( الصفحه 138 )
شاء الله تعالى .
وامّا أخبار الفجر فإن كان مفادها الامتداد إلى طلوع الفجر ولو في حال الاختيار امّا بناء على دلالة رواية عبيد بن زرارة على الإطلاق ، وامّا بناءً على إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في النائم والناسي والحائض فمضافاً إلى معارضتها للأخبار المتقدّمة تكون مخالفة لظاهر الكتاب وهو قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ بناء على كون المراد بالغسق انتصاف الليل كما هو كذلك بحسب اللغة والروايات المفسِّرة للآية التي تقدّم بعضها ، وجه المخالفة انّ ظاهر الآية هو امتداد وقت المجموع إلى الانتصاف وعدم جواز التأخير عنه فكيف يجتمع معه الامتداد إلى طلوع الفجر اختياراً كما يدلّ عليه اخبار الفجر على ما هو المفروض ، نعم لا تنافي الآية الروايات الدالّة على الامتداد إلى الشفق لأنّ مفادها شروع وقت المجموع بالزوال وانتهائه بالانتصاف ولازمه جواز الدخول في الصلاة الاُولى بمجرّد تحقّق الزوال كما انّ لازمه عدم امتداد وقت الآخرة وعدم بقائه بعد الانتصاف ، وامّا كون وقت الثالثة أيضاً مستمرّة إلى الانتصاف فلا دلالة للآية عليه فمن الممكن استمراره إلى زوال الشفق ، كما انّه لا دلالة للآية على جواز الشروع في الثانية بمجرّد الزوال ، نعم يستفاد منها عدم جواز الشروع فيها قبل الزوال كما انّه يستفاد منها عدم استمرار وقت الثالثة إلى ما بعد الانتصاف ، وامّا استمراره إليه فلا ، وعلى ما ذكرنا فالآية إنّما تنفي أخبار الفجر فقط على خلاف ما صرّح به بعض الأعلام من جعل الآية قرينة على التصرّف في أخبار الشفق أيضاً مع انّه عرفت عدم ثبوت المنافاة بوجه .
وبالجملة لا محيص بملاحظة الآية من التصرّف في أخبار الفجر بالحمل على موارد الاضطرار أو رفع اليد عنها لم يمكن الالتزام بالحمل المذكور .
( الصفحه 139 )
وامّا لو كان مفاد أخبار الفجر هو الامتداد إليه في الجملة ولو في خصوص مواردها من النائم والناسي والحائض فلابدّ من ملاحظة انّها هل تكون معرضاً عنها عند المشهور ولازمه سقوطها عن الحجّية ولو بالنسبة إلى المضطرّ أم لا؟ قد يقال بعدم ثبوت الاعراض لأنّه مضافاً إلى ذهاب من تقدّم إلى القول بالامتداد إلى الفجر يظهر من الشيخ (قدس سره)في موضع آخر من محكي الخلاف عدم الخلاف في ذلك حيث قال : «إذا أدرك بمقدار يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف وإن لحق أقلّ من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر» فإنّ ظاهره عدم انقضاء الوقت إلاّ بطلوع الفجر وإنّ ذلك محلّ اتفاق بين المسلمين من العامّة والخاصّة و ـ حينئذ ـ كيف يمكن دعوى الاعراض وثبوت الشهرة على خلاف أخبار الفجر ويؤيّدها الأخبار الكثيرة الدالّة على حرمة تأخير العشاء عن انتصاف الليل وكذا ما دلّ على ثبوت كفارة صوم يوم على من أخّر العشاء عنه وإن كان يجري فيهما احتمال كون الحرمة وكذا الكفارة ليس لأجل خروج وقتها بذلك ، بل نفس الحكم بالحرمة ربّما يشعر بعدم انقضاء الوقت فتدبّر .
وكيف كان فعلى تقدير عدم ثبوت الاعراض يكون مقتضى الجمع بين اخبار الفجر وبين الآية وروايات الانتصاف هو حملهما على بيان وقت المختار وحملها على موارد الاضطرار ولا مجال لحملها على التقية بعد كون الحمل عليها إنّما هو في مورد عدم إمكان الجمع من حيث الدلالة مضافاً إلى أنّ المشهور بين العامّة غير ذلك فإنّ القائل بالامتداد إلى الفجر منهم إنّما هو مالك على ما تقدّم والفتوى المشهورة هو الامتداد إلى الشفق . وما تقدّم من عبارة الخلاف لا دلالة له على كون الامتداد إلى الفجر ممّا لا خلاف فيه بينهم لأنّ الجمع بين الصلاتين عندهم يختلف وجهه مع ما
( الصفحه 140 )
هو الوجه فيه عند الإمامية فإنّ الوجه فيه عندنا هو ثبوت الوقتين لكلتا الصلاتين فإذا أتى بالظهرين بعد الزوال بلا فصل فهو جائز عندنا من حيث دخول وقت العصر بمجرّد الفراغ عن الظهر ، كما انّه لو أتى بهما في آخر الوقت يكون وجه جوازه بقاء وقت الظهر وعدم خروجه بعد ، وامّا الجمع عندهم فهو عبارة عن وقوع إحدى الصلاتين في الوقت المختص بالاُخرى كان إحدى الصلاتين تضيف الاُخرى في وقتها ولذا يكون جوازه متوقّفاً على الدليل ولا يجوز إلاّ في موارد مخصوصة .
وكيف كان فحمل أخبار الفجر على التقية لا وجه له أصلاً فاللاّزم الالتزام بالامتداد إلى طلوع الفجر بالإضافة إلى المضطرّ والأحوط عدم قصد الاداء والقضاء بل يأتي بها بقصد ما في الذمّة .
بقي الكلام فيما يعرف به انتصاف الليل وما هو المناط فيه فالمنسوب إلى أكثر أهل اللغة والمفسِّرين والفقهاء والمحدِّثين والحكماء الإلهيين والرياضيين انّ المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني وإن ما بين الطلوعين يكون من النهار ونسب إلى جماعة قليلين كظاهر محكي الكفاية وظاهر الذكرى والمفاتيح وشرحها انّ المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوعها وانّ ما بين الطلوعين يكون من الليل واحتمل أن يكون ما بين الطلوعين خارجاً من الليل والنهار معاً ، وعليه فالمراد من النصف أيضاً ما في الاحتمال الأوّل .
هذا وقد أصرّ بعض الأعلام على ترجيح الاحتمال الثاني ، وحاصل ما يستفاد من كلامه في وجه تعينه اُمور :
الأوّل : قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ نظراً إلى أنّ الغسق بحسب اللغة امّا بمعنى ظلمة أوّل الليل أو بمعنى شدّة ظلمة الليل وغايتها ومقتضى الأخبار الواردة في تفسير الغسق إرادة المعنى الثاني حيث فسّر فيها
( الصفحه 141 )
بانتصاف الليل فيستفاد منها انّ انتصاف الليل إنّما هو زمان شدّة ظلمته ونهايتها وإلاّ فليس الغسق بمعنى الانتصاف كما هو واضح ثمّ إنّ من المعلوم انّ اشتداد الظلمة ونهايتها إنّما هو في النصف فيما بين غروب الشمس وطلوعها وسرّه انّ إضاءة أيّة نقطة من الكرة الأرضية وتنوّرها إنّما تستندان إلى الشمس لا محالة فكلّما قربت الشمس من نقطة من الأرض أخذت تلك النقطة بالاستضاءة والتنوّر حتّى يطلع الفجر فتصير تلك النقطة مضيئة ومتنوّرة بمقدار ضئيل ثم تزداد تنوّردها واستضائتها إلى أن تطلع الشمس وتخرج عن تحت الاُفق فتأخذ بالاشتداد شيئاً فشيئاً إلى أن تبلغ دائرة نصف النهار وهو نهاية ضيائها وتنوّرها لأنّه نهاية اقتراب الشمس من الأرض فإنّ الشمس بعدما بلغت إلى تلك الدائرة تأخذ في الابتعاد وبه تضعف استضاءة تلك النقطة وينقص نورها حتى تغرب الشمس وتظلم تلك النقطة بمقدار قليل وكلّما أخذت الشمس في الابتعاد عنها أخذت الظلمة فيها بالاشتداد إلى أن تصل الشمس مقابل دائرة نصف النهار من تحت الأرض ولنعبر عنه بدائرة منتصف الليل وهذه نهاية الظلمة في تلك النقطة لأنّه غاية ابتعاد الشمس عنها فالمراد بالغسق شدّة الظلام وهي إنّما تكون فيما إذا وصلت الشمس مقابل دائرة نصف النهار وهو الذي يسمّى بمنتصف الليل فهو إذاً عبارة عن منتصف ما بين غروب الشمس وطلوعها .
أقول : هذا عمدة دليله ويمكن الإيراد عليه بأنّ مقتضى ما أفاده أن يكون مقدار الظلمة في الساعة التي ابتعدت الشمس عن الأرض بغروبها مساوية مع مقدارها في مثل تلك الساعة ممّا قربت الشمس إلى الأرض بطلوعها فيلزم أن يكون مقدار الظلمة في نصف ساعة إلى الطلوع مثلاً مساوياً لمقدارها في نصفها بعد الغروب مع انّه من المحسوس بالوجدان تحقّق الظلمة في أوّل الليل سريعاً وارتفاعها بين
( الصفحه 142 )
الطلوعين بطيئناً ولا تكون الظلمتان متساويتين من حيث المقدار بوجه ، نعم ما أفاده صحيح على تقدير أن يكون هناك مثلاً دائرة حقيقية تدور عليها الشمس وفرضنا وقوع الأرض في وسطها الحقيقي مع أنّه لا يكون كذلك وقد مرّ في بعض الروايات السابقة وفي الفرق بين الحمرة المشرقية في ناحية الغروب والحمرة المغربية في ناحية الطلوع ثبوت الفرق بين المشرق والمغرب وانّ الأوّل مطلّ ومشرف على الثاني ، وعليه فيمكن تحقّق اشتداد الظلمة ونهايتها قبل وصول الشمس إلى النقطة المقابلة لنقطة نصف النهار بحيث لم يكن بلوغها إلى المرتبة الشديدة من الظلمة متوقّفاً على مضي اثنتي عشرة ساعة من زوال الشمس ، بل متحقّقاً قبل ذلك بأقلّ من ساعة كما يقول به المشهور . وبالجملة فكون الغسق بمعنى شدّة الظلمة لا يقتضي ما أفاده أصلاً .
الثاني : قوله عزّ من قائل : }أقم الصلاة طرفي النهار . . .{ فإنّه قد فسّر طرفي النهار بالمغرب والغداة وعليه فتدلّ الآية المباركة على أنّ الغداة طرف النهار لا من النهار كما هو كذلك في المغرب ، ودعوى انّ الطرف قد يطلق ويراد به مبدأ الشيء ومنتهاه من الداخل دون الخارج والمقام من هذا القبيل مندفعة بأنّ الطرف وإن كان كذلك إلاّ انّه حيث يكون أحد الطرفين في الآية المباركة هو المغرب على ما دلّت عليه صحيحة زرارة ولا شبهة في أنّه طرف خارجي فبمقتضى المقابلة لابدّ من أن يكون الطرف الآخر أيضاً طرفاً خارجياً فتدلّ الآية على أنّ الغداة كالمغرب خارجة عن النهار .
والجواب : انّ ظهور هذه الفقرة من الصحيحة في خروج الغداة عن النهار كالمغرب وإن كان لا ينبغي أن ينكر إلاّ انّ ذيل الصحيحة يدلّ بالصراحة على دخول الغداة في النهار وانّ إطلاق الصلاة الوسطى على صلاة الظهر إنّما هو بلحاظ