( الصفحه 478 )
المشتملة على التحريض والترغيب إلى فعلهما بالنسبة إلى المنفرد من التعليل بأنّ الصلاة مع الأذان والإقامة سبب لايتمام صفّين من الملائكة به ومع الإقامة فقط موجب لايتمام صفّ واحد وفي بعضها انّ حدّ الصف ما بين المشرق والمغرب وفي بعضها توصيف الصفّ بأنّه لا يرى طرفاه .
وكيف كان فالمصلحة الموجبة لمطلوبيتهما في صلاة المنفرد هي صيرورتها بهما أو بأحدهما جماعة وبعدما كانت الجماعة فضيلة للصلاة لا واجبة فلا وجه لوجوبهما وإن شئت قلت : إنّهما في صلاة المنفرد أيضاً إيذان وإعلام ، غاية الأمر انّه إعلام للملائكة بالاجتماع والشركة في انعقاد الجماعة .
ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على عدم الوجوب بأنّه لو كانا واجبين لزم أن يكون وجوبهما ضرورياً كوجوب أصل الصلاة لاشتراكهما معها في عموم البلوى فلو كانا واجبين يلزم أن لا يكون وجوبهما مشكوكاً مورداً للاختلاف بين المسلمين ، بل اللاّزم وضوحه بحيث يعرفه الناس في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) . وبالجملة كثرة الابتلاء بهما ككثرة الابتلاء بالصلاة وعدم التفات البعض أو الكثير أو الأكثر إلى فعلهما كما ربّما يستفاد من الأخبار الكثيرة الدالّة على التحريض والترغيب إلى فعلهما تدلّ على عدم وجوبهما .
ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ لازم هذا الكلام أن لا يكون شيء من أجزاء الصلاة وشرائطها والخصوصيات المعتبرة فيها مشكوكاً أصلا بحيث كان الشكّ فيها مساوقاً للحكم بعدم مدخليتها في الصلاة بوجه وذلك لما ذكره المستدلّ من عمومية البلوى مع أنّه ليس كذلك ، بل الظاهر انّ أصل وجوب الصلاة بنحو الإجمال أمر ضروري لا مجال للارتياب فيه ، وامّا الخصوصيات المعتبرة التي لها دخل في كيفيتها فيمكن جريان الشكّ فيها ولا يكون ملازماً لاستفادة عدم
( الصفحه 479 )
الوجوب أصلا .
ويدلّ على استحباب الأذان والإقامة أيضاً ما رواه عبيد بن زرارة عن أبيه قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسى الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة . والمراد بالأذان في قوله (عليه السلام) : إنّما الأذان سنّة ، ليس خصوص الأذان المقابل للإقامة وإلاّ لم يكن وجه لتعليل المضي في الصلاة ولو مع نسيان الإقامة كما هو مورد السؤال في الرواية يكون الأذان سنّة والمصحّح لهذا الاستعمال ما عرفت من أنّ الإقامة أيضاً إيذان وتنبيه ، غاية الأمر انّها إعلام للقريب والأذان إعلام للبعيد .
وتقريب دلالتها على عدم الوجوب انّ الظاهر انّ المراد بالسنّة الواقعة في التعليل هو الاستحباب مقابل الفريضة بمعنى الوجوب لأنّه مضافاً إلى كونه الظاهر من «السنّة» يكون الدليل عليه هو وقوعها في مقام التعليل لعدم الإعادة ووجوب المضي في الصلاة وصلاحية السنّة بهذا المعنى لوقوعها تعليلا لذلك واضحة .
وامّا احتمال أن يكون المراد بالسنّة في الرواية هو ما ثبت مطلوبيته من قوله (صلى الله عليه وآله)أو فعله فإن كان المراد به ما لم يكن فرضاً من الله تعالى مأموراً به في الكتاب العزيز .
وبعبارة اُخرى ما لم يكن ثابتاً بالكتاب فالأذان والإقامة وإن له يكن شيء منهما مأموراً به في الكتاب العزيز إلاّ انّ أكثر الفروض والواجبات الشرعية تكون كذلك ولا تصلح السنّة بهذا المعنى لأن تقع تعليلا لعدم قدح تركه إذ ليس من خصوصيات الثابت بغير الكتاب ذلك في مقابل الثابت بالكتاب ضرورة .
وإن كان المراد به ما لم يكن فرضاً من الله تعالى بل من الرسول غاية الأمر انّه كان مورداً لامضاء الله تعالى ويؤيّده اختلاف الفرضين في بعض الأحكام كعدم قدح الشكّ في الركعة في فرض النبي الذي هي الركعتان الأخيرتان من الصلوات
( الصفحه 480 )
الرباعية وقدحه في فرض الله فيدفعه انّ الأذان والإقامة لا يكون شيء منهما كذلك والدليل عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة بل المتواترة الواردة في مقام التعريض على العامّة الزاعمين انّ النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من رؤيا عبدالله بن زيد في منامه بقوله (عليه السلام) : ينزل الوحي على نبيّكم فيزعمون انّه أخذ الأذان من عبدالله بن زيد .
وقد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : لمّا أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فاذّن جبرئيل وأقام فتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصفّ الملائكة والنبيّون خلف محمّد (صلى الله عليه وآله) .
وروى منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لمّا هبط جبرئيل (عليه السلام)بالأذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حجر علي (عليه السلام) فأذّن جبرئيل وأقام فلمّا انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : يا عليّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : ادع لي بلالا نعلّمه فدعا علي (عليه السلام) بلالا فعلّمه .
وبالجملة فالظاهر انّ الأذان ممّا ثبت مطلوبيته من الله تعالى بالوحي على الرسول فلا محيص من أن يكون المراد بالسنّة هو ما ذكرنا من الاستحباب في مقابل الوجوب ، وعليه فدلالة الرواية على عدم وجوب شيء من الأذان والإقامة ظاهرة .
وقد استدلّ للقول باعتبارهما في الجماعة بروايات متعدّدة :
منها : رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته أيجزي أذان واحد؟ قال : إن صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلاّ الفجر والمغرب فإنّه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل انّه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات . فإنّها ظاهرة في أنّه في صلاة الجماعة لا يجزي إلاّ الأذان والإقامة .
( الصفحه 481 )
ولكنّ الظاهر انّه لا دلالة لها على وجوب الأذان والإقامة في الجماعة فإنّ محطّ السؤال إنّما هو اجزاء أذان واحد عن الإذانين المعلوم حكمهما عند السائل والاكتفاء بواحد عن الاثنين ، وامّا انّ حكمها هو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة للسؤال عليه وكذا الجواب ، بل يمكن أن يقال : بأنّ نفس هذا السؤال دليل على عدم ثبوت الوجوب عند السائل لأنّه على تقدير كون الحكم هو الوجوب والواجب هو الأمرين لا مجال للسؤال عن الاكتفاء بالواحد عن الآخر بعد اتصاف كلّ منهما بالوجوب وهذا بخلاف الاستحباب كما لا يخفى مع أنّ التعبير بـ «ينبغي» في الجواب لا يخلو عن الإشعار بعدم الوجوب أيضاً ، ثمّ انّ السؤال مشعر بكون الإقامة أيضاً أذاناً كما ذكرناه في أوّل البحث .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان .
فإنّ الخلوة في البيت كناية عن الصلاة منفرداً ومفهومها ـ حينئذ ـ عدم الكفاية في صلاة الجماعة .
والجواب عن الاستدلال بها ما ذكرنا من عدم كون الرواية مسوقة لحكم الأذان والإقامة بل الاكتفاء بأحدهما في الصلاة منفرداً مع الفراغ عن وضوح حكمهما .
ومنها : صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن .
ومن الواضح انّها حكاية فعل وهو أعمّ من الوجوب فتدبّر .
ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلّي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له : تصلّي جماعة هل يجوز أن يصلّيا
( الصفحه 482 )
بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ولكن يؤذِّن ويقيم .
وظهورها في كون محطّ السؤال هو الاجتزاء بالأذان والإقامة اللذين أتى بهما الرجل ليصلّي وحده لعدم حضور رجل آخر عندهما بعد الفراغ عن وضوح حكمهما عند السائل لا ريب فيه ، وامّا كون الحكم هو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة لها عليه بوجه .
هذا كلّه مضافاً إلى معارضتها ببعض الروايات الظاهرة في عدم الوجوب في الجماعة مثل صحيحة علي بن رئاب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزينا إقامة بغير أذان؟ قال : نعم . ومن الواضح انّ المراد بقول السائل : نحن مجتمعون . . . هي الصلاة جماعة لا صرف الاجتماع فتدلّ على عدم لزوم الأمرين في الجماعة .
ورواية الحسن بن زياد قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة .
ولا دلالة لهذه الرواية على التفصيل بين صورة انتظار بعض المأمومين وبين صورة عدم الانتظار حتى تجعل شاهدة للجمع بحمل الطائفة الدالّة على الوجوب على صورة الانتظار وحمل صحيحة ابن رئاب على صورة العدم وذلك لأنّ مرجع هذا التفصيل إلى ما ذكرنا من كون الأذان إعلاماً للغائبين بالحضور في الجماعة وفائدته مجرّد الشركة فيها وبعدما لا تكون الجماعة إلاّ فضيلة لا واجبة لا مجال لوجوب الاعلام بها وقد ظهر ممّا ذكرنا عدم تمامية القول باعتبارهما في الجماعة .
وقد استدلّ على اعتبار الأذان في خصوص الصبح والمغرب ولو مع الإتيان بهما فرادى بروايات أيضاً :
منها : ذيل رواية أبي بصير المتقدّمة وقد مرّ الجواب عن الاستدلال بها .