( الصفحه 578 )
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : لا صلاة إلاّ إلى القبلة قال : قلت : أين حدّ القبلة؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه قال : قلت : فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت ؟ قال : يعيد .
وموثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال : إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة .
ورواية الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) انّه كان يقول : من صلّى على غير القبلة وهو يرى انّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب .
وفي مقابل هذه الروايات الأخبار الواردة في مطلق الصلاة على غير القبلة الدالّة على وجوب الإعادة في الوقت وعدمه في خارجه وسيأتي نقلها إن شاء الله تعالى في الصورة الثانية ولكن الظاهر عدم صلاحيتها للمعارضة مع هذه الروايات وتقدّم هذه عليها وتوضيحه :
انّ الصحيحتين الدالّتين على أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة إن كان المراد منهما انّ ما بينهما قبلة حقيقة لعامّة المكلّفين في جميع الأحوال وكان المراد منهما تعيين حدّ القبلة وبيان حقيقتها كما استظهرناه منهما سابقاً ولابدّ وان يكون المراد ـ حينئذ ـ ممّا بين المشرق والمغرب هو المقدار الذي لا يصدق على شيء من أجزائه انّه مشرق للشمس أو مغرب بل ما بينهما وهو الربع من الدائرة المفروضة فهما واردتان على تلك الأخبار لدلالتهما على تعيين حدّ القبلة ووردها في حكم من صلّى إلى غير القبلة فالموضوع فيها أمر وفي الصحيحتين أمر آخر ، نعم مقتضى إطلاق ذيل
( الصفحه 579 )
صحيحة زرارة وجوب الإعادة مطلقاً على من صلّى لغير القبلة والمراد من الصلاة لغير القبلة فيها ـ حينئذ ـ هي الصلاة الخارجة عن الربع المفروض وإن لم يصلِّ إلى المشرق والمغرب العرفيين الاعتداليين فمقتضى إطلاق الذيل وجوب الإعادة من دون تقييد بالوقت وبما إذا كان الانحراف بالغاً إليهما .
وإن كان المراد من الصحيحتين انّ ما بين المشرق والمغرب قبلة تنزيلا ومرجعه إلى أنّ الانحراف عن القبلة الواقعية إذا لم يتجاوز عمّا بينهما لا يقدح بصحّة الصلاة ولابدّ وأن يكون المراد من المشرق والمغرب ـ حينئذ ـ الاعتداليين ويكون ما بينهما بمقدار نصف الدائرة تقريباً كما انّ المراد ـ حينئذ ـ من الصلاة إلى غير القبلة المفروضة في ذيل صحيحة زرارة هي الصلاة الخارجة عن النصف المذكور فهما حاكمتان على تلك الأخبار لورودهما فيمن صلّى إلى غير القبلة ودلالة الصحيحتين على عدم كون الصلاة إلى ما بين المشرق والمغرب صلاة إلى غير القبلة بل هي صلاة إليها تعبّداً وتنزيلا فهما بمنزلة المفسّرة لموردها والشارحة لموضوعها .
نعم الذي يبعد الحكومة انّ فرض الصلاة لغير القبلة قد وقع في أكثر تلك الأخبار في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ومن البعيد أن يكون مراد السائل من الصلاة لغير القبلة هي الصلاة إلى غير ما بين المشرق والمغرب ، نعم لا يبعد فيما وقع هذا الفرض في كلام الإمام (عليه السلام) كما في بعض تلك الأخبار ، وعليه فينحصر طريق الجمع بما يأتي في الروايتين الآخرتين .
وامّا غير الصحيحتين من الروايتين فربّما يقال بأنّ التعارض بينهما وبين تلك الأخبار هو تعارض العموم من وجه وكما يمكن تقييد تلك الأخبار المفصلة بين الوقت وخارجه بما إذا لم يكن الانحراف إلى ما بين المشرق والمغرب بل زائداً عليه
( الصفحه 580 )
كذلك يمكن تقييد الروايتين بإرادة عدم الإعادة في خارج الوقت فقط ولا ترجيح للأوّل على الثاني بل الأمر بالعكس كما قاله صاحب الحدائق (قدس سره) لأنّ القدماء من الأصحاب حكموا بوجوب الإعادة في الوقت مطلقاً وقيّدوا الروايات الدالّة على عدم قادحية الانحراف اليسير فالترجيح ـ حينئذ ـ مع الثاني .
ولكن الظاهر عدم تمامية هذا القول بل اللاّزم الالتزام بكون الروايتين مخصصتين لتلك الأخبار فيختص موردها بما إذا كان الانحراف أزيد ممّا بين المشرق والمغرب ولا يمكن العكس لأنّه لو كانت تلك الأخبار مخصّصة لهما واختص موردهما بما إذا علم بالانحراف في خارج الوقت يلزم أن تكون الخصوصية المذكورة فيهما وهو كونه بين المشرق والمغرب لغواً لأنّه ـ حينئذ ـ لا يبقى مجال للتفصيل في صور الانحراف مع أنّهما صريحتان في ثبوت التفصيل ومدخلية الخصوصية المذكورة ، وعليه فاللاّزم ابقائهما على حالهما والتصرّف في تلك الأخبار ، كما انّ اللاّزم الالتزام بالتخصيص بالإضافة إلى ذيل صحيحة زرارة بناء على كون المراد منها ما ذكرنا وحمله على كون المراد من الصلاة لغير القبلة هي الصلاة إلى غير ما بين المشرق والمغرب الاعتداليين كما لا يخفى .
وامّا القدماء من الأصحاب فقد عرفت انّهم لم يتعرّضوا لحكم خصوص الانحراف اليسير ، بل أطلقوا القول بوجوب الإعادة في الوقت وقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّ عدم تعرّضهم له يحتمل أن يكون لأجل طرحهم للروايات الدالّة على ذلك وهو بعيد مع صحّتها ويحتمل أن يكون لما فهموا منها من كون مدلولها إنّما هو تعيين حدّ القبلة وانّ ما بين المشرق والمغرب قبلة حقيقة فلا تكون الروايات متعرّضة لحكم الانحراف عن القبلة .
ويرد عليه انّ كون مدلول الروايات هو تعيين حدّ القبلة لا ينافي التعرّض لحكم
( الصفحه 581 )
الانحراف لأنّ حدّ القبلة على ما مرّ هو ربع الدائرة والانحراف عنه إلى المشرق والمغرب مع عدم البلوغ إليهما ربّما يتّفق كثيراً مع أنّ بعض تلك الروايات تدلّ على وجوب التحويل إلى القبلة ساعة يعلم فكيف يمكن دعوى عدم تعرّضها لحكم الانحراف ، نعم لو قلنا بانحصار الدليل في الصحيحتين أمكن دعوى ذلك لكن عرفت انّ ذيل صحيحة زرارة يدلّ على وجوب الإعادة مطلقاً فما أفاده في توجيه عدم التعرّض ممّا لا يتمّ .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى هو القول بعدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير فيما إذا تبيّن الخطأ بعد الفراغ .
وامّا إذا تبيّن في الأثناء فاللاّزم استفادة حكمه من دليل خاص ولا يكفي الدليل على الصحّة بعد الفراغ وذلك لأنّ التبيّن في الأثناء يوجب وقوع بعض آنات الصلاة إلى غير القبلة مع التوجّه والالتفات لأنّ الاستقامة بعد التوجّه لا تتحقّق بدون ذلك ، ومن المعلوم انّ وقوعه إليه كذلك موجب للبطلان بمقتضى القاعدة ولذا لا يجوز الانحراف اليسير كذلك في أنّ في حال الالتفات فالتبيّن في الأثناء لا يمكن استفادة حكمه من التبيّن بعد الفراغ ، نعم يمكن العكس على تقدير كون حكمه هي الصحّة كما لا يخفى .
وكيف كان فيدلّ على حكمه موثقة عمّار المتقدّمة الواردة في التبين في الأثناء وخبر القاسم بن الوليد قال : سألته عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة انّه على غير القبلة ، قال : يستقبلها إذا ثبت ذلك وإن كان فرغ منها فلا يعيدها .
ثمّ إنّه لا إشكال في خروج العالم العامد عن مورد الروايات الواردة في الصورة الاُولى من المسألة كما انّه لا إشكال في دخول المجتهد المخطئ في موردها سواء كان اجتهاده قطعياً أو ظنّياً بالظنّ المعتبر في باب القبلة ، كما انّه لا ينبغي التأمّل في
( الصفحه 582 )
دخول الغافل وناسي القبلة فيه لأنّ الظاهر من قول معاوية بن عمّار في روايته : الرجل يقوم في الصلاة . . . هو القيام فيها بنحو مشروع فيشمل الغافل والناسي ، وامّا الناسي للحكم مع العلم بجهة القبلة فالظاهر عدم دخوله في موردها لأنّ الظاهر منه انّ رؤية الانحراف إنّما تحقّقت بعد الفراغ ، كما انّ التعبير الوارد في رواية الحسين بن علوان لا يشمله لأنّه لا يرى في حال الصلاة انّه على القبلة .
وامّا الجاهل فإن كان جهله متعلّقاً بالحكم فالظاهر عدم الدخول فيه أيضاً سواء كان قاصراً أو مقصراً لعدم كون رؤية الانحراف فيه متحقّقة بعد الفراغ وإن كان جهله متعلّقاً بالقبلة فإن كان بانياً على الإتيان بما هو وظيفة الجاهل من الصلاة إلى أربع جهات ـ مثلا ـ ثمّ انكشف له بعد الفراغ عن بعضها انّه كان منحرفاً عن القبلة بالانحراف اليسير فلا يبعد دعوى شمول صحيحة معاوية بن عمّار له أيضاً لأنّه قام في الصلاة بالقيام لامشروع ونظر بعدما فرغ فرأى أنه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالا ، نعم لا يشمله رواية ابن علوان . وإن لم يكن بانياً على الإتيان بما هو وظيفة الجاهل بل صلّى إلى جهة واحدة بانياً على السؤال بعده فدعوى دخوله فيها مشكلة جدّاً; لأنّ قيامه فيها لا يكون قياماً مشروعاً بعد عدم البناء على الإتيان بما هو وظيفة الجاهل كما لا يخفى .
الصورة الثانية : ما إذا كان الانحراف أزيد ممّا بين المشرق والمغرب المشهور فيها وجوب الإعادة في الوقت وعدمه في خارج الوقت ، وحكي عن بعض الأصحاب أو قوم منهم إطلاق وجوب الإعادة ولا يكون ذلك صريحاً في مخالفة المشهور والروايات الواردة في هذه الصورة بين ما يدلّ على مرام المشهور وهي روايات متكثّرة وبين ما يدلّ بظاهرها على وجوب الإعادة مطلقاً وبين ما يمكن دعوى ظهوره في وجوب الإعادة في خارج الوقت وكونها متعرّضة لحكم هذا الفرض