جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، القضاء و الشهادات « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة261)



إجمالها ، أو عدم دلالتها على ما هو المطلوب من الأمارية ، وبعد دعوى اختصاص صدق اليد حقيقة بالأعيان ; لأنّها المتبادر عرفاً من لفظ اليد والاستيلاء ، قال: بل هنا كلام آخر وهو: أنّ اليد والاستيلاء إنّما هو في الأشياء الموجودة في الخارج القارّة . وأمّا الاُمور التدريجية الوجود غير القارة كالمنافع ، فلو سلّم صدق اليد والاستيلاء عليها فإنّما هو فيما تحقّق ومضى ، لا في المنافع المستقبلة التي هي المراد هنا(1) .
وأجبنا عنه في «القواعد الفقهية» بما يرجع تارةً إلى النقض بأصل الملكية; فإنّه لو لم تكن المنفعة التي وجودها تدريجي قابلة لأن يتعلّق بها الاستيلاء ، وتقع مورداً للسلطة واليد باعتبار كون وجودها غير قار ، لم تكن قابلة لأن تقع مملوكة أيضاً; لعدم الفرق بين الملكية والاستيلاء من هذه الجهة أصلا ، مع أنّ تعلّق الملك بها مضافاً إلى بداهته لا يلتزم القائل باستحالته كما هو ظاهر . ونزيد هنا أنّ لازم ذلك عدم إمكان تحقّق غصب المنافع الخالي عن غصب الأعيان; لما عرفت من أنّ حقيقة الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً ، مع أنّ تعلّق الغصب بخصوص المنافع ممكن .
واُخرى إلى الحلّ، وهو: أنّ المراد بالاستيلاء المساوق لليد ليس هو الاستيلاء الحقيقي حتى يمنع تعلّقه بالأمر غير الموجود ، بل الاستيلاء الاعتباري الذي يعتبره العقلاء في موارده ويستتبعه الإختصاص ، وهذا لا مانع من أن يتعلّق بالأمر الذي لا يكون موجوداً بالفعل ، كما أنّ الملكية المتعلّقة به أمر اعتباري ، ونسبة معتبرة عند العقلاء بين المالك والمملوك ، فالظاهر إمكان تحقّق الاستيلاء واليد بالإضافة

(1) عوائد الأيّام : 745 ، الموضع السادس .

(الصفحة262)



إلى المنافع، كما في الملكيّة . . .
وامّا ما قيل: من أنّ المراد باليد هي السيطرة والاستيلاء الخارجي ، سواء كان هناك معتبر في العالم أم لا; إذ اليد بالمعنى المذكور من الاُمور التكوينية الخارجية ، وليست من الاُمور الاعتبارية ، ولذلك تتحقّق اليد من الغاصب ، مع أنّه لا اعتبار لا من طرف الشارع ولا من طرف العقلاء ، والقول بأنّه باعتبار نفسه شطط من الكلام يدفعه أنّ الاعتبار المفقود في الغاصب هو اعتبار الملكية لا اعتبار كونه في يده وهو مستول عليه ، كيف وقد حكم الشارع بضمانه بقوله (صلى الله عليه وآله): «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1) فإنّه مع عدم اعتبار كونه مأخوذاً لليد وهي أخذته لا معنى للحكم بضمانه ، والإنصاف ـ كما عرفت في الأمر الأوّل ـ أنّها ليست من الاُمور التكوينية المتحقّقة مع قطع النظر عن الاعتبار ، بل أمر متحقّق به، كما تقدّم نظير الفوقية والتحتية .
نعم يبقى الإشكال في أنّ الاستيلاء المتعلّق بالمنافع هل هو استيلاء مستقلّ في قبال الاستيلاء المتعلّق بالأعيان ، بحيث يكون لمالك العين والمنفعة استيلاءآن يكشف كلّ منهما في عرض واحد عن ملكيّة المستولي بالنسبة إلى المستولى عليه ، الذي هو العين في أحدهما والمنفعة في الآخر، أو أنّ يد صاحب المنافع عليها تبعية في طول الاستيلاء المتعلق بالأعيان ، أو أنّه لا يكون هنا إلاّ استيلاء واحد متعلق بالأعيان ، غاية الأمر أنّه يكشف عن ملكية العين والمنفعة جميعاً ، أو أنّه لا يكشف إلاّ عن ملكية العين ، غاية الأمر أنّ ملكية العين تكشف عن ملكية المنافع ، فهي

(1) سنن الترمذي: 3 / 566 ح1269، سنن ابن ماجة: 3 / 147 ح2400، سنن أبي داود: 3 /526 ح3561، مستدرك الوسائل: 17 / 88 ، كتاب الغصب ب1 ح4 .

(الصفحة263)



مكشوفة لا بأصل الاستيلاء المتعلّق بالعين ، بل بالملكية المتعلّقة بالعين المنكشفة بسبب الاستيلاء المتعلّق بها؟ وجوه واحتمالات متصوّرة بحسب التصور الابتدائي والنظر البدوي .
ولكنّ الظاهر هو الاحتمال الثاني; لابتناء الأخيرين على عدم تعلّق الاستيلاء بالمنافع ، وقد عرفت وقوعه فضلا عن إمكانه ، وأمّا الاحتمال الأوّل فهو أيضاً خلاف ما هو المعتبر عند العقلاء ، فإنّهم لا يعتبرون الاستيلاء بالنسبة إلى المنافع إلاّ تبعاً للاستيلاء المتعلق بالأعيان(1) .
هذا، ويمكن دعوى استقلال الاستيلائين فيما إذا كان للعين مالك وللمنفعة مالك آخر ، كالعين المستأجرة ، فإذا كانت العين الكذائية تحت استيلاء زيد مثلا ومنفعتها تحت يد عمرو ، كذلك يكون هناك استيلاءآن ، ويكشف كلّ استيلاء عن ملكية صاحبه ، بخلاف ما إذا كان هناك مالك واحد ، فإنّه ليس هناك إلاّ استيلاء واحد والآخر تبع .
هذا، وقد فصل المحقّق البجنوردي في كتابه القواعد الفقهية المشتمل على سبعة مجلّدات في المنافع بما يرجع إلى أنّه تارة يكون المدّعي هو المالك باعتراف ذي اليد ، بأن يقول مثلا: يازيد المدّعي هذه الدار التي في يدي ملكك ، ولكنّها في إجارتي إلى سنة مثلا ، واُخرى يكون المدّعي أجنبيّاً أي ليس بمالك ، مثل أن يدّعي شخص آخر ويقول: في إجارتي لا إجارتك ، ففي الثاني تكون اليد حجّة في مقابل الأجنبي دون الأوّل أي في مقابل المالك ، نظراً إلى أنّ المدّعي لو كان هو المالك فحيث إنّ ذا اليد معترف بأنّ يده أمانية ومن قبل المالك ففي الحقيقة يده يد المالك ،

(1) القواعد الفقهيّة: 1 / 372 ـ 374  .

(الصفحة264)



فلا مجال للمخاصمة مع المالك; لأنّه أسقطها عن الاعتبار بالنسبة إليه باعترافه أنّ يده أمانية ، وأمّا بالإضافة إلى الأجنبي فلا ، من جهة أنّ اليد موجودة على الفرض ، ولم يصدر من ذي اليد اعتراف يضرّ بأماريتها بالنسبة إلى الأجنبي .
نعم تبقى المطالبة بدليل على اعتبار هذه اليد التبعية ، ثمّ اختار أنّه لو كان المدرك هو الأخبار أو الإجماع فإثبات الاعتبار مشكل في الأوّل ومعلوم العدم في الثاني ، ولو كان المدرك هو بناء العقلاء يتعيّن التفصيل المذكور(1) .
أقول: الظاهر ـ كما سيجيء إن شاء الله تعالى ـ أنّ يد المستأجر إنّما هي يد المؤجر ، كما أنّه قد مرّ(2) أنّ اليد على المنافع والاستيلاء عليها إنّما هي بتبع اليد على العين وفي طولها ، لكنّ المراد بالأوّل هو ما إذا كانت اليد ملحوظة بالنسبة إلى أصل ملكية العين ، بمعنى أنّ يد المستأجر كاشفة عن ملكية المؤجر للعين المستأجرة ، كما أنّ يد المؤجر كاشفة عنها ، وأمّا بالنسبة إلى المنفعة التي هي ملك للمستأجر بسبب الإجارة ، فلا مجال لتوهّم كون يده يده كما هو ظاهر ، كما أنّ المراد بالثاني ما إذا كانت العين تحت يد المالك ، فإنّه حينئذ يكون الاستيلاء على المنافع بتبع الاستيلاء على العين وفي طولها .
وأمّا إذا كانت العين تحت يد المستأجر فلا تكون هذه التبعية بل تصير مثل أصل الملكيّة ، فإنّ تبعيّة ملكية المنافع لملكيّة العين إنّما هي في مورد مالك العين ، وأمّا بالنسبة إلى المستأجر فالملكيّة متحقّقة من دون أن يكون هناك تبعية أصلا ، وعلى ما ذكرنا لا يبقى مجال للتفصيل المذكور ، فإنّ اليد كاشفة عن ملكية المنافع سواء

(1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي: 1 / 123 ـ 124.
(2) تقدّم في ص260 .

(الصفحة265)



كانت المخاصمة مع المالك أو الأجنبي .
وأمّا الإشكال في شمول الأخبار لليد على المنافع فقد عرفت الجواب عنه ، وأنّ بعض الروايات واردة في خصوص المنفعة ، فلا فرق بين أن يكون المدرك الأخبار أو بناء العقلاء . نعم قد عرفت المناقشة في أصل اعتبار الإجماع في القاعدة ، بأنّه لا أصالة له ولا يكشف عن موافقة المعصوم (عليه السلام) .
ومن جملة موارد الخلاف ما أفاده الماتن (قدس سره) بقوله: بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أنّه له الخ .
والوجه في الاستظهار المزبور إطلاق قوله (عليه السلام) في موثقة يونس المتقدّمة: «ومن استولى على شيء منه فهو له»، ولكنّه ربما يناقش في الاستدلال بها بأنّ الظاهر من هذه الرواية أنّه (عليه السلام) حكم في مقام مخاصمة الزوج مع الزوجة، بأنّ كلّ واحد منهما إذا كان مستولياً على شيء من متاع البيت فهو له ، فلا إطلاق لها يشمل صورة عدم التنازع وعدم وجود مدّع في البين .
ويدفع هذه المناقشة ـ مضافاً إلى أنّ المفروض في الرواية موت أحد الزوجين ، فلا معنى للمخاصمة بينهما ـ أنّه على تقدير التصحيح بأنّ المراد ورثة الميت لأحد الزوجين الحيّ ، لم يفرض في الرواية التخاصم والتنازع بوجه ، بل قد عرفت(1) أنّ ذيل الرواية يدل على قاعدة كلية وضابطة عامة، سواء كان مشتملا على كلمة «منه» أم لا ، وهي تشمل صاحب اليد أيضاً إذا لم يكن عالماً بالخلاف ، كما لايخفى .
نعم ربما يستدلّ على الخلاف بصحيحة جميل بن صالح المتقدّمة(2) ; لأنّه (عليه السلام)

(1) في ص251 .
(2) تقدّمت في ص253 ـ 254.

(الصفحة266)



حكم فيها بالإضافة إلى ما وجده الرجل في داره من الدينار مع دخول الغير فيها بأنّه لقطة ، ومرجعه إلى عدم الاختصاص بالرجل صاحب البيت والدّار ، وأيضاً علّل (عليه السلام)كون ما وجده في الصندوق المختصّ له بما يفيد العلم بأنّه ليس لغيره; لعدم إدخال أحد يده فيه غيره ، وبموثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام)عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة ، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها . قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدّق  بها(1) .
نظراً إلى أنّه لاشك في أنّ الدراهم كانت في تصرّف أهل المنزل وتحت أيديهم ، ولو كانت يدهم حجّة لكان اللاّزم مع عدم المعرفة الردّ إليهم لا التصدّق بالدراهم، كما هو الظاهر .
أقول: أمّا الصحيحة فالظاهر عدم دلالتها على مرام المستدلّ; لأنّ الظاهر أنّ سؤال الإمام (عليه السلام) عن أنّه هل يدخل منزله غيره أم لا كان لأجل افتراق الصورتين في الحكم ، ضرورة أنّه لا مجال للاستفصال مع الإشتراك ، وحينئذ يستفاد أنّ دخول الغير منزل الرجل له دخل في الحكم بكون الدينار الذي وجده الرجل لقطة ولو لم يكن كذلك لم يكن كذلك ، بل هو لصاحب المنزل المستولي عليه ، ومن الظاهر أنّ الحكم باللقطة في الصورة الأولى إنّما هو لأجل أنّه مع دخول الغير، خصوصاً إذا كان الداخل كثيراً لا يكون للرجل استيلاء على المنزل ، خصوصاً مع كون المتعارف في الدراهم والدنانير أنّ لهما موضعاً مخصوصاً بعيداً عن

(1) التهذيب: 6 / 391 ح1171 ، الوسائل: 25 / 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .

(الصفحة267)



أيدي الداخلين وأنظارهم ، وهذا النحو من المنازل كثير كالدفاتر والمكاتب للمراجع مثلا ، كما أنّ التفصيل فيما لو وجد في صندوقه ديناراً بين ما يدخل أحد غيره يده فيه وبين غيره ، ليس لأجل أنّه مع عدم إدخال الغير يده فيه يحصل له العلم بكونه ملكاً له ، ضرورة أنّه قد يحصل له الشك وإلاّ لم يكن مجال للسؤال ، بل لأجل أنّه مع انحصار التصرّف في الصندوق به نفسه يكون هو المستولي فقط ، وأما مع إدخال الغير يده فيه الذي يكون كناية عن استيلاء الغير أيضاً لا يكون الاستيلاء له فقط .
وأمّا الموثقة فالظاهر أيضاً عدم تمامية الاستدلال بها; لأنّ بيوت مكّة في الموسم تكون أكثرها منزلا للحجّاج كما في هذه الأزمنة ، مع شدّة وكثرة عددها ، فكيف بالأزمنة السابقة؟ ومن المعلوم أنّ في تلك الأيّام لا يبقى لصاحب المنزل استيلاء على ما في منزله خصوصاً بالنسبة إلى الدراهم التي وجدها الرجل مدفونةً ، فإنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالدفن إلاّ كونها مستورة تحت رماد ونحوه ، ممّا هو من آثار من دخل في المنزل قبل هذا الرجل ممّن هو مثله ، لأنّ الرجل المسافر لا يكون من شأنه الإقدام على حفر منزل غيره .
وبالجملة: فالحكم بالتصدّق مع عدم معرفة أهل تلك البيوت ليس لأجل عدم اعتبار يد المستولي بالنسبة إلى نفسه، بل لأجل عدم تحقّق الاستيلاء في مثله، فتدبّر.
بقي في أصل المسألة أمور ينبغي التعرّض لها:
أحدها: عدم اختصاص اعتبار اليد وحجّيته بالإضافة إلى الأعيان والمنافع ، بل يشمل الحقوق أيضاً، من دون فرق بين ما تعلّق منها بالأعيان المتموّلة، كحقّ الرهانة وحقّ التولية المذكور في المتن ونحوهما من الحقوق ، وبين ما تعلّق منها

(الصفحة268)



بالأعيان غير المتمولة شرعاً، كحقّ الاختصاص المتعلّق بالخمر أو العذرة أو الميتة ، وقد عرفت في المنافع(1) أنّه لا فرق بين ما كان في مقابل ذي اليد مالك العين أو الأجنبي .
ودعوى أنّ أدلّة اعتبار اليد لا تشمل الحقوق وإن كانت شاملة للمنافع; لأنّ الحقوق أمور اعتبارية صرفة معتبرة عند العقلاء والشارع ، أو خصوص الشارع، بخلاف المنافع فإنّها ليست اعتبارية ، بل موجودة بتبع وجود العين ، غاية الأمر أنّ وجود المنافع تدريجي بخلاف وجود العين  .
مدفوعة بأنّ مقتضى إطلاق أكثر أدلّة الاعتبار الشمول للحقوق ، وقوله (عليه السلام)في موثّقة يونس المتقدّمة: «ومن استولى على شيء منه فهو له»(2) لا يدلّ على الاختصاص بالعين أو المنفعة; لعدم ثبوت الملكية التي يدلّ عليها اللام في غيرهما ، وذلك مضافاً إلى ثبوت الملكية بالإضافة إلى الانتفاع في مثل العارية أيضاً ، أنّ الظاهر كون اللام للاختصاص الذي هو أعمّ من الملكية; وذلك لأنّ تخصيص متاع المرأة بالمرأة مع أنّه يمكن أن يكون عندها عارية لا ملكاً للمنفعة أو العين قرينة على المراد من اللام ، بل يمكن أن يقال بورود الرواية الواردة في الرحى المتقدّمة(3)في الحقوق دون المنافع ، لا أقل من أن يكون ترك الاستفصال في الجواب دليلا على العموم، فتدبّر .
ثانيها: لا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها اقتران الاستيلاء واجتماعها مع التصرّف المتوقّف على الملك مثلا ، فإنّك قد عرفت أنّ حقيقة الغصب هو

(1) في ص263 ـ 264 .
(2) الوسائل: 26 / 216، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3.
(3) الوسائل: 25 / 431، كتاب إحياء الموات ب15 ح1.

(الصفحة269)

مسألة 2: لو كان شيء تحت يد وكيله أو أمينه أو مستأجره فهو محكوم بملكيته ، فيدهم يده ، وأما لو كان شيء بيد غاصب معترف بغصبيته من زيد ، فهل هو محكوم بكونه تحت يد زيد أم لا؟ فلو ادّعى أحد ملكيته وأكذب الغاصب في اعترافه يحكم بأنّه لمن يعترف الغاصب أنّه له ، أم يحكم بعدم يده عليه ، فتكون الدعوى من الموارد التي لا يد لأحدهما عليه؟ فيه إشكال وتأمّل ، وإن لا يخلو الأوّل من قوّة  ، نعم الظاهر فيما إذا لم يعترف بالغصبية ، أو لم تكن


الاستيلاء على مال الغير عدواناً سواء كان مقروناً مع التصرف أم لا ، وأنّ المتّحد مع الصلاة في باب اجتماع الأمر والنهي هو التصرّف في الدّار المحرّم ، ولو لم يكن التصرّف مع الغصب وهنا قد عرفت(1) أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ المعتبر والحجّة هو الاستيلاء الذي هو أمر اعتباري ولو بالإضافة إلى الغاصب بالنسبة إلى العين المغصوبة ، فإنّ الاستيلاء متحقّق والملكية غير معتبرة بوجه ، فمجرّد الاستيلاء في المقام دليل على الملكية ونحوها .
ثالثها: لا يعتبر في دلالة اليد على الملكية دعوى المالك إيّاها ، بل قد عرفت أنّ اليد معتبرة بالإضافة إلى المالك ، إذا كان شاكّاً في الملكية ، كالمال الذي يجده في الدار الاختصاصية.
نعم يعتبر عدم العلم بعدم الملكية; لأنّ غاية الأمر أنّ اليد أمارة ولا مجال للأمارة مع العلم بخلافها ، كما أنّه لا مجال لها مع العلم بوفاقها . وفي باب قاعدة اليد مباحث اُخرى مفصّلة ذكرناها في القواعد الفقهية فراجع ، وإن كان الماتن (قدس سره)سيتعرض لبعضها.


(1) في ص248 ـ 251 .

(الصفحة270)

يده غصباً ، واعترف بأنّه لزيد يصير بحكم ثبوت يده عليه1.


1 ـ قد مرّ(1) أنّه لو وقع التنازع والتخاصم بين المستولي على الدار الذي يدّعي كونه مستأجراً للدار ، وبين المؤجر المالك للعين المنكر للاستيجار يكون القول قول المستأجر ، لاستيلائه على المنفعة ، وهي أمارة على ملكيته لها ، وإن كان الطرف مالك العين ، ومنها يكون المفروض تنازع من يراه مالكاً مع شخص ثالث في أصل ملكية العين مع ثبوت الاستيجار منه والاستيلاء للمستأجر. فهنا أشخاص ثلاثة: أحدها المستولي على الدار المستأجر من قبل أحدهما . ثانيها من يراه المستولي مالكاً للعين ويدّعي الاستيجار منه . والثالث الأجنبي الذي لا يكون بمستول ولا من استأجرها المستولي منه ، ففي هذه الصورة ومثلها تكون يد المستأجر يد الأجير ، وحاكية عن ملكيته للعين في قبال الثالث الأجنبي; لأنّ يد المستأجر يد الموجر .
ويمكن أن يكون المراد صورة عدم التنازع أصلا ، وكان المراد أنّ يد الوكيل المحرز يد الموكِّل ، وكذا الأمين والمستأجر المحرزين ، وإن كان تفريع صورة التنازع على ما إذا كانت اليد غصبية وكان الغاصب معترفاً بالغصبية من شخص خاصّ ، يؤيّد أنّ المراد من فرض المسألة ما يشمل صورة التنازع أيضا كما لا يخفى ، كما أنّ قوله في الذيل: «نعم الظاهر فيما لم يعترف بالغصبية» قرينة على العدم .
هذا ، ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ يد المستأجر إنّما تكون حجّة بالإضافة إلى نفسه ; لفرض استيلائه على العين المستأجرة ، فهي أمارة على ملكيّته وكاشفة عنها ، وأمّا مع الاعتراف بأنّه استأجرها من زيد مثلا ، فغاية الدليل على اعتبار

(1) في ص263 ـ 264 .

(الصفحة271)



إقراره هي قاعدة: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» وقد عرفت غير مرّة أنّ هذه القاعدة إنّما تفيد في خصوص الجهة السلبية ، وهي عدم كون المال للمقرّ ، وأمّا بالإضافة إلى الجهة الإيجابيّة ، وهو كون زيد مثلا مالكاً فلا تجدي القاعدة  .
هذا بالإضافة إلى غير الغاصب ، وأمّا بالنسبة إلى الغاصب ، فإذا اعترف بأنّ العين المغصوبة إنّما كانت مغصوبة من زيد وهو المالك ، فإذا ادّعى عمرو مثلا ملكيّته لها ، وأكذب الغاصب في اعترافه بكونها مغصوبةً من الأوّل ، فهل يصير هذا الاعتراف بمنزلة كونها في يد المغصوب منه الذي اعترف به ، أو أنّ المورد من الموارد التي لا تكون يد لأحد من المتداعيين عليه ، فقد استشكل الماتن (قدس سره)وتأمّل في المسألة ، وإن نفى بعده خلوّ الأوّل عن القوّة .
أقول: مقتضى ما وقع التسالم عليه من أنّ إقرار ذي اليد يقبل بالإضافة إلى أحد المتداعيين قبول إقرار الغاصب ، ومجرّد كونه غاصباً لا يقتضي نفي استيلائه ، لما عرفت من أنّ الاعتبار المفقود في الغاصب هو اعتبار الملكية لا اعتبار الاستيلاء وكونه ذا اليد ، وإن وقع الإشكال في وجه هذا التسالم ، وأنّ العلّة فيه هل هي قاعدة الإقرار أو قاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، أو ما أفاده المحقّق العراقي ـ قدّس سرّه الشريف ـ فيما حكي عنه من أنّ اليد أمارة على الملكية بالإضافة إلى ذي اليد بالدلالة المطابقية ، وعلى نفي كونه للغير بالدلالة الالتزامية(1) ؟ وهاتان الأمارتان تسقطان عن الحجّية بسبب الإقرار للغير ، وأمّا بالإضافة إلى ما عداهما فأماريّتها باقية على حالها ، فالنتيجة قيام الحجّة على نفي ملكيته عن ذي اليد وعن غيره ما عدا المقرّ له .


(1) حكاه عن المحقّق العراقي (قدس سره) السيّد البجنوردي في القواعد الفقهيّة: 1 / 137 .

(الصفحة272)

مسألة 3: لو كان شيء تحت يد اثنين فيد كلّ منهما على نصفه ، فهو محكوم بمملوكيّته لهما . وقيل: يمكن أن تكون يد كلّ منهما على تمامه ، بل يمكن أن يكون شيء واحد لمالكين على نحو الاستقلال ، وهو ضعيف1.


ومعلوم أنّ المال لا يبقى بلا مالك ، وقد ناقشنا في «القواعد الفقهية» في جميع الوجوه الثلاثة(1) ، إلاّ أن يكون هناك إجماع على الأمر الذي وقع التسالم عليه ، ومعلوم أنّ الإجماع لو كان فإنّما هو في غير الغاصب الذي يعترف بغصبيّته; لأنّ القدر المتيقّن من الإجماع غيره ، والإجماع من الأدلّة اللبيّة التي لا إطلاق لها ، وكذا لو فرض كون الوجه في التسالم المزبور هو بناء العقلاء على الأخذ بإقرار ذي اليد إذا أقرّ أنّ ما في يده لشخص خاصّ ، فإنّ هذا البناء على فرض ثبوته وجريانه في الشريعة لا إطلاق له يشمل إقرار الغاصب ، كما لايخفى ، وإن استحسنه المحقّق البجنوردي (قدس سره)(2) .
فانقدح من جميع ما ذكرنا الخلل فيما أفاده في المتن ، فتدبّر جيّداً ، وأنّ الظاهر كون المورد من الموارد التي لا يكون لأحد المتداعيين يد عليه ، وسيجيء حكمه في المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى .

1 ـ لو اشترك أزيد من واحد في الاستيلاء على عين ، فهل يكون استيلاء كلّ واحد على المجموع ، أو على النصف المشاع أو الموارد مختلفة بنظر العرف؟ وعلى التقديرين الأوّلين ، فهل تكون يد كلّ منهما مستقلّة تامّة أو لا تكون إلاّ ناقصة؟ وجوه واحتمالات بحسب بادئ النظر وفي التصوّر الابتدائي.


(1) القواعد الفقهيّة: 1 / 399 ـ 400  .
(2) القواعد الفقهيّة للبجنوردي: 1 / 138 ـ 139  .

(الصفحة273)



ذكر السيّد في ملحقات العروة ما هذا لفظه: إنّه لا مانع من اجتماع اليدين المستقلّتين على مال واحد ، بل الأقوى جواز اجتماع المالكين المستقلّين لمال واحد ، كما إذا كان ملكاً للنوع كالزكاة والخمس والوقف على العلماء والفقراء على نحو بيان المصرف ، فإنّ كلّ فرد من النوع مالك لذلك المال ، بل لا مانع من اجتماع المالكين الشخصين أيضاً ، كما إذا وقف على زيد وعمرو ، أو أوصى لهما على نحو بيان المصرف ، فإنّه يجوز صرفه على كلّ واحد منهما  .
فدعوى عدم معقولية اجتماع المالكين على مال واحد لا وجه له ، مع أنّه لا إشكال عندهم في جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين مستقلاًّ ، كخيار الفسخ وكولاية الأب والجدّ على مال الصغير . ومن المعلوم عدم الفرق بين الحقّ والملك ، فكما أنّ لكلّ من الأب والجدّ حقّ التصرّف في مال المولّى عليه ، وأيّهما سبق لا يبقى مجال لتصرّف الآخر ، وكذا لكلّ من الشخصين حقّ الفسخ ، وأيّهما سبق بالفسخ لا يبقى محلّ لفسخ الآخر ، فكذا في المالكين الكذائيين  .
ودعوى أنّ مقتضى الملكية المستقلّة أن يكون للمالك منع الغير ، وإذا لم يكن له منع الغير فلا يكون مستقلاًّ ، مدفوعة فإنّ هذا أيضاً نحو من الملكية المستقلّة ، ونظيره الوجوب الكفائي والتخييري في كونهما نحواً من الوجوب مع كونه جائز الترك(1) . انتهى .
أقول: أمّا كون الاستيلاء على عين استيلاءً على المجموع أو على النصف المشاع ، فمع التوجّه إلى اعتبار الاستيلاء ـ الذي عرفت أنّه ليس المراد به الأمر الخارجي والسيطرة التكوينية ، بل هو أمر اعتباري موجود حتى بالإضافة إلى الغاصب

(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 123 مسألة 4  .

(الصفحة274)



بالإضافة إلى اثنين ـ تكون اليد الثابتة لكلّ واحد منهما مثلا يداً على النصف المشاع ، وإن كان بلحاظ السيطرة الخارجيّة ربما تكون يداً على المجموع ، كما إذا وقع تقسيم البيت بلحاظ الأزمنة فقط ، ففي كلّ زمان لا يكون المستولي إلاّ واحداً ، والاستيلاء إنّما هو بالإضافة إلى المجموع ، ولكن مع الالتفات إلى ما ذكر لا يكون الاستيلاء الاعتباري إلاّ بالإضافة إلى النصف المشاع، ولو في مثل المثال المزبور .
وأمّا ما أفاده السيّد (قدس سره) من جواز اجتماع المالكين المستقلّين لمال واحد ، فإن اُريد بالجواز هو الإمكان العقلي فالبحث لا يكون فيه ، ضرورة أنّ التضادّ وأشباهه إنّما يلاحظ بالإضافة إلى الاُمور التكوينية ، كالسواد والبياض; ولذا ذكرنا في الاُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي أنّ عمدة مقدّمات امتناع الاجتماع هو تضادّ الأحكام الخمسة التكليفيّة ، كما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره) في الكفاية(1) ، مع أنّ التضاد بين الأحكام ممنوع ; لعدم كون الأحكام الخمسة من الاُمور التكوينية الخارجية ، ولذا يمكن في الموالي العرفية أن يقع شيء مورداً لأمر بعض الموالي ومورداً لنهي الآخر ، ولا يتصوّر ذلك في مثل السواد والبياض ، وإن اُريد الإمكان العرفي والعقلائي فالظاهر أنّه ممنوع .
توضيحه: أنّ الملكية المستقلّة عند العقلاء عبارة عن النسبة الخاصّة الحاصلة بين المالك والمملوك ، وهذا الاعتبار مستتبع للاختصاص الذي هو لازم أعم للملكية ، ضرورة أنّه قد يوجد بدونها ، ولكنّه لا يمكن تحقّقها بدونه . ومن الواضح أنّ الاختصاص مغاير للاشتراك تغاير الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، وحينئذ نقول: إنّ فرض جواز اجتماع المالكين المستقلّين على مال واحد مرجعه إلى فرض وجود

(1) كفاية الاُصول: 193 مقدّمة 1  .

(الصفحة275)



الشيء وعدمه في زمان واحد، وهو ممّا لا يمكن ضرورة .
وأمّا الموارد التي استشهد بها على حصول اجتماع المالكين المستقلين على مال واحد ، فالظاهر عدم كون شيء منها من هذا الباب .
وتوضيحه: انّ ما كان ملكاً للنوع لا يكون مالكه متعدّداً; لأنّ المالك هو النوع وهو غير متعدّد ، والأفراد بما أنّها أفراد متعدّدة ولها خصوصيات متكثّرة لا يكون مالكه أصلا ، ووجود الطبيعي وإن كان وجود أفراده ، إلاّ أنّ الفرد هو الطبيعي مع انضمام الخصوصيات الفردية; ولذا يكون زيد وعمرو إنسانين لا إنساناً واحداً ، وعليه فملكية النوع لا تستلزم ملكية الفرد .
ودعوى أنّه لا يعقل كون غير ذوي العقول مالكاً معتبرة له النسبة التي هي الملك ، مدفوعة بمنع عدم التعقّل ، بل هو واقع جدّاً ، ضرورة أنّه في مورد الوقف على المساجد لا يكون المالك للعين الموقوفة إلاّ المسجد ، وكذلك في الوقف على الضرائح المقدّسة والمشاهد المشرّفة  .
وعليه ففرق في المقام بين ما إذا ملك السيّد الدار مثلا بالبيع ونحوه وبين ملكه لسهم السادة ، فإنّه في الأوّل يكون المالك له هو الشخص الذي هو النوع بانضمام الخصوصيّة الفرديّة ، وفي الثاني يكون المالك هو النوع مع قطع النظر عن الخصوصيات الفردية ، وهكذا في الزكاة وفي مثل الوقف على العلماء أو الفقراء مثلا .
والفرق بين الحقّ والملك هو الاعتبار العقلائي ، والشاهد عليه أنّه لو قامت بيّنة على ملكية زيد للمال بتمامه ، وبيّنة اُخرى على ملكية عمرو له كذلك ، لا تكون البيّنتان إلاّ متعارضتين متكاذبتين ، بخلاف ما إذا قامت بيّنة على ثبوت حقّ الفسخ للبائع ، وبيّنة اُخرى على ثبوت حقّ الفسخ للمشتري ، فإنّه لا مانع من الجمع بين

(الصفحة276)



البيّنتان وثبوت الحقّين للبائع والمشتري معاً .
وأمّا ثبوت الولاية على الصغير للأب والجدّ له ، فمرجعه إلى ثبوت حقّ التصرّف في ماله أو في نفسه ، بمثل التزويج لكلّ منهما ، وإذا سبق أحدهما بالتصرّف لا يبقى مجال للآخر; لعدم الموضوع ، فلا يرتبط بما نحن فيه .
وأمّا في مثل الوقف على زيد و عمرو بنحو بيان المصرف ، فإمّا أن يكون الموقوف عليه هو عنوان أحد الشخصين ، كالنوع على ما ذكرنا ، وإمّا أن يكون بنحو الاشتراك والملكيّة غير المستقلّة ، ولا مجال للجمع بين المالكين المستقلّين عرفاً .
فتلخّص أنّ اليدين على مال واحد أمارتان على ملكية كلّ منهما للنصف المشاع .
وبعد ذلك يقع الكلام في حقيقة الكسر المشاع وإمكان الإشاعة وبيان حقيقتها .
فنقول:
أوّلا: أنّ الجهل بحقيقة الإشاعة على تقديره لا يمنع من الالتزام بوجودها بعد شيوعها بين العرف والعقلاء ، ضرورة أنّ المالكيّة الاشتراكيّة المعتبرة عند العقلاء فوق حدّ الإحصاء ، والمسألة غير مبتنية على المسألة الاختلافية بين الفلاسفة والمتكلّمين من بطلان الجزء الذي لا يتجزّأ وعدم بطلانه ، ضرورة أنّ المتكلّم القائل بعدم بطلان الجزء غير القابل للتجزّئ ، لا يأبى من الاشتراك في الملك بداهة .
وثانياً: أنّ الظاهر أنّ الاشاعة أمر اعتباري عقلائي تتصف بها العين الخارجيّة في الخارج ، وان كان وعاء الاعتبار الذهن .
توضيح ذلك: أنّ الكسر المشاع لا يعقل أن يكون أمراً عينيّاً خارجيّاً ، ضرورة

(الصفحة277)

مسألة 4: لو تنازعا في عين مثلا، فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول قوله بيمينه ، وعلى غير ذي اليد البيّنة ، وإن كانت تحت يدهما فكلّ بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر ، حيث إنّ يد كلّ منهما على النصف ، فإن ادّعى كلّ منهما تمامها يطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها ، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف ، وإن كانت بيد ثالث فإن صدّق أحدهما المعيّن يصير بمنزلة ذي اليد ، فيكون منكراً والآخر مدّعياً ، ولو صدّقهما ورجع تصديقه بأنّ تمام العين لكلّ منهما


أنّ الموجود في العين يستحيل أن يكون مبهماً لا معيّناً; لأنّ الوجود مساوق للتعيّن الذي هو نقيض الإبهام ، وتردّد الشبح الجائي من بعيد بين زيد وعمرو مثلا لا يستلزم الإبهام فيه بحسب الواقع; لأنّه معيّن بحسبه ، غاية الأمر أنّه مجهول لنا ، فالواقع المعيّن مردّد بين كونه زيداً أو عمراً . فالكسر المشاع لا يعقل أن يكون أمراً خارجيّاً ، كما انّه يستحيل أن يكون منتزعاً منه; لأنّ العين التي لا تشوبها شائبة الإبهام لا يعقل أن تكون منشأً لانتزاع اللاّمُعيّن، الخالي عن جميع شؤون التعيّن .
فلابدّ من أن يقال: إنّ الكسر المشاع هو أمر اعتباري يعتبره العقلاء في وعاء الاعتبار الذي هو الذهن ، وإن كان ظرف الاتصاف به هو الخارج ، فالموجود الخارجي متّصف في الخارج بأنّه له نصفان مثلا ، وهذا نظير ما قاله الحكماء: من أنّ اتصاف الماهيّة بالإمكان في الخارج وإن كان العروض في الذهن ، وإلاّ يلزم التسلل ونحوه ، بل الأمر في جميع الاُمور الاعتبارية التي لها مساس بالخارج يكون كذلك ، كالمالكية والمملوكية والزوجية ونحوها ، وقد فصّلنا القول في حقيقة الإشاعة في كتابنا القواعد الفقهية(1) ، من أراد التحقيق أزيد ممّا ذكر فليراجعها .


(1) القواعد الفقهيّة: 1 / 410 ـ 411  .

(الصفحة278)

يلغى تصديقه ، ويكون المورد ممّا لا يد لهما ، وإن رجع إلى أنّها لهما بمعنى اشتراكهما فيها يكون بمنزلة ما تكون في يدهما ، وإن صدّق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة ، فمن خرجت له حلف ، وإن كذَّبهما وقال: هي لي تبقى في يده ولكلّ منهما عليه اليمين ، ولو لم تكن في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بيّنة فالأقرب الاقتراع بينهما1.


1 ـ في هذه المسألة التي يكون المفروض فيها تنازع اثنين في عين مثلا تُتصوّر فروض:
الفرض الأوّل: ما إذا كانت العين تحت يد أحدهما فقط ، والحكم فيه أنّه إذا كانت لغير ذي اليد البيّنة يحكم بها له ، وإلاّ فالقول قول ذي اليد بيمينه ، ويدلّ عليه  ـ مضافاً إلى أنّ المورد من موارد المدّعي والمنكر بأيّ معنى اُريد من العنوانين ، سواء وقع التفسير بمن لو ترك ترك ، أو من يكون قوله مخالفاً للأصل الشامل للأمارة ، أو كان المرجع في معناهما هو العرف كما اخترناه سابقاً ، فإنّ المدّعي في جميع التفاسير هو غير ذي اليد والمنكر هو ذو اليد ـ خصوص ما حكاه في الوسائل من تفسير علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى وحمّاد بن عثمان جميعاً، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث فدك: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا ، قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه مَن تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين ، قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)وبعده ، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ ، كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ـ إلى أن قال: ـ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على

(الصفحة279)



من  أنكر(1) .
والمراد بقوله (عليه السلام): «شيء يملكونه» هو الملكية ادّعاءً ، وإلاّ فمع العلم بذلك لا مجال للدعوى عليه ، كما لايخفى .
وهذه الرواية المعتبرة هي الرواية الوحيدة ظاهراً، الحاكية لقول رسول الله: «من أنكر» بدل من ادّعي عليه ، على ما في إحدى نسختي التفسير المزبور ، كما أنّ التمسّك بقول الرسول (صلى الله عليه وآله) يدلّ على أنّ المورد من موارد المدّعي والمنكر ، وأنّ على الأوّل البيّنة وعلى الثاني اليمين . وكيف كان فالحكم في هذا الفرض واضح لا ريب فيه .
الفرض الثاني: ما لو كانت العين المتنازع فيها تحت يد كلّ منهما، والظاهر وقوع الكلام فيه في مرحلتين:
المرحلة الاُولى: الحكم بالتنصيف بينهما وعدمه .
والمرحلة الثانية: الافتقار إلى الحلف بالإضافة إلى كلّ منهما وعدمه .
قال المحقّق في الشرائع: لو تنازعا عيناً في يدهما ولا بيّنة ، قضي بها بينهما نصفين ، وقيل: يحلف كلّ منهما لصاحبه(2) .
وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف ، بل ثبوت الإجماع بقسميه بالإضافة إلى المرحلة الاُولى ، مضافاً إلى المرسل العامي النبويّ: أنّ رجلين تنازعا دابّة ليس لأحدهما بيّنة فجعلها النبيّ (صلى الله عليه وآله) بينهما نصفين(3) . وحكى في الجواهر القول الذي

(1) تفسير القمّي: 2 / 155 ـ 156 ، وسائل الشيعة: 27 / 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 896  .
(3) سنن البيهقي: 15 / 398 ح21819 باختلاف .

(الصفحة280)



حكاه المحقّق عن الأكثر(1) بل المشهور على ما اعترف به في غاية المرام(2) ، بل ذكر أنّ في المسالك والكفاية لم ينقل الأكثر فيه خلافاً(3) . نعم استظهر نفسه عدم ثبوت الحلف عن المحقّق ومحكي الخلاف والغنية والكافي والإصباح(4) .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في أنّ الحكم بالنسبة إلى المرحلة الاُولى هو التنصيف بعد ادعاء كلّ منهما ملكية تمام العين ، وكونها في يد كلّ منهما من دون تفاوت ، وعدم ثبوت البيّنة لأحدهما ، فإنّه مع ملاحظة هذه الاُمور لا ترجيح لأحدهما على الآخر بوجه ، والمفروض عدم ادّعاء ثالث بالإضافة إليها ، فلا مجال إلاّ للتنصيف ، ويؤيّده النبويّ المزبور المنجبر بالشهرة بل فوقها ، كما عرفت في كلام الجواهر .
وأمّا بالإضافة إلى المرحلة الثانية ، فالظاهر ابتناء المسألة على كون المورد في هذا الفرض من موارد المدّعي والمنكر حتى يشمله قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»، أو من مصاديق التداعي حتى لا تحتاج إلى الحلف ، ويبتنى ذلك على ما تقدّم في المسألة الثالثة المتقدّمة: من أنّ ثبوت يد اثنين على شيء واحد مرجعه إلى ثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، أو إلى ثبوت يد كلّ منهما على التمام ، وقد اخترنا الأمر الأوّل تبعاً للماتن (قدس سره) ، فعليه يكون المورد من موارد المدّعي والمنكر; لثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، فبالإضافة إلى النصف يكون ذا اليد ، وبالإضافة إلى النصف الآخر يكون مدّعياً; لخروجه عن

(1) جواهر الكلام: 40 / 403  .
(2) غاية المرام: 4 / 257  .
(3) مسالك الأفهام: 14 / 78 ، كفاية الأحكام: 275  .
(4) الخلاف: 6 / 329 ، غنية النزوع: 444 ، الكافي في الفقه: 440 ، إصباح الشيعة: 531 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>