( الصفحه 103 )
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذيل رواية داود بن فرقد وصحيحة الحلبي المتقدّمتين ـ صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر . والمناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله على ابن سنان الظاهر في كونه هو محمد بن سنان لروايته عن ابن مسكان ورواية حسين بن سعيد عنه وهو ضعيف مدفوعة بشهادة جمع بوثاقته كالمفيد في الإرشاد وابن طاووس في محكي فلاح السائل والعلاّمة في الخلاصة والمحلبتين ورجح وثاقته صاحب الوسائل .
وقد ذكر بعض الأعلام بعد المناقشة في روايتي داود والحلبي سنداً ودلالة أو سنداً فقط بأن تعيّن الإتيان بصلاة العصر فيما لو بقى من الوقت مقدار أربع ركعات وقد تركهما متعمّداً إنّما هو لأجل انّ المكلّف في هذه الصورة لم يعقل بقاء الأمر بثمان ركعات في حقّه لعدم سعة الوقت للصلاتين فلا يخلو امّا أن يكون مأموراً بصلاة العصر فقط أو بصلاة الظهر كذلك أو يسقط الأمر بكلّ واحدة منهما ويحدث أمر جديد بالتخيير ولا يحتمل في حقّه سقوط الأمر بالصلاة رأساً; لأنّه خلاف الضرورة والإجماع ، والصورتان الأخيرتان مضافاً إلى أنّهما خلاف المتسالم عليه عند الأصحاب تنفيهما الأخبار الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس لدلالتها على أنّ الوظيفة في الصورة المفروضة هي الإتيان بصلاة العصر فقط لدلالتها على أنّ الوقت مشترك فيه بين الصلاتين بعد الزوال والمكلّف في وقت من ثمان ركعات إلى أن تغرب الشمس فإذا ضاق الوقت سقط الأمر بالأربع الاُولى لا محالة وكان الوقت مختصّاً بالأربع الثانية لقوله إنّ هذه قبل هذه .
وبالجملة الأخبار ظاهرة في أنّ الصلاتين منبسطتان على مجموع الوقت إلاّ انّ
( الصفحه 104 )
هذه قبل هذه ومعه يختص الوقت بالأربع الثانية بالطبع لأنّه مقتضى الانبساط والتقسيط .
ويرد عليه انّ دلالة أخبار الاشتراك على اختصاص مقدار الأربع الباقي بالعصر في الصورة المفروضة ممنوعة جدّاً سواء كان المراد دلالتها بنفسها مع قطع النظر عن الاستثناء الوارد في بعضها بقوله إلاّ انّ هذه قبل هذه أو كان المراد دلالتها بلحاظ اشتمالها على الاستثناء ، امّا على التقدير الأوّل فلأنّ مفاد أخبار الاشتراك ليس إلاّ اشتراك الصلاتين في جميع أجزاء الوقت وعدم اختصاص واحدة منهما بقطعة منها أصلاً بحيث لولا الدليل على اعتبار الترتيب في صلاة العصر لكنّا نحكم بجواز الإتيان بها قبل الظهر في أوّل الوقت وبجواز الإتيان بالظهر بعدها في آخر الوقت لأنّ المفروض صلاحية كلّ جزء من أجزاء الوقت لكلّ واحدة من الصلاتين كما انّ اعتبار الترتيب في ركعات كلّ صلاة أوجب تقدّم الركعة الاُولى على الثانية وهكذا وإلاّ فبلحاظ الوقت لا يكون فرق بين الركعات أصلاً ، نعم إذا لم يؤت بهما إلى أن بقي مقدار ثمان ركعات يصير الوقت مضيقاً ولازمه وجوب المبادرة إلى الإتيان بكلتيهما ، وامّا إذا بقى مقدار أربع ركعات فلا وجه لتعين صلاة العصر بعد فرض الاشتراك ، وظهور الرواية في انبساط الصلاتين على مجموع الوقت إن كان مرجعه إلى الظهور في الاختصاص فممنوع جدّاً; لأنّ الاشتراك في جميع الأجزاء لا يكاد يجتمع مع الاختصاص وإن كان مرجعه إلى اعتبار الترتيب فمضافاً إلى سقوطه في هذه الصورة لعدم القدرة يكون مقتضاه تعين الظهر دون العصر كما هو واضح .
وامّا على التقدير الثاني فلأنّ مفاد الجملة المستثناة امّا القبلية من حيث الوقت ، وامّا القبلية من جهة الترتيب والأوّل يضاد الاشتراك الذي هو مدعى البعض
( الصفحه 105 )
والثاني لا يقتضي التعين إلاّ للظهر كما عرفت .
تتمّة في بيان معنى الاختصاص وليعلم انّه لم يرد في أي دليل لفظ الاختصاص حتى يتكلّم في مفاده وينظر في مدلوله; لأنّ عمدة الدليل ما مرّ من الروايات الثلاثة المتقدّمة الخالية عن هذا اللفظ ، وعليه فلابدّ من النظر في مفادها من هذه الجهة فنقول : إنّ المستفاد من رواية داود بن فرقد هو عدم دخول وقت صلاة العصر قبل مضي المقدار المعيّن وخروج وقت صلاة الظهر لو لم يبق إلاّ ذلك المقدار كنسبة الظهر إلى ما قبل الزوال ونسبة صلاة الظهر إلى ذلك المقدار في آخر الوقت كنسبة العصر إلى ما بعد الغروب ، وعليه فلا يلزم من الاختصاص بالمعنى المذكور عدم صحّة سائر الصلوات ـ سواء كانت مستحبّة أو واجبة كقضاء الفرائض الفائتة ـ إذا وقعت في الوقت المختص أصلاً ، بل يجوز الإتيان بقضاء الشريكة لليوم السابق ـ مثلاً ـ في ذلك الوقت فيجوز الإتيان بقضاء صلاة العصر في أوّل الوقت المختص بالعصر كما يجوز الإتيان به في سائر الأوقات ، وعليه فما حكي عن صاحب الجواهر في رسالة نجاة العباد ممّا يرجع إلى أنّ المراد بالاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه مطلقاً اداءً وقضاءً عمداً وسهواً ممّا لا وجه له .
ثمّ الظاهر اختصاص دليل الاختصاص بما إذا لم يأت بصاحبة الوقت فإذا فرض الإتيان بها لا مانع من وقوع الشريكة في الوقت المختص ويتفرّع عليه انّه لو ظنّ ضيق الوقت فصلّى العصر ثمّ انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اُخرى يلزم عليه الإتيان بصلاة الظهر أداء ، بل لو سلّم الإطلاق في دليله ومنع الاختصاص نقول إنّ ظاهر الروايات الدالّة على الاشتراك أقوى من حيث الشمول لهذا الفرض من رواية ابن فرقد وغيرها وإن كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص .
( الصفحه 106 )
وفي هذا الفرع وجوه واحتمالات اُخر :
أحدها : وجوب الإتيان بالظهر قضاء لخروج وقت الظهر أخذاً بإطلاق دليل الاختصاص الراجع إلى خروج وقت الظهر ولو أتى بصاحبة الوقت .
ثانيها : ما اختاره صاحب الجواهر مستنداً إلى ما زعم من معنى الاختصاص ممّا من عدم وجوب إعادة العصر وعدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا اداء ولا قضاء .
ثالثها : وجوب إعادة العصر لبطلانها امّا من جهة وقوعها في الوقت المختص بالظهر وهو مقدار الأربع الباقي من وقته قبل الوقت المختص بالعصر بحيث يكون لكلّ واحدة منهما وقتان اختصاصيان أوّلاً وآخراً ، وامّا من جهة عدم مراعاة الترتيب ومقتضى حديث لا تعاد وإن كان عدم وجوب الإعادة من ناحيته لعدم كونه من الاُمور الخمسة المذكورة فيه إلاّ انّ من الواضح اختصاصه بغير صورة العمد فاللاّزم تخصيص الوقت بصلاة العصر .
لكنّك عرفت منع الإطلاق في دليل الاختصاص ومنع مبنى صاحب الجواهر وثبوت الوقتين الاختصاصيين لكلّ واحدة من الفريضتين لا دليل عليه ، والظاهر جريان حديث لا تعاد في مثل المقام الذي لم يقدم العصر عمداً ، بل إنّما عمل بظنّه الذي انكشف خلافه وفي هذا الفرع وجه آخر محكي عن الشهيد (قدس سره) وهو القول بتعارض وقتي الصلاتين وقد أفاد سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّه يشبه قول العامة من أن كلاًّ من الظهر والعصر قد يكون ضعيفاً للآخر كما إذا أتى بالظهر بعد المثل أو بالعصر قبله وعلى ذلك حملوا ما ورد من انّ النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين من غير علّة ولا عذر وكيف كان فالظاهر ما عرفت من لزوم الإتيان بصلاة الظهر أداء .
ويتفرّع على ما ذكرنا أيضاً انّه لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت أو
( الصفحه 107 )
تيقّنه فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها ولا يجب التأخير إلى مضي مقدار أربع ركعات ، نعم لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر ثمّ تبيّن عدم إتيانه وإنّ تمام العصر وقع في الوقت المختص بالظهر يكون الظاهر بطلانها; لأجل عدم الإتيان بصاحبة الوقت وظهور دليل الاختصاص فيه مع عدم الإتيان بها ، وامّا مع الإتيان بها فمقتضى أدلّة الاشتراك الصحّة ، وما في المستمسك من أنّ النسبة بين أدلّة الاختصاص وأدلّة الاشتراك ليست من قبيل النسبة بين الخاص والعام كي يرجع إلى أدلّة الاشتراك عند عدم صلاحية أدلّة الاختصاص للمرجعية بل هما متبائنان لورودهما معاً في مقام التحديد للوقت فإذا جمع بينهما بحمل أدلّة الاشتراك على ما وافق الاختصاص وفرض قصور أدلّة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلّة الاشتراك كذلك كان المرجع الأصل ، ففيه ما عرفت من أنّ النسبة بين دليل الاختصاص وأدلّة الاشتراك هي النسبة بين دليل المقيّد والمطلق فإذا فرض قصور دليل التقييد عن الشمول فلا محالة يكون دليل المطلق مرجعاً لا محالة .
ببقي الكلام بعد ثبوت أصل الاختصاص في مقداره وانّه هل المدار على مقدار أربع ركعات مطلقاً ـ حضراً وسفراً ـ كما هو مقتضى الجمود على ظاهر لفظة الأربع الواردة في رواية ابن فرقد مطلقاً ، أو انّ المدار على مقدار اداء الظهر بحسب الوظيفة الفعلية للمكلّف ولو كان ركعتين أو أقلّ منهما كما إذا وقعت الظهر ببعض أجزائها في الوقت نظراً إلى أنّ لفظة الأربع الواردة في الرواية واردة مورد الغالب والمراد بها هو الإتيان بالظهر وقد كنّى بها عنه ويدلّ عليه قوله (عليه السلام) في بعض الروايات : ليس بين الظهر والعصر حدّ مضافاً إلى ظهور أخبار الاشتراك في جواز الإتيان بالعصر بمجرّد الفراغ عن الظهر ولا ينافي ذلك لزوم رفع اليد عنها بالإضافة إلى أصل