفت امتناع تحققها مع وجود الاُولى .
وهذا بخلاف ما إذا حدثت الصلاة من كل واحد منهما مقارنة لحدوثها من الآخر أو تحققت المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما ، فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث ، وكذا للبقاء بما هو بقاء مدخلية في البطلان ، بل المناط تحقق الصلاة منهما ، إلاّ انّك عرفت إنّه تتزاحم العلتان في مقام الثبوت ، وهو يوجب البطلان ، فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما ، كذلك تسري إلى علّتيهما ، فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضادّ له .
بخلاف هذه الصورة ، فإنّه قد تحققت علّة أحدهما بلا مزاحمة ، والآخر يمتنع تحققه للمضادة ، فهي الفاسدة غير المفسدة .
هذا ، ويمكن أن يقال ببطلان صلاة المتقدم أيضاً ، بتقريب أنّه إذا فرض أنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث ، لما عرفت من شمولها لما إذا تحققت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما ، فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو في بعض أجزاء الصلاة .
ففيما إذا حدثت الصلاة من أحدهما متقدّماً على الآخر ، فالجزء المقارن لحدوثها من الآخر لا ترجيح بينه وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحة أو البطلان ، والصحة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع ، فوجب أن لا يقع

(الصفحة462)

شيء منهما صحيحة . هذا ، ولكن الظاهر هو الأول لما عرفت في وجهه .
بقي الكلام فيما يرتفع به الحرمة أو الكراهة ، وهي أمور :
الأوّل : وجود الحائل بينهما ، ويدل عليه أكثر روايات محمّد بن مسلم ، بناءً على أن يكون الشبر تصحيفاً للستر كما عرفت ، ورواية محمّد بن عليّ الحلبي المتقدمة ، وبعض ما رواه عليّ بن جعفر ممّا تقدّم(1) .
ومقتضى هذا البعض عدم الفرق بين كون الحائل مشبكاً أو غيره ، وبين كون الحائط قصيراً أو طويلا . نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يخرج عن صدق الحائط ، ولو لم يكن حائلا في بعض حالات الصلاة .
نعم لو حملت روايتي أبي بصير المتقدمة(2) الدالة على اعتبار أن يكون بينهما شبر أو ذراع ، على وجود حائل بينهما بذلك المقدار بقرينة ذيلها ، لكان الأمر أوسع ، ولكنّه بعيد كما لا يخفى .
الثاني : تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة ، وإليه ينظر كثير من الأخبار المفصّلة المتقدمة ، ولكن مقتضاها من حيث اعتبار مقدار التأخر مختلف ، فمقتضى رواية جميل أن يكون سجودها مع ركوعه(3) ، وقد تقدّم الاحتمالان في معنى هذا القيد .
ومقتضى بعض ما رواه محمّد بن مسلم اعتبار أن يكون بينهما شبر(4) ، بمعنى كون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار ، وهو مطابق للاحتمال الأوّل المتقدّم في معنى رواية جميل ، وهو أن يكون المراد بكون سجودها مع ركوعه كون رأس المرأة

(1) الوسائل 5: 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1; وص129، 130 ح1 و3.
(2) الوسائل 5: 124. أبواب مكان المصلّي ب5 ح3 و 4 .
(3) الوسائل 5: 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح3 .
(4) الوسائل 5: 123. أبواب مكان المصلّي ب5 ح1 .

(الصفحة463)

في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع ، وقد تقدّم استظهار أن يكون الشبر تصحيفاً للستر .
ومقتضى بعض ما رواه زرارة ، كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره(1) ، كما أنّ مقتضى بعضه الآخر بناءً على حمل الحذاء واليمين واليسار على العرفي منها ، الشامل لتأخر المرأة عن الرجل في الجملة أيضاً ، كما يؤيده الاستثناء الوارد في روايته الاُخرى الدالة على كفاية تقدّم الرجل ولو بصدره ، كفاية تأخّر المرأة عن الرجل بمقدار موضع الرحل ، أو قدر عظم الذراع ، أو كان بينه وبينها قدر ما لا يتخطّى(2) .
هذا ، وقد تقدّم احتمال أن تكون الروايات محمولة على ظاهرها ، وهو أن يكون المراد بالحذاء والحيال والقبال ، الحقيقي منها الآبي من الشمول ، لما إذا تأخّرت المرأة عن الرجل ولو بقليل ، وقد تقدّم أيضاً الجمع بينها وبين ما يدل على اعتبار أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانت متقدّمة على الرجل ، أو محاذية منه عشرة أذرع ، أو أكثر فراجع .
ومقتضى رواية عمّار المتقدمة كفاية كون المرأة خلف الرجل ، وإن كانت تصيب ثوبه(3) والمراد بكونه مصيبة ثوب الرجل يحتمل أن يكون اخصابتها ثوب الرجل ولو في حال القيام ، فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره كما لا يخفى .
ويحتمل أن يكون المراد إصابتها ثوبه في حال الجلوس ، أو السجود المنفصل

(1) الوسائل 5: 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح2.
(2) الوسائل 5: 126. أبواب مكان المصلّي ب5 ح12 و 13 .
(3) الوسائل 5: 127 . أبواب مكان المصلّي ب6 ح4 .

(الصفحة464)

بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض ، وهذا الاحتمال أنسب بكون المرأة خلف الرجل المفروض في القضية الشرطية ، بخلاف المعنى الأول .
هذا ، والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة ، بمعنى أنّ صدق التأخر يوجب ارتفاع الكراهة أو الحرمة ، ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة ، فالأولى بل الأحوط التأخر بذلك المقدار الذي يرجع إلى كون مسجدها وراء موقفه .
الثالث : أن يكون بينهما عشرة أذرع ، ويدل عليه الرواية الاُولى من روايات عليّ بن جعفر المتقدمة ، وكذلك رواية عمّار(1) ، والتعبير فيها بأكثر من عشرة أذرع ليس المراد به عدم كفاية عشرة أذرع ، بل لأنّ إحراز تحققها يتوقف عرفاً على ضمّ مقدار زائد إليها كما لا يخفى .

المسألة الثانية : ما يصحّ السجود عليه

يشترط فيما يسجد عليه أن يكون من الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، بشرط أن لا يكون مأكولا ولا ملبوساً في حال الاختيار ، واعتبار ذلك فيما يسجد عليه المصلّي ممّا تفردت به الإمامية(2) ، خلافاً لسائر فرق المسلمين ، حيث لم يعتبروا في ما يسجد عليه شيئاً .
ويدل على ذلك مضافاً إلى اتفاقهم(3) عليه وعدم وجود المخالف ، الروايات

(1) الوسائل 5: 128. أبواب مكان المصلّي ب7 ح1 و 2.
(2) الإنتصار: 136 مسألة 34 .
(3) المقنع: 85 ; السرائر 1: 267; المختصر النافع: 50; المعتبر 2: 117; تذكرة الفقهاء 2 : 434 مسألة 100; كشف اللثام 3 : 340; جواهر الكلام 8 : 411; رياض المسائل 3 : 284; المدارك 3 : 241; الحدائق 7: 245 .

(الصفحة465)

الكثيرة الواردة في هذا الباب ، الدالة عليه عموماً أو خصوصاً ، بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض ، وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات .
فممّا يدل على ذلك بنحو العموم رواية هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبدالله(عليه السلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟ قال : «السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها . . .»(1) .
ومنها : رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس»(2) .
ومنها ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش(3)، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرائع الدين قال : «لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان»(4) إلى غير ذلك ممّا جمعه في الوسائل في الباب الأوّل من أبواب ما يسجد عليه فراجع .
وبالجملة: فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه ، فلابدّ من التكلّم في بعض الفروع .

(1) الفقيه 1 : 177 ح840 ; علل الشرائع : 341 ب42 ح1; التهذيب 2: 234 ح925; الوسائل 5: 343. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح1 .
(2) الفقيه 1: 174 ح826 ; علل الشرائع: 341 ب42 ح2 و3; التهذيب 2: 234 ح924 وص313 ح1274; الوسائل 5: 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح2.
(3) من أعاظم المحدّثين من العامة ; وكان معاصراً للصادق (عليه السلام)  ، واتّفق وفاته في عام وفاته (عليه السلام) (منه) .
(4) الخصال: 604; الوسائل 5: 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3.

(الصفحة466)

هنا فروع  :

الفرع الأوّل : في جواز السجود على مطلق الأرض
إنّه يجوز السجود على كل ما يصدق عليه عنوان الأرض ، سواء كان تراباً أو حجراً أو غيرهما ، ولا فرق في التراب بين أن يكون تراباً خالصاً ، أو تراباً معدنياً مشتملا على ذرّات الذهب ، أو الفضّة ، أو غيرهما من المعدنيات ، لعدم خروجه عن صدق التراب ، وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزية .
كما أنّه لا فرق في الحجر بين أنواعه ، فيجوز السجود على حجر الجصّ ، وكذا حجر النورة ، فيما إذا لم يكونا مطبوخين ، وأمّا بعد الطبخ فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض ، مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ ، وأمّا استصحاب الأرضية فيمكن أن يخدش في جريانه ، بعدم كون الشك في بقاء أمر خارجيّ ، بل الشك في مفهوم لفظ الأرض فتأمّل .
ويدل على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه : «إنّ الماء والنار قد طهّراه»(1) .
فإنّ ظاهره أنّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه إنّما هو من حيث كونه نجساً،وأمّامع فرض الطهارة فظاهرالجوابوالسؤال كون الجوازمفروغاًعنه حينئذ.
وأمّا الزجاج فلا يجوز السجود عليه ، لعدم صدق الأرض عليه ، مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي(عليه السلام)

(1) الكافي: 3 / 330 ح3; الفقيه : 1 / 175 ح829; التهذيب  : 2 / 235 / 928; الوسائل : 5 / 358 أبواب ما يسجد عليه ب10 ح1 .

(الصفحة467)

يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت: هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه. قال : فكتب إليّ : «لا تصلِّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّاأنبتت الأرضولكنّه من الملح والرمل وهما ممسوخان»(1).
والمراد من قوله : «وهما ممسوخان» أنّ الرمل والملح في حال صيرورتهما زجاجاً غير باقيين على حقيقتهما ، وليس المراد أنّهما ممسوخان حتى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضية وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحية ، إلاّ أنّ الرمل لا يكون ممسوخاً أصلا .

الفرع الثاني: في جواز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض
يجوز السجود على كل ما أنبتته الأرض إلاّ المأكول والملبوس ، والمراد بنبات الأرض كما هو المتبادر منه بنظر العرف ، هو ما ينبت من الأرض وله حياة نباتيّ الذي يكون مرجعه إلى التغذّي بقوى الأرض ، والاستفادة منها لإبقاء الحياة ، وإن زال عنه الروح النباتي فعلا ، لأجل اليبوسة أو الانفصال من الأرض .
وليس المراد هو ما يخرج من الأرض أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً ، فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه . معلّلا بأنّه من نبات الأرض(2) ، ولكنّها معرض عنها ، مضافاً إلى معارضتها بما يدل على المنع(3) .

(1) الكافي : 3 / 332 ح14 .وفيه : ان أسأله عنه; التهذيب : 2 / 304 ح1231; الوسائل : 5 / 360 . أبواب ما يسجد عليه ب12 ح1.
(2) الفقيه 1: 292 ح1325; الوسائل 5: 355. أبواب ما يسجد عليه ب6 ح8 .
(3) الكافي 3: 331 ح6; التهذيب 2 : 304 ح1228; الوسائل 5 : 353 ـ 354. أبواب ما يسجد عليه ب6 ح1 و 3 .

(الصفحة468)

ثمّ إنّ المشهور بينهم بل كان مفروغاً عنه عندهم ظاهراً أنّه لا يجوز السجود على الرماد ولا على الفحم(1) ، ولكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه ، وزوال الحياة النباتية عنه ، نعم يفترق معه في كونه مطبوخاً ، وقد عرفت أنّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها ، فكذا المطبوخ من النبات ، وأمّا الرماد فهو وإن خرج عن صدق النبات ، لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً إلاّ أنّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه ، نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً ، فالجواز إنّما هو من هذه الجهة ، لا من جهة كونه نباتاً ، ولكن الظاهر ما ذكروه من عدم الجواز ، كما أنّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك .

الفرع الثالث : في عدم جواز السجود على المأكول والملبوس
لا يجوز السجود على المأكول والملبوس ، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا ، كالخبز والقميص ، بل يعمّ ذلك ، وما يكون صالحاً للأكل واللّبس ولو بعلاج كالحنطة والشعير والقطن والكتان ، لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات ، وإن توقّف أكل الأولين نوعاً على الطحن ، ثم الطبخ ، وليس الأخيرين على النسج ثم الخياطة .
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال أي أحوال الناس،ولاإشكال حينئذ في عدم جوازالسجودعليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض ، أو في بعض حالاته دون بعض ، أو في بعض

(1) المبسوط 1 : 89 ; السرائر 1: 268; المعتبر 2: 120; تذكرة الفقهاء 2: 439; كشف اللثام 3: 344; جواهر الكلام 8 : 416; مستند الشيعة 5: 252.

(الصفحة469)

الأحوال دون بعض ، وعلى الأوّل فقد تكون العلّة في عدم كونه مأكولا في بعض البلاد هي فقده وإعوازه فيه ، بحيث لو وجد فيه لكان مأكولا فيه أيضاً فلا إشكال حينئذ في عدم الجواز ، وقد لا تكون العلّة ذلك ، فيشكل الحكم بعدم الجواز.
وفي الفرض الثاني يمكن أن يقال بعدم خروجه عن صدق عنوان المأكول بذلك ، فلا يجوز السجود عليه ، وأولى منه القسم الثالث كالأدوية ، فإنّ الظاهر عند العرف كونها مأكولة كما لا يخفى .
ثمّ إنّه قد يقال بجواز السجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب ، وإن كانا ملبوسين ، لعدم كونهما من الملابس المتعارفة(1) ، ولكن يمكن أن يقال بعدم الجواز في حالة كونهما ملبوسين .
نعم ، لا بأس بجواز السجود على الخشب وإن كان صالحاً لأن يصنع منه القراب ، كما أنّه يجوز على ما أعدّ منه له ، للفرق بينه وبين القطن والكتان اللذين لا يجوز السجود عليهما ولو قبل النسج والخياطة عند العرف ، فإنّه لا يطلق على الخشب أنّه ملبوس وإن كان معدّاً للقراب ، بخلافهما .

الفرع الرابع : السجود على القطن والكتان
في جواز السجود على القطن والكتّان خلاف(2) ، وقد ورد فيه صنفان من الروايات ، فطائفة منها تدلّ على الجواز ، والاُخرى تدلّ على المنع .

(1) جواهر الكلام 8 : 423 .
(2) رسائل الشريف المرتضى 1: 147; الخلاف 1: 357 مسألة 112; المعتبر 2: 118; تذكرة الفقهاء 2: 436; مختلف الشيعة 2: 115; الحدائق 7: 249; مستند الشيعة 5: 253; جواهر الكلام 8 : 423; كتاب الصلاة للمحقّق النائيني 1: 361.

(الصفحة470)

فأمّا الطائفة الاُولى، فمنها : ما رواه داود الصرمي قال : «سألت أبا الحسن الثالث(عليه السلام): هل يجوز السجودعلى القطن والكتّان من غيرتقية؟ فقال(عليه السلام) : «جائز»(1).
ومنها : خبر الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب إليّ : «ذلك جائز»(2) .
ومنها : رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : «لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتاناً»(3) .
ومنها : رواية ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن(عليه السلام) وأنا أُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه فقال لي : «مالكَ لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض؟»(4) . ودلالة هذه الرواية على الجواز مبنية على أن يكون الطبري شيئاً معهوداً متخذاً من القطن والكتان .
وأمّا الطائفة الثانية ، فمنها : خبر الأعمش المروي في الخصال عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرايع الدين قال : «لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتان»(5) .
ومنها : خبر أبي العبّاس الفضل بن عبدالملك قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) :

(1) التهذيب : 2 / 307 ح1246 ; الاستبصار : 1 / 332 ح1246 ; الوسائل : 5 / 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح6.
(2) التهذيب 2: 308 ح1248; الإستبصار 1: 333 ح1253; الوسائل 5: 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح7.
(3) التهذيب : 2 / 308 ح1247 ; الاستبصار : 1 / 332 ح 1247; الوسائل : 5 / 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح7 .
(4) التهذيب 2: 308 ح1249; الإستبصار 1: 331 ح1243; الوسائل 5: 348. أبواب ما يسجد عليه ب2 ح5.
(5) الخصال : 604 ح9; الوسائل : 5 / 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3 .

(الصفحة471)

«لايسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان»(1) .
وقد جمع بين الطائفتين بوجوه .
منها : حمل الطائفة الاُولى على الجواز ، والثانية على الكراهة(2) .
ومنها : حمل الطائفة الاُولى على حال الضرورة أو التقية ، والثانية على حال الاختيار(3) .
ومنها : حمل الطائفة الاُولى على ما قبل النسج ، والثانية على ما بعده(4) .
ولا يخفى ما في هذه الوجوه من الاستبعاد ، لأنّ حمل الثانية على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول ، كما في حديث شرايع الدين ، وكذا حمل الطائفة الاُولى على الضرورة أو التقية ينافي مع تقييد السائل بعدم ثبوتهما .
وأمّا حملها على ما قبل النسج فهو وإن كان أنسب بمعنى القطن والكتان، لأنّ المنسوج منهما إنّما يطلق عليه الثوب ونحوه ، إلاّ أنّ حمل الطائفة الثانية على ما بعد النسج بعيد ، لأنّ المفروض أنّ المأخوذ فيها أيضاً إنّما هو القطن والكتان .
هذا ، ويظهر من بعض المحققين من المعاصرين إنّه أفاد في كتاب صلاته في وجه الجمع بينهما ما ملخّصه :
إنّه يمكن أن يقال : إنّ القطن والكتان ليسا ممّا يطلق عليه الملبوس بقول مطلق ، فإنّ الظاهر من الملبوس في الأخبار المتضمّنة لمنع السجود عليه ، هو ما أُعدّ للبس ، ومجرّد قابلية الشيء لأن يكون ملبوساً لا يوجب صدق عنوان الملبوس

(1) الكافي 3: 330 ح1; الوسائل 5: 344. أبواب ما يسجد عليه ب1 ح6.
(2) كما في المعتبر 2 : 119 ورسائل الشريف المرتضى 1: 174.
(3) كما في التهذيب 2: 308 وتذكرة الفقهاء : 2 / 437; كشف اللثام : 3 / 343 وجواهر الكلام : 8 / 425 والحدائق 7: 251 .
(4) كما في كشف اللثام : 3 / 343 .

(الصفحة472)

عليه ، فعلى هذا يكون كل من القطن والكتان على قسمين : قسم يكون معدّاً للّبس ، وقسم يكون معدّاً للافتراش ونحوه .
وحينئذ فنقول : إنّ الأخبار المجوّزة للسجود على مطلق القطن والكتان ، تخصّص بالأخبار المانعة عن السجود على الملبوس ، فإنّ اخراج الملبوس من خصوص القطن والكتان عن تحت أدلّة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر ، وهو الملبوس من غيرهما من جنس النباتات ، بل لعلّه لم يكن موجوداً في زمن صدور الأدلة ، فلابدّ من حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلّة المنع ، وتقييد مورد أدلة الجواز بغير ما يكون معدّاً للبس كالفراش ونحوه .
وحينئذ فلو قلنا بأنّ العام المخصّص بالتخصيص المنفصل في حكم الخاص ، يخصّص بأدلّة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على القطن والكتان ، ويقيد موردها بما يكون ملبوساً . انتهى موضع الحاجة من ملخص كلامه(قدس سره)(1) .
وأنت خبير بأنّه قد قرّر في محلّه أنّ العام المخصّص بالتخصيص المنفصل لا يصير في حكم الخاص ، بل يبقى على عمومه ، بمعنى أنّ حال العامّ مع عامّ آخر قبل خروج فرد من أحدهما وبعده سواء ، لا فرق بينهما أصلا ، فيصير التعارض بين أدلتي المنع والجواز من قبيل التعارض على نحو التباين .
ولابدّ في هذا القسم من التعارض ، من الرجوع إلى المرجحات ، والظاهر أنّ أدلة المنع أشهر من حيث الفتوى كما ذكره المحقق في الشرائع(2) ، فالترجيح معها بناءً على ما هو الحق من أوّل المرجحات هي الشهرة في الفتوى، كما مرّ مراراً .

(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) :473 100.
(2) شرائع الإسلام : 1 / 63 .

(الصفحة473)
الفرع الخامس : في جواز السجود على القرطاس
يجوز السجدة على القرطاس ولا خلاف فيه في الجملة(1) ، ويدل عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة عليّ بن مهزيار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن(عليه السلام)عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليهما أم لا؟ فكتب : «يجوز»(2) .

وصحيحة صفوان الجمال قال : رأيت أبا عبدالله(عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يؤمي إيماء»(3) .
ويدل عليه أيضاً صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(4) .
وبالجملة: فلا إشكال في جواز السجود عليه في الجملة ، وإنما الإشكال في أنه هل يجوز السجود عليه مطلقاً(5) وإن لم يكن متخذاً مما يصح السجود عليه ، أو يختص الجواز بما إذا كان متخذاً من خصوص ما يصح عليه ؟ الظاهر هو الوجه الثاني(6) ، وذلك لأنّ القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة وغيرها كانت

(1) المبسوط 1 : 90; النهاية: 102; تذكرة الفقهاء 2: 437; الحدائق 7: 247; كشف اللثام 3: 347; جواهر الكلام 8 : 430 .
(2) الاستبصار : 1 / 334 / 1257 ; التهذيب  : 2 / 309 و235 ح1250 و929; الفقيه 1: 176 ح830; الوسائل 5 : 355. أبواب ما يسجد عليه ب7 ح2.
(3) التهذيب 2: 309 ح1251; الاستبصار 1 : 334 ح1258; المحاسن 2: 123 ح1343; الوسائل 5 : 355. أبواب ما يسجد عليه ب7 ح1.
(4) الكافي 3: 332 ح12، التهذيب 2: 304 ح1232; الاستبصار 1 : 334 ح1256; الوسائل 5 : 356. أبواب ما يسجد عليه ب7 ح3.
(5) كما في جواهر الكلام 8 : 430 .
(6) كشف اللثام 3 : 347 .

(الصفحة474)

مصنوعة من الخشب وشيء من النورة ، لأنها كانت هي القراطيس المصنوعة في مصر المحمولة منه إليها.
بل الظاهر ـ كما يشهد به التاريخ ـ إنّ القراطيس المعمولة في الصين ـ الذي كان أهله متقدّماً في هذه الصنعة على سائر أهل البلاد ـ كان أصلها من الخشب ، وحينئذ فكيف يمكن أن يقال بثبوت الإطلاق للأدلة المجوزة؟ وكونها مقيدة للأدلّة العامة الدالة على أنّه لا يجوز السجود على القرطاس المتخذ من غير ما يصح السجود عليه، كما أنّ الأحوط أيضاً ذلك .

الفرع السادس : السجود على الثوب وظهر الكفّ في حال  الاضطرار
قد ذكرنا في صدر المسألة أنّ وجوب السجود على الأرض أو نباتها إنما هو في حال الاختيار والتمكن ، وأمّا إذا لم يتمكن من السجود على شيء منهما لحرّ أو برد أو غيرهما ، فيجب عليه السجود على ثوبه إن أمكن ، وإلاّ فعلى ظهر كفّه(1) ، ويدل على ذلك الأخبار الواردة في هذا المقام .
منها : ما رواه عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : «تسجد على بعض ثوبك»، قلت : ليس عليّ ثوب يمكن أن يسجد على طرفه ولا ذيله قال : «أُسجد على ظهر كفّك فانّها أحد المساجد»(2) .

(1) كما في تذكرة الفقهاء 2: 438 مسألة 103; وكشف اللثام : 3 / 345; وجواهر الكلام : 8 / 438.
(2) التهذيب 2 : 306 ح1240; الاستبصار 1 : 333 ح1249; الوسائل 5 : 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 5 .

(الصفحة475)

ومنها : ما رواه حمّاد، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام)  : جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟ قال : «يسجد على ظهر كفّه فإنّها أحد المساجد»(1) .
ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل يصلّي في حرٍّ شديد فيخاف على جبهته من الأرض؟ قال : «يضع ثوبه تحت جبهته»(2) . والظاهر اتحاد الروايات الثلاث كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه القاسم بن الفضيل قال : قلت للرضا(عليه السلام)  : جعلت فداك الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد؟ قال : «لا بأس به»(3) .
ومنها : ما رواه محمّد بن القاسم بن الفضيل، عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على ردائه إذا كانت تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه؟ فقال : «لا بأس به»(4) .
ومنها : ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : كتب رجل إلى أبي الحسن(عليه السلام)  : هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال : «نعم لابأس به»(5) . والظاهر اتحاد الروايات الثلاثة أيضاً وأنّ من روى عن أحمد بن عمر في الروايتين الاُوليين هو شخص واحد وهو القاسم بن الفضيل أو محمد بن القاسم بن الفضيل ، فعلى الأوّل تكون

(1) علل الشرائع: 340 ح1; الوسائل 5 : 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 6 .
(2) الفقيه 1: 169 ح797; الوسائل 5 : 352. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 8 .
(3) التهذيب 2 : 306 ح1241; الإستبصار 1 : 333 ح1250; الوسائل 5 : 350. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 2 .
(4) التهذيب 2 : 307 ح1242; الإستبصار 1 : 333 ح1251; الوسائل 5 : 350. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 3 .
(5) التهذيب 2 : 307 ح1243; الإستبصار 1 : 333 ح1252; الوسائل 5 : 350. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 4 .

(الصفحة476)

كلمة محمد زائدة في الرواية الثانية، كما أنّ على الثاني تكون هذه الكلمة ساقطة عن العبارة .
والمراد بالرجل الذي كتب إلى الإمام(عليه السلام) في الرواية الثالثة ، هو أحمد بن عمر المذكور باسمه في الأوليين ، كما أنّ المراد بأبي الحسن(عليه السلام) في الأخيرتين ، هو أبو الحسن الرضا(عليه السلام) المذكور في الرواية الاُولى فلا تغفل .
ومنها : خبر عيينة بيّاع القصب قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن اُصلّي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال : «نعم، ليس به بأس»(1) .
ومنها : ما رواه منصور بن حازم، عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : «لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتاناً»(2) .
ومنها : ما رواه في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر، عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتاناً؟ قال : «إذا كان مضطرّاً فليفعل»(3) .

(1) التهذيب : 2 / 306 ح1239 ; الاستبصار : 1 / 332 / 1248; الوسائل : 5 / 350. أبواب ما يسجد عليه ، ب4 ح1.
(2) التهذيب 2 : 308 ح1247; الاستبصار 1 : 332 ح1247; الوسائل 5 : 351. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 7 .
(3) قرب الإسناد: 160 ح670; الوسائل 5 : 352. أبواب ما يسجد عليه ب4 ح 9 .

(الصفحة477)

المقدّمة السادسة في الأذان والإقامة

إعلم أنّه قد ورد ذكر الأذان في موضعين من الكتاب العزيز :
أحدهما : قوله تعالى في سورة المائدة : {يا أيُّها الذين آمنوا لا تتّخذوا الذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً من الّذين أُوتُوا الكتاب من قبلكم والكفّار أوليآء واتّقوا الله إن كنتم مؤمنين* وإذا ناديتم إلى الصلاة اتّخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنّهم قومٌ لا يعقلون}(1) .
وثانيهما : قوله تعالى في سورة الجمعة : {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}(2) .
والمراد بالنداء إلى الصلاة المذكور في الآيتين هو الأذان ، إذ لو كان المراد به غيره لنقل ذلك في كتب التواريخ والسير المعدة لنقل جميع حالات النبي(صلى الله عليه وآله)

(1) المائدة : 57 ـ 58 .
(2) الجمعة : 9 .

(الصفحة478)

والمسلمين في زمانه ، ومن المعلوم عدمه ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ المراد هو الأذان لا شيء آخر، والتعبير عنه بالنداء إلى الصلاة يشعر بل يدل على أنّه مجعول لدعوة الناس إلى إقامة الجماعة بعد حضورهم في المساجد، إذ «النداء» لغة عبارة عن الصوت البليغ الذي يسمعه أكثر الناس ، وهو لا يناسب الصلاة منفرداً ، كما أنّ التعبير عنه بالنداء يدل على خروجه عن حقيقة الصلاة جزءً وشرطاً ، وإنّه لا يكون ممّا تتقوم به الصلاة، إذ النداء للشيء غير نفس الشيء ، بل مضمون بعض فصوله الأخيرة كالحيعلات يدل على عدم ارتباطه بالصلاة أصلا ، كما أنّ الإقامة أيضاً كذلك ، لاشتراكها معه في تلك الفصول .
والفرق بينهما أنّ الأذان نداء ودعوة للغائبين ، والإقامة تنبيه للحاضرين المجتمعين في المسجد ، لاشتغالهم بذكر الاُمور الدنيوية بعد حصول الاجتماع كما هو دأبهم ، فربّما لا يلتفتون إلى قيام الصلاة إلاّ بعد ركعة أو أزيد ، فالإقامة تنبيه لهم إلى قيامها .
ويؤيد ذلك ما ورد في بعض الأخبار من التعبير عن الأذان والإقامة معاً بالأذان(1) ، ولو لم تكن الإقامة أيضاً نداءً لم يكن وجه لذلك التعبير بعد كون الأذان لغة بمعنى الإعلام كما لا يخفى  .
وبالجملة: فكونهما نداءً دليل على خروجهما عن حقيقة الصلاة وعدم تقومها بهما ، بحيث لو وقعت بدونهما أو بدون أحدهما لبطلت .
ثمّ ممّا ذكرنا من أنّ مشروعية الأذان والإقامة كانت لإقامة الجماعة ، واطلاع الناس على دخول الوقت ، حتّى يجتمعوا في المساجد لإقامتها ، غاية الأمر إنّ الأذان إعلام للبعيد والإقامة إيذان للقريب ، يظهر عدم وجوبهما لا وجوباً استقلالياً ، ولا شرطياً للجماعة ، أو لأصل الصلاة .

(1) التهذيب 2: 285 ح1139; الإستبصار 1: 304 ح1130; الوسائل 5: 434. أبواب الأذان والإقامة ب29 ح1.

(الصفحة479)

إذ القول بالوجوب حينئذ مساوق للقول بوجوب الجماعة ، مع أنّها فضيلة للصلاة ، كما هو المرتكز والمعروف بين الناس من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)إلى يومنا هذا ، مضافاً إلى إجماع الفقهاء على عدم وجوب الجماعة(1) ، غاية الأمر تأكّد استحبابها هذا ، مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من التحريض والترغيب إلى فعلهما بالنسبة إلى المنفرد ، معلّلا بأنّ الصلاة مع الأذان والإقامة أو مع أحدهما سبب لائتمام الملائكة به(2) ، فتصير صلاة المنفرد بذلك جماعة .
غاية الأمر إنّ الصلاة مع أحدهما يوجب ائتمام صف واحد من الملائكة ، طوله ما بين المشرق والمغرب ، ومعهما يوجب ائتمام صفّين منهم ، طول كل واحد منهما كذلك ، فالمصلحة الموجبة لمطلوبيتهما هي صيرورة صلاة المنفرد بهما أو بأحدهما جماعة ، وبعدما كانت الجماعة فضيلة للصلاة لا واجبة ، لا وجه لوجوبهما كما لا  يخفى .
هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو كانا واجبين لزم أن يكون وجوبهما ضرورياً ، كوجوب أصل الصلاة لاشتراكهما معها في عموم البلوى ، وأن لا يكون وجوبهما مشكوكاً مورداً للاختلاف بين المسلمين ، بل اللاّزم وضوحه بحيث يعرفه الناس في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) .
وبالجملة: فكثرة الابتلاءبهماكمقدار الابتلاء بالصلاة، وعدم التفات البعض أو الكثير أو الأكثر إلى فعلهما ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة الدالة على التحريص والترغيب إلى فعلهما(3) ، تدلّ قطعاً على عدم وجوبهما ، وقد عرفت أنّ التعبير عنهما

(1) الخلاف : 1 / 541 مسألة 279; المعتبر 2: 414; تذكرة الفقهاء 4: 228 مسألة 528; كشف اللثام : 4 / 442; مستند الشيعة : 8 / 11; جواهر الكلام : 13 / 134 .
(2) أمالي الطوسي 2: 147; الوسائل 5: 383. أبواب الاذان والإقامة ب4 ح9; وروايات اُخر في الباب.
(3) راجع الوسائل : 5 / 381. أبواب الاذان والاقامة ب4 .

(الصفحة480)

بالنداء كما في الآيتين والرواية التي أشرنا إليها ، يدفع الوجوب الشرطي للجماعة أو لأصل الصلاة، لأنّ النداءإلى الشيءيغاير نفس ذلك الشيء ، ولا يكون ممّا يتقوّم به.
فالأقوى عدم وجوبهما ، وكونهما سنّتين مؤكّدتين ، كما هو المشهور بين الإمامية(1) ، ويدل على عدم الوجوب أيضاً ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة؟ قال : «فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة»(2) .
إذ الظاهر أنّ المراد بالسنّة الاستحباب مقابل الوجوب ، لا ما ثبت مطلوبيته من قول النبي(صلى الله عليه وآله) أو فعله ، مقابل ما ثبت بالكتاب العزيز ، وإلاّ لم تصلح أن تكون الجملة الأخيرة تعليلا للمضي كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّ الأذان ثبت مشروعيّته ومطلوبيته بالكتاب ، كما عرفت من دلالة الآيتين عليه .
والمراد بالأذان في قوله(عليه السلام) : «فإنّما الأذان سنّة» ، ليس خصوص الأذان المقابل للإقامة  ، وإلاّ لم يكن وجه لتعليل المضي في الصلاة  ، ولو مع نسيان الإقامة ، كما هو مورد الرواية بكون الأذان سنّة ، إذ لعلّ الإقامة كانت واجبة ، فوجوب الإعادة كان ثابتاً من أجل تركها لا ترك الأذان ، فالمراد بالأذان في الرواية الأعم من الإقامة ، والمصحّح لهذا الاستعمال ما عرفت من أنّ الإقامة أيضاً ايذان وتنبيه ، غاية الأمر إنّها إعلام للقريب ، والأذان إعلام للبعيد .
ومنه يظهر أنّ الرواية بنفسها تدلّ على عدم وجوب الإقامة أيضاً ، فلا يحتاج في اثبات عدم وجوبهما إلى ضمّ الاجماع المركّب إليها ، كما فعله العلاّمة في المختلف(3) ، حيث استدلّ بهذه الرواية على عدم وجوب الأذان فقط ، ثم ادّعى

(1) رياض المسائل 2 : 235 .
(2) التهذيب 2: 285 ح1139; الاستبصار 1: 304/1130; الوسائل: 5/434; أبواب الاذان والاقامة، ب29 ح1.
(3) مختلف الشيعة : 2 / 122 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>