جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
القواعد الفقهية « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 541

كيف؟ وعنوان الوفاء بالإجارة مغاير لعنوان الصلاة ، والنسبة بينهما العموم من وجه ، ولا يعقل أن يسري الأمر من متعلّقه إلى شيء آخر مغاير له ، ومجرّد اتّحاد الوفاء مع الصلاة خارجاً لا يوجب اتّحاد الأمرين ، بعد وضوح أنّ متعلّق الأحكام والتكاليف هي نفس الطبائع والعناوين ـ كما حقّقناه في الاُصول(1) ـ . وحينئذ فكيف يعقل أن يكون الأمر بالوفاء داعياً إلى الصلاة ، مع أنّ الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقه؟ فتصحيح العبادية بإتيان الصلاة بداعي الأمر المتعلّق بالوفاء بالإجارة ممّا لا يتمّ أصلا .

وتنظير ذلك بمسألة النذر وإن كان في محلّه ، إلاّ أنّ كفاية الإتيان بداعي امتثال الأمر النّذري فيها محلّ نظر ، بل منع ، بل الظاهر فيها أيضاً لزوم الإتيان بالنافلة بداعي الأمر الاستحبابي المتعلّق بها ، إِذ النذر لا يوجب انقلاب النافلة فريضة ، فلو نذر الإتيان بصلاة الليل مثلا يصير ذلك موجباً للزوم الإتيان بها بما أنّها صلاة اللّيل ، وتكون متعلّقة للامر الأستحبابي ، ولذا لو حصل منه خلف النذر يعاقب لا على ترك صلاة الليل ; لأنها مستحبة ، بل على عدم الوفاء بالنذر الذي كان واجباً .

وبالجملة : لا وجه لكفاية الإتيان بقصد امتثال الأمر الإجاري بعد وضوح عدم اتّحاده مع الأمر الصلاتي لاختلاف متعلّقيهما . ومنه ظهر فساد ما ذكره من تبعيّة الأمر الإجاري من حيث التعبدية والتوصلية لمتعلّقه ; فإنّه لا يسري إليه حتّى يكتسب منه ذلك كما عرفت ، مضافاً إلى أنّ معنى الوفاء بالإجارة هو الإتيان بالعمل بما أنّه مستحق للغير ومملوك له ، فلا يجتمع مع الإتيان به بداعي القربة ، فتأمّل . وكيف كان ، فالإشكال لا يندفع بما ذكره ; لابتنائه على اتّحاد الأمرين ، وقد عرفت منعه .

الثاني : ما اختاره جمع من المحققين من كون الاُجرة داعية ، لا في عرض داعي


(1) اصول فقه شيعة : 5 / 151 ـ 156 .

الصفحة 542

القربة ، بل في طوله(1) ، وتقريره كما أفاده السيّد (قدس سره) في حاشية المكاسب ـ مع توضيح منّا ـ أن يقال : إنّ ما يضرّ بالإخلاص إنّما هو الداعي الدنيوي الذي هو في عرض داعي الامتثال ، كالرياء وسائر الدواعي النفسانيّة . وأمّا إذا كان في طوله ، كما في مثل المقام ; بأن كان الداعي على نفس العمل هو امتثال الأمر المتعلّق به ، والداعي على إتيان العمل بداعى امتثال أمره غرض آخر دنيويّ أو اُخرويّ لا يرجع إلى الله تعالى ، فلا بأس به ; لأنّه لا دليل على لزوم أن تكون سلسلة العلل كلّها راجعة إلى الله ، كيف؟ ولازمه الحكم ببطلان عبادة جلّ الناس بل كلّهم عدا من عصمه الله تعالى منهم ; لأنّ داعيهم إلى امتثال أوامر الله إنّما هو الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب ، وهما ـ أي الثواب والعقاب ـ وإن كانا من الاُمور الاُخرويّة ، إلاّ أنّهما يشتركان مع المقاصد الدنيوية في أنّه لا يرجع شيء منهما إلى الله تعالى(2) .

ودعوى أنّ قياس الاُجرة على الغايات المترتّبة بجعل إلهيّ مع الفارق ; لأنّ سلسلة العلل إذا انتهت إلى الله تعالى فلا تُخرج المعلول عن كونه عباديّاً . وهذا بخلاف ما إذا انتهت إلى غيره ; فإنّه ليس من وظيفته جعل غاية للفعل بقصد الأمر ، وبالجملة : فرق بين أن يأتي بالصلاة لأمر الله سبحانه حتى يوسّع في رزقه ، وأن يأتي لأمر الله حتى يأخذ الاُجرة(3) .

مدفوعة بمنع انتهاء سلسلة العلل في عبادات العامّة إلى الله تعالى ; لأنّ الجنّة مطلوبة لهم بما أنّها جنّة مشتملة على النعم الّتي لا تعدّ ولا تحصى ، لا بما أنّها مخلوقة لله تعالى ولها إضافة إليه ، والنار مبغوضة لهم بذاتها ، فإتيان الصلاة لأمر الله لأجل التوسعة في الرّزق لا ينتهي إلى الله أصلا ; لأنّ محبوب النفس هي نفس التوسعة من


(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب : 116 ، بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 218 ـ 224 ، المقام الثاني ، المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الإجارة : 30 / 379 ـ 382 ، المقام الثاني .
(2) حاشية المكاسب للسيّد اليزدي : 1 / 136 .
(3) منية الطالب في شرح المكاسب : 1 / 51 .

الصفحة 543

حيث هي ، مع قطع النظر عن كونها بيد الله تعالى .

وبالجملة : الجنّة محبوبة والنّار مبغوضة بما أنّهما جنّة ونار ، كيف؟ ولو كان المحبوب هي الجنّة بما أنّها من نعم الله تعالى ، ولها إضافة إليه ، بحيث كان مرجعه إلى محبوبيّته تعالى ، لكان اللازم الإتيان بالواجبات ولو لم يترتّب على فعلها دخول الجنّة ، أو ترتّب دخول النّار ، ولا نرى من أنفسنا ذلك أصلا .

والحاصل : أنّ الدّاعي إلى العبادة في أكثر النّاس بل جميعهم إلاّ القليل منهم ، هو نفس الطمع في الجنّة بما أنّ فيها جميع المشتهيات ، أو الخوف من العقاب بما أنّ في النّار خلافها ، وحينئذ لا يبقى فرق بينهما ، وبين المقاصد الدنيوية أصلا ، فاللازم هو الالتزام بكفاية توسّط الامتثال وإن كان الباعث عليه هو الغرض الدنيوي أو الاُخروي ، الذي لا يرجع إلى الله تعالى ، وإلاّ انحصرت العبادة في ما كان من أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) وغيره ممّن لا يرون إلاّ أهلية المعبود للعبادة .

ودعوى أنّه مع أخذ الاُجرة لا يتوسّط الامتثال أيضاً ، مدفوعة بالمنع ; فإنّ المكلّف بعد علمه بأنّ ملكية العوض تتوقّف على الإتيان بالعمل الصحيح ، وهو يتوقف على قصد الامتثال ، فلا محالة يقصده ، كما أنّه إذا علم أنّ الجنّة موقوفة على ذلك يقصده كذلك .

وأمّا ما عن الشهيد الأوّل (قدس سره) في قواعده من قطع الأصحاب ببطلان العبادة إذا اُتي بها بداعي الثواب أو دفع العقاب(2) ، فالظاهر أنّ مراده ما إذا كانت الغاية المذكورة غاية لنفس العمل لا للعمل المأتيّ به بداعي الأمر ، كيف؟ وقد عرفت أنّ الغاية في عبادات غالب الناس هي ما ذكر ، فالمراد ما ذكرنا ، والوجه في البطلان عدم ترتّب الثواب على ذات العمل ، ولا يدفع به العقاب .


(1) شرح نهج البلاغة للبحراني : 5 / 361 ، وعنه بحار الأنوار : 41 / 14 ، ورواه في ج 70 / 186 مرسلا .
(2) القواعد والفوائد : 1 / 77 .

الصفحة 544

فالتحقيق في الجواب عن منافاة العبودية لأخذ الاُجرة ما ذكرنا من الوجه الثاني ، الذي ملخّصه يرجع إلى ثبوت الطوليّة ونفي العرضية ، فتدبّر .

وربما يقال في بيان المنافاة أيضاً : إنّ دليل صحّة الإجارة هو عموم {أُوفُوا بِالعُقُودِ}(1) ، ويستحيل شموله للمقام ; لأنّ الوفاء بالشيء عبارة عن إتمامه وانهائه ، فالوفاء بعقد الإجارة هو الإتيان بالعمل المستأجر عليه أداءً لحقّ المستأجر ، ومن الواضح أنّ هذا لا يجتمع مع الإتيان به أداءً لحقّ الله وامتثالا لأمره ، فلا يعقل اجتماعهما في محلّ واحد(2) .

وفيه ـ مضافاً إلى عدم انحصار دليل صحّة الإجارة بالآية المذكورة ، بل يدلّ عليها آية «التجارة عن تراض»(3) أيضاً ـ : أنّ الوفاء بالعقد لا يتوقّف على عنوان خاصّ ، بل يكفي فيه إيجاد متعلّق العقد في الخارج فقط بأيّ نحو اتّفق ، بل لا يلزم أن يكون الأجير مباشراً للإيجاد ; فإنّه يكفي في حصول الوفاء الموجب لاستحقاق الاُجرة حصوله من المتبرّع بقصد التبرّع عن الأجير ، كما ثبت في محلّه من كتاب الإجارة(4) ، فالمراد من الوفاء هو حصول المتعلّق في الخارج مضافاً إلى الأجير ، ولا يتوقّف على عنوان خاصّ أصلا .

المقام الثالث : في منافاة الوجوب التعبّدي النيابي لأخذ الاُجرة وعدمها ، فنقول :

التحقيق : أنّ ما يمكن أن يقع مورداً للبحث في هذا المقام ـ بعد الفراغ عن المقامين المتقدّمين ـ هي صحّة النيابة عن الغير في الأعمال العباديّة ولو لم تكن اُجرة في البين ; لأنّه مع فرض الصحّة والمشروعية لا يبقى مجال للنزاع في جواز أخذ


(1) سورة المائدة 5 : 1 .
(2) مصباح الفقاهة : 1 / 465 .
(3) سورة النساء 4 : 29 .
(4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة : 503 .

الصفحة 545

الاُجرة ـ بعد ما ثبت في المقام الأوّل أنّ الوجوب بما هو وجوب لا ينافي جواز أخذها ، وفي المقام الثاني أنّ العباديّة بما هي كذلك لا ينافيها ـ ضرورة أنّ النيابة إن كانت توصليّة ، وفرض وجوبها لجهة ، فلا مانع من الاستئجار عليها ، وإن كانت غير توصلية بل تعبدية ، فهي أيضاً كذلك ، فمدار البحث في هذا المقام هو أصل صحّة النيّابة وعدمها ، ولا وجه للنزاع في أنّ الاُجرة فيها في مقابل أيّ شيء ، كما لا يخفى .

إذا عرفت ذلك نقول : النيابة في العبادات الواجبة والمستحبّة ممّا دلّ عليه ضرورة الفقه نصّاً وفتوى . وقد عقد في الوسائل باباً لاستحباب التطوّع بجميع العبادات عن الميّت(1) . وقد ورد الأمر الاستحبابي بالنيابة عن الحيّ في بعض الموارد(2) .

وربما يؤيّد ذلك ما ورد في شأن بعض الواجبات الإلهيّة من أنّه دين الله(3) ، أو من التعبير الظاهر في هذه الجهة ، كقوله تعالى : {وَلِلَّهِ عَلَى اْلنَّاسِ حِجُّ البَيْتِ}(4)وغيره ، بضميمة أنّ الاعتبار في باب دين الخلق أنّه كما أنّ المديون له السلطنة على إفراغ ذمّته من الدين ، وجعل الكلّي المتعلّق بعهدته مشخّصاً في فرد يدفعه إليه بعنوان أداء الدين ، كذلك هذه السلطنة ثابتة لغير المديون ; فإنّ له أن يفرّغ ذمّته بأداء دينه تبرّعاً ، وجعلت له هذه السّلطنة أيضاً ، فيمكن له أن يجعل الكلّي المتعلّق


(1) وسائل الشيعة : 8 / 276 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ب 12 .
(2) وسائل الشيعة : 11 / 196 كتاب الحج ، أبواب النيابة ب 25 وغيره .
(3) مسند أحمد بن حنبل : 1 / 489 ح 2005 ، صحيح البخاري : 2 / 298 ، كتاب الصوم ب 42 ح 1953 ، صحيح مسلم : 2 / 661 ، كتاب الصيام ب 27 ح 154 و 155 ، سنن أبي داود : 514 ، كتاب الأيمان والنذور ب 26 ح 3310 ، سنن الدارقطني : 2 / 176 ، كتاب الصيام ح 2314 و 2315 ، سنن الكبرى للبيهقي : 6 / 301 ح 8316 و 8317 ، مشكاة المصابيح : 1 / 456 ، كتاب المناسك ، الفصل الأوّل ح 2512 ، بحار الأنوار : 88 / 308 و 315 ـ 316 .
(4) سورة آل عمران 3: 97 .

الصفحة 546

بعهدة المديون مشخّصاً في فرد يدفعه بذلك العنوان إلى الدائن ، فيقال في العرف : إنّه قضى عن فلان دينه ، وهكذا في باب دين الخالق ; حيث إنّه لا فرق بينه وبين دين الخلق من هذه الجهة .

وبالجملة : لا إشكال في مشروعيّة النيابة في العبادة في الجملة في الشريعة ، وهذا يكفي لنا في هذا المقام وإن لم نقدر على تصويرها بحيث تنطبق على القواعد ، إلاّ أن يقال بالاستحالة ; فإنّها توجب صرف الأدلّة الظاهرة في المشروعية عن ظاهرها ، ولأجله لابدّ من البحث في هذه الجهة ، فنقول :

ربما يقال بالاستحالة ; نظراً إلى أنّ التقرّب اللازم في العمل العبادي غير قابل للنيابة ، فتقرّب النائب يوجب قرب نفسه لا قرب المنوب عنه ، فالقرب المعنوي كالقرب الحسّي ، فإنّ تقرّب شخص من شخص مكاناً يوجب قربه منه ، لا قرب غيره ، وإن قصده ألف مرّة .

كما أنّه ربما يقال بها ; نظراً إلى أنّ النائب لا أمر له بذات العمل ، فلا يمكنه التقرّب ، وأوامر النيابة توصّلية ، وعلى فرض تقرّب النائب بأمر النّيابة فهو تقرّب له بالإضافة إلى أمر نفسه ، لا بأمر المنوب عنه المتعلّق بالمنوب فيه .

واُجيب عن الوجه الثاني بوجوه :

منها : ما حكي عن بعض الأعلام في كتاب القضاء من أنّ النيابة من الاُمور الاعتبارية العقلائية التي لها آثار عند العقلاء ، فإذا كانت ممضاة شرعاً كان مقتضاها ترتّب تلك الآثار عليها ، وإلاّ فلا معنى لإمضائها ، فكما أنّ الضمان أمر اعتباري عقلائي ، وفائدته صيرورة الضامن بمنزلة المضمون عنه ، وصيرورة ما في ذمّة المضمون عنه ديناً على الضامن ، كذلك إذا كان المنوب فيه من العبادات ، فإنّ معنى ترتّب فائدة النيابة الاعتبارية عليها شرعاً توجّه تكليف المنوب عنه إلى النائب ; إذ لا معنى للمنزلة إلاّ ثبوت ما كان على المنوب عنه في حق النائب من

الصفحة 547

الأحكام التكليفية وآثارها(1) .

واُورد عليه بأنّه إن اُريد توجّه تكليف المنوب عنه إلى النائب حقيقة فهو محال ; لأنّ الإضافات والاعتباريات تشخّصها بتشخّص أطرافها ، فيستحيل خروجها من حدّ إلى حدّ مع بقائها على شخصيتها .

وإن اُريد انتساب تكليف المنوب عنه بعد التنزيل إلى النائب بالعرض ; نظراً إلى أنّ ذات النائب نزّلت منزلة ذات المنوب عنه ، فهو هو بالعناية ، فكذا فعله فعله بالعناية ، وأمره أمره كذلك ، ففيه : أنّ التكليف العرضي لا يجدي في الانبعاث الحقيقي ، وهو مضايف للبعث الحقيقي ، وقصد الامتثال متفرّع عليه .

وإن اُريد أنّ مقتضى تنزيل الذات منزلة ذات اُخرى شرعاً جعل تكليف مماثل جدّاً لتكليف المنوب عنه ، نظير تنزيل المؤدّى منزلة الواقع في باب الخبر ، فالتكليف المماثل وإن كان حقيقيّاً في حدّ نفسه ، إلاّ أنّه بعناية أنّه الواقع فهو تكليف حقيقي من حيث ذاته ، وواقعي من حيث العنوان عناية ، فكذا هنا ، فتكليف النائب حقيقي من حيث نفسه ، وتكليف المنوب عنه عيناً بالعناية ، فهو معنى صحيح ، ولكنّه يحتاج إلى الدليل ، وليس مجرّد الإمضاء دالاًّ على هذا المعنى ، إلاّ على تقدير عدم إمكان قصد الامتثال إلاّ بتوجيه تكليف حقيقي إلى النائب ، مع أنّه ممكن(2) .

ومنها : أنّ مباشرة الفاعل قد تكون دخيلة في الغرض المترتّب من الفعل للمولى ، فلا يسقط الأمر بفعل الغير ولو كان توصّلياً ، وقد لا يكون لها دخل في الغرض ، فيمكن أن يكون مثل هذا الأمر محرّكاً للغير نحو هذا الفعل مراعاة لصديقه واستخلاصاً له عن العقاب وعن بعده عن ساحة المولى ، فيصحّ تقرّب


(1) كتاب القضاء للآشتياني : 29 ، والحاكي هو المحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 229 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 229 ـ 230 .

الصفحة 548

النائب بأمر المنوب عنه(1) .

واُورد عليه بأنّ الغرض إن كان مترتّباً على فعل كلّ منهما بما هما هما ، فمثله يجب كفاية لا عيناً ، وإن كان مترتّباً على فعل المنوب عنه فقط ـ غاية الأمر أنّه أعمّ من المباشري والتسبيبي ، بل أعمّ ممّا بالذات وما بالعرض ـ فمثله يوجب توجّه تكليف حقيقي إلى المنوب عنه ، فيحرّكه نحو الفعل الأعم ، ويستحيل أن يكون المحرّك له محرّكاً لغيره ولو كان الغرض أعمّ ، غاية الأمر سقوط التكليف بسقوط غرضه الحاصل بفعل الغير إذا كان توصّلياً ، وحيث إنّ المفروض هي التعبّدية ، فلا يسقط الغرض إلاّ مع قصد الامتثال ، وهو متوقّف على محرّكية الأمر(2) .

ومنها : أنّ فعل النائب تارة باستنابة من المنوب عنه ، واُخرى بمجرّد نيابة الغير من دون استنابة ، فإن كان بالنحو الأوّل فالمنوب عنه كما يتقرّب بأمره بفعله المباشري ، كذلك يتقرّب بأمره بفعله التسبيبي ، فلا حاجة إلى تقرّب النائب حتى يطالب بالأمر المقرّب له ، فالتوسعة حينئذ في الآلة العاملة لا في الأمر المتعلّق بالعمل ، وإن كان بالنحو الثاني فرضى المنوب عنه بالفعل المنوب فيه كاف في تقرّبه ، ولا حاجة إلى تقرّب النائب ، ومبنى الشقّين معاً على عدم لزوم قصد التقرّب من النائب أصلا ، بل يأتي بذات العمل القابل للانتساب إلى المنوب عنه والتقرّب به شأنه(3) .

واُورد عليه بأنّ الشقّ الأوّل مبنيّ على إمكان تعلّق التكليف بالأعمّ ممّا هو تحت اختياره وما هو تحت اختيار الغير كما في المقام ; حيث إنّه يتوسّط بين الفعل


(1) حكاه المحقق الإصفهاني عن بعض أجلّة عصره حاكياً عن سيّده الاُستاذ ، في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 230 ، وانظر كتاب الصلاة للشيخ الحائري : 579 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 230 ـ 231 .
(3) حكاه المحقّق الإصفهاني عن اُستاذه على ما أفاده في بحثه لكتاب القضاء وفي غيره .

الصفحة 549

التسبيبي وبين ما يتسبّب إليه إرادة الفاعل المختار ، وهو محلّ الكلام ، والشقّ الثاني يرجع إلى الجواب عن الوجه الأوّل من وجهي الإشكال ، فتدبّر(1) .

ومنها : ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في كتاب الإجارة ممّا حاصله : أنّ دفع الإشكال موقوف على تقديم أمرين :

الأوّل : أنّ غاية كلّ فعل هي فائدته القائمة به ، وهي بوجودها الخارجي غاية ، وبوجودها العلمي علّة غائية ، والأمر ليس من فوائد الفعل بوجوده الخارجي ، كيف؟ وهو متقدّم عليه ، ولا يعقل بقاؤه بعد وجود الفعل ، فليس بوجوده العلمي علّة غائية حتى يوصف بكونه داعياً وباعثاً .

الثاني : أنّ موافقة المأتي به للمأمور به من عناوين الفعل ، وقصد الامتثال مرجعه إلى قصد إتيان المماثل للمأمور به من حيث إنّه كذلك ، وقصد موافقة الأمر مرجعه إلى قصد ما يوافق المأمور به من حيث إنّه كذلك ، ولا يخفى عليك أنّ موافقة المأتيّ به تارة بالإضافة إلى ذات المأمور به ، واُخرى بالإضافة إلى المأمور به بما هو مأمور به ، ومرجع الأوّل إلى موافقة الفرد للطبيعي ، وهو أجنبيّ عن قصد القربة ، ولا ينطبق عليه عنوان من العناوين الحسنة .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ النائب تارة : يأتي بالفعل الموافق لما اُمر به المنوب عنه من دون قصد عنوانه ، بل يدعوه إليه داع آخر ، فالفعل المنسوب إلى المنوب عنه غير عباديّ .

واُخرى : يأتي بالفعل بقصد كونه موافقاً لما أمر به المنوب عنه ، لا عن المنوب عنه ، فالفعل لا يقع عباديّاً لا عن المنوب عنه ; لعدم إتيانه عنه ، ولا عن النائب ، لعدم المضايف فيه ، إذ لا مأمور به له حتى يقصد كون المأتيّ به موافقاً للمأمور به ، ومجرّد كونه موافقا لذات المأمور به لا يجدي في العبادية .


(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 231 .

الصفحة 550

وثالثة : يأتي بالفعل بقصد كونه موافقاً للمأمور به عن المنوب عنه ، فهذا العنوان المقصود حيث إنّه عن المنوب عنه ، فمضايفه بالإضافة إليه فعليّ ، وبعد فرض انتسابه إلى من كان مضايفه فعليّاً فيه يمكن إتيان الفعل المعنون بهذا العنوان في ذاته بقصد عنوانه من أيّ شخص كان ; حيث لا يتفاوت تعنون الفعل بهذا العنوان بتفاوت الأشخاص ، وأنّ صيرورته عباديّاً بقصده لابدّ فيها من انتسابه إلى من كان مضايف العنوان فعليّاً فيه(1) .

ومرجع ما أفاده إلى أنّه لا يلزم في ثبوت وصف العبادية توجّه الأمر إلى الفاعل وإتيانه المأمور به بداعي الأمر المتوجّه إليه ، بل يكفي فيه كون العمل المأتي به موافقاً للمأمور به ، والإتيان به كذلك ; مع إمكان صحّة الانتساب إلى من كان مأموراً بذاك الأمر ، فإذا فرض قيام الدّليل على صحة النّيابة ، ومرجعه إلى إمكان الانتساب إلى المنوب عنه ، فلا يبقى من جهة العباديّة نقصان وخلل أصلا ، من دون فرق بين ما إذا كان هناك استنابة أم لا ، فإنّ ثبوت الأمر وتوجّهه إلى المنوب عنه وصحة الانتساب إليه ـ على ما هو مقتضى أدلّة مشروعية النّيابة والإتيان بقصد الموافقة للمأمور به بما هو كذلك ـ يكفي في وقوعه عبادة ; لثبوت الأمر من ناحية ، وصحّة الانتساب من ناحية اُخرى ، والإتيان بها بهذا العنوان من ناحية ثالثة . وعليه : فلا حاجة في حصول التقرّب المقوّم للعبادية لتوجّه الأمر إلى الفاعل أصلا .

وهذا هو الجواب الصحيح عن الوجه الثاني ، وبه يظهر الجواب عن الوجه الأوّل ; فإنّ مقتضى ما ذكرنا هو حصول القرب للمنوب عنه بسبب إتيان النائب المنوب فيه بقصد كونه موافقاً للمأمور به عن المنوب عنه ; بداهة أنّه إذا كانت


(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 232 ـ 233 .

الصفحة 551

عباديّته لأجل الإتيان به بذلك القصد عن المنوب عنه ، فلازمه هو حصول القرب للمنوب عنه ، ولا وجه لتقرّب النائب أصلا ، فالقصد يتحقّق من النائب ، والقرب يقع للمنوب عنه من دون محذور ، ولا وجه للالتزام بعدم لزوم قصد التقرّب على النائب ، وأنّ رضا المنوب عنه بما نسب إليه كاف في مقرّبية العمل له ، كما أنّه لا وجه للالتجاء إلى إنكار النيابة بالمعنى المعروف وإرجاع النّيابة إلى ما يساوق إهداء الثواب .

مضافاً إلى ما اُورد على الأوّل بعد توجيهه بأنّ غرضه ليس تعلّق التكليف بالأعمّ من الفعل ومن الرّضا بما يؤتى به عنه بحيث يكون الرّضا أحد فردي الواجب التخييري . وأيضاً ليس غرضه تعلّق التكليف بالأعمّ من الفعل المباشري والفعل المرضيّ به ; لاستحالة تعلّق التكليف بما ليس من ايجادات المكلّف . كما أنّه ليس المراد أنّ صدور الفعل مع الرّضا به كاف في المقرّبية ، بل الغرض أنّ الفعل المنسوب إليه بالنيابة المشروعة إذا رضي به المنوب عنه بما هو موافق لأمره وبما هو دين الله عليه قربيّ منه ، بحيث لو صدر منه مباشرة من حيث كونه كذلك لكان مقرّباً له بلا شبهة .

ومحصّل الإيراد : أنّه لا يتمّ في النيابة عن الميّت ; فإنّ المكلّف به هو العمل مع قصد الامتثال ، فلابدّ في سقوط التكليف من حصول هذا المقيّد في هذه النشأة ، فكون العمل في هذه النشأة ، وقيده في نشأة الآخرة ليس امتثالا للتكليف الذي لاموقع له إلاّ في النشأة الدنيويّة .

وإلى ما اُورد على الثاني بأنّه مناف لظاهر النصوص والفتاوى ; فإنّ الحجّ الذي يستنيب فيه الحيّ العاجز ، لا يراد منه إلاّ إسقاط التكليف المتوجّه إليه بالاستنابة ، لا مجرّد تحصيل ثوابه ، مضافاً إلى أنّ تقرّب النائب وإيصال الثواب إنّما يتصوّر فيما كان مستحبّاً في حقّ النائب كالحجّ والزيارة المندوبين ، وأمّا القضاء عن

الصفحة 552

الميّت ـ وجوباً أو تبرّعاً ـ فلا أمر للنائب إلاّ الأمر الوجوبي أو النّدبي بالنيابة لا بالمنوب فيه ، وأوامر النيابة توصّلية .

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الجواب الصحيح عن الوجه الأوّل ما ذكر ، فتدبّر .

بقي الكلام في الواجبات النظاميّة التي قام الإجماع بل الضرورة على جواز أخذ الاُجرة فيها(1) ، فإن قلنا بعدم استلزام القول بالجواز في غيرها لشيء من الايرادات العقلية المتقدّمة ـ كما هو الحقّ وقد عرفته ـ فلا يكون الحكم بالجواز فيها مخالفاً لحكم العقل وللقاعدة . وأمّا إن قلنا بالاستلزام فلابدّ من أن يكون خروج الواجبات النظامية والحكم بالجواز فيها مستنداً إلى دليل ، وفي الحقيقة يرد على المشهور القائلين بالمنع(2) ، النقض بالواجبات النظامية ، ولابدّ لهم من الجواب ، وقد اُجيب عن ذلك بوجوه :

منها : خروجها بالإجماع والسيرة القائمين على الجواز في خصوصها(3) .

ويرد عليه : أنّه إنّما يجدي إذا كان المنع لدليل تعبّدي ; فإنّه على هذا التقدير يخصّص عمومه بالإجماع والسيرة المذكورين . وأمّا إذا كان المنع لأمر عقليّ ـ كما عرفت ـ فلا موقع لتخصيصه بما عدا الواجبات النظامية ، كما هو الظاهر .

ومنها : ما عن جامع المقاصد من اختصاص الجواز بصورة سبق قيام من به الكفاية بالعمل ، وعليه : فيخرج عن أخذ الاُجرة على الواجب تخصّصاً(4) .

ويرد عليه : أنّه مناف لإطلاق كلام الأصحاب ; فإنّ ظاهرهم ثبوت الجواز


(1) مجمع الفائدة والبرهان : 8/89 ، رياض المسائل : 8/82 ـ 83 ، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 2/137 .
(2) تقدم تخريجاته في ص 531 .
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 2 / 137 .
(4) جامع المقاصد : 7 / 181 ـ 182 .

الصفحة 553

بالإضافة إلى السابق أيضاً ، وبعبارة اُخرى : مرجعه إلى تسليم الإشكال ; لأنّه مع سبق قيام من به الكفاية يسقط الوجوب ، ولا يكون أخذ الاُجرة حينئذ في مقابل الواجب كما عرفت .

ومنها : ما نسب إلى صاحب الرياض (قدس سره) من اختصاص المنع بالواجبات الذاتيّة النفسيّة ، كدفن الميّت وتعليم الأحكام ، لا الواجبات المقدميّة كالصناعات التي هي مقدّمة لحفظ النظام الواجب(1) .

واُورد عليه : بأنّ المنع ليس لدليل لبّي يؤخذ فيه بالمتيقّن ، ولا لفظيّ ليدّعى انصرافه عن الواجب الغيري ، بل المانع أمر عقلي ينافي طبيعة الوجوب نفسيّاً كان أم غيريّاً(2) .

ويمكن الجواب عنه بأنّ القدر المسلّم من حفظ النظام الواجب هو حفظه بنحو لا يوجب الهرج والمرج ، والاُجرة لا تقع في مقابل ما تعلّق به التكليف ، بل هي واقعة في مقابل المقدّمات ; ضرورة أنّها تقع في مقابل الطبابة والخياطة ونحوهما ، وهذه الاُمور مقدّمة لتحقّق الواجب ، وقد حقّق في محلّه أنّه لا يسري الوجوب من ذي المقدمة إليها(3) ، فلا يستلزم القول بالجواز فيها شيئاً من الايرادات العقلية المتقدّمة ، ولكن مقتضاه التصرّف في كلام الرياض ; لأنّ لازمه جواز أخذ الاُجرة مع حفظ الوجوب الغيري وثبوته ، كما لا يخفى .

ومنه يظهر بطلان ما عن بعض الأعلام في مقام الجواب عن صاحب الرياض ، من أنّ تلك الصناعات مع انحفاظ النظام متحدان في الوجود كالإلقاء والإحراق ، والضرب والتأديب ، والمقدّمة المتحدة الوجود مع ذيها لا تجب


(1) رياض المسائل : 8/82 ـ 83 ، والحاكي هوالمحقّق الإصفهاني في بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 210 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 210 .
(3) اُصول فقه شيعة : 4 / 559 ـ 628 .

الصفحة 554

بوجوب مقدّمي ; لاستحالة التوصّل بشيء إلى نفسه(1) .

وجه البطلان أنّ الفعل التوليدي يستحيل أن يكون متّحد الوجود مع المتولّد منه ، ومن الواضح مغايرة الخياطة وانحفاظ النظام ، وكذا غيرها ، فهذا الوجه خال عن الإشكال ، وإن كان لا يلائم التعبير عن مثل الخياطة بالواجب النظامي ; فإنّ الواجب هو ذو المقدّمة ، والخياطة لا تكون واجبة أصلا ، وفي الحقيقة يخرج ذلك عن محلّ البحث ، وهو أخذ الاُجرة على الواجب كما هو ظاهر .

ومنها : غير ذلك من الوجوه المذكورة التي تظهر مع ما يمكن أن يجري فيها من المناقشة للمتتبع المتأمّل .

هذا تمام الكلام في قاعدة أخذ الاُجرة على الواجب .


(1) حاشية على المكاسب للميرزا محمد تقي الشيرازي : 153 .
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>