( الصفحه 185 )
بعد الزوال كما لايخفى فهذه الطائفة أيضاً لا دلالة لها على خلاف ما عليه المشهور أصلاً .
الطائفة الثالثة : ما استدلّ به على مذهب المشهور وهي أيضاً عدّة روايات :
منها : رواية يزيد بن خليفة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا يكذب علينا ، قلت : ذكر انّك قلت : إنّ أوّل صلاة افترضها الله على نبيّه الظهر وهو قول الله عزّوجلّ : }أقم الصلاة لدلوك الشمس{ فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة وهو آخر الوقت فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين وذلك المساء ، قال : صدق . وناقش فيها بضعف السند لعدم توثيق يزيد بن خليفة .
ومنها : رواية محمد بن حكيم قال : سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو يقول : إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال وأوّل وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان ، قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : نعم . وناقش فيها أيضاً بعض السند لعدم توثيق محمد بن حكيم .
ومنها : صحيحة أحمد بن عمر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر والعصر فقال : وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين وناقش فيها من حيث الدلالة لعدم إمكان إرادة انّ وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل إنّما هو بعد القامة إلى قامة ونصف إلى قامتين لأنّه ممّا لا قائل به فلا مناص من أن تكون ناظرة إلى بيان منتهى وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل وانّه ينتهي إلى قامة ونصف من الزوال إلى قامتين حسب اختلافهما في الفضيلة وبذلك تسقط عن الدلالة على مذهب المشهور .
( الصفحه 186 )
ومنها : صحيحة ابن أبي نصر البزنطي قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر . وقد ذكر انّ دلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن تكون الرواية ناظرة إلى بيان المبدأ والمنتهى معاً بأن يراد منها انّ مبدأ وقت فضيلة الظهر أوّل الزوال ومنتهاه قامة ووقت فضيلة صلاة العصر من القامة الاُولى إلى الثانية ، ومن البعيد كون الصحيحة ناظرة إلى ذلك لبعد أن يكون مثل ابن أبي نصر البزنطي جاهلاً بأوّل وقت الفضيلة وغير عالم بمبدئه والظاهر انّ سؤاله إنّما هو عن منتهى الوقتين والمبدأ بحسب ما ارتكز في ذهنه هو أوّل الزوال وعليه فلا يمكن الاستدلال بها للمشهور لأنّهم ذهبوا إلى أنّ مبدأ وقت فضيلة العصر بعد القامة الاُولى لا الزوال .
أقول : وهذا الكلام عجيب جدّاًامّا أوّلاً فلأنّه كيف يكون جهل مثل ابن أبي نصر بأوّل وقت الفضيلة بعيداً ولا يكون جهله بآخره كذلك ، وامّا ثانياً فلأنّه كيف ارتكز في ذهنه انّ مبدأ وقتي الفضيلة هو الزوال مع أنّه خلاف ما عليه المشهور وخلاف ما يقول به أنتم أيضاً وهل ارتكز في ذهنه ما ليس بواقع ومن الممكن أن يكون المرتكز في ذهنه انّ مبدأ وقت فضيلة الظهر الزوال والعصر القامة ، نعم لا دليل على إثبات هذا الارتكاز كما لا يخفى .
ومنها : موثقة زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ (اشتداد الحرارة) فلم يجبني فلمّا إن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال انّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت (فحرجت) من ذلك فاقرأه منّي السلام وقل له : إذا كان ظلّك مثلك فصلِّ الظهر وإذا كان ظلّك مثليك فصلِّ العصر .
وذكر انّه لا يمكن أن يستدلّ بها للمشهور; لأنّها إنّما تدلّ على أنّ مبدأ وقت
( الصفحه 187 )
فضيلة الظهر بلوغ الظلّ مثل الشاخص والعصر بلوغه مثلين والمشهور قائلون بأنّهما منتهى وقت الفضيلة للصلاتين فلابدّ من حملها على معنى آخر هو التوسعة في الوقت لمراعاة التبريد عند اشتداد الحرارة .
ومنها : رواية المجالس وقد ورد فيها : أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأراني وقت الظهر (الصلاة) حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثمّ أراني وقت العصر وكان ظلّ كلّ شيء مثله . قال : وهي ضعيفة السند لاشتماله على عدّة من المجاهيل .
ثمّ ذكر انّه لم تبق رواية للمشهور إلاّ رواية واحدة وهي رواية معاوية بن وهب المتقدّمة وهي لا تصلح بها; لأنّه بعد دلالة جملة كثيرة من الروايات فيها صحاح ، بل لايبعد دعوى تواترها الإجمالي على خلاف مفادها وانّ مبدأ وقت الفضيلة هو القدم أو القدمان فلا محالة تكون الموثقة من الروايات الشاذّة النادرة والمخالفة للسنّة القطعية والأخبار المشهورة الواضحة فلا مناص من طرحها مع أنّها موافقة للعامّة أيضاً فأوّل وقت الفضيلة هو القدم والقدمان في الظهر أو القدمان أو أربعة أقدام في العصر حسب الاختلاف في الفضيلة .
أقول : قد عرفت انّ الطائفتين الأوّليين لا دلالة لهما على مبدأ وقت الفضيلة وإنّ التحديد الواقع فيهما إنّما هو بلحاظ النافلة ومكانها فلا يتحقّق التعارض بينهما وبين الموثقة حتّى تكون من الروايات الشاذّة النادرة; لدلالتها على مبدأ وقت الفضيلة دونهما مع أنّ الضعف في جملة من روايات الطائفة الأخيرة مجبور بالشهرة واستناد المشهور مع أنّ أوّل المرجّحات على تقدير ثبوت التعارض هي الشهرة الفتوائية المطابقة مع الموثقة ، اذن فلا محيص عن الأخذ بها خصوصاً مع موافقتها للآيات الآمرة بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى مغفرة من الربّ لوضوح انّ الصلاة من أعظم الخيرات وأهمّ أسباب المغفرة ومع موافقتها للروايات الدالّة على أنّ أوّل
( الصفحه 188 )
الوقت أفضل والأخبار الآمرة بالتعجيل في الإتيان بالنوافل والتخفيف ما استطاع المكلّف .
ويؤيّد عدم كون التحديد الواقع في الطائفتين الاوليين ناظراً إلى بيان مبدأ وقت الفضيلة صحيحة محمد بن أحمد بن يحيى : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثماني ركعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت .
وفي موثقة ذريح المحاربي : إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصرها .
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال ولا فرق فيه بين المتنفل وغيره ، غاية الأمر انّ النافلة تزاحم الفريضة إلى أن يبلغ الظلّ الذراع من دون أن يكون أصل الفضيلة منتفياً وكان التأخير مستحبّاً في نفسه وغير المتنفل يكون وقت الفضيلة له بعد الزوال أيضاً بلا مزاحم .
نعم يمكن الاستشهاد لاستحباب التأخير مطلقاً كما حكى عن الفيض في الوافي وصاحب المنتقى بروايات :
منها : رواية زرارة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أصوم فلا أقيل حتّى تزول الشمس فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت الظهر ثمّ صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت العصر ثمّ نمت وذلك قبل أن يصلّي الناس فقال : يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ولكنّي أكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً .
ولكن الظاهر انّ الكراهة ليس لأجل استحباب التأخير ، بل لأجل انّ اتخاذه وقتاً دائماً موجب لمعروفية زرارة بذلك وهو ينافي مقام التقية ويؤيّده تخصيص الكراهة بزرارة بقوله : أكره لك ، فالرواية لا دلالة لها على استحباب التأخير ذاتاً .
( الصفحه 189 )
ومنها : ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال في كتاب كتبه إلى أمراء البلاد : امّا بعد فصلّوا بالناس الظهر حتّى تفيء الشمس مثل مربض العنز . . . .
ولكن الظاهر انّ الأمر بذلك إنّما هو لملاحظة حال الناس من جهة التهيؤ للصلاة بعد الزوال والاشتغال بالنافلة أحياناً ودرك فضيلة الجماعة ولا دلالة له على استحباب التأخير من حيث هو فالأمر بذلك إنّما هو لملاحظة ما هو أهمّ من حيث الفضيلة من فضيلة أوّل الوقت وهي النافلة أحياناً والجماعة كما لا يخفى .
ومنها : مكاتبة محمد بن الفرج قال : كتبت أسأله عن أوقات الصلاة فأجاب : إذا الت الشمس فصلِّ سبحتك وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين . . .
ودلالتها ظاهرة ولكنّها مكاتبة أولاً ومضمرة ثانياً .
ومنها : موثقة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أفضل وقت الظهر ، قال : ذراع بعد الزوال قال : قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : نعم .
هذا ولكن الظاهر انّها لا تصلح لمعارضة ما تقدّم ممّا يدلّ على أنّ أوّل الوقت أفضل من حيث هو وانّه لا خصوصية للذراع إلاّ من جهة مزاحمة النافلة للفريضة إلى هذا الحدّ فانظر إلى مثل رواية الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم جميعاً قالوا : كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : ألا اُنبئكم بأبين من هذا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ أن بين يديها سبحة وذلك إليك إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت . وفي طريق آخر : ذلك إليك فإن أنت خفّفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وإن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك .
وبملاحظتها لا يبقى ارتياب في أنّه لا موضوعية للذراع وانّ الملاك هو الإتيان بالنافلة والاشتغال بالفريضة بعده فالتأخير لا فضيلة فيه من حيث هو أصلاً ، هذا