( الصفحه 110 )
على ثبوت وقت مغاير لما تقدّم من الروايات الظاهرة في الامتداد إلى الغروب هل يكون مفادها اختلاف الوقتين بلحاظ الأجزاء والفضيلة أو بلحاظ الاختيار والاضطرار وسيأتي البحث في هذه الجهة مفصلاً إن شاء الله تعالى ويأتي انّ مقتضى التحقيق ما هو الموافق للمشهور من أنّ الاختلاف إنّما هو بلحاظ الاجزاء والفضيلة فانتظر ، وعليه فلا معارض للروايات المتقدّمة الدالّة على الامتداد إلى الغروب بعد حملها على وقت الاجزاء أصلاً ، وممّا ذكرنا ظهر انّ آخر وقت العصر هو الغروب والفرق بينها وبين الظهر إنّما هو في اختصاص مقدار اداء صلاة العصر من آخر الوقت بالعصر وخروج وقت الظهر بذلك بالمعنى الذي تقدّم للاختصاص وعمدة الدليل عليه هي رواية داود بن فرقد المتقدّمة .
المقام الثاني في وقت فريضة العشائين ويقع الكلام فيه في أمرين :
الأمر الأوّل : في وقت فريضة المغرب ويقع الكلام فيه من جهتين :
الجهة الاُولى : في وقتها من حيث الابتداء ونقول : اتفقت الاُمّة الإسلامية وفقهاء المسلمين جميعاً على أنّ أوّل وقت صلاة المغرب غروب الشمس إنّما الإشكال والخلاف في أنّ الغروب هل يتحقّق باستتار القرص عن النظر أو بذهاب الحمرة المشرقية وزوالها ، فيه قولان ذهب إلى الأوّل فقهاء غير الإمامية من أهل السنّة والزيدية وغيرهم قاطبة ونسب من أصحابنا إلى الشيخ في المبسوط والصدوق في العلل والفقيه والسيّد المرتضى واختاره المحقّق في الشرائع ومال إليه صاحب المدارك وإلى الثاني مشهور الإمامية ويظهر من المحقّق شهرة كلا القولين ، غاية الأمر انّ الثاني أشهر ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب .
امّا ما يدلّ على القول الأوّل فكثيرة جدّاً ولا بأس بإيراد جملة منها :
( الصفحه 111 )
كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة . فإنّ الظاهر انّ المراد بغيبوبة الشمس هو ما يقابل طلوعها ومن الظاهر انّ المراد بطلوع الشمس هو طلوع قرصها الذي هي عبارة عن الدائرة النورانية المرئية فالمراد بغروبها هو استتار تلك الدائرة وخفائها عن الاُفق ، غاية الأمر انّ الطلوع يتحقّق بكون جزء من القرص مرئياً والغروب لا يتحقّق إلاّ باختفاء جميع أجزائه .
وبالجملة لو لم يكن في الباب أخبار الاعتبار بذهاب الحمرة لم يكن ريب في كون المراد بالغروب والغيبوبة وما يشابههما من العبارات هو اختفاء القرص فلا يكون في مثل الرواية إجمال ولا مجال لأن يقال : إنّ معنى غيبوبة الشمس غير معلوم كما لا يخفى .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة .
ورواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا انّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلاّ انّ هذه قبل هذه في السفر والحضر وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل . فكتب : كذلك الوقت غير انّ وقت المغرب ضيّق .
( الصفحه 112 )
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها .
ورواية زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيت بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً .
ومرسلة اُخرى للصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص .
ورواية علي بن الحكم عمّن حدّثه عن أحدهما (عليهما السلام) انّه سئل عن وقت المغرب فقال : إذا غاب كرسيها قلت : وما كرسيها؟ قال : قرصها ، فقلت : متى يغيب قرصها؟ قال : إذا نظرت إليه فلم تره .
ورواية اُخرى لعبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم .
ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها . والمراد من قوله (عليه السلام) : حيث تغيّر حاجبها انّه حيث إنّ الشمس في آخر اللحظات من الغروب تظهر كالحاجب فإذا غاب حاجبها فقد سقط القرص ودخل وقت صلاة المغرب .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وقت المغرب حين تغيب الشمس .
ورواية عمر بن أبي نصر قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : في المغرب إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وأفطر .
ورواية سماعة بن مهران قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في المغرب أنا ربّما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل ، قال : فقال :
( الصفحه 113 )
ليس عليك صعود الجبل . ودلالتها على أنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار واضحة ضرورة انّ الشكّ في أنّها غربت أم لم تغرب إنّما يتصوّر فيما إذا كان المغرب بمعنى استتار القرص; لأنّه في هذه الحالة إذا غابت عن الحس والنظر وكان في البين جبل ونحوه يحتمل أنها استترت خلف الجبل ، وامّا إذا كان المغرب بمعنى تجاوز الحمرة عن قمّة الرأس إلى المغرب فبعد تحقّقه لا معنى للشكّ واحتمال أن تكون الشمس خلف الجبل لأنّه على هذا التقدير يعلم بأنّه على فرض الصعود إلى الجبل لا يرى أثر من الشمس ولا يحتمل رؤية قرصه أصلاً فلا مجال لنفي إيجاب صعود الجبل عليه كما هو ظاهر .
وغير ذلك من الروايات الظاهرة في أنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار وغيبوبة القرص .
وامّا ما يدلّ على القول الثاني فكثيرة أيضاً ولابدّ من إيرادها ليعلم انّها هل تدلّ على هذا القول أو لا أم لا وعلى تقدير دلالتها وتمامية سندها هل تكون قابلة للجمع بينها وبين الطائفة الاُولى وماذا طريق الجمع ثانياً وعلى تقدير عدم إمكان الجمع هل اللاّزم الأخذ بها أو بالطائفة الاُولى ثالثاً فنقول :
ومنها : رواية بريد بن معاوية التي رواها عنه قاسم بن عروة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها . وقد رواها في الوسائل في ثلاثة مواضع من باب واحد وظاهره كونها روايات متعدّدة مع انّه ليست إلاّ رواية واحدة رواها بريد وروى عن بريد قاسم المذكور ، غاية الأمر ثبوت اختلاف يسير في المتن حيث أسقط قوله : من هذا الجانب يعنى في إحداها وذكر بدل قوله : من المشرق : ناحية المشرق في الاُخرى ، كما انّها رويت عن أبي جعفر (عليه السلام) في الاثنتين وعن أحدهما (عليهما السلام) في
( الصفحه 114 )
الثالثة ولكن هذه الاختلافات لا تؤيّد تعدّد الرواية بوجه ، بل الظاهر كونها رواية واحدة مروية كذلك .
وقد أورد بعض الأعلام على الاستدلال بها للقول المشهور ـ مضافاً إلى ضعف السند بالقاسم بن عروة لعدم توثيقه ـ بضعف الدلالة نظراً إلى أنّ المراد بالمشرق هي النقطة التي تطلع منها الشمس لا ناحية المشرق في مقابل المغرب الذي هي النقطة التي تدخل فيها الشمس تحت الاُفق ويؤيّده التعبير عن المشرق بمطلع الشمس في بعض الروايات ، وحيث إنّ المشرق مطل على المغرب لأنّه مقتضى كروية الأرض وقد وقع التصريح به في بعض الروايات الآتية فيدلّ ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق على دخول الشمس تحت الاُفق فلا دلالة للرواية على أنّ ذهاب الحمرة عن قمّة الرأس أو عن تمام ناحية المشرق كاشف عن الغروب وإنّما تدلّ على أنّ ارتفاع الحمرة من خصوص النقطة التي خرجت منها الشمس عند الطلوع دليل على غيبوبتها تحت الاُفق والوجه في جعل ذلك أمارة كاشفة مع انّ المدار في الأحكام المترتّبة على الغروب هو دخول القرص تحت الاُفق هو أن مشاهدته غير متيسّرة للمكلّفين لعدم خلوّ الأرض من الحواجب من الجبال والأطلاق ونحوهما .
ويدفع هذا الإيراد مضافاً إلى منع ضعف السند لرواية ابن أبي عمير عن القاسم المذكور في إحداها وإلى منع كون المراد بالمشرق هو خصوص النقطة التي تطلع منها الشمس فإنّ الظاهر منه عرفاً هو جانب المشرق وناحيته كما وقع تفسيراً للجانب في المتن المذكور وفسّر بالناحية في غيرها والتعبير عنه بمطلع الشمس لا يؤيّد ذلك لأنّ المراد به أيضاً جانب المشرق في مقابل المغرب كما يظهر لمن راجع الرواية التي عبّر فيها بذلك وعلى تقديره لا يرتبط بالمقام ، ومضافاً إلى أنّ كلمة