( الصفحه 203 )
وعدم التمكّن منه كما إذا تذكّر في ركوع الركعة الرابعة من العشاء أو بعده انّه لم يأت بالمغرب ومن الواضح انّه لا مجال فيها للبحث عن العدول بعد عدم إمكانه ولا للبحث عن شمول أخبار العدول وعدمه ، بل البحث إنّما هو في صحّتها بالنيّة التي شرع فيها وبطلانها ، والمحكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) في رسالة نجاة العباد وجوب الإتمام عشاء والإتيان بالمغرب بعدها ، وذهب السيّد في العروة إلى البطلان وانّ الاحتياط بالاتمام والإعادة بعد الإتيان بالمغرب ولا مجال لدعوى الشهرة عليه ، بل المسألة مختلف فيها من دون ثبوت شهرة على أحد الطرفين .
وقد استدلّ القائل بالصحّة بأنّ حديث لا تعاد لا يختصّ جريانه بما بعد العمل ، بل يجري فيما إذا كان التذكّر في أثناء العمل كما إذا تذكّر في الأثناء انّه لم يكن متستّراً في الركعة الاُولى أو لم يقرأ فاتحة الكتاب فيها فإنّ مقتضى حديث لا تعاد الصحّة في الفرضين .
ولا ينافيه التعبير بالإعادة لعدم اختصاصه بما إذا فرغ من العمل ، بل كثيراً ما يستعمل في لسان العرف والاخبار في اثناء العمل أيضاً ، وعليه فلا يكون الحديث قاصراً عن شمول المقام والحكم بصحّة ما وقع بعنوان العشاء وإن كان فاقداً للترتيب المعتبر في صحّتها كما لا يخفى .
ويرد عليه انّ الحديث وإن كان شموله بالإضافة إلى الأثناء ممّا لا ينبغي المناقشة فيه لما ذكر إلاّ انّ دائرة شموله لا تتجاوز عن العمل المتقدّم والماضي الذي كان فاقداً لبعض ما اعتبر فيه نسياناً ولا دلالة للحديث على تصحيح العمل المتأخّر مع فقدانه لما اعتبر فيه وعدم ثبوت مانع من السهو والنسيان فإذا التفت في أثناء الصلاة إلى عدم اشتمالها من حين الشروع على ستر العورة ، فالحديث لا يقتضي إلاّ تصحيح الأجزاء المأتي بها الفاقدة للشرط مع الغفلة وعدم الالتفات ولا يوجب
( الصفحه 204 )
سلب شرطية الستر بالإضافة إلى الأجزاء اللاّحقة وإن لم يكن غير قادر على تحصيله في الأثناء بوجه . وفي المقام مقتضى شمول الحديث صحّة الاجزاء السابقة وإن كانت فاقدة للترتيب ولا دلالة له على نفي اعتباره بالإضافة إلى الاجزاء اللاّحقة مع زوال السهو وارتفاع النسيان فاللاّزم مراعاة للشرط الإتيان بالمغرب ثمّ استئناف العشاء .
اللهمّ إلاّ أن يقال بأنّ الترتيب لا يكون كسائر الشرائط معتبراً في كلّ جزء من أجزاء الصلاة ، بل الترتيب إنّما يعتبر في المجموع من حيث المجموع من الصلاة اللاّحقة فإذا اقتضى الحديث رفع الشرطية والحكم بصحّة الأجزاء السابقة بعنوان العشاء فلا يبقى مجال لبطلانها بل يتمّها كذلك .
ولكن الظاهر عدم صحّة هذا القول ، بل الترتيب إنّما هو كسائر الشرائط معتبر في كلّ جزء من أجزاء الصلاة اللاّحقة ويؤيّده ، بل يدلّ عليه أخبار العدول الدالّة على العدول مع التمكّن منه وعدم تجاوزه فإنّ مقتضاها اعتبار الترتيب في كلّ جزء مستقلاًّ وإلاّ لم يكن وجه للعدول بعد سقوط شرطية الترتيب بالغفلة وعدم الالتفات كما هو المفروض .
فالإنصاف انّ مقتضى القواعد الحكم بالبطلان وإن كان الاحتياط بالإتمام ثمّ الإتيان بها بعد المغرب ممّا لا ينبغي تركه . ويؤيّد البطلان ما يمكن أن يقال من أنّ الأدلّة الدالّة على شرطية الترتيب مطلقة والقدر المتيقّن من التقييد الذي يدلّ عليه حديث لا تعاد إنّما هو فيما إذا تذكّر بعد الفراغ ، وامّا لو علم في الأثناء فلم يعلم من الحديث تقييدها به أيضاً فاللاّزم الرجوع إليها فتدبّر .
الصورة الثالثة : ما إذا تذكّر في الأثناء في الوقت المختصّ بالسابقة كما إذا شرع في العصر في الآن الأوّل بعد الزوال والتفت بعدما صلّى ركعتين منها انّه لم يصلِّ الظهر
( الصفحه 205 )
بعد فبناء على انتفاء الوقت المختصّ وثبوت الاشتراك في جميع الوقت من أوّله إلى آخره كما يقول به الصدوقان ومن تبعهما فلا إشكال في أنّ حكمه حكم ما إذا تذكّر في الأثناء في الوقت المشترك من العدول إلى السابقة ، وامّا بناء على المشهور من اختصاص أوّل الوقت بالسابقة وكون نسبته إلى اللاّحقة كنسبة ما قبل الزوال ـ مثلاًـ إلى الظهر فقد وقع الإشكال في جواز العدول في هذه الصورة ومنشأه عدم دلالة أخبار العدول عليه فيها وتقريب عدم الدلالة أحد اُمور :
الأوّل : انّ مورد أكثر أخبار العدول هو الوقت المشترك لورودها في رجل أمَّ قوماً في العصر فذكر وهو يصلّي بهم انّه لم يكن صلّى الاُولى أو في رجل دخل مع قوم ولم يكن صلّى هو الظهر والقوم يصلّون العصر يصلّي معهم أو في رجل نسى صلاة حتّى دخل وقت صلاة اُخرى ، نعم ظاهر صحيحة زرارة ورواية حسن بن زياد الصيقل المتقدّمتين الإطلاق ولكنّه حيث يكون الفرض من الفروض النادرة خصوصاً مع كون المعروف بين المسلمين في وقت صلاة العصر هو الإتيان بها في أواسط الوقت يكون التمسّك بالإطلاق في غاية الضعف .
الثاني : انّ مقتضى الأخبار انّ العدول إلى اللاّحقة إنّما يصحّح خصوصية الترتيب المعتبر في صحّة الصلاة اللاّحقة ومدلولها انّه مع التذكّر في الأثناء يمكن مراعاة هذا الشرط بجعلها الصلاة السابقة ثمّ الإتيان باللاّحقة فالعدول إنّما يؤثّر في تحقّق هذا القيد فقط ، وامّا لو فرض كون الصلاة اللاّحقة فاقدة لبعض الشرائط الاُخر أيضاً فلا يؤثّر العدول أصلاً وذلك كما إذا كانت فاقدة للطهارة أو للقبلة أو لغيرهما من الشرائط والمفروض في المقام وقوع اللاّحقة في غير وقتها أيضاً فهي ناقصة من جهتين الترتيب والوقت وأدلّة العدول لا تصلح لتصحيح الجهة الثانية; لأنّ مفادها تصحيح الجهة الاُولى فقط .
( الصفحه 206 )
الثالث : انّ ظاهر أدلّة العدول انّه لولا التذكّر في الأثناء المجوّز للعدول لوقعت المعدول عنها صحيحة وذلك يقتضي كونها واجدة للشرائط المعتبرة فيها مطلقاً أي في حالتي الذكر والنسيان معاً والوقت من جملتها وإن شئت قلت : إنّ الأدلّة متضمّنة لجواز العدول من العصر إلى الظهر ـ مثلاً ـ فاللاّزم أن تكون الصلاة صلاة العصر حتّى يجوز العدول عنها إلى الظهر ، ومن المعلوم انّ مجرّد نيّة العصر لا تؤثّر ما لم تكن واجدة لسائر الشرائط التي من جملتها الوقت إلاّ بناء على قول الأعمى كما لايخفى .
هذا ولكنّه اختار سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) جواز العدول في هذه الصورة أيضاً نظراً إلى أنّ الصلاة المعدول عنها قد تكون فاقدة لما يعتبر في طبيعة الصلاة وجميع أنواعها بحيث لو كانت فاقدة له لا تتحقّق الطبيعة أصلاً وذلك كالطهارة والقبلة والركوع والسجود وقد تكون فاقدة لما يعتبر في خصوص هذا النوع من طبيعة الصلاة كوقوعها في غير وقتها .
وفي الأوّل لا إشكال في عدم جواز العدول وبطلان المعدول عنها ، وفي الثاني الذي هو مورد النزاع يكون الظاهر الصحّة وجواز العدول فإنّ الوقوع في غير وقتها يؤثّر في البطلان لو لم يعدل عنها إلى الظهر ، وامّا مع العدول الذي مرجعها إلى صيرورة الصلاة من أوّلها إلى آخرها الصلاة الاُولى فلا وجه للبطلان .
ومرجع كلامه (قدس سره) إلى أنّ النقيصة المتحقّقة في المعدول عنها إن كانت قابلة للرفع بسبب العدول فالعدول يؤثّر في ارتفاعها من دون فرق بين أن تكون هي الترتيب أو الوقت وإن لم تكن قابلة للرفع بسبب العدول فلا معنى للعدول كما في الطهارة والقبلة وأشباههما ولا وجه لدعوى الاختصاص بخصوص الترتيب أصلاً .
ويمكن الإيراد عليه بأنّ ما أفاده وإن كان تامّاً في نفسه إلاّ انّه لا يجدي في إثبات
( الصفحه 207 )
جواز العدول في الصورة المفروضة بعد كون العدول مفتقراً إلى قيام الدليل على جوازه لكونه على خلاف القاعدة بحيث لو لم يكن اخبار العدول لما قلنا بجوازه أصلاً والوجه في ذلك انّ مقتضى العدول صيرورة المعدول عنها من أوّلها إلى آخرها هي المعدول إليها وكيف ينقلب الشيء عمّا وقع عليه وكيف تصير الأجزاء الواقعة بعنوان صلاة العصر ـ مثلاً ـ أجزاء لصلاة الظهر ، وعليه فالحكم المخالف للقاعدة يحتاج إلى دليل قوي وقد عرفت انّ أكثر روايات الباب لا تشمل المقام وليس الإطلاق في الروايتين بحيث يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقاعدة بسببه فالإنصاف انّ الحكم بالبطلان في هذه الصورة أقرب والاحتياط بالعدول والاتمام ثمّ استئناف السابقة والإتيان باللاّحقة بعدها لا ينبغي أن يترك .