جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، کتاب الحدود « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة221)



لزوم الإعادة بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر(1) ، بل في محكيّ كشف اللثام الإجماع(2) ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى إطلاقات أدلّة الرجم ، الحاكمة بلزوم إجرائه ، الشاملة لصورة الفرار أيضاً ـ التصريح به في بعض الروايات الآتية في مورد ثبوت الزنا بالإقرار .
وإن كان الزنا ثابتاً بالإقرار ففيه قولان:
أحدهما: وهو الذي حكي عن المفيد(3) والحلبي(4) وسلاّر(5) وابن سعيد(6) ، بل نسب إلى الشهرة(7) ، هو أنّه لا يردّ مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا أصابه ألم الحجارة وبين ما إذا لم يصبه ذلك .
ثانيهما: هو التفصيل بين ما إذا أصابه ألم الحجارة فلا يردّ ، وبين ما إذا لم يصبه ذلك فيردّ ، وقد اختاره في المتن تبعاً للنهاية(8) والوسيلة(9) ، ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في المسألة ، وهي على ثلاثة أقسام:
الأوّل: ما يدلّ على التفصيل بين صورة البيّنة وصورة الإقرار مطلقاً ، وهي مرسلة الصدوق قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن المرجوم يفرّ ، قال: إن كان أقرّ على


(1) جواهر الكلام: 41/349 .
(2) كشف اللثام: 2/403 .
(3) المقنعة: 780 .
(4) الكافي في الفقه: 407 .
(5) المراسم: 254 .
(6) الجامع للشرائع: 551 .
(7) الروضة البهية: 9/91 .
(8) النهاية: 700 .
(9) الوسيلة: 412 .

(الصفحة222)



نفسه فلا يردّ ، وإن كان شهد عليه الشهود يردّ(1) .
وقد أشرنا مراراً إلى اعتبار هذا النحو من الإرسال ، ومغايرته مع الإرسال بنحو «روي ، أو عن رجل» أو مثلهما ، وعليه فلا حاجة في إثبات حجّيّة الرواية إلى القول بانجبار الضعف المستند إلى الإرسال بعمل المشهور على طبقها ، كما يظهر من الجواهر .
الثاني: ما يدلّ على التفصيل بين صورة إصابة ألم الحجارة ، وبين صورة عدم الإصابة مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا كان ثابتاً بالبيّنة أو بالإقرار ، وهو ما رواه صفوان ، عن غير واحد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ ، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة ردّ(2) .
وما رواه صفوان ، عن رجل ، عن أبي بصير وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: له: المرجوم يفرّ من الحفيرة فيطلب؟ قال: لا ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة ردّ حتّى يصيبه ألم العذاب(3).
وقد جعلهما في الوسائل روايتين ، والظّاهر أنّهما رواية واحدة كما أشرنا إلى مثله مراراً ، كما أنّ الظاهر صحّة سند الاُولى وعدم كون وساطة «غير واحد» موجبة للإرسال ، وإن كان الإرسال في المقام أيضاً لا يقدح ، لكون المرسل هو صفوان ، ومراسيله كمراسيل ابن أبي عمير .
الثالث: ما ظاهره اعتبار أمرين في عدم الردّ ، وهما ثبوت الزنا بالإقرار وإصابة ألم الحجارة ، وهي رواية الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن


(1) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب15 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب15 ح5 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب15 ح3 .

(الصفحة223)



المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يردّ حتّى يقام عليه الحدّ؟ فقال: يردّ ، ولا يردّ ، فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: إن كان هو المقرّ على نفسه ثمّ هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من الحجارة لم يردّ ، وإن كان إنّما قامت عليه البيّنة وهو يجحد ثمّ هرب ردّ وهو صاغر حتّى يقام عليه الحدّ ، وذلك أنّ ماعز بن مالك أقرّ عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالزنا ، فأمر به أن يرجم فهرب من الحفرة ، فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط ، فلحقه الناس فقتلوه ، ثمّ أخبروا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بذلك ، فقال لهم: فهلاّ تركتموه إذا هرب يذهب ، فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه ، وقال لهم: أما لو كان عليّ حاضراً معكم لما ضللتم ، قال: وودّاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) من بيت مال المسلمين(1) .
فإنّ قوله (عليه السلام) في الشرطية الاُولى: «إن كان هو المقرّ . . .» ظاهر في اعتبار أمرين ، ولكن يضعف اعتبار الأمر الثاني ، وهو إصابة شيء من الحجارة قوله (عليه السلام)في الشرطيّة الثانية: «وإن كان إنّما قامت عليه البيّنة . . .» فإنّ الاقتصار فيه على مفهوم الأمر الأوّل ، المذكور في الشرطيّة الاُولى ظاهر في عدم الإتّكال على الأمر الثاني ، وكذا تعليل النبي(صلى الله عليه وآله) لتوبيخهم بقوله: «فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه» ظاهر في أنّ تمام الملاك في عدم الردّ هي مسألة الإقرار فقط ، من دون إضافة شيء ، وعلى ما ذكرنا فهذه الرواية من روايات القسم الأوّل .
وكيف كان ، فلابدّ من علاج التعارض بين الأوّلين ، والظّاهر أنّ مقتضى الجمع بينهما هو حمل الإطلاق في كلّ منهما على القيد المذكور في الآخر ، فيصير الحاصل اعتبار القيدين في عدم الرّد كما اختاره الماتن ـ دام ظلّه ـ .
الجهة الرابعة: في الجلد ، والظّاهر أنّه لا ينفع الفرار منه ، وإن كان الزنا ثابتاً بالإقرار ، ولا خلاف في ذلك ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى كونه مقتضى إطلاق أدلّة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 376 ، أبواب حدّ الزنا ب15 ح1 .

(الصفحة224)

مسألة 3: إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام(عليه السلام) ثمّ الناس ، وإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ، ثمّ الإمام(عليه السلام) ثمّ الناس1.


الجلد ـ رواية عيسى بن عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ ، أيجب عليه أن يخلّى عنه ولا يردّ كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: لا ، ولكن يردّ حتّى يضرب الحدّ كاملا . قلت: فما فرق بينه وبين المحصن وهو حدّ من حدود الله؟ قال: المحصن هرب من القتل ولم يهرب إلاّ إلى التوبة; لأنّه عاين الموت بعينه ، وهذا إنّما يجلد ، فلابدّ من أن يوفى الحدّ; لأنّه لا يقتل(1) .

1 ـ في المسألة وجوه بل أقوال ثلاثة:
أحدها: التفصيل المذكور في المتن ، وفي الجواهر: قيل إنّه ظاهر الأكثر(2) ، وفي الخلاف(3) وظاهر المبسوط الإجماع عليه(4) ، ويدلّ عليه ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن صفوان ، عمّن رواه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أقرّ الزانى المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام ثمّ الناس ، فإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنه ، ثمّ الإمام ، ثمّ الناس . ورواه الصدوق بإسناده عن عبدالله بن المغيرة وصفوان وغير واحد ، رفعوه إلى أبي عبدالله (عليه السلام)مثله(5).
والإشكال في سندها من جهة الإرسال والرفع مدفوعٌ ، بأنّ استناد المشهور


(1) وسائل الشيعة: 18 / 407 ، أبواب حدّ الزنا ب35 ح1 .
(2) جواهر الكلام: 41/351 .
(3) الخلاف: 5/377 مسألة 15 .
(4) المبسوط: 8/4 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 374 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح2 .

(الصفحة225)



إليها والفتوى على طبقها يوجب الإنجبار على ما هو التحقيق والمستفاد من مثل مقبولة ابن حنظلة(1) ، كما أنّ كون المرسل صفوان أيضاً يوجب الاعتماد عليها ، وبالجملة لامجال للإشكال فيهامن هذه الجهة، كما أنّ دلالتها على هذاالقول واضحة.
ثمّ إنّه استند في الجواهر لهذا القول أيضاً بخبر زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): إذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ، ثمّ الإمام ، ثمّ الناس(2) . مع أنّه لا يوجد خبر لزرارة في هذا الباب ، وحكي أنّه اقتبسه من كشف اللثام(3) ، وكيف كان فالظاهر أنّه سهو ، ويمكن أن يكون مراده مرسلة صفوان على طريق الكليني للتعرّض لها على الطريق الآخر .
ثانيها: ما اختاره بعض(4) من وجوب ابتداء الإمام بالرجم مطلقاً ، سواء كان الزنا ثابتاً بالإقرار أو بالبيّنة ، وقد استدلّ له بعد تضعيف مرسلة صفوان بإطلاق رواية أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): تدفن المرأه إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها ، ويرمي الإمام ، ثمّ يرمي الناس بعد بأحجار صغار(5) .
وكذا إطلاق رواية سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تدفن المرأة إلى وسطها ثمّ يرمي الإمام ، ويرمي الناس بأحجار صغار ، ولا يدفن الرجل إذا رجم إلاّ إلى حقويه(6). وفي دلالتها على وجوب بدأة الإمام بالرجم نظر ، بخلاف


(1) الكافي: 1/67 ح10 .
(2) جواهر الكلام: 41/352 .
(3) كشف اللثام: 2/404 .
(4) مباني تكملة المنهاج: 1/218 ذ مسألة 172 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 374 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح1 .
(6) وسائل الشيعة: 18 / 374 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح3 .

(الصفحة226)



الرواية  الاُولى.
ولكنّا بعد القول بحجيّة رواية صفوان المتقدّمة نلتزم بكونها مقيّدة لإطلاق الروايتين ، وموجبة لحملهما على صورة كون الزنا ثابتاً بالإقرار .
ثالثها: عدم لزوم بدأة شخص خاصّ أو فرقة خاصّة ، بل الغاية الاستحباب(1)، نظراً إلى ضعف رواية صفوان وقصورها عن الدلالة على حكم وجوبي ، والروايتان المطلقتان وإن كانتا ظاهرتين في وجوب بدأة الإمام ، إلاّ أنّ قصّة ماعز بن مالك التي استفاضت نصوص الفريقين فيها ، ومنها رواية حسين بن خالد المتقدّمة في المسألة الثانية ، ظاهرة في عدم الوجوب ; لعدم حضور النبي(صلى الله عليه وآله)حين الرجم ، بل عدم حضور أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً كما يدلّ عليه رواية حسين ، فضلا عن البدأة بالرجم ، فهذه تدلّ على عدم الوجوب وتوجب صرف ما ظاهره الوجوب عن ظاهره .
ولكن عرفت أنّ رواية صفوان معتبرة وموجبة للتقييد في الروايتين ، ولا مجال لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب ، ولا دلالة لقصّة ماعز على العدم ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ بعض طرق نقلها لم يتعرّض لحضور النبي(صلى الله عليه وآله) ، وعدم الحكاية لحضوره أعمّ من عدمه ـ يمكن أن يكون عدم الحضور لمانع ، وفي الحقيقة يكون ذلك قصّة في واقعة خاصّة ، مع أنّ الظّاهر أنّ المراد بالإمام أعمّ منه ومن نائبه ، ويمكن حضور نائبه في هذه الجهة في ذلك ، كما لا يخفى  .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الظّاهر والأوفق بنصوص المسألة هو القول الأوّل ، الذي اختاره في المتن تبعاً للمشهور .


(1) راجع مسالك الأفهام: 14/386 ورياض المسائل: 10/70 .

(الصفحة227)

مسألة 4: يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلاّ ساتر عورته ، ويضرب أشدّ الضرب ، ويفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه ، ولكن يتّقى رأسه ووجهه وفرجه ، وتضرب المرأة جالسة وتربط عليها ثيابها ، ولو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان1.


1 ـ في هذه المسألة أحكام:
الأوّل: إنّه يجلد الرجل الزاني قائماً ، بخلاف المرأة ، فإنّها تضرب جالسة ، وتدلّ عليه صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يضرب الرجل الحدّ قائماً والمرأة قاعدة ، ويضرب على كلّ عضو ويترك الرأس والمذاكير ، ورواه الشيخ والصدوق(1) مثله ، إلاّ أنّهما قالا: «ويترك الوجه والمذاكير»(2) .
الثاني: إنّه يجلد الرجل الزاني مجرّداً من ثيابه إلاّ ساتر عورته ، وفاقاً للمحقّق في الشرائع(3) والنافع(4) والعلاّمة في القواعد(5) . بل عن غاية المرام: أنّه المشهور(6) ، وإن قال في الجواهر: وإن كنّا لم نتحقّقه(7) . ويدلّ عليه ـ مع أنّ حقيقة الجلد ضرب الجلد كقولهم: ظهره وبطنه ورأسه أي ضرب ظهره وبطنه ورأسه ـ موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد ،


(1 ، 2) الكافي: 7 / 173 ح1 ، التهذيب: 10 / 31 ح104 ، من لا يحضره الفقيه: 4/29 ح5011 ، وسائل الشيعة: 18/369 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح1 .
(3) شرائع الإسلام: 4/939 .
(4) المختصر النافع: 295 .
(5) قواعد الأحكام: 2/254 .
(6) غاية المرام: 4 / 320 .
(7) جواهر الكلام: 41/359 .

(الصفحة228)



فقلت: من فوق الثياب؟ فقال: بل يجرّد(1) .
وموثّقته الاُخرى قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد ، قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه ، قلت: فالمفتري؟ قال: يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه(2) . والظاهر اتّحاد الروايتين وإن جعلهما في الوسائل متعدّداً .
ولا مجال لإلغاء خصوصيّة الرجولية من الزاني المذكور في الرواية ، فالتجريد يختصّ بالرجال ، وإن كان يؤيّده الحكم الأوّل المذكور فيها كما لا يخفى ، وفي مقابل هذا القول ما نسبه إلى القيل في الشرائع(3) ، وهو محكي عن الشيخ(4) وجماعة(5) ، بل في الجواهر(6): هو المشهور كما اعترف به غير واحد ، بل عن ظاهر الغنية(7)الإجماع ، وهو أنّه يجلد على الحال التي وجد عليها ، إن عارياً فعارياً ، وإن كاسياً فكاسياً .
نعم ، عن ابن إدريس ما لم يمنع الثوب من إيصال شيء من ألم الضرب(8) . وعن المبسوط: وإن كان يمنع من ألم الضرب كالفروة والجبّة والمحشوة نزعها وترك


(1) وسائل الشيعة: 18 / 369 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح3 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 369 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح2 .
(3) شرائع الإسلام: 4/939 .
(4) النهاية: 700 .
(5) الكافي في الفقه: 407 ، المراسم: 255 ، إصباح الشيعة: 516 ، المهذّب: 2/527 ، الوسيلة: 412 .
(6) جواهر الكلام: 41/359 .
(7) غُنية النزوع: 425.
(8) السرائر: 3/452 .

(الصفحة229)



بقميص أو قميصين(1) .
ويدلّ عليه رواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال: لا يجرّد في حدّ ولا يشنح يعني يمدّ ، وقال: ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها ، إن وجد عرياناً ضرب عرياناً ، وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه(2) . ورواه في الوافي عن الفقيه ، إلاّ أنّه قال: لا يشنج ـ بالجيم ـ و«يوجد» مكان «وجد»(3) . والظّاهر كما يظهر بمراجعة اللغة هو بالجيم ، لأنّ معناه هو التقلّص والإنقباض ، وفي مقابله المد والانبساط . وقال في كشف اللثام: ولفظ «يوجد» في الخبر يحتمل الواو والجيم وإهمال الدّال ، والهمزة وإعجام الخاء والذّال(4) .
والظّاهر بملاحظة قوله (عليه السلام) بعده: «إن وجد عرياناً . . .» وكذا قوله (عليه السلام): «وإن وجد . . .» هو «يوجد» ، كما أنّ الظّاهر أنّ المراد هو الوجدان في حال الزنا والعمل ، لا الوجدان في حال الأخذ والرفع إلى الحاكم ، وذلك لوضوح المناسبة الشديدة بين حال إيقاع العمل وبين حال إجراء الحدّ ، وعدم وجود مناسبة أصلا بين حال الأخذ وحال إجراء الحدّ ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، لا مجال للمناقشة في سند الرواية ، إمّا لاعتباره في نفسه ، وإمّا لانجبار الضعف على تقديره باستناد المشهور إليها والفتوى على طبقها ، فلابدّ من ملاحظتها مع الموثّقة المتقدّمة الدالّة على لزوم التجريد مطلقاً .
وما قيل في هذا المقام اُمور:


(1) المبسوط: 8/69 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح7 .
(3) الوافي: 15/279 ـ 280 ح15054 .
(4) كشف اللثام: 2/402 .

(الصفحة230)



أحدها: ثبوت التعارض بينهما فتسقطان ، والمرجع حينئذ هي إطلاقات أدلّة الجلد من الكتاب والسنّة ، ومقتضاها جواز الجلد كاسياً .
ويرد عليه منع التعارض أوّلا ، لما سيأتي في الأمر الثالث ، وعدم كون الحكم هو التساقط بعد فرض التعارض ، لموافقة رواية طلحة للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في باب المتعارضين .
ثانيها: ما في محكيّ كشف اللثام من الجمع بينهما بالتخيير(1) .
ويرد عليه أنّه إن كان المراد أنّ التخيير مقتضى الجمع العرفي بينهما ، كما هو ظاهر كلامه ، فيرد عليه منع ذلك ; لما سيأتي في الأمر الثالث ، وإن كان المراد أنّ الحكم بعد فرض التعارض هو التخيير ، فيرد عليه المنع ، سواء كان المراد به هو الحكم العقلي ; لأنّه عبارة عن التساقط ، أو الشرعي ; لأنّه متفرّع على عدم ثبوت شيء من المرجّحات ، وقد عرفت ثبوته .
ثالثها: تخصيص الموثّقة برواية طلحة ; لدلالتها على لزوم التجرّد مطلقاً ، وهي تدلّ على لزومه فيما إذا كان مجرّداً حال الزنا ، فهي مقيّدة لها . وهذا الوجه هو الظّاهر ، ومقتضاه التفصيل المنسوب إلى المشهور .
نعم ، يشكّل الأمر من جهة عدم تعرّض المتن للقول المشهور ولو بالإشارة ، كما فعله المحقّق في الشرائع ، حيث اختار لزوم التجرّد ، ونسب التفصيل إلى القيل(2) ، ومن جهة اختيار لزوم التجرّد مطلقاً ، مع أنّ مقتضى ما ذكرنا تعيّن القول بالتفصيل .


(1) كشف اللثام: 2/402 .
(2) شرائع الإسلام: 4/939 .

(الصفحة231)



ويمكن أن يقال فيما يتعلّق بالجهة الاُولى بعدم ثبوت الشهرة عنده ، وفيما يتعلّق بالجهة الثانية بأنّ إطلاق الموثّقة على نحو لا يكون قابلا للتقييد ، لوقوعه في مقام الجواب عن سؤال كون الجلد من فوق الثياب ، وفي الحقيقة ورد في مقام الحكم بعدم جواز ذلك ، مع أنّه لو كان مقيّداً لما كان يصحّ الحكم بعدم الجواز ; لأنّ المسألة كانت ذات فرضين ، ويكون الحكم في أحدهما الجواز ، وفي الآخر المنع ، وإذا كان كذلك كيف يصحّ الحكم بعدم جواز ما وقع السؤال عنه ؟ فمثل هذا الإطلاق لا مجال لتقييده ، كما أنّه في العامّ إذا كان كذلك لا يصحّ تخصيصه بوجه ; لأنّ الملاك في التقييد والتخصيص هي الأظهريّة ، وهي غير متحقّقة في مثل المقام ، وعليه فيقع التعارض بين الروايتين ، وحيث إنّه لا تكون شهرة في البين كما هو المفروض ، فلا وجه لترجيح رواية طلحة ، بل ربّما يكون الترجيح مع الموثّقة ، فتدبّر .
وحيث عرفت ثبوت الشهرة عندنا ، فلا محيص عن ترجيح رواية طلحة على فرض ثبوت المعارضة ، كما لا يخفى .
الثالث: أنّه يضرب أشدّ الضرب ، ويدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة ، وموثّقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود(1) . وإن كان يحتمل أن يكون المراد بالأشدّية هي الأكثرية ، ورواية محمّد بن سنان ، عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه: وعلّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كلّه به ، فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره ، وهو أعظم الجنايات(2) . ورواية أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال: حدّ


(1) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح8 .

(الصفحة232)



الزاني أشدّ من حدّ القاذف ، وحدّ الشارب أشدّ من حدّ القاذف(1) . ولكن مفادها مجرّد الأشدّية بالإضافة إلى حدّ القاذف .
ولكن في مرسلة حريز ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: يفرّق الحدّ على الجسد كلّه ، ويتّقى الفرج والوجه ، ويضرب بين الضربين(2) . وحيث إنّها واردة في مطلق الحدّ فاللازم تقييد إطلاقها بغير الزنا من سائر الحدود .
ثمّ إنّ الظّاهر عدم اختصاص الأشدّية بالرجل الزاني ، بل تضرب المرأة أيضاً كذلك ، والوجه فيه أنّه وإن كان لا يمكن إلغاء خصوصيّة الرجوليّة في الموثّقة باعتبار ذيلها ، الدّال على لزوم التجرّد وعدم جواز الضرب من فوق الثياب ، إلاّ أنّه لا مانع من إلغائها بالإضافة إلى الروايات الاخر أصلا .
الرابع: أنّه يفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه عدا بعض الأعضاء .
ويدلّ على الحكم في المستثنى منه صحيحة زرارة المتقدّمة في الحكم الأوّل المشتملة على قوله (عليه السلام): «ويضرب على كلّ عضو» . وكذا مرسلة حريز المتقدّمة في الحكم الثالث ، وكذا رواية محمّد بن سنان المتقدّمة في ذاك الحكم أيضاً . وهل المراد من جميع الجسد ما يعمّ الظّاهر والباطن ، أم يكفي خصوص الباطن ، فلا يجب ضرب البطن والصدر ومثلهما ، أو خصوص الظّاهر ؟ فيه وجهان ، والأقرب هو الأوّل ، وأمّا المستثنى ففي المتن أنّه الرأس والوجه والفرج ، وعن جماعة منهم: الشيخ(قدس سره) في المبسوط(3) والخلاف(4) الاقتصار على استثناء الوجه والفرج .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح9 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح6 .
(3) المبسوط: 8/8 .
(4) الخلاف: 5/375 مسألة 12 .

(الصفحة233)



نعم ، حكى في الأوّل استثناء الرأس قولا ، وفي الثاني عن أبي حنيفة(1) ، وادعى الإجماع على خلافه ، وعن الحلبي الاقتصار على الرأس والفرج(2) ، ويمكن أن يكون مراده من الرأس ما يشمل الوجه أيضاً .
وكيف كان ، لا مجال للمناقشة في استثناء الفرج ; لدلالة صحيحة زرارة الدالّة على أنّه يترك المذاكير عليه ، وكذا يدلّ عليه مرسلة حريز المتقدّمة ، وكذا لا مجال للمناقشة في استثناء الوجه أيضاً ، لدلالة المرسلة عليه أيضاً ، ولصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه ولا يرجم من وجهه; لأنّ الرجم والضرب لا يصيبان الوجه ، وإنّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها(3) .
وأمّا الرأس فقد وقع استثناؤه في صحيحة زرارة المتقدّمة على نقل الكليني ، فإن قلنا: بأنّ الاختلاف في النقل بمنزلة تعدّد الرواية ، فلا مانع من استثنائه ، وإلاّ فيشكل ، وإن كان يؤيّده أنّ الضرب على الرأس ـ خصوصاً إذا كان بنحو أشدّ كما هو اللازم على ما عرفت ـ يوجب الاختلال في العقل ، وربّما أوجب القتل ، وهو مناف لحكمة جعل الحدّ هو الضرب كما لا يخفى ، فالأحوط استثناؤه ، خصوصاً مع كونه مقتضى التخفيف في الحدود ، وأنّها تدرأ بالشّبهات .
الخامس: أنّه تضرب المرأة جالسة ، وتربط عليها ثيابها ، ويدلّ على ضربها جالسة صحيحة زرارة الصريحة في ذلك ، وقد تقدّمت في الحكم الأوّل ، وأمّا أنّه تربط عليها ثيابها ، فلأنّه أستر لها ، والمعلوم من مذاق الشرع أنّ المرأة عورة


(1) المبسوط للسرخسي: 9/72 ـ 73 ، بداية المجتهد: 2/433 .
(2) الكافي في الفقه: 407 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 375 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح6 .

(الصفحة234)

مسألة 5: ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يعلم الناس ليجتمعوا على حضوره ، بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحدّ ، والأحوط حضور طائفة من المؤمنين ثلاثة أو أكثر ، وينبغي أن يكون الأحجار صغاراً ، بل هو


بأجمعها ، ويدلّ عليه في الجملة ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في المرجومة التي خاط عليها ثوباً جديداً(1) . وأنّه أمر فشدّ على الجهنية ثيابها ثمّ رجمت(2) ، ولكن يمكن أن يقال: إنّ ذلك فيما إذا كان المباشر لجلدها هو الرجل ، أو كان الطّائفة الشاهدة أيضاً من الرجال ، وأمّا إذا كان المباشر هي المرأة وكانت الطّائفة الشاهدة أيضاً من النساء ، فلم لا تجرّد المرأة مثل الرجل ، ولم لا يجوز إلغاء الخصوصيّة من الروايات الواردة في هذه الجهة ، الحاكمة بالتجرّد مطلقاً ، أو التفصيل الذي عرفت ، وبهذا الوجه يمكن توجيه ما عن المقنع ، حيث قال: «ويجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا ، وإن وجدا مجرّدين ضربا مجرّدين»(3) بل ربّما نسب إلى الشيخ وجماعة(4) . وإن قال في الجواهر: وإن كنّا لم نتحقّقه(5) .
السادس: أنّه لو صار الجلد موجباً لقتله أو قتلها فلا ضمان ، والوجه فيه أنّ إجراء الحدّ من الواجبات الشرعية والوظائف اللزومية ، ولا يجوز عصيانها ، فإذا كان وظيفته كذلك فلا معنى لأن يترتّب عليه الضمان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في البحث عن موجبات الضمان ما يوضّح ذلك ، فانتظر .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 380 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح5 .
(2) سنن البيهقي: 8/221 .
(3) المقنع: 428 .
(4) الروضة البهية: 9/107 ـ 108 .
(5) جواهر الكلام: 41/361 .

(الصفحة235)

الأحوط ، ولا يجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصى ولا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو إثنتين ، والأحوط أن لا يقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ ، سيّما إذا كان ذنبه مثل ذنبه ، ولو تاب عنه بينه وبين الله جاز إقامته ، وإن كان الأقوى الكراهة مطلقاً ، ولا فرق في ذلك بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة1.


1 ـ في هذه المسألة أيضاً أحكام:
الأوّل والثاني: استحباب أمرين: أحدهما: إعلام الحاكم الناس عند إرادة إجراء الحدّ ، ليتوفّروا ويجتمعوا على حضوره . وثانيهما: أمرهم بالخروج لحضور الحدّ ، ويدلّ عليه فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في الموارد المتعدّدة ، فإنّه لا مجال للخدشة في استفادة الرجحان منه ، وإن كان لا دلالة له على الوجوب ، ومن تلك الموارد ما رواه ميثم: إنّ امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) بالزنا أربع مرّات ، فأمر قنبراً فنادى بالناس فاجتمعوا ، وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس إنّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحدّ إن شاء الله ، فعزم عليكم أمير المؤمنين لمّا خرجتم وأنتم متنكّرون ، ومعكم أحجاركم لا يتعرّف منكم أحد إلى أحد ، الحديث(1) .
وما رواه أبو بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أتاه ـ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني ، وذكر أنّه أقرّ أربع مرّات ـ إلى أن قال: ـ ثمّ نادى في الناس: يا معشر المسلمين اُخرجوا ليقام على هذا الرجل الحدّ ، ولا يعرفنّ أحدكم صاحبه ، الحديث(2) وغيرهما من الموارد .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 341 ، أبواب مقدّمات الحدود ب31 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 342 ، أبواب مقدّمات الحدود ب31 ح3 .

(الصفحة236)



الثالث: حضور طائفة من المؤمنين ، وقد جعله في المتن مقتضى الاحتياط اللزومي ، والمحكيّ عن الحلّي(1) وجماعة منهم: المحقّق(قدس سره) في النافع(2) هو الوجوب ، وعن الشيخ(3) وجماعة منهم: المحقّق في الشرائع(4) الاستحباب ، بل عن المبسوط(5)والخلاف(6) نفي الخلاف فيه .
وغير خفيّ أنّ ظاهر الآية الشريفة هو الوجوب ; لظهور الأمر فيه ، ولكن ادّعي أنّ نفي الخلاف من الشيخ يكون صارفاً له ، ولابدّ من ملاحظة مورد نفي الخلاف أوّلا ، وأنّه على تقدير كون مورده هو الاستحباب هل يصلح لصرف الآية عن ظهورها أم لا؟ فنقول:
قال الشيخ في الخلاف: «يستحبّ أن يحضر عند إقامة الحدّ على الزاني طائفة من المؤمنين بلا خلاف; لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(7)وأقلّ ذلك عشرة ، وبه قال الحسن البصري(8)  (9) .
ولا دلالة لهذه العبارة على كون مورد نفي الخلاف هو الاستحباب في مقابل الوجوب ; لاحتمال أن يكون المراد به هو الرجحان في مقابل الترك ، ويؤيّده


(1) السرائر 3/453 .
(2) المختصر النافع: 295 .
(3) النهاية: 701 .
(4) شرائع الإسلام: 4/939 .
(5) المبسوط: 8/8  .
(6) الخلاف: 5/374 مسألة 11 .
(7) سورة النور24: 2 .
(8) أحكام القرآن للجصّاص: 5/106 ، الشرح الكبير: 10/169 .
(9) الخلاف: 5/374 ـ 375 مسألة 11 .

(الصفحة237)



الاستدلال بالآية الشريفة ، ضرورة أنّ الاستدلال للاستحباب في مقابل الوجوب بالآية الشريفة ممّا لا يستقيم .
وبعبارة اُخرى إذا كان مستند الشيخ هو ظهور الآية ، فكيف يكون كلامه موجباً لصرفها عن ظهورها ، وعليه فالظّاهر أنّ مراده هو الاحتمال الثاني ، ثمّ إنّه على تقدير كون مراده هو الاحتمال الأوّل لا مجال لرفع اليد عن الظهور بسببه ، خصوصاً بعد مخالفة جماعة في ذلك والحكم بالوجوب تبعاً لظهور الآية ، وعلى ما ذكرنا فالوجوب هو الأقوى .
ثمّ إنّه ربّما يتوهّم أنّه لا يجتمع الحكم بالوجوب هنا مع الحكم بالاستحباب بالإضافة إلى الأمرين المتقدّمين ، نظراً إلى أنّ مقتضى الحكم بالوجوب في المقام هو وجوب الإعلام والأمر بالخروج ; لأنّه مقدّمة لحضور الطائفة المفروض وجوبه .
ويدفعه أنّ الإعلام والأمر بالخروج إنّما هو بالإضافة إلى عموم الناس وأفرادهم ; ليتوفّروا على حضوره ، وهذا لا ينافي وجوب حضور الطائفة ، خصوصاً لو قيل: بأنّ أقلّ الطائفة واحد ، أو إثنان ، أو ثلاثة مثلا ، ضرورة أنّ لزوم حضور هذا المقدار لا ينافي استحباب الإعلام العمومي ، والأمر بالخروج كذلك ، فتدبّر .
ثمّ إنّه قد فسّر في المتن الطائفة بالثلاثة أو أكثر ، والظّاهر كون التفسير المزبور هو مقتضى مختاره ، لا أنّه مقتضى الاحتياط اللزومي ، كما ربّما تحتمله العبارة على  بعد .
وقد وقع الاختلاف في المراد من الطائفة التي يجب أو يستحبّ شهودهم عذاب الزّانية والزّاني .


(الصفحة238)



فالمحكيّ عن القواعد(1) والنافع(2) والنهاية(3) والجامع(4) ومجمع البيان(5) وظاهر التبيان(6) ، بل حكي عن إبن عبّاس(7) أنّ أقلّها واحد ، وقد استحسنه المحقّق في الشرائع(8) لما عن الفرّاء من أنّه بمعنى القطعة(9) ، ولقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(10) فإنّ الظّاهر أنّ الآية الثانية وقع موقع التعليل للحكم بالإصلاح المذكور في الآية الاُولى ، وعليه فالتعبير عن الطائفتين بالأخوين في الآية الثانية ظاهر في أنّ أقلّ الطائفتين إثنان .
ولموثّقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) في قول الله عزّ وجل: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللهِ}(11) قال: في إقامة الحدود ، وفي


(1) قواعد الأحكام: 2/254 .
(2) المختصر النافع: 295 .
(3) النهاية: 701 .
(4) الجامع للشرائع: 549 .
(5) مجمع البيان: 7/196 .
(6) التبيان: 7/406 .
(7) الجامع لأحكام القرآن: 12/166 ، الدرّ المنثور: 5/18 ، في تفسير الآية الثانية من سورة النور ، مختلف الشيعة: 10/170 .
(8) شرائع الإسلام: 4/939 .
(9) راجع المهذّب البارع: 5/43 ، معجم مقاييس اللّغة: 3/433 ، القاموس المحيط: 3/175 .
(10) سورة الحجرات49: 9 ـ 10 .
(11) سورة النور24: 2 .

(الصفحة239)



قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال: الطائفة واحد(1) . والعجب أنّ صاحب الجواهر(2) جعل الرواية مرسلة مع أنّه مسندة موثّقة ، والظّاهر أنّ هذه الرواية هو المراد ممّا في التبيان ومجمع البيان من رواية ذلك عن الباقر (عليه السلام) .
ويؤيّدها ما رواه في المستدرك عن الجعفريّات ، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال: الطائفة من واحد إلى عشرة(3) .
وقيل: إنّ أقلّ الطائفة إثنان كما عن عكرمة(4) . لقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ . . .}(5) لأنّ أقلّ الفرقة ثلاثة ، والخارج إثنان أو واحد ، والاحتياط يقتضي اعتبار إثنين .
وقيل: أربعة كما عن الشافعي(6) ; لمناسبتها لما اعتبر في الشهادة من كونهم أربعة.
وقيل: عشرة ، كما اختاره الشيخ(قدس سره) في الخلاف في ذيل عبارته المتقدّمة ، وقد حكاه أيضاً عن الحسن البصري ولم يذكر له وجهاً .
وقيل: إنّ أقلّها ثلاثة ، وهو محكيّ عن ابن إدريس(7) وعن الزهري وقتادة(8) .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح5 .
(2) جواهر الكلام: 41/354 .
(3) مستدرك الوسائل: 18 / 75 ، أبواب حدّ الزنا ب42 ح4 .
(4) الدرّ المنثور: 5/18 ، في تفسير الآية الثانية من سورة النور ، الجامع لأحكام القرآن: 12/166 .
(5) سورة التوبة9: 122 .
(6) الاُمّ: 6/155 ، الشرح الكبير: 10/169 ، الجامع لأحكام القرآن: 12/166 .
(7) السرائر: 3/454 .
(8) أحكام القرآن للجصّاص: 5/106 ، الجامع لأحكام القرآن: 12/166 ، الشرح الكبير 10/169 ، المغني لابن قدامة: 10/137 .

(الصفحة240)



واختاره في المتن ، وقد استدلّ له بالعرف ، نظراً إلى مساوقة الطائفة للجماعة ، وأقلّ الجماعة ثلاثة ، وبأنّها من الطوف والإحاطة والاحتفاف ، فهي بمعنى جماعة تحفّ بالشيء كالحلقة ، وأقلّ ذلك ثلاثة ، وعن ابن فارس في المقاييس: «الطاء والواو والفاء» أصل واحد صحيح ، يدلّ على دوران الشيء على الشيء وأن يحفّ به ـ إلى أن قال:ـ فأمّا الطائفة من الناس فكأنّها جماعة تُطيف بالواحد أو بالشيء ، ولا تكاد العرب تحدّها بعدد معلوم ، إلاّ أنّ الفقهاء والمفسّرين يقولون فيها مرّة: إنّها أربعة فما فوقها . . . ويقولون: هي الثلاثة ، ولهم في ذلك كلام كثير ، والعربُ فيه على ما أعلمتك ، أنّ كلّ جماعة يمكن أن تحفَّ بشيء ، فهي عندهم طائفة ـ إلى أن قال:ـ ثمّ يتوسّعون في ذلك من طريق المجاز ، فيقولون: أخذت طائفة من الثوب، أي قطعة منه، وهذا على معنى المجاز; لأنّ الطائفة من الناس كالفرقة والقطعة منهم(1).
وعن الجبائي: من زعم أنّ الطائفة أقلّ من ثلاث فقد غلط من جهة اللّغة(2) .
وعن العلاّمة في المختلف(3) وبعض آخر إحالته على العرف(4) ، ولا ريب في إقتضائه الثلاثة فصاعداً كما اعترف به بعضهم .
والتحقيق أنّه لو لم يوجد في المقام رواية معتبرة ، وكان اللازم الرجوع إلى اللّغة والعرف ، فلا ريب في إقتضائهما الثلاثة فأكثر ، لِما عرفت من أنّها من الطوف والإحاطة ، وأقلّ ما يتحقّق به ذلك ثلاثة ، ومن أنّها مساوقة للجماعة التي يكون أقلّها عند العرف هو هذا المِقدار ، وهذا لا ينافي اعتبار القطعة فيها أيضاً ; لأنّه


(1) معجم مقاييس اللّغة: 3/432 ـ 433 .
(2) التبيان: 70/360 .
(3) مختلف الشيعة: 9/170 .
(4) التنقيح الرائع: 4/344 ، الروضة البهيّة: 9/96 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>