( الصفحه 180 )
الصلوات كذلك وليكن هو النوافل لجواز الإتيان ببعضها في غير أوقاتها في خصوص السفر .
وثانياً : بأنّ الصلاة في غير وقتها أعمّ من تأخيرها عن وقتها لشموله لتقديمها على وقتها أيضاً ، ومن الواضح عدم انطباق ذلك إلاّ على النوافل لوضوح انّ الفرائض لا يجوز تقديمها على أوقاتها في شيء من الموارد بخلاف النوافل كصلاة الليل حيث يجوز تقديمها على الانتصاف للمسافر اختياراً .
وثالثاً : بأنّه لو سلّم ما ذكر لا يكون للرواية مفهوم أصلاً; لأنّ مفهومها إذا لم تصلِّ في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك وهو من السالبة بانتفاء الموضوع; لأنّه مع عدم الإتيان بالصلاة لا موضوع حتى يؤتى به في وقته أو في غير وقته ، نعم تقييد الموضوع بقيد في الكلام يدلّ على أنّ الحكم غير مترتّب على المطلق بل على حصّة خاصّة منه وإلاّ تلزم لغوية التقييد ، وعليه فلابدّ من القول بأنّ السفر له خصوصية في الحكم بعدم الضرر وهذا لا يكفي في دلالة الرواية على المدّعى; لأنّه يكفي في تلك الخصوصية وجود الحزازة في التأخير عن وقت الفضيلة في الحضر وانتفائها في السفر .
ويرد على الجواب الأوّل وضوح ثبوت الإطلاق لكلمة «شيئاً» وانّ الاختيار إنّما هو بيد المصلّي والغرض نفي الإتيان بجميع الصلوات في غير أوقاتها ، وعليه فمقتضى الإطلاق الشمول للنوافل كإطلاق الرجل في قوله : أكرم رجلاً ، الشامل لغير العالم أيضاً .
وعلى الجواب الثاني : انّ إطلاق قوله : في غير وقتها وإن كان شاملاً للتقديم على الوقت أيضاً إلاّ انّ عموم قوله : الصلوات شامل للصلوات المفروضات أيضاً ولا ترجيح للإطلاق على العموم لو لم نقل بالعكس من جهة توقّف الإطلاق على عدم
( الصفحه 181 )
البيان والعام يصلح لأن يكون بياناً وإن شئت قلت : إنّ هنا إطلاقين : أحدهما : الإطلاق المذكور ، والثاني : إطلاق قوله : شيئاً ولا ترجيح للأوّل على الثاني كما لايخفى .
وامّا الجواب الثالث : فهو صحيح بعد انّه لا مفهوم للقضية الشرطية أصلاً كما قد قرّر في محلّه .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث انّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة ما تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول : ضيّعتني ضيّعك الله . والرواية على نسخة الكافي ـ على ما حكى ـ مشتملة على لفظ «أوّل» فهي هكذا إذا ارتفعت في أوّل وقتها . وعلى هذه النسخة لا يجوز الاستدلال بها لوضوح عدم وجوب الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها ولا قائل بوجوب إيقاعها في أوّل الوقت الأوّل ولا يلتزم به حتّى صاحب الحدائق .
نعم على نسخة غيره قابلة للاستدلال بها لو لم يكن الارتفاع في غير الوقت مقيّداً بغير الحدود ، وامّا مع هذا التقييد كما في الرواية يكون مفادها انّ رجوعها إلى صاحبها سوداء مظلمة إذا أتى بها في غير الوقت الأوّل فيما إذا كانت حدودها غير مرعية ولم يهتمّ بشأنها وهذا خارج عمّا هو محلّ الكلام .
ومنها : بعض الروايات الاُخر الذي يظهر الاستدلال به والجواب عنه ممّا ذكرنا في هذه الروايات ولا نطيل بإيراده على التفصيل . إذا عرفت ما ذكرنا من أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والاجزاء دون الاختيارية والاضطرارية يقع الكلام في أوقات الفضيلة في ضمن مسائل :
المسألة الاُولى : في وقت فضيلة الظهرين ، والكلام فيه تارة من حيث المبدأ
( الصفحه 182 )
واُخرى من حيث المنتهى .
امّا من حيث المبدأ فالمعروف بين الأصحاب (رض) انّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر هو الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين ونفى السيّد في العروة البُعد عن أن يكون مبدأ وقت فضيلة صلاة العصر أيضاً هو الزوال ومنتهاه هو المثلان .
ويمكن الاستدلال لكون مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال بالأخبار الكثيرة المتقدّمة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين بضميمة الأخبار الدالّة على فضيلة أوّل الوقت وانّه رضوان الله عليه وإن فضّله على آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا وأشباه ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات .
كمكا انّه يدلّ على ما ذكره المشهور موثقة معاوية بن وهب المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ قال : ما بينهما وقت . لدلالتها على أنّ ما بين الزوال وصيرورة الظلّ قامة وقت لصلاة الظهر كما انّ ما بين القامة والقامتين وقت للعصر وقد مرّ انّ المراد من الوقت الأوّل هو وقت الفضيلة .
وقد ذكر بعض الأعلام انّ الأخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث :
الاُولى : ما دلّ على أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر بلوغ الظلّ قدماً بعد الزوال ولصلاة العصر قدمين وهي جملة من الأخبار :
منها : صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت الظهر فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها
( الصفحه 183 )
حين تزول .
ومنها : موثقة سعيد الأعرج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت .
ومنها : موثقة ذريح المحاربي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سُئل أبا عبدالله اناس وأنا حاضر . . . فقال بعض القوم : انّا نصلّي الاُولى إذا كانت على قدمين ، والعصر على أربعة أقدام فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : النصف من ذلك أحبّ إليّ . والنصف منهما هو القدم والقدمان .
أقول : لم يظهر لي وجه دلالة هذه الطائفة على كون مبدأ وقت الفضيلة بلوغ الظلّ قدماً أو قدمين فإنّ ظاهرها انّ ذلك مبدأ وقت الاجزاء لظهور الوقت فيه أولاً فهذه الطائفة لا دلالة لها في نفسها على ذلك لظهورها في كون ذلك وقت الاجزاء ، نعم لو لوحظت مع الروايات الكثيرة المتقدّمة الدالّة على أن مبدأ وقت الاجزاء هو الزوال لأمكن حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة ولكنّه لا شاهد لهذا الحمل لإمكان حملها على كون التأخير إنّما هو لرعاية النافلة ومكانها كما وقع التصريح بذلك في بعض روايات الطائفة الآتية وليس التأخير لأجل ذلك ملازماً لعدم كون أوّل الوقت وقت الفضيلة حتى بالإضافة إلى من يأتي بالنافلة فإنّ الترك في أوّل الوقت يمكن أن يكون لأجل مزاحمة ما هو أهمّ وأفضل . وكيف كان فلم تظهر دلالة هذه الطائفة على كون ما ذكر فيها مبدأ لوقت الفضيلة .
الطائفة الثانية : ما دلّت على أنّ وقت الفضيلة لصلاة الظهر ما إذا بلغ الظلّ قدمين ولصلاة العصر ما إذا بلغ أربعة أقدام وقد يعبّر عنهما بالذراع والذراعين وذكر انّ الأخبار في ذلك كثيرة ولا يبعد دعوى تواترها إجمالاً مضافاً إلى اشتمالها على جملة
( الصفحه 184 )
من الصحاح والأخبار المعتبرة :
منها : صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان . ورواه الشيخ عن الفضيل والجماعة المذكورين مثله ، وزاد : وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر .
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ثمّ قال : إنّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر . . . .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يظلّل قامة وكان إذا كان ألفي ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلّى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر .
ومنها : صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان الفيء في الجدار ذراعاً صلّى الظهر وإذا كان ذراعين صلّى العصر قلت : الجداران تختلف منها قصير ومنها طويل ، قال : إنّ جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يومئذ قامة وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة .
أقول : اشتمال رواية زرارة على تعليل التأخير إلى الذراع بمكان النافلة ورعايتها ظاهر في أنّ الذراع والذراعين لا يكونان مبدئين لوقت الفضيلة وإلاّ لكان المناسب التعليل بذلك خصوصاً مع اشتمال كثير من روايات هذه الطائفة على حكاية عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانّه كان يؤخِّر إلى الوقتين فإنّه لو كان الوقتان مبدئين للفضيلة ولا يكون وجه لبيان انّ النكتة فيه رعاية النافلة ولحاظ المتنفلين المشتغلين بالنافلة