( الصفحه 215 )
يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر فإن إدراكك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت و ـ حينئذ ـ يقع التزاحم بينهما ولا مرجح للأوّل على الثاني أصلاً .
والجواب : انّ الظاهر انّ قاعدة من أدرك تكون حاكمة على الأدلّة الأوّلية الواردة في الأوقات الظاهرة في توقّف تحقّق عنوان الاداء واتصاف الصلاة به على وقوع جميع أجزائها في الوقت المقرّر لها ومفادها انّ تحقّق هذا الاتّصاف لا يتوقّف على ما ذكر ، بل يصدق بوقوع ركعة منها في ذلك الوقت المقرّر له ; لأنّ الوقت بالإضافة إلى مدرك الركعة يكون متّسعاً فإذا قيل بشمول القاعدة للعامد كما هو المفروض يكون مقتضاها توسعة الوقت حقيقة في حقّه أيضاً ، وعليه فلا موجب للزوم التعجيل عليه وعدم جواز التأخير لصيرورة المسألة ـ حينئذ ـ نظير ما إذا كان مدركاً لثمان ركعات من الوقت الأصلي مع قطع النظر عن القاعدة .
مع أنّه لو أغمض النظر عن ذلك ووصلت النوبة إلى وقوع المزاحمة وملاحظة المرجح نقول : إنّ دليل شرطية الترتيب في صلاة العصر ولزوم رعايته فيها مع الإمكان يكون مرجحاً للقاعدة وموجباً لتعيّن الإتيان بالظهر قبل العصر وفي الحقيقة الأمر دائر بين رعاية دليل وجوب التعجيل بالإضافة إلى العصر وبين الأخذ بالقاعدة ورعاية دليل الشرطية ، ومن الواضح انّ الترجيح مع الثاني كما لايخفى .
الثالث : انّ مورد الروايات كما عرفت هي صلاة الغداة والعصر والتعدّي عنه يتوقّف على إلغاء الخصوصية وهو إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخلية الخصوصية في الحكم المذكور في القضية وفي المقام يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى صلاة العشاء ولكن لا يمكن بالإضافة إلى الظهر والمغرب لمزاحمتهما للعصر والعشاء فلا يجوز
( الصفحه 216 )
إلغاء الخصوصية بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عن مورد الروايات ومثله ممّا لا يكون فيه مزاحمة أصلاً ، نعم في الظهر والمغرب أيضاً إذا لم يتحقّق فيهما مزاحمة لا مانع من جريان القاعدة بالنسبة إليهما كما فيما إذا صلّى العصر والعشاء قبلاً بتخيّل الإتيان بالفريضة السابقة ثمّ انكشف عدم الإتيان بها وانّه لا يمكن إلاّ وقوع ركعة منها في الوقت فإنّه تجري القاعدة وتقضى بلزوم المبادرة إليها كما سيجيء ، وامّا في المقام فلا مجال لجريانها بعد ثبوت مزاحمتهما للفريضة اللاّحقة وعليه فوجه الإشكال قصور دليل القاعدة عن الشمول لعدم جواز إلغاء الخصوصية كما عرفت .
والجواب ـ مضافاً إلى ما عرفت من إطلاق مرسلة المعتبر وكونها حجّة وإلى أنّ مقتضى فهم العرف وكذا علماء الفريقين انّه لا فرق بين الصلوات أصلاً ـ انّ عدم إحراز إلغاء الخصوصية إنّما هو لما ذكر من مزاحمتهما للعصر والعشاء مع أنّ المزاحمة إنّما تكون على تقدير رجوع مفاد القاعدة إلى التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الادائية ، وامّا لو كان مفادها هي توسعة الوقت حقيقة بالإضافة إلى من أدرك ركعة فلا يكون هناك مزاحمة أصلاً فإنّ شمول القاعدة للظهر لا يزاحم العصر بعد وقوع ركعة منها في الوقت الأصلي ودلالة القاعدة على توسعة وقتها فلا مانع من شمولها لها أصلاً .
وقد ظهر ممّا ذكرنا وجوب الإتيان بصلاتي الظهر والعصر في مفروض المسألة مقدّماً للاُولى على الثانية وهكذا فيما إذا بقى إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر وأربع ركعات للمسافر فإنّه يجب الإتيان بالصلاتين مقدّماً للمغرب على العشاء .
وإن بقى في المسألتين أقلّ ممّا ذكر كما إذا بقى إلى الغروب مقدار أربع ركعات ونصف ركعة للحاضر ، فاللاّزم الإتيان بالفريضة اللاّحقة لعدم شمول القاعدة
( الصفحه 217 )
للفريضة السابقة بعد فرض عدم إدراك ركعة منها واختصاص مقدار أربع ركعات بصلاة العصر ، والمفروض انّ الإتيان بصلاة الظهر يوجب عدم وقوع ركعة من العصر في وقتها أيضاً فلا محيص من تقديم العصر بمقتضى اختصاص الوقت وسقوط شرطية الترتيب في الوقت الاختصاصي وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء .
ثمّ إنّه بعد الإتيان بالفريضة اللاّحقة لو لم يبق من الوقت مقدار ركعة كما كان اعتقاده كذلك لا يجب عليه الإتيان بالسابقة ، بل اللاّزم الإتيان بها قضاء بعد خروج الوقت ، وامّا لو انكشف بقاء مقدار ركعة على خلاف ما اعتقده حين الشروع في اللاّحقة فاللاّزم المبادرة إلى الإتيان بالسابقة وإن فات الترتيب لأنّك عرفت انّ الترتيب إنّما يكون معتبراً في اللاّحقة والمفروض سقوط اعتباره بسبب اعتقاد عدم بقاء الوقت بحيث يدرك ركعة من السابقة فهي واقعة صحيحة وإن كانت فاقدة للترتيب فلم يبق إلاّ بقاء مقدار ركعة من الوقت موجب لإمكان إدراك الجميع بمقتضى القاعدة واختصاص آخر الوقت بالعصر إنّما يؤثّر في البطلان مع عدم الإتيان بها صحيحة والمفروض كذلك ، واعتقاد عدم بقاء الوقت بمقدار ركعة من السابقة مع كون الواقع كذلك لا يوجب الخلل في صحّة اللاّحقة فهو في هذا الظرف قد أتى بها صحيحة والوقت باق بمقدار ركعة فلابدّ من صرفه في السابقة بمقتضى القاعدة فهو كمن صلّى العصر بتخيّل انّه صلّى الظهر في أواسط الوقت مثلاً ثمّ انكشف له عدم الإتيان بها وقد بقى من الوقت مقدار ركعة فإنّه لا محيص عن المبادرة إلى الإتيان بالظهر والظاهر بمقتضى ما ذكرنا نيّة الاداء لأنّ مفاد القاعدة في موارد جريانها توسعة الوقت وكون الصلاة متّصفة بوصف الاداء حقيقة ، نعم الأحوط عدم نيّة الاداء والقضاء كما في المتن .
( الصفحه 218 )
مسألة 10 ـ يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس فلو دخل في الظهر أو المغرب فتبيّن في الأثناء انّه صلاّهما لا يجوز العدول إلى اللاّحقة بخلاف ما إذا دخل في الثانية بتخيّل انّه صلّى الاُولى فتبيّن في الأثناء خلافه فإنّه يعدل إلى الاُولى إذا بقى محلّ العدول كما تقدّم 1 .
1 ـ امّا جواز العدول من اللاّحقة إلى السابقة فقد تقدّم وجهه في المسألة الثامنة مفصّلاً فراجع ، وامّا عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة في المثالين المذكورين في المتنز; فلأنّ العدول إنّما هو على خلاف القاعدة; لأنّ مرجعه إلى جعل الأجزاء المأتي بها بنيّة المعدول عنه أجزاء للمعدول إليه وكيف يمكن أن يؤثّر الشيء الحادث فيما يكون ثابتاً قبل حدوثه فجواز العدول يحتاج إلى تعبّد خاص ولو لم يكن اخبار العدول لما قلنا به في مورد أصلاً ، ومن المعلوم انّ مورد اخبار العدول هو العدول من اللاحقة إلى السابقة ولابدّ في الحكم المخالف للقاعدة من الاقتصار على خصوص مورده الذي هو القدر المتيقّن ولا وجه للتعميم والتسرية إلى غيره كما لايخفى .
( الصفحه 219 )
مسألة 11 ـ لو كان مسافراً وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات فشرع في الظهر ـ مثلاً ـ ثمّ نوى الإقامة في الأثناء بطلت صلاته ولا يجوز له العدول إلى اللاّحقة فيقطعها ويشرع فيها . كما انّه إذا كان في الفرض ناوياً للإقامة فشرع في اللاّحقة ثمّ عدل عن نيّة الإقامة يكون العدول إلى الاُولى مشكلاً 1 .
1 ـ في هذه المسألة فرضان :
الأوّل : ما إذا كان مسافراً وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات في الظهرين فشرع في الصلاة بنيّة الظهر ثمّ نوى الإقامة قبل إتمامها وقد حكم في المتن ببطلان صلاته وعدم جواز العدول إلى اللاّحقة أيضاً .
امّا البطلان فلأنّه مع نيّة الإقامة تكون وظيفته الصلاة إتماماً ومعه يكون الوقت الاختصاصي للعصر هو مقدار أربع ركعات ولا مجال لوقوع الظهر فيه ، وعليه فلا يمكن إتمام ما بيده بعنوان الظهرية لاختصاص هذا الوقت بالعصر وكون الشروع في الظهر قبل نيّة الإقامة لا يوجب اختصاص مقدار ركعتين بالعصر كما في السفر ، بل الوقت الاختصاصي هو مقدار أربع ركعات فصلاة الظهر فيه باطلة .
وامّا عدم جواز العدول إلى اللاّحقة فلما عرفت في المسألة المتقدّمة من أنّ مورد أخبار العدول هو العدول من اللاّحقة إلى السابقة ولا يجوز العكس فاللاّزم قطع هذه الصلاة والشروع في اللاّحقة بمقتضى قاعدة من أدرك المتقدّمة ثمّ قضاء السابقة .
الثاني : ما إذا نوى المسافر الإقامة ثمّ أراد صلاة الظهرين ولم يبق من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات ومن المعلوم انّ وظيفته ـ حينئذ ـ هو الاقتصار على اللاّحقة فشرع فيها وقبل إتمامها عدل عن نيّة الإقامة وحيث إنّ العدول قبل الإتيان بصلاة واحدة تماماً يكون مؤثّراً في ثبوت حكم السفر فالوظيفة بعدها هو القصر ومن