( الصفحه 160 )
مع أنّ اشتمال هذه الأخبار على امتداد المغرب أيضاً إلى الطلوع ولا يقولون به ، نعم التأمّل به هو مالك وحده يمنع عن الحمل على التقية ، كما انّ ظهور بعضها في اشتراك الوقتين مع أنّهم قائلون بالتباين مطلقاً كما عرفت يمنع أيضاً عن ذلك فالإنصاف إنّه لا محيص عن الالتزام بأخبار الفجر في مثل مواردها وهو المضطرّ ، نعم الأحوط له الإتيان بالعشاء بعد الانتصاف لا بنيّة الاداء والقضاء بل بنيّة ما في الذمّة كما عرفت في آخر صلاة المغرب .
وامّا العامد فلا وجه للحكم بالامتداد إلى الفجر فيه أصلاً بعد صراحة الآية في أنّ آخر الوقت ولو بالنسبة إليه فقط هو الانتصاف ، فدعوى امتداد وقته أيضاً إليه كما قواه السيد في العروة وإن حكم بثبوت الإثم له ممّا لا وجه له كما انّ الحكم بثبوت الاحتياط المذكور في العامد أيضاً كما في المتن أيضاً لا وجه له لأنّه لا يبقى بعد ملاحظة الآية ترديد ولو في مورد العامد ليحكم بثبوت الاحتياط ولا يجوز قطع النظر عن الآية ، نعم لو لم يكن في مقابل أخبار الفجر إلاّ اخبار الانتصاف لأمكن دعوى ذلك ولكنّه مع ثبوت الآية ووضوح دلالتها لا يبقى لها مجال فتأمّل .
المقام الثالث : في وقت فريضة الصبح ويقع الكلام فيه من جهتين أيضاً :
الجهة الاُولى : في وقتها من حيث الابتداء والظاهر اتفاق علماء المسلمين من العامّة والخاصّة على أنّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الصادق وما حكى من اعتبار عوامهم بالفجر الكاذب واعتنائهم عليه فهو على تقدير صحّة الحكاية مخالف لفتاويهم ، نعم حكي عن أعمش انّ أوّل وقت الصوم هو طلوع الشمس وهو مع أنّه لا يرتبط بصلاة الفجر مردود بالإجماع على خلافه .
ويدلّ على دخول وقت فريضة الصبح بطلوع الفجر قوله تعالى : }وكلوا
( الصفحه 161 )
واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر{(1) وذكر في مجمع البيان في شأن نزول الآية انّه روى علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان الأكل محرّماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم وكان النكاح حراماً بالليل والنهار في شهر رمضان وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له مطعم بن جبير أخو عبدالله بن جبير الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرقاة وفارقه أصحابه وبقي في اثنى عشر رجلاً فقتل على باب الشعب وكان أخوه هذا مطعم بن جبير شيخاً ضعيفاً وكان صائماً فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلمّا انتبه قال لأهله : قد حرم عليّ الأكل في هذه الليلة فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فاُغمي عليه فرآه رسول الله (صلى الله عليه وآله)فرقَّ له وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرّاً في شهر رمضان فأنزل الله هذه الآية فأحلّ النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر .
وحكى فيه أيضاً في تفسير الخيطين انّه روى انّ عدي بن حاتم قال للنبي (صلى الله عليه وآله)انّي وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود فكنت أنظر فيهما فلا يتبيّن لي فضحك رسول الله حتّى رؤيت نواجذه ثمّ قال : يابن حاتم إنّما ذلك بياض النهار وسواد الليل .
ويحتمل أن يكون المراد بالخيط الأبيض هو النهار وبالخيط الأسود الليل أي يتبيّن لكم النهار من الليل ولكن هذا الاحتمال بعيد; لأنّ تشيه النهار بالخيط الأبيض مع أنّ الخصوصية الممتازة في الخيط هو دقّته ممّا لا وجه له كما انّ تشبيه الليل بالخيط الأسود أيضاً كذلك .
( الصفحه 162 )
فالظاهر انّ المراد بالخيط الأبيض هو البياض الدقيق الحاصل في أوّل الفجر وهو شبيه بالخيط من حيث الدقّة والتعبير عن ظلمة الليل المحيطة في ذلك الوقت لجميع الاُفق إنّما هو للمشاكلة التي هي أحد المحسنات البديعية المذكورة في محلّها .
وامّا لفظة «من» في قوله من الفجر يحتمل أن تكون للتبعيض نظراً إلى انّ الخيط الأبيض بعض الفجر وأوّل شروعه وتحقّقه ، ويحتمل أن تكون نشرية ومرجعه إلى أن التبيّن الكذائي إنّما ينشأ من الفجر وتحقّقه ، ويحتمل أن تكون للتبيين ، وعليه يمكن أن يكون بياناً لنفس الخيط الأبيض ، وعليه فالمعنى حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض الذي هو الفجر ، ويمكن أن يكون بياناً لنفس التبيّن ، وعليه فالمعنى ان تبيّن الخيطين إنّما هو الفجر والغاية لجواز الأكل والشرب إنّما هو الفجر الذي يكون عبارة اُخرى عن تبيّن الخيطين وامتيازهما بخلاف الاحتمال السابق الذي تكون الغاية بناء عليه هو تبيّن الفجر الذي هو عبارة عن الخيط الأبيض ويظهر الاحتمال الأخير من الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالة صنّفها في تعيين الفجر بنحو الاختصار ولكنّه خلاف الظاهر; لأنّه مضافاً إلى أنّه لم يظهر جواز كون لفظة «من» بياناً للجملة هو خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من ظاهر الآية الشريفة كما لا يخفى ويترتّب عليه ثمرة مهمّة تأتي إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّه لا يظهر من نفس هذا التعبير انّ المراد بالفجر هو الفجر الصادق الذي له ثلاث مزيات بالإضافة إلى الفجر الكاذب وهو اتصاله بالاُفق وكونه اُفقياً وانتشاره قليلاً قليلاً واشتداد ضوئه تدريجاً بخلاف الفجر الكاذب الذي يكون منفصلاً عن الاُفق ويكون عمودياً عليه ويكون عند حدوثه أشدّ ضوء لزواله تدريجاً .
بل يمكن استفادة الفجر الصادق بضميمة صدور الآية الدالّة على علّية الرفث
( الصفحه 163 )
ليلة الصيام وذيلها الظاهرة في وجوب إتمام الصيام إلى الليل فإنّ المستفاد منهما انّ ظرف وجوب الصيام إنّما هو مجموع النهار ، ومن الواضح انّه لم يقل أحد بدخوله بالفجر الكاذب بل هو كما عرفت مردّد بين تحقّقه بدخول الفجر الصادق وبين توقّفه على طلوع الشمس وقد استظهرنا الاحتمال الأوّل وفاقاً للمشهور ، وعليه فالمستفاد من مجوع الآية هو الفجر الصادق مضافاً إلى تفسيره به في بعض الروايات الآتية .
ثمّ إنّه هل المعتبر في اعتراض الفجر وتبيّنه هو الاعتراض والتبيّن الفعلي أو الأعمّ منه ومن التقديري نظير الاحتمالين في باب تغيّر الماء في بحث المياه ربّما يقال بالأوّل كما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) نظراً إلى أنّ الظاهر من التبيّن والتميّز هو التميّز الفعلي الحقيقي كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في العقود والقضايا المشتملة على بيان الأحكام وترتّبها عليها وقد اختاره الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالته المذكورة نظراً إلى أنّ ظاهر الآية الشريفة هو أنّ تبيّن الخيطين وامتيازهما هو الفجر واقعاً لا انّ الفجر شيء والتبيّن شيء آخر ، نعم يكون العلم أمارة لهذا التبيّن والامتياز النفس الامري فإذا كان نور القمر قاهراً لا يظهر البياض فلا يتميّز الخيطان حتّى يظهر ضياء الشمس ويقهر على نور القمر وهذا بخلاف ما إذا كان هناك غيم في السماء فإنّ الفرق بين ضوء القمر الذي هو مانع عن تحقّق البياض رأساً مع الغيم الذي هو كحجاب عارضي مانع عن الرؤية واضح ، وعليه فيكون الفجر في الليال المقمرة من الليلة الثالثة عشر إلى أواخر الشهر متأخّراً عن غيرها قريب عشر دقائق أو أقلّ أو أكثر حسب اختلاف ضياء القمر وقربه من الاُفق الشرقي .
أقول : الظاهر انّ المستفاد من الآية الشريفة انّ التبين أمر والفجر أمر آخر لما عرفت من ظهورها في كون كلمة «من» للتبيين وانّه بيان لا للتبيّن ، بل لنفس الخيط
( الصفحه 164 )
الأبيض ، وعليه فمفادها انّ الفجر الذي قد يكون متبيّناً وقد لا يكون كذلك لأنّه عبارة عن البياض المعترض تكون غاية جواز الأكل والشرب هي تبيّنه والظاهر ـ حينئذ ـ انّ التبيّن المأخوذ لا يكون إلاّ طريقاً لعدم كونه عبارة اُخرى عن حقيقة الفجر فإنّ مثل التبيّن والعلم من العناوين المأخوذة يغاير سائر العناوين الظاهرة في الموضوعية كعنوان التغيّر المذكور; لأنّ ظاهر التغيّر المأخوذ في دليل النجاسة وصفاً للماء هو التغيّر الفعلي الحسّي المدرك بأحد الحواس فوجود المانع عن التغيّر يوجب عدم تحقّق الوصف فلا يثبت الحكم ، وامّا عنوان التبيّن فهو كالعلم المأخوذ في قوله : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر فإذا علمت فقد قذر لا يكون إلاّ طريقاً لثبوت القذارة ، ويمكن قيام مثل البيّنة والاستصحاب واخبار ذي اليد مقامه ، وعليه فظاهر الآية الشريفة هو مدخلية الفجر في ارتفاع جوز الأكل والشرب والتبيّن طريق إلى ثبوته فإذا تحقّق الخيط الأبيض الذي هو الفجر بمقتضى الموازين العلمية ولو لم يتحقّق لأجل مقهوريته لضوء القمر ونوره تتحقّق الغاية ولا يكون ـ حينئذ ـ فرق بين الليالي المقمرة والليالي المغيمة وسائر الليالي أصلاً .
ويؤيّد ما ذكرنا بعض الروايات كرواية علي بن مهزيار قال : كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي : جعلت فداك قد اختلف موالوك (مواليك) في صلاة الفجر فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الاُفق واستبان ولست أعرف أفضل الوقتين فاُصلّي فيه ، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي ، وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبيّن (تبيّن) معه حتى يحمر ويصبح ، وكيف أصنع مع الغيم وما حدّ ذلك في السفر والحضر فعلت إن شاء الله ، فكتب (عليه السلام) بخطّه وقرأته : الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض ، وليس هو الأبيض صعداً فلا تصل في سفر ولا حضر حتى