جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب المكاسب المحرمة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

صفحه 261

وفي السند محمّد بن سنان، ونفى البُعد عن وثاقته الإمام الماتن(قدس سره) في كتابه في البيع(1) في هذه المسألة .

نعم ، مع الإجبار على أصل البيع لو لم يعيّن القيمة بوجه عيّنها الحاكم بما يراه، ولا محالة يراعى عدم الإجحاف كما هو ظاهر .



(1) كتاب البيع للإمام الخميني(رحمه الله) 3: 603.


صفحه 262

الدخول فى الولايات من قبل الجائر و بعض فروعاته

مسألة 24 : لا يجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعاً مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك ، فضلاً عمّا كان غير مشروع في نفسه; كأخذ العشور والمكوس، وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة .
نعم ، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه، أو عرضه، أو ماله المعتدّ به، إلاّ في الدماء المحترمة ، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم ـ كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج، مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقاً في بعضها ـ إشكال بل منع .
ويسوِّغ خصوص القسم الأوّل ـ وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه ـ القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدِّين ، بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين، ودفع الضرر عنهم كان راجحاً ، بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحياناً إلى حدّ الوجوب ، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة، أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلاً، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلاّ لمن عصمه الله تعالى
1.

1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة للدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر ، وفيه فروض :


صفحه 263

الأوّل : الدخول فيها وإن كان أصل الشغل مشروعاً في نفسه مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وقد حكم فيه في المتن بعدم الجواز وثبوت الحرمة .

ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً(1)، وإلى رواية تحف العقول المفصّلة المتقدّمة التي حكمنا باعتبار سندها(2)، المشتملة على قوله(عليه السلام) : «إنّ في ولاية الوالي الجائر دوس الحقّ كلّه، وإحياء الباطل كلّه، وإظهار الظلم والجور والفساد، وإبطال الكتب، وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد، وتبديل سنّة الله وشرائعه ، فلذلك حرُم العمل معهم، ومعونتهم، والكسب معهم، إلاّ بجهة الضرورة، نظير الضرورة إلى الدّم والميتة(3).

فإنّ مقتضى إطلاقه حرمة ولاية والي الجائر وإن لم تكن الولاية إلاّ في عمل مشروع; لاقتضاء طبع ولايته الاُمور المذكورة لأجل كونه جائراً، كما هو المفروض .

ومضافاً إلى إطلاق بعض الروايات المتقدِّمة في مسألة معونة الظالمين(4) روايات مستفيضة بل متواترة ، مثل :

صحيحة محمّد بن مسلم قال : كنّا عند أبي جعفر(عليه السلام) على باب داره بالمدينة،



(1) منتهى المطلب 2: 1024، الطبعة الحجريّة، الحدائق الناضرة 18: 134، رياض المسائل 8 : 106، جواهر الكلام 22: 156، مصباح الفقاهة 1: 668.
(2) في ص 11 ـ 15.
(3) تحف العقول: 332، وعنه وسائل الشيعة 17: 84 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1 وبحار الأنوار 103: 45 قطعة من ح11، وفيهما وفي المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 69 «دروس» بدل دوس.
(4) في ص190 ـ 197.


صفحه 264

فنظر إلى الناس يمرّون أفواجاً، فقال لبعض من عنده : حدث بالمدينة أمر؟ فقال : أصلحك الله (جعلت فداك خ ل) وُلّي المدينة وال فغدا الناس (إليه خل) يهنّؤونه ، فقال : إنّ الرجل ليغدي عليه بالأمر يهنّئ به، وأنّه لباب من أبواب النار(1) .

ورواية داود بن زربي قال : أخبرني مولى لعليّ بن الحسين(عليه السلام) قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبدالله(عليه السلام) الحيرة، فأتيته فقلت : جعلت فداك لو كلّمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ـ إلى أن قال : ـ جعلت فداك ظننت أنّك إنّما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم ، وإنّ كلّ امرأة لي طالق، وكلّ مملوك لي حرّ، وعليَّ وعليَّ إن ظلمت أحداً، أو جرتُ عليه (على أحد خ ل) وإن لم أعدل.

قال : كيف قلت ؟ فأعدت عليه الأيمان، فرفع رأسه إلى السماء فقال : تناول السماء أيسر عليك من ذلك(2) . بناءً على أن لا يكون المراد من «تناول السماء» إلخ الأيسريّة من عدم الظلم والجور .

وموثّقة مسعدة بن صدقة قال : سأل رجل أبا عبدالله(عليه السلام) عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان يعملون لهم ويحبّون لهم ويوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ولكنّهم من اُولئك .

ثمّ قرأ أبو عبدالله(عليه السلام) هذه الآية : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن م بَنِى إِسْرَ ءِيلَ عَلَى لِسَانِ



(1) الكافي 5: 107 ح6، وعنه وسائل الشيعة 17: 188، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب45 ح2، والوافي 17: 155 ح17033، ومرآة العقول 19: 63 ح6.
(2) الكافي 5: 107 ح9، وعنه وسائل الشيعة 17: 188، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب45 ح4، والوافي 17: 156 ح17036، ومرآة العقول 19: 64 ح9.


صفحه 265

دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ـ إلى قوله : {وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَـسِقُونَ}(1) قال :
الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}(2) قال : كانوا يأكلون لحم الخنزير، ويشربون الخمور، ويأتون النساء أيّام حيضهنّ .

ثمّ احتجّ الله على المؤمنين الموالين للكفّار فقال : {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ ـ إلى قوله : ـ وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَـسِقُونَ}(3) ، فنهى الله عزّوجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة(4) .

وغير ذلك من الروايات الواردة(5) في هذا المجال .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصّ والفتوى حرمة الدخول في ولاية الجائر وإن كان أصل الشغل محلّلاً في نفسه من حيث هو ، وأمّا لو كان الشغل محرّماً كذلك، كالعشور، والمكوس، وغيرهما، فيدلّ على حرمة الدخول في ولايته في هذه الاُمور ـ مضافاً إلى ما مرّ ـ ما يدلّ على حرمة الشغل وبطلان الاستئجار على العمل المحرّم(6); لأنّه يشترط في صحّة الإجارة على الأعمال إباحتها ، فلا يجوز



(1) سورة المائدة 5: 78 ـ 81 .
(2) سورة المائدة 5: 79.
(3) سورة المائدة 5: 80 ـ 81 .
(4) تفسير القمّي 1: 176، وعنه وسائل الشيعة 17: 190، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب45 ح10، وتفسير الصافي 2: 74 و 75، والبرهان في تفسير القرآن 2: 342 و 344 ح3238 و 3244، وبحار الأنوار 14: 63 ح15 وج79: 126 ح6، وتفسير كنز الدقائق 3: 168 و 169، وتفسير نور الثقلين 1: 660 و 661 ح309 و 314.
(5) وسائل الشيعة 17: 177 ـ 192، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب42 ـ 45.
(6) وسائل الشيعة 17: 174، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب39، وج19: 101ـ 102، كتاب الإجارة ب1.


صفحه 266

إجارة الحائض لكنس المسجد ومثلها(1) .

الفرض الثاني : الدخول في الولاية من قبل الجائر مكرهاً عليه ، ويظهر من المتن أوّلاً الجواز في هذه الصورة إلاّ بالإضافة إلى الدم; فإنّ مشروعيّة التقيّة إنّما هي لأن تحقن بها الدماء، فلا تسوّغ التقيّة إراقة الدم ، لكنّه أشكل في المتن في إطلاق حكم التقيّة بالنسبة إلى غير إراقة الدم ، وشموله لبعض أنواع الظلم، كالأمثلة المذكورة في المتن ، بل منع من ذلك .

ولعلّ الوجه فيه ما ذكرناه في بعض موارد هذا الشرح; من أنّه لا مجال للالتزام برفع الحرمة عن العمل المكره عليه في غير الدم مطلقاً; أي ولو كان العمل المكره عليه أعظم من حيث مرتبة الحرمة، وأشدّ ممّا توعّد به من الضرر المالي أو العرضي مثلاً ، كما لو فرض إكراه الشخص على ا لزنا بزوجة ذات بعل; فإنّه هل يمكن توهّم الجواز بمجرّد كون الضرر المتوعّد به ماليّاً أو عرضياً لا يبلغ العمل المكره عليه من حيث مرتبة الحرمة بوجه، كسبّه مثلاً ولو بمحضر من الناس .

ولا ينافي ذلك ما اشتهر من قصّة عمّار وأبويه(2) ، حيث إنّ العمل المكره عليه والقول على طبق مقالتهم وإن كان مرتبطاً بالشرك وبإنكار الرسالة المحمّدية(صلى الله عليه وآله)، إلاّ أنّ ما توعّد به على الترك كان هو القتل، كما ارتكبوه بالإضافة إلى من لم يطعهم



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 17 ـ 37.
(2) الكشف والبيان، المعروف بـ «تفسير الثعلبي» 6: 45، تفسير البغوي 3: 98، الكشّاف 2: 636، مجمع البيان 6: 191، التفسير الكبير للفخر الرازي 7: 273ـ 274، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10: 180، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المعروف بتفسير البيضاوي 3: 241، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 4: 309، إرشاد العقل السليم، المعروف بـ «تفسير أبي السعود» 4: 384، وسائل الشيعة 16: 226 و 230، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب29 ذح2 و13، وتفسير كنز الدقائق 5: 404 و 405 و 407.


صفحه 267

وانصرفوا عن قتل مَن أطاعوهم ، ولذا وردت الآية الشريفة(1) وقوله ـ تعالى ـ : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُو مُطْمَـلـِنُّم بِالاِْيمَـنِ}(2).

ومحصّل المقال في هذا المجال أن يقال ـ وعلى الله الاتّكال ـ : إنّه إذا كان الأمر الذي وقع التوعيد عليه عند عدم الإتيان بالمكره عليه هو القتل يسوغ بسبب هذا النحو من الإكراه كلّ محرّم سوى القتل وإن كان في أعلى درجة الكبر، كالشرك الذي صرّح في بعض الروايات بأنّه أكبر الكبائر(3).

و لعّله يدلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ}(4) ، والظاهر أنّه لا فرق بين أنواع الشرك ولو الشرك في العبادة ، كما كان هو المعمول بين أعراب الجاهليّة والشائع في بدو الإسلام .

وأمّا القتل المكره عليه، فلا يجوز بالإكراه الذي تكون مشروعيّة رفعه
تحقّن الدماء وحفظها . وأمّا إذا كان الأمر الذي وقع التوعيد عليه غير القتل
من المال والعرض ومثلهما، فالظاهر أنّه لا مجال للالتزام برفع الإكراه في مثله ،
بل لابدّ من ملاحظة النسبة من حيث الأهمّية، فهل يتوهّم الحلّية في المثال
الذي ذكرناه بمجرّد عروض لطمة لعرضه ولو ببعض المراتب الضعيفة، أو عروض خسارة ماليّة عليه ولو كانت كثيرة جدّاً ، إلاّ أن يتمسّك بالإطلاق في



(1) أي قوله تعالى ـ في سورة آل عمران آية 28:(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْء إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَــةً) إلخ.
(2) سورة النحل 16: 106.
(3) وسائل الشيعة 15: 319، 322، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح2 ،8 وبحار الأنوار 79: 6 ح7 وج88 : 26.
(4) سورة النساء 4: 48.


صفحه 268

حديث الرفع (1)، ومن الواضح عدم الجواز.

نعم، يشكل الأمر في الموارد التي لم تظهر أهمّية أحد الطرفين خصوصاً مع ظهور كلامهم في الإطلاق، وعدم وقوع التعرّض لهذه الجهة إلاّ في مثل المتن الذي عرفت أنّ ظاهر ابتداء كلامه الجواز بمجرّد تحقّق الإكراه . نعم ، قد وقعت الخدشة منه في كتاب البيع(2) في بعض الاُمور التي اعتبره الشيخ الأنصاري(قدس سره) في الإكراه، لكنّه أمر آخر يغاير المقام .

وكيف كان، لا مجال للالتزام بأنّ الإكراه يرفع الحرمة عن كلّ محرّم سوى الدم ، بل لابدّ من ملاحظة الموارد ومراتب الحرمة .

ومنه ينقدح الإشكال بل المنع في الموارد المذكورة في المتن من هتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، ومثل ذلك من الموارد; فإنّه



(1) الفقيه 1: 36 ح132، الخصال: 417 ح9، التوحيد: 353 ح24، وعنها وسائل الشيعه 7: 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب37 ح2، وج8 : 249، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب30 ح2.
وفي ج15: 369 ـ 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 ـ 3 عن الخصال والتوحيد: 353 ح24 والكافي 2: 462، 463 ح1 و 2.
و في ج16: 218، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب25 ح10 عن تفسير العيّاشي 1: 160 ح534.
وفي ج23: 237، كتاب الأيمان ب16 ح3 ـ 6 عن نوادر ابن عيسى: 74 ـ 75 ح157ـ 160 والمحاسن 2: 70 ح1195.
وفي بحار الأنوار 5: 303 ـ 305 ح13 ـ 18 عن الخصال والتوحيد ونوادر ابن عيسى، وفي ج104: 154 ح60 وص195 ح12 وص288 ح24 عن المحاسن.
وفي مستدرك الوسائل 12: 23 ـ 25 ح13402 ـ 13408، 13410 و 13411 عن الاختصاص: 31 وتفسير العيّاشي ونوادر ابن عيسى وفقه الرضا(عليه السلام) : 386 ودعائم الإسلام 1: 274 وج2: 95 ح299.
(2) كتاب البيع للإمام الخميني(رحمه الله) 2: 84 .


صفحه 269

لايجوز بمجرّد الإكراه ولو كان الضرر المتوعّد به على تركه كثيراً معتدّاً به ، بل ولو كان بالغاً حدّ الحرج .

الفرض الثالث : الدخول في ولاية الجائر للقيام بمصالح المسلمين وإخوان الدِّين ، وفي المتن: بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم، كان راجحاً .

واستدلّ الشيخ الأعظم(قدس سره) على الجواز في هذه الصورة بوجوه، عمدتها: أنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها، كان ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظَلَمة بحسب الظاهر، وإن كانت لاستلزامها الظلم على الغير ، فالمفروض عدم تحقّقه هنا .(1)

ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام(قدس سره) بأنّه إن كان المراد من المصالح حفظ النفوس والأعراض ونحوهما، فالمدّعى أعمّ من ذلك، وإن كان المراد منها أنّ القيام باُمور المسلمين، والإقدام على قضاء حوائجهم، وبذل الجهد في كشف كرباتهم من الاُمور المستحبّة، والجهات المرغوب بها في نظر الشارع المقدّس ، فلا شبهة أنّ مجرّد ذلك لايقاوم الجهة المحرّمة; فإنّ المفروض أنّ الولاية من قبل الجائر حرام في نفسها، وكيف ترتفع حرمتها لعروض بعض العناوين المستحبّة عليها(2) .

أقول : يمكن أن يقال بانصراف أدلّة حرمة الولاية المذكورة ـ وإن كانت ذاتية كما هو ظاهرها ـ بالانصراف عن الصورة المفروضة ، فالحرمة لا تكون مرتفعة بالاُمور المستحبّة ، بل دليلها قاصر عن الشمول لهذه الصورة .



(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 72.
(2) مصباح الفقاهة 1: 670.


صفحه 270

ومنه يظهر أنّه لايشمل صورة حفظ النفوس والأعراض ونحوهما بطريق أولى ، ولا تلزم ملاحظة الأهمّ من مصلحة الاُمور المذكورة ومفسدة الإنسلاك في أعوان الظلمة ، بل اللازم رعاية المصلحة .

والظاهر أنّ قبول عليّ بن يقطين(1) الولاية من قبل الرشيد ـ لعنه اللهـ كان من هذا القبيل .

وكذلك قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يوسف(عليه السلام) مخاطباً للملك: {اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآلـِنِ الاَْرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(2)، فتدبّر .



(1) قرب الإسناد : 305 ح1198، وعنه وسائل الشيعة 17: 198، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب46 ح16، وبحار الأنوار 48: 158 ح32.
وفي نفس البحار ص38 ح14 وص59 ـ 60 ح72 و73 وص136ـ 137 ح10ـ 12 وص158 ح31، وعوالم العلوم 21: 99 ح6 و106 ح16 وص378 ح38 عن الإرشاد للمفيد 2: 225ـ 229 وإعلام الورى 2: 19 ـ 22 ومناقب آل أبي طالب(عليهم السلام) لابن شهرآشوب 4: 288 ـ 289، والخرائج والجرائح 1: 334ـ 336 ح25 و 26 وج2: 656 ح9، وعيون المعجزات: 260ـ 261 وقضاء حقوق المؤمنين للصوري: 24 ح25، والكافي 5: 110 ح3.
وفي إثبات الهداة 3: 193ـ 195 ح73 و74 عن إعلام الورى والإرشاد وكشف الغمّة 2: 224ـ 227 نقلا من الإرشاد.
وفي وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب32 ح3 عن الإرشاد.
وفي مدينة المعاجز 6: 202ـ 206 ح1946 و1947 وص344ـ 350 ح2042 و2043 عن دلائل الإمامة: 322 ح273، وإعلام الورى والإرشاد والمناقب، والثاقب في المناقب: 449ـ 453 ح379 و380 وعيون المعجزات والخرائج والجرائح.
وفي الصراط المستقيم 2: 192 ح21 عن الخرائج والجرائح وغيره مختصراً.
ورواه في الفصول المهمّة 2: 947 ـ 949، ونور الأبصار: 304 ـ 305.
(2) سورة يوسف 12: 55.


صفحه 271

وأمّا قبول علي بن موسى الرضا(عليهما السلام) الولاية(1) من قبل المأمون ـ لعنة الله عليه ـ فهو إمّا أن يكون بالإكراه المقرون بتوعيد القتل، كما هو الظاهر وله قرائن وشواهد . وإمّا أن يكون صوريّاً لم يترتّب عليه فعل وانفعال، كما يشهد به قرائن اُخرى ، وعلى كلا التقديرين فله حكم خاصّ .



(1) وسائل الشيعة 17: 201ـ 206، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب48، وبحار الأنوار 49: 128ـ 156 ب13، وعوالم العلوم 22: 243ـ 286 ب5 ـ 7.


صفحه 272

مسألة 25 : ما تأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها ـ جنساً أو نقداًـ و على النخيل والأشجار، يُعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة ، ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّاناً وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف ، بل لو لم تأخذه الحكومة وحوّل شخصاً على من عليه الخراج بمقدار، فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه ، لكن الأحوط ـ خصوصاً في مثل هذه الأزمنة ـ رجوع من ينتفع بهذه الأراضي، ويتصرّف فيها في أمر خراجها ـ وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شيء ـ إلى حاكم الشرع أيضاً .
والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ
1.

1 ـ لا إشكال في أنّ الأراضي الخراجيّة ملك لجميع المسلمين(1)، ولابدّ من أن تصرف منافعها ـ سواء كانت خراجاً أو مقاسمة ـ في مصالح جميع المسلمين . وكذا لا  إشكال في أنّ أمر الخراج والمقاسمة بيد الإمام(عليه السلام) مع حضوره(2) . وأمّا مع غيبته كما في زماننا هذا، فقد ذكر السيّد الطباطبائي في تعليقة المكاسب أقوالاً متعدّدة في هذا المجال (3).

والظاهر أنّه يجوز دفعه إلى السلطان اختياراً; من دون فرق بين المؤالف والمخالف وإن كان الثاني غاصباً للخلافة والإمامة ، ويبدو في بادئ النظر أنّه لا يجوز الأخذ



(1 ، 2) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 233، حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 355، مصباح الفقاهة 1: 830 .
(3) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 234 ـ 236.


صفحه 273

منه ، كما أنّه لا يجوز أخذه ويكون ضامناً، إلاّ أنّه قد دلّت الروايات الكثيرة(1) على جواز الردّ إليه والأخذ منه تسهيلاً على الشيعة بعدم وقوعهم في الحرج في المعاملات ومثلها .

نعم ، الظاهر عدم جواز دفع الصدقات إلى الجائر، كما هو مقتضى القاعدة، وإن كان ربما يستأنس من بعض الروايات سيّما مع ملاحظة التعليل في بعضها الجواز(2)، لكنّه مجرّد استئناس لا دليل عليه .

هذا، وقد احتاط في المتن وجوباً رجوع من ينتفع بهذه الأراضي، ويتصرّف فيها في أمر خراجها ـ وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شيء ـ إلى الفقيه وحاكم الشرع أيضاً، خصوصاً فيما إذا أخذه السلطان الغاصب وإن كان الاحتياط فيه أشدّ، كما لايخفى .



(1) وسائل الشيعة 9: 251 ـ 254، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب20، وج15: 155 و157، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب71 ح1 و6، وج17: 213ـ 221، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب51 ـ 53.
(2) راجع وسائل الشيعة 9: 251 ـ 253، كتاب الزكاة أبواب المستحقّين للزكاة ب20.


صفحه 274

   مسألة 26 : يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة ، ويضمنها من الحكومة بشيء، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة، على كراهية في هذه الصورة ، إلاّ أن يُحدث فيها حدثاً; كحفر نهر أو عمل فيها بما يُعين المستأجر ، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلاّ معه1.

1 ـ الأراضي الخراجيّة التي لها شرائط مخصوصة مذكورة في محلّه، مثل كونها مأخوذة بالفتح ومعمورة حال الفتح، وكون الفتح بإذن الإمام(عليه السلام)، وإن كان في اعتبار بعض الشروط اختلاف يجوز أخذها من السلطان المدّعي للرئاسة العامّة، وإن كان مخالفاً غاصباً للخلافة الإلهيّة; لما عرفت من رعاية الشارع التسهيل على الاُمّة وعدم إيقاعهم في الحرج والمشقّة .

وحينئذ فتارةً: ينتفع بها بنفسه ببناء أو غرس أو زرع أو غيرها . غاية الأمر أنّه يضمنها من الحكومة بشيء لأجل صرفه في مصالح المسلمين وحوائجهم .

واُخرى: يقبّلها ويضمنها لغيره مع الزيادة أو بدونها . غاية الأمر أنّه إن أحدث فيها حدثاً كحفر نهر أو عمل فيها بما يعين المستأجر، فلا إشكال في الجواز ولو على نحو الكراهة ، وإن لم يحدث فيها حدثاً فقد حكم فيه في المتن بالكراهة ، بل احتاط وجوباً بالترك .

وقد فصّلنا الكلام في هذا المجال في شرح كتاب الإجارة(1) ، وإن كان يبدو في النظر أنّ بين المقامين فرقاً; من جهة أنّ موضوع البحث هناك ما إذا استأجر العين الشخصيّة من مالكها أو مالك منفعتها مع عدم شرط المباشرة، وهنا تكون



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 349 ـ 420 مسألة 25 و 26.


صفحه 275

الأراضي ملكاً لجميع المسلمين ولا إختصاص لخصوص المؤجر بها ، واللازم صرف منافعها فيما يصلح لعموم المسلمين ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الحكم جار في مورد الإجارة ، والظاهر أنّه لا فرق بين الصورتين ، فيجري ما ذكرناه هناك هنا أيضاً ، فتدبّر .


صفحه 276

وقد وقع الفراغ من شرح كتاب المكاسب المحرّمة من تحرير الوسيلة الذي هو من المتون المتقنة الجامعة، ومؤلّفه سيّدنا المحقّق الاُستاذ الماتن الإمام الخميني صاحب الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة ومؤسّسها ، وأنا الأحقر الفاني والعاصي الجاني محمّد الموحدي، الشهير بالفاضل اللنكراني، عفي عنه وعن والديه الماضين بحقّ محمّد وآله الطاهرين .

وكان تاريخ الفراغ أوائل العشر الأخير من شهر جمادى الأولى من سنة 1424 من الهجرة النبويّة .



<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>