( الصفحه 668 )
وبالجملة فالظاهر انّ وجوب الردّ شرعاً غير ثابت .
وثانياً : انّه على تقدير تسليم الوجوب الشرعي فقد يكون الردّ متعذّراً لغيبة المالك مثلا ، ومن المعلوم سقوط الوجوب ـ حينئذ ـ لتعذّر متعلّقه فيلزم جواز الصلاة في الثوب المغصوب في هذه الصورة مع أنّ المدّعى عام .
وثالثاً : انّه قد لا يكون الردّ متوقّفاً على فعل تكون الصلاة مضادّة له كما إذا كان المالك أو وكيله حاضراً ـ مثلا ـ .
ورابعاً : انّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ خصوصاً فيما إذا كان الأمر غيرياً كما انّ اقتضاء النهي الغيري للفساد محلّ بحث وإشكال .
وخامساً : انّ لازم هذا الدليل بطلان الصلاة مطلقاً ولو في غير الثوب المغصوب إذا كان المصلّي غاصباً لشيء آخر لا ربط له بالصلاة ولكن كان ردّه متوقّفاً على اُمور مضادّة للصلاة لأنّها في هذه الصورة أيضاً تصير منهياً عنها فتفسد ولا يلتزم بذلك أحد .
الرابع : ما حكى عن المعتبر من أنّ النهي عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع به والحركات فيه انتفاع فتكون محرّمة منهياً عنها ومن الحركات القيام والقعود والركوع والسجود وهي أجزاء الصلاة فتكون منهياً عنها فتفسد .
وأجاب عنه في المستمسك : بأنّ كون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمّل أو منع فإنّ المفهوم منها عرفاً انّها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم فتكون من مقولة الوضع لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل ، نعم الحركة من قبيل المقدّمة لوجودها وحرمة المقدّمة لا توجب النهي عن ذيها ولا فساده قال : وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي فإنّ التذلّل والخضوع واستشعار مشاعر العبودية إنّما يكون بالهيئة الخاصّة التي يكون عليها العبد في مقام
( الصفحه 669 )
عبادة مولاه لا بالحركة المحصلة لها كما لا يخفى .
والتحقيق في الجواب انّه على تقدير كون مثل الركوع والسجود من قبيل الحركات أيضاً لا يتعدّى النهي في باب الغصب عن عنوان متعلّقه إلى عنوان الركوع والسجود ضرورة انّ الحرمة في ذلك الباب متعلّقة بعنوان التصرّف في مال الغير ـ على ما يدلّ عليه الرواية ـ فالمنهي عنه نفس عنوان التصرّف ولا يتعدّى النهي عنه إلى غيره ، وامّا ما هو جزء للعبادة فعنوان الركوع والسجود وأشباههما ومن الواضح مغايرة العنوانين واختلاف المتعلّقين وإن اتّحدا في الوجود الخارجي والتحقّق في العين ولكن الاتحاد الخارجي لا يقتضي سراية الحكم من أحد المتعلّقين إلى الآخر كما في جميع موارد اجتماع الأمر والنهي وقد ذكرنا انّه على القول بجواز الاجتماع ـ كما هو مقتضى التحقيق ـ بكون اللاّزم صحّة المجمع إذا كان عبادة فالجزء المتّحد مع التصرّف في الثوب المغصوب لا يكون فاسداً فلا تكون العبادة فاسدة .
وامّا ما أفاده في المستمسك فقد اُجيب عنه بأنّ الظاهر كون الركوع الذي هو جزء من الصلاة هو الذي يكون من مقولة الفعل ، والشاهد عليه كون القيام المتصل بالركوع ركناً لأنّ المراد به هو القيام المتعقب بالركوع الذي لا يكون بينه وبينه فصل فمنأوّل انهدام القيام إلى البلوغ إلى حدّ الركوع يكون كلّها ركوعاً ومن أفعال الصلاة ضرورة انّ تعقّب القيام بالركوع المحصل للقيام المتصل بالركوع هو بأن يركع عن قيام . كما انّ الظاهر انّ السجود عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بحيث يكون أوّل جزء من الوضع بنيّة سجود الصلاة فلو وضع جبهته على الأرض بلا نية السجود لم يجز الاكتفاء به بل قيل إنّه لو وضع ثمّ نوى سجود الصلاة كان ذلك موجباً لزيادة السجدة لأنّه بمجرّد الوضع تحقّق السجود وحيث لم يكن بنيّة
( الصفحه 670 )
الصلاة لم يكن معدوداً من أفعالها فهو سجود خارج عنها وهذا معنى الزيادة .
وكيف كان فلابدّ من النية قبل وضع الجبهة حتى يكون أوّل جزء منه مع النيّة ، ومن المعلوم انّ المقدار المتّصل بالوضع من الحركة المتصلة به المحقّقة له يكون من أفعال الصلاة ، نعم رفع الرأس منهما لا يكون معدوداً من أفعال الصلاة .
ثمّ إنّه أفاد في المستمسك أيضاً وقال : «انّه لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إنّ الواجب الصلوتي نفس الحركة من أوّل الانحناء عن القيام إلى أن ينتهي إلى حدّ الركوع وهكذا في غير الركوع فلا وجه للالتزام بأنّ المقام من صغريات مسألة الاجتماع ضرورة انّ الحركة الصلواتية الواجبة قائمة بالبدن والحركة الغصبية المحرّمة قائمة بالمغصوب فيكون إحداهما غير الاُخرى في الخارج ضرورة انّ تباين المغصوب وبدن المكلّف يستلزم تباين الحركة القائمة بالآخر فيمتنع أن تكون الحركة الصلواتية عين التصرّف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع ، نعم حركة البدن الصلوتية علّة لحركة المغصوب والتصرّف فيه نظير حركة اليد التي هي علّة لحركة المفتاح فإذا قلنا بأنّ علّة الحرام حرام تكون الحركة الصلوتية محرّمة بالتحريم الغيري إلى أن قال : فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوبة» .
أقول : الظاهر انّ تغاير الإضافة في باب الحركة لا توجب تعدّد الحركة فإنّ قيام إحدى الحركتين بالمغصوب والاُخرى بالبدن إنّما يوجب التغاير بحسب العنوان ، وامّا بحسب الوجود الخارجي فهما واحد من الجهة الراجعة إلى فعل المكلّف وما يوجد منه في الخارج ضرورة انّ ما هو الصادر منه في الخارج إنّما هي حركة واحدة لها إضافة إلى البدن وإضافة إلى الثوب ، وامّا وصف المتحرّكية فلا خفاء في تعدّده لأنّه تابع للموصوف ولكنّه ليس بحرام بل الحرام فعل المكلّف وما يصدر منه في
( الصفحه 671 )
الخارج وهو ليس بمتعدّد ولو بتعدّد العلية والمعلولية فتدبّر . وتبعية الثوب للبدن مقتضاها حصول وصف التحرّك له تبعاً للبدن لا كون عمل المكلّف متعدّداً . وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية هذا الوجه أيضاً .
الخامس : الإجماع الذي ادّعاه جمع من الأصحاب والجواب انّ الإجماع في مثل هذه المسألة لا حجّية فيه كما ذكرناه في صدر المسألة ويؤيّد عدم ثبوت الإجماع التفصيل الذي استقر به في المعتبر وقوّاه جمع من المحقّقين المتأخّرين عنه وسيأتي البحث عنه فإنّه مع ثبوت الإجماع لا يبقى للتفصيل سبيل أصلا .
السادس : بعض الروايات مثل ما رواه الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : لو انّ الناس أخذوا ما أمرهم الله فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ . ورواه الكليني عن إسماعيل بن جابر عنه (عليه السلام) مسنداً .
وما رواه في تحف العقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لكميل قال : يا كميل انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول . ورواه الطبرسي في محكي بشارة المصطفى مسنداً .
والجواب عن الرواية الاُولى انّها وإن كانت معتبرة من حيث السد إلاّ انّ كلمة الإنفاق فيها ظاهرة في غير المقام فإنّ الصلاة في المغصوب لا يعبّر عنها بإنفاق المغصوب فيها فإنّ الإنفاق مرجعه إلى رفع اليد عن المال وصرفه فهو يناسب صرف المغصوب في الاحسان إلى الغير ـ مثلا ـ مع أنّ الكلام في نفي الصحّة والرواية ظاهرة في نفي القبول وبهذا يجاب عن الرواية الثانية مضافاً إلى ضعف السند فيها وعدم الانجبار لكونه متوقّفاً على الاستناد ولا يتحقّق بمجرّد موافقة فتوى المشهور مع رواية ضعيفة كما لا يخفى .
( الصفحه 672 )
السابع : بعض الوجوه الضعيفة الاُخرى التي لا مجال للاستدلال بها أصلا وصرف النظر عن التعرّض لها أولى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لم ينهض دليل على اعتبار إباحة التصرّف في الثوب في صحّة الصلاة وانّ العمدة من الوجوه المتقدّمة ما كان مبتنياً على مسألة اجتماع الأمر والنهي وقد مرّ انّ القول بالجواز فيها لا يستلزم بطلان المجمع إذا كانت عبادة بل الظاهر صحّته كذلك وإن أبيت إلاّ عن الاستلزام نقول بعدم كون المقام من صغريات تلك المسألة لا لما أفاده في المستمسك ممّا تقدّم لعدم تماميته كما عرفت ، بل لما أفاده شيخنا المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة من أنّ المحرم إنّما هو التصرّف في اللباس من جهة لبسه ، وامّا تغيير هيئته بتبع حركات اللاّبس بمشيه أو قيامه أو قعوده أمثال ذلك ممّا لا يكون انتفاعاً آخر به سوى اللبس ولا يكون موجباً لتلفه واندراسه فلا يكون مبغوضاً آخر للمالك حتّى يتبعه النهي الشرعي ضرورة انّ المبغوض للمالك في حالات اللاّبس من قيامه وقعوده وانحنائه شيء واحد وهو كونه لابساً والثاني وجود هيئة خاصة حاصلة للملبوس من جهة قيامه وكذا في حال الانحناء ، فعلى هذا يكون المحرم أمراً واحداً في محموع الحالات وهو التصرّف اللبسي وكونه لابساً شيء والركوع والسجود والقيام شيء آخر مقارن له فلا يلزم من كونه محرماً تحريم ما هو من أجزاء الصلاة .
بقي الكلام في التفصيل الذي ذكره المحقّق في المعتبر قال : «والأقرب إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأنّ جزء الصلاة يكون منهياً عنه وتبطل الصلاة بفواته ، امّا إذا لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب» وفي المدارك : انّه المعتمد . وعن الذكرى وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلّية والروض وكشف اللثام انّه قوى .