( الصفحه 588 )
الخبرين حمل خبر القاسم على ما إذا كان الانحراف يسيراً غير بالغ إلى المشرق والمغرب فاللاّزم ـ حينئذ ـ هو ملاحظة مفاد الموثقة وموردها فنقول : الذي يستفاد منها انّ التبيّن في الأثناء موجب للبطلان إذا كان متوجّهاً إلى دبر القبلة ، وقد عرفت انّ المراد من الدبر هو الانحراف الزائد عمّا بين المشرق والمغرب فالانحراف الزائد عنه موجب للبطلان مطلقاً ولو لم يكن مستدبراً ، نعم مقتضى قوله : ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة اختصاص ذلك بما إذا كان القطع غير موجب للإخلال بالوقت الذي عرفت انّ مقتضى الاستقراء والتتبّع في موارد مزاحمة الوقت مع سائر الشروط هو تقدّمه عليها فاللاّزم تخصيص الحكم بالبطلان بما إذا أدرك الوقت مع قطع الصلاة وتحويل الوجه إلى القبلة ، غاية الأمر انّ قاعدة من أدرك التي تدلّ على توسعة الوقت تحكم بعدم لزوم إدراك جميع الوقت بل إدراك ركعة من الوقت يكفي في لزوم رفع اليد عن الصلاة الواقعة إلى غير القبلة فمع عدم إدراك الركعة أيضاً لا مجال للقول بالبطلان لعدم دلالة الموثقة عليه في هذه الصورة وتقدّم الوقت على سائر الشروط مع المزاحمة .
بقي في الصورة الثانية شيء وهو انّ مورد الروايات الواردة في هذه الصورة الدالّة على عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت هو ما كانت الصلاة الواقعة على غير القبلة مستندة إلى التحرّي والاجتهاد لأنّ موردها الصلاة في يوم غيم أو فيه في قفر من الأرض أو في فلاة منها مضافاً إلى التصريح بذلك في السؤال في صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدّمة بناء على ما استظهرنا منها من أنّ قوله : وإن كان قد تحرّى القبلة بجهده . . .
توضيح لمورد السؤال لا انّه سؤال مستقلّ وإلى التصريح بذلك في الجواب في رواية سليمان بن خالد المتقدّمة بقوله : فحسبه اجتهاده ، وعليه فمورد هذه الروايات
( الصفحه 589 )
النافية للقضاء هو المتحرّي الذي تبيّن مخالفة اجتهاده للواقع .
وقد وقع الخلاف بين الأصحاب في أنّه هل يلحق بهذا المورد ما إذا كان المصلّي عالماً بالحكم وبالقبلة ولكن صلّى إلى غير القبلة سهواً أو اشتباهاً أم لا وممّن ذهب إلى الإلحاق وعدم التفصيل المفيد (قدس سره) في المقنعة ، والشيخ في كتابي التهذيب والنهاية وبعض المتأخّرين كالمحقّق الهمداني في المصباح .
ولكن التحقيق عدم الالحاق وفاقاً للعلاّمة في المختلف فإنّ مستند الالحاق إن كان هو إلغاء الخصوصية من مورد الروايات فيرده انّه لا وجه للإلغاء في الحكم المخالف للقاعدة فإنّ مقتضى أدلّة شرطية القبلة بطلان الصلاة في الصورة المفروضة ولازمه وجوب القضاء في خارج الوقت أيضاً مع الإخلال بها فإذا دلّ الدليل على عدم وجوبه في بعض الموارد فلا يجوز التعميم إلى غيره بعد كونه مخالفاً للقاعدة كما عرفت ، نعم يمكن أن يقال بثبوت الإطلاق في بعضها كصحيحة عبد الرحمن المتقدّمة فإنّ قوله (عليه السلام) : إذا صلّيت وأنت على غير القبلة واستبان لك انّك صلّيت وأنت على غير القبلة . . . عام شامل للناسي أيضاً فإنّه صلّى على غير القبلة واستبان له بعدها ذلك ، ولكنّ الظاهر عدم ثبوت الإطلاق بحيث يطمئن به ويعتمد عليه لاحتمال كون المراد من الصلاة على غير القبلة هي الصلاة عليه مع كونها مأموراً بها ويؤيّده قوله (عليه السلام) في بعض تلك الروايات : فحسبه اجتهاده ، فتدبّر . وإن كان مستند الإلحاق هو حديث الرفع كما احتجّ به الشيخ على ما حكاه عنه العلاّمة في المختلف وإن لم نجده في كتبه فيدفعه :
أوّلا : انّ المراد من حديث الرفع هو رفع حكم ما فعله الناسي في حال نسيانه بمعنى انّ الفعل الذي فعله الناسي لو كان له حكم لو خلّى وطبعه فذلك الحكم مرفوع في حال صدوره نسياناً ، ومن المعلوم انّ الناسي في المقام لم يعمل عملا له
( الصفحه 590 )
حكم كذلك حتى يرفع مع النسيان لأنّه كان مكلّفاً بالصلاة إلى القبلة الواقعية وهو لم يأت بها ففي الحقيقة يكون كمن لم يصلِّ أصلا فهو لم يعمل عملا كذلك حتى يرفع ذلك الحكم في حال النسيان فالمأمور به في حقّه غير مأتي به والمأتي به لا يكون مأموراً به .
وثانياً : انّه على تقدير دلالة حديث الرفع على عدم وجوب الإعادة فهو معارض بحديث لا تعاد المعروف الدال على وجوب الإعادة مع الإخلال بالقبلة ، والقدر المتيقّن من مورده لو لم نقل بالاختصاص هو الناسي فهو يدلّ على البطلان في مورد النسيان مع الإخلال بالقبلة ولا وجه لدعوى كون مقتضى الجمع بينهما هو حمل حديث الرفع على ما بعد الوقت وحمل حديث لا تعاد على الوقت فإنّه مضافاً إلى كونه جمعاً تبرّعياً لا يساعده العرف ولا يقبله العقلاء يأباه حديث الرفع لإبائه عن التخصيص فاللاّزم بعد ذلك امّا القول بحكومة حديث لا تعاد على حديث الرفع وكونه مخصّصاً له لانحصار مورده بصورة النسيان المحقّق في الصلاة ، وامّا القول بأنّه بعد التعارض لابدّ من الرجوع إلى أدلّة اعتبار القبلة وشرطيتها المقتضية للإعادة مطلقاً كما لا يخفى .
( الصفحه 591 )المقدّمة الثالثة في الستر والساتر
مسألة 1 ـ يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها كالركعة الاحتياطية وقضاء الأجزاء المنسية على الأقوى وسجدتي السهو على الأحوط وكذا في النوافل دون صلاة الجنازة وإن كان الأحوط فيها أيضاً ، ولا يترك الاحتياط في الطواف 1 .
1 ـ الكلام في الستر من جهتين :
الاُولى : في الوجوب النفسي الذي يتعلّق به مطلقاً في حال الصلاة وغيرها .
الثانية : في الوجوب الشرطي الذي يتعلّق به في حال الصلاة ومثلها والفرق بين الجهتين يرجع إلى اُمور :
منها : انّ الأوّل يتعلّق بالرجل بالنسبة إلى عورته وبالمرأة بالإضافة إلى جميع بدنها عدى ما استثنى على القول به فيما إذا كانا معرضين لنظر الغير كما يأتي إن شاء الله تعالى . والثاني يكون ثابتاً عليهما مطلقاً ولو لم يكونا معرضين لنظر الغير .
ومنها : انّ الأوّل أعمّ من حيث الساتر أي لا يجب أن يكون هو الثوب بل يكفي ورق الشجر أو الطين أو غيرها ، بل لا يلزم الساتر لأنّ الملاك عدم تعلّق الرؤية به فيكفي التستّر بمثل الظلمة والغبار وهذا بخلاف الثاني فإنّه يلزم فيه الساتر ويكون له مراتب بل لا يكفي بعض مراتبه أصلا وتسقط شرطية الستر مع عدم التمكّن من غيره كما سيجيء .
ومنها : انّه لا يعتبر في الأوتل أن يكونا لابسين له بل يكفي أن يكون الساتر بحيث يكون حائلا بينه وبين الغير وإن كان منفصلا عنه بخلاف الثاني فإنّه يجب أن
( الصفحه 592 )
يكون المصلّي لابساً له .
ومنها : انّه لا يعتبر في الأوّل صفة في الساتر فيجوز أن يكون حريراً للرجل من جهة التستّر به وإن كان يحرم عليه من جهة اللبس كما انّه يجوز أن يكون نجساً أو ميتة أو من أجزاء غير مأكول اللحم ، وامّا الثاني فيعتبر فيه أوصاف وخصوصيات يأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّ الكلام في الجهة الاُولى يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في حكم الرجال والواجب عليهم ستر العورة فقط كما هو المتّفق عليه بين المسلمين والمشهور بين العامّة وجوب التستّر من السرّة إلى الركبتين ويستحبّ ذلك عند الخاصّة .
ويدلّ على وجوب ستر العورة قوله تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم انّ الله خبير بما يصنعون)(1) . ومفاد الآية مع قطع النظر عمّا ورد في تفسيرها من الروايات انّه يجب غضّ البصر وحفظ الفرج ، والمراد من الغضّ من الشيء هو النقص عنه لأنّ الغضّ هو النقصان ومعنى الغضّ من البصر هو التقليل في النظر ومراعاة عدمه في بعض الموارد ، وامّا احتمال كون كلمة «من» في الآية زائدة فغير صحيح لا في خصوص هذه الآية بل في جميع الموارد إلاّ فيما كان هناك ضرورة شعرية ضرورة انّه لا وجه لذكر كلمة زائدة لا يترتّب عليها فائدة ولو التأكيد فاحتمال الزيادة لا مجال له بوجه وربّما يحتمل أن تكون كلمة «من» لابتداء الغاية نظراً إلى أنّ الرؤية والإبصار شروع ومقدّمة للأعمال المترتّبة عليه التي لا ينبغي صدورها لقبحها وشناعتها ويؤيّد هذا الاحتمال