جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصوم « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


الصفحة 101

السادس : تعمّد الكذب على الله تعالى ورسوله والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ على الأقوى ، وكذا باقي الأنبياء والأوصياء  (عليهم السلام) على الأحوط ، من غير فرق بين كونه في الدين أو الدنيا ، وبين كونه بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو الكناية ونحوها; ممّا يصدق عليه الكذب عليهم  (عليهم السلام)  ، فلو سأله سائل : هل قال النبي (صلى الله عليه وآله) كذا؟ فأشار «نعم» في مقام «لا» ، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه . وكذا لو أخبر صادقاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال : ما أخبرتُ به عنه كذب ، أو أخبر عنه كاذباً في الليل ، ثمّ قال في النهار : إنّ ما أخبرتُ به في الليل صدق ، فسد صومه . والأحوط عدم الفرق بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها ، كالإخبار كاذباً بأنّه فعل كذا ، أو كان كذا . والأقوى عدم ترتّب الفساد مع عدم القصد الجدّي إلى الإخبار; بأن كان هاذلاً أو لاغياً 1 .

لذهاب المشهور(1) إليه ، كما عرفت .

الصورة الثالثة: ما لو كان ذاهلاًوغافلاًعن الاغتسال بوجه لايكون بانياًعلى فعله ولا بانياً على تركه ، وقد ذكر وجهين في اللحوق بالأوّل أو الثاني ، وجعل الأوجه اللحوق بالثاني ; أي في وجوب القضاء عليه ، ولعلّ الوجه فيه ما عرفت من كون الصوم أمراً عبادياً يعتبر فيه قصد الإمساك عن المفطرات التي منها تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ، ولا يلائمه عدم البناء ولو كان منشؤه الذهول والغفلة .

1ـ لاإشكال ولاخلاف(2) في ثبوت الحرمة التكليفيّة في الكذب على الله ـ تعالى ـ ورسولهوالأئـمّة صلوات الله عليهم،وكذاغيرهم، خصوصاًالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) .



(1) رياض المسائل 5 : 355 ـ 356 ، جواهر الكلام 16 : 275 ، مستمسك العروة 8 : 298 .
(2) رياض المسائل 5 : 322، جواهر الكلام 16: 223 ـ 224، المستند في شرح العروة 21: 131 .


الصفحة 102

إنّما الكلام في ثبوت الحرمة الوضعيّة الراجعة إلى المفطريّة للصوم ، فالمنسوب إلى المشهور المفطريّة ـ بل إدّعى بعض القدماء منهم الإجماع عليها ـ بالنسبة إلى الثلاثة الاُولى(1) المذكورة في المتن ، وإلى المشهور بين المتأخّرين العدم(2) وإن كان يوجب النقص في الصوم لكنّه لا يكون مفطراً له ، ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ، فنقول :

منها : موثقة سماعة قال : سألته عن رجل كذب في رمضان ؟ فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه ، فقلت : فما كذبته ؟ قال : يكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) (3) . ورواها في الوسائل في باب واحد مرّتين ، والظاهر عدم ثبوت التعدّد في البين وإن زاد في إحديهما مكان السؤال في الاُخرى قوله  (عليه السلام) : «وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمّد» .

ومنها : موثقة أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم ، قال : قلت : هلكنا ، قال : ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهوعلى الأئـمّة (عليهم السلام) (4) . ورواهافي الوسائل أيضاًفي باب واحد مرّتين



(1) الانتصار : 184 ـ 185، غنية النزوع : 138، رياض المسائل 5 : 341ـ 342، جواهر الكلام 16 : 224، مستمسك العروة الوثقى 8  : 252.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 54، مختلف الشيعة 3: 268 مسألة 24، السرائر 1: 375ـ 376، مسالك الأفهام 2: 16، مدارك الأحكام 6: 46 و 88 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 189 ح536 و ص 203 ح 586 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 20 ح 8 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 33 و 34 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1 و 3 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 203 ح 585 ، الكافي 2 : 340 ح 9 و ج 4 : 89 ح 10 ، معاني الاخبار : 165 ح1 ، نوادر ابن عيسى: 24 ح14، وعنها وسائل الشيعة 10 : 33 ـ 34 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح2 و 7 .


الصفحة 103

مع اختلاف يسير ، كما أ نّ الاختلاف حاصل بالنسبة إلى النقلين في الرواية الاُولى من حيث الاشتمال على نقض الوضوء أيضاً وعدمه . وقد نوقش(1) في الاستدلال بالرواية للحكم الوضعي ـ وهو البطلان ـ بوجوه :

الأوّل : ضعف السند وعدم صحّة التعويل عليه .

والجواب : أ نّ المبنى كما قرّر في الاُصول عدم اعتبار أكثر من الوثاقة في الرواة ، ولايعتبرأن يكون الراوي في جميع الطبقات عدلاً إماميّاً، كماهومبنى صاحب المدارك.

الثاني : منافاتها لما دلّ على انحصار المفطرات بالثلاث أو الأربع، كما تقدّم ، ومقتضى الجمع حمل الرواية في المقام على مرتبة الكمال غير المنافية للاتّصاف بأصل الصحّة الذي هو المراد في الفقه .

ويؤيّد هذه المناقشة ما ورد في جملة من الروايات من بطلان الصوم بالغيبة والافتراء والفحش وأشباه ذلك من كلّ ما لا يقدح في أصل الصحّة ، بل له دخل في الاتّصاف بالكمال ، ففي رواية عقاب الأعمال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث قال : ومن اغتاب أخاه المسلم بطل صومه ونقض وضوءه ، فإن مات وهو كذلك مات وهو مستحلّ لما حرّم الله(2) .

ويؤيّدها أيضاً دلالة الرواية في بعض النقول على انتقاض الوضوء أيضاً بذلك ، مع أنّه من المعلوم العدم، كما قرّر في نواقض الوضوء .

والجواب : أنّه لابدّ من التصرف فيما يدلّ على انحصار المفطرات بالثلاث أو الأربع ; لضرورة كونها أزيد من ذلك ، وكيفيّة التصرّف هو حمل المطلق على المقيّد ،



(1) المستند في شرح العروة 21 : 133 ـ 138 .
(2) عقاب الأعمال : 335 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 34 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 5 .


الصفحة 104

وهذا الحمل يجري في المقام بعد اعتبار الرواية لأجل الوثاقة ، وعطف قضاء الوضوء بقضاء الصوم لا يقدح في ذلك بعد قيام الدليل على عدم الانتقاض في الوضوء، وإمكان التفكيك في رواية واحدة بين جملتين .

الثالث : قد عرفت أنّه قد ورد في موثقة سماعة على أحد النقلين قوله (عليه السلام)  : «قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم» إلخ ، وظاهره عدم بطلان الصوم بسبب ذلك ، غاية الأمر لزوم القضاء عليه .

والجواب: ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الظاهر عدم تعدّد الموثقة ، وهذا التعبير واقع في أحد النقلين فقط ، فلم يثبت وجوده بعد دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة ـ ما اُفيد من أ نّ قوله (عليه السلام)  : «قد أفطر وعليه قضاؤه» ظاهر في البطلان ، وقوله (عليه السلام)  : «وهو صائم» دالّ على الصحّة ، والأمران متنافيان ; لعدم إمكان الجمع بينهما ، فلابدّ أنّ يقال بإجمال الرواية ولزوم حمل قوله (عليه السلام)  : «وهو صائم» على أحد اُمور :

الأوّل : أن يراد بالصوم معناه اللغوي الذي هو عبارة عن مطلق الإمساك ، ومرجعه إلى عدم صحّة الصوم ولزوم الإمساك تأدّباً وإن استبعده بما قرّره في الاُصول ; من أ نّ استعمال الجملة الفعليّة الظاهرة في الخبريّة في مقام الإنشاء وإن كان كثيراً شائعاً ، إلاّ أ نّ استعمال الجملة الإسميّة في هذا المقام غير متعارف وغير معهود .

الثاني : أ نّ الراوي حيث سأل عن مطلق الكذب في شهر رمضان من غير فرض كون الرجل صائماً ، ولعلّ في ذهنه أ نّ لشهر رمضان أحكاماً خاصّة ، ومن الجائز أن تكون للكذب في هذا الشهر الشريف خصوصيّة من كفّارة وغيرها وإن لم يكن الكاذب صائماً ، فقيّده الإمام (عليه السلام) بأنّه قد أفطر وعليه القضاء إذا كان صائماً ، وأمّا غير الصائم كالمسافر والمريض ونحوهما فلا شيء عليه .


الصفحة 105

وأفاد أنّ هذا الوجه أبعد من سابقه جدّاً ، ولا يكاد يساعده الفهم العرفي ; لعدم معهوديّة التعبير عن هذا المقصود بمثل ذلك ، كما لا يخفى .

الثالث : حمل قوله (عليه السلام)  : «وهو صائم» على حقيقته ، أي على مرتبة من الصحّة ، وحمل قوله (عليه السلام)  : «أفطر» على الادّعاء والتنزيل ، فهو مفطر تنزيلاً وصائم واقعاً ، وهذا الوجه أيضاً مخالف للظاهر ، إذ حمل إحدى الجملتين على التنزيلي والادّعائي ، والاُخرى على الواقعي خلاف الظاهر .

الرابع : الحمل على الصوم الإضافي ; أي إذا كان ممسكاً من غير هذه الناحية ، فهو مفطر من جهة الكذب وإن كان صائماً من غير هذه الناحية ، قال : وهذا مع بعده في نفسه أقرب من غيره .

أقول : لا مجال لحمل قوله (عليه السلام)  : «قد أفطر» على خلاف معناه الظاهر ، بقرينة قوله (عليه السلام)  : بعده: «وعليه قضاؤه». وعليه: فقوله (عليه السلام)  : «وهو صائم» ـ بناءً على أحد النقلين كما عرفت ـ لابدّ وأ ن يحمل على لزوم الإمساك تأدبّاً ، ولأجله لا نسلّم عدم جواز استعمال الجملة الإسميّة وإرادة المعنى الإنشائي وكونه خلاف المعهود، كما قرّره(1) في محلّه . فالمراد البقاء على الصوم الذي كان فيه قبل ذلك والاستمرار عليه وإن كان باطلاً ويجب عليه قضاؤه، كما هو المصرّح به فيها .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا صحّة ما قوّاه في المتن من مفطريّة تعمّد الكذب على الله أو على الرسول أو على الأئـمّة (عليهم السلام)  ، وقد وقع التعبير بالتعمّد في الموثقة ، وأمّا باقي الأنبياء والأوصياء  (عليهم السلام) فكون تعمّد الكذب بالإضافة إليهم مفطراً ، فهو إمّا لأجل رجوع الكذب عليهم بالكذب على الله ، وهو ممنوع، خصوصاً بناءً على



(1) أي السيّد الخوئي (قدس سره) .


الصفحة 106

عدم الاختصاص بالأُمور الأُخرويّة والشمول للأُمور الدنيويّة ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى . وإمّا لعدم الفرق من جهة العصمة ، وهو ممنوع كبرى وصغرى ، فتدبّر، ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط رعاية هذا الأمر بالنسبة إليهم أيضاً.

وأمّا عدم الفرق بين الاُمور الاُخرويّة والشؤون الدنيويّة ـ مع أنّ المحكي عن كاشف الغطاء التخصيص بالأوّل(1) استناداً إلى الانصراف الذي هو غير ظاهر ـ فالوجه فيه إطلاق ما دلّ على المفطريّة وإن كان يبدو في النظر أ نّ تعمّد الكذب عليهم يرجع عرفاً إلى سريان الكذب ولو تدريجاً إلى بيانهم للأحكام الشرعيّة ويوجب التزلزل فيه ، وإلاّ فمن البعيد أن تكون نسبة القيام إلى النبيّ أو الأئـمّة (عليهم السلام) مكان القعود ، أو النوم مكان اليقظة ، أو السفر مكان الحضر موجبة لبطلان الصوم وإن كان الإطلاق مقتضياً له .

ثمّ إنّ المعيار هو تعمّد الكذب على هؤلاء المعصومين (عليهم السلام)  ; سواء كان بالقول أو بالكتابة أو بالكناية أو بالإشارة ، فيتحقّق هذا العنوان في الموارد المذكورة في المتن ، مثل تكذيب النفس في النهار مع الإخبار عنهم بالصدق في الليل ، وأمثال ذلك من الموارد .

وعلى ما ذكرنا فيشكل الأمر بالإضافة إلى المبلّغين والناطقين عنهم في شهررمضان على رؤوس المنابر وغيرها ، واللازم مراعاة الاحتياط ; وهي تتحقّق بالإسناد إلى الرواية أو الكتاب الذَين ينقلون عنهما ، ولا يجوز لهم الإسناد إليهم (عليهم السلام) مستقيماً إلاّ مع اعتبار الرواية والنقل ، وهي قليلة ، خصوصاً في غير باب الأحكام الشرعيّة من العقائد والأخلاق والمواعظ وغيرها ، كما لا يخفى .



(1) كشف الغطاء 4 : 39 .


الصفحة 107

مسألة 12 : لو قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ ، وكذا إذا قصد الكذب فبان صدقاً وإن علم بمفطريّته 1 .

مسألة 13 : لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولاً له أو لغيره ، كما إذا كان مذكوراً في بعض كتب التواريخ أو الأخبار إذا كان على وجه الإخبار . نعم ، لايُفسده إذا كان على وجه الحكاية والنقل من شخص أو كتاب2  .


نعم ، لا ينبغي الإشكال في عدم الشمول لصورة الهزل والمزاح واللغو ومثله ممّا لا يقترن بالقصد الجدّي أصلاً .

1ـ حيث إنّ المأخوذ في عنوان المفطر هو التعمّد المضاف إلى الكذب، كما مرّ في الرواية ، فإذا انتفى شيء من الأمرين : التعمّد والكذب ، تنتفي المفطريّة ، والمفروض في هذه المسألة التي حكم فيها بعدم الإضرار صورتان: صورة عدم التعمّد ، وصورة الصدق وعدم قصد الكذب ، والحكم بعدم الإضرار في الصورة الثانية مبنيّ على عدم كون قصد المفطر مفطراً ، وإلاّ فالظاهر البطلان ، وقد مرّ التفصيل فيما تقدّم (1).

2ـ مقتضى الإطلاق أنّه لا فرق في مفطريّة تعمّد الكذب بين أن يكون الكذب مجعولاً لنفسه، أو مجعولاً لغيره ، كما إذا كان مذكوراً في بعض كتب التواريخ أو الأخبار ، وفي المتن التفصيل في هذا بين ما إذا كان على وجه الإخبار ، وبين ما إذا كان على وجه الحكاية والنقل من شخص أو كتاب ، فحكم بالمفطريّة في الفرض الأوّل، وعدم الإفساد ـ أي للصوم ـ في الفرض الثاني ، والوجه في الثاني واضح ;لأنّه لم ينسبه إلاّ إلى غيره من الكتاب أو الشخص .



(1) في 58 ـ 60 .


الصفحة 108

السابع : رمس الرأس في الماء على الأحوط ولو مع خروج البدن ، ولايلحق المضاف بالمطلق . نعم ، لا يُترك الاحتياط في مثل الجلاّب خصوصاً مع ذهاب رائحته ، ولا بأس بالإفاضة ونحوها ممّا لا يُسمّى رمساً وإن كثر الماء ، بل لا بأس برمس البعض وإن كان فيه المنافذ ، ولا بغمس التمام على التعاقب; بأن غمس نصفه ثمّ أخرجه ، وغمس نصفه الآخر 1 .

وأمّا الأوّل ، ففي صورة العلم بالكذب وعدم مطابقة النسبة للواقع ـ كما هو المحقّق في تعريف الكذب في مقابل الصّدق ـ فواضح ; لأنّ الذكر في الكتاب أو ذكر الشخص إيّاه لا يغيّره عن حقيقته، والمفروض العلم بذلك وبعدم المطابقة المذكورة . وأمّا مع الظنّ أو الشك فضلاً عن الوهم فالظاهر أيضاً أنّ الأمر كذلك ; لأنّ الظنّ لا  يغني عن الحقّ شيئاً إلاّ مع قيام الدليل القطعي النقلي أو العقلي على اعتباره والأخذ به ، وقد ثبت في محلّه أ نّ الشكّ في الحجّيّة أيضاً يساوق القطع بعدمها، كما لايخفى . وعليه : فمقتضى الاحتياط اللازم في مثل المورد المذكور الحكاية والنقل والنسبة إلى الكتاب أو الشخص لا الإخبار به، فتدبّر .

1ـ قد وقع بينهم الاختلاف في مفطريّة رمس جميع الرأس في الماء ، بلوفي الحرمة التكليفيّة على تقدير العدم، فالمشهور بين الأصحاب هي المفطريّة (1) ، وذهب جماعة من الأجلاّء كالشيخ والمحقّق والعلاّمة والشهيدالثاني وآخرون إلى الحرمة التكليفيّة (2) ، وعن السيّد المرتضى (قدس سره) وابن



(1) جواهر الكلام 16 : 227 ـ 229 ، مستمسك العروة 8 : 262 ـ 263 ، المستند في شرح العروة 21 : 160 .
(2) الاستبصار 2 : 85 ، شرائع الإسلام 1 : 170 ، مختلف الشيعة 3 : 270 ـ 271 ، مسالك الأفهام 2 : 16 ، مدارك الأحكام 6 : 48 .


الصفحة 109

إدريس(1) وبعض آخر(2) القول بثبوت الكراهة وعدم الحرمة التكليفيّة أيضاً ، فلايترتّب على فعله حتى الإثم فضلاً عن القضاء والكفّارة ، واللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ، فنقول :

منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصائم يستنقع في الماء ولا  يرمس رأسه(3) .

ومنها : صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء(4) . بناءً على ظهور النهي في الإرشاد إلى الفساد ; كقوله (عليه السلام) : لاتجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه (5)، ومثل ذلك من الموارد ، والنهي بالإضافة إلى المحرم بلحاظ حرمة تغطية الرأس للرجال ، كما قد حقّق في محلّه .

ومنها : رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الصائم يستنقع في الماء ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح بالمروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولايغمس رأسه في الماء(6) .

ومنها : مرفوعة الخصال عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : خمسة أشياء تفطر الصائم:



(1) رسائل الشريف المرتضى 3 : 54، السرائر 1: 386 ـ 387 .
(2) نسبه إلى ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 3 : 270 مسألة 25 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 203 ح 587 ، الاستبصار 2 : 84 ح 258 ، الكافي 4 : 106 ح 1 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 38 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عن الصائم ب 3 ح 7 .
(4) الكافي 4 : 106 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 203 ح 588 ، الاستبصار 2 : 84 ح 259 ، وعنها وسائل الشيعة  10 : 38  ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 8 .
(5) علل الشرائع : 342 ب43 ح 1،وعنه وسائل الشيعة 4 :347 ، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2ح 7 .
(6) الكافي 4 : 106 ح 3 ، الاستبصار 2 : 84 ح260 وص 91 ح 292، تهذيب الأحكام 4 : 204 ح 591 و ص 262 ح 785  ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 36 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2 .


الصفحة 110

الأكل ، والشرب ، والجماع ، والارتماس في الماء ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئـمّة (عليهم السلام) (1) .

ومنها : صحيحة اُخرى لمحمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء(2) .

ومنها : ما رواه السيّد المرتضى (قدس سره) بإسناده عن علي (عليه السلام) قال : وأمّا حدود الصيام فأربعة حدود : أوّلها : اجتناب الأكل والشرب ، والثاني : اجتناب النكاح ، والثالث : اجتناب القيء متعمّداً ، والرابع : اجتناب الاغتماس في الماء ، وما يتّصل بها وما يجري مجراها والسنن كلّها(3) .

وفي مقابل هذه الروايات ـ التي لو لم تكن لها معارض لما كان محيص عن الذهاب إلى المفطريّة ـ موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال : ليس عليه قضاؤه ولا  يعودن(4) . والجواب ظاهر في عدم البطلان وثبوت الحرمة التكليفيّة له .



(1) الخصال : 286 ح 39 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 34 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 189 ح 535 و ص 202 ح 584 و ص 318 ح 971 ، الاستبصار 2 : 80 ح244 وص84 ح261 ، الفقيه 2 : 67 ح 276 ، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 23 ح16، وعنها وسائل الشيعة 10 : 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1 ، وص166، أبواب آداب الصائم ب11 ح14، وفي بحار الأنوار 96: 277 ح24 عن نوادر ابن عيسى.
(3) رسالة المحكم والمتشابه، المطبوع في ج3 جامع الأخبار والآثار : 234 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :32 ، كتاب الصوم،أبواب ما يمسك عنه الصائم ب1 ح 3 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 209 ح 607 و ص 324 ح 1000 ، الاستبصار 2 : 84 ح 263 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 43 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1 .


الصفحة 111

وقد جمع بينهما بوجهين :

أحدهما : حمل الطائفة الاُولى على مجرّد الحرمة التكليفيّة; لدلالة الموثقة على أنّه ليس عليه قضاؤه ، الظاهر في عدم ثبوت الحرمة الوضعيّة .

ولكنّ الظاهر عدم صحّة هذا الحمل لإباء جملة منها عن ذلك ، كصحيحة محمد ابن مسلم المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في البطلان ، خصوصاً مع جعل الارتماس في عداد الطعام والشراب والنساء .

ثانيهما : حمل النهي في الأخبار الناهية على الكراهة الوضعيّة الناشئة من نقصان مرتبة الصوم ، فيحمل الإضرار في الارتماس على الإضرار ببعض مراتبه ، لا الصحّة المبحوث عن وجودها وعدمها في المقام .

ولكنّ الظاهر عدم صحّة هذا الحمل أيضاً ; لعدم تعقّل معنى صحيح للكراهة الوضعيّة عند العرف ، ولابدّ من أن يكون الجمع مقبولاً لدى العقلاء حتّى يصير بذلك خارجاً عن موضوع الأخبار العلاجيّة ، كالجمع بين العامّ والخاصّ في مقام التقنين ، وإلاّ ففي غير هذا المقام أيضاً هما متناقضان ; لأنّ الموجبة الجزئيّة نقيض السالبة الكلّية ، والسالبة الجزئيّة نقيض الموجبة الجزئيّة، كما في المنطق ، إذاً فلا محيص عن الالتزام بثبوت المعارضة وعدم إمكان الجمع بين الطرفين .

وحيث إنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من تلك الأخبار هي الشهرة الفتوائيّة، والظاهر موافقتها للطائفة الاُولى ، فلا محيص عن الأخذ بها والحكم بالبطلان في مورد الارتماس بنحو الفتوى أو بنحو الاحتياط المطلق ، كما هو ظاهر المتن .

نعم ، هنا أمران دخيلان في المفطريّة :

أحدهما : أن يكون الرمس المضاف إلى الرأس ظاهراً في تمامه ، وقد وقع


الصفحة 112

مسألة 14 : لو ألقى نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل ، لم يبطل صومه إذا لم تقضِ العادة برمسه ، وإلاّ فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلاّ مع القطع بعدمه 1 .


التصريح بذلك في بعض الروايات(1) لو لم نقل بظهوره في نفسه في ذلك ، ويؤيّده عطف المحرم على الصائم ، مع أنّ المنهي عنه بالإضافة إلى المحرم إذا كان رجلاً هي تغطية الرأس ، ويتفرّع على ذلك أنّه لو ارتمس بدنه في الماء دون رأسه لا يكون باطلاً ، كما أنّه يتفرّع عليه أنّه لو ارتمس بعض الرأس أوّلاً ، ثمّ أخرجه وارتمس البعض الآخر لا يقدح ذلك في صومه ; لعدم كون جميع الرأس في الماء في آن واحد ، كما أنّه يظهر من ذلك عدم بطلان الإفاضة على الرأس مع عدم صدق الرّمس ، فجعل الرأس تحت مثل الاُنبوب في الحمامات وغيرها لا يوجب البطلان إلاّ إذا كان الماء كثيراً جدّاً بحيث يصدق معه الرمس ، كما لا يخفى .

ثانيهما : أن يكون الرمس في الماء الذي يطلق عليه الماء، لا في المضاف الذي تكون الإضافة دخيلة في حقيقته ، ولا يصدق عليه عنوان الماء بنحو الإطلاق، كماء الرّمان وسائر الفواكه . نعم ، نهى في المتن عن ترك الاحتياط بالإضافة إلى الجلاّب خصوصاً مع ذهاب رائحته ، والظاهر أنّ خصوصيّة الجلاّب إنّما هي كونه أقرب إلى الماء المطلق ، خصوصاً مع كونه في الأصل ماءً، بخلاف ماء الفواكه كما لا يخفى .

1ـ الوجه في ذلك هو أنّ النهي في أمثال المقام ولو كان إرشاداً إلى الفساد والبطلان ، إلاّ أنّه لابدّ أن يكون المنهيّ عنه مقدوراً للمكلّف صادراً عنه باختيار وإرادة ، فإذا لم تكن هناك عادة ، أو قطع برمسه في المورد المفروض في المتن ، بل



(1) وسائل الشيعة 10 : 36 و 37 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2 و 7 و 8 .


الصفحة 113

مسألة 15 : لو ارتمس الصائم مغتسلاً ، فإن كان تطوّعاً أو واجباً موسّعاً ، بطل صومه وصحّ غسله ، وإن كان واجباً معيّناً ، فإن قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس ، بطل صومه وغسله على تأمّل فيه ، وإن نواه بالمكث أو الخروج صحّ غسله دون صومه في غير شهر رمضان ، وأمّا فيه فيبطلان معاً ، إلاّ إذا تاب ونوى الغسل بالخروج ; فإنّه صحيح حينئذ 1 .


كان إلقاء النفس في الماء بتخيّل عدم الرمس فاتّفق أحياناً ، لا يكون مثله بقادح في صحّة الصوم ، وسيجيء أيضاً .

1ـ لو أراد الصائم أن يغتسل ارتماسياً مع فرض كونه صائماً ورمس الرأس في الماء مفطراً ، فقد وقع في المتن التفصيل بين ما إذا كان الصوم تطوّعاً أو واجباً موسّعاً ، وبين ما إذا كان واجباً معيّناً ، فحكم ببطلان الصوم وصحّة الغسل في الأوّل ، ومقتضى المقابلة أنّه لا فرق في ذلك بين ما لو قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس ، أو نواه بالمكث أو الخروج ; وذلك لعدم وجوب صوم هذا اليوم عليه بوجه ، فيجوز له الإتيان بالمفطر كالأكل والشرب ونحوهما ، وبعده يبطل صومه ويصحّ غسله بلا إشكال ، وحكم في الواجب المعيّن بالتفصيل بين ما لو قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس الحاصل بأوّل تحقّقه ، فالحكم فيه بطلان الصوم والغسل مع إضافة قوله : «على تأمّل فيه» ، وبين ما لو نواه بالمكث لا بأوّل المسمّى أو الخروج فالحكم فيه في غير شهر رمضان صحّة الغسل دون الصوم . وأمّا في شهر رمضان فالحكم فيه بطلانهما إلاّ إذا تاب ونوى الغسل بالخروج ; فإنّه صحيح حينئذ .

والظاهر أ نّ قوله : «على تأمّل فيه» راجع إلى كلا الأمرين : الصوم والغسل ، ومنشأ التأمّل يمكن أن يكون مفطريّة الارتماس عنده إنّما كانت بنحو الاحتياط


الصفحة 114

الثامن : إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق ، بل وغير الغليظ على الأحوط وإن كان الأقوى خلافه; سواء كان الإيصال بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، أو بإثارة الهواء; مع تمكينه من الوصول وعدم التحفّظ ، وفيما يعسر التحرّز عنه تأمّل . ولا بأس به مع النسيان أو الغفلة أو القهر الرافع للاختيار أو تخيّل عدم الوصول ، إلاّ أن يجتمع في فضاء الفم ثمّ أكله اختياراً . والأقوى

الوجوبي لا بنحو الفتوى ، ويمكن أن يكون الوجه فيه التأمّل في بطلان العبادة في المجمع في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، نظراً إلى أ نّ الوجود الواحد لا يمكن أن يكون مقرّباً ومبعّداً معاً ، والمقام من هذا القبيل ; لأ نّ الارتماس محرّم ، والغسل عبادة وإن كان ارتماسيّاً . هذا ، ولكنّ الأقوى عندي الجواز ; لأنّ الاتّصاف بالعنوانين يصحّح صيرورة الوجود الواحد مقرّباً ومبعّداً ، والتحقيق في محلّه .

وأمّا التفصيل بين الصوم والغسل فيما إذا نواه بالمكث أو الخروج في غير شهر رمضان ; فلأ نّ بطلان الصوم إنّما هو للارتماس العمدي المفروض فيه المفطريّة ، والغسل قد تحقّق بالمكث أو الخروج المتحقّقين بعد بطلان الصوم ، فلا مجال لبطلانه وإن قلنا بالمبنى المتقدّم في مورد اجتماع الأمر والنهي . هذا ، وأمّا في شهر رمضان، فالحكم فيه بطلان كلا العملين، واستدرك صورة التوبة ونيّة الغسل بالخروج ; فإنّه يصحّ الغسل حينئذ ، والظاهر أ نّ الوجه في البطلان لزوم الإمساك عن المفطرات في شهر رمضان ولو بعد إبطال صومه ، وحينئذ فيجب عليه الاجتناب عن الارتماس ولو لم يكن صائماً ، فلا فرق بين أوّل مسمّى الارتماس والمكث بعده .

نعم ، في خصوص ما لو أراد الغسل بالخروج يكون الغسل صحيحاً ، كالصلاة في الدار المغصوبة حال الخروج منها، كما بيّن في الاُصول . والظاهر أنّ ذكر التوبة إنّما هو لأجل التمكّن من ذلك ، وإلاّ فلا فرق بين صورة التوبة وعدمها ، كما لا يخفى .


الصفحة 115

عدم لحوق البخار به إلاّ إذا انقلب في الفم ماء وابتلعه . كما أنّ الأقوى عدم لحوق الدخان به أيضاً . نعم ، يُلحق به شرب الأدخنة على الأحوط 1 .

1ـ في هذا الأمر جهتان من الكلام :

الاُولى : أصل المفطريّة والدليل عليها .

فنقول : قد وقع بينهم الاختلاف في أنّه هل يوجب القضاء فقط كما هو المنسوب إلى المشهور (1) ، أو الكفّارة أيضاً كما اختاره صاحب الوسائل (2)؟ كما أنّه قد وقع الاختلاف بين القائلين بالمفطريّة ، حيث إنّهم بين من أطلق ، وبين من قيّده بالغلظة ، فالأوّل محكيّ عن الشرائع (3) ، والثاني عن جماعة(4) كما في المتن ، ومعلوم أنّ مراد الثاني صورة عدم تحقّق الغلظة بحيث يصدق عليه عنوان الأكل، وإلاّ فهو داخل في الأمر الأوّل من المفطرات، كما هو ظاهر .

والدليل الوحيد في هذا الباب رواية سليمان بن جعفر (حفص خل) المروزي قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح(5). وفي الوسائل(6) نقل



(1) جواهر الكلام 16 : 232 ، مستمسك العروة 8 : 259 ، المستند في شرح العروة 21 : 151 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 69، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 .
(3) شرائع الإسلام 1 : 170 .
(4) قواعد الأحكام 1 : 372، مختلف الشيعة 3:272ـ273 مسألة 26، الدروس الشرعيّة 1:266، رياض المسائل5: 315 .
(5) تهذيب الأحكام 4 : 214 ح 621 ، الاستبصار 2 : 94 ح 305 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 69 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1 .
(6) أي في وسائل الشيعة، الطبعة الإسلامية 7: 48، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي.


الصفحة 116

الرواية عن سليمان بن جعفر وجعل بين القوسين (حفص) كما ذكرناه ، لكن بعض الأعلام (قدس سره) المتبحِّر في علم الرجال أيضاً ـ وقد صنّف فيه كتاباً مفصّلاً ـ إدّعى أنّ سليمان بن جعفر لا وجود له بتاتاً ، والصحيح سليمان بن حفص (1) ، والرواية صحيحة .

وقد وقعت الرواية مورداً للمناقشة من وجوه :

الأوّل : ما عن المدارك من المناقشة فيها بالإضمار تارة ، وبالاشتمال على عدّة من المجاهيل اُخرى ، ولذا وصفها بأنّها ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها(2) .

والجواب عن ذلك ، أنّ الرواية قد رواها الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمد ابن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى، عن سليمان المذكور (3)، وقد حكي عنه أنّه صرّح في آخر التهذيب بأنّ كلّ ما يرويه فيه من رواية فهي منقولة عن كتاب من بدأ سندها به(4) . وعليه : فلازم ما ذكر وجود الرواية في كتاب محمد بن الحسن الصفار ، ولا يحتمل أن يروي مثله عن غير الإمام (عليه السلام) ولو مع وجود الواسطة ، ومن هذا الطريق يجاب عن دعوى ضعف السند ، ولا حاجة إلى دعوى الانجبار باستناد المشهور حتى يناقش فيها بالممنوعيّة كبرى أو صغرى أو هما معاً ، وقد عرفت أنّ الراوي هو سليمان بن حفص ، وهو ثقة لوقوعه في أسناد كتاب كامل الزيارات ، وهو حجّة إذا لم يعارضه قدح خاصّ .



(1) المستند في شرح العروة 21 : 152 .
(2) مدارك الاحكام 6 : 51 ـ 52 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 214 ح 621 .
(4) تهذيب الأحكام : 10 شرح المشيخة : 4 .


الصفحة 117

ومن العجب ما حكي عن صاحب الرياض(1) من أنّ الرواية مقطوعة مع أنّها مضمرة، كما عرفت ، فلا قطع في السند بوجه ، وقد ظهر اعتبارها مع إضمارها .

الثاني : المناقشة فيها من حيث الدلالة ; نظراً إلى دلالتها على مفطريّة اُمور لم  يقل بها الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، كالمضمضة والاستنشاق متعمّداً وشمّ الرائحة الغليظة ، فإذا حمل الأوّلان على صورة الوصول إلى الحلق ، فالثالث لا يجري فيه هذا الحمل بوجه .

والجواب : أنّ الرواية المشتملة على أحكام عديدة إذا لم تكن جملة منها مورداً لنظر الأصحاب ومعرضاً عنها عندهم ، لايستلزم أن يكون معرضاً عنها بالإضافة إلى الجميع ، ومورد البحث فيها من هذا القبيل .

الثالث : تعارضها مع موثّقة عمرو بن سعيد ، عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ فقال : جائز لا بأس به . قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال : لا بأس(2) . وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى ما يدلّ على حصر المفطر في اُمور لا يكون هذا الأمر منها .

وقد اُجيب عنه بوجهين :

أحدهما : ما ذكره صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين من أنّ هذه ـ أي الرواية الثانية ـ محمولة على الدخان والغبار غير الغليظين . واُورد عليه(3) بخلوّ كلتا الروايتين عن التقييد بالغلظة ، فإمّا أن يكون مطلقاً فهو ثابت في كلتيهما ، وإمّا أن



(1) رياض المسائل 5 : 316 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 324 ح 1003 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 70  ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2 .
(3) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21: 156.


الصفحة 118

يكون مقيّداً فهو أيضاً ثابت في كلتيهما ، فلا مجال للتفكيك .

ثانيهما : ما يرجع إلى أنّ التعارض بينهما إنّما هو بالإطلاق والتقييد ، والاختلاف بينهما كالاختلاف بين الخاصّ والعامّ كما عرفت ، لا يوجب الدخول في موضوع الأخبار العلاجية التي موردها خصوص صورة عدم إمكان الجمع العقلائي بين الخبرين المختلفين ، والوجه في ذلك ظهور رواية سليمان المتقدّمة في كون الاُمور المذكورة فيها يراد بها صورة التعمّد لوحدة السياق أوّلاً ، ولفرض الكنس الذي يوجب دخول الغبار إلى حلقه كذلك بعد كونه اختيارياً ثانياً ، والكنس ملازم لذلك نوعاً ، فموردها صورة التعمّد ، خصوصاً مع التصريح فيها بثبوت الكفّارة التي لاتكون ثابتة إلاّ في صورة العمد ، كما سيأتي إنّ شاء الله تعالى .

وأمّا رواية عمرو، فقوله : «يتدخّن بعود» وإن كان ظاهراً في حال الاختيار ، إلاّ أنّ السؤال الآخر سؤال مستقلّ ليس بين السؤالين وحدة السياق ، فلا مانع من حمل الإطلاق فيها على صورة عدم التعمّد ، خصوصاً مع عدم فرض الكنس الذي يجري فيها ما ذكرناه فيها ، والظاهر أنّ هذا الجواب صحيح لا مناص عنه ، قد أشار إليه في الوسائل بعد الجمع السابق .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا صحّة ما في المتن من أنّ إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق مفطر ، وأ نّ الأحوط ذلك في الغبار غير الغليظ أيضاً . ولكن بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح(1) صرّح بعدم الفرق بين الموردين ، كما ربما يؤيّده ذكر الغبار في الرواية الاُولى بنحو النكرة في سياق النفي الظاهرة في الإطلاق ، إلاّ أنّ الظاهر ما ذكرنا ، خصوصاً مع عدم ورود لفظ الغلظة .



(1) المستند في شرح العروة 21: 156 .


الصفحة 119

ثمّ إنّه لا فرق في المفطر المذكور بين أن يكون سبب تحقّقه الكنس ، أو إثارة الغير ، أو إثارة الهواء مع إمكان التحفّظ من الوصول ، خلافاً للبعض المتقدّم ، حيث ذكر أنّ الموثقة الدالّة على المفطريّة قاصرة عن إثبات البطلان فيما لو كان بإثارة الهواء ، كما يتّفق كثيراً في فصل الربيع ، ولا سيّما في هذه البلاد التي يكثر فيها العجاج ، واستظهر عدم البطلان بمثل ذلك حاكياً له عن كاشف الغطاء(1) ، مستنداً إلى أنّه لو كان التحفّظ عن مثل ذلك لازماً كان على الأصحاب التعرّض له ، بل كان من الواضحات ، لشدّة الابتلاء به ، خصوصاً لسكنة البلاد التي كان يسكنها الأئـمّة (عليهم السلام)  ، مع أنّه لم ترد بذلك رواية ولو ضعيفة ، ولم يتعرّض له الأصحاب (2).

وأنت خبير ـ مضافاً إلى بعد هذا الفرق في نفسه ; لأنّه وإن كان لا يحتمل أنّ مفطريّة الغبار إنّما هي لأجل كونه من مصاديق الأكل ; ضرورة جعل الغبار مفطراً في نفسه في مقابل الأكل ، وعدم كون الغبار الواصل إلى الحلق من مصاديق الأكل عرفاً بوجه ـ بأنّه لا يرى العرف خصوصيّة للكنس ، خصوصاً إذا كان المراد كنس نفس الصائم بالمباشرة كما هو المذكور في الموثّقة ، بداهة عدم الاختصاص به ، وكما لا يكون للكنس الصادر من الصائم خصوصيّة ، كذلك لا يكون الحكم مختصّاً بصورة الكنس وإن كانت هي المذكورة في الموثقة .

وقد كنت أنا مقيماً في بلدة يزد زمن الطاغوت قبل ثلاثين سنة تقريباً بالإقامة الإجبارية ، فأصبحت في يوم من أيّام فصل الربيع ، فرأيت أنّ العجاج غطّى جميع النواحي كالثلج في الشتاء ، وقد تعجّبت من ذلك كثيراً ، فهل يمكن القول بأنّ ذلك



(1) كشف الغطاء 4: 32 .
(2) المستند في شرح العروة 21: 157 .


الصفحة 120

العجاج لايكون من موارد الغبار الغليظ ، فلا يكون مفطراً أصلاً ؟ من الواضح العدم . وأمّا عدم تعرّض الأصحاب; فلأنّهم اكتفوا بجعل كلّي الغبار الغليظ مفطراً ، ولا يجب عليهم التعرّض للمصاديق نفياً وإثباتاً ، كما أنّ الإمام (عليه السلام) قد بيّن في الموثقة ذلك ، والمذكور فيها وإن كان عنوان الكنس ، إلاّ أنّ تفريع دخول الغبار في الأنف أو الحلق شاهد عرفاً على أنّه لا خصوصيّة للكنس ، خصوصاً لو فرض كون المراد كنس الصائم مباشرة ،فكماأنّه لاخصوصيّة لكنس نفس الصائم ،لاتحتمل الخصوصيّة بالإضافة إلى أصل الكنس ، بل الملاك دخول الغبار المفطر عمداً ، كما لا يخفى .

الجهة الثانية : أنّه قوّى في المتن عدم لحوق البخار بالغبار ، والوجه فيه أ نّهما حقيقتان مختلفتان ، واستثنى صورة ما إذا انقلب في الفم إلى الماء وابتلعه وإن كان في غاية القلّة ; لما عرفت في باب الأكل والشرب من عدم خصوصيّة للكيفيّة ولاللكميّة .

كما أنّه قوّى فيه عدم لحوق الدخان بالغبار أيضاً لما ذكر ، وللتصريح بعدم البأس فيه في موثقة عمرو بن سعيد المتقدّمة . نعم ، احتاط وجوباً فيه بلحوق شرب الأدخنة بالغبار ، وقد مرّ سابقاً أنّ استعمال كلمة الشرب في التتن ونحوه إنّما هو على سبيل المسامحة لا الحقيقة وإن اشتهر إطلاق كلمة الشرب في مسألة البراءة من الاُصول إلى التتن ونحوه.

وعليه : فربما يشكل في الحكم باللحوق المذكور بخلوّه عن الدليل ، ومجرّد كون الشرب المزبور موجباً للدخول في الحلق غالباً لا يوجب الحكم بكونه مثل الغبار ، خصوصاً بعد تفريع الدخول في الحلق على التدخين بعود ونحوه في الموثقة ، إذن فالظاهر عدم اللحوق وإن كان المرتكز في أذهان المتشرّعة لعلّه غير ذلك .

ولذا لا يتحقّق الصوم من المعتادين بالترياك والتتن ونحوهما ، فيأكلون

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>