( الصفحه 223 )
والمراد بقوله (عليه السلام) : أتريد أن تقايس . . . يمكن أن يكون تعليم زرارة وافهامه كيفية المناظرة مع علماء العامّة القائلين بأفضلية نافلة الفجر قبل الفريضة والنقض عليهم بالصوم المندوب على ما عرفت ، ويمكن أن يكون المراد بالقياس هو التشبيه والتنظير دون القياس المصطلح المحظور في فقه الإمامية ويؤيّد الاحتمال الثاني الرواية الآتية .
وكيف كان يرد على الاستدلال بالرواية للمنع في المقام بأنّ موردها نافلة الفجر وقد عرفت خروج النوافل اليومية عن محلّ البحث في المقام ، والمنع فيها وإن كان دليلاً على المنع في غيرها بطريق أولى إلاّ انّه لا يمكن الالتزام به في نافلة الفجر لدلالة الروايات المعتبرة المتقدّمة على أنّه يدخل وقتها بطلوع الفجر وانّها عنوان مستقلّ في مقابل صلاة الليل ، غاية الأمر جواز الاحشاء به فيها والإتيان بها عقيبها قبل الفجر وإلاّ فحكمه الأوّلي عدم جواز الإتيان بها قبله ، وعليه فلا يمكن الالتزام بمفاد الرواية من ممنوعية الإتيان بها بعده قبل الفريضة ، ولو حمل المنع فيها على المرجوحية فمضافاً إلى عدم صحّة هذا الحمل أيضاً; لأنّه لا مرجوحية في الإتيان بها بعد الفجر قبل الفريضة لا دلالة لها على المنع في غيرها كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه الشهيد (قدس سره) في الذكرى في المسألة الثانية من الفصل الرابع من المواقيت عن زرارة مع توصيفها بالصحّة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أصلّي نافلة وعليَّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : لا انّه لا تصلّى النافلة في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوّع حتّى تقضيه؟ قال : قلت : لا ، قال : فكذلك الصلاة قال : فقايسني وما كان يقايسني ز ورواه الشهيد الثاني في الروض والظاهر انّه أخذه من الشهيد الأوّل وإن كان ظاهر الحدائق انّ المتأخّرين إنّما أخذوه من الشهيد الثاني وهو أوّل من نقل هذه الرواية ولكن الأمر ليس
( الصفحه 224 )
كذلك .
وأورد على سندها بأنّه لم يصل إلينا طريقها فهي في حكم المرسلة وإن وصفها هو (قدس سره) بالصحّة لكنّه يمكن أن تكون صحيحة بحسب اجتهاده ونظره بحيث لو وصل إلينا لناقشنا في الصحّة .
ولكن الظاهر اندفاع الإيراد بأنّ توصيف مثل الشهيد الرواية بالصحّة يكفي في اعتبارها مع عدم العلم بالخلاف وعدم الاطّلاع على المعارض وإن لم يكن شخص الراوي مبيّناً لعدم الفرق بينه وبين العلم بالشخص وثبوت التوثيق وعدم العلم بالخلاف وإمكان المناقشة على تقدير العلم بالشخص لا يقدح في الاعتبار لإمكان وجود المعارض وعدم الوصول إليه في تلك الصورة أيضاً . وبالجملة لا يرى فرق بين الصورتين فالرواية معتبرة .
ويمكن أن يقال : بأنّه لا دليل على أنّ الشهيد الثاني قد أخذ الرواية من الشهيد الأوّل ، بل الظاهر عدم الأخذ لأنّ توصيفه أيضاً بالصحّة ظاهر في كون السند صحيحاً عنده وإلاّ كان اللاّزم نسبة الصحّة إلى الشهيد الأوّل وحكايتها عنه كما لا يخفى ، وعليه فالسد محكوم بالصحّة من ناحيتين مستقلّتين وهذا يزيد في اعتبار الرواية هذا من جهة السند .
وامّا من جهة الدلالة فالظاهر تماميتها باعتبار كون السؤال عن مطلق صلاة النافلة من دون ظهور في خصوص الرواتب والترديد في السؤال يمكن أن يكون مستنداً إلى من روى عن زرارة وكان السؤال واحداً منهما ويمكن أن يكون من السائل ، وعليه فالمراد بقوله : على فريضة هي الفريضة القضائية وبقوله : في وقت الفريضة هي الفريضة الادائية وعلى كلا التقديرين تتمّ دلالتها على المطلوب كما هو ظاهر .
( الصفحه 225 )
ومنها : ما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة . . .
وتظهر المناقشة في سند الرواية والجواب عنها ممّا ذكرنا في الرواية السابقة .
ومنها : رواية زياد أبي عتاب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا تضرّك أن تترك ما قبلها من النافلة .
والراوي مردّد بين أن يكون زياد أبا عتاب وأن يكون زياد بن أبي عتاب وأن يكون زياد بن أبي غياث وعلى الأوّلين لم يوثق في كلماتهم وعلى الأخير قد وثّقه النجاشي ومنشأ الترديد انّ المذكور في الاستبصار ـ على ما حكى ـ هو الأخير وفي التهذيب أيضاً كذلك إلاّ انّه كتب فوقه زياد بن أبي عتاب نقلاً عن بعض النسخ وفي غيرهما أحد الأوّلين ولكن الظاهر هو الأخير بلحاظ الاستبصار والتهذيب مع عدم التعرّض لهما في الكتب الرجالية ومع كون الراوي عنه هو ثابت بن شريح الذي ذكر في شأنه انّه يروي عن زياد بن أبي غياث فالرواية من جهة السند معتبرة .
وامّا من جهة الدلالة فربّما يقال بدلالتها على المنع من جهة ظهور الأمر بالبدئة بالفريضة إذا حضرت في وجوبها وعدم جواز الإتيان بالنافلة في ذلك الوقت .
ولكن الظاهر ورود هذا الأمر في مقام توهّم الحظر والشاهد عليه ذيل الرواية الواقع تفريعاً على الصدور فإنّ مفاده يرجع إلى أنّ ترك النافلة والاشتغال بالفريضة غير مضرّ فهو يدلّ على أنّ السائل إنّما كان يتوهّم لزوم البدئة بالنافلة قبل الفريضة وعدم جواز الاشتغال بالثانية قبل الاُولى ولعلّ منشأ التوهّم تقيّد المسلمين عملاً بالإتيان بالنافلة قبل الفريضة واستمرار فعلهم على ذلك ، وعليه فالأمر بالبدئة بالفريضة إنّما يكون ناظراً إلى رفع هذا التوهّم ومرجعه إلى جوازها
( الصفحه 226 )
وعدم كون ترك النافلة قبل الفريضة بمضرّ مع أنّ تقييد النافلة بكونها قبل الفريضة ظاهر في النافلة الموقتة وهي النوافل الرواتب التي يكون وقتها قبل الفريضة ومحلّ البحث كما عرفت هي النوافل المبتدئة ومثلها من قضاء تلك النوافل فالرواية لا دلالة لها على المنع في المقام بوجه .
ومنها : رواية نجية بالنون والجيم والياء مشدّدة أو بدونه أو بخية بالباء والخاء أو بحية بالباء والخاء أو نجبة بالنون والجيم والباء قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : تدركني الصلاة ويدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال : فقال أبو جعفر (عليه السلام) : لا ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة .
ولكن التعبير بقضاء النافلة ظاهر في النافلة المشروعة الموقتة والكلام كما عرفت إنّما هو في غيرها ولابدّ من حمل الرواية على ما إذا انقضى الوقت المعيّن للنافلة الذي يجوز أن تكون فيه مزاحمة للفريضة كالذراع والذراعين في نافلتي الظهرين على ما تقدّم وسيأتي الكلام أيضاً في المراد من وقت الفريضة المذكور في مثل الرواية ، وكيف كان فهي لا ترتبط بالمقام أصلاً .
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه سأل رجل صلّى بغير طهور أو نسى صلوات لم يصلّها أو نام عنها قال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار قال : فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها فإذا قضاها فليصلِّ ما فاته ممّا قد مضى ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها .
والمراد من قوله (عليه السلام) : يقضيها إذا ذكرها . . . . يحتمل أن يكون وجوب القضاء بنحو الفورية مع التذكّر كما يقول به القائل بالمضايقة ويحتمل أن يكون صحّة القضاء وعدم محدوديته بوقت خاص وانّه يجوز الإتيان به في أيّة ساعة من
( الصفحه 227 )
ساعات الليل والنهار وعليه فلا دلالة له على لزوم الفورية والمضايقة ولكن الظاهر هو الاحتمال الأوّل ، وعليه يتفرّع قوله : فإذا دخل ومراده انّه مع دخول وقت الصلاة الادائية وعدم إتمام ما قد فاته من الصلوات يجب عليه الاستمرار على الإتيان بالقضاء ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت فإنّها أحقّ بوقتها والظاهر انّ المراد من الوقت الذي يتخوّف ذهابه هو وقت الفضيلة لا الاجزاء لظهور قوله : فإذا قضاها فليصلّ . . . وفي وقوع الصلوات الفائتة البعدية في وقت أجزاء الحاضرة وإلاّ لم يكن لذكر هذه الجملة فائدة إلاّ التأكيد وهو خلاف الظاهر فتدبّر .
وامّا قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة . . . فيحتمل فيه أمران :
أحدهما : أن لا يكون مفاده حكماً جديداً مستقلاًّ في الصلوات الفائتة بل متفرّعاً على المضايقة في القضاء ومرجعه إلى انّه حيث كان القضاء مبنياً على الفورية والمضايقة فاللاّزم أن لا يشتغل بغيرها حتى النافلة ولو بركعة إذ ليس حالها حال الفريضة الحاضرة في تقدّمها على الفائتة مع تخوّف ذهاب وقتها ، بل يكون الأمر بالعكس لعدم محذور في تفويت النافلة ولو من دون مزاحم فضلاً عمّا إذا كان لها مزاحم أقوى وهو القضاء الواجب المبني على المضايقة .
ثانيهما : أن يكون مفاده حكماً جديداً مستقلاًّ في باب القضاء وانّه كما يكون محكوماً بوجوب الفورية والمضايقة كذلك يترتّب عليه النهي عن التطوّع ولو بركعة ما دام لم يتحقّق الفراغ عنها ولم يقض الفريضة كلّها ومرجعه إلى أنّ النافلة لأجل كونها كذلك لا تصلح لأن تزاحم القضاء الواجب ولو مع قطع النظر عن لزوم الفورية فيه كما هو الشأن في الحكمين المستقلّين في مورد واحد ، ومن المعلوم انّ صلاحية الرواية للاستدلال بها في المقام إنّما هي على تقدير كون المراد من