( الصفحه 178 )
حدودهنّ وحافظ على مواقيتهن لقى الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنّة ، ومن لم يقم حدودهنّ ولم يحافظ على مواقيتهنّ لقى الله ولا عهد له ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له .
واُجيب عن الاستدلال بها انّها نظير ما دلّ على أنّ أوّل الوقت رضوان الله وآخره عفو الله فمفادها انّ من صلاّها في أوقات الفضيلة فقد وعده الله أن يدخله الجنّة بذلك ومن صلاّها في غير تلك الأوقات فليس له وعدم من الله سبحانه بل له أن يدخله الجنّة وله أن لا يدخلها .
والحقّ انّ المراد بالمواقيت في الرواية هي مواقيت الاجزاء ومفادها انّ عدم رعايتها وعدم المحافظة عليها يوجب استحقاق العذاب وإن كان غير تارك لأصل الصلاة ، غاية الأمر انّ تحقّق العذاب متوقّف على مشيئة الله والشاهد لما ذكرنا جعل عدم المحافظة في عداد عدم إقامة حدود الصلوات الظاهر في عدم الاهتمام بشرائطها وخصوصياتها المعتبرة فيها ، وعليه فمراد الرواية إنّ إتيان الصلاة في الوقت مع جميع الخصوصيات موجب لثبوت العهد المذكور والإخلال بالوقت أو بالحدود مع عدم الترك رأساً موجب لاستحقاق العذاب ، وعليه فلا تكون الرواية نظير الرواية المذكورة في الجواب فتدبّر .
ومنها : موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح . ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب
( الصفحه 179 )
ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين نور الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال : ما بينهما وقت .
والاستدلال بها مبني على دعوى ظهور الرواية في اختصاص الوقت بما بين الزمانين المختلفين الذين جاء فيهما جبرئيل في يومين .
والجواب : مضافاً إلى أنّ ظاهر الرواية هو ثبوت وقت بينهما ، وامّا انّ الوقت هو الوقت الاختياري كما يقول به المستدلّ أو وقت الفضيلة كما يقول به غيره فلا دلالة للرواية عليه .
وبعبارة اُخرى لابدّ من اشتمال الوقت المذكور على خصوصية ولا دلالة للرواية على بيانها أصلاً ، انّ الوقت الاختياري لو كان منحصراً بما بين الحدّين فكيف صلّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) الظهر في المرّة الثانية بعد الحدّ الثاني مع ظهور التحديد في لزوم وقوعها فيما ين الحدّين وظهور عدم عروض الاضطرار فيها فاللاّزم الحمل على وقت الفضيلة كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا صلّيت في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك . وتقريب الاستدلال بها انّ الضرورة قاضية بعدم جواز الإتيان بالفرائض في غير أوقاتها المعيّنة بلا فرق في ذلك بين السفر والحضر فلابدّ من أن يكون المراد بالوقت فيها هو الوقت الاختياري الذي لا يجوز التأخير عنه إلاّ عند الاضطرار ، والسفر أيضاً من جملة الأعذار ففي الحقيقة تكون الرواية مسوقة لبيان ذلك وانّ السفر أيضاً مجوز للتأخير عن الوقت الاختياري فلا يتحقّق الضرر فيه ومفهومه انّ التأخير يضرّ في غير السفر .
وأجاب عنها بعض الأعلام أوّلاً : بأنّ قوله (عليه السلام) شيئاً . . . نكرة في سياق الإثبات وهي لا تدلّ على العموم ، بل يلائم مع البعض فالرواية تدلّ على أنّ بعض
( الصفحه 180 )
الصلوات كذلك وليكن هو النوافل لجواز الإتيان ببعضها في غير أوقاتها في خصوص السفر .
وثانياً : بأنّ الصلاة في غير وقتها أعمّ من تأخيرها عن وقتها لشموله لتقديمها على وقتها أيضاً ، ومن الواضح عدم انطباق ذلك إلاّ على النوافل لوضوح انّ الفرائض لا يجوز تقديمها على أوقاتها في شيء من الموارد بخلاف النوافل كصلاة الليل حيث يجوز تقديمها على الانتصاف للمسافر اختياراً .
وثالثاً : بأنّه لو سلّم ما ذكر لا يكون للرواية مفهوم أصلاً; لأنّ مفهومها إذا لم تصلِّ في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك وهو من السالبة بانتفاء الموضوع; لأنّه مع عدم الإتيان بالصلاة لا موضوع حتى يؤتى به في وقته أو في غير وقته ، نعم تقييد الموضوع بقيد في الكلام يدلّ على أنّ الحكم غير مترتّب على المطلق بل على حصّة خاصّة منه وإلاّ تلزم لغوية التقييد ، وعليه فلابدّ من القول بأنّ السفر له خصوصية في الحكم بعدم الضرر وهذا لا يكفي في دلالة الرواية على المدّعى; لأنّه يكفي في تلك الخصوصية وجود الحزازة في التأخير عن وقت الفضيلة في الحضر وانتفائها في السفر .
ويرد على الجواب الأوّل وضوح ثبوت الإطلاق لكلمة «شيئاً» وانّ الاختيار إنّما هو بيد المصلّي والغرض نفي الإتيان بجميع الصلوات في غير أوقاتها ، وعليه فمقتضى الإطلاق الشمول للنوافل كإطلاق الرجل في قوله : أكرم رجلاً ، الشامل لغير العالم أيضاً .
وعلى الجواب الثاني : انّ إطلاق قوله : في غير وقتها وإن كان شاملاً للتقديم على الوقت أيضاً إلاّ انّ عموم قوله : الصلوات شامل للصلوات المفروضات أيضاً ولا ترجيح للإطلاق على العموم لو لم نقل بالعكس من جهة توقّف الإطلاق على عدم
( الصفحه 181 )
البيان والعام يصلح لأن يكون بياناً وإن شئت قلت : إنّ هنا إطلاقين : أحدهما : الإطلاق المذكور ، والثاني : إطلاق قوله : شيئاً ولا ترجيح للأوّل على الثاني كما لايخفى .
وامّا الجواب الثالث : فهو صحيح بعد انّه لا مفهوم للقضية الشرطية أصلاً كما قد قرّر في محلّه .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث انّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة ما تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول : ضيّعتني ضيّعك الله . والرواية على نسخة الكافي ـ على ما حكى ـ مشتملة على لفظ «أوّل» فهي هكذا إذا ارتفعت في أوّل وقتها . وعلى هذه النسخة لا يجوز الاستدلال بها لوضوح عدم وجوب الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها ولا قائل بوجوب إيقاعها في أوّل الوقت الأوّل ولا يلتزم به حتّى صاحب الحدائق .
نعم على نسخة غيره قابلة للاستدلال بها لو لم يكن الارتفاع في غير الوقت مقيّداً بغير الحدود ، وامّا مع هذا التقييد كما في الرواية يكون مفادها انّ رجوعها إلى صاحبها سوداء مظلمة إذا أتى بها في غير الوقت الأوّل فيما إذا كانت حدودها غير مرعية ولم يهتمّ بشأنها وهذا خارج عمّا هو محلّ الكلام .
ومنها : بعض الروايات الاُخر الذي يظهر الاستدلال به والجواب عنه ممّا ذكرنا في هذه الروايات ولا نطيل بإيراده على التفصيل . إذا عرفت ما ذكرنا من أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والاجزاء دون الاختيارية والاضطرارية يقع الكلام في أوقات الفضيلة في ضمن مسائل :
المسألة الاُولى : في وقت فضيلة الظهرين ، والكلام فيه تارة من حيث المبدأ
( الصفحه 182 )
واُخرى من حيث المنتهى .
امّا من حيث المبدأ فالمعروف بين الأصحاب (رض) انّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر هو الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين ونفى السيّد في العروة البُعد عن أن يكون مبدأ وقت فضيلة صلاة العصر أيضاً هو الزوال ومنتهاه هو المثلان .
ويمكن الاستدلال لكون مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال بالأخبار الكثيرة المتقدّمة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين بضميمة الأخبار الدالّة على فضيلة أوّل الوقت وانّه رضوان الله عليه وإن فضّله على آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا وأشباه ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات .
كمكا انّه يدلّ على ما ذكره المشهور موثقة معاوية بن وهب المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ قال : ما بينهما وقت . لدلالتها على أنّ ما بين الزوال وصيرورة الظلّ قامة وقت لصلاة الظهر كما انّ ما بين القامة والقامتين وقت للعصر وقد مرّ انّ المراد من الوقت الأوّل هو وقت الفضيلة .
وقد ذكر بعض الأعلام انّ الأخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث :
الاُولى : ما دلّ على أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر بلوغ الظلّ قدماً بعد الزوال ولصلاة العصر قدمين وهي جملة من الأخبار :
منها : صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت الظهر فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها