( الصفحه 98 )
جميعاً وـ حينئذ ـ فقوله : إلاّ انّ هذه قبل هذه لم يكن مسوقاً لبيان اعتبار الترتيب ، بل المقصود به انّ وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر .
أقول : ويؤيّد كون المراد بالقبلية هي القبلية بالإضافة إلى الوقت انّه لو كان المراد بيان اعتبار الترتيب لكان المناسب هو التعبير بقوله إلاّ انّ هذه بعد هذه لأنّ الترتّب إنّما يكون معتبراً في صحّة العصر ولا يعتبر في صحّة الظهر ترتّب العصر عليها ضرورة انّه لو لم يصل العصر رأساً لا يكون ذلك قادحاً في صحّة الصلاة الاُولى ، فالتعبير بالقبلية يناسب بيان شأن من شؤون الظهر ولا يكون ذلك إلاّ اختصاص الوقت بها وعدم وجود الشريكة معها كما لا يخفى .
ويؤيّده أيضاً انّه لو كان المراد بيان اعتبار الترتيب يلزم التفكيك بين المستثنى والمستثنى منه فإنّ اعتبار حصول الزوال في صحّة الصلاتين أمر واقعي لا يختص بحال الذكر مع انّ اعتبار الترتيب يختص بحال الذكر فلو كان المراد من المستثنى ذلك يلزم التفكيك المذكور بخلاف ما لو كان المراد هي القبلية بحسب الوقت فإنّ اعتباره أيضاً يكون مطلقاً; لأنّ وقوع العصر في الوقت الاختصاصي موجب لبطلانها مطلقاً .
ثانيها : ما أفاده المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة من أنّ مفاد الرواية انّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي إلاّ انّ قبلية الظهر على العصر أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصّاً له وهذا نظير ما ورد في بعض الأخبار الواردة في النافلة : إلاّ انّ بين يديها سبحة وحاصل العنى انّ وقت فضيلة الفريضة أوّل دخول الوقت ذاتاً إلاّ انّ ملاحظة الشارع تحقّق النافلة أوجبت تأخير وقت فضيلتها بمقدار اداء النافلة وهذا المعنى ليس ببعيد بعد وجود النظير له في أخبار
( الصفحه 99 )
النافلة .
ثالثها : ما هو الظاهر عندي من انّ المعارضة بين الطائفتين لا تكون إلاّ المعارضة بين المطلق والمقيّد بعينها فالواجب حملها عليها بمقتضى قاعدة الحمل السارية في باب المطلق والمقيّد وذلك لأنّ دليل الاختصاص لا ينافي مع أخبار الاشتراك في أصل ثبوته ، بل ينافي معها في شروعه ومبدئه فإنّ أخبار الاشتراك ظاهرة في أنّ مجرّد الزوال موجب لتحقّق الاشتراك مطلقاً بعد الزوال ودليل الاختصاص يقيّده بما إذا تحقّق الزوال ومضى مقدار أربع ركعات فهو يدلّ على مدخلية قيد المضي في تحقّق مبدأ الاشتراك زائداً على اعتبار الزوال ويؤيّد ما ذكرنا انّ رواية داود بن فرقد بعد دلالتها على الاختصاص تصرّح بأنّه بعد المضي يدخل وقت الظهر والعصر جميعاً فإنّ المراد منه دخول الوقت الاشتراكي وإلاّ فوقت الظهر قد دخل بالزوال كما هو الظاهر .
وبالجملة مقتضى القاعدة حمل أخبار الاشتراك على دليل التخصيص والحكم بمدخلية قيد المضي في دخول وقته فلا منافاة بينهما بوجه .
وقد ذكر بعض الأعلام في مقام التصرّف في دليل الاختصاص ما ملخّصه : «إنّ المراد من رواية داود بن فرقد انّ وقت العصر ما إذا صلّى المكلّف بالفعل أربع ركعات وهو عبارة اُخرى عن الترتيب المقرّر بينهما حيث إنّ صلاة العصر إنّما تقع صحيحة فيما إذا أتى المكلّف بصلاة الظهر قبلها . لا يقال إنّ حمل الرواية على هذا المعنى لا يلائم مع ذيلها وهو قوله (عليه السلام) فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ، فإنّ معنى ذلك انّ صلاة الظهر لم يؤت بها في الخارج بعد ضرورة انّه لا معنى لدخول وقت الظهر بالنسبة إلى من صلاّها وأتى بها فلا محيص عن كون المراد ما هو ظاهره من مضي زمان يمكن أن يصلّي فيه أربع ركعات . فإنّه يقال : إنّ حمل
( الصفحه 100 )
الرواية على ما هو ظاهرها غير ممكن في نفسه; لأنّ المراد بالمقدار الذي يمكن أن يصلّي المصلّي فيه أربع ركعات امّا المقدار الذي يصلّي فيه على الوجه المتعارف ، وامّا المقدار الذي يصلّي فيه المصلّي بحسبه وهو أمر يختلف باختلاف آحاد المصلّين ، فعلى الأوّل لو صلّى أحد مستعجلاً وفرغ منها قبل المقدار المتعارف يلزم أن لا يجوز له الإتيان بصلاة العصر بلا فصل مع انّه خلاف الضرورة والإجماع والتقدير الثاني مضافاً إلى بعده في نفسه; لأنّ لازمه اختلاف وقت العصر باختلاف المصلِّين وإلى انّه خلاف الاشتراك في التكليف ـ يأتي فيه نظير الترديد المتقدّم لأنّ المراد بصلاة كلّ شخص امّا صلاته المتعارفة المشتملة على الاجزاء الواجبة وجملة من المندوبات ونحوها ، وامّا الصلاة المشتملة على خصوص الأجزاء الواجبة فعلى الأوّل لو صلّى الظهر مستعجلاً وفرغ منها قبل زمان صلاته المتعارفة يلزم أن لا يجوز له الإتيان بالعصر كذلك ، والثاني خلاف ظاهر الرواية لأنّ ظاهرها انّ الاعتبار إنّما هو بالصلاة على الكيفية المتعارفة مع أنّ هذا أمر قليل الاتفاق ومن الافراد النادرة فلا يمكن حمل الرواية عليه» .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ اختلاف وقت العصر باختلاف المصلّين ممّا لا مانع فيه ولا يكون مستبعداً بوجه كاختلافه بالإضافة إلى الحاضر والمسافر بناء على عدم كون مقدار الأربع المذكور في رواية داود بن فرقد له موضوعية ، بل الملاك مقدار صلاة الظهر بحسب حال المكلّف ـ سفراً وحضراً ـ وكاختلاف وقت الفريضيتين باختلاف الاُفق وغير ذلك من الجهات الموجبة للاختلاف ـ انّه بناء على ما أفاده يبقى الإشكال المذكور في كلامه بحاله إذ لم يتعرّض للجواب عنه بوجه ولا يكون كلامه دالاًّ على توجيهه أصلاً ، بل لا يكون قابلاً للتوجيه فإنّ اشتراك الفريضتين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال لا يجتمع مع دخول وقت وقتهما بعد
( الصفحه 101 )
الإتيان بالظهر وأوضح منه بطلان دخول وقت الظهر بعدما صلّى المصلّي صلاة الظهر كما هو ظاهر .
مع أنّه لو سلّمنا ما أفاده وأغمضنا عن عدم قابلية صدر الرواية للحمل على ما ذكره فنقول ذيل الرواية الدالّ على خروج وقت الظهر إبقاء وقت العصر إذا بقى إلى الغروب مقدار أربع ركعات فقط كيف يجتمع مع الاشتراك في جميع الوقت فإنّ لازمه خصوصاً مع اعتبار الترتيب في صلاة العصر الإتيان بصلاة الظهر في هذه الصورة ودعوى سقوط الشرطية فيها مدفوعة بأنّها على تقدير تسليمها لا يقتضي تعين العصر بل اللاّزم أن يكون المصلّي مختاراً في الإتيان بآية واحدة منهما مع أنّ ظهور الرواية في تعينها ممّا لا مجال لإنكاره وإلاّ يلزم أن يكون ذيل الرواية خالياً من الدلالة على أيّ حكم فتدبّر .
والتحقيق في هذا الباب ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) في مجلس درسه وأوردته في تقريراته وحاصله : انّ وقت الظهر مبائن لوقت العصر عند العامّة وكذا وقت المغرب والعشاء فعند بعضهم يكون أوّل الزوال إلى المثل وقتاً للظهر ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر وعند البعض الآخر يكون أوّل الزوال إلى المثلين وقتاً للظهر كذلك ، نعم حكى عن ربيعة القول بدخول الوقتين بمجرّد الزوال ولكن هذا القول مرمى عندهم بالشذوذ ، والسيرة المستمرّة العملية فيهم إلى زماننا هذا هو إتيان العصر بعد مدّة كثيرة من إتيان الظهر فإنّهم يأتون بصلاة الظهر ثمّ يتفرّقون إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله أو مثليه ثمّ يرجعون لإقامة العصر ، والجمع بين الصلاتين بهذا النحو الشايع عند الشيعة عملاً يكون أمراً منكراً عندهم; لعدم اجتماعه مع تباين الوقتين ولذلك تعجّب أبو امامة من فعل أنس فيما رواه البخاري عنه حيث إنّه قال : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ
( الصفحه 102 )
خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر فقلت : ما هذه الصلاة؟ فقال : العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كنّا نصلّي معه .
وقد التزموا بعدم اشتراك الوقت حتى في موارد الجمع كما في السفر وعند المطر وبأنّ وقت الصلاة الاُولى يصير مضيقاً بسبب الآخر .
وبالجملة الجمع بين الصلاتين كان من المنكرات عندهم وـ حينئذ ـ لا يبقى الارتياب في أنّ اخبار الاشتراك إنّما وردت لإبطال هذه العقيدة ولبيان الحكم الواقعي وانّه لا يجب الانتظار للإتيان بصلاة العصر بعد الإتيان بالظهر كما عليه الجمهور ، بل يجوز الإتيان بهما معاً بعد الزوال بلا فصل ولا تكون الروايات بصدد بيان اشتراكهما في كلّ جزء منه حتى تنافي ما يدلّ على اختصاص أوّل الوقت بالظهر ، وحيث إنّ اعتبار الترتيب بين الصلاتين كان أمراً بديهياً عند المسلمين حتّى انّ العامة القائلين بتباين الوقتين المستلزم لوقوع الثانية عقيب الاُولى قهراً ذهبوا إلى اعتباره في موارد جواز الجمع فلا يبقى مجال لتوهّم أن يكون قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس دخل الوقتان دالاًّ على دخول الوقتين بمجرّد الزوال المستلزم لنفي اعتبار الترتيب ووضح كون الغرض إبطال القول بتباين الوقتين أحسن تعبير في بيان المرام كما لايخفى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا محيص من الأخذ برواية داود بن فرقد والالتزام باختصاص أوّل الوقت بالظهر بمقدار ادائها بحسب حاله ، نعم سيجيء معنى الاختصاص وانّه لا يلزم من القول به الحكم ببطلان صلاة العصر لو وقعت في أوّل الوقت مطلقاً فانتظر ، هذا كلّه في اختصاص أوّل الوقت بالظهر .
وامّا اختصاص آخر الوقت بالعصر فلم ينقل من أحد منهم إنكاره حتى انّ الصدوق القائل بالاشتراك في أوّل الوقت ذهب إلى الاختصاص في آخره .