جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الحدود « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة201)

مسألة 9: يجب الحدّ على المريض ونحوه كصاحب القروح والمستحاضة إذا كان رجماً أو قتلا ، ولا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية ، وينتظر البرء ، ولو لم يتوقّع البرء أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ ونحوهما ، ولا يعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده ، فيكفي التأثير بالاجتماع وصدق مسمّى الضرب بالشماريخ مجتمعاً ، ولو برأ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح ، وأمّا لو برأ بعده لم يعد ، ولا يؤخّر حدّ الحائض ، والأحوط التأخير في النفساء1.


1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: وجوب إجراء حدّ الرجم والقتل على المريض وصاحب القروح والمستحاضة ، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ; لإطلاق الأدلّة والنهي عن تعطيل الحدّ ، وأنّه ليس فيه نظر ساعة ، والفرض أنّ نفسه مستوفاة ، فلا فرق بينه وبين الصحيح(1) .
هذا ، ومقتضى إطلاق رواية السكوني الآتية في الفرع الثاني ، الواردة في المستحاضة ، الدالّة على أنّه لا يقام الحدّ عليها حتّى ينقطع الدم عنها ، تأخير الرجم أيضاً ، ولكن الظّاهر أنّه غير مفتى به .
ثمّ إنّه ذكر في محكيّ المسالك أنّه يحتمل جواز تأخيره إن ثبت زناه بالإقرار إلى أن يبرأ ; لأنّه بسبيل من الرجوع ، وربما رجع بعد ما رمي . . . ومثله يأتي في رجمه في شدّة الحرّ والبرد(2) . وقد تبع في ذلك ما في القواعد من عدم الرجم في المريض


(1) جواهر الكلام: 41/339 ـ 340 .
(2) مسالك الأفهام: 14/377 .

(الصفحة202)



والمستحاضة إن توهّم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره ، وعلّل بالإحتياط للدم والإبقاء عليه ما أمكن(1) . وقد ردّه في الجواهر بقوله: وفيه ما لا يخفى(2) . والوجه فيه أنّ السقوط بمثل الرجوع لا يستلزم جواز التأخير بوجه أصلا .
الثاني: أنّه لا يجلد أحدهم فيما إذا كان الجلد بمجرّده ، لا مجتمعاً مع الرجم ، ضرورة أنّه مع الاجتماع لا يجوز التأخير كنفس الرجم فيما إذا كان هناك خوف من السراية ، بل يتوقّع بهم البرء ، ويدلّ عليه روايات ، مثل:
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل أصاب حدّاً وبه قروح في جسده كثيرة ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أقروه حتّى تبرأ ، لا تنكؤها عليه فتقتلوه(3) .
ورواية مسمع بن عبدالملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي برجل أصاب حدّاً وبه قروح ومرض وأشباه ذلك ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أخّروه حتّى تبرأ ، لا تنكأ قروحه عليه فيموت ، ولكن إذا برأ حدّدناه(4) . والظّاهر اتّحادها مع الرواية الاُولى ، غاية الأمر تعدّد الراوي .
ورواية السكوني أيضاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقام الحدّ على المستحاضة حتّى ينقطع الدم عنها(5) .
ثمّ الظّاهر أنّه ليس المراد من قوله (عليه السلام): «فتقتلوه» هو العلم بتعقّب الجلد للقتل


(1) قواعد الأحكام: 2/254 .
(2) جواهر الكلام: 41/340 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 321 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح4 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 322 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح6 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 321 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح3 .

(الصفحة203)



من جهة نكأ القروح وقشرها قبل أن تبرء ، بل الخوف من جهة المعرضيّة لذلك ، كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد هو الخوف من ترتّب القتل ، بل أعمّ منه ومن خوف الشدّة، وزيادة المرض ، وحصول السراية ولو لم يعلم بعدم ترتّب القتل عليه أصلا ، والشاهد أنّ المتفاهم العرفي من ذلك هو ما ذكر ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الغرض من التعذيب بالجلد هو حصول العذاب له بهذا المقدار ، لا بأمر زائد عليه كزيادة المرض والقتل ، وعليه فالمستفاد من الروايات هو ما في المتن من التعبير بالخوف من السراية الملازمة لزيادة المرض ، فالقتل يكون مجوّزاً للتأخير بطريق أولى .
الثالث: أنّه لو لم يتوقّع البرء ، كالسرطان في هذه الأزمنة ، والسل ، وبعض الأمراض الاخر في الأزمنة السابقة ، أو اقتضت المصلحة بحسب نظر الحاكم التعجيل في إجراء الحدّ ، فقد ذكر في المتن أنّه ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط وشماريخ ونحوها ، والمستند وجود روايات دالّة على ذلك ، مثل:
صحيحة أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) برجل دميم قصير قد سقى بطنه وقد درّت عروق بطنه ، قد فجر بالمرأة ، فقالت المرأة: ما علمت به إلاّ وقد دخل عليّ، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): أزنيت؟فقال له:نعم ـ ولم يكن أحصن ـ فصعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بصره وخفضه ، ثمّ دعا بعذق فعدّه مائة ، ثمّ ضربه بشماريخه(1).
وموثّقة سماعة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه أُتي برجل كبير البطن قد أصاب محرّماً ، فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعرجون فيه مائة شمراخ ، فضربه مرّة واحدة ، فكان الحدّ(2) .
ورواية يحيى بن عباد المكّي قال: قال لي سفيان الثوري: إنّي أرى لك من أبي


(1) وسائل الشيعة: 18 / 321 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح5 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 322 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح7 .

(الصفحة204)



عبدالله (عليه السلام) منزلة ، فسله عن رجل زنى وهو مريض ، إن أقيم عليه الحدّ مات (خافوا أن يموت خ ل) ما تقول فيه؟ فسألته ، فقال: هذه المسألة من تلقاء نفسك؟ أو قال لك إنسان: أن تسألني عنها؟ فقلت: سفيان الثوري سألني أن أسألك عنها ، فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) اُتي برجل أحتبن (أحبن خل) مستسقى البطن ، قد بدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعذق فيه شمراخ ، فضرب به الرجل ضربة ، وضربت به المرأة ضربة ، ثمّ خلّى سبيلهما ، ثمّ قرأ هذه الآية: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ}(1) .
وبعض الروايات الاُخر الواردة في المسألة ، وإن كان مقتضى ما أشرنا إليه مراراً كون هذه الروايات ـ الحاكية لقصّة الرجل الذي اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) به ـ رواية واحدة حاكية عن قصّة واحدة ، لا روايات متعدّدة ناظرة إلى قضايا كذلك .
وكيف كان ، فمقتضى الجمع بين هذه الروايات وبين الروايات المتقدّمة ، الواردة في الفرع الثاني ، خصوصاً بملاحظة ورودها في مورد المرض الذي يتوقّع البرء فيه ، حمل هذه على ما لو لم يتوقّع البرء فيه ، خصوصاً بعد كون موردها الاستسقاء الذي لم يكن قابلا للعلاج في تلك الأزمنة ظاهراً .
نعم ، فيما إذا رأى الحاكم المصلحة في التعجيل يجري الحدّ بالنحو المذكور أيضاً ، جمعاً بين وجود المصلحة وبين عدم إيذاء المريض بالجلد زائداً على ما يقتضيه أصل الجلد ، وقد جمع الشيخ(قدس سره) بينهما بهذا النحو ، قال: لأنّه إذا كان إقامة الحدّ إلى الإمام فهو يقيمها على حسب ما يراه ، فإن كانت المصلحة تقتضي إقامتها في الحال أقامها على وجه لا يؤدّي إلى تلف نفسه ، كما فعل النبي(صلى الله عليه وآله) ، وإن اقتضت المصلحة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 320 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح1 ، والآية في سورة ص : 38 / 44 .

(الصفحة205)



تأخيرها أخّرها إلى أن يبرأ ثمّ يقيم الحدّ عليه على الكمال(1) .
وكيف كان ، لا يشترط وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده ; لإطلاق الأدلّة مع التعذّر عادة ، نعم لابدّ من صدق الضرب بالمجموع بحيث كان المؤثّر هو الاجتماع ، بأن ينكبس بعضها على بعض حتّى يناله الألم منها .
ثمّ إنّ الظّاهر أنّه لا يجب ، بل لا يجوز تفريق السياط على الأيّام وإن احتمله ، بأن يضرب كلّ يوم بعضاً منها حتّى يستوفي; لإطلاق الأدلّة المزبورة ، كما أنّه لا يجوز التفريق بنحو خمسين سوطاً مثلا وخمسين بنحو الضغث ، لما ذكر .
نعم ، لو اشتمل الضغث على خمسين يضرب به دفعتين ، بل لعلّه أولى من الضربة به دفعة واحدة ، كما في الجواهر(2) .
ولو برأ قبل أن يضرب أقيم عليه حدّ الصحيح ، وإن كان في حال ثبوت الزنا مريضاً ; لأنّ الملاك هو حال إجراء الحدّ لا حال ثبوت العمل كما هو ظاهر ، كما أنّه لو برأ بعدُ لا مجال لاحتمال الإعادة ، خصوصاً مع تصريح بعض الروايات المتقدّمة بأنّ ما أقيم عليه هو الحدّ .
الرابع: أنّه لا يؤخّر حدّ الحائض رجماً كان أو جلداً ، أمّا الرجم فواضح ، وأمّا الجلد فلعدم كونه مرضاً ، بل حيضها يدلّ على صحّة مزاجها ، نعم ورد في بعض الروايات المذكورة في المستدرك أنّه ليس على الحائض حدّ حتّى تطهر(3) ، ولكنّ الظاهر عدم تحقّق الفتوى على طبقها .
الخامس: أنّ الأحوط تأخير حدّ النفساء ، والظّاهر كون الاحتياط لزوميّاً ،


(1) التهذيب: 10/33 ، الإستبصار: 4/212 .
(2) جواهر الكلام: 41/342 .
(3) مستدرك الوسائل: 18 / 16 ، أبواب مقدّمات الحدود ب11 .

(الصفحة206)

مسألة 10 : لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد ، فإن أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل ، ثمّ جنّ أقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً ، ولو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجبه في دور إفاقته وصحّته أُقيم عليه الحدّ ولو في دور جنونه ، ولا ينتظر به الإفاقة ، ولا فرق بين أن يحسّ بالألم حال الجنون أو لا1.


ومقتضى الإطلاق التأخير مطلقاً جلداً كان الحدّ أو رجماً ، مع أنّ الرجم لا يجوز تأخيره في النفساء إذا لم يكن هناك ولد ، وإن كان مقتضى إطلاق بعض الروايات المرسلة المشار إليها في المسألة المتقدّمة التأخير كما عرفت ، لكن مرّ أنّ صاحب الجواهر(قدس سره) قد صرّح بالرجم من غير إشعار بكون المسألة خلافية(1) .
وأمّا إذا كان الحدّ هو الجلد ، فالظاهر لزوم تأخيره فيما إذا كان هناك خوف عليها من جهة النفاس ، أو على ولدها ، كما مرّ في تلك المسألة(2) .
ثمّ إنّ الجمع بين جعل تأخير حدّ النفساء رجماً أو جلداً مقتضى الاحتياط اللزومي من دون تقييد ، وبين ما أفاده في المسألة الثامنة من الفتوى بتأخير الرجم إلى الخروج من النفاس ، وبتأخير الجلد مشروطاً بالخوف على الولد فيه ما لا يخفى .

1 ـ أمّا عدم سقوطه بالارتداد فوجهه واضح; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ الارتداد لا ينافي التعذيب بل يقويّه ويؤيّده ـ يكون السقوط به موجباً للفرار عن الحدّ اختياراً ، خصوصاً إذا كان رجماً .
وأمّا عدم سقوطه باعتراض الجنون ، ففيما إذا كان الحدّ رجماً ، فالوجه فيه أيضاً


(1 ، 2) مرّ في ص 198 .

(الصفحة207)



واضح ; لأنّ المقصود فيه إعدام الموضوع وطرد الشخص الجاني عن صفحة الوجود ، والجنون لا يمنع من ذلك ، خصوصاً مع ملاحظة ما عرفت في المسألة المتقدّمة من عدم كون المرض أيّاً ما كان موجباً لسقوط حدّ الرجم .
وأمّاإذا كان الحدّ جلداً، فالدليل على عدم السقوط فيه صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتّى خولط، فقال:إن كان أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح لاعلّة به من ذهاب عقل أقيم عليه الحدّ كائناً ما كان(1).
ومع وجود النصّ لا مجال لاحتمال السقوط في المطبق مطلقاً كما عن بعض ، ولا لاحتمال السقوط كذلك إن لم يحسّ بالألم وكان بحيث لا ينزجر عنه ; لصراحة الرواية في عدم الفرق .
ثمّ إنّ مورد الرواية وإن كان هو الجلد ، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق الجواب عدم الفرق بينه وبين الرجم في هذه الجهة ، كما أنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الجنون الإطباقي والجنون الإدواري ، فما عن المسالك من احتمال الانتظار بالمجنون الإفاقة(2) ـ ومراده الجنون الأدواري ـ لا مجال له مع الرواية ، كما أنّ دعوى إجراء الحدّ مطلقاً على المجنون في حال جنونه مخالف للموازين; لقوله (عليه السلام): «لا حدّ على مجنون حتّى يفيق»(3) ، ومثله مدفوعة بظهور كون المراد من عدم الحدّ على المجنون عدم ثبوته عليه في حال صدور الجناية مجنوناً ، وأمّا إذا كان الصدور في حال السلامة وأريد إجراء الحدّ عليه في حال الجنون فلا دلالة له على ذلك ، وعدم حسّ الألم أحياناً وعدم الإنزجار لا يجدي شيء من مثله في مقابل النصّ أصلا .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 317 ، أبواب مقدّمات الحدود ب9 ح1 .
(2) مسالك الأفهام: 14/380 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 316 ، أبواب مقدّمات الحدود ب8 ح1 .

(الصفحة208)

مسألة 11 : لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد ولا البرد الشديد ، فيتوخّى به في الشتاء وسط النهار ، وفي الصيف في ساعة برده خوفاً من الهلاك أو الضرر زائداً على ما هو لازم الحدّ ، ولا يقام في أرض العدوّ ، ولا في الحرم على من التجأ إليه ، لكن يضيَّق عليه في المطعم والمشرب ليخرج ، ولو أحدث موجب الحدّ في الحرم يقام عليه فيه1.


1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: أنّه لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد والبرد كذلك ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ما يستفاد من الأدلّة من كون المراد هو التعذيب بالمقدار الذي هو لازم الحدّ ، ولذا لا يجلد المريض والمستحاضة وصاحب القروح كما عرفت في المسألة التاسعة ـ روايات كثيرة ، مثل:
رواية هشام بن أحمر ، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: كان جالساً في المسجد وأنا معه ، فسمع صوت رجل يُضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد ، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل يضرب ، فقال: سبحان الله في هذه الساعة ، إنّه لا يضرب أحد في شيء من الحدود في الشتاء إلاّ في أحرّ ساعة من النهار ، ولا في الصيف إلاّ في أبرد ما يكون من النهار(1) .
ومرسلة أبي داود المسترق قال: مررت مع أبي عبدالله (عليه السلام) وإذا رجل يضرب بالسياط ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): سبحان الله في مثل هذا الوقت يضرب؟ قلت له: وللضرب حد؟ قال: نعم ، إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار ، وإذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار(2)


(1 ، 2) وسائل الشيعة: 18 / 315 ، أبواب مقدّمات الحدود ب7 ح1 و2 .

(الصفحة209)



وبعض الروايات الاُخر الواردة في هذا الباب .
الثاني: أنّه لا يقام في أرض العدوّ ، ويدلّ عليه رواية أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يقام على أحد حدّ بأرض العدوّ(1) .
ورواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه قال: لا أُقيم على رجل حدّاً بأرض العدو حتّى يخرج منها مخافة أن تحمله الحميّة فيلحق بالعدوِّ(2) .
ومقتضى التعليل في هذه الرواية وأنّ الحكم يدور مدار التعليل سعةً وضيقاً ، اختصاص الحكم بصورة الخوف من الإلتحاق ، كما قيّده به المحقّق في الشرائع(3) ، وكان ينبغي للمتن أيضاً التقييد ، لأنّه في صورة العلم بالعدم لا مانع من الإقامة أصلا .
الثالث: أنّه لا يقام الحدّ في الحرم على من التجأ إليه; لقوله تعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}(4); ولصحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يجني في غير الحرم ، ثمّ يلجأ إلى الحرم ، قال: لا يقام عليه الحدّ ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يكلّم ، ولا يبايع ، فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ ، وإن جنى في الحرم جناية اُقيم عليه الحدّ في الحرم ، فإنّه لم ير للحرم حرمة(5) .
وظاهر قوله (عليه السلام): «ولا يطعم . . .» وإن كان هو عدم الإطعام والإسقاء ومثلهما رأساً، إلاّ أنّ قوله (عليه السلام): «يوشك أن يخرج» قرينة على أنّ المراد به هو التضييق عليه


(2) وسائل الشيعة: 18 / 317 ، أبواب مقدّمات الحدود ب10 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 318 ، أبواب مقدّمات الحدود ب10 ح2 .
(4) شرائع الإسلام: 4/938 .
(5) سورة آل عمران 3: 97 .
(6) وسائل الشيعة: 18 / 346 ، أبواب مقدّمات الحدود ب34 ح1 .

(الصفحة210)



في ذلك ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ذيل الرواية يدلّ على أنّ من جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم ولكن أرسل في الفقيه: ولو أنّ رجلا دخل الكعبة فبال فيها معانداً أُخرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه(1) . ولعلّه أحوط .
ثمّ إنّ الظّاهر أنّ المراد بالحرم في الرواية والفتاوى ما هو المتبادر والمعهود ممّا يكون بمكّة ، لكن عن النهاية(2) والتهذيب(3) إلحاق حرم النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)به ، وعن الوسيلة(4) الاقتصار على الأوّل ، ولا دليل على شيء منهما .


(1) من لا يحضره الفقيه: 2/251 .
(2) النهاية: 702 .
(3) لم نعثر عليه ، بل وجدناه في السرائر: 3/457 .
(4) الوسيلة: 411 .

(الصفحة211)







المقام الثاني في كيفيّة إيقاعه


مسألة 1 : إذا اجتمع على شخص حدود بدأ بما لا يفوت معه الآخر ، فلو اجتمع الجلد والرجم عليه جلد أوّلا ثمّ رجم ، ولو كان عليه حدّ البكر والمحصن فالظّاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب على إشكال ، ولا يجب توقّع برء جلده فيما اجتمع الجلد والرجم ، بل الأحوط عدم التأخير1.


1 ـ المراد بالاجتماع أعمّ ممّا إذا كان له موجبان أو أزيد ، وممّا إذا كان له موجب واحد كما في اجتماع الجلد والرجم في الشيخ والشيخة ، إذا تحقّق منهما الزنا مقروناً بالإحصان .
والدّليل على لزوم البدأة بما لا يفوت معه الآخر ـ مضافاً إلى لزوم اللغوية في الجعل في الفرض الثاني على تقدير العدم ، وإلى لزوم العمل بكلا السببين أو الأسباب مع الإمكان في الفرض الأوّل ـ الروايات المستفيضة الواردة في هذا المقام:
كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها

(الصفحة212)



القتل ، يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ، ثمّ يقتل بعد ذلك(1) .
وصحيحته الاُخرى ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل ، فإنّه يبدأ بالحدود التي دون القتل ثمّ يقتل(2) .
والظّاهر إتّحاد الروايتين وإن جعلهما في الوسائل متعدّداً .
وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يكون عليه الحدود منها القتل ، قال: تقام عليه الحدود ثمّ يقتل(3) .
وصحيحة عبدالله بن سنان وابن بكير جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل ، قال: يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ويقتل بعدُ(4) .
وموثّقة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل ، قال: كان عليّ (عليه السلام) يقيم عليه الحدّ ثمّ يقتله ، ولا نخالف عليّاً (عليه السلام)(5) .
وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل، فقال: كان عليّ (عليه السلام) يقيم عليه الحدود ثمّ يقتله ، ولا نخالف عليّاً (عليه السلام)(6) .
وموثّقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن قتل وشرب خمراً وسرق ، فأقام عليه الحدّ ، فجلده لشربه الخمر ، وقطع يده في


(1) وسائل الشيعة: 18 / 325 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 327 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح8 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 326 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح5 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 326 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح6 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 325 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح2 .
(6) وسائل الشيعة: 18 / 326 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح4 .

(الصفحة213)



سرقته ، وقتله بقتله(1) .
ثمّ إنّ مقتضى الضابطة المذكورة في مثل صحيحة زرارة أنّه لو اجتمع حدّ البكر الذي هو الجلد ، والجزّ ، والتغريب ، وحدّ المحصن الذي هو الرجم ، لزوم تأخير الرجم إلى بعد التغريب ، وهو مستبعد جدّاً ، لأنّه ـ مضافاً إلى إستلزامه تأخير القتل إلى السنة ، مع أنّ الغرض منه طرد الجاني ونفيه عن صفحة الوجود ، ولا يناسب ذلك مع التأخير ـ يلزم أن تكون عقوبته أخفّ ممّن لا يكون حدّه إلاّ الرجم ، للزوم قتله سريعاً ، فلا محيص إلاّ عن القول بانصراف مثل الصحيحة عن هذه الصورة ، فتدبّر .
ثمّ إنّ مقتضى مفهوم المتن أنّه مع عدم الفوت لا يكون هناك بدأة ، بل يتخيرّ الحاكم فيها ، مع أنّه ربّما يقال بتقدّم ما إذا كان أحدهما حقّاً آدمياً وطالب به ، على الآخر الذي يكون حقّ الله تعالى  ، كما إذا كان أحدهما حدّ القذف والآخر حدّ الزنا ، نعم هنا رواية يستفاد منها الترتيب بنحو آخر ، وقد أفتى على طبقها المفيد(قدس سره)في المقنعة(2) ، وهي ما رواه في قرب الإسناد ، عن عبدالله بن الحسن ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أُخذ وعليه ثلاثة حدود: الخمر ، والزنا ، والسرقة بأيّها يبدأ به من الحدود؟ قال: بحدّ الخمر ، ثمّ السرقة ، ثمّ الزنا(3) . إلاّ أن يكون المراد بحدّ الزنا هو القتل أو الرجم الذي يكون تأخيره مقتضى الروايات المتقدّمة أيضاً ، ويقال: بأنّ الوجه في تقدّم حدّ الخمر على السرقة هو تأذّي جميع أعضائه التي منها أصابعه أيضاً ، كما سيأتي التعرّض لكيفيّة الجلد إن شاء الله تعالى .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 327 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح7 .
(2) المقنعة: 785 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 326 ، أبواب مقدّمات الحدود ب15 ح3 .

(الصفحة214)



ثمّ إنّه فيما إذا اجتمع الجلد والرجم مطلقاً ، سواء كان الموجب واحداً أم متعدّداً هل يجب أن يتوقّع برء جلده ثمّ يرجم أم لا؟ فالمحكيّ عن المفيد(قدس سره) في المقنعة(1)والشيخ في النهاية(2) وبني حمزة(3) وزهرة(4) والبرّاج(5) وسعيد(6) هو الوجوب ، وقد علّله المحقّق(قدس سره) في الشرائع(7) بالتأكيد في الزجر الذي يكون هو المقصود بالحدّ .
والمحكيّ عن ابن إدريس هو استحباب توقّع البرء ، قال في السرائر: وقد روى أصحابنا أنّه لا يرجم حتّى يبرأ جلده ، فإذا برأ رجم ، والأولى حمل الرواية على الاستحباب ; لأنّ الغرض في الرجم إتلافه وهلاكه(8) . وعن جماعة من المتأخّرين ومتأخّريهم الميل إليه كما في الجواهر(9) .
وعن مجمع البرهان(10) القول بعدم الجواز ، ويشعر به عبارة الإرشاد(11) ، كما اعترف هو به أيضاً .
وعن أبي عليّ أنّه يجلد قبل الرجم بيوم(12) لما روي من أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)


(1) المقنعة: 775 .
(2) النهاية: 699 .
(3) الوسيلة: 413 .
(4) غنية النزوع: 424 .
(5) المهذّب: 2/527 .
(6) الجامع للشرائع: 550 .
(7) شرائع الإسلام: 4/938 .
(8) السرائر: 3/451 .
(9) جواهر الكلام: 41/346 ، وكذا في رياض المسائل: 10/64 .
(10) مجمع الفائدة والبرهان: 13/61 .
(11) إرشاد الأذهان: 2/173 .
(12) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/167 .

(الصفحة215)



جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة(1) .
وفي محكيّ الرياض بعد نقل قول الأخير: هو شاذّ كالمنع من التأخير ، بل لعلّه إحداث قول ثالث ، لاتّفاق الفتاوى على الظّاهر على جوازه وإن اختلفوا في وجوبه وعدمه ، وعلى هذا فالتأخير لعلّه أحوط ، وإن لم يظهر للوجوب مستند عليه يعتمد ، نعم نسبه في السرائر(2) إلى رواية الأصحاب(3) .
وفي الجواهر(4) الإيراد عليه بمنع وصول ذلك إلى حدّ الإجماع المعتدّ به .
والحقّ أن يقال: إنّه إن كان مستند الوجوب هو التأكيد في الزجر ـ فمضافاً إلى أنّ لازمه المنع فيمن كان حدّه هو الجلد فقط من المعالجة والمداوا ، بحيث يرتفع أثره سريعاً ويزول ألمه والاُمور العارضة من قبله كالتوّرم ونحوه ، مع أنّه من الواضح أنّه لا وجه لهذا المنع أصلا ـ لا يكون ذلك ناهضاً في مقابل ما دلّ على أنّه لا يكون في الحدود نظرة ساعة ، وما عرفت من أنّه يرجم المريض قبل الحدّ فضلا عمّا حصل به .
وإن كان مستند الوجوب مرسلة السرائر ، الظّاهرة في الوجوب مع الانجبار بالفتوى على طبقها من أعاظم فقهاء المتقدّمين ممّن عرفت ، خصوصاً مع كون الفتوى مذكورة في كتبهم الفقهيّة ، المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطّاهرة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ بعين الألفاظ الصادرة منهم ، التي يكون التعرّض فيها لحكم من الأحكام بمنزلة وجود رواية معتبرة اعتمد عليها صاحب


(1) سنن البيهقي: 8/220 .
(2) السرائر: 3/451 .
(3) رياض المسائل: 10/64 .
(4) جواهر الكلام: 41/346 .

(الصفحة216)

مسألة 2 : يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد ، والمرأة إلى وسطها فوق الحقوة تحت الصدر ، فإن فرّ أو فرّت من الحفيرة ردّا إن ثبت الزنا بالبيّنة . وإن ثبت بالإقرار فإن فرّا بعد إصابة الحجر ولو واحداً لم يردّا ، وإلاّ ردّا ، وفي قول مشهور إن ثبت بالإقرار لا يردّ مطلقاً ، وهو أحوط ، هذا في الرجم ، وأمّا في الجلد فالفرار غير نافع فيه ، بل يردّ ويحدّ مطلقاً1.


الفتوى ، ككتاب مقنعة المفيد ، ونهاية الشيخ ، فالظّاهر أنّ رفع اليد عن ذلك مشكل جدّاً ، وعليه فتصير شبهة الوجوب في المسألة قويّة ، ومقتضى الاحتياط حينئذ هو التأخير ، فتدبرّ .

1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الاُولى: أنّه هل الواجب في الرجل أو المرأة في حال إجراء حدّ الرجم عليهما عنوان الدفن المتوقّف على حفر حفيرة وإدخاله فيها وردّ التراب عليه كما في دفن الميّت ، أو أنّه يكفي مجرّد الحفر والإدخال في الحفيرة من دون ردّ التراب عليه وطمّه ، أو لا يجب ذلك أيضاً ، بل يكفي مجرّد إيثاقه وربطه بشجر وجدار ونحوهما ، أو لا يلزم ذلك أيضاً ، بل الواجب رميه من دون أن يكون هناك خصوصيّة معتبرة من هذه الجهة؟ وجوه واحتمالات .
والظاهر أنّ عبارات الأصحاب في هذه الجهة مختلفة بحسب الظاهر ، فقد عبّر في بعضها بالدفن ، وفي بعضها بالحفر ، وينسب إلى بعضهم عدم وجوب الحفر أيضاً إن ثبت الزنا بالإقرار ، واللازم ملاحظة الأخبار والنصوص الواردة في الباب فنقول: الروايات المعتبرة الواردة في المقام ثلاثة:
إحداها: موثّقة أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): تدفن المرأة إلى وسطها إذا

(الصفحة217)



أرادوا أن يرجموها ، ويرمي الإمام ، ثمّ يرمي الناس بعدُ بأحجار صغار(1) .
ثانيتها: موثقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تدفن المرأة إلى وسطها ، ثمّ يرمي الإمام ، ويرمي الناس بأحجار صغار ، ولا يدفن الرجل إذا رجم إلاّ إلى حقويه(2) .
ثالثتها: صحيحة أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، المشتملة على قصّة امرأة أتت أمير المؤمنين (عليهما السلام) وأقرّت بالزنا أربع مرّات ، الدالّة على أنّه أمر بها بعد ذلك ، فحفر لها حفيرة في الرحبة ، وخاط عليها ثوباً جديداً ، وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين(3) . هكذا في الوسائل ، ولكن في الجواهر(4) ، والمحكيّ عن الوافي(5)نقلها: «إلى الحقو دون موضع الثديين» .
والمناقشة في سند الرواية باعتبار إشتراك أبي مريم بين الثقة وهو أبو مريم الأنصاري ، وبين غير الثقة مدفوعة بأنّ إطلاق أبي مريم ينصرف إلى الأنصاري ، مع أنّ يونس بن يعقوب الراوي عنه في الرواية إنّما يروي عن الأنصاري ، فالرواية صحيحة من حيث السند .
كما أنّ المناقشة في دلالتها من جهة اشتمالها على حكاية الفعل ، وهو أعمّ من الوجوب كما يظهر من الجواهر ، مدفوعة بما أشرنا إليه مراراً ، من أنّه إذا كان الحاكي لذلك هو الإمام (عليه السلام) ، وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم ـ غاية الأمر بهذه الصورة ـ لا يبقى مجال لهذا الاحتمال ، بل هو كالبيان بنحو آخر ظاهر في إفادة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 374 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 374 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح3 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 380 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح5 .
(4) جواهر الكلام: 41/347 .
(5) الوافي: 15/274 ـ 275 ح15044 .

(الصفحة218)



الوجوب ، فاحتمال كون الحفر في الرواية لعلّه كان من باب أحد الطرق في هذا الباب ممنوع جدّاً .
ثمّ إنّ ظاهر الأوليين وجوب عنوان الدفن ، إذ التعبير به في هذا المقام مع كون المتعارف هو التعبير به في باب الأموات لا يكون له وجه ، مع عدم ثبوت الخصوصيّة له ، فاللازم الالتزام بكون التعبير به إنّما هو مع العناية إلى هذا العنوان وثبوت الخصوصيّة له ، وتصير الروايتان قرينتين على أنّ المراد بالحفر في الصحيحة هو الحفر مع ردّ التراب عليه ، فبملاحظة الروايات لا يبقى مجال للترديد في هذه الجهة ، وقد صرّح في بعضها باشتراك الرجل والمرأة في ذلك ، ومقتضى إطلاقها أنّه لا فرق من هذه الجهة بين ما إذا كان الزنا ثابتاً بالبيّنة أو ثابتاً بالإقرار .
ودعوى أنّ الدفن في صورة الإقرار يوجب عدم التمكّن من الفرار الذي هو حقّه في هذه الصورة ، مدفوعة بأنّ غاية ذلك لزوم إمكان الفرار ، وهو متحقّق مع الدفن ، ولا يلزم إيجاد السهولة عليه في ذلك كما هو واضح .
وممّا ذكرنا ظهر الجواب عمّا في محكيّ المسالك ، حيث إنّه بعد أن استظهر من عبارة الشرائع وجوب الدفن قال: ويحتمل الاستحباب ، بل إيكال الأمر إلى الإمام ، لما روي أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) حفر بئراً للغامديّة ولم يحفر للجهنيّة(1) ، وعن أبي سعيد الخدري في قصّة ماعز: أمرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) برجمه ، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد ، فما أوثقناه ولا حفرنا له حفيرة ، ورميناه بالعظام والمدر والخزف ، ثمّ اشتدّ واشتددنا له حتّى أتى الحرّة فانتصب لنا ، فرميناه بجلاميد الحرّة حتّى سكت(2) .


(1) صحيح مسلم: 3 / 1068 ـ 1069 ذ ح22 و 23 وح24 ، سنن الدارمي: 2 / 124 ـ 125 ح2321 و2322 ، سنن أبي داود: 4 / 381 ح4440 و4442 وغيرهما .
(2) صحيح مسلم: 3 / 1066 ح1694 ، سنن الدارمي: 4 / 123 ح2316 ، سنن أبي داود: 4 / 378 ح4431 .

(الصفحة219)



وروى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّ ماعزاًإنّما فرّمن الحفيرة(1)، وطرق الروايات الدالّة على الحفر والتحديد غيرنقيّة السند ، ولكنّها كافية في إقامة السنّة(2).
والعمدة في الجواب ما عرفت من أنّ الروايات الواردة في المقام بين صحيحة وموثّقه ، ولا مجال للإشكال فيها من هذه الجهة أصلا .
الجهة الثانية: في مقدار الدفن ، وقد نسب صاحب الجواهر(قدس سره) دفن الرجل إلى الحقوين والمرأة إلى الصدر ، المذكور في عبارة الشرائع إلى الأشهر بل المشهور(3) .
وعن المقنع: والرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها ، فتكون بطوله إلى عنقه فيرجم(4) . وعن المقنعة والغنية التسوية بينهما إلى الصدر(5) ، وعن المراسم: الحفر له إلى صدره ولها إلى وسطها(6) ، وعن الصدوق في الفقيه: أنّ المرأة التي كفّل ولدها عمرو بن حريث حفر لها أمير المؤمنين (عليه السلام) حفيرة ودفنها فيها إلى حقويها(7) ، وفي غيره أمر أن يحفر لها حفيرة ثمّ دفنها فيها(8) .
وفي المرسل عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، أنّه حفر للغامديّة إلى الصدر(9) .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 376 ، أبواب حدّ الزنا ب15 ح1 .
(2) مسالك الأفهام: 14 / 383 ـ 384 .
(3) جواهر الكلام: 41/347 .
(4) المقنع: 428 .
(5) المقنعة: 775 ، 780 ، غنية النزوع: 424 .
(6) المراسم: 254 .
(7) من لا يحضره الفقيه: 4/33 .
(8) الكافي : 7 / 187 قطعة من ح1 ، التهذيب : 10 / 11 قطعة من ح23 .
(9) سنن البيهقي: 8 / 221 .

(الصفحة220)



وفي آخر عنه(صلى الله عليه وآله) ، أنّه رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة(1) (وهو موضع الثدي) . وفي محكيّ كشف اللثام: وقريب منه ماروي من دفن شراحة إلى منكبهاأو ثدييها(2).
ومن المعلوم أنّه لا اعتبار لهذه المرسلات أصلا ، واللازم في هذه الجهة أيضاً ملاحظة النصوص المتقدّمة في الجهة الاُولى ، الدالّة على هذه الجهة أيضاً ، فنقول: مقتضى الموثّقة الاُولى اعتبار كون الدفن في المرأة إلى وسطها ، ولكنّ المراد من الوسط غير معلوم ، وأمّا الموثّقة الثانية ، فباعتبار دلالتها على كون دفن الرجل إلى حقويه لا أزيد ـ بعد الحكم باعتبار كون دفن المرأة إلى وسطها ـ تدلّ على أنّ المراد من الوسط ما يغاير الحقوين ، بل فوقهما إلى جانب الرأس ، ضرورة أنّ التستّر المرعيّ في جانب المرأة شرعاً يقتضي كون المراد من الوسط ما فوق الحقوين لا ما دونهما ، فالموثّقة الثانية تكشف المراد من الوسط في الجملة ، وتدلّ على كونه ما فوقهما ، وأمّا الصحيحة فقد عرفت اختلاف النقل فيها ، والظّاهر باعتبار أصالة عدم الزيادة ، وباعتبار الضبط والتثبّت الموجود في كتاب الوافي هو وجود كلمة «دون» في أصل الروايات ، وعليه فتكشف الصحيحة عن أنّ المراد بالوسط هو ما فوق الحقوين ، وما دون الصدر الذي هو موضع الثديين ، وعليه فينطبق ملاحظة مجموع الروايات على ما في المتن .
كما أنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ التعرّض لمقدار دفن الرجل إنّما هو في الموثّقة الثانية ، ولا معارض لها من هذه الجهة ، فلا يجوز دفنه أزيد من الحقوين كما لا يخفى .
الجهة الثالثة: في حكم الفرار من الحفيرة ، فإن كان الزنا ثابتاً بالبيّنة فحكمه


(1) سنن البيهقي : 8 / 221 .
(2) كشف اللثام: 2/403 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>