( الصفحه 701 )
بنفس إيجاب السؤال لا قبله حتّى لا يناسب السؤال مع وجود الامارة فتدبّر . وبالجملة فمثل هذه الرواية لا يستفاد منها أمارية العدم .
ثمّ إنّه على تقدير الاستفادة وثبوت الامارية لكلتا اليدين فالظاهر عدم كون دليلها بنحو يشمل صورة التعارض بل اللاّزم تخصيص دليل امارية يد المسلم بما إذا لم تكن مسبوقة بيد الكافر وكذا دليل أمارية يد الكافر بما إذا لم تكن مسبوقة بيد المسلم كما لا يخفى .
الثامنة : هل المصنوعية في أرض الإسلام امارة على وقوع التذكية مطلقاً ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم أو انّه أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع أو انّه ليس أمارة في عرض يد المسلم بل هو أمارة على الامارة كسوق المسلمين على ما عرفت من أنّه أمارة على كون البائع مسلماً وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرواية الواردة في هذا الباب وهي رواية إسحاق بن عمّار المعتبرة عن العبد الصالح (عليه السلام) انّه قال : لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس .
والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) من غلبة أفراد المسلمين وأكثريتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها كما رجّحه سيدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة بعلى .
فعلى الأوّل الذي مرجعه إلى أنّ الامارة أرض الإسلام أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورياستهم بضميمة كون الغلبة العددية مع أفراد المسلمين تكون الامارة هي يد المسلم وما ذكر امارة على الامارة لأنّ الأكثرية طريق إلى استكشاف
( الصفحه 702 )
مجهول الحال وإلاّ لا يترتّب عليها ثمرة ، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا .
وعلى الثاني إن كان المراد هو كون المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على التذكية ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم تصير المصنوعية أمارة مستقلّة في مقابل يد المسلم ، وإن كان المراد هو انّ المصنوعية فيها أمارة على كون الصانع مسلماً لأنّه يبني على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام فيرجع أيضاً إلى اعتبار يد المسلم وكونها أمارة على التذكية ، غاية الأمر انّ الامارة على الامارة على هذا هو مجرّد المصنوعية في أرض الإسلام وعلى ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع أفراد المسلمين كما لا يخفى .
هذا والظاهر ما قاله الشهيد لأنّ الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام وإذا فسّرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام ولا يكون أمراً زائداً عليها لأنّ معناها كما عرفت هو كون الغلبة والسلطنة عليها للمسلمين فلا يكون الجواب دالاًّ على أمر آخر بوجه .
وبعبارة اُخرى الضمير في قوله : إذا كان الغالب عليها ، يرجع إلى أرض الإسلام لا مطلق الأرض ولا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع إلى تفسيرها وحمل الجواب على التوضيح والتفسير مستبعد جدّاً ، بل الظاهر كونه ناظراً إلى اعتبار أمر زائد وهو لا ينطبق إلاّ على تفسير الشهيد وقد عرفت انّ مقتضاه انّه لا أصالة للمصنوعية في أرض الإسلام بل هي بضميمة الغلبة أمارة على كون الصانع مسلماً ، نعم مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع من دون فرق بين أن يكون البائع أيضاً مسلماً وبين أن لا يكون كذلك .
التاسعة : هل المطروحة في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية على
( الصفحه 703 )
المطروح أو على الامارة عليه أو انّها لا تكون امارة أصلا إلاّ إذا كان عليه أثر استعمال المسلم وجريان يده عليه ، ومن المعلوم انّه ـ حينئذ ـ يرجع إلى اعتبار يد المسلم وأماريتها .
والدليل في هذا البحث رواية السكوني المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتى يعلموا .
ويجري في معنى الرواية احتمالات :
أحدها : أن تكون الرواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشكّ في النجاسة ومنشأ الشكّ عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسي من جهة ملاقاة المجوسي ، وعليه فالمراد بقوله (عليه السلام) : هم في سعة حتّى يعلموا ، هو التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة .
ثانيها : أن تكون الرواية بصدد بيان أمارة المطروحية في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة ومنشأ الشكّ احتمال كونها لمجوسي وهو لا يراعي شرائط التذكية المعتبرة في الإسلام ولا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز والبيض في رديف اللحم لعدم الشكّ فيه من هذه الجهة كما هو ظاهر .
ثالثها : أن تكون الرواية بصدد بيان انّ الحكم في مورد الشكّ في الحلّية مطلقاً هي الحلية وهو الإباحة ومنشأ الشكّ احتمال عدم رضا المالك بالتصرّف فيها .
والاستدلال بها على الامارية متوقّف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني ،
( الصفحه 704 )
ومن الواضح عدم ظهور الرواية فيه لو لم نقل بظهورها في غيره لما مرّ من عدم ملائمته مع ذكر مثل الخبز والبيض إلاّ أن يقال : بأنّ السؤال الثاني في الرواية لا يرتبط بما هو محطّ النظر في السؤال الأوّل ، بل يمكن أن يكون من شخص آخر لا من السائل الأوّل ، وعليه فيمكن دعوى كون الثاني ناظراً إلى خصوص اللحم من جهة التذكية وعدمها فالحكم بالتوسعة إلى أن يعلم بكونه من مجوسي دليل على أمارية المطروحية في أرض الإسلام ولكن هذه الدعوى لا توجب ظهور الرواية فيها وإن كانت تصلح لأن يجاب بها عن الإشكال الوارد على الاحتمال الثالث وهو انّه يوجب طرح الرواية إذ لم يذهب أحد إلى الإباحة عند الشكّ فيها من هذه الجهة فإنّ الإباحة ـ حينئذ ـ إنّما هي لأجل وجود الأمارة لا لمجرّد الشكّ كما لايخفى .
العاشرة : المشهور انّ يد المسلم أمارة على التذكية مطلقاً حتّى مع العلم بكونه مستحلاًّ للميتة بالدباغ وقيل باختصاص الامارية بما إذا علم بكونه غير مستحلّ لها به ، وعن جملة من الكتب كالمنتهى ونهاية الأحكام التفصيل بين ما لم يعلم باستحلاله فتكون يده أمارة وما علم بكونه مستحلاًّ فلا تكون كذلك وهنا قول رابع وهو التفصيل بين ما إذا أخبر بالتذكية ولو كان مستحلاًّ وبين ما إذا لم يخبر فتكون يده أمارة في الأوّل دون الثاني .
ويدلّ على المشهور المطلقات المتقدّمة في السوق الناظرة إلى هذه الجهة وهي كون المسلم غير عارف مستحلاًّ للميتة نوعاً وهي كالصريحة في الشمول لذلك خصوصاً بعد ملاحظة كون منشأ الشكّ للسائل الباعث له على السؤال ذلك ومرسلة ابن الجهم المتقدّمة ناظرة إلى هذه الجهة وانّ الضيق الواقع فيه السائل وحكمه (عليه السلام)بأنّه يرغب عمّا كان يفعله إمامه (عليه السلام) إنّما هو لأجل ذلك ، هذا مضافاً إلى التصريح بعدم اعتبار المعرفة بالإمامة في رواية إسماعيل المتقدّمة فالإنصاف انّه مع
( الصفحه 705 )
ملاحظة الروايات والتأمّل فهيا لا يبقى ارتياب في انّ أمارية يد المسلم أمارية تعبّدية مجعولة لغرض التسهيل والتوسعة وعمدة النظر فيها كون البائع مسلماً غير عارف خصوصاً في زمن الصادقين (عليهما السلام) الذي شاع فيه فتوى أبي حنيفة واستحلاله للميتة وكثر متابعوه ومع ذلك حكم في الروايات بالامارية والاعتبار .
وامّا القول الثاني فيدلّ عليه رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء فقال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صرداً لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة ويزعمون انّ دباغه زكاته .
وتقريب الاستدلال بها انّ موردها صورة الشكّ في كون البائع مستحلاًّ لظهور عدم اعتماده (عليه السلام) في هذه الجهة إلى علم الغيب الثابت له ، ومن الواضح عدم كون جميع أهل العراق مستحلّين بل كان فيهم من المسلمين العارفين أيضاً فالرواية ناظرة إلى صورة الشكّ وحاكمة بعدم جواز الاعتماد على يده لأنّه (عليه السلام) كان يلقى في حال الصلاة الفراء المأتي إليه من العراق وكذا يلقي القميص الذي يليه فالرواية دالّة على عدم الامارية مع الشكّ .
ويرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ إجمالها من حيث الدلالة لأنّه (عليه السلام) كان يجمع ـ على طبق الرواية ـ بين اللبس والانتفاع وبين الإلقاء المذكور مع أنّه على تقدير عدم الامارية لا يجوز الانتفاع به أصلا ولو في غير حال الصلاة .
ودعوى كون لبسه إنّما هو لأجل الضرورة المسوغة له كما يشعر به قوله : كان رجلا صرداً أي شديد التألّم من البرد وعدم كون فراء الحجاز دافئاً .
مدفوعة بوضوح عدم كون الضرورة بالغة إلى حدّ يجوز معه المحرم ، كما انّ