( الصفحه 718 )
التعرّض فيما هو محلّ الكلام لذكر اللحم فالإطلاق من هذه الناحية لا مجال للمناقشة فيه بل من الناحية الاُخرى أيضاً وذكر اللحم إنّما هو لأجل الغلبة لا للاختصاص .
ومن وضوح جواز الصلاة في موارد كثيرة ممّا لا لحم له والالتزام بكون الجواز فيها على خلاف القاعدة مشكل جدّاً فقد قامت السيرة القطعية على الصلاة في القمل ونحوه من هوام البدن وعلى عدم الاجتناب فيها عن دم البق والبرغوث وعلى عدم المواظبة على أن لا يجلس عليه الذباب في حال الصلاة وعلى عدم الاجتناب فيها عن العسل مع انّه جزء من حيوان غير مأكول ليس له لحم وقد دلّ الدليل على جواز صلاة الرجال في الحرير الممتزج والنساء فيه وإن كان خالصاً مع أنّه هو الابريسم الذي يكون جزء من حيوانه ، ومن المعلوم انّه لا فرق في المقام بين الرجل والمرأة كما انّه لا فرق فيه بين الخالص والممزوج وقد ورد في بعض الاُمور المذكورة النص أيضاً ، ففي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال : لا وإن كثر . . . وفي صحيحة علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في القرمز وانّ أصحابنا يتوقّفون عن الصلاة فيه فكتب : لا بأس به مطلق والحمد لله . وقال الصدوق بعد نقل الرواية : وذلك إذا لم يكن القرمز من ابريسم محض والذي نهى عنه ما كان من ابريسم محض .
وبالجملة فالالتزام بأنّ الجواز في مثل الاُمور المذكورة إنّما هو لقيام الدليل على خلاف القاعدة في غاية الإشكال فالإنصاف عدم كون الحكم ثابتاً بنحو الإطلاق من الأوّل وانّ الحكم يختص بذوات اللحم من غير المأكول .
الخامس : لا إشكال في جواز الصلاة مع الفضلات الطاهرة من الإنسان فيما إذا
( الصفحه 719 )
كان لنفس المصلّي كشعره المنفصل عنه وظفره وسنّه ولعابه كذلك امّا لثبوت الانصراف في مثل الموثقة من الأدلّة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بدعوى انّ موضوعها الحيوان وهو يغاير الإنسان عرفاً وإن كان نوعاً منه عقلا ، وامّا للسيرة القطعية القائمة على عدم اجتناب المصلّي عن أجزاء نفسه المنفصلة عنه ، وامّا لما رواه الصدوق باسناده عن علي بن الريان بن الصلت انّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه ، فقال : لا بأس .
وبالجملة فالإشكال في هذا الفرض ممّا ليس له مجال .
وامّا إذا كان من غير المصلّي فالظاهر فيه الجواز أيضاً لجريان الانصراف المذكور فيه وثبوت السيرة على مباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع وغيره والصلاة في الثوب المستعار مع عدم انفكاكه غالباً من عرق لابسه أو لعابه ونحوه خصوصاً في الصيف ، والروايات الواردة في موارد مختلفة الدالّة على عدم البأس مثل ما ورد في البزاق يصيب الثوب قال : لا بأس به بناء على اقتضاء إطلاقه للشمول لبزاق الغير أيضاً وما دلّ على أنّه لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلّي أو ترضعه وهي تشهد وما دلّ على جواز أخذ سنّ الميّت وجعله مكان سنّه وما ورد في القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن من أنّه لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها ، وفي خبر آخر يكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها ، وفي ثالث : إن كان صوفاً فلا بأس وإن كان شعراً فلا خير فيه من الواصلة والموصولة .
والعمدة في الروايات ما رواه الشيخ (قدس سره) باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن الريان قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه
( الصفحه 720 )
شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع : يجوز . حيث إنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين المصلّي وغيره من سائر أفراد الإنسان .
ولكن حيث إنّ الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الرواية المتقدّمة التي رواها الصدوق بمعنى عدم كون السؤال والجواب متعدّداً بل الظاهر انّ علي بن الريان سئل عن حكم المسألة مرّة واحدة واُجيب بجواب واحد و حينئذ فيشكل التعميم لما إذا كان مع المصلّي شعر غيره لأنّه لا يعلم انّ الحكم بالجواز كان جواباً عن السؤال بهذا النحو لاحتمال كونه جواباً عن السؤال بالنحو الآخر المتضمّن لما إذا كان مع المصلّي شعر نفسه أو ظفره ولكن في بقية الأدلّة خصوصاً الانصراف كفاية .
بقي الكلام في الفرع الذي ذكره في الجواهر وحكم فيه بالمنع مع تسليم الانصراف وهو ما لو عمل من شعر الإنسان ما يصدق عليه اللباس عرفاً ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين شعر المصلّي وغيره وقد ذكر في وجهه انّ المنع ليس لأجل وجود المانع بل لانتفاء الشرط لاعتبار المأكولية فيما يصلّى فيه .
ويرد عليه بعد توضيحه بأنّ المراد من اعتبار المأكولية هو اعتبارها فيما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ضرورة انّه لا مانع من الصلاة في غير أجزاء الحيوان كاللباس المأخوذ من القطن مثلا ظهور الأدلّة في المانعية كما مرّت الإشارة إليه وسيمرّ عليك تفصيلا ولا يكاد تجتمع المانعية مع الشرطية بحيث كان هناك اعتباران وجعلان من الشارع للزوم اللغوية وعدم الفائدة في أحد الاعتبارين مع انّه على تقدير تسليم إمكان الاجتماع ودلالة الدليل على تحقّقه لا وجه للتفكيك بين الأمرين من جهة الانصراف فإنّه إذا كان المراد من الحيوان في ناحية غير المأكول وهو ما عدى الإنسان يكون المراد من الحيوان في ناحية المأكول أيضاً ذلك بمعنى انّ الإنسان خارج عن المقسم رأساً فعلى تقدير اشتراط المأكولية أيضاً لا مانع من
( الصفحه 721 )
الصلاة في أجزاء الإنسان إلاّ أن يكون مراده اشتراط المأكولية مطلقاً لا في خصوص ما إذا كان من أجزاء الحيوان ويدفعه ـ حينئذ ـ الضرورة على خلافه لجواز الصلاة في مثل القطن على ما عرفت .
وكيف كان فالظاهر جواز الصلاة في هذه الصورة أيضاً .
وقد وقع الفراغ من تأليف هذا المجلّد في اليوم السادس والعشرين من شهر رجب المكرّم من سنة 1400 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغني محمد الموحدي اللنكراني الشهير بالفاضل عفى عنه وعن والده المكرّم الفقيه الفقيد آية الله المرحوم الحاج الشيخ فاضل اللنكراني (قدس سره) ونسأل الله تعالى التوفيق للإتمام بحقّ نبيّه وعترته عليه وعليهم الصلاة والسلام .
كصاحبي الجواهر والمصباح انّها هي رواية الحلبي وقد اختاره سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) نظراً إلى أنّ التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ مخالف لفتاوى جميعهم لأنّ المسلّم بينهم إنّما هي الحرمة التكليفية المطلقة ، وامّا بطلان الصلاة فالمعروف بينهم العدم ، نعم ذهب إليه بعضهم استناداً إلى اقتضاء النهي التكليفي له عقلا من غير فرق بين ما تتمّ وغيره فالتفصيل الذي يدلّ عليه الرواية مناف لكلا القولين وهذا بخلاف المكاتبتين فإنّ عدم حلّية الصلاة في الحرير المحض لا ينافي فتاويهم لأنّهم أيضاً يقولون بذلك ، غاية الأمر انّ النهي لا يقتضي الفساد عند كثير منهم فهما موافقتان لمذهبهم .
أقول : بناء على ما ذكرنا في مفاد المكاتبتين يكون مدلولهما أيضاً مخالفاً لمذهبهم ، غاية الأمر انّ رواية الحلبي مخالفة لجميع الفتاوى والمكاتبتان مخالفتان لفتوى الأكثر القائل بعدم البطلان فإن اُريد من مخالفة العامّة التي هي من المرجّحات المذكورة في مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة مخالفة الجميع فالترجيح مع رواية الحلبي وإن اُريد منها المخالفة للفتوى الشائعة الرايجة فالمكاتبتان أيضاً متّصفتان بذلك ، وعلى ما ذكر فالمسألة غير خالية عن الإشكال ومقتضى الاحتياط الاجتناب عمّا لا تتمّ أيضاً إذا كان حريراً .
require("baknext.php");
?>