( الصفحه 556 )
لا يهتدي وانّه هل المراد به من لا يهتدي علماً أو من لا يهتدي علماً ولا ظنّاً وكذا في نتيجة الاحتمالين .
والخامسة : رواية خراش (خداش خ ل) عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : قلت : جعلت فداك انّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه . ومورد هذه الرواية وإن كان صورة المظنّة بلحاظ ظهور كلمة الاجتهاد فيها ، وعليه فالتعارض بينها وبين الروايتين بنحو لا مجال للجمع أصلا لدلالتهما على جواز الاقتصار على الصلاة إلى الجانب الذي كان مقتضى اجتهاده ثبوت القبلة فيه ودلالة هذه الرواية على عدم الجواز ولزوم التكرير إلى أربع وجوه إلاّ انّ إرسال الرواية من جانب وضعفها باعتبار خراش من جانب آخر لكونه مجهول الحال ولم يعلم استناد المشهور إلى هذه الرواية في مسألة التكرير الآتية حتى يكون جابراً لضعفها يوجب عدم صلاحيتها للمعارضة مع الروايتين مضافاً إلى ما ربما يقال : من أنّ مقتضاها انّ الشيعة لا يعمل على طبق الاجتهاد والظنّ أصلا ولو في مورد مع أنّه خلاف ما عليه علمائهم من العمل بالظنّ في موارد كثيرة كما في الركعتين الأخيرتين من الصلاة وغيره من الموارد .
فقد ظهر ممّا ذكرنا انّ الروايات الخمسة لا تعارض الروايتين بوجه وانّ اللاّزم هو الأخذ بمفادهما والحكم بلزوم التحرّي مع إمكانه .
ثمّ إنّ مقتضى أخذ كلمة «التحرّي» وكذا كلمة «الاجتهاد» أو «الجهد» في الروايتين إنّما هو عدم جواز الاقتصار على الظنّ الابتدائي بالقبلة بل اللاّزم هو استفراغ الوسع وبذل الجهد والتفتيش والبحث والفحص ولازمه اليأس عن الوصول إلى شيء آخر كما انّ مقتضى الكلمتين هو الفحص عن المعارض أيضاً
( الصفحه 557 )
فمجرّد تحصيل الامارة الموافقة لا يكفي بل اللاّزم هو الفحص عن الامارة المخالفة أيضاً لتوقّف الاجتهاد وكذا التحرّي على ذلك كما هو ظاهر وقد أشار إلى الجهة الاُولى بل الثانية في المتن بقوله : يبذل تمام الجهد .
ثمّ إنّ الظاهر جواز ترك التحرّي والصلاة إلى أربع جوانب مكانه لأنّ الاجزاء في الروايتين كما عرفت إنّما هو في مقابل عدم لزوم التكرير لا في مقابل جوازه ، وامّا من جهة الاكتفاء بالامتثال العلمي الإجمالي للقادر على الامتثال التفصيلي ولو ظنّاً فهو محرّر في محلّه وانّ مقتضى التحقيق هو الجواز ولا يلزم منه الإخلال بشيء ممّا يعتبر في العبادة أصلا .
الثالث : انّه مع تعذّر العلم والظنّ لابدّ من تكرير الصلاة إلى أربع جهات على المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخّرين كما في محكي الجواهر بل عن صريح الغنية وظاهر غير واحد دعوى الإجماع عليه .
وعن ابن أبي عقيل وظاهر ابن بابويه كفاية الصلاة إلى أيّة جهة شاء ، وعن المختلف نفي البعد عنه ، وعن الذكرى الميل إليه ، واختاره صاحب الحدائق وعن جملة من محقّقي المتأخّرين .
والروايات الواردة في المسألة هي الروايات الخمسة المذكورة في المقام الثاني فاثنتان منها تدلاّن على كفاية الصلاة حيث يشاء وهما صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ومرسلة ابن أبي عمير والثلاثة الباقية تدلّ على لزوم الصلاة إلى أربع جهات ، غاية الأمر ورود واحدة منها في مورد المظنّة والاجتهاد ودلالتها على حكم المقام إنّما هي بنحو الأولوية ضرورة انّ وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع إمكان تحصيل الظنّ أو حصوله يدلّه على وجوبه مع التحيّر المحض بطريق أولى .
والثلاثة الدالّة على مذهب المشهور وإن كانت مرسلة بالإرسال غير المعتبر
( الصفحه 558 )
مضافاً إلى ثبوت الجهالة في بعضها وهي رواية خراش والطائفة المعارضة بين صحيحة أو ما هي كالصحيحة لكون مرسلها ابن أبي عمير إلاّ انّ استناد المشهور إليها وإعراضهم عنهما يوجب انجبارها والقدح فيهما خصوصاً مع ملاحظة اعتبارهما ذاتاً ، ومع انّ فتوى المشهور موافقة للقادة لعدم الدليل على سقوط شرطية القبلة في هذه الصورة بعد كون مقتضى الإطلاقات الواردة في القبلة ذلك خصوصاً مثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ إلى القبلة . . . كما في رواية زرارة المتقدّمة ومن الواضح توقّف إحراز الشرط على التكرير إلى أربع جهات لما عرفت من أنّ جهة الكعبة هو الربع من الدائرة المشتمل عليها فالصلاة إلى الجهات الأربع توجب تحقّق الصلاة إلى القبلة الواقعية .
وربّما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين انّ الثلاثة الدالّة على مذهب المشهور محمولة على صورة التمكّن من الصلاة إلى أربع جهات والروايتين محمولتان على صورة عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة ، ولكن الظاهر انّ هذا الجمع غير مقبول عند العرف والعقلاء خصوصاً مع أنّ عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة فرض نادر قليل ومن المستبعد حمل ما ورد جواباً عن السؤال عن قبلة المتحيّر على ذلك مع عموم السؤال وكذا ما يدلّ على أنّ الاجزاء إنّما هو بنحو الأبدية فإنّ حمله على ذلك في غاية البعد كما لا يخفى .
فالظاهر انّ الروايتين ساقطتان عن الاعتبار لأجل إعراض المشهور عنهما ، نعم نوقش في الصحيحة منهما وهي رواية زرارة ومحمد بن مسلم بأنّه ليس إلاّ في الفقيه دون الكافي والتهذيب والاستبصار التي علم من عادتها التعرّض لما في الفقيه سيما الأخير الذي دأبه ذكر النصوص المتعارضة فعدم ذكره ذلك معارضاً ممّا يؤيّد عدم كونه كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه وانّه محرّف بقلم النسّاخ عن الصحيح الآخر;
( الصفحه 559 )
يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة المعروف في كتب الأصحاب وقد حكي عن المحدِّث المجلسي (قدس سره) الجزم بذلك مؤيّداً له بتأييدات كثيرة .
ثمّ الظاهر انّه يشترط في الصلاة إلى الجهات الأربع تقابل الجهات وانقسامها إلى خط مستقيم بحيث يحدث منها زوايا قوائم لأنّه مضافاً إلى أنّ المنساق من النصّ والفتوى ذلك يكون إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية متوقّفاً على ذلك بعدما عرفت من أنّ جهة الكعبة هو ربع الدائرة التي تمرّ بها وانّ التوجّه نحو ذلك الربع يوجب وقوع إحدى الخطوط الخارجة من الوجه إلى الكعبة لا محالة فإنّه بناء عليه لامحيص عن تقسيم الدائرة إلى الأربع والصلاة إلى كلّ ربع بحيث يعلم بوقوع إحدى تلك الخطوط إليها وهو لا يتحقّق مع عدم كون الزوايا قوائم كما لا يخفى . ومن المعلوم انّ الأمر في النصّ بالتكرير أربعاً لا يكون مولوياً حتّى يؤخذ بإطلاقه وتحصل موافقته بغير النحو المذكور بل هو إرشاد إلى القاعدة العقلية الحاكمة بوجوب التكرار لإحراز القبلة الواقعية وهو متوقّف على النحو المذكور بلا إشكال .
الرابع : إذا لم يتمكّن من الصلاة إلى أربع جهات لضيق الوقت وعدم سعته فتارة لا يتمكّن إلاّ من الصلاة إلى جهة واحدة واُخرى يتمكّن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات .
امّا في الصورة الاُولى فلا يجب عليه إلاّ صلاة واحدة إلى جهة واحدة مخيّراً في تعيينها ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الروايتين المتقدّمتين الواردتين في المتحيّر الدالّتين على أنّه يصلّي أينما توجّه وحيث يشاء بعد حملهما على صورة عدم تمكّنه من الصلاة إلى أربع جهات لأجل المعارضة مع ما يدلّ على وجوبها إليها في مورد المتحيّر أيضاً كما عرفت وإن ذكرنا انّ هذا الحمل بعيد جدّاً إلاّ انّه على تقدير تماميّته يثمر في
( الصفحه 560 )
هذه الصورة ـ انّ الاستقراء والتتبّع وملاحظة الشرائط يقتضي الحكم بأنّ للوقت خصوصية من بين الشرائط لا يعادلها شرط آخر وانّ الشارع في مقام تزاحم الوقت مع غيره من الشرائط قد قدم الوقت وحكم بسقوط غيره ، نعم إلاّ في بعض الموارد وهو فاقد الطهورين بناء على عدم وجوب الصلاة عليه في الوقت .
وبالجملة فالوقت مقدّم على سائر الشرائط عند التزاحم و ـ حينئذ ـ فمقتضى القاعدة مع عدم التمكّن إلاّ من صلاة واحدة سقوط شرطية القبلة فلا محالة تكفي الصلاة إلى جهة واحدة ولازم ذلك عدم وجوب القضاء خارج الوقت لو انكشف عدم كون تلك الجهة التي صلّى إليها جهة الكعبة ، نعم على تقدير كون المستند لوجوب صلاة واحدة هو الروايتين بعد الحمل المذكور يمكن أن يقال بأنّ غاية مفادهما هو الاكتفاء بها مع ثبوت المانع فإذا زال المانع يجب عليه الصلاة إلى بقية الجهات ولكن ذلك يبتني على كون مفاد الروايتين بعد الحمل المذكور حكماً شرعياً مولوياً ، وامّا إذا كان مفادهما الإرشاد إلى حكم العقل كما عرفت نظيره فلا يبقى لهما دلالة زائدة على ما ذكرنا وهو سقوط شرطية القبلة لا محالة وعدم وجوب القضاء خارج الوقت وهذا هو الظاهر .
وامّا في الصورة الثانية وهي ما إذا تمكّن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات ففي وجوب صلاة واحدة إلى جهة واحدة أو وجوب مقدار تمكّن منه خلاف مقتضى إطلاق المتن هو الثاني والمحكي عن بعض هو الأوّل واستدلّ له بأنّ وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربعة إنّما هو لأجل كونها مقدّمة للعلم بتحقّق الواجب الواقعي وإحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية ، ومن المعلوم انّ المقدّمة العلمية إنّما تجب مع تحقّق العلم بعدها ، وامّا مع عدم إمكان تحقّقه فغير واجبة عند العقل كما في المقام لأنّ المفروض انّ المكلّف غير قادر على الإتيان بجميع المحتملات التي توجب