( الصفحه 653 )
الاكتفاء بالمادّة فالشكّ فيه إنّما هو من قبيل الشكّ بين المعيّن والمخيّر فيه والأصل فيه هي أصالة الاحتياط ، هذا بالإضافة إلى حال الاختيار .
وامّا في حال الاضطرار والانحصار بالطين ونحوه فمع قطع النظر عن النصوص الواردة في صلاة العاري يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التستّر به لأجل الصلاة للشكّ في اعتبار التستّر به في هذا الحال مع عدم كونه كافياً في حال الاختيار وعليه فتجب عليه صلاة العاري ، نعم حيث إنّه وقع التفصيل في نصوص صلاة العاري بين صورة الأمن من المطلع وغيرها بالحكم بوجوب الصلاة قائماً في الاُولى دون الثانية ولا يبعد دعوى توسعة دائرة الأمن وعدم اختصاصها بما إذا لم يكن هناك ناظر محترم كما إذا صلّى في بيت وحده وكان بابه مسدوداً بل شمولها لمثل الطلي بالطين الموجب لتحقّق الأمن وإن كان هناك ناظر فإن كان حكم العاري في هذه الصورة وجوب إتمام الركوع والسجود فاللاّزم ـ حينئذ ـ الطلي بالطين للعلم التفصيلي بوجوبه امّا لأنّه ستر صلوتي وامّا لأنّه مقدّمة لرعاية القيام بلحاظ تحقّق الأمن معه وإن قلنا بأنّ حكمه في هذه الصورة الايماء بالركوع والسجود كما هو مفاد مثل صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة فاللاّزم ـ حينئذ ـ الجمع بين الصلاة مع إتمام الركوع والسجود وبينها مع الايماء لهما للعلم الإجمالي بوجوب إحدى الكيفيتين عليه لأنّه على تقدير كونه ساتراً صلوتياً في حال الاضطرار يجب عليه بالكيفية المتعارفة وعلى تقدير عدم كونه ساتراً ولو في هذا الحال وكون المكلّف عارياً يجب عليه صلاة العاري فاللاّزم الجمع بين الكيفيتين .
ولكن ربّما يقال بانحلال العلم الإجمالي نظراً إلى أنّ موضوع صلاة العاري امّا عدم وجود الساتر الشرعي ، وامّا عدم ساترية الموجود شرعاً وكلّ منهما يمكن إثباته بالأصل وإذا تحقّق موضوع صلاة العاري ولو بالأصل ينحلّ العلم الإجمالي
( الصفحه 654 )
لما تقرّر في محلّه من أنّ جريان الأصل المثبت للتكليف في أحد أطراف العلم الإجمالي يوجب انحلاله إلى العلم التفصيلي بثبوت التكليف في ذلك الطرف ولو ظاهراً فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة عن التكليف وذلك كما إذا كان أحد المائين اللذين وقع فيهما النجاسة إجمالا مستصحب النجاسة للعلم التفصيلي بنجاسته سابقاً و ـ حينئذ ـ جريان الاستصحاب المثبت للتكليف فيه يوجب الانحلال فيجري في الطرف الآخر أصالة الطهارة .
ويدفع هذا القول ـ بعد وضوح انّ موضوع صلاة العاري هو عدم وجود الساتر لأنّ المراد من العاري من لا يكون له ساتر كما هو معناه عند العرف ـ ان استصحاب عدم وجود الساتر ممّا لا مجال لجريانه لأنّ المشكوك إنّما هو وجود الساتر الشرعي في الخارج مع أنّه من الواضح انّه ليس لنا شكّ بحسب الخارج لأنّ المفروض وجود الطين فعلا والتمكّن من الطلي به كذلك وعدم وجوده في السابق فليس في الخارج أمر وقع متعلّقاً للشكّ حتّى يجري الاستصحاب والشكّ إنّما هو في أمر آخر وهو كونه ساتراً شرعاً ولا مجال لجريان الأصل فيه وهذا كما في استصحاب بقاء النهار مع الشكّ في مفهومه بعد الاستتار وقبل ذهاب الحمرة المشرقية فإنّه لا مجال لجريانه بعد كون الخارج بكلا طرفيه معلوماً غير مشكوك ، نعم لا إشكال في جريانه في الشبهة الموضوعية والتحقيق في محلّه .
فانقدح انّ مقتضى العلم الإجمالي بعد عدم انحلاله هو لزوم الجمع بين الكيفيتين .
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة عدم اعتبار الطلي بالطين أصلا وذلك لأنّ الكم بالانتقال إلى صلاة العاري بالايماء مع القيام مع عدم إصابة شيء يستر به العورة يدلّ على عدم الاعتناء بالطين لأنّه ليس ساتراً
( الصفحه 655 )
للعورة كما تقدّم ، ولذا لا يستفاد من الرواية الاكتفاء به في حال الاختيار خصوصاً مع ملاحظة غلبة وجود الطين وإمكان تحصيله نوعاً سيما في مفروض الرواية من جهة غرق المتاع وعليه فالاحتياط بالجمع يكون استحبابياً كما في المتن .
( الصفحه 656 )
مسألة 8 ـ يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي اُمور : الأوّل الطهارة إلاّ فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كما تقدّم ، الثاني الإباحة فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصيبة فلو لم يعلم بها صحّت صلاته وكذا مع النسيان إلاّ في الغاصب نفسه فلا يترك الاحتياط بالإعادة 1 .
1 ـ اتفق الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ على اعتبار طهارة لباس المصلّي من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتواترة إلاّ انّ أكثرها وردت في موارد خاصّة من البول والمني والدم ، وامّا ما يمكن أن يستفاد منه حكم الصلاة في الثوب النجس ونحوه من العناوين العامّة الشاملة لجميع أنواع النجاسات ويدلّ على إثبات الحكم بنحو العموم فقليلة ولا بأس بالتيمّن بإيراد بعضها مثل : مضمرة زرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني إلى أن قال : فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال : تغسل ولا تعيد الصلاة . قلت : لِمَ ذلك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً . الحديث . نظراً إلى رجوع الضمير في «غيره» في السؤال الأوّل إلى الدم وكونه مرفوعاً معطوفاً عليه لا إلى الرعاف وكونه مجروراً معطوفاً عليه وبناء عليه يدلّ السؤال على مفروغية مانعية مطلق النجاسة في ذهن زرارة وقد قرّره (عليه السلام) على ذلك ، ولكن هذا التقدير لا يلائمه ذكر شيء من مني بعد كلمة «غيره» وذكر الخاص بعد العام وإن كان ممّا لا مانع منها إلاّ انّه مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر لا موقع له في مثل المقام ممّا كان خاص مذكوراً أوّلا والعام غير الشامل له مذكوراً ثانياً فإنّه لا يناسبه ذكر خاصّ آخر ثالثاً فتدبّر جيّداً .
نعم يمكن الاستفادة من الصحيحة من طريق آخر وهو انّ الإمام (عليه السلام) قد عبّر في
( الصفحه 657 )
مقام الجواب عن السؤال عن علّة عدم الإعادة في صورة عدم التيقّن بقوله (عليه السلام) : لأنّك كنت على يقين من طهارتك . وهذا التعبير بلحاظ اشتماله على كلمة الطهارة وإضافتها إلى المصلّي مع كون مورد السؤال هو الثوب يعطي انّ المعتبر في الصلاة طهارة المصلّي ، غاية الأمر انّ المراد بالمصلّي ليس خصوص بدنه بل أعمّ منه ومن الثوب الذي هو مورد السؤال فالمستفاد من الصحيحة اعتبار عنوان عام شامل لجميع النجاسات كما هو ظاهر .
كما انّه يمكن استفادة ذلك من السؤال في بعض الروايات بلحاظ دلالته على مفروغية اعتبار الخلوّ عن النجاسة ـ بعنوانها العام ـ في صحّة الصلاة عند السائل وتقرير الإمام (عليه السلام) له على ذلك ففي رواية أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال : لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له .
كما انّه يمكن الاستفادة من بعض الروايات الواردة فيما لا تتمّ الصلاة فيه وحده المشتملة على لفظ «القذر» الظاهرة في اعتبار إزالته في غيره ممّا لا يجوز الصلاة فيه منفرداً ففي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عمّن حدّثهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب .
ويدلّ عليه أيضاً رواية عبدالله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر : انّي أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم انّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد علي فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجّسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن انّه نجّسه . ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة .