( الصفحه 628 )
وأوجب بعض العامّة عليهم أن يستروا جميع ما بين السرّة والركبة ولكن لا دليل عليه بل يستحبّ نفسياً ذلك ويوجب ذلك أكملية الصلاة .
وامّا الروايات الواردة في هذا المقام فالمستفاد منها مفروغية أصل المسألة وفي مقابلها روايات تدلّ على أنّ الرجل يصلّي في قميص واحد أو ثوب مع أنّ القميص يستر بحسب ما هو المتعارف أكثر من العورتين فهل هذه الروايات متنافية مع الطائفة الاُولى؟ ولا بأس بالتعرّض لبعض الروايات من كلتا الطائفتين فنقول :
امّا الطائفة الاُولى :
فمنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم . فإنّه يستفاد منها مفروغية اعتبار ستر العورتين فقط للرجل في الصلاة .
ومنها : صحيحته الاُخرى عن أخيه قال : سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته . فإنّ مدلولها انّ عدم الإعادة إنّما هو لأجل الجهل بكون الفرج خارجاً كما لا يخفى .
وامّا الطائفة الثانية :
فمنها : رواية يونس بن يعقوب انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال : نعم قال : قلت : فالمرأة؟ قال : لا ، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار إلاّ أن لا تجده .
ومنها : رواية محمد بن مسلم (في حديث) قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال : إذا كان كثيفاً فلا بأس به والمرأة تصلّي في
( الصفحه 629 )
الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً .
والظاهر انّه لا منافاة بين الطائفتين; لأنّ الطائفة الثانية لا تكون إلاّ في مقام عدم وجوب أزيد من قميص واحد أو ثوب كذلك في مقابل المرأة التي يجب عليها أزيد من ذلك وليست في مقام إيجاب ستر كلّ جزء يستره القميص أو الثوب كما لا يخفى فلا منافاة أصلا .
ثمّ إنّه حيث إنّ اللون قد يكون مستوراً بحث لا يكون قابلا للتميّز ولكن الشبح لا يكون مستوراً لأنّ الشبح عبارة عن الشيء الذي يرى نفسه ولكن لا يتميّز لونه ، كما إذا كان الشيء مرئياً من وراء زجاجة كثيفة أو من البعيد ، كما انّه قد يكون الشبح مستوراً ولكن الحجم لا يكون مستوراً لأنّ الحجم عبارة عن الشيء الذي لا يرى بنفسه بل يرى الحاجب والساتر ولكن الحاجب يحكي عنه ، كما انّه قد يكون الحجم أيضاً مستوراً يقع الكلام في أنّ اللاّزم من الستر في باب الصلاة أية مرتبة من مراتبه فنقول :
لا إشكال في أنّ ستر اللون الذي هو أقلّ مراتب الستر يكون معتبراً في الصلاة ، وامّا ستر الشبح فاحتاط السيّد (قدس سره) في العروة باعتباره ولا يبعد ذلك نظراً إلى أنّ المتفاهم عند العرف من الستر الموضوع للحكم هو ستر الشبح أيضاً لأنّه مع عدم ستره يكون الشيء مرئياً بنفسه وإن لم يكن لونه متميّزاً وهذا بخلاف ستر الحجم فإنّ المفروض فيه عدم تعلّق الرؤية بنفس الشيء بل بما يحكى عنه ولكن جمع من الأصحاب ومنهم المحقّق الثاني ذهبوا إلى وجوب ستر الحجم أيضاً استناداً إلى قاعدة الاشتغال الجارية في مورد الشكّ لأنّه مع عدم تحقّق ستر الحجم يشكّ في تحقّق ستر العورة المعتبر في الصلاة اللاّزم تحصيله والعلم بتحقّقه . وقد عرفت انّ المتفاهم العرفي من الستر هو كون الشيء مستوراً بنفسه ولم يتعلّق به الرؤية كذلك ،
( الصفحه 630 )
وامّا كون الحجم أيضاً مستوراً فهو خارج عمّا هو المتفاهم عند العرف فلا مجال لقاعدة الاشتغال .
واستندوا أيضاً إلى مرفوعة أحمد بن حمّاد إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تصلِّ فيما شف أو وصف يعني الثوب المصقل . والمعروف في نقلها : أو وصف بواوين كما قاله الشهيد في محكي الذكرى ومعناه الثوب الحاكي للحجم ولكن نقل عن تهذيب الشيخ (قدس سره)بخطّه : أوصف ومعناه الصفاء والصافي ، وعليه يكون عبارة اُخرى عن الشف وتفنناً في العبارة . وقال في الحدائق : إنّ في نسخ التهذيب يكون بواو واحد كما انّ الكتب التي يروى عن التهذيب يكون هكذا .
وامّا قوله : يعني الثوب المصقل فالظاهر انّه من الراوي لأنّ الكليني أيضاً يرويها بهذه العبارة مع أنّه ليس من دأبه في الكافي تفسير الروايات أصلا ، وعليه فلا مجال لاحتمال كونه من الشيخ بل هو من الراوي والظاهر انّه تفسير للجملتين لا خصوص الجملة الأخيرة وهو أيضاً يؤيّد كون الجملتين بمعنى واحد فلابدّ من أن تكون الجملة الأخيرة مع واو واحدة .
كلّ ذلك مع أنّ الرواية ضعيفة سنداً لأنّ فيه السياري الذي هو جعّال كذّاب كما في الكتب الرجالية مضافاً إلى كونها مرفوعة فلا مجال للاستدلال بها أصلا .
المقام الثاني : فيما يتعلّق بالنساء والأقوال فيه كثيرة ، فالمشهور انّ الواجب عليهنّ ستر جميع البدن إلاّ الوجه والكفّين والقدمين ، وعن الشيخ (قدس سره) استثناء الوجه فقط ، وعن جماعة عدم استثناء شيء من المذكورات وهم بين قائل بوجوب ستر البدن جميعاً وبين قائل بوجوب ستر الجميع إلاّ موضع السجود كابن حمزة وبين قائل باستثناء بعض الوجه وفي قبال هذه الأقوال قول ابن الجنيد بعدم الفرق بين الرجال والنساء في الستر الشرطي بمعنى انّه لا يجب عليهنّ شرطاً إلاّ ستر
( الصفحه 631 )
العورتين فقط .
وامّا الأدلّة فقد ادّعى بعض انّ جسد المرأة عورة ومن المعلوم وجوب ستر العورة في الصلاة وفيه منع الصغرى والكبرى ، امّا الصغرى فلعدم الدليل عليها وقد عرفت انّ ادّعاء الاتفاق عليها من الفاضل المقداد يكون فاقداً للاعتبار ، وامّا الروايات الظاهرة في أنّ النساء عيّ عورة فليست بمعتبرة من حيث السند وعلى تقديره فليس تطبيق العورة عليهن تطبيقاً حقيقياً بل الظاهر منها انّ النساء بمنزلة العورة والمتفاهم منه عرفاً انّها بمنزلة العورة في وجوب التحفّظ عن النظر إليها ولو سلم انّ التطبيق حقيقي فالكبرى ممنوعة لعدم الدليل على وجوب ستر العورة كلّها في الصلاة فهذا الدليل مردود .
وامّا الروايات فلابدّ من ملاحظتها فنقول :
منها : رواية الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : صلّت فاطمة(عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واذنيها ، ولم يعلم انّ الدرع الذي عبّر عنه في بعض الروايات الاُخر بالقميص هل كان ساتراً للكفّين والقدمين أم لا فلا يصحّ الاستدلال بها لحكمهما نفياً أو إثباتاً ، نعم يمكن الاستدلال بها لحكم الوجه وانّه لا يجب ستره لعدم كون الخمار ساتراً له كما انّه من الواضح عدم كون الدرع ساتراً له بوجه .
ومنها : رواية علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ق ال : تلتف فيها وتغطّي رأسها وتصلّي فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس .
ومنها : رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً .
( الصفحه 632 )
ومنها : رواية معلى بن خنيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تصلّي في درع وملحفة ليس عليها ازار ولا مقنعة قال : لا بأس إذا التفّت بها وإن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولا .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب ازار ودرع وخمار ولا يضرّها بأن تقنع بالخمار فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر قلت : فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال : لا بأس إذا تقنّعت بملحفة فإن لم تكفها فتلبسها طولا .
ومنها : رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة؟ قال : درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلّل بها . والمستفاد من هذه الروايات انّه لا خصوصية ولا موضوعية للاُمور المذكورة فيها بعنوان الساتر واللباس بل الملاك المستورية ولو بغير الألبسة المتعارفة ، ولكن ظاهر صحيحة جميل بن دراج خلاف ذلك قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال : يكون عليها ملحفة تضمّها عليها . فإنّ مقتضاها عدم الاكتفاء بالدرع والخمار مع كونهما ساترين مضافاً إلى دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الاكتفاء بهما . وقد حمل الشيخ (قدس سره) هذه الرواية على زيادة الفضل والثواب أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئاً .
ومثلها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المرأة الحرّة هل يصلح لها أن تصلّي في درع ومقنعة؟ قال : لا يصلح لها إلاّ في ملحفة إلاّ أن لا تجد بدّاً . فإنّ الجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة سيما الرواية الحاكية لصلاة فاطمة(عليها السلام) إنّما يكون بالحمل على الاستحباب خصوصاً بملاحظة انّ الملحفة لا تستر أزيد ممّا يستره الدرع والخمار ، ولعلّ وجه الاستحباب ان ضم الملحفة