جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصوم « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


الصفحة 81

لا يبطله ، ولا يُترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية ، ويكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر ، فصحّ صومها حينئذ على الأقوى 1 .

1ـ في المسألة مقامان :

المقام الأوّل : البقاء على حدث الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر ، وظاهر المتن أ نّ الباقية على أحدهما كالباقي على الجنابة متعمّداً إلى طلوع الفجر ، والدليل عليه أ مّا في الحيض فهو :

ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب  بن سالم الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم(1) .

وفي السند علي بن الحسن الفضال الذي اشتهر بالإضافة إلى اُسرته «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (2). ولكن مع ذلك فقد وصفها جماعة فيما هو المحكي منهم بضعف السند، كالشيخ والمحقّق والأردبيلي وصاحب المدارك (3). واُجيب عن ذلك بانجبار الضعف باستناد المشهور إلى الرواية ، وقد قرّر في محلّه جابريّة الشهرة الفتوائيّة وقادحيّتها في صورتي الاستناد والإعراض .



(1) تهذيب الأحكام 1 : 393 ح 1213 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 69 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1 .
(2) غيبة الشيخ: 390 ذح 355، وعنه وسائل الشيعة 27 : 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب  11  ح  13 .
(3) المعتبر 1 : 227 ، مجمع الفائدة والبرهان 5 : 47 ، مدارك الأحكام 6 : 57 ، وحكاه عن النهاية في مصباح الفقيه 14: 419، ولم نجده في النهاية .


الصفحة 82

ولكنّه أورد على هذا الجواب بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح ـ مضافاً إلى منع الكبرى كما هو مختاره ـ بمنع الصغرى ; لأنّ القدماء من الأصحاب لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم ، مع أنّ الإشكال لا ينحصر في وجود ابن فضّال في السند ، بل في طريق الشيخ إليه علي بن محمد بن الزبير ، ولم يذكر فيه قدح ولا مدح ، مع أنّه لا  أصل للشهرة المذكورة وإن كانت مذكورة في بعض كتب الشيخ الأعظم (قدس سره)  (1)، والأصل فيها ما ذكره الشيخ في محكي كتاب الغيبة أنّه سئل الحسين بن روح عن كتب الشلمغاني ، فأجاب بأنّي أقول فيها بما قاله العسكري (عليه السلام) في كتب بني فضال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (2).

واستظهر عدم صحّة هذه الرواية ; لأنّها مروية عن خادم الحسين بن روح وهو مجهول حتى إسماً ، فالإشكال المهمّ عدم إحراز وجود أصل الرواية في كتاب ابن فضّال ، وذكر في الذيل أ نّ طريق الشيخ إلى كتاب ابن فضّال وإن كان ضعيفاً لما ذكر ، إلاّ أنّه حيث يكون طريق النجاشي إليه صحيحاً ، وشيخهما شخص واحد ; وهو أحمد بن محمد بن عبدون ، فطبيعة الحال تقتضي أنّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما  نقله للنجاشي من دون زيادة ولا نقيصة ، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ إليه(3) .

أقول : هذا الطريق يكفي جواباً عن عدم وجود الرواية في كتاب ابن فضال احتمالاً ، وأمّا الاعتماد على أصل رواياتهم فهو ـ أي الإشكال ـ بحاله ; لما مرّ منه من أنّ الراوي عن الحسين بن روح خادمه المجهول من حيث الإسم فضلاً عن



(1) كتاب الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) 1 : 36 .
(2) غيبة الشيخ: 389 ح 355 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 201 ـ 203 .


الصفحة 83

الوصف ، فلم تثبت صحّة الرواية ، ثمّ إنّه يمكن إثبات الحكم في الحيض بطريقالأولويّة بالإضافة إلى الاستحاضة التي سيأتي فيها أ نّ ترك الأغسال النهاريّة موجب للبطلان ; لأنّ الحيض أهمّ من الاستحاضة بلا إشكال .

وكيف كان ، فالظاهر أ نّه لا مجال للإشكال في أصل الحكم ; وهو كون التعمّد على البقاء على حدث الحيض، كالبقاء على الجنابة متعمّداً في عدم صحّة الصوم وبطلانه ، فتدبّر .

هذا كلّه في الحيض .

وأمّا النفاس ـ فمضافاً إلى ما عرفت من الأولويّة بالإضافة إلى الاستحاضة التي هي أقلّ شأناً من النفاس ، فالرواية الواردة فيها(1) تشمل النفاس أيضاً ـ يدلّ عليه ما يستفاد من الروايات ـ مع ما فيها من التعابير المختلفة من حيث إنّه حيض محتبس نظراً إلى أ نّ الحامل لا تحيض غالباً ، خصوصاً المقرب منها وإن كان ربّما يناقش في هذه الروايات بعدم كونها نقيّة من حيث السند ـ أ نّ النفاس ـ إلاّ في بعض الخصوصيّات ـ كالأقلّ الذي هو في الحيض ثلاثة أيّام وفي النفاس لحظة ، فالظاهر حينئذ جريان حكم الحيض بالنسبة إلى النفاس .

المقام الثاني : الاستحاضة ، وقد فصّل فيها في المتن بين الأغسال النهاريّة المعتبرة في الصلوات النهاريّة كالاستحاضة الكثيرة أو المتوسّطة التي يجب فيها الغسل قبل الصلاة ، فحكم فيها ببطلان الصوم مع ترك الاغتسال قبلها ، وبين الغسل الواجب لأجل صلاة المغرب ، كما في المثال إذا استحاضت بعد صلاة الظهرين ، فحكم فيه بعدم كون ترك الاغتسال موجباً للبطلان . وفي العروة(2) جعل



(1) تأتي في ص 86 .
(2) العروة الوثقى 2 : 23 مسألة 2432 .


الصفحة 84

الاشتراط في الفرض الأوّل مقتضى الاحتياط الوجوبي .

والدليل الوحيد في هذا الباب صحيحة علي بن مهزيار التي رواها المشايخ الثلاثة قال : كتبت إليه (عليه السلام)  : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز (يصحّ خ ل) صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب (عليه السلام)  : تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ; لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر (فاطمة خ ل) والمؤمنات من نسائه بذلك(1) .

قال في الوسائل بعد نقل الرواية : هذا يحتمل إرادة وجوب قضاء الصلاة والصوم ; بأن يكون إنكاراً لا إخباراً ، يعني : كيف تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؟ بل تقضيهما معاً ; لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بذلك . ويحتمل أن يكون عدل عن جواب السؤال للتقيّة ; لأنّ الاستحاضة عند العامّة حدث أصغر ، وإنّما ذكر فيه حكم الحائض والنفساء دون المستحاضة ، ويحتمل كون لفظ «ولاء» ممدوداً ; أي متوالياً متتابعاً ، فيدلّ على قضاء الصلاة والصوم ، وقد حملها الشيخ على جهلها بوجوب الغسل ، انتهى ما في الوسائل .

وفي الرواية جهات من الكلام :

الاُولى : التفكيك بين قضاء الصوم وقضاء الصلاة ، مع أنّ مقتضى القاعدة قضاء الصلاة حتماً ; لأنّ الطهور أحد الخمسة المستثناة في حديث «لا تعاد»(2) .



(1) الكافي 4: 136 ح 6، تهذيب الأحكام 4 : 31 ح 937 ، الفقيه 2 : 94 ح 419 ، علل الشرائع : 293 ح 1 ، منتقى الجمان 2 : 501 ، وعنها وسائل الشيعة 2 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحائض ب 41 ح 7 و  ج 10 : 66  ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1 .
(2) تقدّم في ص 78 .


الصفحة 85

واُجيب(1) عنها بأنّ التفكيك بين فقرات الحديث في الحجّية غير عزيز ، فتطرح تلك الفقرة حملاً على اشتباه الراوي في النقل .

الثانية : اشتمالها في بعض النسخ على أمر فاطمة (عليها السلام) بذلك ، مع أ نّها لم تكن ترى حمرة أصلاً ، ويحتمل قويّاً أن يكون الوجه في تسميتها (عليها السلام) بذلك هو كونها قد  فطمت من الدمّ ، وإن كان يحتمل أن يكون في معناها أ نّ الخلق قد فطموا عن كنه معرفتها ، كما أنّه يحتمل أن يكون الوجه فيها هو أ نّ الله قد فطم فاطمة وشيعتها ومحبّيها من النار، كما في بعض الروايات(2) .

واُجيب عنها بوجهين :

أحدهما : أن يكون المراد فاطمة اُخرى ، وهي بنت أبي حبيش المذكورة في روايات اُخر (3) ، ولا يخفى بعد هذا الوجه خصوصاً مع التخصيص بالذكر .

ثانيهما : أن يكون المراد أمر الزهراء ـ سلام الله عليها ـ لأجل أن تعلم المؤمنات لا لعمل نفسها (4) ، ولا يخفى بعد هذا الوجه أيضاً ، فالظاهر أن يقال بعدم وجود هذا الإسم الشريف في الرواية، كما في بعض نسخ نقلها(5) .

الثالثة : لا ريب في دلالة الرواية على حكم الاستحاضة الكثيرة ، وأمّا شموله للاستحاضة المتوسّطة بل القليلة فمشكل ; من أنّ مورد السؤال هو المستحاضة التي يجب عليها الغسل لكلّ صلاتين ، وهي ليست إلاّ الكثيرة ، ومن أنّ المتفاهم منها



(1) المجيب هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 207 .
(2) بحار الأنوار 43 : 12 ـ 15 ح 3 و 4 و 8 ـ 12، وهكذا .
(3) وسائل الشيعة 2: 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ب 3 ح 4 و ص 281 ب 5 ح 1 .
(4) المجيب هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 208 .
(5) الفقيه 2 : 144 ح 1989 ، طبع جامعة المدرّسين ، علل الشرائع : 293 ب 224 ح 1 .


الصفحة 86

مطلق الحدث من هذه الناحية ولو كانت قليلة ، ولا خفاء في بعد الثاني وعدم دلالة الرواية على حكم الاستحاضة القليلة ، وعلى تقدير الشكّ فالمرجع أصالة العدم .

الرابعة : عدم دلالة الرواية على التفصيل المذكور في المتن بالنسبة إلى الأغسال النهاريّة ، ومرجعه إلى الغسل لكلّ صلاتين ، إلاّ أن يقال : إنّه يكفي في ناحية عدم المعلول عدم شيء من أجزاء علّته ، ولا يقدح فيه عدم الاُمور الاُخر بوجه ، فالمستحاضة الكثيرة على ما هو المفروض إذا تركت الغسل في مجموع شهر رمضان فقد تركت الأغسال النهاريّة طبعاً . نعم ، لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا عملت المستحاضة الأعمال الواجبة عليها من الغسل بالنسبة إلى اُسبوع من شهر رمضان مثلاً، لا يمكن لنا الحكم ببطلان صومها بالنسبة إلى ذلك الاُسبوع وإن كان باطلاً بالنسبة إلى غيره ، كما لا يخفى .

أقول : وهذا وإن كان أمراً صحيحاً في نفسه ، إلاّ أنّ البحث في دلالة الرواية على خصوصيّة للأغسال النهاريّة وعدمها ، والظاهر العدم . وأمّا الأغسال الليلية ، فقد قال السيّد في العروة : ولا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة وإن كان أحوط . وكذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية ; بمعنى أ نّها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك . نعم ، يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر ، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة (1)، وفي المتن : «ولا يترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية ، ويكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر ، فصحّ صومها حينئذ على الأقوى» .

واستظهر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه لا وجه لتخصيص الغسل فيها بالنهاري بعد



(1) العروة الوثقى 2: 23 ـ 24 مسألة 2432 .


الصفحة 87

شمول قوله (عليه السلام)  : «من الغسل لكلّ صلاتين» للأغسال الليلية أيضاً ، بل استظهر الشمول لغسل الفجر وإن كان اللّفظ قاصراً ، والمراد أ نّها لم تعمل بوظيفتها من الغسل للصلوات ، ولا يحتمل الفرق بين الغسل للفجر وبينه للظهرين والعشاءين . نعم ، لو  كانت جملة : «لكلّ صلاتين» مذكورة في كلام الإمام (عليه السلام) أمكن التفكيك بينهما ، ولكنّه ليس كذلك . وعليه : فالمراد أنّها لم تعمل بوظيفتها ولم ترفع حدثها بالفعل ; أي بالغسل . وعليه : فإذا لم تغتسل للّيلة الماضية حتى طلع الفجر فهي بمثابة الحائض التي دخلت في الصبح مع الحدث (1).

أقول : أمّا بالإضافة إلى الليلة المستقبلة ـ بأن كان الغسل فيها شرطاً لصحّة صوم اليوم الماضي ـ فهو وإن كان ممكناً في مقام الثبوت ; لما قرّر في علم الاُصولفي بحث الشرط المتأخّر وإمكان تصوّره كالشرط المقارن أو السابق ، إلاّ أنّهلا دليل عليه في مقام الإثبات وإن وقع الاحتياط الاستحبابي فيه ، كما عرفت فيكلام العروة ; وهو الذي يستفاد من المتن باعتبار عدم التعرّض لاعتبارهوشرطيّته .

وأمّا بالإضافة إلى الليلة الماضية ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه . نعم ، إذا استمرّت الاستحاضة إلى الطلوع فاغتسلت قبله لصلاة الليل أو الفجر يكفي ، وفي صورة عدم الاستمرار فربّما يقال: إنّه أيضاً كذلك; لاتّصافها بالدخول في الصبح مع الحدث، فهي بمثابة الحائض كما مرّ ، وبهذا يتحقّق الفرق بينه وبين ما لو حدثت الاستحاضة الموجبة للغسل بعد الإتيان بالظهرين قبل الغروب وانقطعت بعده قبل العشاءين .



(1) المستند في شرح العروة 21 : 208 ـ 209 .


الصفحة 88

ثمّ إنّه استظهر البعض المتقدّم أيضاً أنّ المستفاد من الرواية ـ أي المتقدّمة ـ أنّ الدخيل في صحّة الصوم إنّما هو الغسل للصلاة ; بأن تعمل المستحاضة ما هو وظيفتها من الأغسال، لا أنّ الغسل معتبر بنفسه للصوم كي يكون البقاء على حدث الاستحاضة مضرّاً . وعليه : فلو اغتسلت بعد الفجر لصلاة الصبح كفى ، ولا يلزمها الغسل قبل الفجر للصوم كي يتكلّم في أ نّه يغني عن الغسل لصلاة الفجر ، بل يجوز لها أن تبقى على حدثها وتغتسل بعد الفجر ، بل قد يتأمّل في المشروعيّة قبله ; للزوم الموالاة بين الغسل والصلاة ، والمفروض استمرار الدم الذي هو موجب للحدث إلخ(1) .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى منافاته لاستظهاره المتقدّم ; لأنّه كان مبنيّاً علىأنّ حدث الاستحاضة كحدث الحيض الذي دخلت المرأة في الصبح معه ، والمتفاهم العرفي من الرواية أيضاً ذلك ـ : أنّه وإن كان لا دليل على مدخليّة غير الاغتسال من الأعمال الواجبة عليها ـ كتغيير الخرقة والقطنة ونحوه ـ في صحّة الصوم ، ولذا صرّح السيّد في العروة(2) بعدم الدخالة وإن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك ، ويمكن إسناده إلى المتن من جهة عدم التعرّض لغير الغسلمن تلك الأعمال ، إلاّ أنّ ذلك لا ينافي كون دخالته ـ كحدث الحيض ـ من ناحية الاتّصاف بذلك .

وحينئذ فصحّة الصوم في المثال المفروض ممنوعة ، بل الظاهر لزوم تقديمالغسل على الفجر ، غاية الأمر أنّه حيث يكون اغتسالها للصلاة ، فاللازم أن



(1) المستند في شرح العروة 21 : 209 ـ 210 .
(2) العروة الوثقى 2 : 24 ذ مسألة 2432 .


الصفحة 89

مسألة 7 : فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض أو النفاس . نعم ، فيما يفسده البقاء على الجنابة ولو عن غير عمد ـ  كقضاء شهر رمضان ـ فالظاهر بطلانه به 1 .

مسألة 8 : لا يُشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت ، كما لا يضرّ مسّه به في أثناء النهار2  .


يكون ذلك بالإضافة إلى صلاة الليل أو صلاة الفجر . وأمّا أصل الإتيان بالصلاة بحيث لو  اغتسلت للصلاة ولم تصلّ أو صلّت وفقدت شرطاً من شرائط الصلاة ، فالظاهر أنّه لا يستفاد من الرواية ذلك ، كما أنّه لا دليل على التعدّي عن مورد الرواية بالنسبة إلى غير شهر رمضان حتى القضاء ، فالمرجع في ذلك أصالة البراءة ، مضافاً إلى الأدلّة الواردة في النواقض المطلقة وحصرها ، فتدبّر .

1ـ لا إشكال في أنّ فاقد الطهورين لا يسقط عنه وجوب الصوم ، بل يصحّ صومه وإن كان متعمّداً في الإجناب ، وكذا في حدوث حدث الحيض أو النفاس ; لأنّه يستحيل له رفع الحدث في مفروض المسألة ، فلابدّ من أن يقال : إمّابسقوط الوجوب ولا سبيل إليه ، أو بصحته مع شيء من الأحداث المذكورة . نعم ،في قضاء شهر رمضان مع عدم التضيّق قد عرفت أنّ الإصباح جنباً قادح في الصوموإن لم  يكن عن عمد ، فالحكم هنا كذلك ; أي لا مجال له القضاء مع الوصف المذكور .

2ـ لعدم الدليل على مفطريّة مسّ الميّت وإن كان موجباً لغسله ، من دون فرق بين أن يتحقّق ذلك في الليل أو النهار .


الصفحة 90

مسألة 9 : من لم يتمكّن من الغسل ـ لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم; ولو لضيق الوقت ـ وجب عليه التيمّم للصوم ، فمن تركه حتّى أصبح كان كتارك الغسل . ولا يجب عليه البقاء على التيمّم مستيقظاً حتّى يصبح وإن كان أحوط 1 .

مسألة 10 : لو استيقظ بعد الصبح محتلماً ، فإن علم أنّ جنابته حصلت في الليل صحّ صومه إن كان مضيّقاً إلاّ في قضاء شهر رمضان ، فإنّ الأحوط فيه الإتيان به وبعوضه; وإن كان جواز الاكتفاء بالعوض بعد شهر رمضان الآتي لايخلو من قوّة . وإن كان موسّعاً بطل إن كان قضاء شهر رمضان ، وصحّ إن كان غيره أو كان مندوباً ، إلاّ أنّ الأحوط إلحاقهما به . وإن لم يعلم بوقت وقوع الجنابة ، أو علم بوقوعها نهاراً ، لا يبطل صومه من غير فرق بين الموسّع وغيره والمندوب ، ولا يجب عليه البدار إلى الغسل، كما لا يجب على كلّ من أجنب

1ـ من لم يتمكّن من الغسل بسبب فقدان الماء أو بغيره من الأسباب ـ ولو كان هو ضيق الوقت ـ تنتقل وظيفته إلى التيمّم ، وهو يكفي بدله، كما هو مفاد قوله (عليه السلام) «التيمّم أحد الطهورين». وقوله (صلى الله عليه وآله) : «يكفيك الصعيد عشر سنين»(1) .


ثمّ إنّه لا يجب على المتيمّم البقاء على التيمّم مستيقظاً حتّى يصبح ، ومنشأتوهّم الوجوب بطلان التيمّم بمجرّد النوم ، فيصدق البقاء على الجنابة مثلاً متعمّداً ، والوجه في العدم أنّ النوم كما يؤثّر في بطلان التيمّم كذلك يؤثّر فيبطلان الغسل ; ولأجله يجب التوضّؤ للصلاة إذا اغتسل قبل النوم ، ومن الواضحعدم لزوم تكراره بل جواز النوم بعده . نعم ، مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك كمافي المتن .



(1) تقدّما في ص 81 .


الصفحة 91

بالنهار بدون اختيار; وإن كان أحوط 1 .

1ـ لو استيقظ بعد الصبح محتلماً ففي المسألة صورتان :

الصورة الاُولى : ما إذا علم أنّ جنابته الحاصلة في النوم قد حصلت في الليل قبل طلوع الفجر ، فإن كان الصوم واجباً مضيّقاً يصحّ صومه ; لما عرفت من أ نّ المفطر هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ، والمحتلم في النوم ليس بمتعمّد أصلاً ، وقد استثنى منه في المتن قضاء شهر رمضان المضيّق ، واحتاط فيه بالإتيان به وبعوضه بعد انقضاء شهر رمضان الآتي وإن حكم بجواز الاكتفاء بالعوض كذلك ـ أي بعد شهر رمضان ـ على سبيل نفي الخلوّ عن القوّة ، وهو يدلّ على كون احتياطه استحبابيّاً لا وجوبيّاً مطلقاً ، والوجه في الاحتياط واضح .

وأمّا جواز الاكتفاء بالعوض فلبطلان الصوم في القضاء بالإصباح جنباً وإن لم  يكن متعمّداً ، كما عرفت ، والمفروض تضيّقه وعدم إمكان الإتيان به قبل رمضان ، فلا محالة يجوز الاكتفاء به بعده ، وإن كان غير واجب مضيّق بل موسّعاً ; سواء كان واجباً أو مندوباً ، فقد فصّل في المتن بينهما بالبطلان في الأوّل إذا كان قضاء شهر رمضان ، وبالصحّة في غيره ، إلاّ أنّه احتاط استحباباً بإلحاق الصورتين بالواجب المضيّق ، والوجه في التفصيل ما عرفت ، وفي الاحتياط واضح .

الصورة الثانية : إذا شكّ في زمان الاحتلام وحدوث الجنابة ، وأ نّه كان قبل طلوع الفجر أو بعده ، أو علم بالوقوع في النهار وبعد طلوع الفجر ، وقد حكم فيها بعدم البطلان في جميع فروضها ، مضيّقاً كان الواجب ، أو موسّعاً ، أو كان مندوباً ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى عدم كون الاحتلام من الاُمور الاختياريّة فلا وجه لبطلان الصيام به ـ : الروايات الواردة في هذه المسألة التي عمدتها صحيحة عبدالله ابن ميمون القّداح،عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء والاحتلام


الصفحة 92

مسألة 11 : من أجنب في الليل في شهر رمضان ، جاز له أن ينام قبل الاغتسال إن احتمل الاستيقاظ حتّى بعد الانتباه أو الانتباهتين ، بل وأزيد، خصوصاً مع اعتياد الاستيقاظ ، فلا يكون نومه حراماً; وإن كان الأحوط شديداً ترك النوم الثاني فما زاد . ولو نام مع احتمال الاستيقاظ فلم يستيقظ حتّى طلع

والحجامة ، الحديث(1) وتؤيّدها الروايات الاُخر وإن كانت غير نقيّة السند .


ولا يجب عليه البدار إلى الغسل، كما لا يجب على كلّ من أجنب في النهار بدون اختيار ; لعدم الدليل على وجوب البدار وإن كان مقتضى الاحتياط ذلك ، وقد وردفي مرسلة مضمرة قوله (عليه السلام)  : إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل ، الحديث(2) .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الصحيحة ـ وأ نّ الاحتلام بعنوانه لا يكون مفطراً ـ أ نّه لا  فرق في ذلك بين الاحتلام غير الاختياري المحض ، وبينه مع الانتهاء إلى الاختيار ، كما فيما لو علم لأجل العادة أو غيرها بأنّه لو نام يحتلم ; فإنّه لا مانع له من النوم ولايكون ممنوعاً منه في النهار ، لإطلاق الصحيحة من ناحية ، وعدم الانصراف فيها بتخيّل اتّصاف الفرد المذكور بالندرة; للمنع صغرى وكبرى ، مضافاً إلى عدم شمول العناوين الممنوعة في الروايات من الجماع أو إتيان الأهل ، أو العبث بها ، أو اللزوق أو أمثال ذلك للاحتلام قطعاً ، فلا وجه لعدم جواز النوم في المورد المفروض ، فتأمّل جيّداً .



(1) تهذيب الأحكام 4 : 260 ح 775 ، الاستبصار 2 : 90 ح 288 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 103 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 320 ح 982 ، المقنعة : 348 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 104 ، كتاب الصوم، أبواب مايمسك عنه الصائم ب 35 ح 5 .


الصفحة 93

الفجر ، فإن كان بانياً على عدم الاغتسال لو استيقظ ، أو متردّداً فيه ، أو غير ناو له ـ وإن لم يكن متردّداً ولا ذاهلاً وغافلاً ـ لحقه حكم متعمّد البقاء على الجنابة ، فعليه القضاء والكفّارة كما يأتي ، وإن كان بانياً على الاغتسال لا شيء عليه; لا  القضاء ولا الكفّارة . لكن لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط ـ لو استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتّى طلع الفجر ـ بالجمع بين صوم يومه وقضائه وإن كان الأقوى صحّته .

ولو انتبه ثمّ نام ثانياً حتّى طلع الفجر بطل صومه ، فيجب عليه الإمساك تأدّباً والقضاء . ولو عاد إلى النوم ثالثاً ولم ينتبه فعليه الكفّارة أيضاً على المشهور ، وفيه تردّد ، بل عدم وجوبها لا يخلو من قوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . ولو كان ذاهلاً وغافلاً عن الاغتسال ، ولم يكن بانياً عليه ولا على تركه ، ففي لحوقه بالأوّل أو الثاني وجهان ، أوجههما اللحوق بالثاني 1 .

1ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لحكم النوم قبل الاغتسال لمن أجنب في الليل في شهر رمضان ; سواء كانت جنابته اختياريّة كالجماع ونحوه ، أو غير اختياريّة كالاحتلام ، وفيه فرضان :

الأوّل : صورة احتمال الاستيقاظ حتى بعد انتباهة أو انتباهتين ، بل وأزيد خصوصاً مع اعتياد الاستيقاظ ، كما ربما يشاهد في بعض الأفراد وفرض تحقّق الاستيقاظ والغسل قبل طلوع الفجر .

وفي هذا الفرض لا يكون نومه حراماً وإن احتاط شديداً ترك النوم الثاني فما زاد ، وسيأتي بيان وجهه إن شاء الله تعالى .

الثاني : لو نام مع احتمال الاستيقاظ فضلاً عن العلم به ، فلم يستيقظ حتى طلع الفجر ، وفيه صور :


الصفحة 94

الاُولى :ما لو كان بانياً على عدم الاغتسال لأجل فسقه وعدم مبالاته بالشؤون الدينيّة والوظائف الشرعيّة ، أو متردّداً فيه ، أو غير ناو للاغتسال وإن لم يكن متردّداً ولا ذاهلاً وغافلاً ، فلا إشكال في كونه من المصاديق الظاهرة لتعمّد البقاء; لعدم الفرق في تحقّق التعمّد بين صورة الاستيقاظ إلى الطلوع وترك الاغتسال قبله ، وبين ما لو كان بانياً على عدم الاغتسال لو استيقظ وإن كان يجري في الثاني احتمال التوبة والعزم على الغسل لو استيقظ قبله ، ولكنّه لا يجدي بالإضافة إلى الوصف الفعلي ; وهو البناء على عدم الاغتسال واستمرار النوم إلى الطلوع .

كما أنّه لا فرق بين صورة البناء على عدم الاغتسال مع الاستيقاظ ، وبين صورة الترديد فيه ، بل وصورة عدم نيّة الاغتسال وإن كانت مع عدم الترديد ; لأنّ الصوم عبارة عن النيّة على ترك المفطرات في الزمن المخصوص مقترناً بقصد التقرّب ، والمفروض في هذه الصور بأجمعها عدم تحقّق النيّة المعتبرة ، فاللازم عليه القضاء والكفّارة على ما تأتي .

الثانية : عكس الصورة السابقة ; وهي ما لو كان بانياً على الاغتسال وعازماً عليه ولكن إستمرّ نومه إلى الطلوع ولم يستيقظ قبله أصلاً ، وفي المتن حكم بأنّه لا  شيء عليه لا القضاء ولا الكفّارة ، لكن استدركه بقوله : «لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط ـ لو استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتى طلع الفجر ـ بالجمع بين صوم يومه وقضائه وإن كان الأقوى صحّته» إلخ .

أقول : أمّا وجه الصحّة وأنّه لا شيء عليه لا القضاء ولا الكفّارة ; فلأنّه وإن صار جنباً ولو اختياراً ، إلاّ أنّه مع البناء على الاغتسال والعزم عليه واستمرار النوم إلى الطلوع ـ الذي لا محالة يكون أمراً غير اختياري ـ لا وجه للحكم بالبطلان .

نعم ، هنا روايات لابدّ من ملاحظتها .


الصفحة 95

فنقول:

منها : رواية أبي سعيد القماط ، أ نّه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال: لا شيء عليه،وذلك أ نّ جنابته كانت فيوقت حلال(1) . ومقتضى التعليل عدم الفرق بين النومة الاُولى وغيرها ، كما أ نّ مقتضى إطلاق السؤال والجواب عدم الفرق بين الجنابة الاختياريّة وغير الاختياريّة .

ومنها : رواية العيص بن القاسم ، أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : لا بأس(2) . ونفي طبيعة البأس ظاهر في عدم وجوب القضاء ولا الكفّارة ، كما أ نّ موردها النومة الاُولى ، فلا دلالة لها على عدم البأس في غيرها; لعدم الملازمة .

ومنها : رواية سماعة بن مهران قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر ؟ فقال : عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر ، الحديث(3) .

ومنها : رواية سليمان بن جعفر (حفص خ ل) المروزي ، عن الفقيه (عليه السلام) قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه(4) ، وظاهرها البطلان ، ولاينافي وجوب الإمساك عليه لأجل شهر رمضان ، كما هو المراد من الرواية السابقة ظاهراً .



(1) الفقيه 2 : 74 ح 322 ،وعنه وسائل الشيعة 10 : 57 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1 .
(2) تقدّمت في ص 75 .
(3) تقدّمت بكاملها في ص 77 .
(4) تقدّمت في ص 74 .


الصفحة 96

ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، أ نّه قال في رجل احتلم أوّل الليل ، أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتى أصبح ، قال : يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربّه(1) . ويمكن أن يكون الأصل : إذ أفطر .

ومنها : صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح . قال : يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً . قال : وقال : إنّه حقيق (لخليق خ ل) أن لا أراه يدركه أبداً(2) .

والأخيرتان ظاهرتان في التفصيل بين صورة تعمّد ترك الغسل حتى الإصباح فيجب عليه القضاء غير المنافي لوجوب الكفّارة عليه أيضاً ، أو وجوب الكفّارة الظاهر في وجوب القضاء أيضاً ، كما في جميع موارد الثبوت في الصوم ، وبين غير هذه الصورة فلا يجب عليه شيء ، لا القضاء ولا الكفّارة .

ويمكن أن يقال : إنّ مراد الأخيرتين من تعمّد ترك الغسل حتّى الإصباح البناء على عدم الاغتسال حتى مع الاستيقاظ، كما في صحيحة أبي بصير ، وبه يجمع بين الاُوليين والمتوسطتين ، بحمل ما دلّ على أنّه لا شيء عليه ، أو لا بأس به على صورة عدم البناء المذكور ، وحمل ما دلّ على لزوم القضاء أو الكفّارة على صورة البناء المذكور ، وبه يرتفع التعارض وينقطع التخاصم ، كما لا يخفى .

ولا يبقى حينئذ مجال لما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) على ما في الشرح من أنّ المقام من



(1) الكافي 4 : 105 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 63 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1 .
(2) تقدّمت في ص 74 .


الصفحة 97

موارد انقلاب النسبة ، نظراً إلى أنّ الطائفتين الاُوليين متعارضتان بالتباين ، ولكنّ الثالثة أخصّ من الاُولى فتتقيّد بها ، وبعدئذ تنقلب النسبة بينها وبين الثانية من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فتتقيّد الثانية بها ، فتكون النتيجة اختصاص البطلان والحكم بالقضاء بل الكفّارة بصورة العمد ، وأمّا إذا كان عن غير عمد فلا شيء عليه(1) .

هذا كلّه بالإضافة إلى النومة الاُولى التي يكون المراد بها في الجنابة الاختياريّة هو النوم الحاصل بعد العلم بها ، وفي الاحتلام الذي هي جنابة غير اختياريّة هو الاستيقاظ بعد التوجّه به والنوم بعده . وأمّا النومة الثانية فقد حكم فيها في المتن ببطلان الصوم ووجوب القضاء ، غاية الأمر لزوم الإمساك في شهر رمضان تأدّباً ، والظاهر أ نّه هو المعروف ، وتدلّ عليه روايتان :

إحداهما : صحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شي . قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة(2) ، بحمل الصدر ناظراً إلى النومة الاُولى ، والذيل على النومة الثانية ، والمراد من كلتا الجملتين صورة عدم التعمّد إلى ترك الاغتسال قبل طلوع الفجر ، ولا مجال لحمل الجملة الاُولى فقط على صورة عدم التعمّد ، والثانية على صورة التعمّد ، بعد ظهور الرواية في اشتراكهما في الموضوع واختلافهما في الحكم فقط ، خصوصاً مع ملاحظة التعبير بقوله (عليه السلام)  : «عقوبة» الظاهر في أنّ ذلك ليس لأجل التعمّد المقتضي لوجوب القضاء



(1) المستند في شرح العروة 21 : 225 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 212 ح 615 ، الاستبصار 2 : 87 ح 271 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 61 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1 .


الصفحة 98

على القاعدة ، بل لأجل التسامح في إيجاد الغسل ، فيحتاج إلى نوع من التنبيه ، كما في مورد نسيان النجاسة الذي هو أمر غير اختياري .

ثانيتهما : صحيحة ابن أبي يعفور ـ الذي ثبتت وثاقته من رواية أجلاّء الرواة وأعاظمهم عنه ، كما نقلناه في كتاب الاجتهاد والتقليد عن سيّدنا المحقّق الاُستاذ البروجردي (قدس سره) (1) قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ (حتّى  خ  ل) يستيقظ ، ثمّ ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح ؟ قال : يتمّ يومه (صومه  خل) ويقضي يوماً آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ (صومه  خل) يومه وجاز له(2) . وفي تعليقة الوسائل نقلاً عن التهذيبين : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتى يصبح ، قال يتمّ صومه (يومه صا) ، وفي أخره : أتمّ يومه (3).

والرواية على هذا لا تكون متعرّضة لحكم النومة الثانية الذي هو محلّ الكلام ; ولأجله ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ الاختلاف لا يكون حينئذ من جهة اختلاف نسخ الوسائل ، بل من جهة اختلاف المصادر ، والأمر دائر بين الزيادة والنقيصة ، ولا  يبعد أن يكون الترجيح مع الفقيه ; لأنّه أضبط من التهذيبين من جهة الاشتباه الناشئ من الاستعجال في التأليف ، حتى إدّعى صاحب الحدائق : أنّه قلّما توجد رواية خالية عن الخلل سنداً أو متناً(4) فيهما وإن كان فيه مبالغة واضحة ، إلى أن قال ما ملخّصه :



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، الاجتهاد والتقليد: 239 ـ 242 بحث في العدالة .
(2) الفقيه 2 : 75 ح 323 ، تهذيب الأحكام 4 : 211 ح 612 ، الاستبصار 2 : 86 ح 269 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 61 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2 .
(3) أي في وسائل الشيعة 7: 41، الطبعة الإسلاميّة، تحقيق الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي .
(4) الحدائق الناضرة 3: 156.


الصفحة 99

إنّه إن لم تثبت الزيادة ففي صحيحة معاوية المتقدّمة غنى وكفاية، وإن ثبتت كان حالها حالها ، بل الدلالة فيها أظهر ، إذ قد فرض فيها نومات ثلاث ، نومة الجنابة، ونومة بعد الاستيقاظ عنها ، والنومة الأخيرة المستمرّة إلى الصّباح ، وقوله (عليه السلام) في الذيل : «وإن لم يستيقظ » إلخ ، لا يحتمل رجوعه إلى نومة الجنابة ; لأنّ لازمه ترك التعرّض لما هو الأولى بالذكر ، وهي النومة المتوسطة ; فإنّ الإعراض عن حكم هذا والتعرّض لما هو واضح لدى كلّ أحد لعلّه مستبشع يصان عنه كلام الحكيم ، فلا مناص من رجوعه إلى النومة الثانية ـ أي الاُولى بعد الاحتلام ـ . أمّا الأخيرة فالمفروض استمرارها إلى الصباح ، فلا معنى للرجوع إليها، كما هو ظاهر .

ولكنّه مع ذلك كلّه يمكن أن يكون قوله (عليه السلام)  : «وإن لم يستيقظ» إلخ ، راجعاً إلى الصدر ; أي إذا لم يستيقظ من الجنابة أصلاً حتى أصبح فلا شيء عليه ، ولعلّ هذا أوفق ، ويكون موافقاً لما في التهذيبين ; فإنّ ما نقله الشيخ (قدس سره) أقلّ تعقيداً ممّا نقله الصدوق (قدس سره)  ، وتكون الرواية حينئذ من الروايات المطلقة الدالّة على لزوم القضاء في النوم الأوّل ، وكيفما كان ، فرواية الصدوق مجملة بالنسبة إلى هذا الحكم في النومة الثانية ، فالمرجع في الوجوب حينئذ صحيحة معاوية بن عمار ، وفيها الكفاية(1) ، انتهى .

أقول : لا ينبغي الإشكال في كون قوله (عليه السلام) في الذيل: «وإن لم يستيقظ» إلخ ، راجعاً إلى الصدر وعدلاً آخر في مقابله ، والمقصود إدامة الجنابة واستمرار نومه إلى الطلوع مع البناء على الاغتسال قبله ـ كما هو المفروض في محلّ البحث ـ من دون تحقّق استيقاظ في البين أصلاً ، وهذا ربّما يؤيّد عدم كون الجملة السابقة متعرّضة



(1) المستند في شرح العروة 21 : 228 ـ 230 .


الصفحة 100

لحكم النومة الثالثة ، بل غايتها التعرّض لحكم النومة الثانية ووجوب القضاء فيها ، كما أنّه ربما يؤيّد أنّ الرواية مشتملة على كلمة «حتى» في صدر الرواية ، والمقصود البناء على الاغتسال قبل طلوع الفجر ، ويشعر بذلك أمران .

أحدهما : عدم ذكر المنام في هذه المرحلة .

والثاني : أنّ المراد من إجناب الرجل نفسه وصيرورته متّصفاً بالجنابة لا يكون المقصود منه الاحتلام فقط ، بل يشمل الجنابة الاختياريّة الحاصلة في حال اليقظة غالباً .

وعليه : فيبدو أنّ المراد من قوله (عليه السلام)  : «حتى يستيقظ» هو البناء على الاغتسال بعد الاستيقاظ قبل طلوع الفجر وإن وقع التعبير بـ «ثمّ» في نقل التهذيبين والفقيه، وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا  إشكال في دلالة الرواية على وجوب القضاء بالإضافة إلى النومة الثانية ، كما في المتن .

وأمّا النومة الثالثة ، فقد تردّد فيها في وجوب الكفّارة أيضاً، كما عليه المشهور وإن قال فيه: «لاينبغي ترك الاحتياط»، والظاهر أنّه لادليل على وجوبها سوى أمرين:

أحدهما : الملازمة بين وجوب القضاء الثابت هنا بطريق أولى ، ووجوب الكفّارة ، والظاهر عدم ثبوتها وعدم الدليل عليها ، بل الدليل على العدم، كما عرفت بالإضافة إلى النومة الثانية .

ثانيهما : إدّعاء الإجماع في جملة من الكلمات، مع أنّه من الواضح عدم حجّيّة الإجماع المنقول، كما قد قرّر في الاُصول ، مضافاً إلى أ نّ الإجماع على تقدير ثبوته لايكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد القطع، بل احتمال كون المستند الروايات ،وهي خالية عن الدلالة على وجوب الكفّارة . نعم ، ينبغي مراعاة الاحتياط

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>