( الصفحه 696 )
فاشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال : صلِّ فيه ، قلت : فالنعل ؟ قال : مثل ذلك قلت : إنّي أضيق من هذا قال : أترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله .
إذا عرفت ما ورد في السوق من الروايات المتقدّمة فالكلام فيه يقع من جهات :
الاُولى : انّه لا إشكال في أنّ المستفاد من روايات السوق انّ المراد به هو سوق المسلمين بالمعنى الذي ذكرنا الذي مرجعه إلى أنّ المراد به هو مركز التجمّع للكسب والتجارة الذي كان أكثر أهله مسلماً ويشهد به إضافة السوق إليهم في رواية الفضلاء الثلاثة المتقدّمة الظاهرة في الاختصاص خصوصاً مع ملاحظة كون مورد السؤال فيها أيضاً ذلك فإنّ الظاهر انّ المراد من «الأسواق» فيه هي الأسواق المعهودة الموجودة في المدينة ومثلها من البلاد الإسلامية ومع ذلك لم يكتف الإمام (عليه السلام) في الجواب بهذا الظهور بل صرّح بإضافة السوق إلى المسلمين وعلّق الحكم بجواز الأكل عليه . وامّا إطلاق «السوق» في سائر الروايات أو ترك الاستفصال فمضافاً إلى ما عرفت من كونه إشارة إلى الأسواق المعهودة يكون تقييده بسبب رواية الفضلاء معيناً فالمستفاد من المجموع اعتبار سوق المسلمين وقد مرّ معناه .
الثانية : الظاهر انّ المستفاد من أدلّة اعتبار السوق انّ السوق بنفسه لا تكون أمارة على التذكية وكاشفة عن الطهارة والحلّية بل هو كاشف عن الامارة الحقيقية وهي يد المسلم فالسوق أمارة على الأمارة نظراً إلى أنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة والحق من يشكّ في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالسوق إنّما هو كاشف عن كون البايع مسلماً وبهذا يظهر ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرّد الأخذ من سوق المسلمين ولو أخذ من يد الكافر في قبالالأخذ من يد الكافر كما انّه يظهر الخلل فيما اختاره في «المستمسك» من أنّ
( الصفحه 697 )
الظاهر منه خصوص ما لو كان البائع مسلماً وانّ الداعي لذكر السوق كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه لا لخصوصية فيه في قبال الدار والصحراء ونحوهما ، فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرّفات الدالّة على التذكية ولا خصوصية له فهو راجع إلى الاستعمال المناسب للتذكية .
وجه الخلل انّ مقتضى ما أفاده خروج عنوان السوق عن المدخلية رأساً وهو خلاف ظاهر أدلّة اعتباره جدّاً .
الثالثة : انّه لا فرق في المسلم الذي يؤخذ من يده ويكون السوق أمارة على إسلامه بين ما إذا كان عارفاً بالإمامة أو لم يكن لأنّه مضافاً إلى كون أكثر المسلمين في تلك الأزمنة غير عارفين وإلى أنّ الجمع المحلّى باللاّم في المسلمين الذي اُضيف إليه السوق في رواية الفضلاء يقتضي العموم لكلّ مسلم على ما هو المشهور يدلّ عليه رواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسئل عن زكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه . وعليه فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لكونه أمارة شرعية على كون الحيوان مذكى بالتذكية المعتبرة عند العارف وذلك لاختلافنا معهم في بعض الاُمور المعتبرة في التذكية كاجتزائهم في الصيد بإرسال غير الكلب المعلم ، وكذلك في بعض الفروع كحكمهم بطهارة جلد الميتة بالدباغ وبطهارة ذبائح أهل الكتاب وغير ذلك من الموارد فلا يكون مجرّد كونه في يده أو مع ترتيبه آثار المذكّى عليه أمارة على وقوع التذكية المعتبرة عندنا عليه ، فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لاماريتها بل لأجل انّ الحكم بعدم الاعتبار مع أنّ الغالب في تلك الأزمنة هو كون المسلمين غير عارفين مستلزم للعسر فلذا جعل الشارع الأصل
( الصفحه 698 )
في الحيوان التذكية تعبّداً فيما إذا لم يكن بايعه مشركاً وسيأتي تفصيل هذا البحث في الجهة العاشرة إن شاء الله تعالى .
الرابعة : انّه يستفاد من بعض الروايات الواردة في السوق اعتبار ضمان البائع واخباره بكون مبيعه من المذكّى وهي رواية محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الفرو يشتري من السوق؟ فقال : إذا كان مضموناً فلا بأس . ولكن الظاهر انّه يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة رواية الفضلاء الدالّة على أنّ النهي عن السؤال عنه فإنّ المراد من النهي هو عدم الوجوب لأنّه في مقام توهّمه فالمراد عدم وجوب السؤال ، ومن الواضح انّ المراد من السؤال هو السؤال الذي يتعقّبه الجواب بوقوع التذكية فمرجع ذلك إلى عدم اعتبار الاخبار بوقوعها في جواز الأكل من اللحوم وكذا يدلّ على عدم اعتبار السؤال صحيحتا البزنطي ورواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة فلابدّ من حمل هذه الرواية على الاستحباب .
الخامسة : الظاهر انّ يد المسلم تكون أمارة على التذكية تكون أخصّ من اليد التي تكون أمارة على الملكية لا من جهة اعتبار اسلام ذي اليد هنا دونه بل من جهة انّه لا يعتبر في الامارية هناك سوى أصل ثبوت اليد وكون المال تحت استيلاء ذي اليد وسلطنته ولا يلزم أن يتصرّف فيه تصرّفاً متوقفاً على الملكية ، وامّا في المقام فيعتبر في اليد التي تكون أمارة على التذكية التصرّف المتوقّف عليها وذلك لأنّ مورد أخبار الاشتراء من السوق وجود هذا التصرّف لأنّ نفس المعرضية للبيع كاشفة عن التذكية لعدم صدورها من المسلم بالإضافة إلى الميتة وكذلك رواية إسماعيل ظاهرة في تعليق الجواز على رؤية الصلاة فيه فمجرّد كونه تحت يد المسلم أو استعماله في شيء ما ولو لم يكن مقتضى الدواعي النوعية طهارته مثل أن
( الصفحه 699 )
يتخذ ظرفاً للنجاسة لا دليل على اماريته على وقوع التذكية عليه .
السادسة : انّ يد المسلم هل هي أمارة على التذكية مطلقاً حتّى فيما لو علم بمسبوقيتها بيد الكافر بل وبعدم فحص المسلم لكونه ممّن لا يبالي بكونه من ميتة أو مذكّى أو يكون أمارة فيما لم يكن كذلك سواء علم بالمسبوقية بيد مسلم آخر أم لم تعلم الحالة السابقة؟ وجهان بل قولان اختار المحقّق النائيني (قدس سره) وجماعة الثاني نظراً إلى منع الإطلاق في دليل الاعتبار لا من جهة اللفظ ولا من ناحية ترك الاستفصال .
امّا الأوّل فلكونها قضايا خارجية وردت في محلّ الحاجة وهي الجواب عمّا وقع عنه السؤال من الأيدي والأسواق الخارجية في تلك الأزمنة وليست من قبيل القضايا الحقيقية التي حكم فيها بالافراد مطلقاً ولو كانت مقدرة الوجود غير محقّقة ومن المعلوم انّ مثل ذلك لا إطلاق لها ولذا لا تكون متعارفة في العلوم ولا يكون شأن العلوم هو البحث عنها لكونها في قوّة الجزئية وإن كانت مسورة بكلمة «كلّ» مثل كلّ من في البلد مات .
وامّا الثاني فلأنّ منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى هو غلبة العامة على أسواق المسلمين لا كون أيديهم مسبوقة بأيدي الكفّار إذ لم يكن جلب الجلود من بلاد الشرك معمولا في ذلك الزمان وإنّما هو أمر حدث في هذه الأعصار فهذه الجهة مغفول عنها بالكلّية عند أذهان السائلين وفي مثله لا مجال لترك الاستفصال وجعله دليلا على الإطلاق لظهور الحال .
ويمكن الإيراد عليه ـ مضافاً إلى منع كون أدلّة اعتبار السوق بأجمعها قضايا خارجية فإنّ مثل حكم الإمام (عليه السلام) في رواية الفضلاء المتقدّمة بجواز الأكل إذا كان ذلك في سوق المسلمين قضية حقيقية يكون موضوعها سوق المسلم أعمّ من
( الصفحه 700 )
الأفراد المحقّقة والمقدّرة ولذا لا نحتاج في التمسّك به إلى دليل الاشتراك من ضرورة أو إجماع ـ بأنّه لو سلم كون ذلك على نحو القضايا الخارجية نقول منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى لا ينحصر بغلبة العامّة على أسواق المسلمين بل كما اعترف به قبل ذلك ربّما كان المنشأ اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين من اليهود والنصارى وغيرهما المقيمين في البلاد الإسلامية ، ومن الواضح انّ هذه الجهة لا تكون بمثابة موجبة للغفلة عنها خصوصاً مع التصريح في رواية إسماعيل المتقدّمة بأنّه إذا رأيتم المشركين يبيعون . . . حيث فرض كون البائع مشركاً بل لو بنى على كفر الخوارج والنواصب والغلاة يتحقّق منشأ آخر لتداول ذبحهم للحيوانات وأكلهم لها وبيع جلودها فاحتمال سبق يد الكافر على يد المسلم من الاحتمالات العقلائية غير المغفول عنها في مورد الروايات ، وعليه فلا مانع من استكشاف الإطلاق من جهة ترك الاستفصال فتدبّر .
السابعة : انّه كما تكون يد المسلم أمارة على التذكية فهل تكون يد الكافر أمارة تعبّدية شرعية على عدم التذكية أو انّ عدم اعتبارها لأجل عدم وجود الامارة على التذكية لا ثبوت الامارة على عدمها وجهان بل قولان أيضاً استظهر في الجواهر الأوّل وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الامارتين على الاُخرى لاقوائيتها أو اقوائية دليلها ، ولكن الظاهر هو الثاني لأنّ العمدة في هذه الجهة هو قوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل المتقدّمة : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، ولا دلالة له على ذلك لأنّ إيجاب السؤال والفحص لا يلازم مع كونه أمارة على العدم بل يجتمع مع عدم الامارية بل ربّما يقال : ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شيء لأنّ السؤال يناسب الجهل وعدم الامارة ولكنّه مردود بأنّ أمارية العدم على تقديرها تكون مجعولة