( الصفحه 458 )
ذكر من ظهور الجواب في ثبوت الخصوصية للثوب ويدلّ عليه السؤال الثاني الظاهر في فرض عدم الثوب فإنّه فلو لم يكن السائل قد فهم من الجواب الأوّل ثبوت الخصوصية لما كان لسؤاله الثاني وجه فنفس السؤال الثاني قرينة على الخصوصية خصوصاً مع كون الجواب فيه مشتملا على السجود على شيء آخر كما لا يخفى .
وامّا تعليل الحكم بالسجود على ظهر الكفّ بأنّها إحدى المساجد فقد وقع في هذه الرواية وفي رواية اُخرى لأبي بصير التي يحتمل ـ قويّاً ـ اتحادها مع هذه الرواية ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال : يسجد على ظهر كفّه فإنّها أحد المساجد .
والظاهر انّ المراد به ما عن الوافي من أنّ مرجعه إلى أقربية ظهر الكفّ لأن يسجد عليه لكون الكفّ إحدى المواضع السبعة عند السجود فإذا سجد عليه فكأنّه سجد على الأرض بتوسّطه .
وامّا استظهار انّ التعليل إنّما جيء به لدفع توهّم عدم جواز السجود عليه بالخصوص في حال الاضطرار لمكان كونه من أجزاء بدن المصلّي فأراد دفع هذا التوهّم بأنّ الكفّ إحدى المساجد فلا مانع من السجود عليها في هذا الحال .
فيدفعه ظهور الحكم المعلّل في تعيّن السجود على ظهر الكفّ . وبعبارة اُخرى الظاهر رجوع التعليل إلى لزوم السجود عليه لا جوازه دفعاً للتوهّم المذكور . وكيف كان فظاهر ذيل الرواية أيضاً ثبوت البدلية لظهر الكفّ مع عدم الثوب .
وامّا ما يقال : من أنّ الأمر بالسجود على ظهر الكفّ في مفروض السائل غير دالّ على البدلية رأساً لعدم وجود ما يسجد عليه أصلا مع فرضه الخوف على
( الصفحه 459 )
وجهه من الرمضاء فيدور الأمر ـ حينئذ ـ بين ترك السجدة والاكتفاء بالايماء لها وبين السجود على الرمضاء واحتراق وجهه وبين السجود على ظهر الكفّ فأمره بالأخير من جهة عدم سقوط السجود هنا وإرشاداً إلى أنّ الكفّ حائل بين جبهته وبين الرمضاء لخشونة الكفّ بالنسبة إلى الوجه .
ففيه انّه لو لم يكن ظهر الكفّ متعيّناً مع عدم الثوب لما كان الأمر دائراً بين الاُمور الثلاثة المذكورة ، بل كان يجوز له السجود على المسح (بالكسر بمعنى الپلاس) والمعادن وكثير من الأشياء كما لا يخفى ، فالدوران المذكور إنّما يصحّ مع التعيّن وهو مساوق للبدلية كما هو ظاهر .
وقد انقدح ممّا ذكرنا دلالة الرواية وظهورها في ثبوت البدلية لخصوص الثوب ومع انتفائه لظهر الكفّ بلا مناقشة مقبولة .
ومنها رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : انّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً .
ودلالتها على ثبوت البدلية من وجهين :
أحدهما : نفس السؤال عن جواز السجود على الثلج والجواب بالعدم فإنّه على تقدير عدم ثبوت البدلية لا فرق بين الثلج وغيره مع عدم إمكان السجود على الأرض والحمل على أنّ المنع عن السجود على الثلج إنّما هو لعدم الاستقرار لا لعدم كونه مسجداً خلاف الظاهر جدّاً خصوصاً مع ملاحظة انّ جعل شيء بينه وبينه لا يوجب تحقّق الاستقرار بوجه .
كما انّ دعوى انّ المنع إنّما هو في حال الاختيار لأنّ كون الأرض باردة يكثر فيها الثلج لا يلزم الاضطرار إلى غير الأرض ونباتها ، مدفوعة بظهورها في كون مراد
( الصفحه 460 )
السائل ما إذا لم يكن هناك أرض يسجد عليها لكون الثلج النازل من السماء مستوعباً لوجه الأرض .
ثانيهما : تفسير الشيء في الجواب بخصوص القطن والكتّان الظاهر في ثبوت البدلية لهما ولا مجال لدعوى : «انّ ذكر القطن والكتّان إنّما هو من جهة كون الغالب على المصلّى هو إمكان تحصيلهما لكونهما الغالب في الألبسة فدلالة لفظ «شيئاً» على العموم الذي لازمه السقوط لا إلى بدل أظهر من دلالة ذكر القطن والكتّان على التقييد» .
ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل .
فإنّ تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان ظاهر في أنّ ثبوت بدل خاص لما يصحّ السجود عليه كان أمراً مفروغاً عنه عند السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام) مع التأكيد على أنّ الجواز إنّما يختصّ بحال الاضطرار من دون إشعار بسعة دائرة الحكم في هذه الصورة وبطلان ما هو مفروغ عنه لدى السائل ودعوى انّ ذكرهما في كلامه من باب ذكر أحد الأفراد التي لا يجوز السجود عليها لا لخصوصية فيهما مدفوعة بوضوح كونها خلاف ما هو الظاهر من الرواية عند العرف .
ومنها رواية محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال : نعم لا بأس به .
والظاهر اتحادها مع ما رواه محمد بن القاسم المذكور عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على
( الصفحه 461 )
ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه فقال : لا بأس به .
فإنّ الظاهر انّ الرجل الكاتب في الرواية الاُولى هو أحمد بن عمر المذكور في الرواية الثانية والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الناقل لهذه القصة الواحدة هو محمد في الرواية الاُولى ونفس الكاتب في الرواية الثانية كما لا يخفى .
ودلالتها على ثبوت البدلية إنّما هو من جهة ظهور السؤال في أنّ الانتقال إلى الكمّ أو الرداء إنّما هو من جهة أذى الحرّ والبرد المانع من السجود على ما يصحّ السجود ومن جهة كون المسح ومثله ممّا لا يسجد عليه فلو كان الثوب المذكور في الرواية مذكوراً من جهة انّه أحد أفراد ما لا يصحّ السجود عليه لما كان وجه لإخراج المسح ومثله والجواب ظاهر في تقرير السائل على هذه الجهة .
ومنها غير ذلك من الروايات الظاهرة في ثبوت البدلية الشرعية الاضطرارية فلا شبهة في الحكم في هذا المقام .
المقام الثاني : في أنّه بعد ثبوت البدل يقع الكلام في تعيينه وبيان مراتبه على تقديرها فنقول : ظاهر المتن ثبوت المراتب الأربعة التي هي القطن والكتّان ثمّ الثوب من غيرهما كالصوف والابريسم ثمّ ظهر الكفّ ثمّ المعادن ، والمنسوب إلى المشهور كما ـ في محكي الجواهر ـ انّ البدل هو مطلق الثوب ثمّ ظهر الكفّ وفي العروة : إنّ البدل هو الثوب من القطن والكتّان ومع عدمه يتخيّر بين المعادن وظهر الكفّ واحتاط بتقديم الأوّل .
أقول : امّا تأخّر ظهر الكفّ عن الثوب فيدلّ عليه رواية أبي بصير المتقدّمة في المقام الأوّل الظاهرة في أنّ الانتقال إلى ظهر الكفّ إنّما هو مع عدم التمكّن من السجود على الثوب لعدم وجوده مشتملة على التعليل بأنّ الكفّ إحدى المساجد وقد عرفت المراد من العلّة فلا مجال للمناقشة في هذا التأخّر .
( الصفحه 462 )
وامّا تأخّر الثوب من غير جنس القطن والكتان عن الثوب من جنسهما . وبعبارة اُخرى ثبوت مرتبتين قبل ظهر الكفّ كما هو ظاهر المتن فربّما يناقش فيه من جهة الدليل نظراً إلى أنّ أكثر الروايات الواردة في الثوب كانت مطلقة من جهة ذكر الثوب أو الكمّ من القميص أو الرداء من غير تقييد بكونها من القطن والكتان وفي مقابلها روايتان ظاهرتان في التقييد هما رواية منصور بن حازم وصحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمتين و ـ حينئذ ـ فإن قلنا ببقاء المطلقات على إطلاقها نظراً إلى استبعاد تقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان فاللاّزم حمل ما وقع فيه التقييد بالقطن أو الكتّان على بيان انّهما من أفراد الثوب الغالبة أو إنّهما أفضل الأفراد ، وعليه فيكون البدل في الرتبة الاُولى مطلق الثوب وفي الثانية ظهر الكفّ فينطبق على ما هو المنسوب إلى المشهور .
وإن قلنا بلزوم تقييد المطلقات وحملها على خصوص القطن والكتّان كما هو شأن المطلق والمقيّد فاللاّزم الالتزام بكون البدل في الرتبة الاُولى هو خصوص الثوب من القطن والكتان ، وعليه فلا دليل على بدلية الثوب من غير جنسهما لأنّه بعد حمل المطلقات على دليل المقيد يكون المطلق بوصف الإطلاق بلا دليل ، وعليه فينتقل بعد فقد القطن والكتان إلى ظهر الكفّ كما هو ظاهر العروة ، غاية الأمر مع عطف المعدن على الظهر .
وعلى أيّ تقدير لا سبيل إلى إثبات مرتبتين قبل ظهر الكفّ كما هو ظاهر المتن .
ويمكن دفع المناقشة بظهور انّه لابدّ في مقام التصرّف في المطلق من الاقتصار على خصوص مقدار يدلّ عليه دليل المقيّد ضرورة انّه فيما عدا ذلك المقدار لا وجه لرفع اليد من المطلق بعد تمامية دلالته واستقرار إطلاقه و ـ حينئذ ـ نقول : الظاهر انّ دليل المقيّد في المقام يختصّ بصورة التمكّن ومرجعه إلى أنّ بدلية القطن والكتّان