جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
القواعد الفقهية « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 361

ويظهر الجواب عن دليل هذا القول بما سنذكره من أدلّة القول بالمشروعيّة الأصليّة ، فنقول :

أمّا ما يدلّ عليها فاُمور متعدّدة :

أحدها : ما دلّ من العمومات في الكتاب والسّنة على ترتّب الثواب على الأفعال ، كقوله تعالى : {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}(1) وقوله (عليه السلام)  : من صام يوم كذا فله من الأجر كذا وكذا(2) ; فإنّ سياقها مثل سياق «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» ، فكما أنّ الثاني لا يختصّ بالبالغ ; لما عرفت من عدم اشتراط الأحكام الوضعيّة بالبلوغ(3) ، كذلك لا ينبغي دعوى اختصاص الأوّل بالبالغ ، ودعوى الانصراف ممنوعة ، وعلى تقديره لا فرق بين المقامين كما هو ظاهر .

ثانيها : عموم الأدلّة الواردة في التكاليف الشامل للصبي أيضاً ، ولا مجال لادّعاء الانصراف فيها أصلا ، والقدر المسلّم ثبوت التخصيص بالإضافة إلى الأحكام الوجوبيّة والتحريميّة ، من جهة عدم ثبوت إلزام من ناحية الشارع على الصبي غير البالغ . وأمّا ثبوت التخصيص في أدلّة سائر الأحكام فغير حاصل ، وفي أدلّة الحكمين أيضاً بالإضافة إلى المشروعيّة والرجحان زائدة على اللزوم .

وأمّا حديث «رفع القلم» ، فإن اُخذ بمقتضى ظاهره فاللازم الحكم بعدم ثبوت الأحكام الوضعيّة في حقّ الصبي أيضاً ; لأنّ القلم المرفوع أعمّ من قلم الحكم التكليفي والحكم الوضعي ; لأنّ الضمان في مورد الإتلاف مثلا مجعول كالوجوب في مورد الصلاة ، ولا مجال لدعوى التخصيص فيه ; لعدم ملاءمة سياقه للتخصيص أصلا .


(1) سورة الأنعام 6 : 160 .
(2) وسائل الشيعة : 10 / 471 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ب 26 .
(3) في ص 345 ـ 352 .

الصفحة 362

فاللازم أن يقال بأنّ المرفوع في الحديث هو قلم المؤاخذة والعقوبة الاُخروية أو الدنيوية أيضاً ، كما مرّ في العبارة المتقدّمة عن الشيخ (قدس سره) (1) ، ولازمه عدم ثبوت التكليف اللزومي في حقّه ، وعدم ترتّب استحقاق العقوبة على ترك الواجب وفعل الحرام ، فيقتصر في تخصيص عمومات أدلّة التكاليف على هذا المقدار .

ودعوى أنّ لازم ذلك عدم تحقّق التخصيص في أدلّة المستحبات والمكروهات فقط . وأمّا أدلّة الواجبات والمحرّمات ، فبعد عروض التخصيص لها لا محالة كيف يستكشف مشروعيّة عبادة الصبي ـ مثل الصلاة ورجحانها ـ حتى يحكم بصحّتها؟ لأنّ الدليل الكاشف هو تعلّق الأمر بها ، وبعد انحصار دائرة الأمر بالبالغ ليس هنا ما يكشف عن رجحانها بالإضافة إلى الصبي .

وبعبارة اُخرى : مدّعى القائل بالمشروعيّة كون الواجبات في حقّ البالغين مستحبات في حقّ غير البالغين ، وكون المحرّمات في حقّ الطائفة الاُولى مكروهات في حقّ الطائفة الثانية ، وحينئذ يسأل عنهم : أنّه مع تخصيص أدلّة الواجبات والمحرّمات بحديث «رفع القلم» لا يبقى ما يدلّ على استحباب الاُولى وكراهة الثانية ; لأنّ الدليل كان منحصراً بدليل الواجب والمحرّم ، والمفروض عروض التخصيص لهما ، فمن أين يستكشف رجحان الواجب واستحبابه وحزازة الحرام وكراهته بالإضافة إلى الصّبي؟

نعم ، أدلّة المستحبات والمكروهات حيث لم يعرض لها التخصيص كما هو المفروض ، تكون باقية بحالها .

مدفوعة بما قيل أو يمكن أن يقال في جوابها من اُمور متعدّدة :

الأوّل : أنّ مقتضى طبع الطلب الصادر من المولى هو الوجوب ; لحكم العقل بلزوم إطاعته ، إلاّ أن يأذن المولى في الترك ، والإذن في الترك كما يحصل بالتصريح


(1) في ص 348 ـ 349 .

الصفحة 363

به كذلك يحصل بعناوين اُخر ، مثل رفع العسر والحرج ، ورفع قلم الإلزام ، فحديث «رفع القلم» بمنزلة الإذن في ترك الواجبات ، فقهراً يكون مفاد الأدلّة الأوّلية في حقّ الصبي بعد ورود الإذن في الترك بلسان «رفع القلم» هو الاستحباب ; فهو لا يرفع الخطاب الوجوبي من رأس ، بل يأذن في الترك ، فيتحقق الاستحباب لا محالة .

الثاني : أنّه لا مانع مع الشك من الرجوع إلى استصحاب بقاء الرجحان الذي كان متحقّقاً في ضمن الوجوب ، وشك في بقائه مع ارتفاع الوجوب قطعاً ، ولا يرد عليه أنّ إثبات الاستحباب الذي هو فرد من القدر الجامع باستصحاب بقاء القدر الجامع يكون مثبتاً ، وهو لا يجري على ما هو التحقيق من عدم جريان الاُصول المثبتة ; وذلك لأنّه لا حاجة إلى إثبات الاستحباب بعنوانه ، بل يكفي بقاء القدر الجامع في المشروعية والرّجحان الموجبة لصحّة العبادة .

هذا ، ولكن هذين الجوابين لا يمكن أن يكونا موردين لنظر المشهور القائل بمشروعية عبادة الصبي ; لكون الجواب الثاني مبنيّاً على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، ولم يعلم ذهاب المشهور إلى جريانه ، كما أنّ الجواب الأوّل مخالف لظاهرهم قطعاً ، فإنّهم يقولون بانقسام الطلب في نفسه إلى قسمين : وجوبيّ واستحبابي ، كما أنّهم يقولون بدلالة هيئة «إفعل» في نفسها على الوجوب ، لا أنّ الوجوب مستفاد من حكم العقل وأنّ الاستحباب مستفاد من الإذن في الترك ، فلابدّ من الجواب على طبق نظر المشهور .

والظاهر أن يقال : إنّه بناءً على ما ذكرنا في معنى حديث «رفع القلم» من كون المرفوع قلم المؤاخذة والعقوبة ـ ومرجعه إلى عدم استحقاق العقوبة على ترك الواجب وفعل الحرام ـ لابدّ وأن يقال بثبوت التكليف في حقّ الصبي مطلقاً ، ولكنّه لا يترتّب على المخالفة مؤاخذة وعقوبة ، فتصرّف الحديث في الأدلّة العامّة ليس

الصفحة 364

كتصرّف المخصّص في العام ، حيث يوجب قصر مفاده ولو في عالم الإرادة الجدّية على غير مورد الخاصّ ، فإنّ المقام ليس من هذا القبيل ، بل الحديث يخصّص لازم التكليف لا نفسه ، واستلزام تخصيص اللازم لتخصيص الملزوم ممنوع ; لأنّ الملازمة غير دائميّة ، والتعبير عن العبادات الواجبة بالاستحبابية في حقّ الصبي ، إنّما هو بلحاظ عدم ترتّب ما يترقّب من الوجوب على مخالفته ; لعدم استلزامها لاستحقاق العقوبة والمؤاخذة بوجه ، إلاّ أن يقال :

إنّ الحديث المتضمّن للرفع في مقام التشريع لا يكاد يرفع المؤاخذة أو استحقاقها أصلا ، فتدبّر .

وهذا الذي ذكرنا من المشروعية لا يمنع عن قيام الدليل على البطلان في بعض المقامات ، مثل ما ورد من عدم إجزاء حجّ الصبي المستطيع عن حجّة الإسلام(1) ، مع أنّ عدم الإجزاء لا يلازم البطلان ، كما لا يخفى .

وبهذا يتحقق الفرق بين المقام وبين قاعدة نفي الحرج ، حيث اخترنا فيها بطلان العبادة الحرجية ، ووجه الفرق أنّ لسان قاعدة نفي الحرج لسان نفي الجعل رأساً ، ومع عدم الجعل لا مجال للحكم بصحّة العبادة الحرجية ، ولسان المقام لسان رفع قلم المؤاخذة والعقوبة ، لا رفع قلم الجعل والتكليف ، فتدبّر .

ثالثها : أنّ العقل مستقلّ بحسن بعض الأفعال كالإحسان ، وردّ الأمانة إلى مالكها ، وحفظ النفس المحترمة من الهلاك ، وغير ذلك من المستقلاّت العقلية ، ولا ريب عند العقل في استحقاق الثواب وترتّب الجزاء عليها ، من دون فرق بين البالغ والصبي ، خصوصاً إذا كان مراهقاً ، وقد بقي مقدار شهر أو يوم أو ساعة إلى بلوغه


(1) الكافي : 4 / 278 ح 18 ، الفقيه : 2 / 267 ح 1298 ، تهذيب الأحكام : 5 / 6 ح 15 ، الاستبصار : 2 / 141 ح 459 ، وعنها وسائل الشيعة : 11 / 45 ـ 46 ، كتاب الحج ، أبواب وجوبه وشرائطه ب 13 ح 1 و 2 ، وفي روضة المتقين : 5 / 42 عن الفقيه .

الصفحة 365

الشرعي ، ولا مجال لعروض التخصيص لما يستقلّ به العقل .

وعليه : فاللاّزم بقاعدة الملازمة استحباب هذه الاُمور شرعاً ، وترتّب ثواب الاستحباب عليها ، وبعدم القول بالفصل بين المستقلاّت العقلية وغيرها يتمّ المطلوب ويثبت الاستحباب في سائر الواجبات أيضاً .

ويرد عليه : أنّ لازم ذلك الالتزام باستحقاق العقوبة فيما يستقلّ العقل بقبحه ، كالظلم ومنع المالك عن وديعته ، وقتل النفس المحترمة ، وغير ذلك من المستقلات العقلية ، والظاهر أنّه لا يلتزم به المستدلّ بوجه ; لأنّ الصبي لا يؤاخذ بشيء من ذلك أصلا من جهة الشرع ، كما لا يخفى .

رابعها : الاعتبار العقلي ; فإنّه من المستبعد جدّاً أن يكون هناك فرق بين ما قبل البلوغ بساعة وما بعده ; فإنّ المراهق المقارب للبلوغ جدّاً ، لا ريب في أنّه بمكان من الإخلاص والعبودية لله تعالى كما بعد البلوغ ، بل في الحالة الاُولى ربّما يكون أشدّ من الحالة الثانية ، فيبعد كونه مأجوراً على الثانية دون الاُولى .

ويرد عليه : أنّ ذلك مجرّد استبعاد لا يكاد يصلح لأن يكون دليلا ، ويجري هذا الاستبعاد في جميع التقديرات الشرعية ; فإنّه من البعيد أن يكون الماء أقلّ من الكرّ بمقدار قليل ، ومع ذلك لا يترتّب عليه شيء من آثار الماء الكرّ أصلا ، أو يصلّي الإنسان قبل الوقت عمداً بلحظة يدخل الوقت بعدها ، ومع ذلك تكون صلاته باطلة ، وهكذا سائر التقديرات .

خامسها : أنّ الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء ، كما قد حقّق في الاُصول .

والجواب عنه : ما مرّ في الجهة الاُولى في تشريح القول الثاني من الأقوال الموجودة في المسألة ولا نعيد .

وهنا وجوهُ آخر ترجع إلى بعض الوجوه المذكورة ، أو استحسانات غير صالحة لأن تكون مدركاً ودليلا ، وقد انقدح تماميّة الوجهين الأوّلين للاستدلال

الصفحة 366

بهما على المشروعيّة الأصليّة .

وأمّا دليل القول الثالث; وهي الشرعيّة التمرينيّة ، فهو مركّب من أمرين :

أحدهما : عدم شرعيّة العبادات بعناوينها التي تعلّقت الأوامر بها ; لحديث «رفع القلم»(1) ، الذي يدلّ على رفع قلم جميع التكاليف والأحكام الخمسة ، ويكون مخصّصاً للأدلّة الأوّلية العامّة .

وثانيهما : الأخبار الكثيرة الدالّة على استحباب التمرّن للعبادات والتعوّد لها(2) ، ولا يرتفع هذا الاستحباب بحديث «رفع القلم» ; لأنّ مفاده ارتفاع كلّ ما هو جار على البالغ من الصّبي ، فرجحان أصل العمل مرفوع ; لثبوته بالإضافة إلى البالغ . وأمّا رجحان التمرّن فلا يكون في البالغ حتى يكون مرفوعاً عن الصّبي ، فيصير الحاصل ثبوت ثواب التمرّن لا أصل العبادة .

والأمران كلاهما ممنوع وإن كان منع أحدهما كافياً في إبطال الاستدلال :

أمّا الأوّل : فلما عرفت في أدلّة المشروعيّة من أنّ حديث «رفع القلم» لا يرفع المشروعية حتى في الواجبات .

وأمّا الثاني : ـ فمضافاًإلى أنّ حديث الرفع لو كان مُفاده رفع الحكم الاستحبابي أيضاً ، لكان مقتضاه نفي استحباب التمرّن بالإضافة إلى الصّبي أيضاً ، والفرق بينه وبين سائر الأحكام الاستحبابيّة بعدم كونه ثابتاً في حقّ البالغ دونها ، لا يوجب اختصاص الحديث بالثانية وعدم الشمول للأوّل ـ يرد عليه : أنّ مُفاد تلك الأخبار ثبوت الاستحباب بالإضافة إلى الولي ، وأنّ المستحب تمرينه وتعويده للصّبي ، والثواب إنّما يترتّب على عمله ، فلا يكون في فعل الصبي ثواب راجع إليه أصلا ، إلاّ


(1) تقدم في ص 345 ـ 348 .
(2) وسائل الشيعة : 4 / 18 ـ 22 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب 3 و 4 ، و ج 10 / 233 ـ 237 كتاب الصوم ، أبواب من يصح منه الصوم ب 29 .

الصفحة 367

إذا رجع الأمر إلى ما قلنا من المشروعية الأصليّة .

وأمّا دليل القول الرّابع ، فهو أمران :

أحدهما : أنّ الطفل من جهة عدم كمال عقله إنّما يكون المحرّك والداعي له إلى العمل تمرين الولي وتشويقه وإجباره ، وحيث إنّ المباشر ضعيف فيكون السبب هو العمدة وهو الولي ، ويكون الطفل بمنزلة الآلة ، نظير ما ذكروه في باب المعاملات من جواز كون الطفل كالآلة وإن كان عاقلا قاصداً مختاراً(1) .

ثانيهما : ما ورد في باب الخبر في باب الحج في حجّ الولي بالطفل المميّز ، فإنّه قال : إنّ الوليّ إذا فعل ذلك وتمّم الأعمال كان له أجر حجّة(2) ، والظاهر منه أنّ الوليّ كأنّه فعل حجّاً ، وهذا الفعل في الحقيقة فعله ، فيكون للولي في كلّ مقام يأتي الصبيّ بعمل ثواب ذلك العمل .

ويرد على الأوّل ـ مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعى ; لأنّه ربما يأتي الطفل بالعبادة ويكون الداعي له إلى إتيانها تشخيص نفسه ودرك شخصه من دون أن يكون هناك وليّ ، أو تمرين منه ، أو تأثير لتشويقه أو إجباره كما لا يخفى ـ : أنّ ضعف المباشر إنّما يكون فيما إذا كان العمل مسنداً إلى السبب وكان المباشر بمنزلة الآلة ، ومن الواضح عدم كون الصبي في المقام كذلك ; فإن صلاته لا تسند إلاّ إليه ، وكذا سائر عباداته وأفعاله ، والتشويق بل الإجبار لا يوجب سلب الاستناد .

وقـد ذكرنا في بـاب الإكراه : أنّ الإكراه لايقتضي عدم استناد العمل إلى المكره ـ بالفتح ـ فشرب الخمر إذا وقع إكراهاً يكون المتّصف به هو المكره دون المكره ـ بالكسر ـ حتى يترتّب على عمله الحدّ .

نعم ، قد عرفت أنّه يترتّب على عمل الولي ثواب بلحاظ الأخبار الآمرة إيّاه


(1) رياض المسائل : 8 / 116 .
(2) يراجع وسائل الشيعة : 11 / 54 ، كتاب الحج ، أبواب وجوبه وشرائطه ب 20 ح 1 .

الصفحة 368

بتمرين الصبي وتعويده على مثل الصلاة والصوم .

وعلى الثاني : أنّ ما ورد في الخبر إنّما هو ثبوت ثواب حجّة للوليّ ، ولا دلالة له على خلوّ عمل الصبي وحجّه عن ثواب وأجر ، وعليه : فلا يمكن أن يستفاد منه أنّ الوليّ كأنّه فعل حجّاً ; بمعنى عدم استناد الحج إلى الصبي ، وعدم وقوع هذه العبادة عنه ، فتدبّر .

وأمّا دليل القول الخامس ، فهو : أنّ حديث «رفع القلم» إنّما يرفع خصوص الأحكام اللزومية من رأس ، ويحكم بعدم شمول الأدلّة العامة لها بالإضافة إلى الصبي ، فلا يبقى لها مشروعية . وأمّا سائر الأحكام ، فلا دلالة للحديث على رفعها أصلا ، فهي باقية على عمومها وشمولها للصّبي .

وهذا القول وإن لم يعرف به قائل ، لكنّه ليس ببعيد ; نظراً إلى أنّ الجمع بين كون المرفوع في الحديث هو التكليف لا المؤاخذة ، وكون وقوع الحديث في مقام التفضّل والرأفة والامتنان ، يقتضي عدم كون العبادات الواجبة مشروعة في حقّه ، وبقاء العبادات المستحبّة على استحبابها ، إلاّ أن يقال : بأنّ سلب المشروعية عن العبادات الواجبة لا يلائم التفضّل والرأفة ، بل المناسب له سقوط اللزوم وبقاء المشروعية ، وهذه أيضاً جهة اُخرى موجبة لعدم منافاة الحديث للمشروعية ، زائدة على الجهات المذكورة في دليل القول المشهور ، ويتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الأظهر ما عليه المشهور .

الجهة الثالثة : في موارد تطبيق قاعدة المشروعية ، وهي كثيرة :

منها : الطّهارات الثلاث ; فإنّها بناءً على القول بالمشروعية تكون مستحبة للصبي ، كما أنّها مستحبة للبالغ أيضاً ، غاية الأمر اتّصافها في حقّ البالغ بالوجوب الغيري أيضاً بناءً على القول بوجوب المقدّمة ، وفي حقّ الصبي لا تتجاوز عن الاستحباب المتعلّق بأنفسها ، وتتصف بالاستحباب الغيري أيضاً بناءً على ذلك

الصفحة 369

القول ، فقبل دخول الوقت تكون مستحبّة نفساً ، وبعده تتّصف بالاستحباب الغيري أيضاً ، ولا مانع من الجمع بعد كون الحكمين طوليّين لا عرضيّين ، وبعد اختلاف المتعلّقين ، والتحقيق في محلّه .

ومنها : جميع العبادات الواجبة والمستحبّة ; فإنّها بأجمعها مستحبة للصّبي ، فالصلاة مع جميع أذكارها وأورادها ومقدّماتها ومؤخّراتها مستحبة عليه ، والصوم الواجب والمندوب مستحب له ، وكذا الحج وغيرها من العبادات ، وقد عرفت(1) أنّ المكروهات مكروهة في حقّه أيضاً ، كما أنّ المحرّمات أيضاً مكروهة بالإضافة إليه .

ومنها : ما أشرنا إليه من أنّه بناءً على المشروعيّة لا مانع من استئجاره للعبادة ، فيأتي بها نيابة عن الحيّ ، كما في باب الحجّ ، أو الميّت كما في مثل الصلاة والصيام ; فإنّه بناءً عليه يكون عمله قابلا لتحقّق الاستئجار عليه ، وشخصه صالحاً لأن يكون نائباً في العبادة ، ولكن مع أنّ المشهور قائلون بالمشروعيّة ، ولازمها صحّة النيابة والاستئجار ، حكي عن جمع كثير من أعاظم الفقهاء الخلاف والحكم بعدم صحّة نيابته(2) ، ولم يعرف له وجه وجيه بعد عدم ورود دليل خاصّ في المسألة .

والفرع الذي ينبغي التعرّض له في الختام هو نذر الصّبي عبادة غير مالية كصلاة الليل مثلا ، وأنّ هذا النّذر هل هو صحيح أم لا؟ الظاهر هو الثاني ; لأنّه ـ  مضافاً إلى انعقاد الإجماع ظاهراً على اشتراط البلوغ في انعقاد النذر وصحّته(3) ـ


(1) في ص 356 .
(2) الروضة البهية : 2 / 183 ، العروة الوثقى : 1 / 563 مسألة 1823 و ج 2 / 286 مسألة 3142 ، المستند في شرح العروة الوثقى : 16 / 236 ـ 238 ، والمعتمد في شرح المناسك : 28 / 115 ـ 116 .
(3) مدارك الأحكام : 7 / 93 ، مفاتيح الشرائع : 2 / 30 ، رياض المسائل : 11 / 477 ـ 478 ، جواهر الكلام : 35 / 356 ، مهذّب الأحكام : 22 / 280 .

الصفحة 370

نقول : إنّ هذا النذر إذا كان لغرض إيجاب العمل على نفسه ، نظراً إلى أنّ حكمه وجوب الوفاء به ، فهذا الغرض لا يترتّب عليه ; لأنّ الحكم الوجوبي مرفوع عن الصّبي أيّاً ما كان ، وإن كان لغرض آخر ، فلا يكون هناك غرض آخر متصوّر .

وبالجملة : إذا لم يؤثّر النذر أثراً زائداً فلا معنى لانعقاده وصحّته ، إلاّ أن يقال : إنّ تعلّق النذر به يوجب تأكّد استحبابه ، وهو يصير داعياً إلى العمل به ، فإنّ النذر يوجب أن يكون الوفاء به مستحبّاً بالإضافة إليه ، فتصير صلاة الليل بعنوانها مثلا مستحبة نفساً ، والإتيان بها بما أنّه وفاء بالنذر مستحبّ آخر ، فيتحقق استحبابان ، فيتاكّد الداعي إلى الإتيان بها بحيث لو لم يكن هنا نذر لما كان استحباب صلاة الليل بنفسه وبمجرّده داعياً له إلى الإتيان بها ، كما لا يخفى .

فالعمدة حينئذ هو الإجماع . أو يقال : إنّ النذر من الانشائيات ويعتبر فيها القصد ، وقد عرفت أنّ قصد الصّبي كلا قصد ، فلا يتحقّق منه الإنشاء .

هذا تمام الكلام في قاعدة مشروعية عبادات الصبي .

17 ذي الحجّة الحرام 1408 هـ

الصفحة 373

قاعدة أماريّة اليد

وهي أيضاً من القواعد الفقهية المعروفة ، وتحقيق الكلام فيها يقتضي البحث في جهات :

الجهة الاُولى : في المراد من اليد في هذه القاعدة ، وأنّ اليد التي تكون موضوعاً للأحكام والآثار عند العقلاء ، وقد وقع التعبير بها في بعض النصوص الواردة عن العترة الطاهرة عليهم آلآف الثناء و التحيّة ماذا اُريد بها؟ فنقول :

الظاهر أنّ المراد بها هو الاستيلاء الخارجي والسلطة الفعليّة على شيء خارجاً ، والتعبير عن الاستيلاء باليد لأجل كونه ملازماً لليد بمعنى الجارحة المخصوصة ، غاية الأمر اختلاف مناشئ الاستيلاء وتعدّد مباديه باختلاف الموارد والأشخاص ، فالاستيلاء على الخاتم مثلا إنّما هو بكونه في يد المستولي وكونه محيطاً بأصبعه ، أو كونه في جيبه أو صندوقه مثلا ، والاستيلاء على الدار إنّما هو بكونه متصرّفاً فيها بما شاء من التصرف ، كما أنّ الاستيلاء على الأراضي إنّما هو بالزرع والغرس فيها ، والاستيلاء على الدكان إنّما هو بالكسب و التجارة فيه ، أو

الصفحة 374

بأن يكون بابه مغلقاً والمفتاح في يده ، و هكذا .

كما أنّ الاستيلاء يختلف باختلاف الأشخاص ، فاستيلاء الرّعية لا يتجاوز حدود داره وعقاره مثلا ، وأمّا السلطان فهو مستول على المملكة بأسرها ، فالتصرّف في شيء من أراضيها وغيرها ولو كان هي القطعة من السماء المختصّة بها المعبّر عنها بالحريم الفضائي ، تصرّف فيما هو تحت يده واستيلائه .

نعم ، ربما يتزاحم بعض الجهات الموجبة للاستيلاء مع البعض الآخر ، كما إذا كان أحد الشخصين راكباً على الدابّة وزمامها بيد الآخر ، وفرض إدّعاء كلّ منهما ملكية تمامها ، ولابدّ حينئذ من المراجعة إلى العرف ، وأنّه إن حكم بتقدّم أحد الاستيلائين فهو ، وإلاّ فيسقط كلاهما عن الاعتبار .

وبالجملة : لا شبهة في أنّ المراد باليد هو الاستيلاء الفعلي والسلطة الخارجية الملحوظة عند العرف والعقلاء ، ومجرّد القدرة على تحصيل هذا الاستيلاء لا يوجب تحقّق اليد .

ودعوى أنّ اليد بهذا المعنى تارة : تكون مسبّبة عن الملكية ، كما في موارد البيع والصلح والإرث الذي هو سبب قهريّ ، واُخرى : تكون سبباً لحصولها ، كما في باب الحيازة .

مدفوعة بأنّه إن كان المقصود من هذه الدعوى كون اليد عبارة اُخرى عن الملكية التي هي أمر اعتباري ، فيردّه ـ مضافاً إلى منع اقتضاء السببية والمسببية لذلك كما هو واضح ـ : أنّ المراد باليد كما عرفت هو الاستيلاء الخارجي المعتبر عند العرف ، المتوقّف على مباد واقعية ومقدّمات خارجية ، وهو يغاير الملكية التي هي أمر اعتباري محض ; فإنّ الاستيلاء وإن كان أمراً اعتباريّاً ، ولا مجال لدعوى كونه من الاُمور التكوينية ; ضرورة أنّ ما يكون في الخارج هو تصرّف المستولي على الدّار مثلا بما شاء ، إلاّ أنّ كون هذا التصرّف استيلاءً ويداً عليها منوط باعتبار

الصفحة 375

العقلاء ، بمعنى : أنّ العرف يعدّ ذلك يداً واستيلاءً ، فالمقام نظير الفوقية والتحتية التي هي من الاُمور الاعتباريّة ، غاية الأمر له مباد خارجيّة .

وإن كان المقصود انحصار دائرة اليد بموارد ثبوت الملكيّة سبباً أو مسبّباً ، فمن الواضح أيضاً خلافه ; لأنّه ربما يتحقّق غصباً أو بصورة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، غاية الأمر أنّ اليد التي هي موضوع القاعدة ـ كما سيأتي(1) ـ عبارة عن اليد المشكوكة التي لم يعلم اقترانها مع الملكية أو الإذن من المالك ، ويحتمل كونها عن غصب ، فلا مجال للمناقشة في أنّ المراد باليد نفس الاستيلاء الخارجي المتحقّق عند العرف والعقلاء .

ثمّ إنّه ربما يتحقّق تعدّد اليد والاستيلاء بالنسبة إلى مال واحد وشيء فارد ، كالشريكين أو الشركاء في دار واحدة ، وعليه : فمقتضى قاعدة أمارية اليد الحكم بثبوت الملكيّة لهما أو لهم بنحو الشركة والإشاعة ، وسيأتي الكلام فيه مفصّلا إن شاء الله تعالى .

كما أنّه لا شكّ في أنّ يد الوكيل إذا اعترف بالوكالة تكون يد الموكّل ، وهكذا غير الوكيل ، كالودعي والمستأجر والمستعير والمرتهن وأشباههم .

الجهة الثانية : في مدرك القاعدة ومستندها ، وهو اُمور :

الأوّل : بناء العقلاء من جميع الملل والاُمم ، من غير فرق بين المتديّنين منهم وغيرهم ، على اعتبارها وكونها أمارة عندهم لملكيّة ذي اليد ، ولا شبهة في ثبوت هذا البناء وتحقّق هذه السيرة ; فإنّهم يرتّبون آثار الملكية على ما في أيدي الناس ، ولا يتفحّصون عن أنّه هل هو ملك لهم أم لا؟ بل يجعلون اليد والاستيلاء الخارجي أمارة على الملكية ، بحيث لا يعتنون باحتمال كونها يداً عادية غير مالكية .

وما ذكرنا من الأمارية ليس لأجل استحالة أن يكون للعقلاء تعبّد في


(1) في ص 385 ، الجهة الثالثة .

الصفحة 376

اُمورهم حتى تمنع الاستحالة ، بل لأجل أنّ الأصل والتعبّد مرجعه إلى البناء على ما هو مقتضى الأصل في محلّ الشك ومورد الشبهة ، مع أنّه من الواضح أنّ اعتبار اليد عند العقلاء ليس بهذا النحو ، ضرورة أنّهم لا يبنون على الملكية مع الشك فيها ، ولا يتعبّدون بالملك وآثاره مع احتمال خلافه ، بل احتمال الخلاف ملغى عندهم لا يعتنون به أصلا .

وبالجملة : لا مجال للإشكال في كون اليد فعلا عند العقلاء من الأمارات ، ولا ننكر إمكان أن يكون بحسب الأصل أصلا تعبّديّا مجعولا لأجل عدم تحقّق اختلال في النظام ، أو عدم حفظ السوق بدون اعتبارها ، لكن هذا الإمكان لا ينافي كونه بالفعل يعامل معه عند العقلاء معاملة الامارة الكاشفة الموجبة لإلغاء احتمال الخلاف .

وهذا المقدار الذي هو عبارة عن ثبوت الأمارية عند العقلاء يكفينا في مقام الاستدلال والاستناد ، ولا يلزم التفحّص والتفتيش عن ملاك الطريقية عندهم ، وأنّه هل هو الغلبة أو شيء آخر؟ مضافاً إلى أنّه لا فائدة فيه ; لعدم اقتضاء الفحص للوصول إلى إدراك الواقع وكشف الحقيقة ، كما لا يخفى .

ثمّ إنّ الظاهر عدم تحقّق ردع من الشارع عن هذه الطريقة العقلائية ، ولو قيل بعدم كفاية عدم ثبوت الردع ، بل بالافتقار إلى الإمضاء من ناحيته ، نقول : إنّ الرّوايات المتكثّرة الآتية صالحة للإمضاء ، وتأكيد تلك الطريقة وإدخالها في محيط الشرع .

الثاني : الإجماع المحقّق والإتّفاق على اعتبار ملكيّة ذي اليد بالإضافة إلى ما في يده ، ولا شبهة في تحقّق هذا الإجماع(1) ، إلاّ أنّه لا يصلح أن يكون حجّة برأسه و دليلا مستقلاًّ ; لأنّه بعد وجود مدارك متعدّدة ، ولا سيّما روايات متكثّرة في المسألة ،


(1) عوائد الأيّام : 737 عائدة 69 ، القواعد الفقهيّة للمحقق البجنوردي : 1 / 139 .

الصفحة 377

واحتمال استناد المجمعين إليها ، لا يبقى للإجماع أصالة ولا كاشفية ، فلا يكون دليلا في مقابلها كما أشرنا إليه مراراً .

الثالث : الروايات المتكثّرة التي تستفاد منها القاعدة ; وهي على ثلاث طوائف :

الطّائفة الاُولى : ما يدلّ بظاهره على اعتبار اليد بنحو الأماريّة ، كموثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة ، قال : ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له(1) .

والإشكال في سند الرّواية من جهة الزّبيري(2) مدفوع بأنّ الظاهر باعتبار ملاحظة رواياته كونه ثقة في نقل الرّواية ، كما أنّ دلالتها على اعتبار الاستيلاء واليد وكونها طريقاً إلى ثبوت الملك واضحة ; فإنّ الحكم باختصاص متاع النساء بهنّ إنّما هو لأجل كون ذلك أمارة على يدها ، فهو أمارة على الأمارة ، كما أنّ اشتراكهما في ما كان مشتركاً بينهما إنّما هو لأجل كشف ذلك عن ثبوت اليد لهما معاً ، فالجملتان الأوّليتان في الرواية تدلاّن على وجود اليد وثبوتها ، غاية الأمر ثبوتها في الاُولى للمرأة ، وفي الثانية للرجل والمرأة معاً .

والجملة الأخيرة تدلّ على أمارية اليد وكون الاستيلاء دليلا على الملكية ، وليس المراد الاقتصار على اليد في مقام النزاع ـ بل الظاهر أنّ المراد بيان اعتبار اليد بالنسبة إلى ذيها ـ حتى يجب على الآخر إقامة البيّنة ، ومع عدمها يكتفى بيمين ذي اليد ، وعدم تعرّض الرواية لما كان من متاع الرجال فقط ، وأنّه للرجل ، لا يقدح في


(1) تهذيب الأحكام : 9 / 302 ح 1079 ، وعنه وسائل الشيعة : 26 / 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3 .
(2) هو : عليّ بن محمد بن الزبير القرشي الواقع في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال .

الصفحة 378

الاستدلال بها ; لإمكان أن يكون ذلك لأجل كون التعرّض للقسمين الآخرين كافياً ومغنياً بعد بيان الملاك ، وأنّه هو اليد ، وهي حجّة كما لا يخفى .

ورواية عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألني هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثمّ يرجع عنه؟ فقلت له : بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما ، فادّعاه ورثة الحيّ وورثة الميّت ، أو طلّقها ، فادّعاه الرجل وادّعته المرأة ، بأربع قضايا ، فقال : وما ذاك؟ قلت : أمّا أوّلهنّ فقضى فيه بقول إبراهيم النَخّعي ، كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة ، ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل ، وما كان للرّجال والنساء بينهما نصفان ، ثمّ بلغني أنّه قال : إنّهما مدّعيان جميعاً ، فالذي بأيديهما جميعاً بينهما نصفان .

ثمّ قال : الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه ، وهي المدّعية ; فالمتاع كلّه للرجل إلاّ متاع النساء الذي لا يكون للرجال ، فهو للمرأة ، ثمّ قضى بقضاء بعد ذلك لولا أنّي شهدته لم أروه عنه ، ماتت امرأة منّا ولها زوج وتركت متاعاً ، فرفعته إليه فقال : اكتبوا المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج : هذا يكون للرجل والمرأة ، فقد جعلناه للمرأة إلاّ الميزان ; فإنّه من متاع الرجل فهو لك ، فقال (عليه السلام) لي : فعلى أيّ شيء هو اليوم؟ فقلت : رجع إلى أن قال بقول إبراهيم النخعي أن جعل البيت للرجل .

ثمّ سألته (عليه السلام) عن ذلك فقلت : ما تقول أنت فيه؟ فقال : القول الذي أخبرتني : أنّك شهدته وإن كان قد رجع عنه ، فقلت : يكون المتاع للمرأة؟ فقال : أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟ فقلت : شاهدين ، فقال : لو سألت من بين لابتيها ـ يعني الجبلين ، ونحن يومئذ بمكّة ـ لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به ، وهذا المدّعي ، فإن زعم أنّه

الصفحة 379

أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة(1) .

والرواية تدلّ على اختصاص متاع البيت بالمرأة ، وأنّ الرجل هو المدّعي إن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة ، معلّلا بوضوح أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به ، فمفادها أنّ المرأة مستولية على متاع البيت ، والاستيلاء كاشف عن كونها مالكة ، فيجب على الزوج إقامة البيّنة ، والمرأة مع عدمها لا يجب عليها إلاّ اليمين ، فدلالة الرواية واضحة . كما أنّ سندها أيضاً غير قابل للإشكال من جهة محمد بن إسماعيل الرّاوي عن الفضل بن شاذان ، فإنّه يستفاد من التتبّع في رواياته كونه مورداً للوثوق ، مضافاً إلى أنّ إجازة الفضل له نقل كتابه أيضاً تكشف عن الاعتماد عليه .

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الدّار يوجد فيها الورق؟ فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به(2) .

ورواية جميل بن صالح قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : رجل وجد في منزله ديناراً ، قال : يدخل منزله غيره؟ قلت : نعم كثير ، قال : هذا لقطة ، قلت : فرجل وجد في صندوقه ديناراً ، قال : يدخل أحد يده في صندوقه غيره ، أو يضع فيه شيئاً؟ قلت : لا ، قال : فهو له(3) .


(1) الكافي : 7 / 130 ح 1 ، تهذيب الأحكام : 6 / 297 ـ 298 ح 829 ـ 831 و ج 9 / 301 ح 1078 ، الاستبصار : 3 / 44 ـ 45 ح 149 ـ 151 ، وعنها وسائل الشيعة : 26 / 214 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1 .
(2) الكافي : 5 / 138 ح 5 ، تهذيب الأحكام : 6 / 390 ح 1169 ، وعنهما وسائل الشيعة : 25 / 447 ، كتاب اللقطة ب 5 ح 1 .
(3) الكافي : 5 / 137 ح3 ، الفقيه : 3 / 187 ح 841 ، تهذيب الأحكام : 6 / 390 ح 1168 ، وعنها وسائل الشيعة : 25 / 446 ، كتاب اللقطة ب 3 ح 1 ، وفي روضة المتقين : 7 / 334 عن الفقيه .

الصفحة 380

ورواية دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام)  : أنّه سئل عن الورق توجد في الدّار ،فقال :إن كانت عامرة فهي لأهلها ، وإن كانت خراباً فسبيلها سبيل اللقطة(1) .

الطائفة الثانية : ما تدلّ على حجيّة اليد واعتبارها من غير دلالة على كونها أمارة ; كرواية محمد بن الحسين قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام)  : رجل كانت له رحى على نهر قرية ، والقرية لرجل ، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطّل هذه الرحى ، أله ذلك أم لا؟ فوقّع (عليه السلام)  : يتّقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ، ولا يضرّ أخاه المؤمن(2) .

ورواية العيص بن القاسم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن مملوك إدّعى أنّه حرّ ولم يأت ببيّنة على ذلك أشتريه؟ قال : نعم(3) .

ومثلها رواية حمزة بن حمران قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : أدخل السّوق واُريد أشتري جارية ، فتقول : إنّي حرّة ، فقال : اشترها إلاّ أن يكون لها بيّنة(4) .

وما رواه على بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان ابن عيسى وحمّاد بن عثمان جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث فدك ـ إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر : أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال : لا ، قال فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ، ادَّعيت أنا فيه ، من تسأل البيّنة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين ، قال : فإذا كان في يدي شيء فادّعى


(1) دعائم الإسلام : 2 / 497 ح 1774 ، وعنه مستدرك الوسائل : 17 / 128 ، كتاب اللقطة ب 4 ح 1 .
(2) الكافي : 5 / 293 ح 5 ، الفقيه : 3 / 150 ح 659 ، تهذيب الأحكام : 7 / 146 ح 647 ، وعنها وسائل الشيعة : 25 / 431 ، كتاب إحياء الموات ب 15 ح 1 ، وفي روضة المتقين : 7 / 159 ـ 160 عن الفقيه .
(3) تهذيب الأحكام : 7 / 74 ح 317 ، الفقيه : 3 / 140 ح 614 ، وعنهما وسائل الشيعة : 18 /250 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 1 و ج 23 / 55 ، كتاب العتق ب 29 ح 4 .
(4) الكافي : 5 / 211 ح 13 ، الفقيه : 3 / 140 ح 113 ، تهذيب الأحكام : 7 / 74 ح 318 ، وعنها وسائل الشيعة : 18 / 250 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 2 والوافي : 10 / 361 ح 17241 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>