( الصفحه 648 )
النظر من تحت نوعاً .
وعلى هذا الفرض ينبغي تعميم الحكم لما إذا كان هناك ناظر وما إذا لم يكن بل لما إذا كان في معرض النظر وما إذا لم يكن لأنّه على هذا التقدير ليس تمام الملاك مجرّد مستورية العورة وإلاّ لكان اللاّزم جواز الصلاة عارياً في ظلمة شديدة مانعة من الرؤية وكذا في مثلها ممّا إذا كانت الرؤية ممتنعة مع عدم وجود الساتر .
وبالجملة ملاك وجوب الستر الصلوتي يغاير ملاك وجوب الستر النفسي الذي يكون هو حفظ العورة من أن ينظر إليها ، وعليه فالمناسبة المذكورة وإن كانت مقتضية لعمومية الحكم واعتبار الستر من جهة التحت أيضاً إلاّ انّ التفصيل المذكور في المتن ممّا لا دليل عليه; لأنّ الفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر فيصدق الستر عرفاً ، وامّا الواقف على طرف السطح فلا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى فصلاته باطلة وإن لم يكن هناك ناظر إنّما يناسب الستر النفسي ولا شاهد عليه في الستر الشرطي فتدبّر جيّداً .
( الصفحه 649 )
مسألة 7 ـ الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر ولو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء حتّى انّه يكفي الاليتان في ستر الدبر ، وامتا الستر في الصلاة فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار . وامّا الستر بالورق والحشيش والقطن والصوف غير المنسوجين فالأقوى جوازه مطلقاً وان لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأولين ، والأقوى لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتى مثل الحشيش والورق جوز إتيان صلاة فاقد الساتر وإن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه وبين واجده 1 .
1 ـ لا إشكال في حصول الستر النفسي بكلّ ما كان مانعاً عن تحقّق الرؤية والنظر لما عرفت من وضوح مناط الحكم فيه فيتحقّق حتّى بمثل الطلي بالطين والولوج في الماء الكدر والدخول في الحفيرة والستر بأجزاء البدن كما لو كان بيده أو يد زوجته أو أمَته بل ولو كانت يد أجنبي أو أجنبية وقد ورد في النصّ ـ كما مرّ ـ انّ الدبر مستور بالاليتين فلا إشكال فيه أصلا .
وامّا الستر الصلوتي فقد اختلفت كلماتهم في تعيينه اختياراً واضطراراً ، قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط بعد الحكم بأنّه لا بأس بأن يصلّي الإنسان في ثوب فيه خرق لا يواري العورة وانّه إن حاذى العورة لم يجز : «وصفة الثوب أن يكون صفيقاً لا ترى ما تحته فإن ظهر البشرة من تحته لم يجز لأنّه لا يستر العورة فإن لم يجد ثوباً يستر العورة ووجد جلداً طاهراً أو ورقاً أو قرطاساً أو شيئاً يمكنه أن يستر عورته وجب عليه ذلك على ما بيّناه فإن وجد طيناً وجب أن يطيّن عورته به فإن لم يجد ووجد نقباً دخل فيه وصتلّى فيه قائماً فإن لم يجد صلّى من قعود على ما فصّلناه» وحكى نحوه عن السرائر والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان .
وهل ظاهر مثل هذه العبارة بلحاظ تعليق إيجاب الستر بمثل الجلد والورق
( الصفحه 650 )
والقرطاس على ما إذا لم يجد الثوب ولم يتمكّن من التستّر به هو الترتيب بين الثوب وبين الاُمور المذكورة وانّه لا يجوز التستّر بها إلاّ عند الضرورة وفقد الثوب أو انّ التعليق إنّما هو بلحاظ انّه مع وجود الثوب والتمكّن منه لا داعي إلى التستّر بغيره عند العرف لا بلحاظ عدم جواز الانتقال إليه؟ فيه وجهان ، فعن المحقّق الثاني وجماعة استظهار الوجه الأوّل وعن البحار استظهار الوجه الثاني ، وتبعه عليه في مفتاح الكرامة والجواهر بقرينة ذكر الجلد والخرق في جملة منها وهو الأقرب .
ولا يرد عليه انّ لازمه كون الطين أيضاً في رديف المذكورات في عبارة المبسوط لوجود التعبير بمثل هذا التعليق فيه أيضاً وذلك لأنّ الطين لا يكون ساتراً عنده أصلا حتّى يقع في عداد المذكورات والشاهد عليه قوله : أو شيئاً يمكنه أن يستر عورته ، فإنّ الطين لو كان داخلا في الساتر لشمله عموم الشيء المذكور ولم يحتج إلى ذكره بعده وكذا قوله : وجب أن يطين . . . فإنّ عدم التعبير بالستر فيه يؤيّد ما ذكرنا .
وكيف كان فعن الدروس وغاية المرام وحاشية الارشاد وحاشية الميسي والروض والمسالك التصريح بأنّه لا يجوز التستّر بالحشيش والورق إلاّ عند تعذّر الثوب وانّه إذا تعذّر الحشيش تعين الطين . ونحوه ما عن المدارك إلاّ انّه قال : إذا تعذّر الحشيش انتقل إلى الايماء ، ولم يجعل الطين ساتراً أصلا في جميع المراتب ، وعن المهذب البارع والموجز : انّ الحفيرة مقدّمة على الماء الكدر وهو على الطين . وعن السمالك وغيرها : تقدّم الماء الكدر على الحفيرة . وعن جامع المقاصد : احتمال التخيير واحتمال تقدّم كلّ على الآخر . وحكى غير ذلك أيضاً .
أقول : التحقيق يقتضي التكلّم في مقامين :
المقام الأوّل : فيما يستفاد من النصوص الواردة في الساتر والظاهر انّ الروايات
( الصفحه 651 )
المتقدّمة المشتملة على الثوب والقميص والمقنعة والخمار ونحوها وإن كان مقتضى الجمود على ما تحت عبارتها عدم كفاية التستّر بغير هذه العناوين الواقعة فيها إلاّ انّ الظاهر بنظر العرف كون خصوصية هذه العناوين غير دخيلة في الحكم ولذا لا يستفاد منها عرفاً عدم جواز التستّر بمثل الجلد ممّا لا ينطبق عليه عنوان الثوب والقميص فالظاهر انّ المراد من العناوين المذكورة فيها كلّ ما يمكن أن يتّصف بعنوان الساترية فلا فرق بين الثوب والقطن والصوف غير المنسوجين بل الورق والحشيش لتقحّق هذا العنوان في جميعها ، نعم لا يستفاد منها الاكتفاء بمثل الطين لعدم كونه ساتراً عرفاً ولا يصدق عنوان الواجد للساتر على واجده والاكتفاء به في الستر الواجب النفسي على فرضه إنّما هو لأنّ الملاك فيه ـ كما عرفت ـ هو مجرّد مستورية العورة لا وجود الساتر لها ولذا يتحقّق بمثل الظلمة والولوج في الماء والدخول في الحفيرة ، وامّا في المقام فالمعتبر وجود الساتر على ما تقتضيه الروايات والطين لا يكون ساتراً عرفاً .
فالإنصاف انّ مفاد هذه الطائفة من النصوص جواز الاكتفاء بكلّ ما يصدق عليه عنوان الساتر ولكن مع ذلك لا دلالة لها على جواز الانتقال إلى غير الثوب مع التمكّن منه لعدم ثبوت الإطلاق لها لأنّها في مقام بيان كفاية الثوب الواحد للرجل والثوبين للمرأة فمحطّ النظر فيها عدم لزوم التعدّد على الرجل والزائد على الاثنين على المرأة ولا تكون في مقام البيان من جهة أنواع الساتر حتى يستدلّ بإطلاقها على عدم الترتيب فهي من هذه الجهة مجملة .
وامّا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به
( الصفحه 652 )
عورته أومأ وهو قائم . فقد استدلّ بها على ثبوت الترتيب بين أنواع الساتر ، وانّ الاكتفاء بالحشيش إنّما هو مع تعذّر الثوب وفقده ولكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لأنّ تعذّر الثوب إنّما ذكر في مفروض السؤال ولم يقع قيداً لجواز التستّر بالحشيش في كلام الإمام (عليه السلام) حتّى يستفاد منه الترتيب ويؤيّده انّه ليس المراد من الحشيش خصوص عنوانه بل كما يشهد به قوله : وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته يكون المراد به كلّ شيء يكون ساتراً للعورة فيؤيّد عدم القيدية خصوصاً بعدما عرفت من إلغاء العرف خصوصية الثوبية ولكن مع ذلك لا دلالة للرواية على عدم الترتيب ، بل تكون أيضاً من هذه الجهة مجملة فقد ظهر انّ الأدلّة اللفظية قاصرة الدلالة على الترتيب نفياً وإثباتاً فتصل النوبة إلى الاُصول العملية .
فنقول : يمكن أن يقال : بأنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير نظراً إلى أنّ الأمر دائر بين تعين الثوب ونحوه والتخيير بينه وبين غيره من القطن والصوف غير المنسوجين والحشيش والورق والأصل الجاري فيه على ما هو المشهور هي أصالة الاحتياط .
ولكن الظاهر عدم تمامية ذلك في مثل الموارد المذكورة; لأنّ الشكّ فيها ليس في أصل جواز التستّر بمادّتها ضرورة انّه لا يشكّ في جواز التستّر بالقطن والصوف بعد كون المنسوج منهما منطبقاً عليه عنوان الثوب فالشكّ فيها إنّما هو في اعتبار المنسوجية وعدمه بعد الفراغ عن كفاية المادّة في الساترية ، ومن الواضح انّه شكّ في أمر زائد والمرجع فيه أصالة البراءة الجارية في موارد الشكّ في الجزئية والشرطية وهكذا الحشيش والورق فإنّه لا يشكّ في كفاية المنسوج منهما والشكّ إنّما هو في اعتبار المنسوجية والأصل البراءة .
وامّا في مثل الطين فالظاهر تمامية القول المذكور لأنّ الشكّ إنّما هو في أصل