( الصفحه 155 )
أوّلاً وآخراً مع كون مورد السؤال هو وقت المغرب فقط إلاّ أن يقال : إنّ خصوصية الموقعية لعلّها كانت مقتضية لشدّة التقية والتعرّض لبيان ما لم يكن مورداً للسؤال أيضاً .
وكيف كان فالظاهر انّ حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة لا يجتمع مع تعبيراتها والخصوصيات الواقعة فيها ، كما انّ حمل الطائفة الاُولى على بيان وقت المضطرّ ممّا لا وجه له مع كثرتها وملاحظة سياقها كما لايخفى . وعليه فيتعيّن الوجه الأخير الذي قوّاه الاستاذ (قدس سره) ومرجعه إلى أنّ أوّل الوقت مطلقاً هو غروب الشمس ومضي مقدار صلاة المغرب ، وامّا وقت الفضيلة فسيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى .
الجهة الثانية : في آخر وقت العشاء وأقوال علماء العامّة فيه أربعة : ربع الليل مطلقاً واختاره إبراهيم النخعي والتفصيل بين النصف للمختار وطلوع الفجر لغيره واختاره أبو حنيفة وجماعة ، والامتداد إلى الفجر مطلقاً على ما حكي عن ابن عبّاس وعطا وطاووس ومالك وعكرمة ، والامتداد إلى الثلث للمختار والفجر للمضطرّ ذهب إليه الشافعي في القديم .
وامّا علمائنا الإمامية ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فأقوالهم خمسة ظاهراً : الامتداد إلى النصف مطلقاً واختاره السيّد وابن إدريس والحلبي وجماعة ، وإلى الثلث كذلك على ما حكي عن المفيد والشيخ في أكثر كتبه ، وإلى الثلث للمختار والنصف للمضطرّ على ما صرّح به جماعة وإلى الربع مطلقاً على ما حكي عن ابن أبي عقيل وإلى الفجر لخصوص المضطرّ على ما اختاره المحقّق في المعتبر ويظهر من الفقيه وحكاه الشيخ عن بعض أصحابنا ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب ولكنّه لابدّ قبل ملاحظتها من النظر إلى الآية الشريفة ومقدار مفادها
( الصفحه 156 )
وهي قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل{ ، بعد كون المراد من الغسق هو الانتصاف بلحاظ كونه زمان شدّة ظلمة الليل كما عرفت ، فنقول : الآية ظاهرة بل صريحة في امتداد وقت العشاء لكونها آخر الصلوات الأربعة التي تكون الآية بصدد بيان أوقاتها كما دلّت عليه الرواية المعتبرة إلى نصف الليل ، وعليه فلو كان هناك رواية دالّة على امتداد وقتها إلى الفجر مطلقاً لا يجوز الأخذ بها لكونها مخالفة للقرآن ولا يمكن الجمع بينهما بوجه يكون إطلاقها محفوظاً ، كما انّه لو كان هناك رواية دالّة على الامتداد إلى الثلث مطلقاً أو إلى الربع كذلك لا يجوز الأخذ بها لما ذكرنا من عدم إمكان التوفيق بينها وبين الآية ، كما انّه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى أحدهما لخصوص المختار لا يسعنا أيضاً الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية الواردة لإفادة أمر عام كلّي على كون موردها للمضطرّ ومنه يظهر انّه لا يمكن الجمع بين مثل الرواية والآية بحمل الاُولى على المختار والثانية على المضطرّ ، نعم لو كان هناك رواية دالّة على الامتداد إلى الفجر المضطرّ لا تكون تلك الرواية مخالفة إلاّ لإطلاق الآية ، ويمكن تقييدها بالمختار ولا مانع من اختصاص موردها به كما انّه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى الفجر مطلقاً لأمكن الجمع بينها وبين الآية يحمل الاُولى على صورة الاضطرار والثانية على الاختيار كما هو واضح .
وكيف كان فالآية في نفسها دليل بالانتصاف ويشهد له أيضاً روايات متكثّرة :
كمرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل .
والمراد من قوله (عليه السلام) : إذا صلّيت المغرب هو مضى مقدار اداء صلاة المغرب لا الإتيان بها خارجاً بقرينة الرواية الآتية .
( الصفحه 157 )
ومرسلة داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل .
ورواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا انّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه .
ورواية معلى بن خنيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : آخر وقت العتمة نصف الليل .
ورواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع .
ورواية عبيد بن زرارة ـ على نقل الشيخ (قدس سره)ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل .
وامّا ما يدلّ على الربع فهو ما ورد في فقه الرضا من قوله : ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل ، وقد رخص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل وللمضطرّ إلى قبل طلوع الفجر . ولكن عرفت انّ مثلها مخالف للآية ولا يجوز الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية على كون موردها العليل والمسافر في مقابل المختار والمضطرّ ، مع أنّه لم تثبت كونه رواية ولم تثبت حجّية فقه الرضا بوجه .
( الصفحه 158 )
وامّا ما يدلّ على الثلث فمنها ما رواه الصدوق باسناده عن معاوية بن عمّار في رواية انّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل . قال الصدوق : وكان الثلث هو الأوسط والنصف هو آخر الوقت .
ومنها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين نور الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال : ما بينهما وقت .
أقول : ولا محيص عن حمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة; لأنّ الأخذ بإطلاقها والحكم بكونه آخر الوقت للمختار والمضطرّ لا يجتمع مع الآية الشريفة الدالّة على الامتداد إلى الانتصاف ، كما انّ حملها على بيان وقت المختار موجب لحمل الآية على مورد الاضطرار وهو لا يصحّ فكيف يمكن حمل الآية الدالّة على تشريع الصلاة وبيان مواقيتها على كون محطّ النظر فيها هي صورة الاضطرار فينحصر الطريق بحمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة ولا تنافي الآية ـ حينئذ ـ لظهورها في آخر وقت الاجزاء .
وامّا الأخبار الدالّة على الامتداد إلى الفجر ـ المتقدّمة في آخر وقت المغرب ـ فإن أريد استفادة الإطلاق منها امّا بدعوى دلالة بعضها عليه وامّا بدعوى إلغاء الخصوصية عن مواردها وهي النائم والناسي والحائض فهو لا يجتمع مع الآية
( الصفحه 159 )
الدالّة على أنّ آخر وقت العشاء هو الانتصاف ولا يمكن حمل الآية على بيان وقت الفضيلة ، نعم لو كان في مقابلها أخبار الانتصاف فقط لأمكن ذلك ، وإن اُريد استفادة جواز التأخير بالإضافة إلى خصوص مواردها أو أعمّ منه ممّا لا يخرج عن عنوان الاضطرار فالجمع بينها وبين الآية واخبار الانتصاف ممّا لا مانع منه بحمل الآية وكذا تلك الأخبار على مورد الاختيار والقول بالتفصيل بينه وبين الاضطرار كما أفتى به المحقّق في المعتبر على ما مرّ .
نعم يبقى على الالتزام بأخبار الفجر أمران :
الأوّل : انّها معرض عنها للمشهور ومن المقرّر في محلّه انّ إعراض المشهور قادح في حجّية الرواية واعتبارها ولو بلغت من الصحّة ما بلغت .
الثاني : انّها محمولة على التقية لاتفاقهم إلاّ من شذّ على الامتداد إلى الطلوع للفجر وان اختلفوا في أنّه هل مطلق أو مقيّد بصورة الاضطرار وإن أخّر وقت المختار هل هو الثلث أو النصف .
ويدفع الأوّل ما عرفت في آخر وقت المغرب من عدم ثبوت الاعراض بعد ادّعاء الشيخ في موضع من الخلاف نفي الخلاف في لزوم الإتيان بالعشائين إذا أدرك مقدار خمس ركعات قبل طلوع الفجر مضافاً إلى فتوى المحقّق به في المعتبر وظهور عبارة الصدوق في ذلك واختيار جمع من المتأخّرين له .
ويدفع الثاني انّه لا وجه للحمل على التقية لأنّه مضافاً إلى وجود القول بالخلاف بينهم أيضاً انّ الحمل على التقية كما ذكرنا إنّما هو في مورد ثبوت التعارض وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين بالجمع الدلالي الذي يخرجهما عن هذا العنوان وقد مرّ انّ الجمع بين أخبار الفجر وبين الآية وأخبار الانتصاف بمكان من الإمكان فلا تصل النوبة إلى رعاية قواعد التعارض التي منها الحمل على التقية .