( الصفحه 86 )
موردها السفر فلا يستفاد منها المشروعية بمجرّد الشيخوخة وإن لم يكن هناك منفرد عليه فهذا القيد أيضاً من جملة القيود التي يتحقّق معها الترخيص في التقديم في السفر فتدبّر . والظاهر انّ محمد بن إسماعيل الواقع في السند هو النيسابوري تلميذ الفضل بن شاذان والراوي عنه كثيراً .
ومنها : الجارية التي تضعف عن القضاء ويغلب عليها النوم ويدلّ على الجواز فيها رواية معاوية بن وهب على نقل الكليني والشيخ(قدس سرهما) حيث زادا فيها قوله : قلت : فإنّ من نسائنا أبكاراً الجارية تحبّ الخير وأهله وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتّى ربّما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه أوّل الليل فرخص لهنّ في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء . ولكن الظاهر انّ التقديم فيه إنّما هو من باب التعجيل وإلاّ لا يكون وجه لتأخّره عن القضاء كما لايخفى .
ومنها : خشية الفوات في وقتها ، ويدلّ على الجواز معها رواية أبي بصير المتقدّمة في المريض . ورواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك برد فصلِّ واوتر في الليل في السفر . وحيث إنّ الرواية الثانية قد قيّد الحكم بالجواز فيها بالسفر يشكل الحكم به بمجرّد خشية الفوت ولو في غير السفر; لأنّه يحتمل قوياً أن لا يكون في البين روايتان صادرتان عن أبي عبدالله (عليه السلام) مرّتين ، بل رواية واحدة رواها أبو بصير والحلبي معاً ويؤيّده اتحاد ألفاظهما ، وعليه فيتردّد الأمر بين أن تكون الرواية الصادرة مشتملة على كلمة «في السفر» أم لا ومع هذا الترديد لا يبقى مجال للحكم بالإطلاق لأنّ التقييد يكشف عن مدخلية القيد لا محالة وإلاّ يصير ذكره لغواً .
وعلى فرض كونهما روايتين لفرض تعدّد الراوي لابدّ من حمل المطلق على
( الصفحه 87 )
المقيّد والالتزام بتقيد الجواز بالسفر . نعم ربّما يقال : إنّه لا مجال لحمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات كما إذا أمر بقراءة القرآن مطلقة ثمّ ورد الأمر بها مقيّدة بقيد كالطهارة أو وقت مخصوص أو مكان كذلك ، وعليه فجواز التقديم مع خشية الفوات مطلقة لا ينافي جوازه معها مقيّدة بالسفر كما لايخفى .
وأجاب عنه بعض الأعلام بما حاصله : انّ عدم جريان قانون الإطلاق والتقييد في الأحكام غير الإلزامية إنّما هو فيما إذا ترتّب الحكم على متعلّقه من دون تقييد بشيء ثمّ ورد الأمر بها مقيّدة بقيد كالمثال المذكور فإنّ في مثله يختصّ حمل المطلق على المقيّد بالأحكام الإلزامية; لأنّ معنى إطلاق المتعلّق جواز إتيان المكلّف به غير مقيّد بذلك القيد ومعنى التقييد انّه لابدّ من الإتيان به مقيّداً به وهما أمران متنافيان ولابدّ من الحمل وهذه بخلاف المستحبّ; لأنّه لا إلزام فيه على الإتيان بالمقيّد ليكون ذلك منافياً للترخيص في المطلق ، وامّا إذا دلّ الدليل على ثبوت حكم مطلق ثمّ ورد هذا الحكم مقيّداً بقيد في دليل آخر كما في محلّ الكلام بأن كان التقييد راجعاً إلى الحكم لا إلى المتعلّق فلا مناص من حمل المطلق على المقيّد وإلاّ لزم اللغوية في التقييد من دون فرق بين الواجب والمستحبّ .
وأنا أقول : إنّ في المقام خصوصية لا محيص فيه عن الحمل وذلك لأنّ مقتضى أدلّة توقيت صلاة الليل وإنّ وقتها من انتصاف الليل هو عدم مشروعية وقوعها قبل الانتصاف لمنافاة التوقيت معها فمفاد تلك الأدلّة عدم المشروعية إذا أتى بها أوّل الليل مطلقاً و ـ حينئذ ـ فالاختلاف في ثبوت القيد وعدمه يرجع إلى الاختلاف في أصل المشروعية مع عدم ذلك القيد .
وبعبارة اُخرى مع ثبوت القيد تكون المشروعية ثابتة بمقتضى كلا الدليلين ومع عدمه تكون مشكوكة ، فدليل المطلق مثبت لها ودليل المقيّد ناف ، ومن الواضح انّه
( الصفحه 88 )
مع الاختلاف في المشروعية لا محيص من حمل المطلق على المقيّد لوجود المنافاة بينهما لأنّ دليل المطلق يثبت المشروعية مع عدم القيد ودليل المقيّد ينفيه فلا مناص منه وقد انقدح بذلك انّ مجرّد خشية الفوات من دون مقارنة السفر لا يجوز التقديم ، نعم يمكن استفادة الجواز من صدور رواية معاوية بن وهب المتقدّمة في الجارية عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم وقال : إنّي أريد القيام بالليل (للصلاة) فيغلبني النوم حتّى أصبح فربّما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله فقال : قرّة عين والله ، قرّة عين والله ولم يرخص في النوافل (الصلاة) أوّل الليل وقال : القضاء بالنهار أفضل . فإنّ الحكم بأفضلية القضاء يدلّ على جواز التقديم ومشروعيته مع خوف الفوات لأجل النوم ونحوه .
( الصفحه 89 )
مسألة 6 ـ وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب ، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله والعصر بآخره كذلك ، وما بينهما مشترك بينهما ، ووقت العشائين للمختار من المغرب إلى نصف الليل ، ويختص المغرب بأوّله بمقدار ادائها ، والعشاء بآخره كذلك بحسب حاله ، وما بينهما مشترك بينهما ، والأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل اضطراراً لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها أو عمداً الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة ولو لم يبق إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً ، والأحوط قضائهما مترتّباً بعد الوقت ، وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح ، ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص ، كما انّ منتهى فضيلة العصر المثلان ، ومبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام ـ أي أربعة أسباع الشاخص ـ على الأظهر ، وان لا يبعد أن يكون مبدئها بعد مقدار اداء الظهر ، ووقت فضيلة المغرب إلى ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية وهو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث الليل فلها وقتا اجزاء : قبل ذهاب الشفق وبعد الثلث إلى النصف ، ووقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحمرة المشرقية ، ولعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلل والاسفار وتنور الصبح المنصوص بها 1 .
1 ـ البحث في هذه المسألة يقع في مقامات وينبغي قبل التكلّم فيها الإشارة إلى أصل اعتبار الوقت وشرطيته في الصلوات المفروضة اليومية ، ونقول اشتراطه فيها في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، بل هو من ضروريات الإسلام وعليه اتفاق قاطبة المسلمين ويدلّ عليه من الكتاب آيات متعدّدة :
منها : قوله تعالى : }أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر انّ قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك
( الصفحه 90 )
مقاماً محمودا{(1) والمراد من دلوك الشمس هو زوالها وانتقالها عن دائرة نصف النهار كما يظهر من كثير من أهل اللغة ويدلّ عليه رواية زرارة الآتية ، ومن الغسق انتصاف الليل أو سقوط الشفق على ما سيأتي والآية تدلّ على بيان وقت الصلوات اليومية بأجمعها أربع منها يستفاد من صدر الآية وواحدة من قوله : وقرآن الفجر . . . لأنّ المراد منه هي صلاة الصبح وإطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ وقد وقع تفسيره بها في بعض الروايات الآتية .
ومنها : قوله تعالى : }أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل انّ الحسنات يذهبن السيئات{(2) بناء على أنّ المراد من طرفي النهار امّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والعصر لكون الطرفين داخلين في النهار ، وامّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والمغرب لكونهما واقعين في حدّه خارجين عن حقيقته فعلى الأوّل يكون المراد من قوله : وزلفاً من الليل هو وقت العشائين معاً وعلى الثاني خصوص وقت العشاء .
وقد فسّرت الآية صحيحة زرارة الطويلة بهذا المعنى حيث قال (عليه السلام) وطرفاه المغرب والغداة وزلفاً من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة .
واحتمال كون المراد به وقت صلاة الليل ودخول أوقات الصلاة المفروضة في طرفي النهار بعيد ، ووجوب صلاة الليل ـ أي الوتر ـ على النبي (صلى الله عليه وآله) لا يؤيّد هذا الاحتمال بعد وضوح عدم كون الخطاب متوجّهاً إلى شخصه (صلى الله عليه وآله) فقط .
ومنها : قوله تعالى : }فأقيموا الصلاة انّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً
- (1) سورة الاسراء : 76 .
(2) سورة هود : 114 .