جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
القواعد الفقهية « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 301

ضامن للمالك إذا ظهر بعد التصدّق وعلم به ولم يرض(1) ، مع أنّ الملتقط لا يكون في عمله هذا إلاّ محسناً محضاً ، فكيف يكون ضامناً؟

واُجيب عنه بأنّ الشارع حكم بجواز التصدّق مع الضمان إن ظهر صاحبه ، فالتصدّق إحسان مع هذا القيد ، فصرف التصدّق بدون هذا القيد لا يكون إحساناً ; إذ لا يمكن أخذ مال الناس والتصدّق به عنهم استناداً إلى أنّه إحسان ، فالتصدّق المقيّد مصداق للإحسان ، وهذا الحكم لا يكون مختصّاً باللقطة ، بل يجري في كلّ ما هو مجهول المالك ، كالأموال المسروقة الواقعة في يده التي لا يعلم صاحبها ، والدين المجهول صاحبه ، والقُراضة في دكّان الصائغ وأمثالها .

وربما يستشكل فيها أيضاً بحكمهم بضمان الطبيب مطلقاً ، أو في خصوص ما إذا باشر العلاج بنفسه(2) ، مع أنّه لا شبهة في كونه محسناً وغرضه علاج المريض ، فكيف يكون ضامناً؟

إلاّ أن يقال بأنّ الحكم بالضمان في مثله مستند إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها الضمان(3) ، وهذه الروايات تكون بمنزلة المخصّص لقاعدة الإحسان ، وفيه تأمّل ; لإباء سياقها عن التخصيص ، كما لا يخفى .

هذا تمام الكلام في قاعدة الإحسان .

29 ذي القعدة الحرام 1408 هـ


(1) شرائع الإسلام : 3 / 292 ، تحرير الأحكام : 4 / 463 ، مسالك الأفهام : 12 / 517 ـ 518 .
(2) نكت النهاية : 3 / 420 ـ 421 ، اللمعة الدمشقية : 180 ، الروضة البهية : 10 / 108 ـ 110 ، جواهر الكلام : 43 / 46 .
(3) وسائل الشيعة : 29 / 260 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 24 .

الصفحة 305

قاعدة الاشتراك

وهي أيضاً من القواعد الفقهية المعروفة ، ويترتّب عليها فروع كثيرة ، بل قلّ ما تخلو مسألة في الفقه من الحاجة إليها والابتناء عليها ; إذ معظم الأدلّة لم يرد بعنوان قضية كلّية حتى تشمل الأشخاص والأزمان والأحوال ، بل وردت في وقائع خاصّة دعت الحاجة المكلّفين إلى السؤال عنها ، فلا عموم فيها ، والمقصود منها أنّه إذا ثبت حكم لواحد من المكلّفين أو لطائفة منهم ، ولم يكن هناك ما يدلّ على مدخليّة خصوصية لا تنطبق إلاّ على شخص خاصّ ، أو طائفة خاصّة ، أو زمان خاصّ كزمان حضور الإمام (عليه السلام)  ، فالحكم مشترك بين جميع المكلّفين رجالا ونساءً إلى يوم القيامة ; سواء كان ثبوته بخطاب لفظي أو دليل لبّي من إجماع أو غيره ، والكلام في هذه القاعدة أيضاً يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في مدركها ومستندها ، وهي اُمور متعدّدة :

الأوّل : الاتّفاق القطعي من الأصحاب على اشتراك الجميع في الحكم المتوجّه إلى بعض آحاد المكلّفين(1) ، ويشهد به استدلالهم بالخطابات الخاصّة في إثبات


(1) العناوين : 1 / 23 ، القواعد الفقهية للمحقق البجنوردي : 2 / 54 .

الصفحة 306

عموم الحكم خلفاً بعد سلف ، وكان هذا هو المتداول من الصدر الأوّل إلى يومنا هذا ، فترى مثلا في صحيحة زرارة المعروفة ـ الواردة في الاستصحاب ـ أنّ المفروض في موردها إصابة دم الرعاف أو شيء من المني إلى ثوب زرارة(1) ، والحكم الواقع في الجواب في جميع الفروض المفروضة لزرارة إنّما وقع بصورة الخطاب الشخصي متوجّهاً إلى زرارة ، وهكذا في كثير من الروايات الواردة بهذه المثابة ، ومع ذلك يستدلّون بها للحكم الكلّي ، ولم يناقش فيه أحد منهم .

ومنه يظهر عدم ارتباط ذلك بمسألة عموم الخطابات الشفاهية وعدمه ، التي هي مسألة مختلف فيها أيضاً ، وسكوتهم عن التعرّض لمسألة الاشتراك وعدم إقامة الحجّة عليه ، إنّما هو للإتّكال على كونه من المسلّم عندهم ، بل ربّما يقال : إنّه من ضروري الدين ، ولا أقلّ من كونه من ضروري الفقه .

نعم ، من الواضح أنّه لو كان قيد مأخوذاً في الموضوع كقيد الاستطاعة الوارد في دليل وجوب الحج ، فلا مجال لدعوى اقتضاء الاشتراك لثبوت التكليف لغير المستطيع أيضاً ، كما أنّه لو احتمل اشتراط التكليف بمثل وجود الإمام أو نائبه الخاصّ ، كالتكليف بوجوب صلاة الجمعة ، لا مجال لدعوى كون القاعدة مقتضية للاشتراك بالإضافة إلى زمن الغيبة أيضاً .

والإنصاف تمامية هذا الدليل وثبوت الإتّفاق بل الضرورة على ذلك ، وقد بلغ نقل الإجماع في ذلك ـ مضافاً إلى الإجماع المحصّل ـ إلى حدّ الاستفاضة ، بل التواتر(2) .

الثاني : الاستصحاب ، وتقريبه أن يقال : إذا توجّه حكم إلى بعض آحاد


(1) تهذيب الأحكام : 1 / 421 ح 1335 ، الاستبصار : 1 / 183 ح 641 ، علل الشرائع : 361 ب 80 ح 1 ، وعنها وسائل الشيعة : 3 / 466 ، كتاب الطهارة ب 37 ح 1 و ص 477 ب 41 ح 1 .
(2) يراجع العناوين : 1 / 23 .

الصفحة 307

المكلّفين أو إلى طائفة منهم ، فلا شبهة في عدم الاختصاص بذلك البعض أو تلك الطائفة بالإضافة إلى الموجودين في زمان صدور الحكم من الإمام (عليه السلام)  ، بل يعمّ الموجودين قطعاً ، وعليه : فالحكم ثابت في ذلك الزمان بالنسبة إلى الجميع ، ومع الشك في البقاء بالنسبة إلى الموجودين بعد ذلك الزمان ، يكون مقتضى الاستصحاب البقاء ، وهو معنى قاعدة الاشتراك .

واُورد عليه أوّلا : بأنّ الخطاب إذا كان متوجها إلى شخص خاصّ أو طائفة مخصوصة ، فمن أين نعلم باتّحاد الموجودين في زمان صدور الحكم مع المخاطب أو المخاطبين؟

وثانياً : أنّه إذا كان الاتّحاد بالإضافة إلى الموجودين في ذلك الزمان معلوماً ، فالإتّحاد بالإضافة إلى الموجودين في الأزمنة المتأخّرة أيضاً يكون معلوماً ، لأنّه لا خصوصية لوجودهم في ذلك الزمان ، ومع العلم لا يبقى مجال للاستصحاب .

وثالثاً : أنّ الاستصحاب إنّما تصل النوبة إليه لو لم تكن الأدلّة اللفظية قائمة على البقاء ، ومع وجودها تكون حاكمة على الاستصحاب(1) .

وأنت خبير ـ بعد وضوح عدم كون الإيراد الثالث وارداً على الدليل ; لأنّ كلّ دليل إنّما يلاحظ مستقلاًّ ومع قطع النظر عن الدليل الآخر ، وإلاّ فالإجماع القطعي الذي كان دليلا لا يبقي مجالا للاستصحاب ، مع عدم كونه دليلا لفظيّاً ـ بأنّ اشتراك الموجودين في زمن الخطاب مع المخاطبين ، إن كان من مصاديق قاعدة الاشتراك يكون الاستناد إليه أوّل الكلام ، وإلاّ فلو فرض كونه مسلّماً في نفسه وخارجاً عن قاعدة الاشتراك لا يبقى مجال للإيرادين الأوّلين .

مع أنّه يمكن تقرير الاستصحاب بنحو يكون المستصحب هو الحكم الثابت لذلك الشخص أو تلك الطائفة ، فإنّه يشك في بقائه مع زواله ، ومقتضى


(1) القواعد الفقهيّة للمحقق البجنوردي : 2 / 54 .

الصفحة 308

الاستصحاب البقاء ، ولازمه التعلّق بجميع الموجودين في الأزمنة المتأخّرة ; إذ لا معنى للبقاء مع عدم التعلّق ، كما أنّه لا معنى للبقاء مع التعلّق بواحد غير معلوم ، ولا يجري فيه إمكان الترجيح ، فتدبّر .

الثالث : ثبوت ارتكاز المتشرّعة حتى العوام منهم على أنّ حكم الله في هذه الواقعة واحد وثابت للجميع ، من دون أن يكون مختصّاً بالمخاطب ، وهذا الارتكاز لا محالة قد نشأ من مبدأ الوحي والرّسالة ، وقد انتقل من السلف إلى الخلف ، ولذا لو سأل أحد مقلّديهم من المجتهد واستفتاه في حكم موضوع ، يستفيد منه المقلّد الآخر وتتعيّن وظيفته أيضاً ، من دون حاجة إلى استفتاء جديد ، والسؤال في الروايات إنّما كان على هذا المنوال .

فإذا قال الإمام (عليه السلام) في جواب زرارة ـ الذي سأله عن إصابة المني إلى ثوبه وقد نسيه فصلّى فيه ـ : أعد صلاتك مثلا ، يكون المرتكز في ذهن المتشرّعة ثبوت هذا الحكم بالإضافة إلى جميع من كان منطبقاً عليه مفروض السؤال وإن كان المخاطب بحسب اللفظ والبيان هو زرارة ، وهذا لا ينافي اختصاص بعض التكاليف ببعض الطوائف أو بعض الأشخاص ; فإنّ المراد من الاشتراك عدم اختصاص التكليف بمن توجّه الخطاب إليه .

وهذا لا ينافي كون موضوع الحكم ـ أي المكلّف ـ مقيّداً ببعض القيود أو متّصفاً ببعض الصفات ، أو كونه من طائفة خاصّة أو كونه من الرجال أو من النساء ; لأنّه ليس المراد من قاعدة الاشتراك اشتراك جميع المكلّفين ; سواء كانوا واجدين لقيود موضوع الحكم أم لم يكونوا واجدين لها ، فالاشتراك في تكليف الحج مرجعه إلى ثبوت وجوبه لكلّ مستطيع ، لا وجوبه على الكلّ ، مستطيعاً كان أم لم يكن ، كما مرّ في الدليل الأوّل .

الرّابع : أنّه قد ثبت في محلّه بمقتضى الأخبار وتسلّم الأخيار أنّه لا يخلو شيء

الصفحة 309

من الوقائع المبتلى بها عن حكم من الأحكام الإلهيّة ، فإذا ثبت حكم لأحد مثل زرارة في المثال المتقدّم ، فاللازم الحكم بثبوته لغيره ممّن هو مثله في الجهات الراجعة إلى الحكم ; إذ مع عدم ثبوته لغيره لابدّ إمّا من الالتزام بخلوّ نفس هذه الواقعة بالإضافة إلى غيره عن الحكم ، فينافي مع ما دلّت عليه الأخبار والتزم به الأخيار ، وإمّا من الالتزام بجعل مثله بالنسبة إلى الغير بجعل مستقلّ جديد ، والمفروض أنّه لا دليل على هذا الجعل ; إذ الفرض أنّ الدليل في المسألة منحصر بما ورد في قصّة زرارة مثلا ، ولا دليل على جعل آخر بنحو العموم كما لا يخفى .

والظاهر أنّه إلى هذا الدليل ينظر كلام بعض المحققين  ، حيث إنّه يقول في ما حكي عنه : والقول بأنّ الكون في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) دخيل في اتّحاد الصنف الذي هو شرط شمول الخطابات ، هدم لأساس الشريعة ; وذلك من جهة أنّ الأحكام إن كانت مخصوصة بالحاضرين في مجلس النبيّ (صلى الله عليه وآله) المخاطبين ، أو مطلق الموجودين في ذلك الزمان فقط ، فانتهى أمر الدين ـ العياذ بالله ـ وتكون الناس بعد ذلك كالبهائم والمجانين . وهذا أمر باطل بالضرورة ; لأنّه يوجب هدم أساس الدين .

فإدّعاء الضرورة على اشتراك الجميع في التكاليف لا بعد فيه ، بل هو كذلك(1) .

الخامس : دلالة نفس الأدلّة اللفظية الواردة في موارد خاصّة على العموم ، بحسب المتفاهم العرفي والظهور العقلائي المعتبر في باب دلالة الألفاظ ، فإذا سأل سائل عن حكم رجل شك في الصلاة بين الثلاث والأربع ، لا ينسبق إلى أذهان العرف إلاّ كون مورد السؤال نفس الشك بين الثلاث والأربع ، من دون أن يكون للرّجولية خصوصية في ذلك ، ولذا يجرى الجواب المتصدّي لبيان الحكم في النساء أيضاً ، وفي مثال زرارة المتقدم يكون المتفاهم العرفي من سؤال زرارة هو إصابة


(1) القواعد الفقهية للمحقق البجنوردي : 2 / 56 .

الصفحة 310

ثوب المكلّف وملاقاة الدم أو شيء من المني له ، لا إصابة شيء من ذلك إلى ثوب زرارة وإن كان الثوب مضافاً إليه ، ففي الحقيقة يكون مقتضى هذا الدليل عموم نفس ذلك الدليل اللفظي ، وعدم كون الخصوصية دخيلة بنظر العرف والعقلاء أصلا .

السادس : ما ربّما يقال من تنقيح المناط القطعي ; نظراً إلى أنّ الأحكام التابعة للمفاسد والمصالح النفس الأمريّة لا تختلف بحسب أفراد المكلّفين ; للزوم دفع المضرّة وجلب المنفعة اللازمة على الكل .

ودعوى أنّ المفروض تبعيّتها للوجوه والاعتبارات ولعلّ للخصوصية مدخلية ، مدفوعة بأنّ المراد بالوجوه والاعتبار ما عدا خصوصيات المكلّفين من حيث هم كذلك ; لأنّها أشخاص مختلفة لا يدور مدارها الاُمور نفس الأمرية ، بل مدارها على المفاهيم العامّة ، كالمريض والصحيح ، والمسافر والحاضر ، ونحو ذلك من الصفات اللاحقة للمكلّفين أو العارضة للأفعال . وأمّا مع إتّحاد ذلك فخصوص زيد وعمرو لا دخل له في ذلك .

ودعوى انتقاضه بخصائص النبيّ (صلى الله عليه وآله)  ، مدفوعة بعدم كون الخصائص لشخصه ، بل إنّما هو لعنوان كلّي ، غاية الأمر انحصار ذلك العنوان في فرد واحد ومصداق فارد ، ويؤيّد هذا الدليل طريقة العقلاء ; فإنّهم إذا رأوا رجلا فعل فعلا فتضرّر به ، أو فعل فعلا فانتفع به ; فإنّهم يجتنبون عن الأوّل ويرتكبون الثاني ، ولا يلتفتون إلى احتمال الخصوصية أصلا(1) .

السابع : الرّوايات الواردة في المقام الدالّة على اشتراك أحكام الله تبارك وتعالى بين الكلّ ، وعدم مدخلية خصوصية الأشخاص والعوارض المشخصّة لهم ، ككونه أباً لفلان أو إبناً له ، أو لونه كذا ، أو قبيلته فلان ، أو سنّه كذا ، أو حرفته


(1) العناوين : 1 / 24 .

الصفحة 311

كذا أو علمه كذا ، وأمثال ذلك ، وهي كثيرة :

منها : ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد ، عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل في كتاب الجهاد ، في باب من يجوز له جمع العساكر والخروج بها إلى الجهاد ، قال (عليه السلام) فيه بعد كلام طويل في شرائط من يتصدّي لجمع العساكر للجهاد : لأنّ حكم الله ـ عزّ وجلّ ـ في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء ، إلاّ من علّة أو حادث يكون ، والأوّلون والآخرون أيضاً في منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون من أداء الفرائض عمّا يسأل عنه الأوّلون ، ويحاسبون عمّا به يحاسبون(1) .

ومنها : النبوي المشهور : حكمي على الواحد حكمي على الجماعة(2) ، وظهوره في الاشتراك ـ بعد كون المراد بالجماعة هو العموم لا جماعة خاصّة ـ إنّما هو بلحاظ أنّ الظاهر منه أنّ حكمي الذي هو حكم الله على أحدكم لأجل كونه مخاطباً أو مورداً ، لا يختصّ بذلك المخاطب أو ذلك المورد ، بل يعمّ الجميع ، فدلالته على الاشتراك ظاهرة .

ومنها : قوله (عليه السلام) في الخبر المشهور : حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال أبداً إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة(3) ، وتقريب دلالته ـ بعد وضوح أنّ


(1) الكافي : 5 / 18 قطعة من ح1 ، تهذيب الأحكام : 6 / 133 قطعة من ح 224 ، وعنهما وسائل الشيعة : 15 / 39 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ب 9 قطعة من ح 1 .
(2) عوالي اللئالي : 1 / 456 ح 197 ، وعنه بحار الأنوار : 2 / 272 ح 4 ، ورواه السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : 67 ح 199 .
(3) الكافي : 1 / 58 ح 19 ، وأخرجه في وسائل الشيعة : 27 / 169 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 12 ح 52 والبحار : 2 / 260 ح 17 و ج 74 / 280 ح 7 عن كنز الفوائد للكراجكي : 1 / 352 ، وفي ج 11 / 56 ح 55 عن المحاسن : 1 / 420 ح 963 ، وفي ج 16 / 353 ـ 354 ح 38 عن الكافي : 2 / 17 ح 2 ، وفي ج 68 / 326 ح 2 عن المحاسن والكافي ، وفي ج 47 / 35 ملحق ح 33 عن كشف الغمّة : 2 / 197 ، وفي ج 93 / 3 عن رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني ، المطبوع مع جامع الأخبار والاثار : 3 / 64

الصفحة 312

المراد بالإضافة هو حلال الله وحرامه ، وإضافته إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما هي بلحاظ كونه واسطة في الوحي ومبلّغاً لأحكام الله تعالى ، وبعد وضوح أنّ المراد ليس خصوص الحلال والحرام من بين الأحكام ، بل المقصود جميع الأحكام الإلهية والقوانين السّماوية ـ أنّ بقاء الأحكام إلى يوم القيامة مرجعه إلى عدم الاختصاص بزمان ولا بشخص أو طائفة ، ضرورة أنّه إذا كان جميع الأزمنة متساوية من حيث الحكم ، فلا محالة يشترك جميع المكلّفين فيه ، ومعناه تساوي الأوّلين والآخرين في ذلك ، فإذا كان هذا التساوي ثابتاً ، فالتساوي في زمن صدور الحكم بين المخاطب وغيره يكون بطريق أولى ، بل يستفاد من الرواية مفروغيته .

ومنها : قوله (صلى الله عليه وآله)  : فليبلّغ الشاهد الغائب(1) ، فإنّ إيجاب تبليغ الشاهد الغائب لا يكون له وجه إلاّ اشتراكهما في ثبوت الحكم وتحقّق التكليف ; لأنّه لا مجال له مع عدم الاشتراك ، وإطلاق الغائب ينفي خصوص جماعة من الغائبين ، بل يشمل الغائب المعدوم في زمن الخطاب الموجود بعده أيضاً .

ومنها : قوله (صلى الله عليه وآله) : اُوصي الشاهد من اُمّتي والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة ، أن يصل الرّحم(2) ، ومن الواضح أنّه لا خصوصية لصلة الرحم من بين الأحكام . ودعوى أنّ التصريح بالاشتراك في


(1) كتاب سليم بن قيس : 205 ، وعنها بحار الأنوار : 22 / 150 ذ ح 142 ، وفي ص 478 ح 27 عن الطرف : 20 ، الطرفة الحادية عشرة ، وفي ج 10 / 143 ، قطعة من ح 5 و ج 44 / 63 قطعة من ح 12 عن أمالي الطوسي : 560 و566 قطعة من ح 1173 و 1174 ، وفي ج 28 / 206 ح 6 و ج 38 / 173 قطعة من ح 1 عن الخصال : 371 قطعة من ح 85 ، وفي ج 28 / 263 قطعة من ح 45 عن كتاب سليم بن قيس : 30 والاحتجاج : 1 / 205 . ورواه في الكافي : 8 / 344 ح 541 .
(2) الكافي : 2 / 151 ح 5 ، وعنه البحار : 74 / 114 ح 73 ، وفي ص 105 ح 68 عن عدّة الداعي : 90 ، وفي مستدرك الوسائل : 15 / 236 ح 18107 عن مشكاة الأنوار : 287 ح 863 .

الصفحة 313

خصوص صلة الرحم لعلّه كان لأجل خصوصيّة فيه دون غيره ، مدفوعة بوضوح خلافها .

ومنها : غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها الاشتراك ، كالروايات الواردة في إرجاع الناس إلى جماعة من الرواة ونقلة الحديث ، كزرارة(1) ، وزكريّا ابن آدم(2) ، ويونس بن عبد الرحمن(3) ، وأمثالهم(4) ; فإنّ هذا الإرجاع لا يكاد يصحّ إلاّ مع كون الحكم الذي تعلّمه الراوي من الإمام (عليه السلام) وأخذه منه مشتركاً بين العموم ، وإلاّ فلو كان الحكم في مثال زرارة المتقدّم منحصراً(5) به ; باعتبار كونه المخاطب بالإعادة مثلا ، لما كان وجه لإرجاع النّاس إليه .

ودعوى كون الإرجاع محدوداً بالأحكام الخالية عن الخطاب ، المتعلّقة بالعناوين العامّة ، مدفوعة بوضوح عدم محدوديّة دائرة الإرجاع ، ضرورة أنّه إذا رجع مكلّف إلى زرارة في المثال المتقدّم لما كان زرارة آبياً عن جوابه نظراً إلى كونه المخاطب ، كما لا يخفى .

الثامن : ما جعله المحقق البجنوردي (قدس سره) وجهاً وجيهاً ، وما هو التحقيق عنده ، وملخّصه : أنّ جعل الأحكام من الأزل على الموضوعات المقدّرة الوجود على نحو القضايا الحقيقيّة ، وليس من قبيل القضايا الخارجيّة حتى تكون تسريته إلى غير


(1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي : 133 رقم 211 و ص 135 رقم 216 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 17 و 19 .
(2) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي : 594 رقم 1112 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 146 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 27 .
(3) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي : 490 رقم 935 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 147 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 33 .
(4) اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي : 171 رقم 291 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 15 .
(5) في ص 306 .

الصفحة 314

الحاضرين في مجلس الخطاب ، أو غير الموجودين في ذلك الزمان بدليل الاشتراك ، بل شموله للحاضرين والغائبين والمعدومين على نسق واحد .

كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية الكلية ; سواء كان إخباراً أو إنشاءً ، فقول الله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}(1) ، في قوّة أن يقال بصورة الجملة الخبريّة : «كلّ إنسان مستطيع يجب عليه الحجّ» ، يشمل الموجودين والمعدومين في عرض واحد .

وبعبارة اُخرى : حيث إنّ الله ـ تعالى ـ عالم في الأزل بوجود المصلحة الملزمة في الفعل الفلاني الصادر من شخص متّصف بكذا وكذا . وهذا العلم علّة لجعل الوجوب متعلّقاً به ـ فلا محالة يحصل الجعل ، فيكون الفعل واجباً على كلّ شخص كان مصداقاً لذلك العنوان مع القيود المأخوذة فيه ، ونسبة الحكم إلى جميع المصاديق في عرض واحد ، ولو كان بين أفراد ذلك الموضوع تقدّم وتأخّر بحسب الوجود ـ إلى أن قال : ـ فلا يبقى محلّ ومجال لدليل الاشتراك .

وفي الحقيقة هذا الوجه يوجب هدم هذه القاعدة ، ولا يبقى معه احتياج إلى تلك القاعدة(2) .

أقول : قد مرّت الإشارة إلى أنّ مورد قاعدة الاشتراك ما إذا لم يكن بيان الحكم بصورة القضية الحقيقية ، أو بما يرجع إليها ، مثل قوله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} . فإن كان مراده أنّ بيان جميع الأحكام إنّما يكون بهذه الصورة حتى مثل قوله (عليه السلام)  : «أعد» مخاطباً لزرارة في المثال المتقدّم ، بحيث كان مرجعه إلى أنّ الحكم في مثله إنّما يكون بنحو كلّي وبهذه الصورة ، فيدفعه وضوح خلافه ، بل إنّما نرى الاختلاف بين الرجال والنساء في كثير من الأحكام ،


(1) سورة آل عمران 3 : 97 .
(2) القواعد الفقهية للمحقق البجنوردي : 2 / 62 ـ 63 .

الصفحة 315

وهذا لا ينافي ما تقدّم منّا من إلغاء الخصوصيّة في مثله(1) ، فتدبرّ .

وإن كان مراده أنّه لا مجال لدليل الاشتراك فيما إذا كان بيان الحكم بصورة القضيّة الحقيقيّة ، فهذا لا ينافي ثبوت القاعدة في غير هذه الصورة ، كما في مثال زرارة المتقدّم(2) .

التاسع : مفهوم ما دلّ على الاختصاص في بعض المقامات ; كقوله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}(3) ، والنصوص في أنّ الرجل يفعل كذا ، والمرأة تفعل كذا ; فإنّها دالّة على أنّ غير ما نصّ فيه على الاختصاص شامل للعموم .

فانقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام ثبوت المستند بل المستندات لقاعدة الاشتراك ، وأنّه لا مجال للخدشة فيها من حيث المدرك بوجه .

المقام الثاني : في مُفاد قاعدة الاشتراك والمراد منها ، وقد مرّت الإشارة إليه مراراً ، ولمزيد التوضيح نقول : إنّ محلّ الاستفادة من القاعدة ما إذا توجّه حكم إلى شخص أو طائفة بحيث كان المخاطب في بيان الحكم وثبوته هو ذلك الشخص أو الطائفة ، ولا يشمل دليل الحكم بحسب الدّلالة اللفظية غيرهما ، فدليل الاشتراك يوجب التعميم وإثبات الحكم لكلّ من كان مصداقاً لما اُخذ موضوعاً لذلك الحكم ; يعني كان متّحد الصنف مع ذلك الشخص أو تلك الطائفة ، كما في مثال زرارة الذي مرّت الإشارة إليه مراراً .

وأمّا لو كان الحكم مبيّناً بصورة القضية الحقيقية أو بما يرجع إليها ، فلا مجال لقاعدة الاشتراك ; لشمول الدليل بحسب الدلالة اللفظية للمعدومين كما يشمل الموجودين ، فقوله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ،


(1) في ص 305 و 308 ـ 309 .
(2) في ص 306 .
(3) سورة الإسراء : 17 / 79 .

الصفحة 316

كما يدلّ على وجوب الحجّ على المستطيع الموجود في زمان نزول الآية وصدور الحكم ، كذلك يدلّ على وجوبه على المستطيع الذي يوجد بعداً ، والدلالة عليه في عرض الدلالة على الأوّل ، وفي مثله لا حاجة إلى قاعدة الاشتراك أصلا .

المقام الثالث : في موارد تطبيق هذه القاعدة ، وقد ذكرنا(1) أنّ موارد تطبيقها كثيرة جدّاً ، وأنّ هذه القاعدة مورد للحاجة في جميع أبواب الفقه ; من أوّل كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات ; فإنّه ما من مسألة إلاّ وقد وردت فيها رواية أو روايات يكون موردها أو المخاطب فيها شخصاً أو طائفة ، وتحتاج تسرية الحكم إلى قاعدة الاشتراك ، مثل صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب المستدلّ بها على حجية الاستصحاب ; فإنّ موردها والمخاطب فيها زرارة ، وقد وقع فيها التعبير بقوله (عليه السلام)  : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً(2) ، وترى مثله في أكثر أبواب الفقه ، ولا يبعد أن يقال بابتناء الفقه على هذه القاعدة ; لأنّ بيان الحكم بصورة القضيّة الحقيقية أو بما يرجع إليها لا يبلغ من الكثرة مقدار موارد قاعدة الاشتراك ، كما يظهر بالمراجعة إلى الكتب الفقهية الاستدلاليّة والأحاديث الواردة في المسائل الفقهيّة ، فراجع .

المقام الرابع : في بيان الموارد التي قيل بانخرام القاعدة فيها ، وهي متعدّدة :

منها : مسألة الظهر والبطن في الوضوءللرجلوالمرأة ;فإنّه يستحبّ على الرجل صبّ الماء ابتداءً على ظهر اليد ، وعلى المرأة صبّه كذلك على بطنها ، وقد ورد فيه رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : فرض الله على النساءفي الوضوء للصلاة أن يبتدأن بباطن أذرعهنّ ، وفي الرجال بظاهر الذراع(3) .


(1) في ص 305 .
(2) تقدمت في ص 306 .
(3) الكافي : 3 / 28 ح 6 ، تهذيب الأحكام 1 : / 76 ح 193 ، وعنهما وسائل الشيعة : 1 / 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب 40 ح 1 .

الصفحة 317

ومنها : مسألة الستر الواجب شرطاً في الصلاة ، فإنّه يجب على الرجل ستر العورتين فقط ، وعلى المرأة ستر تمام البدن ، ما عدا الوجه والكفين والقدمين ، وقد وردت فيه روايات متعدّدة يستفاد منها التفصيل بهذه الكيفية(1) ، وهكذا الستر الواجب نفسيّاً وإن كان بعض المستثنيات للمرأة محلّ مناقشة وإشكال .

ومنها : مسألة الجهر والإخفات ، فإنّه يتعيّن على الرّجل الجهر في الصلوات الجهرية ، وعلى المرأة الإخفات فيها ، ولا أقلّ من عدم تعيّن الجهر عليها .

ومنها : مسألة لبس الذهب والحرير ; فإنّه لا يجوز للرجال مطلقاً لا في حال الصلاة ولا في غيرها ، بخلاف النساء ، فإنّه يجوز لبسهنّ لهما مطلقاً .

ومنها : غير ذلك من الموارد الكثيرة ، مثل كيفيات قيامها وقعودها في الصلاة ، وجواز لبس المخيط في الإحرام ، وعدم وجوب الجهاد ابتداءً عليها ، وقبول توبتها إذا كانت مرتدّة عن فطرة ، وعدم الجزّ والتغريب عليها في باب الزّنا ، وعدم جواز إمامتها للرجال ، وعدم رجحان خروجها إلى المسجد ، وعدم وجوب الجمعة عليها ، وتحريم لبس ما يستر ظهر القدم والتظليل في الإحرام للرجل دون المرأة ، وإفاضتها من المشعر قبل الفجر ، وغير ذلك من الموارد .

هذا ، والظاهر أنّ خروج هذه الموارد عن قاعدة الاشتراك ليس بنحو التخصيص حتى يوجب انخرام القاعدة ، بل بنحو التخصّص الذي مرجعه إلى عدم كونه داخلا في القاعدة من الأوّل ; ضرورة أنّ موردها كما عرفت مراراً ما إذا ورد حكم في مورد أو خطاب إلى شخص أو طائفة ، ولم يقم دليل على الاختصاص ولا على عدمه ، وكان غير ذلك المورد أو غير ذلك الشخص أو الطائفة متّحداً معه في


(1) وسائل الشيعة : 2 / 34 ، كتاب الطهارة ، أبواب آداب الحمام ب 4 و ج 4 / 405 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ب 28 .

الصفحة 318

الجهات والخصوصيات ، فمقتضى قاعدة الاشتراك هو العموم والشمول .

وأمّا لو كان الدليل بنفسه دالاًّ على الاختصاص فلا مجال لقاعدة الاشتراك ، فإذا دلّ الدليل على الفرق بين الرجل والمرأة في الجهر والإخفات ، وفي الستر الواجب نفساً أو شرطاً ، وكذا في باب الوضوء وحدّ الزنا ومثلها ، فلا يكون مثله مورداً للقاعدة حتى يكون خارجاً عنها ، أفهل يمكن أن يقال بأنّ المسافر والحاضر خارجان عن القاعدة تخصيصاً؟ أو المستطيع وغير المستطيع في باب الحجّ أو العناوين التسعة المرفوعة في حديث الرفع(1) ، فهل رفع الحرمة عن شرب الخمر الواقع إكراهاً قد خرج عن القاعدة كذلك؟ من الواضح خلافه ; فإنّ قيام الدليل على اختصاص حكم بعنوان يوجب خروجه عن مجرى القاعدة تخصّصاً ، فالظاهر عدم انخرام القاعدة في شيء من الموارد .

خاتمة : قال صاحب العناوين : إنّ فقهاءنا قد يمنعون إجراء حكم صدر في واقعة في غيرها ، ويقولون : إنّه قضية في واقعة .

وتحقيق القول فيه : أنّ القضايا الواقعة في مقامات خاصة إن كانت عناوينها معلومة من لفظ المعصوم أو السائل الذي اُجيب عنه فهو متّبع ، يطّرد الحكم في مقاماتها كافّة ; لما مرّ من القاعدة ـ يعني قاعدة الاشتراك ـ إلاّ إذا عارض ذلك دليل أقوى منه ، فيأوّل بأحد التأويلات ـ ومنها : احتمال الخصوصية في ذلك ـ وإن كان خلاف الظاهر ، وأمّا بدونه فلا وجه لردّه بأنّه قضية في واقعة .

نعم ، لو نقله ناقل شاهَدَ الواقعة ـ كما في قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ فهناك محلّ البحث ، يحتمل أن يقال : إنّه يعمّ الجميع اتباعاً للفظ الناقل وعنوانه الذي عبّر به ،


(1) التوحيد : 353 ح 24 ، الخصال : 417 ح 9 ، الكافي : 2 / 335 ح 2 ، الفقيه 1 / 36 ح 132 ، وعنها وسائل الشيعة : 7 / 293 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2 ، و ج 8 / 249 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2 ، و ج 15 / 369 و 370 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب 56 ح 1 و 3 .

الصفحة 319

لأصالة عدم مدخلية شيء آخر في ذلك ، ويحتمل القول بالمنع ; لأنّ الناقل لا يتمكّن غالباً من الالتفات إلى كلّ ما له مدخل في ذلك الحكم ، فيتخيّل عدم مدخلية شيء سوى ما ذكره .

والذي أراه الوجه الأوّل ما لم يعارضه معارض أقوى ; لأنّ الثقة لا يعلّق الحكم على موضوع إلاّ مع فهمه كونه المناط في ذلك ، ولا يجوز له التعبير بالأعمّ إذا احتمل إرادة الخصوصية ، فينحلّ في الحقيقة إلى الإخبار بنوع الواقعة وحكمها ، وخبر الثقة حجّة في ذلك .

ولعلّ قولهم : «إنّه قضيّة في واقعة» ، إنّما هو مع قوّة المعارض ، كما يشهد به تتبع كتب الفاضل العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ وشيخنا الشهيد ـ قدّس روحه السّعيد ـ وإلاّ فقد تراهم يتمسّكون بالوقائع الخاصّة لعموم الحكم في الحدود والتعزيرات كثيراً ، وفي غيرها كذلك . واحتمال فهمهم من ذلك عدم الخصوصية بعيد جدّاً(1) .

ومحصّله : أنّ حمل الحكم على كونه في واقعة خاصّة أو على أنّ القضية شخصية إنّما هو في صورة وجود المعارض الأقوى ، ومن الواضح أنّ هذه الصورة خارجة عن مجرى قاعدة الاشتراك ، كما عرفت .

هذا تمام الكلام في قاعدة الاشتراك .

8 ذي الحجّة الحرام 1408 هـ


(1) العناوين : 1 / 28 ـ 29 .

الصفحة 323

قاعدة اشتراك الكفّار مع المؤمنين في التكليف

وهذه القاعدة أيضاً من القواعد المعروفة المشهورة ، والبحث فيها يستدعي التكلّم في مقامات :

المقام الأوّل : في مستند هذا الاشتراك الذي يرجع إلى عدم شرطية الإيمان المقابل للكفر في باب التكاليف والأحكام ، وهو اُمور :

الأوّل : ثبوت الشهرة وتحققها من فقهائنا قديماً وحديثاً على وفقه(1) ، بل يظهر من عبارة كثير من الأصحاب دعوى الإجماع عليه ; فإنّهم يعبّرون عنه بلفظ عندنا وعند علمائنا ونحو ذلك(2) ، بل ربما يقال : إنّه من ضروريات مذهب الإمامية ، والظاهر أنّ المراد كونه من ضروريات فقههم لاضروريات مذهبهم . ولكنّ الظاهر أنّه لا حجية لهذا الإجماع ; لأنّه ـ مضافاًالى وجود المخالف في المسألة كالمحدّث الكاشاني(3) والأمين الأسترابادي(4) وصاحب الحدائق(5) على ما حكي


(1، 2) الحدائق الناضرة : 3 / 39 ، العناوين : 1 / 23 ، مجمع الفائدة والبرهان : 3 / 236 ، ذخيرة المعاد : 563 ، مصباح الفقيه : 3 / 268 ، العناوين : 2 / 714 ، وغيرها ممّا تقدّم في ص 255 .
(3) الوافي : 2 / 82 ذ ح 523 ، تفسير الصافي : 2 / 394 .
(4) الفوائد المدنية : 202 ـ 226 .
(5) الحدائق الناضرة : 3 / 39 / 40 .

الصفحة 324

عنهم ، وإلى أنّ الإجماع المنقول لا حجية فيه كما بيّن في محلّه ـ لا يكون هذا الإجماع كاشفاً ; لاحتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية ، فلايكون للإجماع أصالة وكاشفية بوجه .

الثاني : إطلاق أدلّة التكاليف وعدم تقييد العناوين المأخوذة فيها بقيد الإيمان غالباً ، كما في مثل قوله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}(1) ، وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا}(2) ، وغيرهما ممّا هو شامل للكافر أيضاً وأمّا ما وقع فيه عنوان المؤمن ، كقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(3) إلى آخر الآية . وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الْصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(4) إلى آخر الآية . وغيرهما من الآيات التي وقع فيها بيان التكليف بصورة الخطاب للمؤمنين(5) .

فالظاهر أنّه لا دلالة فيه على الاختصاص ، بل الخطاب إلى المؤمنين إنّما هو لأجل كونهم متصدّين لإطاعة التكاليف والإتيان بالوظائف ، وإلاّ فربّما وقع هذا النحو من التعبير في باب الاُصول الاعتقادية ، مع أنّه لا شبهة في اشتراك الكفّار مع المؤمنين في هذه المسائل ; ضرورة أنّ الكافر يجب عليه أن يرفع اليد من الكفر ويؤمن بما آمن به المؤمن ، كقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ}(6) إلى


(1) سورة آل عمران 3 : 97 .
(2) سورة النساء 4 : 1 .
(3) سورة البقرة : 2 / 183 .
(4) سورة المائدة 5 : 6 .
(5) كسورة التحريم 66 : 8 .
(6) سورة النساء 4 : 136 .

الصفحة 325

آخر الآية . فيستفاد منه أنّ تخصيص الخطاب بالمؤمنين ليس لأجل اختصاص الحكم بهم .

نعم ، قد يقع بيان الحكم بصورة الخطاب إلى شخص خاصّ أو طائفة خاصّة ، كزرارة مثلا ، وفي مثله تجرى قاعدة الاشتراك المتقدّمة ، ومقتضاها عدم الفرق بين المؤمن والكافر أيضاً ، كما لا يخفى .

الثالث : ما ربما يقال من أنّه لا ريب في كون الكفّار مكلّفين بالإيمان ، وقد ورد في بعض الأخبار أنّ الإيمان ليس مجرّد الاعتقاد بالعقائد الحقّة ، بل هو مع العمل بالأركان وإطاعة الوظائف والأحكام(1) .

واُورد عليه بأنّ الإيمان ليس هي المواظبة على جميع الأحكام قطعاً ، والترجيح لبعض الأحكام لا وجه له ، ولا ريب أنّ فاعل المحرّمات وتارك الواجبات مع اعتقاده العقائد الحقّة يسمّى مؤمناً مسلماً ، فما في الرواية المتقدّمة يكون تعريفاً للإيمان الكامل ، كقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(2) (3) .

الرّابع : بعض الآيات الظاهرة في أنّهم مكلّفون بالفروع ، كقوله تعالى حكاية عنهم بعد السؤال عنهم عن أنّه{مَاسَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّانَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}(4) .


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)  : 2 / 125 ب 35 قطعة من ح1 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 168 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب 46 ح 33 والبحار : 68 / 262 ـ 263 قطعة من ح 20 ، وفي البحار : 68 / 256 ح 15 عن الكافي : 2 / 27 ح 1 ، ويراجع الكافي : 2 / 33 باب أنّ الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلّها .
(2) سورة الأنفال 8 : 2 .
(3) العناوين : 2 / 715 / 716 .
(4) سورة المدّثّر 74 : 42 ـ 46 .

الصفحة 326

وقوله تعالى : {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى}(1) . وقوله تعالى : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِالاْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}(2) .

واُورد عليه بأنّ قوله تعالى : {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} ، لا دلالة على كونهم مكلّفين بالصلاة في حال الكفر ، بل لعلّ المراد أنّه لو آمنّا وصرنا مكلّفين بالصلاة وصلّينا لنجونا ، ولكن لم نك من المصلّين ; لعدم كوننا من المسلمين ، وكذا قوله تعالى : {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} لا يدلّ على التكليف بالصلاة في حال عدم التصديق ، بل مثل هذه العبارة يقال كثيراً في الأمرين المترتّبين أو الاُمور المترتبة ; فإنّه إذا قيل لزيد : «أضف عمراً ، وإذا أضفته فأعطه درهماً» ، فإنّ الإعطاء وجوبه مشروط بالضيافة ، بحيث لو لم يمكن الضيافة لا يجب الإعطاء ، فإذا ترك زيد كليهما يقال : «لا أضاف ولا أعطى» ، ولا يلزم وجوب كلّ منهما وجوباً مطلقاً(3) .

هذا ، والظاهر كون هذا الإيراد مخالفاً لظاهر الآية ; فإنّ ذكر ترك الصلاة أوّلا بعنوان العلّة الموجبة للسلوك في سقر لا يلائم مع عدم التكليف بها في حال الكفر ، وبعبارة اُخرى : إذا لم يكن الكافر مكلّفاً بالصلاة أصلا ، فلا وجه لأن يقال : إن بان ترك الصلاة صار موجباً لوقوعه في سقر في رديف الخوض مع الخائضين ، والتكذيب بيوم الدين الذي هو عبارة اُخرى عن الكفر ، فالظاهر تمامية الاستدلال بالآية ، وكذا بالآيتين بعدها .

نعم ، أجاب صاحب الحدائق عن الآية الاُولى بأنّ المراد من قوله تعالى : {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} أنّه لم نك من أتباع الأئـمة  (عليهم السلام) ، كما في تفسير عليّ بن إبراهيم(4) ،


(1) سورة القيامة 75 : 31 .
(2) سورة فصلت 41 : 6 ـ 7 .
(3) العناوين : 2 / 716 .
(4) تفسير القمّي : 2 / 395 .

الصفحة 327

فيكون المصلّي بمعنى الذي يلي السابق(1)(2) .

ويدفعه وضوح كونه خلاف ظاهر الآية ، خصوصاً مع ملاحظة قوله : {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ، والرواية لعلّها ناظرة إلى كونه من بطون القرآن .

الخامس : ما ربما يقال : من أنّه لولا تكليف الكفّار بالفروع يلزم أن يكون الكافر القاتل للنبيّ (صلى الله عليه وآله) والمعين له من الكفّار متساويين في العقاب ; لفرض عدم التكليف ، مع أنّ ضرورة العقل قاضية بخلافه ، وليس ذلك إلاّ من جهة كونه معاقباً على الفروع ومكلّفاً بها كالاُصول(3) .

وربما يجاب بأنّ عدم تساويهما لا يستلزم كونهما مكلّفين بفروع شرع الإسلام ; لأنّه يمكن أن تكون العلّة هي قبح القتل في شرع الكفر أيضاً .

وردّ هذا الجواب بأنّ ثبوت الإسلام ناسخ للشرائع السّابقة ، فلا دين غيره حتى يكون التفاوت لأجل مخالفة ذلك الدين دون الإسلام ، فلا ينافي عدم كونه مكلّفاً في شرعنا الذي هو محلّ الخلاف في هذا المقام .

وقال صاحب العناوين : يمكن أن يقال : إنّ نزاع التكليف بالفروع إنّما هو في الفروع الثابتة بالشرع ابتداءً ، وأمّا ما يستقل به العقل ـ كالظلم والقتل ونحو ذلك ـ فلا بحث في كون الكافر مؤاخذاً به ومعاقباً عليه .

وما ذكرته من المثال إنّما هو من الثاني دون الأوّل ، أو يقال : إنّ نسخ الإسلام للشرائع السّابقة فيما استقلّ به العقل ممنوع ، بل هو باق على حكم الشرائع السّابقة ، فيكون العقاب لقبحه في شرعهم كشرعنا ، ومجرّد فرض كون العقاب إنّما هو لمخالفة هذا الشرع دون السابق إنّما ينفع في إثبات كون شرعنا مطاعاً من حيث هو كذلك ،


(1) الكافي : 1 / 419 ح 38 .
(2) الحدائق الناضرة : 3 / 43 .
(3) العناوين : 2 / 715 .

الصفحة 328

فما وافق الشرع السابق أيضاً يؤخذ من حيث كونه من شرعنا ، لا من حيث كونه من الشرع السابق ، ولا من حيث الاجتماع ، ولا ينفع في مقامنا هذا ; إذ الدليل قضى بالتفاوت بين القاتل والمعين ، وأمّا أنّ ذلك لجهة شرعنا أم لا ، فلا يقضي به ذلك(1) .

أقول : عطف القتل على الظّلم فيما استقلّ العقل بقبحه ممنوع ; لأنّ القتل ربما ينطبق عليه بعض العناوين المحسّنة بل المشتملة على المصلحة الملزمة ، فيستدعي وجوبه ، ولا أقلّ مشروعيته وجوازه ، كالقتل الواقع قصاصاً ، والقتل الواقع حدّاً ، وليس شيء ممّا يستقلّ به العقل خارجاً عن حكمه باعتبار عروض بعض العناوين ، فالظلم بعنوانه قبيح مطلقاً ، والقتل القبيح إنّما هو فيما إذا انطبق عليه عنوان الظلم ، ولا مجال لعطف القتل على الظلم في الحكم بالقبح مطلقاً .

وعلى ما ذكرنا فيمكن أن لا يكون هناك تكليف منجّز ولا عقوبة على قتل الكافر النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيما إذا كان اعتقاده كذبه ، وأنّه مخالف لما هو دين الله ، وأنّه يجب أن يقتل خوفاً من الإضلال ، كما هو الغالب في وجه هذا النحو من القتل ، وهذا بخلاف الظلم الذي لا ينفك عن استحقاق العقوبة بوجه ، فتدبّر .

السادس : بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك ، كرواية سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : أخبرني عن الفرائض التي فرض الله على العباد ما هي؟ قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصّلوات الخمس ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، والولاية ، فمن أقامهنّ ، وسدّد ، وقارب ، واجتنب كلّ مسكر ، دخل الجنّة(2) ; فإنّ مورد السؤال ما افترض الله على عموم العباد ; لأنّ الجمع المحلّى يفيد العموم ، وظاهر الجواب في نفسه أيضاً ذلك ;


(1) العناوين : 2 / 715 .
(2) الفقيه : 1 / 131 ح 612 ، المحاسن : 1 / 452 ، كتاب مصابيح الظلم ب 46 ح 1041 ، وعنهما وسائل الشيعة : 1 / 19 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 17 .

الصفحة 329

لأنّه جعل الواجبات الفرعية عطفاً على الشهادتين اللتين تجبان على جميع العباد بلا إشكال ، والاقتصار في الجواب على الاُمور الخمسة بلحاظ أهميّتها وعلوّ شأنها ، كما يظهر من الرواية المعروفة الدالّة على أنّ الإسلام بني على خمس(1) ، وليس ذلك لأجل اختصاص العمومية بهذه الخمسة ، ويؤيّده ذيل الرواية الظاهر في توقّف دخول الجنّة على اجتناب المسكر ومثله أيضاً ، كما لايخفى .

وصحيحة البزنطي قال : ذكرت لأبي الحسن الرّضا (عليه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده ، واُخذ منه العشر في ما عمر منها وما لم يعمر منها ، أخذه الوالي فقبله ممّن يعمره ، وكان للمسلمين ، وليس في ما كان أقلّ من خمسة أو ساق شيء ، وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيبر قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السّواد ، وقد قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر(2) .

والاستدلال بها مبنيّ على كون المراد من العشر ونصف العشر هو الزكاة التي مقدارها كذلك ، ولكنّ الظاهر خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السلام)  : «يقبله بالّذي يرى» ، وبملاحظة قوله (عليه السلام)  : والناس يقولون : «لا تصلح قبالة الأرض» ، هو أنّ العشر ونصف العشر جزء من قبالة الأرض المجعولة من قبل الإمام لا من باب الزكاة .


(1) الكافي : 2 / 18 ـ 21 ح 1 ، 3 ، 5 ، 7 و 8 و ج 4 / 62 ح 1 ، المحاسن : 1 / 445 ، ح 1033 تهذيب الأحكام : 4 / 151 ح 418 ، الفقيه : 2 / 44 ح 196 ، وعنها وسائل الشيعة : 1 / 13 ـ 18 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 1 ، 2 ، 5 ، 10 و 11 وغيرها .
(2) تهذيب الأحكام : 4 / 119 ح 342 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 158 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2 .

الصفحة 330

السّابع : قاعدة الجبّ المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله)  : الإسلام يجبّ ما قبله(1) ، وتقريب دلالتها على الاشتراك في المقام أنّه على تقدير اختصاص الأحكام الفرعيّة بالمؤمنين ، يلزم اختصاص مورد قاعدة الجبّ ومفادها بخصوص الكفر والشرك المتحقّق قبل الإسلام ، بحيث كان مُفاد القاعدة : أنّ الإسلام يجبّ ما قبله من الشرك والكفر ويجعلهما كالعدم ، مع أنّ شأن ورودها ـ كما تقدّم في البحث فيها ـ هو بعض الأحكام الفرعيّة ، مثل القتل وشبهه ، مع أنّ الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ يستدلّون بها على جبّ مثل ترك الصلاة والصوم والزكاة وأشباهها(2) ، فهذه القاعدة أيضاً دليل على الاشتراك في المقام .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تماميّة أكثر أدلّة المشهور القائلين بالاشتراك ، وأمّا المنكرون له فقد استدلّوا بوجوه تعرّض في الحدائق لخمسة منها(3) :

منها : عدم الدليل على الاشتراك ، وهو دليل العدم .

ويدفعه وجود أدلّة المشهور التي عرفت تمامية أكثرها .

ومنها : الرّوايات الظاهرة في توقّف التكليف على الإقرار والتصديق بالشهادتين ، كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام)  : أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) إلى الناس أجمعين رسولا وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه ، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتّبعه وصدّقه ، فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه ، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما ، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو


(1) تقدم في ص 265 ـ 267 .
(2) راجع ص 270 ـ 286 .
(3) الحدائق الناضرة : 3 / 39 ـ 40 .

الصفحة 331

لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟ الحديث(1) .

قال في الوافي بعد نقل هذه الرّواية : وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام كما هو الحقّ ، خلافاً لما اشتهر بين متأخّري أصحابنا(2) .

والظاهر أنّ وجه الدلالة أنّه إذا لم تجب معرفة الإمام على الكافر بالله ورسوله ، فعدم وجوب سائر التكاليف وعدم ثبوتها يكون بطريق أولى ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الوصول والاطّلاع على سائر الأحكام يكون نوعاً من طريق الإمام (عليه السلام)  .

وما رواه علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره المعروف في تفسير قوله تعالى : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ}(3) عن أبان بن تغلب قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام)  : يا أبان أترى أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به ، حيث يقول : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِالاْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}؟ قلت له : كيف ذاك جعلت فداك؟ فسِّره لي . فقال : ويل للمشركين الّذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمّة الآخرين كافرون ، يا أبان إنّما دعا الله العباد إلى الإيمان به ، فإذا آمنوا بالله وبرسوله إفترض عليهم الفرائض(4) .

وما رواه في الاحتجاج في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق من قوله (عليه السلام)  : وأمّا قوله : {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة}(5) فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ نزّل عزائم


(1) الكافي : 1 / 180 ح 3 .
(2) الوافي : 2 / 82 ذ ح 523 .
(3) سورة فصّلت 41 : 6 ـ 7 .
(4) تفسير القمّي : 2 / 262 .
(5) سورة سبأ 34 : 46 .

الصفحة 332

الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما خلق السّموات والأرض في ستّة أيّام ، ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق ، ولكنّه جعل الأناة والمداراة مثالا لاُمنائه ، وإيجاباً للحجّة على خلقه ، فكان أوّل ما قيّدهم به : الإقرار بالوحدانية والرّبوبية ، والشهادة بأن لا إله إلاّ الله ، فلمّا أقرّوا بذلك تلاه بالإقرار لنبيّه (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة والشهادة له بالرّسالة ، فلمّا انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ، ثمّ الصوم ، ثمّ الحجّ ، ثمّ الجهاد ، ثمّ الزكاة ، ثم الصدقات وما يجري مجراها من مال الفيء(1) .

أقول : الظاهر أنّ الرّواية الأخيرة لا دلالة لها على مرام القائل بالاختصاص وإن كان فيها إشعار بذلك ; فإنّ ظاهرها بيان كون نزول الأحكام إنّما هو بنحو التدريج والتدرّج ، والكلام إنّما هو بعد النّزول ، ولو قيل بثبوت الدلالة لكان اللازم الالتزام بالترتيب في مسألة الوحدانية والرّسالة ، مع أنّه لا ترتيب بينهما من حيث الوجوب ، وكذا الالتزام بالترتيب في الأحكام الفرعية بين الصلاة والصوم ، وبين الصوم والحج الخ ، مع أنّه لم يقل به أحد .

وأمّا الرّوايتان الأوّلتان فقد أجاب عنهما الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في كتاب طهارته في مسألة وجوب الغسل من الجنابة وغيرها من الأحداث على الكافر بأقسامه عند حصول سببه بما لفظه : إنّا لا نقول بكون الكفّار مخاطبين بالفروع تفصيلا ، كيف وهم جاهلون بها غافلون عنها؟! وكيف يعقل خطاب منكري الصانع والأنبياء؟! وعلى تقدير الالتفات فيستهجن بل يقبح خطاب من أنكر الرّسول بالإيمان بخليفته والمعرفة بحقّه وأخذ الأحكام منه ، بل المراد أنّ المنكر للرسول (صلى الله عليه وآله) مثلا مخاطب بالإيمان به والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه ، فإن


(1) الاحتجاج : 1 / 601 .

الصفحة 333

آمن وحصل ذلك كلّه كان مطيعاً ، وإن لم يؤمن ففعل المحرّمات وترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك الإيمان ; لمخاطبته بها إجمالا وإن لم يخاطب تفصيلا بفعل الصلاة وترك الزنا ونحو ذلك لغفلته عنها .

نظير ذلك ما إذا أمر الملك أهل بلد نصب لهم حاكماً بالإذعان بولايته من قبل الملك ، والانقياد له في أوامره ونواهيه المسطورة في طومار بيده ، فلم تذعن تلك الرعية لذلك الحاكم ولم يلتفتوا إلى ذلك الطومار ولم يطّلعوا عليه أصلا ، فاتّفق وقوعهم من أجل ذلك في كثير من النواهي وترك الأوامر الموجودة فيه ; فإنّه لا يقبح عقابهم على كلّ واحد واحد من تلك المخالفات ; لكفاية الخطاب الإجمالي مع تمكّن المخاطب من المعرفة التفصيلة(1) .

أقول : تارة تلحظ الروايتان مع قطع النظر عن التعليل الوارد فيهما ، واُخرى مع ملاحظته .

ففي الأوّل : لا مجال للمناقشة فيهما ; لظهورهما في أنّ التكليف بمثل الصلاة والصيام يختصّ بالمؤمن الذي آمن بالله وبرسوله ، والقياس بالمورد المذكور في كلام الشيخ حينئذ مع الفارق ; لأنّ في المقيس عليه يكون المفروض توجّه تكليفين من ناحية الملك : أحدهما متعلّق بقبول الولاية والإذعان لها ، والثاني بالائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه ، وفي المقام لا يكون بحسب ظاهر الرّوايتين حكم مع عدم الإيمان بالله وبرسوله .

وبعبارة اُخرى : ليس الكلام في المقام بهذا اللحاظ إلاّ ما يكون مرتبطاً بمقام الإثبات ، وهو أنّه هل الدليل على عدم الاختصاص أو عليه ، موجود أم لا؟ وفي هذه المرحلة لا خفاء في ظهور الروايتين في الاختصاص .


(1) كتاب الطهارة (تراث الشيخ الأعظم) : 2 / 569 .

الصفحة 334

وفي الثاني : وإن كان تجري المناقشة في التعليل ; لظهوره في الاستحالة ولا أقلّ من الاستهجان ، إلاّ أنّ هذه المناقشة لا تسري إلى أصل الحكم المذكور فيهما ، الذي هو العمدة في مقام الاستدلال ، فاللازم أن يقال :

أمّا الرواية الثانية الواردة في تفسير الآية فهي في مقام بيان تأويل الآية ; لأنّ حمل الشرك والكفر على الشرك بالأوّل والكفر بالآخرين لا يكون خارجاً عن التأويل بوجه ، ولا ينافي الاستناد إلى ظاهر الآية الذي هو عبارة عن كون المراد بالشرك والكفر هو المعنى الظاهر منهما ، وعن كون المشركين مأمورين بالزكاة ، مضافاً إلى أنّ الشرك الملازم لعدم الإتيان بالزكاة ليس الشرك بالمعنى المذكور في الرواية ، فتدبّر .

وأمّا الرواية الاُولى ، فهي دالّة على عدم كون الكافر مأموراً بالولاية ومعرفة الإمام ، التي هي من الاُصول الاعتقادية ، مع أنّ الظاهر أنّه لا يقول القائل بالاختصاص بذلك أيضاً ; فإنّ ظاهرهم التسلّم على ثبوت التكليف للكافر بالإضافة إلى جميع الاُصول الاعتقاديّة ، فالروايتان لا تصلحان للاستدلال بهما .

ومنها ـ وهو العمدة ـ : أنّ التكاليف ممتنعة الحصول من الكافر حال كفره ; إذ لا إشكال في اشتراط الصحّة بالإسلام وعدم وقوع العبادة من الكافر متّصفة بالصّحة . ومقتضى قوله (صلى الله عليه وآله) الإسلام يجبّ ما قبله(1) أنّ الإسلام مسقط لما قبله ، فإذا كان كذلك فلا يمكن صدور العمل من الكافر على وجه يوافق الأمر ، فلا مجال للقول بكون الكافر مكلّفاً بالفروع مع عدم جواز التكليف بما لا يطاق عندنا وعند أكثر العقلاء ، ولو لم يكن ممتنعاً على تقدير الإسلام فهو لغو قطعاً ; إذ طلب الفعل على تقدير ـ لو اُريد الإتيان به على ذلك الفرض لسقط الخطاب ـ خال عن


(1) تقدم في ص 265 ـ 267 .

الصفحة 335

الفائدة  بالمرّة(1) .

والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وإلى أنّ قاعدة الجبّ كما مرّ(2) البحث فيها سابقاً ، لا تشمل جميع التكاليف والأحكام الوضعيّة ـ  : ما مرّ في تلك القاعدة أيضاً(3) من أنّ هذا الإشكال إنّما يرد على تقدير اختصاص التكليف بالكافر وكونه المخاطب بالخصوص .

وأمّا على تقدير عموميّة الخطاب وثبوت التكليف بنحو العموم ، فلا مجال لهذا الإشكال ; لأنّه لا يعتبر في التكاليف والخطابات العامّة أن يكون جميع مصاديقها وأفرادها واجداً للشرائط ، فيصحّ توجيه الخطاب إلى العموم وإن كان بعض الأفراد عاجزاً غير قادر ; لأنّه لا يعتبر في صحّته إلاّ عدم كون الأكثر كذلك ، لا كون كلّ أفراده كذلك ، ويدلّ عليه الرجوع إلى العقلاء الذين هم الملاك في الحكم بصحّة الخطاب وعدمها .

وبالجملة : لو كانت الخطابات العامّة منحلّة إلى الخطابات الجزئية المتكثّرة حسب تكثّر الأفراد وتعدّدها ، لكان اللازم ملاحظة حال جميع الأفراد لفرض الانحلال . وأمّا مع عدم الانحلال كما هو الحقّ فلا مجال لملاحظة حال الجميع ، فالتكليف يشمل العاجز أيضاً في ضمن العموم ، غاية الأمر كون عجزه مانعاً وعذراً له في مقابل المولى ، ولا يكاد يكون الكفر كذلك ; لأنّه باختياره ، ويمكن له رفع اليد عنه .

وهذا المعنى الذي ذكرناه لا يرتبط بمسألة القضية الحقيقية وكون الأحكام مبنيّة بمثلها ، بل هو مبنيّ على كون الخطاب بنحو العموم غير المنحلّ إلى الخطابات


(1) يراجع العناوين : 2 / 716 ـ 717 .
(2 ، 3) في ص273 ـ 277 .

الصفحة 336

الجزئية ولو لم تكن القضية حقيقية ، فإذا قال المولى لعبيده المتعدّدين : سافروا غداً ، يصحّ هذا الخطاب إذا كان أكثرهم قادرين على السفر وإن كان بعضهم غير قادر عليه ، والمصحّح له كون الخطاب بنحو العموم وعدم الانحلال إلى تعدّد الخطابات حسب تعدّد العبيد ، مع عدم كون القضية حقيقية بلا ريب ، فما ذكرناه مبنيّ على افتراق الخطاب بنحو العموم عن الخطابات الشخصية ، ولا يرتبط بالقضية الحقيقيّة بوجه . وبالجملة : فهذا الدليل أيضاً غير وجيه .

ومنها : غير ذلك ممّا يظهر جوابه ممّا ذكرنا ، أو يكون جوابه ظاهراً في نفسه ; مثل لزوم التكليف بما لا يطاق لو كان الكافر مكلّفا بالفروع ; لأنّه جاهل بالتكليف والأمر والنهي ، وتكليف الجاهل قبيح . وما ورد ممّا ظاهره تخصيص الأمر بطلب العلم بالمسلم ; كقوله (صلى الله عليه وآله)   : طلب العلم فريضة على كلّ مسلم(1) . واختصاص الخطاب في ظواهر بعض الآيات بالمؤمنين ; كقوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(2) الآية ، وهو يوجب تقييد ما ورد بصورة العموم . وعدم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) كلّ من أسلم بالغسل مع العلم العادي بأنّه جنب .

والجواب عن الأخير : منع عدم الأمر ، بل الظاهر أنّ الاغتسال بعد الإسلام كان من الاُمور المعتادة ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، وقد مرّ البحث في هذه الجهة في قاعدة الجبّ المتقدمة(3) ، وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تمامية القاعدة من


(1) الكافي : 1 / 30 ح 1 و ص 31 ذ ح 5 ، بصائر الدرجات : 2 ، 3 ح 1 و 3 ، روضة الواعظين : 16 ، أمالي الطوسي : 488 صدر ح 1069 ، و ص 569 صدر ح 1176 ، منية المريد : 18 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 26 ـ 30 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب 4 ح 16 ، 18 ، 20 ، 23 ، 26 ، 27  و 35 .
(2) سورة البقرة 2 : 183 .
(3) في ص 277 ـ 283 .

الصفحة 337

حيث المستند .

المقام الثاني : في مفاد القاعدة وما يراد منها ، ونقول : المراد منها هو مجرّد اشتراك الكفار مع المؤمنين في التكاليف الانشائية والفعلية البالغة مرتبة البعث والزجر ; بمعنى أنّه كما يكون المسلم مبعوثاً إلى مثل الصلاة ، كذلك يتوجّه البعث إلى الكافر أيضاً من دون فرق ، وكما يكون المسلم مزجوراً عن مثل شرب الخمر ، كذلك يتوجّه الزجر إلى الكافر أيضاً بنفس ذلك الخطاب . وأمّا مرحلة التنجّز المتوقفة على الالتفات والعلم أو الاحتمال الذي لا يكون معذوراً فيه ، فتتوقّف في الكافر على شرائطها كما تتوقّف في المسلم .

وعليه : فالتكليف في أكثر الكفّار لا يبلغ هذه المرحلة ; للغفلة أو العلم بالخلاف باعتبار اعتقادهم بصحة مذهبهم أو بطلان الإسلام بالمرّة . ومنه يظهر أنّه لا مجال لعطف العقاب على التكليف في أكثر العبارات ; فإنّ دائرة العقاب محدودة ببلوغ التكليف مرحلة التنجّز ، بخلاف أصل التكليف الذي لا يشترط فيه الإسلام ولا العلم والالتفات أصلا ، كما لا يخفى .

المقام الثالث : في أنّه بعد ما لم يكن الإسلام شرطاً في أصل التكليف وفعليّته ، فهل يكون شرطاً في الصحّة إذا كان العمل عبادة ، أم لا يكون شرطاً فيها أيضاً؟ ربما يقال : نعم ; لإجماع الأصحاب عليه(1) في ما عدا الوقف والصدقة والعتق ، على القول باشتراط نيّة القربة فيها ، ولاشتراط نيّة القربة في صحّة العبادة ، وهي لا تتحقق من الكافر ، ولقوله تعالى : {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}(2) . ولدلالة الآيات الكثيرة على كون


(1) العناوين : 2 / 720 ـ 721 ، منتهى المطلب : 2 / 657 (طبع الحجري) ، مدارك الأحكام : 1 / 277 ، جواهر الكلام : 3 / 39 .
(2) سورة التوبة 9 : 54 .

الصفحة 338

الكفار معذّبين بالنّار خالدين فيها(1) ، ولو كانت عباداتهم صحيحة لزم وصول الأجر إليهم في الآخرة وهو منفيّ بالآيات المذكورة ، ولقوله تعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(2) بضميمة أنّ أوّل التقوى الإسلام ، ولدلالة الأخبار الكثيرة على بطلان عبادة المخالف(3) ، فضلا عن الكافر .

واُجيب عن الإجماع بأنّه لا أصالة له ; لإحتمال استناده إلى الأدلّة الاُخرى ، وعن مسألة قصد القربة بأنّ عدم إمكانه إنّما هو في الكافر الجاحد بالربوبيّة مطلقاً ، وأمّا الكافر المقرّ بالله المنكر لصفة أو للنبوّة ، فيعقل فيه قصد القربة ، خصوصاً إذا كان من المنتحلين للإسلام كالغلاة والنواصب ، وترى أهل الكتاب يجتمعون في معابدهم ويعملون أعمالا يكون الداعي لهم إليها التقرّب إلى الله تعالى بالمعنى الشامل للوصول إلى الثواب والفرار عن العقاب .

نعم ، يمكن أن يقال بأنّ العمل العبادي الذي يكون في الإسلام و ليس له سابقة في الأديان لا يكون الكافر المنكر للنبوّة معتقداً بكونه مأموراً به من الله تعالى ومقرّباً للعبد إليه . وعليه : فكيف يتمشّى منه قصد القربة مع هذا الاعتقاد؟ نعم ، يمكن فرضه في الأعمال العبادية المشتركة ، وهي قليلة ; إذ الاختلاف موجود ولا أقلّ في الكيفية .

واُجيب عن الاستدلال بقوله تعالى : {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ . . .} بأنّ القبول أخصّ من الصّحة .

وفيه : أنّ المراد بالقبول إن كان ترتّب الثواب فهو لا ينفك عن الصحة ; لأنّه إذا كان العمل موافقاً للمأمور به جامعاً لجميع الخصوصيات المعتبرة فيه ، فلا محالة


(1) كسورة البينّة 98 : 6 ، وسورة البقرة 2 : 39 و 257 .
(2) سورة المائدة 5 : 27 .
(3) وسائل الشيعة : 1 / 118 ، كتاب الطهارة ، أبواب مقدّمة العبادات ب 29 .

الصفحة 339

يكون صحيحاً وتترتّب عليه المثوبة ، وإن كان المراد به ما هو أعلى من ترتّب الثواب ، فهو ممنوع ; فإنّ القبول الفقهي مساوق للصحّة .

ودعوى أنّ ضمير الجمع في الآية يرجع إلى المنافقين ، والبحث إنّما هو في الكافرين ، مدفوعة بأنّ ظاهر الآية : أنّ المانع من القبول والعلّة المانعة عنه هو الكفر بالله والرّسول لا عنوان النّفاق .

واُجيب عن الآيات الدالّة على أنّ الكفّار معذّبين بالنّار ، بأنّه لا ينافي صحّة أعمالهم والمثوبة عليها في الدنيا ، ويمكن أن يقال بتأثير عملهم في تخفيف العذاب ، فإنّ للنار مراتب متفاوتة بالشدّة والضعف ، كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ التعذيب بالنار إنّما هو لأجل عدم إتيانهم خارجاً بما هو وظيفة لهم ، والبحث إنّما هو في الصحّة على تقدير الإتيان .

وبعبارة اُخرى : ما ذكر في مقام الاستدلال من أنّه لو كانت عباداتهم صحيحة لزم وصول الأجر إليهم في الآخرة ، لابدّ وأن يكون المراد بالعبادات الواردة هي العبادات التي حثّ عليها في الإسلام ، ومن الواضح عدم إتيانهم بشيء منها خارجاً ، فلا ينافي كونهم معذّبين بالنار خالدين فيها ، كما هو ظاهر .

وأمّا الأخبار الدالّة على بطلان عبادة المخالف ، فظاهر أكثرها ـ مثل الرواية المعروفة الدالّة على أنّه بني الإسلام على خمس(1) ، ومن جملتها الولاية ، وأنّه لم يناد أحد بشيء ما نودي بالولاية(2) ـ أنَّ عمل غير القائل بالولاية حيث لا يكون بدلالة الوالي لا يكون من حيث الصحّة مورداً للاطمئنان ; لعدم أخذه علم الأحكام من العالم بها المطّلع عليها ، ولا دلالة له على البطلان مع الموافقة التامّة والاجتماع لشرائط الصّحة ; لأجل عدم الاعتقاد بالولاية .


(1) تقدمت في ص 329 .
(2) وسائل الشيعة : 1 / 18 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 10 .

الصفحة 340

هذا ، ومع ذلك كلّه لا يبعد القول ببطلان عبادة الكافر وإن كانت مشتملة على نيّة القربة ; لتماميّة بعض الوجوه المذكورة ، فتدبّر .

وأمّا الوقف والصدقة والعتق، فقد ذكر صاحب العناوين أنّ بعض من اعتبر قصد القربة فيها منع من صحّتها من الكافر(1) ، وجماعة منهم قالوا بصحّتها ، منهم: الشهيد (رحمه الله) في اللمعة ; فإنّه مع اشتراطه القربة في العتق قال : والأقرب صحّة العتق من الكافر(2) ، وخلافهم في هذه الثلاثة مع اتّفاقهم على بطلان سائر العبادات منه :

إمّا من جهة أنّ الدليل دلّ في هذه الاُمور على اعتبار إرادة وجه الله تعالى ، وهي ممكن من الكافر كما في الخبر : أنّه «لا عتق إلاّ ما اُريد به وجه الله تعالى»(3) . وليس كذلك سائر العبادات ، وقد علّل بذلك الشهيد الثاني (رحمه الله) (4) .

وإمّا من جهة تركّب هذه الثلاثة من جهة ماليّة وجهة عبادة ، ويرجّح من ذلك جانب الماليّة .

وإمّا من جهة أنّ هذه كلّها إخراج عن الملك ، وملك الكافر أضعف من ملك المسلم ، فهو أولى بالفكّ .

وإمّا من جهة أنّ الكافر ليس بمالك في الحقيقة ، وإنّما هو صورة ملك لبقاء النّظم ، فإذا أخرجه ودفعه خرج عن ملكه وإن لم يترتّب عليه الآثار من الثواب ونحوه .

ثمّ قال : والتحقيق أنّ هذه الثلاثة أيضاً ليست صحيحة من جهة كونها عبادة ، ولذلك لا ثواب فيه . نعم ، هي صحيحة من جهة كونها معاملة وفكّ ملك ، غاية ما


(1) السرائر : 3 / 20 ، شرائع الإسلام : 3 / 107 ، تحرير الأحكام : 4 / 189 ، قواعد الأحكام : 3 / 198 و 199 .
(2) اللمعة الدمشقية : 133 ، الخلاف : 6 / 371 مسألة 12 ، المبسوط : 6 / 70 ـ 71 .
(3) الكافي : 6 / 178 ح 1 ، الفقيه : 3 / 68 ح 228 ، تهذيب الأحكام : 8 / 217 ح 772 ، وعنها وسائل الشيعة : 23 / 14 ، كتاب العتق ب 4 ح 1 .
(4) الروضة البهية : 6 / 243 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>